أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 

الإهداءات


العودة   ملتقى أهل العلم > الملتقيات الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح

الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: صلاة الفجر للشيخ عبدالله الجهني 24 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ صلاح البدير 24 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد النبوي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ علي الحذيفي 23 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد النبوي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ عبدالله القرافي 23 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد النبوي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ ماهر المعيقلي 23 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ فيصل غزاوي 23 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ عبدالله الجهني 23 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ صلاح البدير 23 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد النبوي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ ماهر المعيقلي 22 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ فيصل غزاوي 22 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع طويلب علم مبتدئ مشاركات 1 المشاهدات 631  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 28 / 03 / 2015, 08 : 05 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
طويلب علم مبتدئ
اللقب:
عضو ملتقى ماسي


البيانات
التسجيل: 21 / 01 / 2008
العضوية: 19
المشاركات: 30,241 [+]
بمعدل : 4.91 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 0
نقاط التقييم: 295
طويلب علم مبتدئ is a jewel in the roughطويلب علم مبتدئ is a jewel in the roughطويلب علم مبتدئ is a jewel in the rough
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 19
عدد المشاركات : 30,241
بمعدل : 4.91 يوميا
عدد المواضيع : 18039
عدد الردود : 12202
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
طويلب علم مبتدئ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
أخلاق العمل في السنة النبوية
"مظهر تميز وإبداع"
إعداد: د. محمد محمود السواعدة[*]

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على رسول الله المَبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإذا كان القرآن الكريم مصدر التشريع الأول لأحكام الإسلام وأخلاقه، فإن السنَّة النبوية تمثِّل التطبيق العملي الكامل والشامل لهذا الكتاب العظيم؛ إذ لا يُستغنى بالقرآن عنها، "ولا يُمكن أن يُفهم القرآن على حقيقته، وأن يُعلم مُرَادُ الله من كثير من آيات الأحكام فيه، إلا بالرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله عليه الكتاب لِيُبَيِّنَ للناس ما نُزِّلَ إليهم من ربهم"[1].

يُشار هنا إلى أن السنَّة النبوية قد تبوأت منزلة عظيمة في الإسلام، فبالإضافة لكونها التطبيق العملي للقرآن المجيد، فهي - أيضًا - تكشف غوامضَه، وتشرَح ألفاظه، وتوضِّح مُبهمَه، وتزيل إشكاله.

وقد رأيت أن أُجمل هذا المعنى في جانبين مختصرَين كالآتي:
الجانب الأول: الرسول صلى الله عليه وسلم تجسيد عملي لأخلاق القرآن:
فيما يخص أخلاق العمل، فقد كانت السنَّة النبوية تطبيقًا عمليًّا، ونموذجًا يُحتذى في جميع ميادين هذا الجانب؛ حيث عمل صلى الله عليه وسلم في شبابه راعيًا للغنم - ككُلِّ الأنبياء عليهم السلام[2] - وتاجرًا، وقائدًا ملهمًا، مكَّن الله تعالى له، فمارَس مهام الدولة بكل احتراف وحِكمة وقوَّة.

وكان القرآن الكريم منهلاً ثرًّا للرسول صلى الله عليه وسلم، ومعينًا لا ينضب، ومجالاً خصبًا، ومنبعًا فياضًا؛ إذ استلهم منه صلى الله عليه وسلمأخلاقه، فأضاف إلى كماله الخلقي كمالاً، وإلى جميل أدبه جمالاً؛ وذلك بهدايته لكل خير، وإرشاده لكل معروف، حتى أصبح صلى الله عليه وسلمكأنه قرآن يَمشي على الأرض في أفعاله وأقواله؛ لذلك قالتأُمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سألهاسعد بن هشام بن عامرعن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلتُ: بلى، قالت: "فإنَّ خُلق نبيِّ الله صلى الله عليه وسلمكان القرآن"[3]، ولأنه صلى الله عليه وسلم مُبلِّغ عن ربه تعالى؛ فهو يَمتثِل أمره في كلِّ شأنه قولاً وعملاً.

قال ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]: "ومعنى هذا: أنه عليه السلام صار امتثال القرآن أمرًا ونهيًا سجيةً له، وخلُقًا تطبَّعه، وترك طبعَه الجبليَّ، فمهما أمره القرآن فعَله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة، والصفح والحلم، وكل خلق جميل"[4].

وأخلاقه صلى الله عليه وسلم أدعى لقبول الناس لأمره، ومؤشرٌ واضح على صدقه، "وما زال العقل السليم في كل عصر، يستدلُّ بخُلق النبي صلى الله عليه وسلم على صدق نبوَّته، كاستدلاله بنبوته على عظم أخلاقه"[5].

وقد زخرت سنته صلى الله عليه وسلم بصنوف المشاهد التي تقعِّد للعمل وأخلاق المِهَن، حتى صُنِّفت في ذلك كثير من الأجزاء الدالة على طريقته صلى الله عليه وسلم في الولاية، وممارسته المهام بنفسه، وتفويضه الآخرين، وأنواع المعاملات والوظائف التي كانت في عهده، ومن تولاها من الصحابة رضي الله عنهم، مثل:
• "كتاب الكسب"؛ لمحمد بن الحسن الشيباني (189هـ)
• "تخريج الدلالات السمعية، على ما كان في عهد رسول الله من الحِرَف والصنائع والمعاملات الشرعية"؛ لأبي الحسن التلمساني (789 هـ).
• "التراتيب الإدارية، والصناعات والمتاجِر والحالة العلمية، التي كانت على تأسيس المدينة الإسلامية، في المدينة المنورة العلية"؛ لعبدالحي الكتاني (1382)، وغيرها كثير.

وقد هدف القرآن الكريم من تهيئة النبي صلى الله عليه وسلم لصالح الأوصاف، ومكارم الأخلاق - لأن تنتفع به الأمة كلها، بل الإنسانية عن آخرها؛ لأن "تربية القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم تربية لأمته"[6]، وما أمره تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بمثل قوله: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]إلا توجيهٌ للناس بأن يتمسَّكوا بهذه الأخلاق.

الجانب الثاني - نماذج من أخلاقه صلى الله عليه وسلم في الأعمال:
تعدَّدت ملامح الإعجاز في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، فمع اتفاق العقلاء على أن القرآن الكريم هو المُعجِزة الكبرى، والآية العظمى والأُولى له صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يَغِبْ عن واقع الفكر جوانب العظمة، وملامح الإعجاز في شخصِه صلى الله عليه وسلم، فطفق بعضهم يَنسبها إلى خلقه وصفاته النفسية، بينما نسَبها آخرون إلى صدقه، وآخرون رأوها في شخصيته وأفكاره، وآخرون في شمائله وسيرته صلى الله عليه وسلم، أو فيما فعله في دنيا الناس.

قال الغزالي: "اعلم أن من شاهد أحواله صلى الله عليه وسلم، وأصغى إلى سماع أخباره المُشتملة على أخلاقه وأفعاله وأحواله وعاداته وسجاياه، وسياسته لأصناف الخَلقِ، وهدايته إلى ضبطهم، وتألُّفه أصناف الخلقِ وقَوده إياهم إلى طاعته، مع ما يُحكى من عجائب أجوبتِه في مضايق الأسئلة، وبدائع تدبيراته في مصالح الخَلقِ، ومحاسن إشاراته في تفصيل ظاهر الشرع الذي يعجز الفقهاء والعقلاء عن إدراك أوائل دقائقها في طول أعمارِهم - لم يبْقَ له ريب ولا شك في أن ذلك لم يكن مكتسبًا بحيلة تقوم بها القوة البشرية، بل لا يتصوَّر ذلك إلا بالاستمداد من تأييد سماويٍّ وقوة إلهية، وأن ذلك كله لا يتصور لكذاب ولا ملبِّس، بل كانت شمائله وأحواله شواهد قاطعةً بصدقِه، حتى إن العربي القح كان يراه فيقول: والله ما هذا وجه كذاب، فكان يشهد له بالصدق بمجرد شمائله، فكيف مَن شاهد أخلاقه ومارس أحواله في جميع مصادره وموارده؟ وإنما أوردْنا بعض أخلاقه لتعرف محاسن الأخلاق، وليتنبَّه لصدقه صلى الله عليه وسلم، وعلوِّ منصبه ومكانته العظيمة عند الله؛ إذ آتاه الله جميع ذلك وهو رجل أميٌّ لم يُمارس العلم، ولم يُطالع الكتب، ولم يُسافر قطُّ في طلب علم، ولم يزل بين أظهر الجهال من الأعراب يتيمًا ضعيفًا مستضعَفًا، فمن أين حصل له محاسن الأخلاق والآداب ومعرفة مصالح الفقه - مثلاً - فقط دون غيرهم من العلوم، فضلاً عن معرفة الله تعالى وملائكته وكتبه، وغير ذلك من خواص النبوة لولا صريح الوحي؟ ومن أين لقوة البشر الاستقلال بذلك؟ فلو لم يكن له إلا هذه الأمور الظاهرة، لكان فيه كفاية"[7].

ولننظر إلى بعض هذه الملامح الإعجازية في طرف قصير من أخلاقه صلى الله عليه وسلم في المِهَن، لكن ضمن ما يسمح به المجال هنا:
الفرع الأول - القوة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن القوي خير وأفضل عند الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك ولا تَعجِز، فإن غلبك أمر فقل: قدر الله وما شاء صنَع، وإياك واللَّو؛ فإن اللو تفتح عمل الشيطان))[8].

لم تقيَّد القوة هنا بشيء، فيدخل فيها القوة في العمل وغيره، وهي خلُق محمود في جميع الوظائف لكن بتفاوت بينها من حيث الأهمية؛ قال ابن تيمية - رحمه الله -: "القوة في كل ولاية بحسبها؛ فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب والخِبرة بالحروب والمُخادَعة فيها، والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل والقدرة على تنفيذ الأحكام"[9].

ووقع في هذا الحديث الفرق بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف؛ "لأن المؤمن القوي ينفع نفسه وينفع غيره؛ وربما تعدَّت منفعته إلى أهله وقومه وأمة دهرِه، والمؤمن الضعيف قد يقتصر بنفعه على نفسه، وأخاف على ضعفه أيضًا أن يضعف على حفظ نفسه، ولأن المؤمن القوي يكسر حزب الشيطان بقوله إذا قال، وبفعله إذا فعل، والمؤمن الضعيف أخاف عليه في مواطن يضعف فيها، فيكون كاسِرًا لحزب الحق، والقوة في الإيمان أن يعمل المؤمن بعزائم الشرع في مواطنها، وألا يَجبن على الأخذ برخص الشرع في مواطنها، وألا يترك المسلمين من يده حفاظًا لدينهم، ومهتمًّا بهم: ذَكَرهم وأنثاهم، عالِمهم وجاهلهم، مهتمًّا بتدبير العامة، عالمًا بأسرار الخاصة، إن كان ذا أمر، وإلا قال لكل ذي لبٍّ: إنه يصلح أن يكون ذا إمرة، وأما المؤمن الضعيف فعلى ضدِّ ذلك قانعًا بأن يسلم بنفسه"[10].

وقد تحلى صلى الله عليه وسلم بأحسن الأخلاق، فترفَّع عن القدح والذم المُطلَق عند الحكم والمقارنة بين الأعيان، فقال: ((وفي كلٍّ خير))، "وفي هذا الاحتراز فائدة نفيسة، وهي أن على مَن فاضل بين الأشخاص أو الأجناس أو الأعمال أن يذكر وجه التفضيل، وجِهة التفضيل، ويَحترز بذكرِ الفضل المُشترك بين الفاضل والمفضول؛ لئلا يتطرَّق القدح إلى المفضول، وكذلك في الجانب الآخر إذا ذكرت مراتب الشر والأشرار، وذكر التفاوتَ بينهما، فينبغي بعد ذلك أن يذكر القدر المشترك بينهما من أسباب الخير أو الشر، وهذا كثير في الكتاب والسنَّة"[11].

وقد سطر صلى الله عليه وسلم نموذجًا رائعًا في مجال القوة المحمودة؛ حيث جاء شاملاً لكل مناحي الحياة؛ الروحية والنفسية والبدنية والعقلية وغيرها، مما يعدُّ إعجازًا خلقيًّا رائدًا؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم مثالاً يُحتذى في جميع ذلك.

الفرع الثاني - الإحسان:
عن شدَّاد بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله كتَب الإحسان على كل شيء، فإذا ذبحتُم، فأحسِنُوا الذَّبْح، وإذا قتلْتُم، فأحسِنوا القتلة، وليحدَّ أحدكم شفرتَه، وليُرِحْ ذبيحته))[12].

إن المتأمِّل في حضارة الإسلام وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم ليبهر من خصائص دعوته وتشريعاته، فهو يُنظِّم علاقة الإنسان مع خالقه، وفي الوقت ذاته يرسخ علاقته مع غيره من الخلائق، وكذا هو الإحسان، "إحسان في عبادة الخالق، بأن يَعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وهو الجد في القيام بحقوق الله على وجه النُّصح، والتكميل لها، وإحسان في حقوق الخَلقِ"[13].

وعند التمعن في ألفاظ هذا الحديث، نجد أنفسنا أمام معانٍ عديدة كلُّها شديدة النزع إلى ساحة الإحسان، فهو يربط بين الإتقان والإحسان، وكذا الرحمة وعدم الغلوِّ أو التفريط، وإلى رعاية شؤون الغير، والدقة في إنهاء المهمات، وعدم الإساءة إلى الآخرين، أو الاعتداء على حقوقهم، "وأصل الإحسان الواجب أن تقوم بحقوقهم الواجبة؛ كالقيام ببِرِّ الوالدين، وصِلة الأرحام، والإنصاف في جميع المعاملات، بإعطاء جميع ما عليك من الحقوق، كما أنك تأخذ مالك وافيًا؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 36]، فأمر بالإحسان إلى جميع هؤلاء"[14].

لكن ما هو أشد إبهارًا للمتأمل في التوجيه النبوي ذلك البيان المعجز؛ إذ دعا الناس إلى الإحسان بذكر مواطن قد يُستبعد فيها الإحسان؛ إشارة إلى عدم إعذار تاركه، ولو كان قتلاً: عقوبة أو حدًّا، بل حتى لو كان ذبحًا واقعًا على البهائم.

قال السعدي: "ويدخل في ذلك الإحسان إلى جميع نوع الإنسان، والإحسان إلى البهائم، حتى في الحالة التي تزهق فيها نفوسها؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة))، فمن استحق القتل لموجب، قُتل بضرب عنقه بالسيف، من دون تغرير ولا تمثيل، فإذا كان العبد مأمورًا بالإحسان إلى من استحقَّ القتل من الآدميين، وبإحسان ذبحةِ ما يُراد ذبحه من الحيوان، فكيف بغير هذه الحالة؟"[15].

وفوق ما هو جانب إعجازي في مجال الأخلاق، فهو - أيضًا - مُعجز في باب التشريع والأحكام الذي لم تَصل له البشرية المعاصرة بعد؛ إذ لم تزل لم تُحسن في هذه الميادين.

الفرع الثالث - المسؤولية والرقابة الذاتية:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا كلُّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيتِه، والمرأة راعية على أهل بيت زوجِها وولده، وهي مسؤولة عنهم، وعبدُ الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته))[16].

هذا الحديث أصل في تحمُّل المسؤولية التي سوف يحاسب عنها الإنسان يوم القيامة، وفيه توسيع لمفهوم المسؤولية الذاتية ليُصبح أفراد الأمة كلهم رعاةً لمصالحها، فمعنى "الراعي" ها هنا: "الحافظ المؤتمن على ما يليه"[17].

فالرعية كل مَن شمله حفظ الراعي ونظره؛ فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته؛ يقال: رعى الأمير القوم رعايةً فهو راعٍ؛ أي: قام بإصلاح ما يتولاه، وهم رعية: فعيلة بمعنى مفعول، ودخلت التاء لغلبة الاسمية، ((والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده))؛ أي: ولد زوجها، ((وهي مسؤولة عنهم)) عن حق زوجها وأولاده، وقال الطيبي: الضمير راجع إلى بيت زوجها وولدِه، وغلب العقلاء فيه على غيرهم، ((وعبد الرجل راعٍ على مال سيده))"[18].

ومقتضى البلاغة النبوية تفيد أن الراعي الذي وكل إليه مهمَّة، ومطلوب منه رعايتها على أكمل وجه؛ لذا "قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، وهو ما تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء، فهو مطالَب بالعدل فيه والقيام بمصالِحه في دينه ودنياه ومتعلقاته"[19].

من هنا فقد أتاحت السنة النبوية ميدانًا فسيحًا أمام نمو خلُقِ الرقابة الذاتية بين المسلمين، وقد يعبر عنها بإحساس العامل بأنه مكلَّف بأداء العمل ومؤتمنٌ عليه، من غير حاجة إلى من يُذكِّره بمسؤوليته؛ لذا كانت عاملاً مهمًّا لنجاح المهمَّة؛ لأنها تُغني عن كثير من النظم واللوائح والتوجيهات والمحاسَبة والتدقيق وغير ذلك، وهو ما عبر عنه البغوي بقوله: "مَعْنَى الرَّاعِي هَهُنَا: الْحَافِظُ الْمُؤْتَمَنُ عَلَى مَا يَلِيهِ، أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصِيحَةِ فِيمَا يَلُونَهُ، وَحَذَّرَهُمُ الْخِيَانَةَ فِيهِ بِإِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ مَسْؤولُونَ عَنْهُ. فَالرِّعَايَةُ: حِفْظُ الشَّيْءِ وَحُسْنُ التَّعَهُّدِ"[20].

هذا أولاً، وثانيًا: فإنها تشمل قطاعات غير محدودة من المجتمع؛ إذ يُصبح لدى كل عامل شعور بتعلُّق إنجاز عمله به وحده دون سواه، فالرعاية هنا وظيفة ومهمة تعني فرداً أو جهة مخصوصة، وعندئذٍ هي: حفظ الشيء، وحسن التعهد؛ فقد استوى هؤلاء في الاسم، ولكن معانيهم مُختلفة، فرعاية الإمام: ولاية أمور الرعية، والحياطة من ورائهم، وإقامة الحدود والأحكام فيهم، ورعاية الرجل أهله بالقيام عليهم بالحق في النفقة، وحسن العِشرة، ورعاية المرأة في بيت زوجها بحسن التدبير في أمر بيته، والتعهد لخدمة أضيافه، ورعاية الخادم حفظ ما في يده من مال سيده والقيام بشغله"[21].

وليس في هذا المفهوم النبوي الشامل في مجتمع الإسلام فردٌ بطَّال غير معني برعية، وهو ما قصده العيني في شرحه لصحيح البخاري بقوله: "وَإِذا لم يكن للرجل رعية، يكون راعيًا على أعضائه وجوارحه وقوَّة حواسه"[22]، وأعظِمْ بها من مهمَّة!

ومؤدى هذه المسؤولية تسهيل عمل الرقابة الحكومية، ورفع مستوى الإنتاج، وخفض كلفة الإنفاق لدى الجهات المعنية في مجال المتابعة والرقابة، وهو مَنحى إعجازي فريد في جانب الأخلاق من جهة السنَّة النبوية الشريفة.

النموذج الرابع - مكافحة الفساد المالي والإداري:
عن أبي حميد الساعدي، قال: استعملَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً على صدقات بني سُليم، يُدعى ابن اللُّتْبِيَّةِ، فلما جاء حاسَبَه، قال: هذا مالُكم، وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهلا جلستَ في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيَك هديتُك إن كنت صادقًا!))[23].

هذا الحديث أصل في منع هدايا الموظَّفين وتحريمها، وهو من جوانب تميُّز السنة النبوية في مجال محاسبة العمال على الكسب غير المشروع، واعتبار هدايا الناس لهم رشًا وسُحْت؛ لأن هذا الحديث: "يدلُّ على أن ما أهدي إلى العامل في عمالته، والأمير في إمارته شكرًا لمَعروف صنعه، أو تحبُّبًا إليه، أنه في ذلك كله كأحد المسلمين لا فضل له عليهم فيه؛ لأنه بولايته عليهم نال ذلك، فإن استأثر به فهو سحت، والسحت كل ما يأخذه العامل والحاكم على إبطال حق، أو تحقيق باطل، وكذلك ما يأخذه على القضاء بالحق"[24].

وفي هذا التوجيه النبوي المُحكَم: إشارة رائدة منه صلى الله عليه وسلم إلى مواجَهة أزمة الفساد الإداري والمالي، وفيه بيان خطرها على كل من الموظَّف والإدارة وصاحب العمل، بل على الأمة بأَسرِها، وهي لفتة بَليغة، وعبارة أخلاقية مُعجِزة، تُضاف إلى مجموع معجزاته صلى الله عليه وسلم في باب الأخلاق والتشريع.

وجُملة القول: أنَّ السنَّة النبوية نموذج عملي، ومذكرة تفسيرية شاملة لجميع موضوعات القرآن الكريم، ومن ضمنها الجوانب الأخلاقية؛ فهي تطبيق عملي، وتفسير حيٌّ لها، ومعلوم بالضرورة أنه ليس من أحد أفهم للقرآن الكريم منه صلى الله عليه وسلم، فهو مُبلِّغه للناس عن ربه - عز وجل - بل هو أعظم مَن أفصَحَ عن معانيه الخالدة.

ويذكر - هنا - أنه صلى الله عليه وسلم لم يقدِّم تفسيره للقرآن في أقوال منطوقة فحسب، أو بين دفَّتي كتاب يقرأ فقط، ولكنه قدم هذا التفسير وذلك الفهم من خلال حياته العملية والدعوية كلها، فكانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها ترجمة فعلية حية لأخلاق القرآن الكريم، وقد اشتملت هذه الأخلاق العامة على جزء مهمٍّ منها، وهو ما يعرف بأخلاق العمل والعمال.
[*] أستاذ الثقافة الإسلامية المساعد في جامعة الطائف / كلية الشريعة.
[1] السنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى بن حسني السباعي (المتوفى: 1384 هـ)1 / 376، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان، الطبعة: الثالثة، 1402 هـ - 1982م (بيروت).
[2] حديث رعي الأنبياء للغنم صحيح؛ انظر: صحيح البخاري، 3 / 88 / ح. رقم (2262).
[3] رواه مسلم، ووهم الحاكم في قوله: إنهما لم يخرجاه؛ انظر: "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار" مطبوع بهامش "إحياء علوم الدين"؛ أبو الفضل زين الدين عبدالرحيم بن الحسين بن عبدالرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806 هـ) 1 / 838، دار ابن حزم - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى - 1426 هـ - 2005 م.
[4] تفسير القرآن العظيم؛ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ)؛ تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية - 1420هـ - 1999 م.
[5] سلم أخلاق النبوة؛ محمود محمد غريب، (ص: 27) دار القلم للتراث - القاهرة، الطبعة: الثانية، 1419 هـ - 1998 م.
[6] سلم أخلاق النبوة؛ محمود محمد غريب (ص: 49).
[7] إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505 هـ) 2 / 383، دار المعرفة - بيروت.
[8] السُّنن الكبرى؛ أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: 303 هـ) 9 / 231، حقَّقه وخرَّج أحاديثه: حسن عبدالمنعم شلبي، أشرف عليه: شعيب الأرناؤوط، قدم له: عبدالله بن عبدالمُحسن التركي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م.
[9] السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية؛ أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني، (ص: 25)، دار المعرفة.
[10] الإفصاح عن معاني الصحاح، يحيى بن هبيرة الذهلي الشيباني، أبو المظفر، عون الدين (المتوفى: 560 هـ) 8 / 44، تحقيق: فؤاد عبدالمنعم أحمد، دار الوطن، سنة النشر: 1417هـ.
[11] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار؛ عبدالرحمن بن ناصر آل سعدي (المتوفى: 1376 هـ)1 / 33، تحقيق: عبدالكريم آل الدريني، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى 1422هـ - 2002م.
[12] السنن الكبرى، أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: 303 هـ) 8 / 44، رقم: (8604) حققه وخرج أحاديثه: حسن عبدالمنعم شلبي، أشرف عليه: شعيب الأرناؤوط، قدم له: عبدالله بن عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م.
[13] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، مرجع سابق.
[14] السعدي السابق 1 / 141.
[15] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، أبو عبدالله، عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله بن ناصر بن حمد آل سعدي (المتوفى: 1376 هـ) 1 / 141، تحقيق: عبدالكريم بن رسمي آل الدريني، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى 1422هـ - 2002م.
[16] الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننِه وأيامه = صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، 9 / 62، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي) الطبعة: الأولى، 1422هـ.
[17] شرح السنة؛ للإمام البغوي، الحسين بن مسعود البغوي،10 / 62، المكتب الإسلامي - دمشق - بيروت - 1403هـ - 1983م، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش.
[18] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 هـ) 6 / 2402، دار الفكر، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م.
[19] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) 12 / 213، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الثانية، 1392.
[20] شرح السنة؛ للإمام البغوي، الحسين بن مسعود البغوي،10 / 62، المكتب الإسلامي - دمشق - بيروت - 1403هـ - 1983م، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش.
[21] شرح السنة؛ للإمام البغوي، الحسين بن مسعود البغوي،10 / 62، المكتب الإسلامي - دمشق - بيروت - 1403هـ - 1983م، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش.
[22] عمدة القاري شرح صحيح البخاري، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني (المتوفى: 855 هـ) 20 / 168، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
[23] الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلموسننِه وأيامه، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، 9 / 28، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي)، الطبعة: الأولى، 1422هـ.
[24] شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبدالملك (المتوفى: 449 هـ) 8 / 333، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم،مكتبة الرشد - السعودية، الرياض،الطبعة: الثانية، 1423هـ - 2003م.

Hoghr hgulg td hgskm hgkf,dm (l/iv jld. ,Yf]hu)










عرض البوم صور طويلب علم مبتدئ   رد مع اقتباس
قديم 28 / 03 / 2015, 16 : 08 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


واصل ولا تحرمنـا من جديـدك المميـز









عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018