دعوة لتحقيق التراث وتطويره وتحديثه .

[أبو عادل]

من المشكلات الثقافية والدينية والعلمية المطروحة على الساحة الفكرية الحالية عدم التفريق بين القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والتراث، فالقرآن الكريم هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله سلم وحياَ بواسطة جبريل عليه السلام، والذي تولى الله سبحانه وتعالى حفظه بقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]، كما جعله الله سبحانه وتعالى نظاما منهجا يهتدي به عباده المؤمنون كما قال تعالى: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
أما السنة النبوية الصحيحة فهي السنة القولية والفعلية والتقريرية الصادرة عن رسول الله والتي حققها العلماء بمناهج البحث العلمية المتميزة في السنة النبوية المطهرة وثبتت صحتها عن رسول الله وآله وسلم، براوية العدل الضابط، عن العدل الضابط، عن مثله إلى منتهاه إلى رسول الله عليه وآله وسلم، من دون شذوذ أو علة، وهي أيضا من الوحي الذي أوتيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مع القرآن، وقد أمرنا الله بالعمل بها فقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر: 7].
من هنا نفهم أن القرآن الكريم مقدس، وما صح عن الرسول صلى الله وآله وسلم مقدس، والمقدس هنا هو النص، أما فهم العلماء للنص فهو عمل بشري غير مقدس، وهو يدخل في التراث، ولا يجوز مطلقاَ أن نطلق على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الصحيحة لفظ التراث أو ندخلهما فيه.
أما التراث الذي نعنيه في هذا المقال فهو الإنتاج البشري من تفسير، وأصول فقه، وفقه وشرح للسنة النبوية المطهرة وغيره .. وكل الإنتاج البشري الذي قام به المسلمون في السابق، فتفسير القرآن الكريم عمل بشري، وهو تراث وشرح النبوية المطهرة عمل بشري وهو تراث .إذا عندما نقول :دعوة لتحقيق التراث، فإننا نعني بذلك دعوة للتحقيق العلمي لكل عمل بشري إسلامي، ولا يدخل فيه من قريب أو بعيد الآيات القرآنية والسنة النبوية المطهرة الصحيحة، اللذان نقلا إلينا بطرق صحيحة لا نشك فيها أبداَ .
وقد كتب الأستاذ عبد الرحمن علي البنفلاح في صفحة قضايا وآراء يوم 1/4/2007م في " أخبار الخليج " مقالا بعنوان : " دعوة لهدم التراث " دافع فيه عن المجهود العلمي الضخم والجبار الذي قام به علماء المسلمين في مجال تفسير القرآن الكريم، بعدما نادى بعض المرجفين من بني جلدتنا بإلغاء هذه التفاسير والتخلص منها تماما حتى ينطلق المسلمون نحو الفهم الجديد للقرآن الكريم كما يزعمون، وقد فهم المخلصون أن هذه دعوة لهدم التراث والتخلص منه تماما لكي يعيث المرجفون فساداَ في فهم الآيات القرآنية وتفسيرها كما يحلو لهم، مثلما قال جمال البنا في إحدى الفضائيات أن الزنية الأولى والزنية الثانية من اللمم، وهذا إرجاف خطير يخالف فهم علماء الأمة وتفسيراتهم لكلمة " إلا اللمم "، فلو هدمنا التراث كله بحلوه ومره، وصحيحة وسقيمه،و غثه وسمينه، ومتغيره وثابته فإننا نلغي جهود علماء الأمة على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان، وهي الجهود العلمية المنظمة والجبارة، وهذا لا يقول به إلا كل جاهل أو خبيث، أو مرجف أو فاقد لعقله، إذ كيف لأمة أن تلغي هذا الجهد العلمي الجبار لعلماء عظام ؟!
ولكن ليس معنا هذا اننا نقدس جهود العلماء العلمية تقديسنا للآيات القرآنية والسنة النبوية المطهرة الصحيحة، بل نحن ندعو إلى فهم عصري وفهم جديد للآيات القرآنية والسنة النبوية المطهرة يقوم به علماء مشهود لهم بالإخلاص والكفاءة العلمية في مجال تخصصهم، وندعو إلى تحقيق علمي منظم وممتهج من قبل باحثين علميين مخلصين أكفاء لتراثنا العلمي بحيث نستفيد من المفيد والمناسب لعصرنا منه، خاصة في الآيات القرآنية ظنية الدلالة، وهذا التحقيق لا يلغي النصوص التراثية ولكن يبين المقيد منهاوغير وغير المقيد، والعلمي وغير العلمي، والمناسب لزماننا وغير المناسب وهذا يحتاج إلى كوكبة من طلبة الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه وبحوث الترقي لدرجة الأستاذ المساعد " أستاذ مشارك " والأستاذ ودرجة دكتوراه في التخصص وهي أعلى درجة علمية يتحصل عليها الباحث بعد دكتوراه الفلسفة في التخصص الشائعة بيننا. وقد دارت بيني وبين الأستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري مناقشة سريعة يوم الأحد 7/4/2007م بفندق الدبلومات عقب مشاركته في الجلسة الثانية لندوة القاضي الرئيس قاسم بن مهزع، وقد اتفقنا على أن المقدس هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وما عداهما عمل بشري قابل للصحة والخطأ والتحقيق والدراسة والأخذ والرد.
كما إننا ندعو إلى تطوير التراث وتحديثه بأساليب علمية تجعله صالحا للإنسان والزمان والمكان في الوقت الحاضر، وهذا ما طبقه الإمام الشافعي -رحمه الله .في مجال الفقه عندما غير فتواه ومذهبه عند انتقاله إلى مصر، وأسس مذهبه الفقهي الجديد والمتوافق من التغيرات البشرية والبيئية والثقافية في البيئة الجديدة مصر.
وهنا كان لزاما على أن أوضح أن المقال المذكور للأستاذ عبد الرحمن علي البنفلاح بعنوان : " دعوه لهدم التراث " ليس فيه ما يتنافى مع ما اتفقت أنا والأستاذ الدكتور الأنصاري عليه وما قلته سابقا، ويكفي للدلالة على ذلك ما قاله الأستاذ عبد الرحمن البنفلاح في آخر فقره من مقاله حين قال: " اجتهدوا كما أجتهد أسلافكم وحاولوا فهم القرآن فهما جديد يتناسب مع العصر الذي تعيشونه، ولا يوجد نص من القرآن أو السنة يحرم ذلك أو ينهى عنه " وبذلك قطع الأستاذ عبد الرحمن قول كل خطيب في هذه المسألة .
نحن نحتاج إلى قراءة جديدة وفهم جديد متخصص علمي مخلص للكتاب والسنة، ونحتاج إلى جهود علمية لتحقيق التراث للاستفادة والبناء على الصالح منه، والتنبيه إلى غير الصلح بأسلوب علمي متأدب يحفظ لعلمائنا احترامهم واجتهادهم ويفتح الباب للاستفادة العصرية من جهودهم العلمية القديمة والجبارة والمتميزة، ولا يلغي هذا الجهود العلمية المشرفة التي بنيت عليها الحياة العلمية في الحضارة الإسلامية على مدى أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان. وعلى المرجفين والداعين إلى هدم التراث ورفضه بالكلية أن يعلموا أن الله تعالى قال: { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ } [الرعد: 17] وعلى الداعين إلى تقديس التراث أن ينتبهوا لخطئهم العلمي والشرعي، وعلى المخلصين العلميين المختصين أن يتقوا الله ويقوموا بدورهم المطلوب منهم في فض هذه القضايا التي شغلنا بها من الجهلاء والمرجفين من بني جلدتنا وغيرهم.

د.نظمي خليل أبو العطا.

المصدر:
أخبار الخليج منتدى الجمعة
العدد (10647) - الجمعة غرة جمادى الأولى 1428 هجري -18 مايو 2007م

---

]u,m gjprdr hgjvhe ,j',dvi ,jp]dei >

[محمد نصر]

بوركتم اخي ****** ابو عادل

جهد مشكور عليه

اكرمكم الله وجزاكم الله خيرا

[عمرو القوصي]

بارك الله فيك

[أبو عادل]