11 / 06 / 2015, 19 : 09 PM | المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ملتقى ماسي | البيانات | التسجيل: | 21 / 01 / 2008 | العضوية: | 19 | المشاركات: | 30,241 [+] | بمعدل : | 4.91 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 0 | نقاط التقييم: | 295 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح فهوم الإرجاء عند بعض فقهاء أهل السنة، والفرق بينهم وبين غلاة المرجئة: أمام هذا الانحراف الذي كان سببه الجدال حول مرتكب الكبيرة، وعلاقة الإيمان بالعمل، انعكس أثر هذا الجدال على بعض فقهاء أهل السنة، ممن تعرضوا لمثل هذه القضايا، فقالوا بنوع من أنواع الإرجاء الذي ذمه علماء السلف، وإن كانوا غدوه بدعة خفيفة، وسوف نبين مفهوم هذا الإرجاء عندهم فيما بعد، بعد أن نعرض لما يقال من سبب ظهور هذا الإرجاء في وسط أهل السنة؛ وذلك بالقول إن الأمة في هذه الفترة التي ظهر فيها القول بالإرجاء تعرضت لفتنة شديدة، أوقعت الأمة في حيرة، واضطراب، وكان من نتائجها احتدام الجدال حول مفهوم الإيمان، وعلاقته بالعمل، فإذا كانت المرجئة قد حدثت في السابق حول معنى الإرجاء اللغوي، الذي يتعلق بأحداث الفتنة، فإنه تطور، فيما بعد، ليتناول قضايا واسعة؛ كما يقول الدكتور محمد البهي: "اختلاف المسلمين في الرأي ابتدأ حول حوادث جزئية، وانتهى في آخرها بأن أصبح حول أمر عام؛ مثال ذلك حكم مرتكب الكبيرة؛ حيث انتهى الحديث عن الأشخاص المشاركين في الفتنة، وعلاقتهم بالكبيرة، ثم آل الأمر إلى أن صار موضوع الحكم بعيداً عن التشخيص؛ بحيث كان الانتقال من أمور جزئية إلى أمر كلي عام" (1) . فمن الناحية التاريخية، نجد أن التابعي الجليل قتادة بن دعامة السدوسي يؤرخ لبداية الإرجاء البدعي؛ فيقول: "إنما حدث هذا الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث" (2) ، فهل كان لهذه الهزيمة أثر في نشأة هذا الإرجاء، إذا علمنا أن جمهرة كبيرة من فقهاء الأمة شاركوا فيها، وسوف نقدم هذا العرض الموجز عن هذه الثورة؛ لبيان أثر هذه الفتنة في الافتراق، وظهور الجدال بين علماء الأمة حول مسائل الإيمان، والعمل، وغيرها من مسائل العقيدة. مما هو معلوم أن ثورة ابن الأشعث بدأت سنة "81 هـ"، وانتهت بالهزيمة في نهاية سنة "83 هـ"، وقد شارك في هذه الثورة أعداد كبيرة من القراء، والفقهاء، فريق مع ابن الأشعث، وفريق مع الحجاج، وكان لهذه الثورة أثر في بروز المجادلات، فيما بعد، وملخص هذه الفتنة أن عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث بعثه الحجاج لقتال "قبيل صاحب الترك"، وكان هناك نوع من الكراهية بن الحجاج، وابن الأشعث (3) ، وكان ابن الأشعث يبيت فكرة الخروج على الحجاج؛ ومما يوضح ذلك ما قاله إسماعيل بن الأشعث عم عبدالرحمن للحجاج، قال: "لا تبعثه؛ فإني أخاف خلافه، فوالله، ما جاز جسر الفرات قط، فر أي لوال من الولاة عليه طاعة، وسلطان" (4) ، وبالفعل، توجه ابن الأشعث لحرب الترك، وهزمهم، "واستولى على أراضي واسعة، وملأ يديه من البقر، والغنم، والغنائم العظيمة، وقرر عند ذلك حبس الناس عن التوغل في أرض الترك، وقال: نكتفي بما أصبناه هذا العام من بلادهم، حتى نجيبها، ونعرفها" (5) ، وعندما علم الحجاج بتوقفه عن الغزو، بعث إليه يعيب عليه ذلك، فما كان من ابن الأشعث إلا إعلان خلعه للحجاج، واستعداده للكرة على العراق لقتاله، وعلل ذلك لجنده، ومن رافقه من الناس؛ فقال: "إن الحجاج يطلب منهم التوغل في أرض العدو؛ للتخلص منهم، فتكلم ابن الأشعث في خلع الحجاج، ولم يتكلم في خلع عبدالملك بن مروان" (6) . وبعد أن قويت شوكة ابن الأشعث، وبإزاء سيرته الحسنة في الناس، وما أفاضه عليهم من الأعطيات، وعلاقته الطيبة بالفقهاء، والقراء، فقد بايعوه على خلع الحجاج، ومن أبرزهم ذر بن عبدالله الهمذاني الذي سيصبح من أبرز شخصيات الإرجاء، وأول من تكلم فيه أبو البحتري، الذي قام يحث الناس على قتال الحجاج، فقال: "أيها الناس، قاتلوهم على دينكم، ودنياكم، فوالله، لئن ظهروا عليكم، ليفسدن عليكم دينكم، ودنياكم، وقال الإمام الشعبي: "يأهل الإسلام، قاتلوهم، ولا يأخذكم حرج من قتالهم؛ فوالله، ما أعلم قوماً على بسيط الأرض، أعمل بظلم منهم"، وقال سعيد بن جبير: "قاتلوهم، ولا تأثموا، ولا يأخذكم حرج من قتالهم، بنية، ويقين، وعلى آثامهم قاتلوهمن على جورهم في الحكم، وتجبرهم في الدين، واستذلالهم الضعفاء، وإماتتهم الصلاة" (7) . وقد استمرت هذه الفتنة ثلاث سنوات، وأهل العراق، وبلاد فارس، وجند الشام، بقيادة الحجاج، يصطرعون، فريق مع ابن الأشعث، وفريق مع الحجاج، وكانت الحرب جولات، مرة لابن الأشعث، ومرة للحجاج، حتى حلت الهزيمة بابن الأشعث، وكانت هزيمة مرة، وعصيبة في الأمة، وفقهائها، وقرائها الذين أملوا الناس بالتخلص من الحجاج، وعسفه، وظلمه، وأصبحت وعود العلماء للناس بتطبيق أمثل للكتاب والسنة حلماً، وسراباً بعيد المنال، ولعل هذا الوصف، عن الطبري، لموقف القراء، يعبر عن الحرج البالغ الذي وقعوا فيه؛ بسبب مشاركتهم بهذه الفتنة؛ حيث قال: "فخرج الناس، فعسكروا، وجعلوا يبكون، وينادون: يا محمداه! يا محمداه! وجعلوا لا يدرون أين يذهبون، فجعل قراء أهل البصرة يخرجون إليهم متقنعين، فيبكون لما يسمعون منهم، يرون" (8) . وروى خليفة بن خياط، عن مالك بن دينار، قال: "خرج مع ابن الأشعث خمس مئة من القراء، كلهم يرون القتال" (9) ، ومن مظاهر هذه الهزيمة التي ***ت النقاش في مسائل تخص الكفر والإيمان، ما رواه الطبري: "إن الحجاج عندما دخل الكوفة، وأقام مجلسا، وأجلس مصقلة بن كرب بن رقبة العبدي إلى جنبه، وكان خطيبا، فقال: اشتم كل امرئ بما فيه، ممن كنا أحسنا إليه، فاشتمه بقلة شكره، ولؤم عهده، ومن علمت منه عيبا، فعبه بما فيه، وصغر إليه نفسه، وكان لا يبايعه أحد إلا قال له: "أتشهد أنك قد كفرت؟"، فإذا قال: نعم، بايعه، وإلا، قتله، وجاءه رجل من خثعم، فقال له: أتشهد أنك كافر؟ قال: بئس الرجل أنا، إن كنت عبدت الله ثمانين سنة، ثم أشهد على نفسي بالكفر، قال: إذا أقتلك، قال: وإن قتلتني، فوالله، ما بقي من عمري إلا ضمء حمار، وإني لأنتظر الموت صباح مساء؛ فقال: اضربوا عنقه، فضربت عنقه، فزعموا أنه لم يبق حوله قرشي، ولا شامي، ولا أحد من الحزبين، إلا رحمه، ورثي له من القتل" (10) . أمام هذه الأحداث الجسيمة، وما تبعها من ممارسات الحجاج الرهيبة، وإجباره الناس على الإقرار بالكفر؛ للنجاة من القتل، "فقد جيء له برجل، فقال له الحجاج: إني لأرى رجلاً، ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر، فقال الرجل: أخادعي عن نفسي؟ أنا أكفر أهل الأرض، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد؛ فخلى سبيله" (11) ، وكانت هذه الممارسات، بهذه الهيئة، وهذه الكيفية، سبباً من أسباب فتح الجدال: هل من يفعل مثل هذا مؤمن كامل الإيمان؟ وهل لأفعاله هذه صلة، بإيمانه، وكماله؟ ولعل النقاش كان يدور في نطاق أوسع حول المقتتلين في هذه الفتنة، وهل هم مؤمنون كاملوا الإيمان؟ وما صلة أعمالهم بإيمانهم؟ ولعل النقاش - أيضاً - امتد إلى مسائل متعددة؛ كمرتكب الكبيرة، وغيرها، فكانت هذه الأحداث، وما أفرزته من مجادلات، سبباً في بروز الفكر الإرجائي المبتدع، وفي هذا يقول د. سفر الحوالي: "وهنا برز قرن الإرجاء بين صفوف هؤلاء اليائسين المستسلمين للأمر الواقع، كما تجرأ الذين كانوا مرجئة من قبل؛ فأعلنوا مذهبهم، واستغلوا آثار الهزيمة" (12) . وفي أثناء هذه الفتنة العجيبة، وما تبعها من آلام، ومآس، غابت عن جملة من الفقهاء طريقة السلف الذين يعتقدون ثبات الأصول العقدية، ويعتقدون أن الفتنة، والأحداث، مهما كانت أليمة، يجب أن لا ينحرف المسلمون عن منهج النبوة الحق؛ فذهبوا يبحثون في مسائل الإيمان، والعمل على غير المنهج النبوي، تحت ضغط الواقع، ومجادلات أرباب البدع الأخرى، ولتقرير هذه القاعدة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأهل البدع إنما دخل عليه الداخل لأنهم أعرضوا عن هذه الطريق، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها، إما في دلالة الألفاظ، وإما في المعاني المعقولة، ولا يتأملون بيان الله، ورسوله، وكل مقدمات تخالف بيان الله، ورسوله، فإنها تكون ضلالا؛ ولهذا تكلم أحمد في رسالته المعروفة في الرد على من يتمسك بما يظهر له في القرآن من غير استدلال ببيان الرسول، والصحابة، والتابعين، وكذلك ذكر في رسالته إلى عبدالرحمن الجرجاني، في الرد على المرجئة، وهذه طريقة سائر أئمة المسلمين؛ لا يعدلون عن بيان الرسول إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومن عدل عن سبيلهم، وقع في البدع التي مضمونها أنه يقول على الله، ورسوله، ما لا يعلم، أو غير الحق" (13) . ومن هذا السبيل البدعي سلك بعض الفقهاء مسلك البدعة، عندما عرضت لهم شبهة الإرجاء، فوسعوا المفهوم اللغوي المحدود المعنى، ليشمل تعريف الإيمان، وعلاقته بالعمل، فوقعوا في هذه البدعة المنكرة، التي أسهمت في انحراف المجتمع، فيما بعد، تحت دعاوى الإرجاء، التي مضمونها عدم شعور المرء بأي إثم، أو خطيئة، طالما أن العمل منفصل عن الإيمان، ولا يؤثر فيه بزعمهم. وقد اتهم بهذا الإرجاء جملة من الفقهاء العباد من علماء أهل السنة؛ ومنهم: حماد بن أبي سليمان (14) ، وطلق بن حبيب العنزي (15) ، وعمر بن ذر الهمذاني (16) ، وإبراهيم بن يزيد بن شريك التميمي (17) ، ومحمد بن خازم "أبو معاوية الضرير" (18) ، وأبو حنيفة النعمان (19) ، وخارجة بن مصعب (20) ، وعبدالعزيز بن أبي رواد (21) ، ومحمد بن السائب بن بشر (22) ، ومسعر بن كدام (23) ، ومحارب بن دثار (24) ، وعون بن عبدالله بن مسعود (25) ، وموسى بن أبي كثير (26) ، وعباد بن منصور الناجي (27) ، وعباد بن كثير (28) ، وعبدالكريم بن أبي المخارق (29) ، وأصرم بن غياث (30) ، وسعيد بن سالم (31) ، والصلت بن مهران (32) ، وسالم بن عجلان الأفطس (33) ، وقيس بن عمرو الماصر" (34) . ويمكننا بيان مذهب هؤلاء الفقهاء بالإرجاء على النحو التالي؛ حيث يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، مفصلاً لهذه البدعة: "وحدثت المرجئة، وكان أكثرهم من أهل الكوفة، ولم يكن أصحاب عبدالله من المرجئة، ولا إبراهيم النخعي، وأمثاله، فصاروا نقيض الخوارج، والمعتزلة؛ فقالوا: إن الأعمال ليست من الإيمان، وكانت هذه البدعة أخف البدع؛ فإن كثيراً من النزاع فيها نزاع في الاسم واللفظ، دون الحكم؛ إذ كان الفقهاء الذين يضاف إليهم هذا القول؛ مثل حماد بن أبي سليمان، وأبي حنيفة، وغيرهما، هم، مع سائر أهل السنة، متفقون على أن الله يعذب من يعذبه من أهل الكبائر بالنار، ثم يخرجهم بالشفاعة، كما جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك، وعلى أنه لابد في الإيمان أن يتكلم بلسانه، وعلى أن الأعمال المفروضة واجبة، وتاركها مستحق للذم، والعقاب، فكان النزاع في الأعمال هل هي من الإيمان، وفي الاستثناء، ونحو ذلك، عامته نزاع لفظي؛ فإن الإيمان إذا أطلق دخلت فيه الأعمال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون شعبة أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق))، وغذا عطف عليه العمل؛ كقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ [البقرة: 277]، فقد ذكر مقيدا بالعطف؛ فهنا قد يقال: الأعمال دخلت فيه، وعطفت عطف الخاص على العام" (35) ، وقال شيخ الإسلام - أيضا: "والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق القلب، وقول اللسان، والأعمال ليست منه، كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة، وعبادها، ولم يكن قولهم مثل قول الجهم؛ فعرفوا أن الإنسان لا يكون مؤمنا إن لم يتكلم بالإيمان، مع قدرته عليه، وعرفوا أن إبليس، وفرعون، وغيرهما كفارا، مع تصديق قلوبهم، لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلب في الإيمان، لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان، لزمهم دخول أعمال الجوارح - أيضاً -؛ فإنها لازمة لها، ولكن هؤلاء لهم حجج شرعية، بسببها اشتبه الأمر عليهم؛ فإنهم رأوا أن الله فرق في كتابه بين الإيمان، والعمل؛ فقال في غير موضع: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ [البقرة: 277]، ورأوا أن الله خاطب الإنسان بالإيمان قبل وجود الأعمال، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى [المائدة: 6]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة: ]، وقالوا: لو أن رجلاً آمن بالله ورسوله ضحوة، ومات قبل أن يجب عليه شيء من الأعمال، مات مؤمناً، وكان من أهل الجنة، فدل على أن الأعمال ليست من الإيمان، وقالوا: نحن نسلم أن الإيمان يزيد، بمعنى أنه كان كلما أنزل الله آية، وجب التصديق بها، فانضم هذا التصديق إلى التصديق الذي كان قبله، لكن بعد كمال ما أنزل الله، ما بقي الإيمان يتفاضل عندهم، بل إيمان الناس كلهم سواء؛ إيمان السابقين الأولين؛ كأبي بكر، وعمر، وإيمان أفجر الناس؛ كالحجاج، وأبي مسلم الخراساني، وغيرهما، والمرجئة المتكلمون منهم، والفقهاء، يقولون: الأعمال قد تسمى إيماناً مجازاً؛ لأن العلم ثمرة الإيمان، ومقتضاه، ولأنها دليل عليه، ويقولن: قوله: ((الإيمان بضع وستون أو بضعة وسبعون شعبة -، أفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها أماطة الأذى عن الطريق)) - مجاز، والمرجئة ثلاثة أصناف: الذين يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب، وهم أكثر فرق المرجئة، ومنهم من لا يدخلها في الإيمان؛ كجهم، ومن اتبعه؛ كالصالحي، والقول الثاني من يقول: هو مجرد القول باللسان، وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية، والثالث: تصديق القلب، وقول اللسان، وهذا هو المشهور عن أهل الفقه، والعبادة منهم" (36) . ويفرق أبو العز الحنفي بين رأي أبي حنيفة، ورأي الأئمة، في مسألة الإيمان؛ فيقول: "إذا كان النزاع في هذه المسألة، بين أهل السنة، نزاعاً لفظياً، فلا محذور فيه، سوى ما يحصل من عدوان إحدى الطائفتين على الأخرى؛ من الافتراق بسبب ذلك، وأن يصير ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكلام المذموم عند قوم من أهل الإرجاء، ونحوهم، على ظهور الفسق، والمعاصي؛ بأن يقول: أنا مؤمن مسلم - حقا - كامل الإيمان والإسلام، ولي من أولياء الله؛ فلا يبالي بما يكون منه من المعاصي، وبهذا المعنى قالت المرجئة: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، وهذا باطل - قطعاً -؛ فالإمام أبو حنيفة - رحمه الله - نظر إلى حقيقة الإيمان لغة، مع أدلة من كلام الشارع، وبقية الأئمة - رحمهم الله - نظروا إلى حقيقته في عرف الشارع؛ فإن الشارع ضم إلى التصديق أوصافاً، وشرائط؛ كما في الصلاة، والصوم، والحج، ونحو ذلك" (37) . وقد نسبت إلى الإمام أبي حنيفة أقوال في الإيمان، والإرجاء، استقصاها أبو الخطيب البغدادي؛ مما حدا بعلماء عصره إلى التشنيع عليه، والرد عليه. ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية يبرئه من تلك الأقوال؛ ويقول: "أبو حنيفة، وأصحابه، لا يجوزون الاستثناء في الإيمان بكون الأعمال منه، ويذمون المرجئة، والمرجئة عندهم الذين لا يوجبون الفرائض، ولا اجتناب المحارم، بل يكتفون بالإيمان، وقد علل تحريم الاستثناء فيه بأن لا يصلح تعليقه على الشرائط؛ لأن المعلق على الشرط لا يوجد، ولا عند وجوده" (38) . ويقل شيخ الإسلام عن إرجاء علماء أهل السنة: "وفي الجملة الذين رموا بالإرجاء من الأكابر؛ مثل: طلق بن حبيب، وإبراهيم التميمي، ونحوهما، كان إرجاؤهم من هذا النوع، وكانوا لا يستثنون في الإيمان وكانوا يقولون: الإيمان هو الإيمان الموجود فينا، ونقطع بأنا صادقون، ويرون الاستثناء شكا، وكان عبدالله بن مسعود وأصحابه يستثنون، وقد روي في حديث أنه رجع عن ذلك لما قال له بعض أصحاب معاذ ما قال" (39) . ويوضح الإمام الذهبي شيئاً من مذهب علماء أهل السنة في الإرجاء؛ فيقول: "وقد كان على الإرجاء عدد كبير من علماء الأمة، فهلا عد مذهبا، وهو قولهم: أنا مؤمن - حقا - عند الله الساعة، مع اعترافهم بأنهم لا يدرون بما يموت عليه السلام؛ من كفر، أو إيمان، وهذه قولة خفيفة، وإنما الصعب من قول غلاة المرجئة إن الإيمان هو الاعتقاد بالأفئدة، وإن تارك الصلاة، والزكاة، وشارب الخمر، وقاتل النفس، والزاني، وجميع هؤلاء يكونون مؤمنين كاملي الإيمان، ولا يدخلون النار، ولا يعذبون أبداً، فردوا أحاديث الشفاعة المتواترة، وجسروا كل فاسق، وقاطع طريق على الموبقات، نعوذ الله من الخذلان" (40) . ويحدد الإمام سفيان الثوري مقالة المرجئة، وخلافهم مع أهل السنة؛ فيقول: "خلاف ما بيننا، وبين المرجئة ثلاث: يقولون: الإيمان قول، ولا عمل، ونقول: قول، وعمل، ونقول: إنه يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد، ولا ينقص، ونحن نقول: النفاق، وهم يقولون: لا نفاق" (41) . ويعرف الإمام الذهبي إرجاء الفقهاء فيقول: "وهو أنهم لا يعدون الصلاة والزكاة من الإيمان, ويقولون: الإيمان إقرار باللسان, ويقين في القلب, والنزاع على هذا لفظي, إن شاء الله, وإنما غلو الإرجاء من قال: لا يضر مع التوحيد ترك الفرائض, نسأل الله العافية (42) (43)
ti,l hgYv[hx uk] fuq trihx Hig hgskmK ,hgtvr fdkil ,fdk yghm hglv[zm:
|
| |