النداء العشرون ( حكمة الخالق سبحانه في اختلاف الاجناس )

[زياد محمد حميدان]

النداء العشرون :] حكمة الخالق في اختلاف الأجناس [
] يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ {الحجرات 13}.
يأتي هذا النداء الربانيّ في سياق الآيات التي نهت المؤمنين عن السخرية والاستهزاء،ولما كان أحد الأسباب الداعية إلى السخرية والاستهزاء ،التفاخر بالأنساب،جاء هذا النداء للناس كافة ليذكرهم بالأصل الواحد،وأنهم جميعا أبناء آدم u ،ولكن شاء الباري Y أن يتفرق الأخوة في الأرض لعمارتها،وليحصل التعارف بعد هذا التفرق.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:]أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا،فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ ،وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[[1].
في سبب النزول أقوال:
الأول:أنها نزلت في أبي هند t حاجم النبي r عندما رفض بنو بياضة تزويجه،أخرج البيهقي عن أبي هريرة t] أن رسول الله r قال: يا بني بياضة انكحوا أبا هند وانكحوا إليه قال وكان حجاما .وعن الزهري في هذه القصة: أنهم قالوا : يا رسول الله تزوج بناتنا موالينا؟فأنزل الله U إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا الآية[[2].
الثاني:أنها نزلت في بلال بن رباح t عندما رقي الكعبة المشرفة ،للأذان يوم فتح مكة.عن ابن أبي مليكة t قال لما كان يوم الفتح رقي بلال فأذن على الكعبة، فقال بعض الناس: هذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة، وقال بعضهم: إن يسخط الله هذا يغيره، فنزلت (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)[3].
الثالث:أنها نزلت في ثابت بن قيس t ،وقد تقدمت قصته في التفسح في المجالس،
قوله في الرجل الذي لم يتفسح له ابن فلانة، فقال النبي r : من الذاكر فلانة ؟قال ثابت :أنا يا رسول الله. فقال النبي r : انظر في وجوه القوم. فنظر فقال: ما رأيت ؟قال: رأيت أبيض وأسود وأحمر. فقال: فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى فنزلت في ثابت هذه الآية [4].
قوله تعالى:] يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ [ الخالق واحد،وإذا كان كذلك،فإنكم إذا عبتم إنما تعيبون الخالق،وليس المخلوق.وإذا كان الجميع من خلق إله واحد ،والأصل واحد فعلام التفاخر والتعاظم؟!.
قوله تعالى:] مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى [ أصل مبدئكم من آدم وحواء،وهكذا استمر التزاوج حتى وصلتم إلى حالكم اليوم،وقد بيَّن الحق سبحانه كيفية التزاوج بين الرجل والمرأة ، (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) (الطارق:7) .التريبة من المرأة موضع القلادة من صدرها.والعلم الحديث ،كشف تفصيلات أكثر ،حيث يلتقي الحيوان المنوي من الرجل،والذي يحمل الصفات الوراثية في الرجل،على شكل حلزوني مكون من سلسلتين،وعددها ست وأربعون زوجا، زوجان منهما يحملان صفات الذكورة والأنوثة والبويضة من الأنثى ،والتي تحمل الصفات الوراثية كذلك،فإذا التقيا حصل الانقسام بين سلسلتي الصفات الوراثية،فتحمل كل خلية الصفات الوراثية من الخليتين.
والرسول r قد بيَّن بما يسبق العلم الحديث،كون الجنين ذكرا أو أنثى،قال r] إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ[[5].
وإذا قيل: ما الحكمة في اختيار النسب،من جملة أسباب التفاخر؟
يجيب الرازي على ذلك الأمور التي يفتخر بها في الدنيا ،وإن كانت كثيرة،لكن النسب أعلاها،لأن المال قد يحصل للفقير،فيبطل افتخار المفتخر به،والحسن والسنِّ وغير ذلك ،غير ثابت ،والنسب ثابت مستمر،غير مقدور التحصيل لمن ليس له،فاختاره الله للذكر،وأبطل اعتباره بالنسبة إلى التقوى،ليعلم منه بطلان غيره بالطريق الأولى)[6].
قوله تعالى:] وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ[ أصل الشَّعب من التشعب،بمعنى التفرق والانتشار،واختلف في الفرق بين الشعوب والقبائل،
قال ابن عباس رضي الله عنهما:الشعوب الموالي،والقبائل العرب[7].ونقل القرطبي أقوالا في ذلكقال الجوهري: الشعب: ما تشعب من قبائل العرب والعجم، والجمع الشعوب. والشعوبية: فرقة لا تفضل العرب على العجم. والشعب: القبيلة العظيمة، وهو أبو القبائل الذي ينسبون إليه، أي يجمعهم ويضمهم. قال ابن عباس: الشعوب الجمهور، مثل مضر. والقبائل الأفخاذ. وقال مجاهد: الشعوب البعيد من النسب، والقبائل دون ذلك. وعنه أيضا أن الشعوب النسب الأقرب.
وقيل: إن الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب. قال القشيري: وعلى هذا فالشعوب من لا يعرف لهم أصل نسب كالهند والجبل والترك، والقبائل من العرب. الماوردي: ويحتمل أن الشعوب هم المضافون إلى النواحي والشعاب، والقبائل هم المشركون في الأنساب)[8].
وأقرب استعمال في وقتنا الحاضر،ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما والقشيري والماوردي.
قوله تعالى:] لِتَعَارَفُوا [ الحكمة من تفرُّق الناس في الأمصار،ليتعارفوا ويتواصلوا فيما بينهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t :]عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ :تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ. فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ[ [9] مَعْنَى قَوْلِهِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ: يَعْنِي بِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْعُمُرِ.
قوله تعالى:] إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [ التقوى ميزان التفاضل بين الناس،وليس المال والحسب والنسب.وفي الصحيح قال r :] مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ [[10].
النسب ليس من كسبك،حتى تفاخر به،والمال والجاه والسلطان والحسن ،كلها ظل زائل.أخرج الحاكم عن أبي هريرة t :] أن النبي r قال: إن الله U يقول يوم القيامة أمرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم فيه، ورفعتم أنسابكم فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم، أين المتقون؟ أين المتقون؟ إن أكرمكم ثم الله أتقاكم[[11].
و عن أبي مالك الأشعري t قال:] قال رسول الله r :إن الله U لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أحسابكم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، فمن كان له قلب صالح ،تحنن الله عليه، وإنما أنتم بنو آدم وأحبكم إلي أتقاكم[[12].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ:] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ[[13].
وقد أورد القرطبي شعرا للإمام علي y [14]:
الناسُ من جِهَةِ التمثيل أكِفَّاءُ أبـوهم آدم والأم حواءُ

نفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مشاكلةٌ وأَعْظُمٌ خُلِقَتْ فيهم وأعضاءُ

فإن يكن لهم من أصْلهِم حسبٌ يُفاخرونَ بِهِ فالطينُ والماءُ

ما الفضلُ إلاَّ لأَهلِ العِلْمِ إِنَّهُم على الهدى لمن استهدى أَدِّلاءُ

وقَدْرُ كُلِّ امرئٍ ما كانَ يُحْسِنُهُ وللرِّجالِ على الأَفعالِ سيماءُ

وضدُّ كلُّ امرئٍ ما كان يجهلُهُ والجاهلونَ لأَهلِ العِلْمِ أَعْدَاءُ

وأنشد بعضهم:

ما يَصْنَعُ العَبْدُ بعزِّ الغِنَي والعِزُّ كُلُّ العِزِّ لِلْمُتَّقِي

مَنْ عَرَفَ الله فَلمْ تُغْنِهِ مَعْرِفَةُ الله فَذاكَ الشَّقِي
قوله تعالى:] إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[ قال الرازيعليم بظواهركم،يعلم أنسابكم،خبير ببواطنكم،لا تخفى عليه أسراركم،فاجعلوا التقوى عملكم،وزيدوا في التقوى،كما زادكم)

1) سنن الترمذي،كتاب تفسير القرآن،باب من سورة الحجرات 12/155 رقم 3283

2) السنن الكبرى للبيهقي 7/136

3) الدر المنثور 6/107 وانظر زاد المسير 7/478 والجامع لأحكام القرآن 16/341

4) الجامع لأحكام القرآن 16/341 وانظر زاد المسير 7/478 وتفسير القرآن العظيم 4/277

5) صحيح مسلم،كتاب الحيض،باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني 3/216 رقم 713

6) التفسير الكبير 28/113

7) زاد المسير 7/474 وانظر الجامع لأحكام القرآن 16/344

8) انظر الجامع لأحكام القرآن 16/344 وهناك أقوال أخرى أنظر جامع البيان 11/398 والدر المنثور 6/108

9) سنن الترمذي،كتاب البر والصلة،باب ما جاء في تعليم النسب 8/150 رقم 1984

10) صحيح مسلم،كتاب الذكر والدعاء،باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وذكر الله 17/23 رقم 6793

11) المستدرك 2/503

12) المعجم الكبير للطبراني 3/297

13) سنن أبي داود،كتاب الأدب،باب في التفاخر بالأحساب 5/213 رقم 5116

14) الجامع لأحكام القرآن 16/342

---

hgk]hx hguav,k ( p;lm hgohgr sfphki td hojght hgh[khs )

[شريف حمدان]

[محمد نصر]

[زياد محمد حميدان]

وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم

[شريف حمدان]