30 / 06 / 2008, 13 : 07 PM | المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ملتقى ماسي | البيانات | التسجيل: | 21 / 01 / 2008 | العضوية: | 19 | المشاركات: | 30,241 [+] | بمعدل : | 4.92 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 0 | نقاط التقييم: | 295 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى : الملتقى العام إذا أردتَ أن تستبقي ودَّ صاحبِك فلا تعاتبْه، فإن العتاب مفسدة لأنه يُشعِر صديقَك بأن لك عليه حقًّا - وليس أقلَّ من أداء الحقوق - وبأنَّ لحريته حدودًا، والحدود قيود تعرق وتحز، ولَخير في الجملة أن تقبل صاحبَك على عِلاَّته، وأن تغضي عن هناته، وأن تذكر أنك لست خيرًا منه ولا أبرأ من العيوب - هذا أ*** للراحة، وأنفى للمتاعب. ولستُ أُشيرُ إلاَّ بما علَّمتْني الأيام، فقد كنت في زمان الصبا والجهل لا أطيق خلافًا، ولا أصبر على زلة، وكأنما كان من همي أن أفرض نفسي على أصحابي، وأذكر أني كنت مرة سائرًا مع صديق - عليه رحمة الله - فذكر لي خطبة ألقيتها في جمعية كانت لنا، فجاء في كلامه أني "تلوت" الخطبة، فقلت كلا بل ألقَيْتها - ولم يكن ثَمَّة فرق فإن إلقاءها محفوظة مثل تلاوتها من ورقة، ولكنِّي يومئذ أبتْ لي الحماقة إلا تجسيم هذا الخلاف، فتركته وسرت وحدي، وقد سقت هذه الحكاية لتقيس عليها، ولتعلم أنَّ علاقاتي بإخواني كانت مناوشات مستمرة، فالآن لو لطمني رجلٌ على خدٍّ لأدرت له الخدَّ الثاني، ولعددت نفسي سعيدًا بأن وسعني أن أكون أوسع صدرًا، وأسكن طائرًا، وأرى صديقي مع عداتي فلا أحفل، ويسيء إليَّ مَن أُحسِنُ إليه فلا ألوم ولا أعتب، وكنت أفتح عيني فلا أرى إلا عيوب الخلق، فاليوم أغضُّها وأذهب أديرها في نفسي؛ باحثًا عن عيوبي أنا، وأجد في ذلك من الروح والراحة ما لا عهد لي به أيام التمرد والحماقة. وإني لأراني أتقبَّض عن الناس شيئًا فشيئًا، وأتراجع عن الدنيا خطوة خطوة، وألوذ من نفسي بمثل الكهف على شاهق من الجبال، لا تَدِبُّ إليه الرجل، ولا تموج على بابه الحياة، وكم وجدتُنِي أتَمنَّى لو أتيح لي أن ألجأ إلى كهف حقيقي ينحَسِرُ عنه ودونه عباب العيش، ولا تضطَرِبُ حولَه إلا الرِّياح، لا زهدًا فما أعرِفُنِي زاهدًا في شيء، أو متفتِّرًا عن الدنيا، وإنِّي لأشتهي كل متعة، وأشتاقُ كلَّ لذَّة، ولكن إلى جانب ذلك مللاً يصدف بي، ويصدُّني عن ملابسة الحياة في مظاهرها المشتهاة، كالتَّعب الذي يعتري المحارب مع طول الكفاح. ومن أجل هذا صِرْتُ أفهم كلَّ شيء على نحوٍ يهوِّنُه عليَّ، ويفلُّ من غرب وقعه حتى الجمال لا أراني أسحر به إلا ريْثَما أقلب معناه، وأخيل فضلاً منِّي أنا لا مزية للجميل، وقد يكون أعون على إيضاح ذلك أن أورد للقارئ أبياتًا نظمتها لا أذكر متى فما أقول شعرًا في هذه الأيام، والأبيات من قصيدة طويلة[1] وهي: تَبًّا لِذَلِكَ مِنْ حُسْنٍ وَوَا أَسَفَا عَلَيْهِ مِنْ مُسْتَعَارٍ ثَمَّ مَرْدُودِ عَطِيَّةُ الحُبِّ هَذَا الحُسْنُ فَاتَّئِدِي وَلاَ تَتِيهِي بِحُبِّي وَهْوَ مَجْهُودِي وَلَسْتُ أَهْلاً لإِمْتَاعٍ بِرَوْنَقِهِ إِنْ رَاحَ مَعْنَايَ فِيهِ غَيْرَ مَوْجُودِ إِنَّ الرِّيَاضَ رِيَاضٌ بِالشُّعُورِ بِهَا وَلَسْنَ سِيَّيْنِ فِي العُمْرَانِ وَالبِيدِ وَالحُسْنُ حُسْنٌ بِأَنْ تَهْوَاهُ أَفْئِدَةٌ أَوْ لا فَذَلِكَ مَوْجُودٌ كَمَفْقُودِ فَمَنْ أَحَبَّ فَقَدْ أَهْوَى لِصَاحِبِهِ حُسْنًا وَسَرْبَلَهُ سِرْبَالَ مَنْشُودِ وَلَيْسَ فَضْلُكَ إِلاَّ أَنَّ لِي كَبِدًا تَهْوِي إِلَيْكَ بِأَسْرَارِي وَمَشْهُودِي ولم أكن في عنفوان الشباب أزعم ما أزعمه اليوم من أن الحسن منحة من الحب، وعطية المحب للمحبوب، وأنَّ التيه بالجمال تيه بالحب، الذي هو مجهود العاشق، وأنه إذا خلا من معنى المحب فليس فيه متعة لصاحبه، ولا رونق يعتز به، وأن الحسن لا يعد حسنًا إلا إذا عشقه عاشق وهكذا إلى آخر ذلك. بل صرت أثب إلى خاتمة كل شيء ونهاية كل أمر، وأطمئنُّ إليه وأنسى فيها الحاضر بكل ما ينطوي عليه من المعاني المرضية والمسخطة فأقول: أَرَى رَوْنَقَ الحَسْنَاءِ فِي مَيْعَةِ الصِّبَا فَيُوضِعُ بِي شُؤْمُ الخَيَالِ وَيُعْنِقُ وَيُشْهِدُنِيهَا فِي التُّرَابِ مُرِمَّةً وَقَدْ غَالَهَا غَوْلُ الحِمَامِ المُوَفَّقُ ستقول: إنها مرارة نفس، فأقول: صدقت، ولكنَّ المرارة التي تفضي إلى مشارفة الحقائق الخالدة خير من اعتدال المزاج الذي يغري بالسفاسف.
w,v ,Hoghr Hls ,hgd,l
|
| |