27 / 09 / 2009, 17 : 03 AM | المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ملتقى ماسي | الرتبة | | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | 12 / 12 / 2007 | العضوية: | 7 | المشاركات: | 3,751 [+] | بمعدل : | 0.61 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 591 | نقاط التقييم: | 184 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح كَلَمْحِ البصَرِ مَرَّت أيامُك يا رمضانُ، وانتهت لياليك بخيرِها وبركاتِها ورحماتها ومغفرتها، وبقي حزنُ النفوس المؤمنة على فراقك، بعد أن تمنت أن لو كان العام كله رمضان؛ حتى تنعم براحةِ بالٍ وسكينةِ فؤادٍ لطالما استشعرَتْها في قدومك الذي ما إن حل حتى حانت ساعةُ الرحيل، وكأن ثلاثينيتَك ما هي إلا لحظاتٌ تُومض كبرقٍ خاطف يكاد يذهبُ بالأبصار. ثلاثون يومًا قضاها المؤمنون في رحاب الله، فما أفضلَها من مناسبةٍ للتواصل والتراحم والتزاور بين المسلمين، وما أحسنَها من فرصة عظيمة لعمل الخير والإكثار من صنيع المعروف وإحيائه بقراءة القرآن وتأمل معانيه ومداومة الذكر وإقامة الصلاة في المسجد والمكث فيه ما استطاع المسلم إلى ذلك سبيلا. ثلاثون يومًا انتهت ولسانُ حال الجميع يُردّد: إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا رمضان لمحزنون.. فما يضمنُ لهم أن يُدركوا رمضانَ القادم فيُمنحوا من جديد منحة إلهية وفرصة ربانية، فيها يعودون إلى الله، فيقبلهم ويرحمهم ويغفر لهم ويعتقهم من النار؟ ثنائية الوداع: وما بين ليلةِ وداعٍ حزين وضحى الخروجِ من رمضان، تتبدلُ أحوالُ الكثيرين الذين ما إن ينتهِ الشهرُ الكريم حتى تتخلى أرواحُهم عن أثوابِ إيمانها، وتنجرفَ نفوسُهم إلى إغراءات غوايتِها، فيعودون إلى ما كانوا عليه قبل رمضان، وقد نسُوا وعدَهم مع الله، ويتحولون في تلك الساعات إلى فريسةٍ للشياطين الذين يُسَرُّون ويَسعَدون بما آل إليه حالُ هؤلاء؛ مصداقًا لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ} [سبأ:20]. فيبذل الشياطين كلَّ جهدِهم في أن يُوقعوا هؤلاء في الذنب، بعد اجتهادهم في رمضان من أجل أن يضيعوا جهدهم هباءً منثورًا، فيصبح حالُ هؤلاء من التراخي والفتور من حيث لا يدرون، فبعد أن كانوا من المحافظين على الصلاة في أوقاتها تتثاقلُ أقدامُهم في السير إليها، وتُضحي المساجدُ لهؤلاء وكأنها مزارات أسبوعية من الجمعة إلى الجمعة، وبعدما كانوا من المسارعين إلى صلاة الفجر، راحت عيونهم في نوم عميق بعد أن أرهقها تعبُ السهر أمام التلفاز، يشاهدون ما كانت نفوسُهم تأباه في رمضان؛ حيث آثرت عيونُهم أن تتكحل بدموع التذلل والتضرع إلى الله في جوف الليل في قيامهم. وبلا حزن أو وجل هجر هؤلاء القرآنَ بعدما خَدَعوا أنفسهم ومن حولهم بطولِ تلاوته وتأملِ آياته، وهم عن الإحساس به بعيدون، فكانوا كمن وصفهم القرآنُ الكريم في محكم آياته: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]. أما المؤمنون فإنهم، وكعادتهم، لا يستسلمون لحزن قد ألم بأنفسهم، ولا ينهزمون أمام ضعفٍ قد حل بأجسادهم، فقد أدركوا -كما أدرك السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار- أن طاعةَ الله وعبادتَه يلزم أن تكون في كل وقت وزمان، فمن كان يعبد رمضانَ فإن رمضان قد ولّى، ومن كان يعبد اللهَ فإن الله حي لا يموت، وعليه فإن صدقَ إيمانهم ونقاء سريرتهم لَيدفعهم إلى أن يكونوا، وباستمرار، على الدرب سائرين، وبنور الحق مقتدين، لا يملون ولا يفترون، فالله هو الله لا يتغير ولا يتبدل، وهو رب رمضان، وما قبل رمضان وما بعد رمضان، ورب كل الأيام. فالمؤمنون مع لوعة قلوبهم وحرقة نفوسهم على وداع هذا الشهر العظيم، فإنهم لا يعبدون الأيامَ، ولكنهم يعبدون الله، وما ذلك الحزنُ وما تلك اللوعةُ إلا لأنهم علموا أنه بانتهاء تلك الأيام المباركة فُتحت أبوابُ النار، وأُطلق سراحُ مردةِ الجن، فكان تعرضهم للفتنة والبعد عن الطاعة أكبر، وهو ما يستلزم جهدًا ومجاهدة عظيمة تزِلُّ فيها أقدامٌ، وينكص على عقبيه فيها الكثيرون. علامات وإشارات: والآن وقد انقضى رمضانُ، وأصبحت أيامُه ولياليه ذكرياتٍ جميلةً عطرة، هل يسأل كلٌّ منا نفسَه بكل صدق وشفافية: إلى أي الفريقين ينتمي أو يريد أن يكون؟ هل هو من أولئك الذين كان رمضانُ لهم فرصةً ضائعة ومنحة مفقودة وأيامًا انشغلت فيها نفوسُهم بالطعام والملذات ومتابعة الأفلام والمسلسلات؟ أم هو من أولئك الذين قضَوا اللياليَ والشهورَ في انتظار قدومه حتى تُصفّى قلوبُهم وتُنقّى أرواحُهم وتسمو نفوسهم؟ والإجابة عن هذا السؤال بطبيعة الحال ليست بالسهلة اليسيرة، لكنها تحتاج إلى مدة من الزمن يتكشفُ خلالَها للراصدِ الصادقِ أين هو وكيف حاله؟ إذ إن أعمالَ وسلوكَ أي إنسان فيما بعد رمضان هي المحك الحقيقي الذي يمكن أن يكون الحكمَ والفيصلَ الذي يميز بين المؤمنين الصادقين وغيرهم ممن خسروا وفاتتهم جوائزُ رمضان الكبرى.. وبعيدًا عن الهوى وخداع النفس، فإن لمعرفة الفوز بفضل رمضان علاماتٌ وإشارات متعددة يفطُن إليها أولئك الأكياسُ من الناس إذا ما خلصت نياتُهم وصدقت نفوسهم، فالمؤمنون الصادقون ينتابُهم ما كان ينتابُ سلفَ هذه الأمة في وداع رمضان؛ إذ كانوا يعيشون بين الخوف والرجاء، ويجتهدون في العمل، فإذا ما انقضى وقَعَ الهمُّ على أحدهم وقال: أقَبِلَ اللهُ منه ذلك أم رده عليه؟ فلم تكن صلاةُ هؤلاء الصالحين وخشوعُهم فيها أو قيامُ ليلهم وبكاؤهم وكثرةُ صدقاتهم وطولُ ذكرهم يمنعُهم من الخوف من عدم القبول الذي لا يملكُه إلا الله المطلعُ على القلوب والعالمُ بما تُكن النفوس؛ فعن أم المؤمنين عائشةَ -رضي الله عنها- قالت: سألتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}، قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ويخافون من الله؟ قال: "لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات" (رواه الترمذي). بعد رمضان: إن المؤمنين الصادقين هم من يمتلكون عزمَ الاستمرار على التوبة والاستقامة بعد رمضان، فلم يكن انتهاءُ رمضان ختامَ اتصالهم بالله، بل كان بدايةَ اجتهاد واستئناف رحلة أكثر مشقة في عبادتهم وتقربهم له عز وجل، فقد أدركوا أنهم بانتهاء رمضان قد فاتهم خير كثير، حيث كان يُجزى فيه فعل الخير أضعافًا مضاعفة. وعلم هؤلاء أن رمضان شهر الصيام، لكن الصيام عبادة يمكن أن يتقرب بها العبدُ في كل وقت وحين، وقد استن الرسول الكريم أيامًا يفضل فيها الصيام، فحرَصوا على صيام الست من شوال؛ فعن أبي أيوبَ الأنصاري –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر"، كما حرَصوا على صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم" (رواه الترمذي)، وكذلك صيامُ الأيام الثلاثة من كل شهر، فقد ورد عن فضلها حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: " صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر" (رواه النسائي). ولم يربط هؤلاء صلاة القيام وتضرعات الليل بشهر رمضان وكفى.. بل إنهم علموا أن القيام والتضرع إلى الله منحة دائمة للعبد المؤمن طَوال عمره يحرص عليها المتقون؛ يقول تعالى: {وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰما} [الفرقان: 64]، ويقول: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة: 16]، ويروي أبو هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل). ولم تنقطع أقدامُ هؤلاء عن المشي إلى المساجد والصلاة في جماعة؛ ففي ذلك فضل كبير لا يناله إلا من حرَص عليه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صلاة الرجل في الجماعة تُضعّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يُخرجه إلا الصلاةُ، لم يَخْطُ خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة) رواه البخاري ومسلم. ووعى هؤلاء أن الإنفاق والتصدق لوجه الله ليس من أعمال شهر رمضان فقط، فما إن تنتهي أيامه حتى تشح أنفسُهم وتبخل أيديهم؛ يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 267-268]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (من تصدق بعَدْل تمرة من كسبٍ طيب، ولا يقبلُ الله إلا الطيبَ، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) متفق عليه. وهكذا يكون الاختبار الذاتي فيما بعد رمضان، فإن كنت ممن يتبعون سبيل المؤمنين كنت من الفائزين، وأما إذا كنت غير ذلك فنسأل الله الرحمة والعفو، وأن يدركنا جميعا شهر رمضان القادم، لعلنا نكون ممن رُحموا وغُفر لهم وعُتقوا من النار.
,hkrqn vlqhk>> tlh`h fu]?
|
| |