كانت البداية عندما سمعنا خبرا يفيد أن صاحبا لنا قد أصيب ولده الصغير بمرض السرطان .. أحزننا هذا النبأ كثيرا .. واتفقنا على السفر لزيارته والسلام عليه وكنا أربعه ..
تحركنا متعجلين لأننا سمعنا من بعض الأصدقاء أن صاحبنا سيسافر بابنه لبريطانيا للعلاج
توجهنا مباشرة لبيته الذي يقبع في الكويت .. وكنا خلال الطريق نحاول الاتصال به لمعرفة متى سيسافر , وما الوقت المناسب للزيارة .. وهل عاد مرة أخرى للمشفى أم مازال في البيت ..
لكن لم تجد اتصالاتنا ردا ..!
وعندما عبرنا الحدود .. أسعفنا أحد الزملاء وأخبرنا أنه أخبر صاحبنا أننا في الكويت ونريد السلام عليه قبل أن يسافر لبريطانيا ..
أخذنا وصف البيت .. وعندما وصلنا كانت الساعة قرابة الواحدة بعد منصف الليل ؛ الوقت لم يكن مناسبا ألبته ..
لكن ظروف سفرنا وسفره جعل الوقت جدا عادي خاصة أنه مع الفجر سيكون إقلاع الطائرة للعلاج
خرج إلينا مرحبا فرحا .. وأدخلنا البيت وتجاذبنا أطراف الحديث وكانت بيننا كثير من المواقف الطريفة تذكرناها في سعادة ونحن نضحك ..
وبعد برهة ؛ أشار إلي كبيرنا أن أقدم له ما معي من أوراق ..
قمت وجلست بجانبه , وأخرجت أوراق الرقية الشرعية المكتوبة بالزعفران .. وشرحت له كيف يستخدمها , وحرصّته على القراءة عليه وكذلك عليه بالدعاء!!
شكرني بحرارة ... ثم .... سكت وبدأ يتأمل ... وكأنه استوعب شيئاً كان غائبا عن ذهنه ..
ثم التفت إلينا وصرخ فينا قائلا: أنتم جيتوا من السعودية عشان ولدي محمد!!!!
صرخ مرة أخرى : لا لا مو معقول ليش سويتوا كذا ... ثم أجهش بالبكاء
بدأنا نصبره ونذكره بالصبر ... ثم سرد لنا قصة ابنه الصغير ذو السنين الأربع
وكيف أن السرطان تمكن من 92% من جسمه الصغير وأنه قد وصل وجود الدم في إحدى الحالات إلى 2% فقط
كان موقفا لا يُحسد عليه الجميع ... طلبنا منه أن نرى الصغير كي نقرأ القرآن عليه
جلسنا معه رأيناه ...قبلناه .. لكن لم نستطع القراءة .. لبكائه .. وقد يكون أيضا لبكائنا .. !
لأن هذا الطفل الصغير الذي أمامنا سيكون بعد عدة ساعات ضحية الكيماوي البريطاني
بعدها طلبنا أن يسمح لنا بالمغادرة كي يجهز ما بقي من أمتعته للسفر
شيعنا حتى باب السيارة وودعنا بدموع أنه سيبقى بخير .. مادام هناك أناس يقدرون الصحبة ويعرفون حق الأخوة .. ومعدن الرفقة الحقيقي وهو الوفاء والوقوف في الشدائد مع صاحبه
غادرنا المكان لنبحث عن سكن نبيت فيه ... ودموعنا منسابة كانسياب سيارتنا المسرعة في الطريق العام ..
كنت في السيارة قد أخذتني الأفكار بعيدا جدا .. وعرفت وقتها فقط .. ما هو العطاء الحقيقي !!
العطاء الحقيقي .. ليس في المال .. وليس بالجاه والقصر الفسيح ... ليس في الطرب واللعب .
العطاء الحقيقي ... ليس في الصحبة التي تغيب أصولها الهشة بغياب المصلحة , وليست في المجاملات والأوجه الملونة .
العطاء الحقيقي ... ليس في الكذب وخداع الآخرين ... وليس بنقض العهود والمواثيق .. وليس في التلبس بملابس الوقار ونحن بعيدين كل البعد عن ذلك ... ليس بادعاء العلم الشرعي ونحن لا نطبق ما نقول على انفسنا قبل كل شيء .
إنما العطاء الحقيقي .. هو أن يرزقك الله قلبا صادقا .. ويهَب لك صاحبا معدنه حقيقي ينبثق منه روح الصفاء والصدق والاخلاص ,
إذا حزت ذلك ستعلم أنك لست وحيدا في هذه الدنيا وأن حولك ممن تحبهم سيحيطون بك ويلتمون حولك وسينزعون ما أحزنك وألم بك دون أن تشعر.. ويزرعون فيك روح التفاؤل والابتسامة وسترفر عليك السعادة من كل جانب اذا رايتهم حولك
تلك هي الاخوة الحقيقة التي نحتاج إليها وإن اختلفت الديار واللهجات وكثرت المسافات وطالت الطرق .. ومع هذا ستظل المحبة والوفاء لها هي سيدة الموقف .
كنت جالسا مع أحد الأصحاب فحدثني بها.. فاستأذنته بكتابتها ونشرها ...
ولنبدأ بالعطاء الحقيقي .
كتبه لنا اخونا الدمعة فجزاه خير الجزاء على نقله .
hgu'hx hgprdrd