النداء الرابع والستون : ( آداب دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم )

[زياد محمد حميدان]

النداء الرابع والستون:] آداب دخول بيوت النبي r[
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [{الأحزاب 53}.
يدعو الحق سبحانه أولياءه إلى التخلق بالأخلاق الفاضلة،والآداب السامية،وفي هذا النداء الربانيّ يبين الحق آداب الزيارة في المآدب،وأنه لا ينبغي أن يثقل على أهل البيت بإطالة الجلوس،والانبساط في الحديث،بحيث يؤذي أهل البيت بجلوسه.
قوله تعالى:] لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ [ نهي عن دخول بيوت النبي r إلا بإذنه،وهذا ليس خاصا بالنبي r ،وإنما ذكر r لمناسبة نزول الآية ،كما سيأتي إن شاء الله تعالى.إذ الواجب الاستئذان على جميع المسلمين،وتقدم كيفية الاستئذان وآدابه في سورة النور.
قوله تعالى:] إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ [ وكذلك لا تختص الدعوة إلى الطعام،لأن الغالب أن تكون الدعوة إلى الطعام ،أو عليه يتحدثون.
وإناه:نضجه،وكان من عادة الناس أن يأتوا قبل الطعام وينتظرون نضجه،ويجلسون بعده للحديث.وإن هذا آذى النبي r يوم عرسه وبنائه على زينب بنت جحش رضي الله عنها. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ :]لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ r زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، وَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ، فَلَمْ يَقُومُوا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ .فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ، وَقَعَدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ ،فَجَاءَ النَّبِيُّ r لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ. ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا، فَانْطَلَقْتُ فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ r أَنَّهُمْ قَدْ انْطَلَقُوا فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) الْآيَةَ[[1].وأما ما كان من عادتهم انتظار الطعام ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهمانزلت في ناس من المؤمنين كانوا يتحيَّنون طعام النبي r فيدخلون قبل أن يدرك الطعام، فيقعدون إلى أن يدرك، ثم يأكلون ولا يخرجون)[2].وفي ذلك إيذاء للنبي r ،فينبغي للمسلم أن يكون فطنا،يلمح في عيون صاحب البيت،إذا كان يرغب في بقائه،فقد يكثر الحركة أو الالتفات،بما يشعر أنه مشغول،فهذا الرسول r يدخل ويخرج والقوم منبسطون في حديثهم.
قوله تعالى:] وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا[ علَّق الدخول على الدعوة،أي لا تدخلوا إلا إذا دعيتم،ومن الأدب أن لا يذهب إلى وليمة إلا إذا دعي، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ t قَالَ:] جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ r خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ. فَدَعَاهُمْ فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ r : إِنَّ هَذَا قَدْ تَبِعَنَا ،فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فَأْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ. فَقَالَ: لَا بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ[ [3].قال ابن كثيروهذا دليل على تحريم التطفيل) [4].
ومن حقِّ المسلم على أخيه إذا دعاه أن يجب دعوته،عن ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ:] عَنْ النَّبِيِّ r إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ[ [5]. و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t :] عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ[[6].
قوله تعالى:] فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ[ بيان لأمد الزيارة،وأنها مؤقتة بانتهاء الطعام والضيافة،وألا ينتظر بعده لأن فيه حرج.
قوله تعالى:] إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ [ أي دخولكم دون إذن ،أو إطالة الجلوس والحديث،فإذا كان إيذاء المسلم حراما،فما بالك ب****** المصطفى r ؟!.ويلحق به كل ما يؤذي صاحب البيت أثناء الزيارة.
قوله تعالى:] فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ [ أن يطلب منكم صراحة الخروج،حرصا أن لا يحرج أحدا،لأنه غير مألوف،فيتحمل الأذى في نفسه الشريفة،وهذا دليل على عظيم خلقه r] وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [لكن الله سبحانه،يبين لكم الحكم الشرعي،والأدب الواجب إتباعه،وإن كان ذلك ثقيلا عليكم،ولكن الحقَّ أحقُ أن يتبع،فمن لا يدرك الأمر بالتلميح،فلابدَّ له من التصريح،وربما احتاج بعضهم للتقريع.،نسأل الله العظيم أن يوسِّع مدارك عقولنا ،لفهم كتابه،والاستنان بهدى ****** المصطفى r ،ومتابعته في الأقوال والأفعال.
قوله تعالى:] وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [ المتاع ما ينتفع به،في البيوت من الماعون،وقيل الفتوى من نساء النبي r ،وشرط أن يكون السؤال من وراء حجاب،فإذا كان في حقِّ أمهات المؤمنين،وهنَّ محرمات عليهم،فغيرهن أجدر وأولى،وقد علل الحق سبحانه ذلك بقوله:] ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ[ أن يدخلها وسوسة شيطان،أو حديث نفس،يؤدي إلى شغل القلب،بما يهيج الرجل للمرأة والعكس.وفي ذلك حسم لمادة الفساد المتوقعة،والاحتياط واجب حتى مع المحرمات قال القرطبيهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له، فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله وأحصن لنفسه وأتم لعصمته)[7].
وهذه آية الحجاب،وفي سبب نزولها روايات:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ:] قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t : وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ؛ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ،وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ r فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ :عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ[[8].
و]أَمَرَ عمر t نِسَاءَ النَّبِيِّ r أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَقَالَتْ لَهُ زَيْنَبُ رضي الله عنها وَإِنَّكَ لتغار عَلَيْنَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ فِي بُيُوتِنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ U وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [[9].
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالتكنت آكل مع النبي r في قعب،فمرَّ عمر فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبعي،فقال عمر :أوه لو أطاع فيكن،ما رأتكن عين،فنزلت آية الحجاب)[10].
قوله تعالى:]وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [ في شيء من الأشياء من الدخول بدون إذن،ولا النظر إلى نسائه،ولا إطالة الجلوس عنده،وكل ما يؤذي.
قوله تعالى:] وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً[ لا يجوز التزوج بنساء النبي r لأنهن أمهات المؤمنين.
قوله تعالى:] إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [ إذايتكم للرسول r بأدنى شيء،وتمني الزواج من نسائه بعد موته،وما يؤذي آل بيته يؤذيه r عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت : خطبني علي فبلغ ذلك النبي r فقال : ]ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله[[11].



[1] ) صحيح البخاري،كتاب تفسير القرآن،باب قوله تعالى ]لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم[ 4/1799 رقم4513
[2] ) الجامع لأحكام القرآن 14/224 وزاد المسير 6/413
[3] ) صحيح البخاري،كتاب البيوع،باب ما قيل في اللحام و الجزار 2/732 رقم 1975
[4] ) تفسير القرآن العظيم 3/667
[5] ) صحيح مسلم،كتاب النكاح،باب إجابة الداعي إلى دعوة 9/236 رقم 3499
[6] ) صحيح البخاري،كتاب الهبة وفضلها،باب القليل من الهبة 2/908 رقم 2429
[7] ) الجامع لأحكام القرآن 14/228
[8] ) صحيح البخاري،كتاب الصلاة،باب ما جاء في القبلة 1/157 رقم 393
[9] ) مسند أحمد 1/456
[10] ) الدر المنثور 5/402 وانظر جامع البيان 10/325 وتفسير القرآن العظيم 3/667
[11] ) المعجم الكبير للطبراني 24/153

---

hgk]hx hgvhfu ,hgsj,k : ( N]hf ]o,g fd,j hgkfd wgn hggi ugdi ,sgl )

[شريف حمدان]

[محمد نصر]