أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 

الإهداءات



الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: للهواتف والآيباد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة (آخر رد :عادل محمد)       :: الى الاخ الفاضل دكتور محمد فخر الدين الرمادي (آخر رد :مهاودي سليمان)       :: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب الجزء الأول كتاب الكتروني رائع (آخر رد :عادل محمد)       :: احتفال الاذاعة المصرية بليلة النصف من شعبان من مسجد مصر بالعاصمة الادارية الخميس 14شعبان1446هـ - 13فبراير2025م (آخر رد :مهاودي سليمان)       :: المناسبات : ج: (3 ) ! (آخر رد :دكتور محمد فخر الدين الرمادي)       :: شهر القرآن.. والغفران.. شهر رمضان! (آخر رد :مهاودي سليمان)       :: [ ٩. ] الْكِتَابُ التَّاسِعُ : » الطَّهَارَةُ « ! (آخر رد :دكتور محمد فخر الدين الرمادي)       :: لغة النبات الحديث الخفي كتاب الكتروني رائع (آخر رد :عادل محمد)       :: صلاة الفجر للشيخ الوليد الشمسان 30 رجب 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ عبدالله البعيجان 30 رجب 1446هـ من المسجد النبوي الشريف (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع طويلب علم مبتدئ مشاركات 4 المشاهدات 1541  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 11 / 04 / 2008, 42 : 04 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
طويلب علم مبتدئ
اللقب:
عضو ملتقى ماسي

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
طويلب علم مبتدئ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
الحمد لله الذي كتب على عباده الموت والفناء، وتفرد سبحانه بالحياة والبقاء، والصلاة والسلام على من ختمت به الرسل والأنبياء وعلى آله وأتباعه إلى يوم اللقاء.

فإن الموت لا ريب فيه، ويقين لا شك فيه وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]، فمن يجادل في الموت وسكرته؟! ومن يخاصم في القبر وضمته؟! ومن يقدر على تأخير موته وتأجيل ساعته؟! فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].

فلماذا تتكبر أيها الإنسان وسوف تأكلك الديدان؟!

ولماذا تطغى وفي التراب ستلقى؟!

ولماذا التسويف والغفلة وأنت تعلم أن الموت يأتي بغتة؟!

كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26،27]، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88].


حقيقة الموت

أخي المسلم:

يخطئ من يظن أن الموت فناء محض وعدم تام، ليس بعده حياة ولا حساب ولا حشر ولا نشر ولا جنة ولا نار. إذ لو كان الأمر كذلك لا نتفت الحكمة من الخلق والوجود، ولاستوى الناس جميعاً بعد الموت واستراحوا، فيكون المؤمن والكافر سواء، والقاتل والمقتول سواء، والظالم والمظلوم سواء، والطائع والعاصي سواء، والزاني والمصلي سواء، والفاجر والتقي سواء، وهذا مذهب الملاحدة الذين هم شر من البهائم، فلا يقول ذلك إلا من خلع رداء الحياء، ونادى على نفسه بالسفه والجنون. قال تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7]، وقال سبحانه: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:79،78].


ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غابة كل حي


ولكنا إذا متنا بعـــثناونسأل بعده عن كل شيء

فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقتها له، والانتقال من دار إلى دار، وبه تطوى صحف الأعمال،و تنقطع التوبة والإمهال، قال النبي : { إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر } [الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن حبان].


الموت أعظم المصائب

والموت من أعظم المصائب، وقد سماه الله تعالى مصيبة في قوله سبحانه: فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة:106]، فإذا كان العبد طائعاً ونزل به الموت ندم أن لا يكون ازداد وإذا كان العبد مسيئاً تدم على التفريط وتمنى العودة إلى دار الدنيا، ليتوب إلى الله تعالى، ويبدأ العمل الصالح من جديد. ولكن هيهات هيهات!! قال تعالى: وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:24]، وقال سبحانه: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100،99].


مضى العمر وفات *** يا أسير الغفلات


حصّل الزاد وبادر *** مسرعاً قبل الفوات


فإلى كم ذا التعامي *** عن أمور واضحات


وإلى كم أنت غارق *** في بحار الظلمات


لم يكن قلبك أصلا *** بالزواجر والعظات


بينما الإنسان يسأل *** عن أخيه قيل مات


وتراهم حملوه *** سرعة للفلوات


أهله يبكوا عليه *** حسرة بالعبرات


أين من قد كان يفخر *** بالجياد الصافنات


وله مال جزيل *** كالجبال الراسيات


سار عنها رغم أنف *** للقبور الموحشات


كم بها من طول مكث *** من عظام ناخرات


فاغنم العمر وبادر *** بالتقى قبل الممات


واطلب الغفران ممن *** ترتجي منه الهبات


عبرة الموت

يروى أن أعرابياً كان يسير على جمل له، فخر الجمل ميتاً، فنزل الأعرابي عنه، وجعل يطوف به ويتفكر فيه، ويقول: ما لك لا تقوم؟

مالك لا تنبعث؟

هذه أعضاؤك كاملة!!

وجوارحك سالمة!!

ما شأنك؟

ما الذي كان يحملك؟

ما الذي صرعك؟

ما الذي عن الحركة منعك؟

ثم تركه وانصرف متعجباً من أمره، متفكراً في شأنه!!

قال ابن السماك: ( بينما صياد في الدهر الأول يصطاد السمك، إذ رمى بشبكته في البحر، فخرج فيها جمجمة إنسان، فجعل الصياد ينظر إليها ويبكي ويقول:

عزيز فلم تترك لعزك!!

غني فلم تترك لغناك!!

فقير فلم تترك لفقرك!!

جواد فلم تترك لجودك!!

شديد لم تترك لشدتك!!

عالم فلم تترك لعلمك!! ).

يردد هذا الكلام ويبكي.


اذكروا هاذم اللذات

أخي الكريم:

حث النبي على ذكر الموت والإكثار منه، فقال عليه الصلاة والسلام: { أكثروا ذكر هاذم اللذات } [الترمذي وحسنه].

قال الإمام القرطبي: "قال علماؤنا: قوله عليه السلام: { أكثروا ذكر هاذم اللذات } كلام مختصر وجيز، وقد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة، فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه لذته الحاضرة، ومنعه من تمنيها في المستقبل، وزهده فيما كان منها يؤمل، ولكن النفوس الراكدة، والقلوب الغافلة، تحتاج إلى تطويل الوعاظ، وتزويق الألفاظ، وإلا ففي قوله عليه الصلاة والسلام: { أكثروا ذكر هاذم اللذات } مع قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، ما يكفي السامع له، ويشغل الناظر فيه".

ولقد أحسن من قال: ( اذكر الموت هاذم اللذات وتجهز لمصرع سوف يأتي ).

وقال غيره: ( اذكر الموت تجد راحةفي ادكار الموت تقصير الأمل ).


أولئك الأكياس

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت النبي عاشر عشرة، فقام رجل من الأنصار فقال: يا نبي الله! من أكيس الناس وأحزم الناس؟ قال: { أكثرهم ذكراً للموت، وأكثرهم استعداداً للموت، أولئك الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة } [الطبراني وحسنه المنذري].


فوائد ذكر الموت

أخي ******: وفي الإكثار من ذكر الموت فوائد منها:

1- أنه يحث على الاستعداد للموت قبل نزوله.

2- أن ذكر الموت يقصر الأمل في طول البقاء. وطول الأمل من أعظم أسباب الغفلة.

3- أنه يزهد في الدنيا ويرضي بالقليل منها، فعن أنس بن مالك أن رسول الله مر بمجلس وهم يضحكون فقال: { أكثروا ذكر هاذم اللذات }، أحسبه قال: { فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه } [البزار وحسنه المنذري].

4- أنه يرغّب في الآخرة ويدعو إلى الطاعة.

5- أنه يهوّن على العبد مصائب الدنيا.

6- أنه يمنع من الأشر والبطر والتوسع في لذات الدنيا.

7- أنه يحث على التوبة واستدراك ما فات.

8- أنه يرقق القلوب ويدمع الأعين، وي*** باعث الدين، ويطرد باعث الهوى.

9- أنه يدعو إلى التواضع وترك الكبر والظلم.

10- أنه يدعو إلى سل السخائم ومسامحة الإخوان وقبول أعذارهم.


أنفاس معدودة

عن ابن مسعود قال: خط النبي خطا مربعاً، وخط خطا في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: { هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أوقد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا } [البخاري].

وقال القرطبي: ( وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سن معلوم، ولا زمن معلوم، ولا مرض معلوم، وذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك، مستعداً لذلك ).

وكان بعض الصالحين ينادي بليل على سور المدينة: الرحيل الرحيل. فلما توفي فقد صوته أمير المدينة، فسأل عنه فقيل: إنه قد مات فقال:


ما زال يلهج بالرحيل وذكره *** حتى أناخ ببابه الجمال


فأصابه مستيقظاً متشمراً *** ذا أهبة لم تلهه الآمال

وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ( ويحك يا يزيد! من ذا يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا يترضى ربك عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس! ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ مَن الموت طالبه.. والقبر بيته.. والتراب فراشه.. والدود أنيسه.. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر.. كي يكون حاله؟ ) ثم يبكي رحمه الله.


بينا الفتى مرح الخطا فرح بما *** يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى


إذ قيل بات بليلة ما نامها *** إذ قيل أصبح مثخنا ما يرتجى


إذ قيل أصبح شاخصا وموجها *** ومعللا إذ قيل أصبح قد مضى

وقال التميمي: ( شيئان قطعا عني لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى ).

وكان عمر بن عبدالعزيز يجمع العلماء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة، فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازةَ‎!!

وقال الدقاق: ( من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة ).

وقال الحسن: ( إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا عشياً لا موت فيه ).


أذكر الموت ولا أرهبه *** إن قلبي لغليط كالحجر


أطلب الدنيا كأني خالد *** وورائي الموت يقفو بالأثر


وكفى بالموت فاعلم واعظاً *** لمن الموت عليه قدر


والمنايا حوله ترصده *** ليس ينجي المرء منهن المفر


موعظة

فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله. كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهاذماً للذات، وقاطعاً للأمنيات.

فيا جامع المال! والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من مالك إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعته من المال؟ هل أنقذك من الأهوال؟ كلا.. بل تركته إلى من لا يحمدك، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك.

ولقد أحسن من قال في تفسير قوله تعالى: وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، هو الكفن، فهو وعظ متصل بما تقدم من قوله: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ [القصص:77]، أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة، فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة، لا في الطين والماء، والتجبر والبغي، فكأنهم قالوا: لا تنس أن تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن.

ونحو هذا قال الشاعر:


هي القناعة لا تبـغ بها بدلاً *** فيهــا النعيم وفيها راحــة البدن


انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل *** راح منها بغير القطن والكفن؟!

فيا أخي ******:

أين استعدادك للموت وسكرته؟

أين استعدادك للقبر وضمته؟

أين استعدادك للمنكر والنكير؟

أين استعدادك للقاء العلي القدير؟

وقال سعيد بن جبير: ( الغرة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية، ويتمنى على الله المغفرة ).


تزود من التقوى فإنك لا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر


فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر


وكم من صبي يرتجى طول عمره *** وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري


الأسباب الباعثة على ذكر الموت

1- زيارة القبور، قال النبي : { زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة } [أحمد وأبو داود وصححه الألباني].

2- زيارة مغاسل الأموات ورؤية الموتى حين يغسلون.

3- مشاهدة المحتضرين وهن يعانون سكرات الموت وتلقينهم الشهادة.

4- تشييع الجنائز والصلاة عليها وحضور دفنها.

5- تلاوة القرآن، ولا سيما الآيات التي تذكر بالموت وسكراته كقوله تعالى: وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19].

6- الشيب والمرض، فإنهما من رسل ملك الموت إلى العباد.

7- الظواهر الكونية التي يحدثها الله تعالى تذكيراً لعباده بالموت والقدوم عليه سبحانه كالزلازل والبراكين والفيضانات والانهيارات الأرضية والعواصف المدمرة.

8- مطالعة أخبار الماضين من الأمم والجماعات التي أفناهم الموت وأبادهم البلى.


سكرات الموت وشدته

أخي المسلم:

إن للموت ألماً لا يعلمه إلا الذي يعالجه ويذوقه، فالميت ينقطع صوته، وتضعف قوته عن الصياح لشدة الألم والكرب على القلب، فإن الموت قد هد كل جزء من أجزاء البدن، وأضعف كل جوارحه، فلم يترك له قوة للاستغاثة أما العقل فقد غشيته وسوسة، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها، ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح، ولكنه لا يقدر على ذلك، فإن بقيت له قوة سمع له عند نزع الروح وجذبها خوار وغرغرة من حلقه وصدره، وقد تغير لونه، وأزبد، ولكل عضو من أعضائه سكرة بعد سكرة، وكربة بعد كربة، حتى تبلغ روحه إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها، وتحيط به الحسرة والندامة إن كان من الخاسرين، أو الفرح والسرور إن كان من المتقين.

قالت عائشة رضي الله عنها: كان بين يدي النبي ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول: { لا إله إلا الله إن للموت سكرات } [البخاري وفي لفظ أنه كان يقول عند موته: (اللهم أعني على سكرات الموت) أحمد والترمذي وحسنه الحاكم]. والسكرات هي الشدائد والكربات.

وتشديد الله تعالى على أنبيائه عند الموت رفعة في أحوالهم، وكمال لدرجاتهم، ولا يفهم من هذا أن الله تعالى شدد عليهم أكثر مما شدد على العصاة والمخلطين، فإن تشديده على هؤلاء عقوبة لهم ومؤاخذة على إجرامهم، فلا نسبة بينه وبين هذا.


فيا أيها المغرور:


فما لك ليس يعمل فيك وعظ *** ولا زجر كأنك من جماد


ستندم إن رحلت بغير زاد *** وتشقى إذ يناديك المنادي


فلا تأمن لذي الدنيا صلاحا *** فإن صلاحها عين الفساد


ولا تفرح بمال تقتنيه *** فإنك فيه معكوس المراد


وتب مما جنيت وأنت حس *** وكن متنبها قبل الرقاد


أترضى أن تكون رفيق قوم *** لهم زاد وأنت بغير زاد؟!

يا كثير السيئات غداً ترى عملك، ويا هاتك الحرمات إلى متى تديم زللك؟ أما تعلم أن الموت يسعى في تبديد شملك؟ أما تخاف أن تؤخذ على قبيح فعلك؟ واعجبا لك من راحل تركت الزاد في غير رحلك!! أين فطنتك ويقظتك وتدبير عقلك؟ أما بارزت بالقبيح فأين الحزن؟ أما علمت أن الحق يعلم السر والعلن؟ ستعرف خبرك يوم ترحل عن الوطن، وستنتبه من رقادك ويزول هذا الوسن. قال يزيد بن تميم: ( من لم يردعه الموت والقرآن، ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع!! ).


رسل ملك الموت

ورد في بعض الأخبار أن نبيا من الأنبياء عليهم السلام قال لملك الموت: أما لك رسول تقدمه بين يديك، ليكون الناس على حذر منك؟ قال: نعم، لي والله رسل كثيرة: من الإعلال، والأمراض، والشيب، والهموم، وتغير السمع والبصر.

وفي صحيح البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: { أعذر الله إلى امرئ بلغة ستين سنة }.

وأكبر الأعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم، ليتم حجته عليهم كما قال سبحانه: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]، وقال سبحانه: وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37]، قيل: هو القرآن وقيل: الرسل وقال ابن عباس: هو الشيب.


كيف ماتوا؟

أخي ******:

إعلم أن حسن الخاتمة لا تكون إلا لمن استقام ظاهرة وصلح باطنه، أما سوء الخاتمة فإنها تكون لمن كان له فساد في العقل، أو إصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب عليه ذلك حتى ينزل به الموت قبل التوبة، أو يكون مستقيماً ثم يتغير عن حاله، ويخرج عن سننه، ويقبل على معصية ربه، فيكون ذلك سبباً لسوء خاتمته، والعياذ بالله.


صور من سوء الخاتمة

قيل لرجل عند الموت: قل لا إله إلا الله، وكان سمساراً، فأخذ يقول: ثلاثة ونصف.. أربعة ونصف.. غلبت عليه السمسرة.

وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: الدارالفلانية أصلحوا فيها كذا وكذا، والبستان الفلاني أعملوا فيه كذا، حتى مات.

وقيل لأحدهم وهو في سياق الموت: قل لا إله إلا الله، فجعل يغني، لأنه كان مفتوناً بالغناء، والعياذ بالله.

وقيل لشارب خمر عند الموت: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: اشرب واسقني نسأل الله العافية.


صور من حسن الخاتمة

دخل صفوان بن سليم على محمد بن المنكدر وهو في الموت فقال له: يا أبا عبدالله! كأني أراك قد شق عليك الموت، فما زال يهون عليه ويتجلى عن وجه محمد، حتى لكأن وجهه المصابيح، ثم قال له: لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك، ثم مات.

وقال محمد بن ثابت البناني: ذهبت ألقن أبي وهو في الموت فقلت: يا أبت! قل لا إله إلا الله. فقال: يا بني، خل عني، فإني في وردي السادس أو السابع!!

ولما احتضر عبدالرحمن بن الأسود بكى. فقيل له: مم البكاء؟ فقال: أسفاً على الصلاة والصوم، ولم يزل يتلو القرآن حتى مات.

وسمع عامر بن عبدالله المؤذن وهو في مرض الموت فقال: خذوا بيدي إلى المسجد، فدخل مع الإمام في صلاة المغرب، فركع ركعة ثم مات رحمة الله.


رحلة الموت


رب مذكور لقوم *** غاب عنهم فنسوه


وإذا أفنى سنيه *** المرء أفنته سنوه


وكأن بالمرء قد *** يبكي عليه أقربوه


وكأن القوم قد ماتوا *** فقالوا أدركوه


سائلوه كلموه *** حركوه لقنوه


فإذا استيأس منه الـ *** قوم قالوا أحرقوه


حرفوه وجهوه *** مددوه غمضوه


عجلوه لرحيل *** عجلوا لا تحبسوه


ارفعوه غسلوه *** كفنوه حنطوه


فإذا ما لف في الـ *** أكفان قالوا فاحملوه


أخرجوه فوق أعواد *** المنايا شيعوه


فإذا صلوا عليه *** قيل هاتوا واقبروه


فإذا ما استودعوه *** الأرض رهناً تركوه


خلفوه تحت رمس *** أوقروه أثقلوه


أبعدوه أسحقوه *** أوحدود أفردوه


ودعوه فارقوه *** أسلموه خلفوه


وانثنوا عنه وخلوه *** كأن لم يعرفوه


وكأن القوم فيما *** كان فيه لم يلوه

;tn fhgl,j ,hu/hW










عرض البوم صور طويلب علم مبتدئ   رد مع اقتباس
قديم 11 / 04 / 2008, 20 : 05 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
كريم القوصي
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية كريم القوصي


البيانات
التسجيل: 13 / 02 / 2008
العضوية: 186
العمر: 39
المشاركات: 13,018 [+]
بمعدل : 2.09 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1509
نقاط التقييم: 12
كريم القوصي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
كريم القوصي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
افتراضي

صدقت اخي العزيز كفي بالموت واعظا ليكون لنا خير دليل علي مخافة الله إلي يوم نبعث
بارك الله فيك اخي العزيز طويلب علم مبتدئ









عرض البوم صور كريم القوصي   رد مع اقتباس
قديم 11 / 04 / 2008, 34 : 05 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
أجواء
اللقب:
عضو ملتقى
الرتبة


البيانات
التسجيل: 10 / 02 / 2008
العضوية: 167
المشاركات: 1 [+]
بمعدل : 0.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 0
نقاط التقييم: 12
أجواء is on a distinguished road
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 167
عدد المشاركات : 1
بمعدل : 0.00 يوميا
عدد المواضيع : 0
عدد الردود : 1
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أجواء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
افتراضي

شكراً لكم وجزاكم الله كل خير









عرض البوم صور أجواء   رد مع اقتباس
قديم 12 / 04 / 2008, 12 : 03 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
أم نيره
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أم نيره


البيانات
التسجيل: 27 / 01 / 2008
العضوية: 47
المشاركات: 5,583 [+]
بمعدل : 0.90 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 777
نقاط التقييم: 234
أم نيره has a spectacular aura aboutأم نيره has a spectacular aura aboutأم نيره has a spectacular aura about

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أم نيره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
افتراضي

والله يا اخى هى كلمة من ثلاث حروف ولكن ينتفض لها القلب كل لحظة عند تذكرها




فالموت لا يترك كبيرا ولا صغيرا فكلنا رااااحلون


جزاك الله خيرا على التذكرة









عرض البوم صور أم نيره   رد مع اقتباس
قديم 13 / 04 / 2008, 33 : 04 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
صقر الاسلام
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية صقر الاسلام


البيانات
التسجيل: 12 / 12 / 2007
العضوية: 7
المشاركات: 3,751 [+]
بمعدل : 0.60 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 594
نقاط التقييم: 184
صقر الاسلام has a spectacular aura aboutصقر الاسلام has a spectacular aura about

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
صقر الاسلام غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
افتراضي

الاخ طويلب ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما أحوجنا الى تذكر الموت فلقد اخبرنا رسول الهدى صلوات ربي وسلامه عليه ان نكثر من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات ... فجزاك الله عنا خير الجزاء في تذكيرنا بالموت ... وانني اود ان اضيف شيء بسيط تم اقتباسه من احد الخطب بنفس العنوان " كفى بالموت واعظاً "
الحمد لله ثم الحمد لله‏،‏ الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده‏،‏ ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك‏،‏ سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك‏،‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له‏،‏ وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله‏،‏ وصفيه وخليله‏،‏ خير نبيٍ أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً‏،‏ اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد‏،‏ وعلى آل سيدنا محمد‏؛‏ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين‏،‏ وأوصيكم ـ أيها المسلمون ـ ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏
أما بعد‏،‏ فيا عباد الله:
كثيراً ما تساءلت وأنا أتلو هذه الآية من كتاب الله سبحانه وتعالى { تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏،‏ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } كثيراً ما تساءلت: لماذا قدم البيان الإلهي الموت على الحياة‏،‏ مع أن خلق الحياة سابق على خلق الموت‏؟‏ وكتاب الله عز وجل عميق ودقيق في تعابيره وحِكَمِهِ وإشاراته‏،‏ لعل المقتضى كما قد يتصور الإنسان لأول وهلة أن يقول الله عز وجل: الذي خلق الحياة والموت ليبلوكم أيكم أحسن عملاً‏.‏ ولكني هديت فيما بعد إلى الحكمة من هذا التقديم والله أعلم‏.‏
صحيح أن الموت يأتي بعد الحياة من حيث الواقع والترتيب العملي والتطبيقي والتنفيذي‏،‏ ولكن الموت ينبغي أن يكون مقدماً على الحياة من حيث النظام ومن حيث وَضْع المشروع‏،‏ من حيث تصور الإنسان لما ينبغي أن يفعل في حياته التي قيضها الله سبحانه وتعالى له‏،‏ من حيث المشروع الذي ينبغي أن يضعه نصب عينيه لتنفيذه‏،‏ ينبغي أن يوضع الموت أولاً ثم ينبغي أن توضع المراحل التي تلي الموت ثانياً‏؛‏ ذلك لأن الإنسان الذي يفتح عينيه على هذه الحياة الدنيا فيتعامل معها دون أن يعلم أن نهاية تقلبه في هذه الحياة هي الموت‏،‏ فلسوف يتعامل مع مقومات الحياة بطريقة تشقي ولا تسعد‏،‏ ولسوف يفاجأ منها بمطبات تهلك‏.‏ ولكن إذا وضع مشروع حياته التي سيعالجها وسيمشي على أساسها‏؛‏ وقد وضع نصب عينيه قبل كل شيء أن هذه الحياة تنتهي بغلاف الموت‏،‏ وأن الموت هو العاقبة لكل حي‏،‏ فإنه عندئذ يتعامل مع مقومات الحياة بالطريقة التي تسعده وتسعد أبناء جنسه‏،‏ وتبعد عنه مغبات الشقاء كلها‏.‏ إذن فالحياة مقدَّمة على الموت من حيث المراحل المادية‏،‏ من حيث الواقع التنفيذي‏،‏ ولكن الموت مقدم على الحياة من حيث رسم المشروع‏،‏ من حيث وضع الخطة‏،‏ والمهندسون عندما يضعون خططهم يضعون في اعتبارهم النهايات التنفيذية قبل البدايات‏،‏ وهذا شرط أساسي وعلمي لا بد منه‏،‏ فمن أجل هذا قدم البيان الإلهي الموت على الحياة فقال { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }‏.‏
الإنسان الذي لا يضع الموت نصب عينيه في اللحظات الأولى التي يفتح عينيه فيها على هذه الحياة الدنيا‏؛‏ لايستطيع أن يصلح أمور دنياه‏،‏ ولا يستطيع أن يصلح أمور دينه أبداً‏؛‏ ذلك لأن الذي وضع الموت وراء ظهره وتخيل أنه غير مقبل عليه وتناساه أو نسيه‏،‏ فلابد أن يُقبل هذا الإنسان على هذه الحياة الدنيا إقبال العاشق‏،‏ إقبال النهم‏،‏ إقبال الخالد المخلَّد‏،‏ بل المخلِّد أيضاً في هذه الحياة التي يعيشها‏،‏ ومن ثَمَّ فإنه يغامر في الوصول إلى ما يهوى وما يحلم به‏،‏ وما يسيل لعابه عليه‏؛‏ دون أن يجد أمامه أي ضابط أو أي قيود تحد من مغامراته‏،‏ وتحد من إقباله‏.‏ تختفي الأخلاقيات‏،‏ تختفي الضوابط الاجتماعية التي يشيع بمقتضاها الإيثار بدلاً من الأثرة‏،‏ كل ذلك يختفي‏،‏ ذلك لأن هذا الإنسان نسي الموت أو تناسى الموت‏،‏ ومن ثَمَّ فهو عندما يقبل على الدنيا يقبل عليها إقبال الظمآن الذي يعلم أن البحار كلها لن تروي ظمأه‏،‏ يقبل على متعها وملاذّها إقبال من لا يرى أي حد للمتع التي يتشهاها‏،‏ والإنسان هكذا شأنه‏،‏ كما قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم " لو كان لابن آدم وادٍ من مال لابتغى إليه ثانياً‏،‏ ولو كان له واديان لابتغى إليه ثالثاً‏،‏ ولايملأ جوف ابن آدم إلا التراب "أي لا يوقفه عند حد إلا تذكره للموت‏،‏ كما نبه بيان الله سبحانه وتعالى‏.‏
وهكذا فإن الإنسان الذي نسي أو تناسى الموت ووضعه وراء ظهره‏؛‏ لا يسعد نفسه في تعامله مع الدنيا ولا يسعد إخوانه‏،‏ بل لابد أن يكون عبئاً على نفسه ولابد أن يكون أيضاً عبئاً على إخوانه في المجتمع الذي هو فيه‏،‏ يؤثر نفسه على الآخرين يغمر دون حدود‏،‏ دون قيود‏،‏ دون ضوابط‏.‏
ولكنه إذا وضع مشروع تعامله مع الحياة التي يعيشها ووضع في الخطوة الأولى من هذا المشروع صورة الواقع الذي يعيشه‏،‏ وعلم أن الموت هو النهاية وهو المرحلة الأخرى لكل مغامراته وأعماله‏،‏ ثم وضع هذه النهاية من حياته في بوابة تعامله مع الحياة كما نبه بيان الله سبحانه وتعالى‏،‏ فإنه يقبل على الحياة الدنيا ومعايشها‏؛‏ لكن لا إقبال العاشق النهم‏،‏ بل إقبال الموظف الذي أقامه الله عز وجل على ثغر كلفه بمَلْئِه‏.‏ يقبل على تجارته‏،‏ صناعته‏،‏ زراعته‏،‏ أعماله إقبال من كلفه الله سبحانه وتعالى بذلك يجد بيانَ الله عز وجل يقول { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } يقول لبيك يارب‏.‏ يمارس أعماله ووظائفه وهو يحسِب في كل ليلة أن الموت ربما سيواجهه في صباح اليوم التالي‏.‏ إقباله على الدنيا إقبال الموظف‏،‏ ومن ثَمَّ فإذا دعا الداعي إلى الإيثار آثر‏،‏ وإذا دعا الداعي إلى ضبط النفس وعدم تَمَيُّعها وسيرها في سكك الحياة المتنوعة‏.‏ وإذا دعا الداعي إلى أن يسير طبق النهج الذي رسمه الله قال: لبيك‏.‏ ومن ثمَّ فهو يُسعد نفسه بالمال الذي يجمعه‏،‏ ويسعد مجتمعه أيضاً‏؛‏ لأنه لا يصبح عندئذ عبئاً على أفراد المجتمع بل يصبح عوناً لأفراد المجتمع بفضل أي شيء‏؟‏ بفضل أنه وضع الموت مدخلاً لتعامله مع الحياة‏.‏ مامن خطوة يخطوها إلا وهو يعلم أن نهاية عمله هو الموت‏.‏ وما الموت‏؟‏ التحول من الحياة الدنيا إلى الحياة البرزخية‏،‏ الإقدام على الله سبحانه وتعالى‏.‏
كذلكم الإنسان الذي يعرض عن الموت فلا يتذكره ولا يتعامل معه على أساس أنه المدخل لكل تصرفاته وأعماله الدينية التي يقبل فيها على مرضاة الله عز وجل الإنسان الذي يمارس وظائفه الدينية مبتورة عن الموت وتذكره‏،‏ تصبح وظائفه رسماً بدون حياة‏.‏ تصبح أعماله وحركاته الدينية أشبه ما تكون بالمدينة المسحورة‏،‏ التي تجد فيها أشباحاً ولا تجد فيها حياة ولا حركة‏.‏ يصلي ربما‏،‏ يصوم ربما‏،‏ يحج ربما‏،‏ لكنها حركات تَعَوَّدَ عليها‏،‏ كلمات تمرّس لسانه على النطق بها‏،‏ أما الشعور‏،‏ أما رقة القلب‏،‏ أما الإحساس‏،‏ أما الروح التي ينبغي أن تنسكب في الصلاة إذا صلاها‏،‏ التي ينبغي أن تنسكب في الذكر إذا ذكر الله‏،‏ في تلاوة القرآن إذا تلا‏،‏ في الحج إلى بيت الله إذا ذهب حاجاً كل ذلك معدوم‏.‏ لماذا‏؟‏ لأن القلب إذا نسي الموت قسا‏،‏ تحول إلى ما يشبه هذا الجدار الصلد‏.‏ ولايمكن للإنسان أن يستشعر قلبه الرقة ولا الخشية إلا إذا علم أن حياته مطبوعة بطابع الموت‏،‏ إلا إذا علم أنه كما حمل بالأمس تلك الجنازة على الأعناق‏،‏ ورآها وهي ممدودة‏،‏ ورأى من في داخلها وهو ملفوف بأكفانه‏،‏ يعلم أنه عما قريب سيكون هو هذا الرجل‏،‏ وسيكون هو هذا الممتد في داخل هذا الصندوق‏،‏ ولسوف يكون هو هذا المحمول على الأعناق‏،‏ إذا لم يدرك الإنسان هذه الحقيقة فهيهات للقلب أن يرقّ‏،‏ وهيهات له أن يخشع‏.‏
كثيرون هم الذي يشكون إليَّ أنهم لا يكادون ينسون الموت‏،‏ وأن تذكرهم للموت يزجهم في مخافة وفي خشية وفي وحشة‏.‏ قلت: إن السبب في هذا لا يعود إلى تذكر الموت‏،‏ ولكنه يعود إلى أنك تتذكر الموت ولا تتذكر الإله الذي حكم عليك بالموت‏.‏ فمن كان قلبه فارغاً عن الإيمان بالله‏،‏ من كان عقله فارغاً عن تذكر سلطان الله عز وجل‏؛‏ فلاشك أن تذكر الموت يوحشه‏؛‏ لأنه يتصور أن الموت عَدَمٌ يُزَجّ في واديه إلى غير رجعة‏،‏ ومن ثم يستوحش‏.‏ أما الإنسان الذي علم أنه عبد مملوك لله عز وجل‏،‏ وأنه دخل إلى هذه الحياة الدنيا بالأمس من باب الولادة‏؛‏ وسيخرج منها غداً من باب الموت ليلقى الله سبحانه وتعالى‏،‏ وكان يسير في حياته طبق قدرته وقدر استطاعته على ما يرضي الله عز وجل‏،‏ فالموت لا يكون سبباً لوحشة‏،‏ لا‏.‏ بل الموت يكون مُسَتَقْبِل بشارة‏،‏ يكون أداة فرحة وسرور‏.‏ ولكن فرق بين من كان قلبه مؤمناً بالله عز وجل وبين من كان قلبه ناسياً لله سبحانه وتعالى‏.‏
إذن فهذا الإنسان الذي لا يذكر الموت بل وضعه وراءه ظِهرياً‏،‏ لايستطيع أن يمارس سعادة في أعماله الدينية‏،‏ أعماله الدينية تصبح شبحاً لا روح فيها‏،‏ وهيهات أن تتسرب الخشية إلى شيء من مشاعره‏.‏ ولكن إذا أصبح الإنسان وأمسى وهو يتذكر الموت‏،‏ ويتلو الآيات التي تحدّث عن الموت‏،‏ { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ } إذا تذكر قول الله عز وجل: { كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَما الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ } الإنسان الذي يتذكر الموت ويعلم أنه على موعد معه‏،‏ لكنه لايعلم أين يقف من الطابور الذي ينتظر الموت أهو يقف في مؤخرة الطابور‏؟‏ أم يقف عند أول نافذة الموت في أول الطابور‏؟‏ لايعلم‏.‏ عندما يدرك الإنسان هذه الحقيقة‏؛‏ إن صلى كانت صلاته شبحاً تسري روح الخشية فيها‏،‏ إذا ذكر الله كان ذكره نبضات يشعر بها في سويداء قلبه مناجاة وخشية لله سبحانه وتعالى‏،‏ إذا تلا كتاب الله سبحانه وتعالى خُيل إليه أن الله يناجيه وأنه واقف بين يديه‏،‏ هكذا يصنع الموت بالإنسان‏.‏ هل هنالك نعمة في حياة الإنسان أَجَلُّ من أن يبدأها بهذه البوابة التي هي في الواقع التنفيذي تأتي في نهاية المراحل‏؟‏ لكن لابد أن تكون من حيث الاصطباغ بالحياة مَدخلاً في أُولى الخطوات التي تمارسها‏،‏ سواء في أمورك الدينية‏،‏ أو في قضاياك الدنيوية المختلفة‏.‏
وعلى الإنسان الذي ابتلي بقسوة قلب فهو لا يكاد يذكر الموت حتى وإن رأى الجنائز تترى أمامه ‏،‏ عليه أن يصطنع تذكر الموت‏،‏ عليه أن يفعل كما فعل عمر‏،‏ كان قد نقش على خاتمه هذه الكلمات : " كفى بالموت واعظاً ياعمر "‏ ويحك ألا تذكر أنك رأيت إنساناً وقع في سياق الموت‏؟‏ ألا تذكر أنك رأيت قريباً صديقاً حبيباً أياً كان لك كان يتباهى بعافيته وقوته وسلطانه‏،‏ كان يتباهى بغناه‏،‏ كان يتباهى بقدراته‏،‏ بحنكته بذكائه ثم نظرتَ وإذا هو ممتد على فراش الموت‏،‏ وإذا بعينيه عالقتان في الأعلى‏،‏ وإذا بكائن يستلب روحه من جسده شيئاً فشيئاً‏؟‏ ألم تقف أمام هذا المنظر يوماً ما‏؟‏ ألم تقل لك نفسك إنك ستمتد على الفراش ذاته‏؟‏ ولكن لا تعلم متى‏،‏ وإنك ستقابل مَلَك الموت كما قابله هذا الإنسان‏،‏ أجل ستجد ملك الموت بعينيك هاتين‏،‏ في حين أن أهلك لا يبصرونه نعم { وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ } لا يحيد الإنسان في دنياه عن شيء كما يحيد عن الموت‏.‏ عندما يُهرع إلى الأطباء‏،‏ عندما يأوي إلى أكنانه‏،‏ عندما يأكل الطيب من طعامه‏،‏ عندما يفعل كل ما يستطيع أن يفعله من أجل أن يتوقى عادية الموت‏.‏ والموت { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ } ‏.‏
أدرك هذه الحقيقة بعقلك ثم ليصطبغ بذلك شعورك تتحول مشاعرك من هذه الدنيا إلى الآخرة‏.‏ إن مارست الدنيا فبسائق من وظيفة أقامك الله فيها‏،‏ وإن مارست أعمالك الدينية فكل ذلك يكون روحاً نابضاً بالخشية من الله والإقبال على الله سبحانه وتعالى‏.‏ وإذا سرت في هذا الطريق مراحل إثر مراحل فلسوف تدرك أن الموت نعمة وليس نقمة‏،‏ وأن لائحة الموت إذا لاحت أمامك فإنها بشارة وأي بشارة‏،‏ لا تتصور أن في هذا الكلام مبالغة‏.‏ ألم تسمع كلام رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فيما اتفق عليه الشيخان: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه‏،‏ ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " قالت له عائشة: يارسول الله أهو الموت‏ ؟‏ فكلنا يكره الموت‏،‏ قال: " ليس بذاك ولكن العبد إذا دنا موته فبُشّر بمحبة الله سبحانه وتعالى ورضوانه أحب لقاء الله‏.‏ وإذا دنا الموت من العبد فبشره الله سبحانه وتعالى بمقته وغضبه كره لقاء الله فكره الله سبحانه وتعالى لقاءه "‏ مامعنى هذا الكلام‏؟‏ معنى هذا الكلام أن الإنسان عندما يدنو منه الموت لابد أن يره الله مقره الذي ينتظره‏،‏ لاسيما إن كان من الصالحين‏،‏ لاسيما إن كان من الذين يحاولون جُهد استطاعتهم أن يستنزلوا رضى الله سبحانه وتعالى عنهم‏.‏ إذا حان انتقاله من هذه الدنيا بشّره الله عز وجل بوسيلةٍ ستعلمها آنذاك‏.‏ بشره الله عز وجل بطريقة ما‏.‏ فإذا تلقى هذه البشرى‏،‏ وعلم أن الله عز وجل أعَدَّ له من النعيم ما لا يدركه خيال ولا يتصوره وَهْم من الأوهام‏،‏ وأن الله راضٍ عنه‏.‏ فهل تتصور أن يكون في الدنيا كلها شيء أغلى لديك من إقبالك على الله سبحانه وتعالى‏؟‏ وما قيمة هذه الدنيا العفنة بعد ذلك إذا تلقيت هذه البشرى من مولاك الكريم الرحيم أجل " من أحب لقاء الله أحب الله سبحانه وتعالى لقاءه " ألم تقرأ قول الله عز وجل: { أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏،‏ الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ‏،‏ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ } .‏ والولي كل من ختم الله له بعمل صالح يرضيه { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ } متى‏؟‏ قبيل الموت قبيل الموت‏.‏ رحمة ولطف من الله تأتيه هذه البشرى حتى تغالب لذاتها آلام الموت فتتغلب على آلام الموت‏.‏
عندما يتلقى هذا العبد هذه البشرى من الله‏،‏ أن الله راضٍ عنه وأن الله يحبّه وأن الله سيكرمه فإنّ هذا يصبح مخدِّراً ينسيه آلام الموت‏.‏ ومن ثم فإن الدنيا أيضاً تصبح سوداء في ناظريه‏.‏ ولكن اضمن لنفسك أن يبشرك الله هذه البشرى‏؛‏ تجدْ أن الموت لذّة‏،‏ وأنه سعادة ما مثلها سعادة‏،‏ أجل‏.‏ وسبيل ذلك أن تتذكر الموت دائماً‏،‏ وأن تجعل من تذكر الموت عُصارة تُدخل منها خشية‏،‏ خوفاً‏،‏ مهابة من الله سبحانه وتعالى في طاعاتك وفي أعمالك وقرباتك إلى الله سبحانه وتعالى‏.‏
أسأل الله عز وجل أن يختم حياتنا بأحب الأعمال إليه‏،‏ حتى نلقاه وهو راضٍ عنا‏.‏
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم‏.









عرض البوم صور صقر الاسلام   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018