من البحوث العلمية التي اعتز بها في مكتبتي بحث " أدب الكلام " وأثره في بناء العلاقات الإنسانية في ضوء القرآن الكريم " للدكتور عوده عبد الله، فقد ناقش وأصل لموضوع نحتاج إليه في ظل تخلي المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام عن الانضباط اللفظي عامة، وفي ظل ثقافة شبابية لغوية خاصة بدأت تنتشر بين الشباب في بلادنا العربية ما ترتب عليه ضعف شديد في أدب الكلمة.
وقد أدت بعض البرامج الحوارية الفضائية وبعض الألفاظ المتبادلة في بعض المسرحيات الفكاهية إلى تقبل هذا التدني اللفظي وألفته أذان الصغير والكبير، والمتعلم والجاهل .
ويمثل أدب الكلام وسيلة مهمة من وسائل تقوية النسيج الاجتماعي والأسري لما يحققه من تآلف بين قلوب، وتناصر وتآلف بين النفوس ما يترتب عليه حل الكثير من المشكلات الاجتماعية والأسرية كما قال الدكتور عوده عبد الله في بحثه. وقال : يوجه القرآن الكريم المؤمنين إلى ضرورة التزام أدب الكلمة لأن الشيطان قد يستغل كلمة طائشة بينهم فيفرق الشمل، وتحل العداوة والبغضاء، وبسبب كلمة تتألف القلوب فتحل المودة وتزول الأحقاد قال تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء: 53] (أ.هـ).
فعلى كل منا أن يسبق عقله وتفكيره لسانه ليختار الكلمات الأحسن كما قال تعالى .
فالله يأمرنا أن نتحكم بأقوالنا لتكون مسددة صائبة فلا ننطق إلا بأحسنه، وأحق الناس بالكلمة الطيبة واللفظ الأحسن الأبوين والزوجة والأولاد والمعلمين والمعلمات، والكبار في السن، والحكام .
كما أمر الله المسؤول والمدير والحاكم بأن يتأدب مع مرؤسيه في الكلام قال تعالى لرسوله{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ للّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ َاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ َفتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
فيا لها من قاعدة ذهبية في العلاقات الاجتماعية، وتقوية النسيج الاجتماعي خاصة في بلادنا الخليجية التي نعيش فيها أسرة واحدة، وعائلة واحدة وقبيلة واحدة، يعرف بعضنا بعضا اجتماعيا،وأسريا، وثقافيا، واقتصاديا، وبيننا علاقات حسن الخلق وحسن الصحبة والجوار تمتد لآلاف السنين، وقد عمدت بعض النظم الانقلابية إلى أحدث عملية انقلاب في النظام الخلقي الاجتماعي، فأعطيت في بعض البلدان الفرصة لهدم الثوابت الاجتماعية المتزنة، والأصول المرعية في العلاقات الاجتماعية، وقد انتقلت هذه الصفات غير الحميدة مع الثقافات الواردة علينا فبدأنا نرى العجب العجاب، ونسمع بعض العبارات التي لم نتعود عليها في معاملاتنا الاجتماعية، وقد بدت هذه السلوكيات الشاذة على مجتمعاتنا في الظهور في بعض المجالس، وبعض التجمعات الجماهيرية، خاصة أيام الانتخابات النيابية والبلدية، وقد رأى بعض أبنائنا في هذا الأسلوب وسيلة للتغيير والنيل من كل كبير، وهذه ثقافة كلامية تتنافى مع أدب الكلام في الإسلام، وهذا ما جعلني اعتز بدراسة أدب الكلام للدكتور عوده لحاجتنا الماسة إليها، والله تعالى يربينا ويعلمنا كيفية تقوية النسيج الاجتماعي فقال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
وتأملوا قول الله تعالى: ( يقلوا التي هي أحسن ) وهي الكلمات الأفضل من الكلمات الحسنة، وقوله تعالى {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وهي أفضل من التي أحسن. وعلى مستوى الأسرة يبين الله تعالى أن الوعظ بالتي هي أحسن هو الخطوة الأولى في إصلاح العلاقات الزوجية قال تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ }[النساء: 34].
يقول الدكتور عوده ): ويكون وعظ الزوجة بتذكيرها بما أوجب الله عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة، والكلمة الطيبة أغلى عند الزوجة في كثير من الأحيان من الحلي الثمين والثوب الفاخر لأن الكلمة الطيبة غذاء الروح، فكما أنه لا حياة للبدن بلا طعام، فكذلك لا حياة للروح بلا كلام، حلو لطيف، وأن السعادة كلها ربما كانت في كلمة فيها مجاملة ومؤانسة يقولها أحد الزوجين لصاحبه كما قال الأستاذ محمد لطفي الصباغ في كتابه " نظرات في الأسرة المسلمة ".
وكما أن الزوج يجب أن يسمع من زوجته الكلمة الأحسن فعليه أن يكون قدوة للزوجة في الكلمة الأحسن واللفظ الأجمل، لذلك أقترح أن تتضمن مناهجنا الدراسية في مقررات التربية الأسرية، والأدب اللغوي كلمات طيبة مأثورة ومواقف طيبة مأثورة بين الزوجين ليتعلم أبناؤنا الكلمات الحسنة وأبيات الشعر المقوية للعلاقات الأسرية والمواقف المتميزة كوصية الأم لابنتها الوصية المشهورة في الأدب العربي، وقصة القاضي شريح مع زينب زوجته، وبنت سعيد بن المسيب مع زوجها وتلميذ أبيها وعلى الأسرة أن تقتني كتب تربية والأخلاق الحميدة ليتعلمها أبناؤنا، وعلينا أن نكون قدوة لهم في الحياة حتى لا نفقد تلك الصفات الحميدة التي حفظت لنا علاقتنا الاجتماعية المتميزة لسنين طويلة.
بقلم : الدكتور نظمي خليل أبو العطا.
أخبار الخليج (20) الأسرة والمجتمع
العدد (10562) - الخميس 4 صفر 1428 هجري - 22 فبراير 2007م.
H]f hg;ghl ,jr,dm hgksd[ hgh[jlhud>