العلامة الرباني الشيخ رجب ديب (الحلقة الثامنة انتشار دعوة فضيلته حفظه الله تعالى )

[زياد محمد حميدان]

(الحلقة , الله , الثامنة , الرباني , الشيخ , العلامة , انتشار , تعالى , حث , دعوة , حفظه , رجب , فضيلته

سـابعـاً: انتشـار دعـوة الشيـخ حفظه الله
كالورد يفوح عطراً ذكياً دون إرادةٍ ولا تَكَلّفٍ، كذلك قيامه بالدعوة إلى الله سجيةٌ، لا يجلس في مجلسٍ إلا كان الحديث عن الله جل وعلا، و******ِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو عن بيانٍ لحكمٍ شَرْعِيٍّ أو موعِظَةٍ أو استخلاصِ عِبْرَةٍ، وكلما طاب الغرس زكا الثمر، وكلما عمق جذر الشجرة كان امتداد أغصانها، وكانت باسقة الطول طَيِّبَةَ الثّمر، وارفة الظلال، عامة النفع والفائدة.
هكذا كانت دعوة الشيخ أصولاً ونشأةً، كان أصلها ثابتاً بسبق العناية الربانية والراعي المخلص، والمربِّي المرشد الكامل سماحة الشيخ أحمد كفتارو رحمه الله وكان طَيِّبَ النَّبْتِ والجُهْدِ المضاعف المَبْذُولِ من دوام ذكر، وطُول خلوةٍ، كل ذلك أثمر دعوةً بدأت بمساجد دمشق الصغيرة ثم إلى جوامعها الكبيرة، وقد كان يذهب إلى الناس في قراهم وأحيائهم، فأضحى الناس يتوافدون على مسجده من كل ناحيةٍ، وانتشرت دعوته خارج محافظة دمشق وريفها، فبلغت اللاذقية على الساحل، وحلب في الشمال،وأينع ما كان من زرعٍ في بيروت.
وقَدَّرَ الله لفضيلته أن يسافر إلى خارج الشام شرقاً وغرباً، وحيثما حَلّ كان له أكبرُ الأثر، وجمع الناس حوله، وعشقوه، لأنهم وجدوا فيه روحانية العالم المربي الذي يكاد يُفْقَدُ من العالم الإسلامي، أروى قلوب الظمأى لحب الله وحب رسوله، فأثمرت دعوته في أمريكا وفرنسا والسويد وألمانيا، دول الاتحاد السوفياتي (المنْحَلّ)
ولقد سافر بدعوةٍ من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة لإحياء ليالي رمضان، فكان مُمَيَّزاً في دعوته، وقد شهدتُ معه إحياء بعض الليالي في مدينة العين من إمارة أبو ظبي، فكان الإقبال منقطع النظير، ولم تشهد مدينة العين مثل ذلك التجمع في مساجدها، ولقد كان يتسامع الناس به من كل الجنسيات، ولقد كانت قلوبهم تتراقص طرباً، وألسنتهم تلهج بالثناء والمديح والدعاء، ولقد كان يشق طريقه ببالغ الصعوبة، كُلٌّ يريد أن يراه ويتبارك بالسلام عليه ويطلب دعاءه ورضاءه. وهذه ظاهرةٌ لا تكاد تراها في مساجد الإمارات، وكان فضيلته كلما حل في بلد رَكَّزَ فيها خميرةَ الدعوة، وكان لا يزال يدعو الخالق جل وعلا أن يجعل نصرة الإسلام على يديه في مشارق الأرض ومغاربها، ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحقق له سُؤْلَهُ وزيادةً، وأن يجعلنا عوناً له، وأن يوفقنا أن نبذل ما بذل من صحة ومال وأهل ووقت لنشر دين الله عز وجل ولقد عُوِديَ كما عُودِيَ أصحابُ الرسالة وحَمَلةُ مشاعل الهدى والنور، وهذه سُنَّةُ الله التي لا تتبدل، فقد حيكت ضده المؤامرات والوشايات لعرقلة مسيرة دعوته، ونَجَحَتْ قوى الشر أن توقف دعوته في بعض المناطق عن طريق الوشاية، حسداً أن يبلغوا ما بلغ، ولكن الشجرة قوية الأصل والإمداد، إذ قطع رأسها نمت منها الفروع، حاملةً صفاتِ الأصل، وهذا ما تَمّ والحمد لله فكان تلاميذه في كل مكان وصلوا إليه يحملون رسالته، ويُتِمُّون دعوته، وهو يتابع مسيرة دعوتهم، حتى حققوا أعلى مستويات النجاح، ففي بيروتمثلاً أحبهم العامة والخاصة للأسلوب الحكيم المتميز في الدعوة، بعد خبروا دعواتٍ كثيرةً لم يكتب لها النجاح والتوفيق، مثل ما تحقق لدعوة فضيلته، وخير شاهدٍ على ذلك الاحتفالات التي يقيمونها في المناسبات الدينية، فيقبل عليها عشرات الآلاف من الناس إعراباً عن تضامنهم ومعاضدتهم ومناصرتهم لهذه الدعوة المباركة.
وإن فضيلته دائمُ التفاؤل ويغرس ذلك في نفوس أحبابه وجلسائه، ويزرع في نفوسهم اليقين بأن المستقبل لهذا الدين، وإنه ليخيل إليك وهو يحدثك عن الأمل القريب في ازدهار عصر الإسلام من جديد أن الأمر قد دنا ونجز بإذن الله.
والآن إلى الحوار:
س1: لكم نشاط ملموسٌ في الدعوة إلى الله في محافظة دمشق وريفها، شملت معظم مساجدها، ولكم في بعض المحافظات نشاط كذلك، مثل اللاذقية، وحلب، وفي لبنان الشقيق، وخاصةً في بيروت، فهل لفضيلتكم أن تحدثونا كيف بدأت دعوتكم في هذه البلاد؟
بتوفيق الله سبحانه سافرت في عام 1962م إلى اللاذقية بتوجيهٍ من سماحة شيخي، وبدأت فيها الدعوة في مسجدها الكبير (مسجد العجّان)، وكنت أقوم فيه بثلاث دروس يومياً، بعد الفجر وبعد العصر وبعد المغرب، وأما بعد العشاء فيجتمع الشباب حولي، فأحدثهم إلى أن يمضي نصف الليل، فيذهبون ويعودون قبل الفجر للتجهد وبعد الفجر تبدأ المجالس، وذلك كل ليلةٍ، حيث كنت أمكث عندهم كل خمسة عشر يوماً ثلاثة أيام، واتسعت رقعة الدعوة، حتى امتلأ المسجدُ بفضل الله وغَصَّ بالحضور، ثم توسع العملُ حتى كانت الساحة الكبرى خارج المسجد تمتلئُ بالشباب، مما أَثَّرَ على أماكن اللهو والسينما، وورد إلى المسجد عددٌ من المسيحيين وأعلنوا إسلامهم، وعندها غضب الشيطان، وثارت ثائرة بعضِ العلماء فلجؤوا إلى السلطة ليمنعوا وجودي في اللاذقية بِتُهَمٍ كاذبة استطاعوا بها أن يوقفوا الدعوة، لكني بفضل لله تركت فيها نخبةً من الشباب، تمرنوا على الدعوة وقاموا بها بعدي، فهي قائمةً وإلى هذه الساعة، بفضل الله.
وبعد أن منعت من اللاذقية ذهبت إلى بيروت لأكرِّرَ العمل الذي بدأتُه، وكان أول ذهابي إلى بيروت في رمضان، وكان ذلك بطلب من سماحة الشيخ حسن خالد رحمه الله مفتي الجمهورية اللبنانية، حيث طلب إلى سماحة شيخنا المفتي العام للجمهورية العربية السورية إرسال بعض المدرسين الدينيين، وعرض سماحتُه الأمرَ على السيد الرئيس حافظ الأسد رحمه الله فوافق عليه، بل ورغّب فيه، وبدأت الدعوة في الليل والنهار والسر والجهر، حتى التَفّ حولي كثيرٌ من الشباب، وكان قد انتشر في المجتمع (الهِبِّيِّين)، وانتشرت الدعوة فيهم حتى ملأت المساجد، وكانت الدعوة في مسجد الإمام علي بن أبي طالب بطريق الجديدة، ثم في مسجد (الزيدانية)، الذي بُني حديثاً فيما بعد وسمي بالفاروق، ثم الجامع الكبير (العمري) في وسط المدينة، وجامع عسّاف وجامع البسطة التَّحْتَا، وتوسعت الدعوة حتى غَصَّتِ المساجدُ، وكانت دعوتي كل يومٍ ما بين عشرين واثنتين وعشرين ساعة، لا أنام فيها غير ساعتين أو أقل، وغار بعض العلماء، واشتدت التُّهم، وحضر كثيرٌ من العلماء المجالس، وكان من جملتهم المفتي الحالي الشيخ الدكتـور رشيد قباني حفظه اللهوعالم بيروت الشيخ حسن دمشقية، الذي وقف للدفاع الأكبر عن الدعوة، ويعلن بذلك أنه ما استطاع أن يأخذ خطأً واحداً يمس الدعوة، لكنَّ بعض المغرضين سلكوا مسلك تحريض السلطة لمنعي من المجيء إلى بيروت، ونجحوا بطرقهم الملتوية، وكُلّ ذلك لم يُؤَثِّر على الدعوة، حيث إنيبفضل الله ركَّزْتُ شَبَاباً درسوا الشريعة، ونالوا بها أعلى الدرجات، فحملوا الدعوة، حيث لا تزال الدعوة قائمة منذ ثلاثين سنةً، لم تتوقف مطلقاً وستبقى قائمةً بإذن الله تعالى.
وبعدها توجهت إلى مدينة حلب وبدأت تركيزَ الدعوة بإذن من مدير الأوقاف فيها صهيب الشامي، لكنه لما سمع أنه من الدرس الأول مُلِئَ نصفُ المسجد الكبير (مسجد عمر بن عبد العزيز) سَحَبَ في اليوم الثاني إذنَه، ومُنِعَ التدريس العام في كلّ حلب، غير أن الدعوة لم تتوقف، ووجهت الشباب إلى دراسة الشريعة، وبدأت فئةٌ كبيرةٌ من المهندسين والأطباء والجامعيين بدراسة الشريعة، وحملوا الدعوة بصدق وإخلاص حتى بلغت الآن المئات، وأسأل الله المعونة على ذلك، والتأييد لهم من الله عز وجل.
س2 ما طموحاتكم في مجال الدعوة؟

إن مما أرجوه من فضل الله تعالى أن يحقق نجاح الدعوة على يَدَيًّ في العالم كله، خاصّةً في مجال أهل الثقافة والعلوم، لأنهم أسرع تفهماً للإسلام والعلوم، وإني لأرى أن العالَمَ كُلَّهُ مهيَّاٌ لقبول الإسلام، اعتمادي في ذلك على قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : ((لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار)) [1].
وإني أكثرُ طَمَعاً في الشعوب التي أعملتْ عقلها، وأنكرت ألوهية البشر، وتحررت من دينٍ يهمل العقل ومحاكمته والعلم وتطلعاته، كالشيّوعية مثلاً حيث كان لي فيها العمل الأكبر، فلقد رأيت في الملحد أنه إنسانٌ صحا عقلُه وتنبَّه فكره وترك ديناً جامداً ليتحرر بعقله، فأنا أرى فيه أنه إنسانٌ وصل إلى نصف طريق الإسلام، فبجلسةٍ أو جلستين ينقاد انقياداً عظيماً لاعتناق الفكر الإسلامي السليم والعمل بالإسلام القويم.
س3 ما البلدان التي زرتموها وكان لكم نشاطٌ للدعوة فيها، وهل هناك من منجزات في هذه البلدان؟
لقد زرت كثيراً من بلدان الشرق والغرب، وأسست فيها دعوةً بفضل الله وكرمه فهي قائمةٌ إلى الآن، والحمد لله، أولاً سافرت إلى فرنسة لمداواة ابنتي، ومكثتُ فيها خمسةَ عشر يوماً، بدأتُ فيها بالدعوة حيث كان بعض أحبابي يدرسون هناك، ثم عدت إليها ثانيةً، فركزت العمل والدعوة، والتقيت ببعض شباب فرنسة فاعتنيت به، ودَرَسَ الشريعة الإسلامية، وعمل بذكر الله كثيراً حتى أدرك القلب النَّيِّر، فأرسلته إلى بلده ليحمل الدعوة إليها بلغة قومه، وقد بلغ بفضل الله عدد الشباب المسلم ما يزيد على مائة وستين شاباً دخلوا في الإسلام، والآن استلمَ مسجداً كبيراً، والدعوة قائمةٌ فيه بفضل الله.
وسافرت إلى بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي (سابقاً) مرتين، وكذلك ركزت الدعوة فيها، وأتيت ببعض الطلاب فدرسوا الشريعة ورجعوا دعاة بفضل الله.
ومثلها سافرت إلى سويسرا بتكليفٍ من سماحة شيخيرحمه اللهوتوسعت فيها الدعوة حتى مُلِئَ المركز الإسلامي فيها في رمضان، وفي العيد غَصّ المركز حتى امتلأ المسجدُ والباحةُ السماوية، حتى اضطررنا لفرش الشارع بالحصر، حيث وقف في الشارع ثلاثة وعشرون صفاً، ولم يشهد المركز هذا الحشد منذ بني، وهذا بشهادة رئيس المركز الدكتور مدحت شيخ الأرض، وركزتُ فيها شباباً يحملون دعوة التيسير والحكمة، وهذا قائمٌ إلى الآن.
ثم سافرت إلى ألمانيا حيث يوجد بعض الأحباب من بيروت، فركزت لهم مسجداً يعملون فيه بالدعوة، وانتشرت بفضل الله الدعوة فيه ولا تزال.
وسافرت إلى السويد ومكثت فيها عشرة أيامٍ، جمعت فيها بعض الأحباب، ورغَّبْتُهُمْ في الدعوة وعَلَّمْتُهُمْ حكمتها، ودفعتهم للعمل فيها، فقاموا بها خير قيامٍ، والآن اشتروا كنيسةً كبيرةً حولوها إلى مسجد للدعوة إلى الله وتبليغ دينِ الله، وهمن قائمون بالدعوة من غير فُتُوربفضل الله تعالى.
وكان آخر تنقلات سفري إلى أمريكا بتوجيهٍ من سماحة شيخي، حيث جمعتُ الأحباب من أطباءَ ومهندسين وعُمّالٍ، وركزتُ معهم الدعوةَ من أطراف أمريكا المتعددة، وجعلتُ فيها مسؤولاً عن الدعوة وجمع الأحباب، وعُدْتُ لزيارتها مرتين، والعمل ما زال قائماً. واجتمعت فيها في مؤتمراتٍ؛ منها: مؤتمر مَثَّلْتُ فيه شيخي سماحة المفتي العام الدكتور الشيخ أحمد كفتارو، ومنها: مؤتمراتٌ كنتُ معه فيها، والتقيت بكثير من رجال الدين المسيحي، وزرت بعض الكنائس وألقيتُ فيها محاضراتٍ، ولقد شيعني بطريرك الكنيسة إلى باب السيارة، حيث كرر الاعتذار أكثر من ستِّ مرَّاتٍ عمّا فعله الصليبيّون بالمسلمين، معاهداً أن تُحَسَّنَ العلاقةُ بين الإسلام والمسيحية.
س4 هل شاركتم في مؤامرات خارج الجمهورية العربية السورية، وما طبيعة هذه المؤتمرات؟
ليس لي مشاركةٌ في المؤتمرات إلا قليلاً، حيث شاركت في مؤتمر في إيران عن صلاة الجمعة، وكان لهذه المشاركة أثرٌ عميقٌ في نفوس الإيرانيين، وثانياً: مؤتمر في أمريكا عن الإسلام نيابةً عن سماحة المفتي العام، ومؤتمراتٌ حضرتها مع سماحته، وكذلك مشاركاتي في عضوية لجان التحكيم للمسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتجويده وتفسيره التي تقام سنوياً في مكة المكرمة.


[1] )

---

hgughlm hgvfhkd hgado v[f ]df (hgpgrm hgehlkm hkjahv ]u,m tqdgji pt/i hggi juhgn )

[شريف حمدان]

[محمد نصر]

</B></I>