![]() | |
ملتقى قرأتُ لك لمختصرات الكتب ملتقى يختص بوضع الكتب المفيده وملخصاتها ونشر المختصرات التحليلية أو النقدية أو الموضوعية لأهم الكتب المنشورة . |
![]() |
![]() |
كاتب الموضوع | زياد محمد حميدان | مشاركات | 1 | المشاهدات | 678 | ![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
![]() | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : ملتقى قرأتُ لك لمختصرات الكتب بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثانية الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبيّ الأميّ الطاهر الزكيّ، وعلى آله وصحبه الغرّ الميامين.ومن اتَّبع أثره، واقتدى بهديه إلى يوم الدين. أمَّا بعد، فبعد توفيق الله تعالى نفذت الطبعة الأولى من هذا الكتاب الذي تناولت فيه قبسات من حياة العارف بالله العلامة الرباني الشيخ الدكتور رجب ديب حفظه الله تعالى، ومتَّع المسلمين بحياته، ونفع المؤمنين بعلمه وتوجيهه وإرشاده. كلَّما مرَّت الأيام يزداد إحساسي بالعجز عن الإحاطة بجوانب حياة فضيلة الشيخ المباركة، وأنا أشهد الأعباء الجسام التي يتحمَّلها، ويستعذب الصعاب في ذات الله تعالى، أشهد ذلك يومياً، إذ تكرَّم عليَّ وسمح لي بزيارته في مكتبه العامر يوميَّاً، خلال إجازتي الصيفية. فما يقوم به من أعباء يحتاج إلى عصبةٍ من العلماء ليقوموا بها، فهناك الكتابة والتأليف التي تحتاج إلى شيخٍ متفرِّغ، وكذلك الإفتاء والردّ على الاستفسارات الدينية والاجتماعية، وحلِّ قضايا الناس الذين يتصلون به هاتفياً، من داخل الدولة وخارجها.وكذلك الدروس العامة والتحضير لها، والجلسات الخاصَّة، وجلسات التوجيه والإرشاد، وكذلك متابعة الدعوة والأحباب في دمشق وريفها وحلب واللاذقية وسائر المحافظات، فضلاً عن متابعة أحبابه في بيروت، وكلّ ذلك لا يمنعه عن متابعة متطلبات الأسرة، ومعاونة زوجته في أمور المنـزل، ومتابعة نشاطات أولاده، وصلاته ببناته وأصهاره وأحفاده. ذلك العالم الرباني الذي نذر حياته، بكلِّ ما فيها لله تعالى، وتبليغ شرعه، يعيش همّ الدعوة والإرشاد بكلِّ وجدانه، يقظةً ومناماً، وقد شهدت والأحباب حالاتٍ كثيرةٍ، يدخل فيها فضيلته غرفة نومه ليأخذ قسطاً من الراحة، بعد عناء الكتابة، فإذا هو يرجع بعد برهةٍ ليخبرنا بمنامه، الذي هو استكمالٌ لعمله في الكتابة. وقد أخبرنا حفظه الله تعالى عن مناماته، فإذا هي جولات من الحوار والدعوة إلى الله تعالى مع الملوك والرؤساء والمسؤولين في العالم العربي والإسلامي، وإذا فسَّر بعض الآيات الكونيَّة، تراه سابحاً في فضاء الكون يرى منه ما قد فسَّره وكأنَّه عيان. وقد كتب الله تعالى له التوفيق والنجاح في دعوته، ووضع له القَبول والحبّ في قلوب الناس، وهذا ما تلحظه من الآلاف التي تتابع دروسه العامَّة، أينما حلَّ أو ارتحل، وإنك لتلمس مدى الحبّ الذي يكنُّه له من يحضر دروسه، حيث يشقّ طريقه للخروج من المسجد ببالغ الصعوبة، إذ كلٌّ يحاول أن يتشرَّف ويتبارك بالسلام عليه ومصافحته، أو يحظى منه بسلامٍ أو تحيَّةٍ أو حتى ابتسامةٍ. وقد أخذ بمجامع قلبي ذلك المنظر الرائع، مئات الرجال والنساء يصطفون على جنبات الطريق الذي يسلكه عند خروجه من الدرس الذي يلقيه في مسجد بني أميَّة الكبير بدمشق. يصطفُّون ليحيُّونه بقلوبهم، قبل ألسنتهم التي تلهج بالدعاء له، وعيونهم التي تطفح بالبشر والسرور، أن يسَّر الله تعالى له فرصة النظر إليه، والأكُفّ التي تترجم عمق المحبَّة التي تملأ القلوب، ترتفع محييةً ذلك العالم الجليل، والذي يبادلهم التحية بتحيات الحبِّ والوفاء. قلت في نفسي فلينظر إلى هذا الحشد المبارك العظيم، من يحاول الطعن في دعوة الشيخ، أو النيل من مسيرته المظفرة. وأخيراً أقرُّ بأنِّي مهما كتبت أو وصفت، فلن أحيط بعشر معشار من حياته الزاخرة بالحركة الدؤوب، والعمل المتواصل، مما يؤكد أنَّ هذا العالم الرَّباني، من النفحات الربانيَّة، والمنح الإلهية لهذا الزمان، فالسعيد كلّ السعادة، من ظفر بصحبة حبيبٍ من أحباب الله تعالى، والموفق كلّ التوفيق من يوفق لصحبة أولياء الله تعالى، ويثبته الله تعالى على ذلك. وإنِّي لأسأل الله الكريم، ربِّ العرش العظيم، أن يحفظ فضيلة الشيخ، ويثبته بالقول الثابت، وأن يؤيده بجندٍ من عنده، وأن يحقِّق له سُؤله وزيادة، وأن ينفع به العالم، حاضراً ومستقبلاً، وأن يدوم نفعه وذكره إلى يوم الدين، وان يوفقنا لحسن صحبته، وأداء بعض حقِّه، وأن يجمعنا به ظاهراً وباطناً، في الدنيا والآخرة، على هدي ****** المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحبابه وأوليائه. إنَّه ولي الأمر والتدبير، وبالإجابة جدير وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله ربّ العالمين الدكتور/ زياد محمد حميدان دمشق 1428هــ 2007م (مقدمة الطبعة الأولى) هذا الأسلوب المُحبَّبُ السَّلِسُ، لم أعهدْه من قبل في دروسِ المساجد ولا في محاضرات الإذاعة، ولا بطونِ الكتب، بدأتُ أشعر أنني أسمع الدِّين من جديد ، وأَنّ كل ما قرأتُ وسمعت من قبل لم يلامس شَغَاف قلبي. وبدأتُ أُحِسُّ بِتَحَوُّلٍ في قلبي وجوانحي، ومع نهاية الدرسِ أحسستُ بحزن خَفِيٍّ، إذ أنْهى الشيخ الحديث عن هذه الآية، وما تَمَنَّيْتُ أن يُنْهِيها، لما في الحديث عنها من غذاءٍ روحيٍّ يجلو النفسَ ويهذِّبُها، وكأنك تعيشُ في عالم الطُّهْرِ مع الملائكة. وقلت في نفسي: سينتقل الشيخ في الدّرس القادمِ إلى الحديث عن المال وحقوق الفقراء والزّكاةِ وأحكامها، وليس في الحديث عن المال روحانيّةٌ. وترقبتُ الدرسَ القادم وفي نفسي هذا التّصوُّر، لكن ما إنْ بدأ الحديثَ واستفاض الشيخ حتى أيقنتُ أنّ هذا الشيخ ليس كَكُلِّ المشايخ، وأنَّ ما أسمع ليس كالذي كنتُ أسمع وأقرأ. وإذا بالحديث يزداد روحانيةً عن سابقه، وأحسستُ بانْجذابٍ شديد وعذب تجاه الشيخ، وأحسست بحبٍ عميقٍ يجذبني نحوه، وشوقٍ عارمٍ للتَّعرّف إليه والتقرب منه، وبعفوية تامّة انطبع في ذهني أنه يشبه سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وأنه من أهل الجنة. سألتُ: متى سيكون الدرس القادم؟ قالوا: بعد أسبوعين، إذ أن الشيخ مقيمٌ في الشّام، يُعطي الدروس هناك: الاثنين والأربعاء مثل هذه الدروس، ويحضر دروسَ شيخه فجر الأحد ومساء الثلاثاء والخميس وضحى الجمعة، ثم يسافر أسبوعيّاً مرّةً إلى بيروت ومرّةً إلى اللاذقية، فَعَظُمَ في نفسي أنه مع علمه وجلالته وكثرةِ أتباعه يحضر دروساً كبقيّة الناس؟! إنَّ هذا قمّةُ التواضع، ومن كان في مثل مكانته جديرٌ بأن يستقلَّ بنفسه. ترقبتُ بشوقٍ الزيارة القادمة، وحضرتُ مبكّراً لأكون قريباً من الشيخ، فإذا الذي حرصتُ عليه قد سبقني الكثيرون إليه، وازداد تعلُّقي بالشيخ، ووجدت أن نفسي كانت خاوية من محبة الله ورسوله، وأنّ كلَّ ما قرأت وسمعت كان قعقَعَةً من غير حقيقية في الواقع. وبدأ سلوكي يتغيَّر، وانقلب كياني، وكأني ولدّتُ من جديدٍ. ولما رأى مَنْ دلّني على الشيخ [1] حرصي على حضور المجالس أخبرني بأن هناك درساً صباحياً في (الزيدانية)؛ في مسجد الفاروق عمر رصي الله عنه، فحرصتُ على حضوره، فلمّا حضرتُ كانت دهشتي تقارب دهشتي الأولى عند حضوري مجلسي الأوّل، فإذا بالمجلس يمتلئ بالشباب من قبل الفجر. فقلتُ: سبحان الله ما هذه الكوكبة من الشّباب الطّاهر المؤمن؟! والتي قد خُطِّطَ لها أن تكون من رُوّاد دُورِ اللّهْوِ والعبث والمجون، لقد اجتمعت هذه الفئةُ المؤمنة من قبل الفجر من كُلّ نواحي بيروت، لتملأ قلوبَها بالحُبّ الفيّاضِ من ذلك البحر الذي يتدفقُ بالحبّ، يجلو القلوب من تعلُّقاتِها ويسمو بها في عَنان السماء، في جَوِّ من الطُّهْر والصّفاء. كانت دهشتي وانبهاري في هذا العدد الكبير كيف اجتمع ومن أين أتى؟ ونحن نعلم أن المساجد في صلاة الفجر لا تتعدّى الصفَّ والصفين من كبار السنِّ، ولكن أن يمتلئ المسجد بالشباب في عمر الزهور ورَيْعَانِ الشَّباب فهذا ما لم أستطع استيعابه، ويكاد لا يعهد في المساجد إلا في القليل النّادر. أحسستُ أنَّ قلبي بَدَأَ يَتَّسِعُ ليمتلئ بحبّ الشيخ، وبعد أن انتهى الدرسُ الصباحي بشروق الشمس وصلاةِ الضحى، أخذ الشيخ يَشُقٌّ طريقه بصعوبة بين تلك الجموع الحاشدة والتي تتهافت لتحظى منه بسلامٍ، والسعيد من حَظِيَ بكلامٍ أو ابتسامةِ رضا خاصّة. حاولتُ شقَّ الطريق لأحظى منه بسلام فلم أستطيع، ولكنه نظر إِليَّ وسط هذا الجمع نظرةَ رضاً وابتسامةٍ، لم أتملّك نفسي من الفرح والسرور. وبعد قليل تهامس الجمع أن الشيخ سيذهب إلى البحر للسباحة، وخرج في سيارته والشباب في سياراتهم، وإنه لموكبٌ أجل وأعظم من مواكب الملوك، كلٌّ يتسابق بِكُلِّ ما أوتي من قُوّةٍ ليتقَرَّبَ من الشيخ أو ليقدِّمَ خدمةً ولو كان فيها حياتُه، ويجد ذلك رخيصاً بين يدي الشيخ، ولا يدفع ذلك في نفوسهم إلا سلطةُ الحُبّ. ونزل الشيخ ومعه الكوكبة النَّيرةُ إلى البحر بالملابس الشرعيّة، ما أروعه من مشهدٍ، الشيخ يسبح وسط هالةٍ تحيط به من كل جانب، كم تمنيت لو أعرف السباحة فأكون معهم. مع أن الرّهبة كانت تملأ قلبي حتى من الاقتراب منه، فقد حبَاهُ الله من رداءً من الهيبةِ، ولكنني ظفرت بما يقرُّ عيني ويُسْعِدُ قلبي، حيث أخذتُ عصا الشيخ تبرُّكَاً بمن حملها، وكان يدور في سري خاطر: لو سألني الحقُّ سبحانه وتعالى لقلت له: أنا أمسكت بعصا الشيخ وأنّ ذلك كافٍ بإذن الله. أنهى الشيخ حصَّتَه من السِّباحةِ قبل أن يبدأ الناس بالتوافد على المكان، وما أحببتُ مفارقته وأنا مأخوذٌ بكل تصرُّفٍ يقوم به، فإذا أنا في عالمٍ غير العالم الذي كنت أعيشه. استصغرت كلَّ الهموم والأفكار والطّموحات المادّية التي كنت أطمح لبنائها، أدركت يقيناً أن هذا الشيخ مؤيَّدٌ من الله تعالى، وأنه يرى بنور الله، وسألتُ عن مقرِّ إقامته في بيروت، فإذا الشباب يتقاطرون إلى هناك. وهناك وجدت أنني لست المُحبَّ الوحيد الذي ملأ الشيخ قلبه بالحبّ، وأني لست الظامِئَ الوحيد. فالكل يسعى لمجالسته والاستمتاع بالنظر إليه، فالنظر إليه يملأ القلب سعادةً لا يدرك كنهها، ويتملّكني الإعجاب أن الشيخ لا يَكلُّ ولا يَملُّ من كثرة الاستشارات والنصائح والتوجيه والإرشاد، يعطي كُلَّ واحدٍ ما يملأ قلبه سعادةً. وإنه لا يمدح نفسه ولا يظهر ضجراً ولا مللاً، ولا يطلبُ شيئاً لنفسه مادياً كان أو معنوياً، مثلُهُ كالأبِ الحاني يملأ آنية أولاده ويُسَرّ لسعادتهم وهم يأكلون. ولازمت ذلك المقرّ المبارك يوماً، فإذا بالشباب يتوافدون يدخل فوجٌ ويخرج آخر، وتلحظ البشر والسرور على وجوه من يخرج من عنده. لابُدّ أن الشيخ قد أعطاهم سِرّاً في قلوبهم وأرواحهم، استرخصوا مهجهم بين يديه ولو أمرهم بالصعود إلى السماء لفعلوا. ثم وجدت أن مجالس بيروت لا تكفيني وأنه بمقدوري الذهاب إلى الشام للاستزادة، وقد ذهبت إلى الشام، فازداد إعجابي وتعلُّقي بالشيخ، لا فراغ لديه ولا وقت لفضول الكلام، يدلّ على الله كُلَّ من جالسه، قلّ المجالسون أو كثروا، وفي كل مرّةٍ تسمع كلاماً جديداً، يغرف من بحرٍ عذبٍ لا تكرار فيه ولا تكلّف، وإن قلبه الكبير يسع الصغير والكبير، يعطي كلاًّ ما يناسبه، لديه إلمامٌ بكل المعارف، يُقَرِّبُ الأمر لِكُلِّ واحدٍ حسب فهمه وصنعته وبيئته، لا يمكن أن تصدر عن مجلسه إلا وأنت منشرح الصّدر مقتنعٌ عقلاً ووجداناً، وما وجدتُه في بيروت من حركةٍ دائبةٍ لا تتوقف، وجدتُه في الشام أيضاً؛ فقد أقمتُ في مسجد المغربية قريباً من بيت الشيخ الكائن في (الجسر الأبيض) من حَيّ الصَالحية؛ قرب مسجد الشيخ محيي الدين بن عربي رحمه الله تعالى، فكان فجر كل يوم يجلس لشرح صحيح البخاري حتى صلاة الضحى بأسلوب شيّقٍ وممتعٍ، يربط كُلَّ مسألةٍ بالواقع، وبأسلوبٍ يتدنّى فيه إلى أفهام مجالسيه، لا تمنعهم هيبتُه من سؤاله واستفهامه ولكن على غايةٍ من الأدب والإجلال، وهو يفيضُ عليهم من علمه وأدبه وغذائه الروحي وفكاهته المهذّبة المُحبَّبة، التي تنعش الروح وتحيي القلب، ويُبَيِّنُ لهم دقائق الأمور بروح الناصح الأمين. كان يذهب فجر الأحد والثلاثاء لحضور مجلس سماحة الشيخ أحمد كفتارو في دروس السيرة والحكمة والموعظة في مسجد أبي النور في حي ركن الدين، وكان له درسٌ عامٌّ يوم الاثنين في جامع المغربية، يتوافد الناس على المجلس من شتى نواحي دمشق وريفها، يحضرون زرافات ووحداناً، رجالاً ونساءً، ثم يحضر درسَ سماحة الشيخ أحمد كفتارو يوم الثلاثاء في جامع (تنكز) في شارع النصر؛ بين المغرب والعشاء، في غاية الأدب مع شيخه، يرى أنه لا شيء أمام شيخه، لا يتعالى بعلمه ولا بتلاميذه، ولا يتقدّم بين يدي شيخه. ثم له يوم الأربعاء درسٌ عامُّ في جامع الأحمدية في سوق الحميدية المؤدي إلى المسجد الأموي، وهناك كذلك يغصّ المسجد بالحضور من كل أطراف الشام من كل الفئات العمرية والمهنية. وفي مساء الخميس كذلك يحضر وتلاميذه درس سماحة الشيخ أحمد كفتارو في جامع أبي النور، وكذلك المحاضرة الكبرى ضحى الجمعة لسماحته أيضاً، وبعد صلاة الجمعة يسافر كما أسلفتً إما إلى بيروت فتكون دروسه العامّة فيها في جامع البسطة التّحتا مساء الجمعة والسبت والأحد، وذلك في تفسير القرآن الكريم وجلسة فجر الأحد في التربية والتزكية. وإما إلى اللاذقية حيث يتابع برنامجاً دعويّاً هناك أيضاً. وإذا لم يسافر يكون له درسٌ في عامٌّ للنساء بعد عصر يوم السبت في جامع المغربية، يجتمع فيه النساء من دمشق وريفها. وقد وقع في نفسي شبههُ ببعض أئمة الدعوة على مرِّ العصور، الذين كانوا يسافرون ويتنقلون من بلدٍ إلى بلدٍ يدعون الناس وينقذونهم من الظلمات إلى النّور، ولقد سمعت من سماحة الشيخ أحمد كفتارو أن إنتاج واحدٍ من أولئك العلماء المتنقلين في الدعوة إنما هو أفضل من إنتاج الأزهر أو الزيتونة أو أية كليةٍ شرعيةٍ في العالم الإسلامي. وبقيتُ ملازماً على حضور مجالسه في بيروت، ومرّات كثيرةً أسافر إلى الشام لمتابعة المجالس هناك. وهو لا يكاد يعرف اسمي لأنني كنت أهابُ الاقتراب منه. وبعد حوالي سنتين استأذنته في السفر إلى المدينة المنورة لإتمام الدّراسة الجامعيّة هناك، وطلبتُ منه تزكيةً لقبولي في الجامعة الإسلامية، فأكرمني الله بذلك. وكنتُ على وَجَلٍ من أن أجد هناك من أساتذة الجامعة من قد يميل قلبي إليه، ويسلبني الرباط الروحي بالشيخ، ولما وصلت إلى هناك وباشرتُ الدراسة تبدَّدَتْ كُلُّ مخاوفي، فالروحُ التي كنا نعيش بها في بيروت لا نجد منها في الجامعة لا من قريب ولا من بعيد، لا الطلابُ عندهم الحرصُ والأدبُ الشرعيّ، ولا الأساتذة لديهم ذلك العطاء الروحي، ولقد كان لي زميلٌ[2] من خارج إطار المسجد كنت أسير وإياه في أحد شوارع بيروت، وإذا شابٌّ يعبر الشارع، عليه سماتُ النّور والإيمان ويفيض وجهه نوراً ونحن لا نعرفه فقال لي: يبدو أن هذا من تلاميذ الشيخ رجب، وعقَّبَ قائلاً: إنّ طلاب الشيخ رجب لهم روحانيّةٌ خاصّةٌ، ونورانيةٌ لا تجدها عند غيرهم، ذكّرت زميلي الذي اجتمعت وإياه في جامعة المدينة المنوّرة بتلك الكوكبة النورانية، مقارنةً مع معظم طلاب الجامعة الجفاةِ الذين لم يهيَّأ لهم ما هُيِّئ لأحباب بيروت. ولذلك كنت أشعر بالضيق والوحشة، وجفاف القلب للبعد عن منبع الحُبّ. وفي إحدى السنوات قَدِمَ فضيلة الشيخ رجبحفظه اللهلأداء مناسك العمرة، وهو صاحب الوفاء الكبير؛ حيث سأل أحد طلاب الجامعة في الحرم النبوي الشريف عن طالب اسمه زياد حميدان، وشاء لي ربي أن أجتمع به في رحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوت إليه ما أجد ، فشتان بين ما كنت أعيشه من حلاوة الإيمان في بيروت ، والضيق الذي أعيشه في الجامعة، لا ينقذني منه إلا جوار ****** المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا بني كنتم في بيروت تعيشون مع الملائكة. ومرَّت السنوات فأنهيت دراستي الجامعية في المدينة المنورة، وأكملت دراستي العليا في السودان. ورجعت إلى الشام على أمل العمل في كلية الدعوة في مجمع أبي النور الإسلامي، ولكنْ لم يتحقق الأمل. وفي هذه الفترة كان يدرّس حفظه الله تعالى في كلية الدعوة الإسلامية بعد العصر، وبعد أن ينهي محاضراته في الكلية ينـزل من جامع أبي النور مشياً على القدمين مجتازاً بعض شوارع دمشق إلى جامع (تنكز)، وتشرفت مراتٍ عديدةً بمرافقته، كان ذلك سنة 1988، وأحياناً كان يحادثنا محادثةً بسيطةً أثناء مرافقته، أو نستغلُّ ذلك لبعض الأسئلة. وذات مرَّةٍ قال لي عبارةً حُفِرَتْ في عميق وجداني، قال: إني أعملُ على إحياءِ الإسلام في الشام لسبعمائة سنة. وإزاء هذه الشخصية المتفرّدة، وإزاء ما لمسْتُهُ مِنْ تلاميذ هذا الوارث النّبوي من حرصهم الدؤوب وجهدهم المستمرِّ مع نيَّاتهم الصالحة لحمل دعوته، إلا أنهم لم يصلوا بعد إلى المرامي التي يهدف إليها الشيخ، وأن طموح الشيخ وتطلعاته أبعدُ وأسمى من القرن الذي يعيش فيه، تذكرن عبارةً للإمام الشافعي في حقِّ الليث بن سعد قال: الليث أفقهُ من مالكٍ إلا أن تلاميذه لم يقوموا به [3]. ولهذا فكّرت في وضع كتابٍ يصف حياة الشيخ بما يجعله نبراس دعوةٍ ومنار هدايةٍ لهذا الزمان ولمن يأتي من إخواننا، يكون أسوةً لطلاب العلم والهداية، وعوناً وسنداً للعلماء العاملين، ويستمدون من همته العالية، وقلبه الفياض بنور الله وحب الله ورسوله، ودأبه الحثيث لتبليغ شرع الله تعالى، وكم أتمنى لو أملك صوتاً يلامس قلوب جميع الناس أن هلموا إلى بغيتكم، هلموا إلى ما يحقق سعادتكم ويحيي قلوبكم، يا مَنْ تتعَذَّبُونَ ببعدكم عن الله وانشغالكم عنه، تعالوا إلى هذا المعين الثَّرِّ والنبع الفيّاض. ولعل الله سبحانه وتعالى أن يحقق الأمل من خلال الإطلاع على هذا الكتاب، والذي أسال الله تعالى أن يوفقني لوصف بعض جوانب حياة فضيلة الشيخ، والتي لا يمكن لمثلي أن يحيط بمعشار قدره حفظه الله تعالى. وسأبذل حياتي ما وسعني ذلك للدلالة على حياة الشيخ التي ملأها بالدلالة على الله وملء قلوب العباد من محبته واتباع شريعته [4]. ولقد جهدت للإحاطة بحياته منذ نشأته وإلى يومنا هذا، وأكثرتُ عليه من الأسئلة فأجاب فضيلتهُ عنها بطيب نفس، وأعتذر إلى فضيلته لإلحاحي وإكثاري من الأسئلة رغم ضيق وقته وكثرة مشاغله، وليس هذا بأول ولا بآخر ما نطمع فيه من فضيلته. وقد جعلت البحث في مقدمةٍ ذكرت فيها سببَ اختيارِ البحث وأربعة فصول: الفصل الأول: في محيط أسرته، يشمل: بيئة الأسرة والبيئة العامة، ومولده، ونشأته، وزواجه، وتربيته للأولاد، وعلاقته بالأقارب. الفصل الثاني: في منهج الشيخ في العلم والدعوة: يشمل: طلب العلم، ومجال الدعوة، وآراء فضيلة الشيخ في العلوم الشرعية، وآراء فضيلته في التصوف، ومنهجه في التدريس، ومنهجه في العبادة، وانتشار دعوة الشيخ، وموقف الشيخ من الحوار الإسلامي المسيحي، والتقارب السني الشيعي، وموقفه من السياسة وموقفه من الجيش والقوات المسلحة، وموقفه من المرأة، وموقفه من الفنّ. الفصل الثالث: الشيخ في عيون من حوله. الفصل الرابع: عوامل نجاح دعوة فضيلة الشيخ. وفي الختام أسأل الله العظيم أن يكتب لهذا العمل التوفيق، ويحقق المراد، ويجعله ذُخراً ليوم المعاد، وأن يجمعنا مع شيخنا وأحبابنا جميعاً تحت لواء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين. الشيخ الدكتور زياد محمد حميدان دمشق 25 جمادى 1421هـ 25 آب 2000م [1] ) وهو الشيخ بلال صفي الدين، الذي غدا فيما بعد صهراً للشيخ -حفظه الله-. [2] ) هو الدكتور رائف عبد العزيز النعيمي [3] ) سير أعلام النبلاء: 8/156. [4] ) وقد نسبت إلى فضيلة كتابين من تأليفي هما: الروضة الرجبية في المبارزة الشعرية، والأربعمائة الرجبية في الأعمال المرضية من هدي خير البرية، آملا أن تُخلَّد ذكراه كما خلَّدتْ الأربعون النووية الإمام النووي -رحمه الله- hgughlm hgvfhkd ( hgpgrm hgH,gn ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : زياد محمد حميدان المنتدى : ملتقى قرأتُ لك لمختصرات الكتب ![]() | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الأولى, الحلقة, الرباني, العلامة |
![]() |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018