أعضاء وزوار ملتقانا الغالى ( ملتقى أهل العلم )
فهذه المسألة من المسائل المهمة إذن هذه الأيام كيف يظهر المرء شوقه لله تعالى إلى بيته ، ولا يظن أن هناك عقبة يمكن أن تحول بينه وبين ذلك البيت إلا وأن الله تبارك وتعالى يذللها ، وأي عائق من هذه العوائق إلا والله تبارك وتعالى الكريم القادر يمكن أن يرفعه من طريقه ، وأن يذلل له تلك العقبات وتلك الصعاب ، وفجأة يجد نفسه في الحرم الشريف في بيت الله تعالى .
هل استعد الناس لذلك وتفكروا فيه واشتاقوا له ، وبدأ يظهر عليهم الشوق والحنين لبيت الله تعالى ليغفر لهم ؟ وهل بدا عليهم الحزن والألم لما فاتهم من هذه الأعمال الصالحة ، ولما فاتهم من تلك المشاهد المعظمة التي هي سبب مغفرة الذنوب العظام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أنه لا يزال في غفلة عن هذه المعاني وفي البعد عنها ، ولا يتخيل أنها يمكن أن تقع له ، أو يمكن أن يساق إليها ؛ فصرف نفسه ابتداءً ولم يفكر فيها من الأصل في الموضوع ، لا يليق إذًا بأهل الإيمان هذا المعنى ، إنما اللائق بهم الشوق إلى بيته دليل الشوق إليه سبحانه وتعالى والحنين لذلك قال في قوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) [ الْبَقَرَةِ : 125] "مثابة" يعني : يثوبون إليه.. يحنون إليه.. يذهبون إليه.. ثم يرجعون لا يظنون أنهم قد قضوا وطرهم !
يعني : يحجون البيت المرة بعد المرة ، أو يعتمرون المرة بعد المرة ولا يزال حنينهم في ازدياد إلى هذا البيت ، لا يظنون أنهم قد قضوا وطرهم منه ، ولا يظنون أنهم قد أخذوا حظهم منه ، بل لا يزال حنينهم إليه مرتفعا وشوقهم إليه عاليا, كلما رجعوا اشتاقوا إليه .. كلما رجعوا اشتاقوا إليه, وهكذا فهم في شوق دائم إلى بيت الله تعالى ، حتى يلاقوا ربهم ؛ ليكون شوقهم الأعظم إلى رؤية الله تعالى ولذة النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى في الآخرة .
----- فضل الحج -----
هذه المقدمة في هذا المعنى ، وهذه المقدمة ينبغي كذلك أن تسوقنا إلى أهمية أن يعلم المرء ، وأن يتعرف على فضل الحج ، وهذا ليس شيئا يحتاج إلى أن نذكر به ؛
خروج المرء من بيته إلى البيت الحرام يقصده كل خطوة يخطوها له بها حسنة ، ويحط عنه بها سيئة ،
وإذا طاف بالبيت غفر له ،
وإذا نزل من عرفات أفيضوا عبادي مغفورا لهم ،
وإذا حلق شعره فإن له بكل شعرة حسنة ،
وإذا سعى بين الصفا والمروة كانت تعادل سبعين رقبة من ولد إسماعيل ،
هذه المعاني كثيرة وفضائل عظيمة يجمعها حديث النبي صلى الله عليه وسلم « وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ » . ([3]) ، فهذا المعنى ينبغي أن نتفكر فيه ، ولا يمنع المرء أن يتخيل أنه لا مال له ، وأنه لا يمكن أن يحج , كلا ؛ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الأمر فقال : ((ما أمعر حاج قط)) ([4]) ،أي ما افتقر حاج قط ما بذل , ويوم أن تشتاق ويحملك المولى سبحانه وتعالى إلى بيته انتهى قد ذلل لك ذلك كله ، لا تظن أنه سيكون المال عائقا ، ولا يكون المال سببا من أسباب الصعاب والعقبات التي تقف في طريقك لا ، ولا يظن المرء بعد ذلك أنه إن نقص ماله في الحج أو في العمرة أنه قد يفتقر أو يقل هذا المال لا ، قال صلى الله عليه وسلم : ((ما أمعر حاج قط )) ؛ لأن النفقة في الحج كما ورد في الحديث الحسن النفقة في الحج الدرهم بسبعمائة درهم يخلفه الله تعالى عليه ، فقد ذلل لك سبحانه وتعالى كل العقبات في هذا الموسم كما قد ذللها في موسم رمضان كذلك بأن جعل في رمضان الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وفتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وقيل : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، وسلسلت الشياطين إلى آخر المعاني التي ذكرنا , هكذا في موسم الحج فإن الله تبارك وتعالى قد ذلل له ذلك كله ، وما ينتظر سبحانه وتعالى من عباده إلا شوقهم إليه جل وعلا وحنينهم إلى بيته ليدلوا بذلك على شوقهم لربهم ومحبتهم له ومسارعتهم إلى بيته مسارعة إلى طاعته والتقرب إليه ، ودليلا على أنهم بوصولهم إلى البيت يصلون إلى رب البيت إن شاء الله تعالى .
([1]) رواه البخاري (1521) كتاب الحج ، باب فضل الحج المبرور ، ومسلم (1350) كتاب الحج ، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة , ولفظه في البخاري: عن أَبَي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ » . .
([2]) رواه البخاري (1521) كتاب الحج ، باب فضل الحج المبرور ، ومسلم (1350) كتاب الحج ، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة .
([3]) رواه البخاري (1773) كتاب الحج ، باب وجوب العمرة وفضلها ، ومسلم (1349) كتاب الحج ، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة .
([4])رواه الطبراني في الأوسط (5/245 الحرمين) , قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني في الأوسط والبزار ورجاله رجال الصحيح , قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/478 دار الفكر): رواه الطبراني في الأوسط والبزار ورجاله رجال الصحيح , قال الحافظ في مختصر البزار : فيه محمد بن أبي حميد و قد توبع (1/433مؤسسة الكتب الثقافية ط2) .