بكاءٌ من نوع آخر
بقلم بلال الفارس " إمام وخطيب في جامع بحي الحمراء في الرياض "
أستغفر الله أستغفر أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ...
قطع علي تسبيحي بعد صلاة الجمعة رجل كهل جاوز الستين من عمره وملامحه شاهدة على عبودية صادقة لله .. وللعبودية نور في الوجه يدركه كل ذي عينين .. قال لي وتجاعيد وجهه كأنها صفحة من صفحات دفتر الحزن فالجبين مقطب والعينان مغرورقتان بمائهما .. قال لي بعد أن سلم وتنهد تنهدا عميقا يوحي بمشكلة أو معضلة يحملها جنانه .. وصدق حدسي فلقد قال : عندي مشكلة .. ثم سكت وتنهد أخرى ..هونت عليه ولمَّا أعرف مشكلته ..
وذكرته بأن الخير فيما كتب الله أياً كان المكتوب فلله الحكمة البالغة جل شأنه ..
ثم قلت : أفصح عن المشكلة فلعلي أسطيع لها حلا أو أسعى في علاج ..
قال : يا أخي أنا وكما أنت تراني قد تقدم بي العمر وأثقلتني السنين .. ولا أزال أعمل في مهنة شاقة
( هنا ظننته سيطلب مالا لمساعدته في الاستغناء عن هذه المهنة )
قلت وماذا بعد ذلك .. قال : أنا بحمد الله أقوم الليل مصليا لله عزوجل غير أني في بعض الليالي تهدني قواي من أثر مشقة العمل فلا أنام إلا الساعة الحادية عشرة وأحاول القيام في آخر الليل لأوتر فتغلبني عيناي فأصبح ولم أقم الليل .. !
أُصبحُ ولست في عداد من أوتروا في آخر الليل ثم انفجر باكيا .. وقال بالحرف الواحد ودموعه أسبق في الإفصاح من حروفه : يا أخي ما ذا أقول لربي غدا إذا سألني : لماذا لم تقم تلك الليلة ..!!
واللـه لقد كان كلامه كسياط تضربني .. يبكي لأجل نفل فاته ونحن يفوتنا الفرض والفرضان والثلاثة ولا نحرك ساكنا ..
تكلمت معه في شيء من الحلول لمشكلته ولقد كنت أحوج لها منه .. ولكن من سئل وجب عليه الجواب إن علم .. ثم استأذن بالانصراف وهو يلح في طلبه بأن أدعو الله له أن يغفر له تجاوزاته وتقصيره !!!
والله لقد كان هذا الموقف من أعجب المواقف التي شاهدتها .. لكأنه من مواقف السلف الصالح وعباداتهم !
إن وجود همٍّ كهذا في زمن طغت فيه الماديات وعُبد فيه الدرهم والدولار وصلَّى فيه المصلي لشاشة الأسهم لهو مبشرٌ بخير
وبمثل هؤلاء الصالحين تحفظ الأمة ويرحمها ربها ..
فاللهم ربنا أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .