اول من سكن الحرم..امرأة.. عند البخارى..أن ابراهيم عليه السلام..انطلق من الشام..الى البلد الحرام..معه زوجه هاجروولدها اسماعيل وهو طفل صغير فى مهده..حتى وضعهما فى مكان البيت..وليس بمكة يومئذ أحد..وليس بها ماء..فوضعهما هنالك..ووضع عندهما جرابا فيه تمر..وسقاء فيه ماء..ثم قفل عليه السلام منطلقا الى الشام..فتلفتت أم اسماعيل حولها..فى هذه الصحراء الموحشة..فاءا جبال صماء وصخور سوداء..وما رأت حولها من أنيس ولا جليس..وهى التى نشأت فى قصور مصر..ثم سكنت فى الشام فى مروجها الخضراء..وحدائقها الغناء..فاستوحشت مما حولها..فقامت..وتبعت زوجها..
فقالت:يا ابراهيم
..أين تذهب..وتتركنا بهذا الوادى الذى ليس به أنيس ولا شىء؟..فما ود عليها..ولا التفت..فأعادتعليه..أين تذهب وتتركنا..فما رد عليها..فأعادت عليه..وما أجابها..فما رأت أنه لا يلتفت اليها
..قالت له:آلله أمرك بهذا؟
قال:نعم
..قالت:حسبى..قد رضيت بالله..اذا لا يضيعنا..ثم رجعت..فانطلق ابراهيم الشيخ الكبير..وقد فارق زوجه وولده..وتركهما وحيديت..حتى اذا كان عند ثنية جبل..حيث لا يرونه..استقبل بوجهه جهة البيت..ثم رفع يديه الى الله داعيا..مبتهلا..راجيا..
فقالربنا انى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيمو الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)..ثم ذهب ابراهيم الى الشام..ورجعت أم اسماعيل الى ولدها..فجعلت ترضعه..وتشرب من ذاك الماء..فلم تلبث أن نفد ما فى السقاء..فعطشت..وعطش ابنها..وجعل من شدة العطش يتلوى..ويتلمظ..كأنه يصارع الموت..فالتفتت حولها..هل من معين أو مغيث..فلم تر أحدا..فقامت من عنده..وانطلقت كراهية أن تنظر اليه يموت..
فاحتارت أين تذهب؟!!..فرأت جبل الصفا أقرب جبل اليها..فصعدت عايه..وهى المجهدةالضعيفة!!..
لعلها ترى أعرابا نازلين..أو قافلة مارة..فلما وصلت الى أعلاه..استقبلت الوادى تنظر هل ترى أحدا..فلم تر أحدا..فهبطت من الصفا حتى اذا بلغت بطن الوادى رفعت طرف ذراعها..ثم سعت سعى الانسان المجهد..حتى
الصفا..جاوزت الوادى..ثم أتت جبل المروة فقامت عليه..ونظرت..هل ترى أحدا..فلم ترى أحدا..فعادت الى
فلم تر أحدا..ففعلت ذلك سبع مرات..فلما أشرفت على المروة فى المرة السابعة..سمعت صوتا..فقالت:صه..
ثم تسمعت..
فقالت:قد أسمعت ان كان عندك غواث فأغثنى..فلم تسمع جوابا..فالتفتت الى ولدها..فاذاهى بالملك عند موضع زمزم..فضرب الأرض بعقبه أو بجناحه حتى تفجر الماء..فنزلت الى الماءسريعا..وجعلت
تحوضه بيديها وتجمعه..وتغرف بيدها من الماء فى سقائها..وهو يفور بعدما تغرف..فقال لها جبريل:لا تخافوا الضيعة..ان ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه..فلله درها ما أصبرها..وأعجب حالها..وأعظم بلاءها..هذا خبر عن هاجر..التى صبرت..وبذلت..حتى سطر الله فى القرآن ذكرها..وجعل من الأنبياء ولدها..فهى أم الأنبياء وقدوة الأولياء..هذا حالها..وعاقبة أمرها..نعم..تغربت وخافت..وعطشت وجاعت..
لكنها راضية بذلك ما دام أن فى ذلك رضا ربها..عاشت غريبة فى سبيل الله..حتى أعقبها الله فرحا وبشرا..
وطوبى..للغرباء..فمن هم الغرباء؟..انهم قوم صالحون..بين قوم سوء كثير..انهم رجال ونساء..صدقوا ما عاهدوا الله عليه..يقبضون على الجمر..ويمشون على الصخر..ويبيتون على الرماد..ويهربون من الفساد..
صادقة ألسنتهم..محفوظة أبصارهم..عن كل ما هو حرام..وجلساتهم شريفة..فان وقفوا بين يدى الله..شهدت
الأيدى والأرجل..وتكلمت الأذان والأعين..فرحوا واستبشروا..فلم تشهد عليهم عين ينظر الى محرمات..ولا أذن بسماع أغنيات..بل شهدت لهم بالبكاء فى الأسحار..والعفة فى النهار..حتى انهم يفدون دينهم بأرواحهم.
والى للقاء اخر ان شاء الله مع قدوة اخرى وصلى اللهم وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم