المحور الثاني: إشراك أمواتنا في الأجور بإهداء الثواب
هذا المحور الثاني لا يمكن للملائكة الكرام أن يُشاركوا فيه , وهو عملٌ لا يصلحُ من غير المُكلفين بعضهم لبعض , والأمواتُ منتفعُـونَ به لا محالةَ , وهو متشعبٌ وذو صور عديدة تتردد بين الإجماع على بعضها كسقيا الماء عن الميت والخلاف في بعضها كإهداء ثواب القرآن وبدعية بعضها كالحج عن رسول الله
.
ولن نتجاوز تذكير بعضنا بما يصلُ ثوابه للميت من غير خلاف حتى لا يتحول الموضوع من موعظة وذكرى إلى جَدَل وخصام.
فمن المشاريع النافعة التي يُمكن أن نحتسب عند الله أجر انتفاع الأموات بها سقيا الماء بحفر الآبار ووضع البرادات وشراء الماء للصائمين والقائمين والعاكفين والعمالة والمسافرين وإلحق ثواب كل ذلك لمن نشاءُ من أمواتنا المقربينَ , ولو لم يكن في التصدق عن الميت بالماء وإلحاق الثواب له إلا أنه وصية رسول الله
وإشارتُـهُ على صاحبه البار بأمه سعد بن عبادة رضي الله عنه لكَـفَـى ذلكَ حباً إلى الله وقربةً إليه.
ذلك أنه صح عن النبي
أنْ جاءهُ سعدُ بن عبادة
فقال يا رسول الله إن أم سعد كانت تحب الصدقة ، أفينفعها أن أتصدق عنها ؟ قال
نعم ، وعليك بالماء .
وسقايةُ الماء اليومَ مع عظم ثوابها ومحبة الله لها لا تكلف شيئاً أبداً , ونحنُ نرى في الحرمين وعلى الطرقات وفي كثير من المساجد أقواما أراد بهمُ الله خيراً فوفقهم لسقاية الماء ومن المناسب جداً أن يكون ثواب هذه الجهود هدية للأموات فينوي العاملون الصدقةَ عن أهليهم بذلك تحقيقاً لهذه السنة وعملاً بإشارة رسول الله
, وقد وقفتُ مع بعض الأحبة على آبار حفرها بعضهم قبل خمس وعشرين عاماً لا يزالُ الناس والدواب والأنعامُ يشربون منها حتى الساعة , ولنا أن نتساءل عن غبطة الميت وسروره بهذه البئر لو كانت في صحيفته , وقس على ذلك برادات الماء وغيرَها , والله لايُضيعُ أجر من أحسنَ عملاً.
ويلتحقُ بالماء إهداء ثواب الطعام كإفطار الصائمين ودعوة المُحتاجين وإطعام الطعام عُموماً لأنه صدقةٌ , والصدقة تصل الميت وينتفعُ بها إجماعاً كما يقول شيخا الإسلام النووي وابن تيمية رحمهما الله.
ويلتحق بذلك عتق الرقاب وإلحاق ثوابها للميت والحج عنه أيضاً لما ثبت من مقولة النبي
لابن العاص بن وائل
إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَأَعْتَقْتُمْ أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ , وعتق الرقاب وإن عُدم اليوم فلا يزالُ العفوُ عن القتَلة وعتق رقابهم تسد مسدهُ , ولا تزال الشفاعة في المحكومين بالقصاص لدى أولياء الدم مجالاً لا يقل أجراً عنهُ وحظوةً عند الله تعالى.
وفائدةُ الإشارة والحض والتنبيه على هذه القضية تتلخص في أمرين:
أن الميت إن كان محسناً زاد الإهداء والاستغفارُ في إحسانه وارتفعت به درجاته كما ثبت في الحديث عن النبي
إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِى الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِى هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ والولدُ هنا خرجض مخرجَ الغالب وإلا فاستغفار غير الولد موصلٌ إلى نفس النتيجة , كما أن تخصيص الاستغفار هنا محمول على الغالب وعلى تفضيله على غيره وإلا فالصدقات من الماء والطعام والحج والعتق توصل لنفس النتيجة بحول الله.
أن الميت إن كان مُسيئاً ومستحقاً للعقوبة على كبائر اقترفَـها في حياته ولم يتب منها كان الاستغفارُ له والتصدق عنه وإلحاق الثواب له سببا في زيادة حسناته وعفو الله عنه وسقوط استحقاقه للعقوبة على الكبائر كما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة , قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
بَلْ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِلَا عَذَابٍ إمَّا لِحَسَنَاتِ تَمْحُو كَبِيرَتَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ .
والأمواتُ -أَحْسَنَ اللَّهُ ثَوَابَهُمْ وَأَكْرَمَ نُزُلَهُمْ وَمَآبَهُمْ- في القسمة العقلية لا يخرجونَ عن هذين الصنفين , فلنتواصَ أيها الأحبة بالإحسان إليهم وتذكرهم والصدقة عنهم , ولي عودة إلى الموضوع أرتبه فيها بشكل أوضح وأكمل نواقصه إن شاء الله ذلك ويسره , لأنه خاطرةٌ كتبتُها غير مرتبة ولا مُمنهجة , والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو زيد الشنقيطي