الإهداءات | |
الملتقى العام المواضيع العامة التي لا يريد كاتبها أن يدرجها تحت تصنيف معين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 0 | المشاهدات | 636 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
30 / 03 / 2014, 36 : 10 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى العام دِراسة حديثية فقهية . . الشيخ علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف الحمدُ لله ربِّ العالَمِين، والصَّلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسَلين، وعلى آله وأصحابه الغُرِّ الميامين، وعلى تابعيهم بإحسانٍ ومَن سار على نهجِهم واقْتفَى آثارَهم إلى يومِ الدِّين. أمَّا بعدُ: فإنَّ حديثَ الثَّقلَينِ - ((تَركتُ فِيكم الثَّقلين، ما إن تمسَّكتُم بهما، لن تضلُّوا: كِتابَ اللهِ، وعِترتي أهلَ بيتي))- مِن الأحاديثِ التي كثُر فيها القولُ صِحَّةً وضعفًا، وتباينتْ فيه الأفهام، واشتبه على بعضِ الناس معناه؛ فأردتُ بهذه الدِّراسة المختصرة للحديث توضيحَ الصواب فيه، وتنتظم هذه الدراسةُ في ثلاث مسائلَ: المسألة الأولى: ألفاظ الحديث، وتخريجها. المسألة الثانية: معنى الحديث. المسألة الثالثة: الردُّ على الشُّبَه المثارة حوله. المسألة الأولى: ألفاظ الحديث، وتخريجها. جاء حديث الثَّقلين بلفظ: ((... كتاب الله، وعِترتي أهلَ بيتي)) عن جمْعٍ من الصَّحابة؛ منهم: علي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخُدري، وجابر بن عبد الله، وجُبَير بن مُطعِم، وحُذيفة بن أَسيد، وزَيد بن أرقمَ، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن حَنطب، ونُبَيط بن شُرَيط، (رضي الله عنهم أجمعين)، بألفاظٍ مختلفة - كما سيأتي. وجاء بلفظ: ((كِتَابَ الله، وسُنَّتي))، أو: ((... وسُنَّة نبيِّه)) عن جمْع من الصَّحابة أيضًا؛ منهم: عُمر بن الخطَّاب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبَّاس، وأبو هُريرَة، وأبو سعيد الخدريُّ، وأنس بن مالك، وعبد الله بن أبي نَجيحِ، وعُروة بن الزُّبير، وعَمرو بن عوف المـُزَني، وموسى بن عُقبةَ، وناجية بن جُنْدُب، (رضي الله عنهم أجمعين)، بألفاظٍ مختلفة - كما سيأتي. وليس واحدًا منها في أحد الصَّحيحين - البخاري ومسلم - بل الذي في صحيح مسلم ليس فيه التمسُّك بالعِترة ولا بالسُّنة، بل فيه التمسُّك بالكتاب، والوصيةُ بالعترة، ولفظُه: ((أنا تاركٌ فِيكم ثَقلينِ: أوَّلهما: كتابُ الله، فيه الهُدى والنُور؛ فخُذوا بكتاب الله، واستمسِكوا به، فحثَّ على كِتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهلُ بَيْتي، أُذكِّركم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذكِّركم اللهَ في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهلِ بَيتي))، وسيأتي بيانُ ذلك بالتفصيل. والحاصل: أنَّ حديث الثقلينِ جاء تارةً بالأمْر بالتمسُّك بالكتاب والسُّنَّة، وتارةً بالتمسُّك بالكتاب والعِترة، وتارةً أخرى بالتمسُّك بالكتاب والوصيةِ بأهلِ بيت النبيِّ صلَّى الله عليه وعليهم وسلَّمَ، وسمَّى الكتاب ثَقلًا، وجاء في بعض الروايات والطرق تسمية السُّنة ثَقلًا، وجاء في بعضها تسمية العِترة ثَقلًا. أولًا: الأحاديث التي ذُكرت فيها العترة دون السنة جاء ذِكر العترة دون الأمر بالتمسُّك أو الأخْذ بها، أو الحث على اتِّباعها مِن حديث: عليِّ بن أبي طالب([1]) وأبي سعيدٍ الخدريِّ([2])، وجابر بن عبد الله([3])، وجُبَير بن مُطعِم([4])، وحُذيفةَ بن أَسيد([5])، وزيد بن أرقمَ([6])، وزيد بن ثابت([7])، وعبد الله بن حَنْطَب([8])، ونُبَيط بن شُرَيط([9])، رضي الله عنهم، ومن ألفاظ ذلك: ((وَاللَّهُ سَائِلُكُمْ عَنِ اثْنَتَيْنِ: عَنِ الْقُرْآنِ، وَعَنْ عِتْرَتِي))، وهذه لن أتعرَّض لها؛ رغبةً في الاختصار. وجاء ذِكرها مع الحثِّ على التمسُّك بها تارةً بقوله: ((مَا إنْ أخذتُم به))، وتارةً: ((ما إنْ تمسَّكتُم به))، وأخرى: ((إنِ اتَّبعتُموهما))، من حديث: عليِّ بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيدٍ الخُدريِّ، وزيد بن أرقمَ، وزيد بن ثابتٍ، رضي الله عنهم، وهذا تفصيلها([10]): 1- حديثُ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ((تركتُ فيكم ما إنْ أخذتُم به لن تضلُّوا: كتابَ الله، سببُه بيده وسببُه بأيديكم، وأهلَ بَيتي))([11]). 2- حديثُ زَيد بن ثابتٍ رضي الله عنه: ((إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي؛ فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ))([12]). 3- حديث زَيد بن أرقمَ رضي الله عنه: ((إنِّي تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي - أحدُهما أعظمُ من الآخَر -:كتاب الله، حبْلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ، فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما))([13]). وفي لفظ آخر: ((أيُّها الناس، إنِّي تاركٌ فيكم أمرينِ لن تضلُّوا إن اتَّبعتموهما، وهما: كتابُ الله، وأهلُ بيتي عِترتي))([14]). 4- حديثُ جابرِ بن عبد الله رضي الله عنهما: ((يا أيُّها الناس، إني تركتُ فيكم ما إنْ أخذتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهْلَ بَيتي))([15]). 5- حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه: ((إنِّي قد تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به، لن تضلُّوا بعدي: الثَّقلَينِ - أحدهما أكبرُ مِن الآخَر - كتاب الله، حبْلٌ ممدود من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ألَا وإنهما لن يَفترِقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ))([16]). وفي لفظ آخر: ((تركتُ فيكم ما إنْ تمسَّكتم به، فلن تضلُّوا: كتابَ الله، وأهلَ بيتي))([17]). وفي لفظ آخر: ((إني تاركٌ فيكم ما إنْ تمسَّكتم به، لن تضلُّوا بعدي - أحدهما أعظمُ من الآخَر -: كتاب الله، حبلٌ ممدود من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهْل بيتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما)) ([18]). ثانيًا: الأحاديث التي ذُكرت فيها السنة دون العترة جاء الحثُّ على التمسُّك بكتاب الله وسُنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ في أحاديثَ عن عددٍ من الصَّحابة - كما تقدَّم - وهي: 1- حديث عُمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه: ((تركتُ فيكم أمرين لن تضلُّوا بعدهما: كتابَ الله جلَّ وعزَّ، وسُنَّةَ نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ)) ([19]). 2- حديث عبد الله بن عُمرَ رضي الله عنهما: ((...وما عطَّلوا كتابَ الله وسُنَّةَ رسولِه، إلَّا جعَل الله بأسَهم بينهم))([20]). 3- حديث عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما: ((تركتُ فيكم أيُّها الناس، ما إنِ اعتصمتم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))([21]). 4- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ((قد تركتُ فيكم بَعْدي ما إن أخذتُم، لم تضلُّوا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّكم صلَّى الله عليه وسلَّمَ))([22]). 5- حديث أبي هُرَيرة رضي الله عنه: ((إنِّي قد خَلَّفتُ فيكم اثنين، لن تضلُّوا بعدهما أبدًا: كتاب الله، وسُنتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوض))([23]). 6- حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه: ((يا أيُّها الناس, إنِّي قد تركتُ فيكم الثَّقلين: كتاب الله، وسُنَّتي؛ فاستنطِقوا القرآن بسُنَّتي, ولا تعسفوه؛ فإنَّه لن تعمَى أبصارُكم , ولن تَزِلَّ أقدامكم, ولن تقصرَ أيديكم ما أخذتُم بهما))([24]). 7- حديث عُروة بن الزُّبير رضي الله عنهما: ((تركتُ فيكم ما إنِ اعتصمتُم به، لن تضلُّوا أبدًا: أمرين بيِّنينِ: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّكم))([25]). 8- حديث عبد الله بن أبي نَجِيح رضي الله عنه: ((تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))([26]). 9- حديث عَمرو بن عوف المُزني رضي الله عنه: ((تركتُ فيكم أمرين، لن تضلُّوا ما تمسكتم بهما: كِتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))([27]). 10- حديث موسى بن عُقْبة رضي الله عنه رضي الله عنه: ((... لن تضلُّوا بعده أبدًا، أمرًا بيِّنًا: كِتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))([28]). 11- حديث ناجية بن جُنُدب رضي الله عنه: ((تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به، لم تضلُّوا: كتاب الله، وسُنَّته بأيديكم! ويقال: قد تركتُ فيكم: كتابَ الله، وسُنَّة نبيِّه))([29]). 12- وعن مالكٍ أنَّه بلَغَه أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((تَركتُ فيكُم أمرَينِ، لن تضِلُّوا ما تَمسَّكتُم بهما: كِتابَ اللَّه، وسُنَّةَ نَبيِّه))([30]). الخلاصة: ورد حديث الثقلين بلفظ: (كتاب الله وعترتي) ولفظ: (كتاب الله وسنتي) بأسانيد ضعيفة، وبأسانيد جياد يصح الاحتجاج بها، والله أعلم. المسألة الثانية: معنى الحديث وفقهه يُسمَّى هذا الحديث "حديث الثقلين"؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّمَ كما في بعض ألفاظه: ((إنِّي تاركٌ فيكم الثَّقَلينِ))، والثَّقَل: (المتاع المحمولُ على الدَّابَّة)([31])؛ قال القاضي عياض: (قِيل سُمِّيَا بذلك؛ لعِظم أقدارهما، وقيل: لشدَّة الأخْذ بهما)([32])، وقال النوويُّ: (سمِّيَا ثَقلين؛ لعظمهما، وكبير شأنهما)([33])، وقال البغويُّ: (فجَعلهما ثَقلينِ؛ إعظامًا لقدرهما)([34]). وقد تمسَّك الشِّيعةُ ومَن تلوَّث بلوثتهم بلفظ: ((كتاب الله، وعِترتي)) حتى زعَموا زعمًا باطلًا أنَّ الأمر بالتمسُّك بالكتاب والعِترة جاء في صحيح مسلم، وتمسَّك بعض أهلُ السُّنَّة بلفظ: ((كِتاب الله، وسُنَّتي)) حتى ضعفوا لفظ ((وعِترتي))! والأولى الجمع، حيث لا تعارض بينهما، كما سيتضح ذلك من خلال البحث. وقبل نقْل أقوال العلماء وفَهمهم للحديث تجدُر الإشارة إلى أنَّ الأمر بالتمسُّك بالكتاب والسُّنَّة والاعتصام بهما، من أساسيات هذا الدِّين، وقد جاء الأمرُ به في كِتاب الله تعالى، وفي الأحاديثِ الصَّحيحة، فسواء صحَّ لفظ: ((كتاب الله، وعِترتي))، أو لفظ: ((كتاب الله، وسُنَّتي))، أو لم يصحَّ منهما شيء، فالتمسُّك بالسُّنَّة كالتمسُّك بالقرآن، سواءً بسواء، وهذه جملةٌ من الآيات والأحاديث التي تدلُّ على ذلك: قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]. وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]. وقال: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. وقال صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاء المهديِّين الراشِدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ))([35]). وقال: ((فمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي، فلَيسَ منِّي))([36]). وقال: ((خَيْر الحَديثِ كِتابُ الله، وخَير الهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ))([37]). وقال: ((ألَا إنِّي أوتيتُ الكِتابَ ومثلَهُ معهُ))([38]). أقوال العلماء في معنى الحديث: 1- قال ابن قُدامة المقدسيُّ: (لا نسلِّم أنَّ المراد بالثقلين: القرآن، والعِترة، وإنَّما المراد: القرآن والسُّنة، كما في الرِّواية الأخرى: ((تركتُ فيكم أمرين لن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما: كتاب الله، وسُنَّة رسوله))، أخرجه مالكٌ في الموطأ([39])، وإنَّما خصَّ - صلَّى الله عليه وسلَّمَ - العترةَ بالذِّكر؛ لأنَّهم أخبرُ بحاله صلَّى الله عليه وسلَّمَ)([40]). 2- وقال الآمديُّ: (لا نُسلِّم أنَّ المراد بالثَّقلينِ: الكتاب، والعترة، بل الكتاب، والسُّنَّة، على ما رُوي أنَّه قال: "كِتاب الله، وسُنَّتي")([41]). 3- وقال شيخ الإسلام ابنُ تَيميَّة: (إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال عن عِترته: إنَّها والكتاب لن يَفترِقَا حتى يرِدَا عليه الحوضَ، وهو الصادقُ المصدوق؛ فيدلُّ على أنَّ إجماع العِترة حُجَّة، وهذا قولُ طائفةٍ من أصحابنا، وذكره القاضي في المعتمَد، لكن العترة هم بنو هاشم كلهم: ولد العبَّاس، وولد عليٍّ، وولد الحارث بن عبد المُطَّلب، وسائر بني أبي طالب وغيرُهم، وعليٌّ وحده ليس هو العِترة، وسيِّد العِترة هو رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ... [و] إجماع الأمَّة حُجَّة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، والعترة بعضُ الأمَّة، فيلزم من ثُبوت إجماعِ الأمَّة إجماعُ العِترة)([42]). 4- وقال ابنُ حجر الهيتميُّ: (وفي روايةٍ صحيحة: ((إنِّي تاركٌ فيكم أمرين، لن تضلُّوا إن تبعتموهما، وهما: كتابُ الله، وأهلُ بيتي عِترتي))... وفي روايةٍ: (( كِتاب الله، وسُنَّتي)) وهي المرادُ من الأحاديث المقتصِرة على الكتاب؛ لأنَّ السُّنة مبيِّنة له، فأغْنى ذِكرُه عن ذكرها، والحاصل: أنَّ الحثَّ وقَع على التمسُّك بالكتاب، وبالسُّنة، وبالعلماء بهما من أهل البَيت)([43]). 5- وقال الملا عليٌّ القاري: (أهلُ البيت غالبًا يكونون أعرفَ بصاحب البيت وأحواله؛ فالمراد بهم أهلُ العلم منهم، المُطَّلعون على سِيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحُكمه وحِكمته، وبهذا يصلُح أن يكونوا مقابلًا لكتاب الله سبحانه، كما قال: {وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ})([44]). 6- وقال الألبانيُّ: (من المعروف أنَّ الحديث ممَّا يَحتجُّ به الشِّيعة، ويَلهجون بذلك كثيرًا، حنى يتوهَّم بعضُ أهل السُّنة أنهم مصيبون في ذلك، وهم جميعًا واهمون في ذلك، وبيانُه من وجهين: الأوَّل: أنَّ المراد من الحديث في قوله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((عِترتي)) أكثرُ ممَّا يريده الشِّيعة، ولا يردُّه أهلُ السُّنة، بل هم مستمسكون به، ألَا وهو أنَّ العترة فيه هم أهلُ بيته صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وقد جاء ذلك موضَّحًا في بعض طرقه كحديث الترجمة: ((وعِترتي أهْل بيتي))، وأهل بيته في الأصل: هم نِساؤه صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وفيهنَّ الصِّدِّيقةُ عائشةُ رضي الله عنهن جميعًا...، وتخصيص الشِّيعة (أهل البيت) في الآية بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، دون نِسائه صلَّى الله عليه وسلَّمَ من تحريفهم لآياتِ الله تعالى؛ انتصارًا لأهوائهم ... الوجه الآخَر: أنَّ المقصود من ((أهل البيت)) إنَّما هم العلماءُ الصالحون منهم، والمتمسِّكون بالكتاب والسُّنة؛ قال الإمام أبو جعفر الطحاويُّ رحمه الله تعالى: (العِترة: هم أهلُ بيتِه صلَّى الله عليه وسلَّمَ، الذين هم على دِينه، وكذلك المتمسِّكون بأمْره)). والحاصل: أنَّ ذِكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذِكر سُنة الخلفاء الراشدين مع سُنَّته صلَّى الله عليه وسلَّمَ في قوله: ((فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاء الرَّاشدين...))... إذا عَرفتَ ما تقدَّم، فالحديث شاهدٌ قويٌّ لحديث ((الموطأ)) بلفظ: ((تركتُ فيكم أمرينِ لن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما: كتاب الله، وسُنَّة رسوله))([45]). المسألة الثالثة: الردُّ على الشُّبه المثارة حوله أثار الشِّيعة ومَن تأثر بهم شُبهةً حول هذا الحديث، طارت في الآفاق، وصدَّقها بعضُ الناس، وتساءل عنها آخَرون، خلاصتها: أنَّ حديث الأمر بالتمسُّك بالعِترة واتِّباع أهل بيت النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ صحيح، وأنَّه ثابتٌ في صحيح مسلم، بخِلاف التمسُّك بالسُّنة؛ فلم يُروَ في أحد الصَّحيحين، وأسانيده ضِعاف. والردُّ على ذلك من وجوه: الوجه الأول: ليس في صحيح مسلم الأمرُ باتِّباع العِترة، بل أمَر فيه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بالأخْذ بكتاب الله، والتمسُّك به، وحثَّ عليه، ورغَّب فيه، ثم أوْصَى فيه أصحابَه بأهلِ بيته، وكان هذا في حَجَّة الوداع قبل موته صلَّى الله عليه وسلَّمَ، ولفظ الحديث: ((أيُّها النَّاسُ، فإنَّما أنا بَشَرٌ يوشِك أنْ يأتيَ رسولُ ربي فأُجيبَ، وأنا تاركٌ فيكم ثَقلَينِ: أوَّلهما: كتابُ الله، فيه الهُدى والنُّور؛ فخُذوا بكتابِ الله، واستمسِكوا به - فحثَّ على كتاب الله، ورغَّب فيه - ثم قال: وأهل بَيتي، أُذكِّركم الله في أهْل بيتي، أُذكِّركم اللهَ في أهل بيْتي، أُذكِّركم اللهَ في أهْل بيتي))([46]). قال أبو العبَّاس القرطبيُّ: وقوله : ((وأهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي - ثلاثًا))؛ هذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يَقتضي : وجوبَ احترام آل النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ وأهل بيته، وإبرارَهم، وتوقيرهم، ومحبَّتهم وجوبَ الفروض المؤكَّدة، التي لا عُذرَ لأحد في التخلُّف عنها. هذا مع ما عُلِم من خصوصيتهم بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وبأنهم جزءٌ منه؛ فإنَّهم أصولُه التي نشأ منها، وفروعُه التي تنشأ عنه)([47]). وقال ابنُ كثير: (ولا تُنكَرُ الوصاةُ بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم؛ فإنَّهم من ذريَّة طاهرة، مِن أشرف بيت وُجد على وجه الأرض، فَخرًا وحسَبًا ونسَبًا، ولا سيَّما إذا كانوا متَّبِعين للسُّنة النبويَّة، الصَّحيحة الواضحة الجليَّة، كما كان عليه سلفُهم، كالعبَّاس وبنِيه، وعليٍّ وأهل بيتِه وذُريَّته، رضي الله عنهم أجمعين)([48]). وقال ملا علي القاري: ( "فخُذوا بكِتاب الله"، أي: استنباطًا وحِفظًا وعِلمًا، ((واستمسكوا به))، أي: وتمسَّكوا به اعتقادًا وعملًا، ومِن جملة كتاب الله العملُ بأحاديث رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ لقوله سبحانه: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] و{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] - وفي رواية: ((فتمسَّكوا بكتاب الله، وخُذوا به)) - ((فحَثَّ)) - بتشديد الـمُثلَّثة - أي: فحرَّض أصحابَه ((على كتاب الله))، أي: على محافظةِ ومراعاةِ مبانيه ومعانيه، والعمل بما فيه، ((ورغَّب فيه)) -بتشديد الغَين المعجَمة-، أي: ذكَر المرغِّبات من حصول الدرجات في حقِّه، ثم يمكن أنَّه رهَّب وخوَّف بالعقوبات لِمَن ترك متابعةَ الآيات، فيكون حذفه من باب الاكتفاء، ويمكن أنَّه اقتصر على البشارة؛ إيماءً إلى سَعة رحمة الله تعالى، وأنَّ رحمته للعالَمِين، وأمَّته أمَّة مرحومة. (ثم قال)، أي: النبيُّ عليه السَّلام ((وأهل بيتي))، أي: وثانيهما أهْلُ بيتي ((أُذكِّركم الله)) - بكسر الكاف المشدَّدة - أي: أُحذِّركموه، ((في أهل بيتي)): وُضِع الظاهر موضعَ المضمر؛ اهتمامًا بشأنهم، وإشعارًا بالعِلَّة، والمعنى: أُنبِّهكم حقَّ الله في محافظتهم، ومراعاتهم واحترامهم وإكرامهم، ومحبَّتهم ومودَّتهم، ... كرَّر الجملة لإفادة المبالَغة، ولا يبعُد أن يكون أراد بأحدهما آلَه، وبالأخرى أزواجَه؛ لِمَا سبَق من أنَّ أهل البيت يُطلق عليهما)([49]). وقال ابن باز: (نحن معكم في محبَّة أهل البيت الملتزمين بشريعة الله، والترضِّي عنهم، والإيمان بأنَّهم من خِيرة عباد الله؛ عملًا بوصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ حيث قال في حديث زيد بن أَرقمَ المُخرَّج في صحيح مسلم : "إني تاركٌ فيكم ثَقلينِ: أولهما: كتاب الله، فيه الهُدى والنُّور؛ فخُذوا بكتابِ الله، وتمسَّكوا به... ثم قال: وأهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهْل بيتي")([50]). وقال في موضع آخَر: ((إني تاركٌ فيكم ثَقلينِ: أوَّلهما: كتاب الله، فيه الهُدى والنُّور؛ فخُذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، ثم قال: وأهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي))، يعني بهم: زَوجاتِه، وقَراباتِه من بني هاشم, يُذكِّر الناس بالله في أهل بيته، بأن يَرفُقوا بهم, وأن يُحسنوا إليهم, ويكفُّوا الأذى عنهم, ويُوصوهم بالحقِّ, ويُعطوهم حقوقَهم ما داموا مستقيمين على دِينه، متَّبِعين لشريعته عليه الصَّلاة والسَّلام)([51]). فالحديث - إذن - فيه الوصيةُ والتذكير بآل بيته صلَّى الله عليه وسلَّمَ بعدَ موته، وليس فيه الأمرُ بالتمسُّك والاتباع. ولم يقل أحدٌ من علماء الأمة ممن تعرض لشرح الحديث أن أفراد عترته صلى الله عليه وآله وسلم يكون لقولهم من المنزلة مثل ما للقرآن، فضلاً عن أن يكون أولى بالاتباع من سنة سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم. الوجه الثاني: على تقدير أن ما صح من الأحاديث جاء فيها الأمر بالاتباع فقد جاء في الحديث: ((وعِترتي أهل بيتي))، وعترة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ هم بنو هاشم كلهم، من ولد العبَّاس، وولد عليٍّ، وولد الحارثِ بن عبد المطَّلب، وسائر بني أبي طالب وغيرهم([52])، وليس هم فقط عليَّ بن أبي طالب وابْنَيه: الحسن والحسين، وذُريتهم - كما تزعم الإماميَّةُ الاثنا عشرية - كما أنَّ أهل بيته يدخُل فيهم أزواجُه رضي الله عنهن؛ فعبد الله بن عبَّاس، وعائشةُ رضي الله عنهم - وهما من أكثر الصَّحابة روايةً عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، ومن أكثرهم فقهًا وعِلمًا - داخلان في هذا الحديث بلا شكٍّ دخولًا أوليًّا. وهذا الأمر لا يرتضيه من يحتج بهذا الحديث على تقديم العترة في رأيهم وما ينقلونه هم عنهم على أدلة التشريع المتفق عليها. الوجه الثالث: ما المقصودُ بعِترة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؟ هل هم الذين صحِبوه ورَوَوْا عنه، كعليِّ بن أبي طالب، وابنيه: الحسن والحسين، والعبَّاس بن عبد المطَّلب وابنيه: عبد الله وعُبيد الله، وجعفر بن أبي طالب وابنه عبد الله، وعَقيل بن أبي طالب؟ أمْ عليُّ بن أبي طالب وذُريَّته، بل وأحد عَشرَ رجلاً منهم فقط، كما تزعُم الشيعة؛ تحكُّمًا منهم بلا برهانٍ ولا بيِّنة؟! أم أنَّهم عامَّة العِترة، وفيهم - كما هو الواقع اليوم - السُّنِّي، والشِّيعي، والزَّيدي، والصُّوفي، والعالم والجاهل؟ فمَن هم العترة المعنيُّون في الحديث؟ لا يمكن أن يَستقيم فَهْمُ الحديث إلَّا بجَمْعه مع اللَّفظ الآخَر (كتاب الله وسُنَّتي)؛ فنفهَم منه - إذن - أن العِترة هم المتَّبعون لسُنة النبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم. الوجه الرابع: تقدَّم معنا أنَّ اتباع السُّنة كاتِّباع القرآن، وفيهما الأمرُ بالاقتداء بصحابة رسولِ الله، وليسوا كلُّهم من العترة، بل في الحديث الصحيح الأمر بالتمسُّك بسُنَّة الخلفاء الراشدين؛ ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخُلفاء المهديِّين الرَّاشدين؛ تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ))، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعُثمان، وهم ليسوا من العترة، بل في الحديث الصحيح: ((اقتدُوا باللذَيْنِ من بعدي: أبي بكرٍ وعمرَ))([53])، ومع ذلك فتعظيم أهل السُّنَّة للسُّنَّة عصَمَهم من أن يجعلوا الاقتداء بأبي بكرٍ وعمرَ أصلًا من أصول الإسلام مقابل الكتاب والسُّنَّة. الوجه الخامس: على فرض أن ما صح من الأحاديث جاء فيها الأمر بالاتباع فماذا لو خالفتِ العترةُ كتابَ الله؟ مَن يجب علينا نتَّبع منهما؟! لا شكَّ يجب أنْ نتبع كتابَ الله، ومَن شكَّ في ذلك، فقد كفَر! إذن العِترة تابعةٌ لكتاب الله، وفي كتاب الله الأمرُ باتِّباع سُنَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}؛ إذن العترة تابعةٌ للسُّنة باتِّباعها لكتاب الله، فكان مردُّ العِترة للسُّنة، والحمد لله ربِّ العالمين. بل إن شرف العترة ومكانتهم فرعٌ على شرف من شرَّفهم الله به، وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يستقيم في شرعٍ ولا عقلٍ تقديم التابع على المتبوع، والفرع على الأصل، لمن كان له عقل يعي به، والله المستعان. الخاتمة: حَديثُ الثَّقلين - ((إنِّي تاركٌ فيكم الثَّقَلين)) - جاء بلفظ: ((كتاب الله، وعِترتي أهْل بَيتي))، وبلفظ: ((كِتاب الله وسُنَّتي))، وقد اختلف العلماءُ في تصحيحها وتضعيفها، ولم يرِدْ في صحيح مسلم كما يظنُّ ويُردِّد البعض، ومردُّ العِترة إلى الكتاب والسُّنَّة، والحمدُ لله ربِّ العالمين. وأخيرًا: فلا بدَّ هنا مِن تذكير كلِّ مَن يَمُتُّ إلى هذه العِترة الشَّريفة بصِلة، بما أنعم الله به عليهم من النَّسَب الشَّريف، وبما أوجبه الله على عباده المؤمنين من محبَّتهم ومودَّتهم، مِن أنَّ هذه نِعمةٌ يُسألون عنها يوم القِيامة. فيا مَن شرَّفكم اللهُ تعالى بهذا النَّسَب، إيَّاكم أن تغترُّوا بما يُنمِّقه لكم مَن ضلَّ سعيُه، وعمِي عن الرَّشاد منهجُه، ممَّن يريد أن يتجاوز بكم خيرَ المنازل التي وضعَكم اللهُ تعالى ورسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم بها! وإيَّاكم والفرحَ ببعض أقوال أهل الأهواء التي ضخَّمت من هذا الحديث، وأوهمت بإعطاء العِترة من المكانة في التَّشريع ما لم يأذنْ به الله؛ فكلُّ عاقل منكم يعلم أنَّه ليس في قوله هو ولا فِعله ولا هَدْيه فلاحٌ إلَّا بمقدار اتِّباعه واستمساكه بهَدْي النبيِّ المعصوم صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم. ومِن ثَمَّ فلا حاجةَ، ولا فرحَ، ولا مزيَّةَ، ولا فخرَ لأحدٍ منكم بأن يظنَّ أنَّ قولَه أو فِعله، أو قول أحدٍ من الناس وفِعله يكون حُجَّةً بمنزلة قول محمَّد بن عبد الله، وفِعله، صلواتُ الله وسلامُه وبركاتُه عليه. أسأل اللهَ تعالى أن يَدلَّنا على الحقِّ، وأن يُرشِدنا إلى الصِّراط المستقيم. والحمدُ لله ربِّ العالَمين،،، pQ]deE hge~QrgQdkA> > (;jhf hggi ,ujvjd) (;jhf hggi ,skjd) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018