أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 

الإهداءات



الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: أذان وصلاة العشاء من المسجد الأقصى المبارك - الجمعة 5 صفر (2) 1446 (آخر رد :محمد نصر)       :: أذان وصلاة الجمعة من المسجد الأقصى المبارك - الجمعة 5 صفر (2) 1446 (آخر رد :محمد نصر)       :: صلاة الفجر للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى - الجمعة 5 صفر (2) 1446 (آخر رد :محمد نصر)       :: أذان الفجر يرفعه بلال أبو الضبعات من المسجد الأقصى - الجمعة 5 صفر (2) 1446 (آخر رد :محمد نصر)       :: نداء الفجر يرفعه بلال أبو الضبعات من المسجد الأقصى - الجمعة 5 صفر (2) 1446 (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء من المسجد النبوي الشريف بـالمدينة المنورة - تلاوة الشيخ د. أحمد الحذيفي. 5 صفر 1446هـ (آخر رد :محمد نصر)       :: صلاة المغرب من المسجد النبوي الشريف بـالمدينة المنورة - تلاوة الشيخ د. أحمد الحذيفي. 5 صفر 1446هـ (آخر رد :محمد نصر)       :: خطبة وصلاة الجمعة من المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة للشيخ أحمد بن طالب 5 صفر 1446هـ (آخر رد :محمد نصر)       :: صلاة العشاء في المسجد الحرام بـ مكة المكرمة - تلاوة الشيخ د. بندر بليلة 5 صفر 1446هـ (آخر رد :محمد نصر)       :: صلاة المغرب في المسجد الحرام بـ مكة المكرمة - تلاوة الشيخ د. بندر بليلة 5 صفر 1446هـ (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع طويلب علم مبتدئ مشاركات 0 المشاهدات 420  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 27 / 05 / 2018, 02 : 01 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
طويلب علم مبتدئ
اللقب:
عضو ملتقى ماسي


البيانات
التسجيل: 21 / 01 / 2008
العضوية: 19
المشاركات: 30,241 [+]
بمعدل : 5.00 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 0
نقاط التقييم: 295
طويلب علم مبتدئ is a jewel in the roughطويلب علم مبتدئ is a jewel in the roughطويلب علم مبتدئ is a jewel in the rough

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
طويلب علم مبتدئ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
سورة التكاثر


لا يزال التكاثر في الأموال والأولاد والضيعات والزوجات ما يَشغَل بني آدم، ولكن ذلك كله ليس إلا متاع الغرور؛ فهو يُغري صاحبَه ليَغُرَّه حتى يسعى إليه، فإذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده ليُوفِّيه حسابَه، وقد حذَّرنا القرآن الكريم في أكثر من موضِع من الافتتان بالدنيا وزهرتها؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 15]، وهناك تَعارُض ولا شكَّ بين طلب الدنيا وطلَب الآخرة؛ ولذلك أكَّد القرآن في أكثر من موضِع بأنه لا يستقيم طلَب الأمرين معًا في آن واحد، فإما أن يَصدُق العبد في طلب الآخرة، وسوف تأتيه الدنيا رغمًا عنها، وبقدر نصيبه منها، وسوف يُبارِك الله له في آخرته، يقول - سبحانه -: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ﴾ [الشورى: 20]، وإما أن يَنشغِل بالدنيا لينسى الآخرة أو يَضُرَّ بها؛ قال - سبحانه -: ﴿ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ومَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾ [الشورى: 20]، وقد أكَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى فقال: ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر))[1]، قال النووي: "معناه أن كلَّ مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المُحرَّمة والمكروهة، مُكلَّف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعدَّ الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من المنغِّصات، وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد"، فإذا كان الأمر كذلك فلا بد - إذًا - أن يُحاسِب المرءُ نفسَه عما يتنعَّم به من النعيم؛ بحيث لا يَشغَله ذلك عما هو أولى من الاستغراق في التنعُّم، وهذا ما أكَّدت عليه سورة التكاثر.



قال تعالى: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 1 - 8].



قوله تعالى: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾:

فيه تحذير من مغبَّة الاهتمام بجمع متاع الدنيا، ونسيان أنها إلى فَناء، وأن الإنسان ذاته مصيره إلى المقابر والفَناء؛ قال تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ولَهْوٌ وزِينَةٌ وتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ والْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ومَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ ورِضْوَانٌ ومَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20]، فسورة التكاثر تُخاطِب صِنفين من الناس في آن واحد؛ فهي تُخاطِب المؤمن؛ إذ تَردُّه عن الانشغال بالدنيا عن الآخرة، ليلتهي بها عن سؤال ربه له يوم القيامة، فلا يستقيم إيمانٌ بالآخرة دون عملٍ لها، وليس ثمة معنى لاهتمام المرء بالتكاثر من الأموال والأولاد والملذَّات والشهوات دون التكاثر من الأعمال الصالحات إلا تفضيل الدنيا على الآخرة؛ قال ابن عباس ﴿ التكاثر ﴾: من الأموال والأولاد[2]، وهي مسألة فطريَّة أن يَستكثِر الإنسان من الأموال والأولاد، ويَحرِص على العمر، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يَهرَم ابنُ آدم وتَشِبُّ منه اثنتان؛ الحرص على المال، والحرص على العمر))[3]؛ ولذلك كانت بحاجة إلى تهذيب وتزكية حتى يَقدِر الإنسان أن يرشد فيما حوله من متاع الغرور، فلا يزداد حرْصه عليه بما يَصرِفه عن الحرص على متاع النعيم، ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ورِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ واللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15].



وأما الكافر المُستغرِق في النعيم، فقد ألهاه التلهي بالدنيا عن تذكُّر الموت، وأن أمله في الدنيا سوف يَنقطِع به، وأن مسكنه الذي سوف يؤول إليه هو القبر، جاعلاً همه التكاثر في الأموال والأولاد والنعيم، لدرجة جعلته وكأنه أنكر الموت والبعث؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو أن لابن آدم واديًا من ذهب أحبَّ أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على مَن تاب))[4]، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديًا ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على مَن تاب))[5]، وهكذا يُكثِر من التلهي لدرجة أن يَضحى عنده كلُّ ما ليس بمشاهَدٍ مُنكَرًا، وكل ما هو مادي معروفًا، فيُنكِر الغيب ويُنكِر البعث، ويؤمِن بالمادة، ويَلهَث وراءها حتى يُفاجأ بالحقيقة، وأن ما كان يَلهَث وراءه ليس إلا سرابًا.



قوله تعالى: ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾:

فيه إشارة إلى منتهى ما يجمعه الإنسانُ في هذه الدنيا من متاع، فمهما جمع فلن يأخذ مما جمعه شيئًا، وذلك حين يَرِد على القبر ليعيش فيه الحياة البرزخية، ثم يَنتقِل بعدها إلى الآخرة، فالناس في شُغلهم بالدنيا: إما مؤمن، وإما كافر؛ فالكافر يُنكِر حقيقةَ البعث والحساب؛ ولذلك فإن القرآن الكريم يذكُر هذا الصِّنف من الناس بأن الإيمان بالغيب، وإن لم يتحقَّق في قلوبهم في الدنيا، فإنه يضحى يقينًا جازمًا حال سكرات الموت، تلك اللحظة التي تَهدِم عليه حياته وملذَّاته ونعيمه، ثم ليزداد يقينًا بالغيب عندما يُبعَث من القبر، وهنا ما يدخل في قلبه من يقين بالغيب والبعث والحساب لا يعني دخول الإيمان في قلبه؛ فقد انتهى الابتلاءُ في الدنيا ولا ينفعه إيمانٌ بعد؛ لأن ما علِمه يقينًا في دار الآخرة هو ما أنكره في دار الدنيا، عندئذ يُوقِن أنه إلى الجحيم فيراه بعينه، حيث يرى جهنم، ويعلم أن مصيره إليها، ولكن قبل هذا المصير يتعيَّن السؤال والحساب، فيُنصَب الميزان؛ ليُجازى كلُّ امرئ بما عمِل.



وأما المؤمن فإن السورة تُذكِّره كذلك، وتُحذِّره مَن أن يَنشغِل ببعض أمور الدنيا فيُقصِّر في بعض الطاعات؛ لكنه ولأنه مؤمن فإنه حالما يزور القبور، فإنه يتذكَّر الموتَ؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها))[6]، لعل الموت يكون له واعظًا؛ ذلك أنه يزورها الآن ولا يزال على قيد الحياة، قبل أن يزورها وهو ميت، فلعله بزيارته لها يَزهَد في الدنيا، ولا يَنشغِل بها عن الآخرة، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((زوروا القبورَ؛ فإنها تُذكِّر بالموت))[7]، فالموت هو الحق الذي لا يُنكِره أحد، فمهما اختلف الناس في المعتقدات، فإنهم يُجمعون على حقيقة واحدة، ألا وهي أن مصيرهم في الدنيا إلى الموت والفناء، وليس هناك أحد من البشر يَزعُم أنه خالد فيها، ولا يستطيع إلا أن يعترف بهذه الحقيقة، يقول - سبحانه - ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19]، فذِكْر الموت يَقطَع على المرء أمله في الدنيا؛ فعن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾، قال: ((يقول ابن آدم: مالي مالي))، (قال): ((وهل لك يا ابن آدم من مالِك إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لَبِستَ فأبليتَ، أو تَصدَّقت فأمضيتَ؟))[8].



قوله تعالى: ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾:

أسلوب زجْر وردْع عن التغافل عن الآخرة، والانشغال بما يَفنى عما يبقى ولا يفنى، وإيثار الدنيا على الآخرة؛ فعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا أُمَّة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيرًا ولضحِكتُم قليلاً))[9]، فهناك علاقة طرديَّة بين الإيمان بالغيب والزهد في الدنيا والعكس كذلك صحيح، ذلك أن الإيمان بالغيب هو ذلك العِلم القلبي الذي لا استعانة فيه بالحواس المادية، وذلك هو مَفرق الطريق بين المؤمن والكافر؛ فالمؤمن الذي يُوقِن بالغيب يزداد إيمانًا بالآخرة، وإقبالاً على الطاعات، وبُعدًا عن المحرمات، حتى إنه لشدة إقباله على الآخرة - لما علِمه مما أعدَّه الله له في الآخرة، وما أعدَّه للكافر يوم القيامة - يزهد في طلب المباحات من زينة الدنيا؛ فعن قتادة قال: سمعت أبا عثمان يقول: أتانا كتاب عمر ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد: أما بعد، فاتزروا وارتدوا، وانتعِلوا، وارموا بالخفاف، واقطعوا السراويلات، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإياكم والتنعُّم وزي العجم، وعليكم بالشمس، فإنها حمام العرب، واخشوشنوا، واخلولقوا وارموا الأغراض[10]، قال العلماء: "واخشوشنوا"؛ أمر من الخشونة؛ أي: البسوا الخَشِنَ، لا الحسن، واطرحوا زي العجمة وتَنعُّمهم وإيثارهم لين العيش، وقد أجمع العلماءُ والحكماء على أن النعيم لا يُدرَك إلا بترك التنعُّم؛ قال الغزالي - رحمه الله -: "التزين بالمباح غير حرام، لكن الخوض فيه يُوجِب الأنس به حتى يَشُقَّ تَرْكه، واستدامة الزينة لا تُمكِن إلا بمباشرة أسباب في الغالب يَلزَم من مراعاتها ارتكاب المعاصي من المداهنة ومراعاة الخَلق"[11].



قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾:

فيه إشارة إلى أن الله تعالى يَكشِف الغيبَ للناس يوم البعث، فلفظ (ثُم) أفاد التراخي، ثم التعقيب على العلم الأول، والذي كان في الدنيا، بأن ثمة علمًا - كذلك - سوف يَعلمه المرء لم يكن يعلَمُه من قبل، وهنا تأتِي مرحلة أخرى من العلم، وهي العلم بعد البعث، فيَكشِف الله تعالى للناس ما غاب عن أبصارهم في الدنيا من أمور الآخرة التي أنكرها بعضُهم، وآمن بها مؤمنهم؛ قال - سبحانه -: ﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 21، 22].



فالإنسان في هذه الدنيا يعيش بين عالَمين؛ عالم الغيب، وعالم الشهادة، وهو لا يُجادِل في عالم الشهادة، فذلك أمر أيقنه بعينه، فهو يرى الشمسَ والقمر والنجوم والكواكب والبحار والأنهار والأشجار وغير ذلك، كل ذلك يَجزِم به؛ لأنه موجود ويستدلُّ على وجوده بالحواس المادية، أما عالَم الغيب فمن الناس من أنكره نظرًا؛ لأنهم لا يتأمَّلون في عالم الشهادة؛ إذ لو تأمَّلوا لاستدلوا به على عالم الغيب، إلا أن قلوبهم أحبَّت الدنيا، وارتضت بها، فرفضوا أن يستدلوا على عالم الغيب بقدر من الفِكر والتأمل، حتى يظل أملهم في الدنيا قائمًا، لكنهم إذا قطعوا هذا الأمل بتعلُّق قلوبهم بالآخرة، لأبصروا أن الآخرة هي الباقية والخالدة، ولعلِموا من العلم ما يُنجيهم من عذابها يوم القيامة؛ يقول - سبحانه -: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل:13، 14]، فهم لا يَستدِلون بتلك الآيات المشاهدات - حتى لو كانت معجزات الأنبياء - على عالم الغيب، ولكنهم يَجحَدونها لأجل أن يَظلَّ تَعلُّقهم بالأمل الكاذب باقيًا، فانهماكهم في طلبِ الدنيا والتكاثر فيها هو ما شغَلهم عن أن يعملوا للآخرة؛ لذلك كان كشف الغيب عنهم لحظة البعث ليس إلا أمرًا مشاهدًا آخر آمنوا به، وليس هذا هو الإيمان المطلوب منهم؛ ذلك أن التكليف الرباني بالإيمان، ليس بما هو مُشاهَدٌ فحسب، وإنما بما هو غائب، فلما كانوا في دار الدنيا آمنوا بالمشاهد، وكفروا بما هو غائب عنهم، ولما جاء البعث آمنوا بالأمر المشاهَدِ الذي كان غائبًا عنهم في الدنيا، فلم ينفعهم إيمانهم عندئذ؛ يقول - سبحانه -: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾ [الأنعام: 158].



قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾:

فيه نفي جازِم وقاطع بتغيُّر الحال كلما انكشف عن المرء ما غاب عنه من العِلم، وفيه تأكيد على قُرْب العلم بما غاب عن المرء، وقرب تغيُّر حاله من الانهماك في الدنيا والتمتع بالملذات إلى الهول والفزع الأكبر ورؤية الجحيم عينَ اليقين، وهو الأمر الذي يُثير التساؤل: لماذا يَكشِف الله تعالى الغيبَ للناس يوم القيامة؟



إن مراتب العلم عند الإنسان ستة، تتدرَّج في القوة: من الشك إلى الظن، ثم اليقين، ثم علم اليقين، ثم عين اليقين، ثم حق اليقين؛ فالشك هو الريب، وذلك هو إيمان الكافر؛ حيث يَظَل في شكٍّ من دين الإسلام حتى تأتيه لحظة الموت، ثم يَبعَثه اللهُ تعالى فيعلَمُ عِلمًا يقينيًّا بالحساب والجزاء، لكن بعد أن انتهى الوقت المحدد، لكي يُوقِن ويؤمن بالغيب، فلا ينفعه عندئذ إيمان، ثم يرى مقعدَه من النار، فيتأكَّد يقينُه بها رؤيا العين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فقال: ((ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار))[12]، فإذا دخل النارَ كان ذلك هو حق يقين عليه؛ قال تعالى: ﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴾ [الكهف: 53]، أما المؤمن فإنه يبدأ بمرحلة الظنِّ؛ لقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 46]، وهذا الظن هو أقلُّ درجات الإيمان، ولا يَلبَث هذا الظن حتى يصبح يقينًا عندما يتأكَّد الإيمان بالإقبال على الطاعات واجتناب المعاصي، فإذا استقرَّ الإيمان في قلبه وجاهَد في سبيل الله تعالى، هنا يموت على هذا اليقين الذي في قلبه، إلا أن المولى - سبحانه - يؤكِّد له هذا اليقين برؤيا عينيَّة، ليرتقي علِمُه إلى مرتبة عين اليقين، ليرى مقعدَه من الجنة، ولا يزال في قبره، وهكذا حتى يذوق النعيم بدخول الجنة، فيؤمن بها حق اليقين.



قوله - سبحانه -: ﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾[13]؛ يقول النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّتِ السماءُ، وحُقَّ لها أن تئط، ما فيها موضِع أربع أصابع إلا وملَك واضع جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، وما تلذَّذتُم بالنساء على الفُرُش، ولخرجتُم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله، لوددتُ أني كنت شجرة تُعضَد))[14]، والمتأمِّل في هذا الحديث، يجد أن الخوف عند النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كبيرًا وأعلى من الرجاء، فإذا كان هذا هو حال المعصوم - صلى الله عليه وسلم - فما الذي ينبغي أن يكون عليه حال العباد؟ وهذا الخوف لن ينتهي بالمؤمنين حتى يدخلوا الجنَّة؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زِمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرونها))[15]، هذا المشهد يَقذِف الرُّعبَ في قلوب العباد يوم القيامة حتى الأنبياء والصالحين، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا يتكلَّم يومئذ أحدٌ إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلِّم سلم))[16].



ورؤية الجحيم حَقٌّ على العباد في الحياة البرزخيَّة، وفي الحياة الآخرة أيضًا، ولعل المقصود في هذا السياق رؤيتهم لها في القبر قبل رؤيتهم لها في الآخرة، وقد تأكَّدت الرؤية في الآخرة بقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ [التكاثر: 7]، أما رؤية الجحيم في القبر فهي رؤية مجازية تكون في الحياة البرزخيَّة، وإن كانت على وجه الحقيقة من حيث العذاب، لكنه ليس نفس العذاب المُدَّخر لأهل النار يوم القيامة[17]؛ فعن ابن عباس قال: مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال: ((إنهما ليُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبير))[18]، فثبت بذلك رؤية الجحيم في القبر، يقول الإمام الطحاوي بأن "القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار"[19]، وهذا المفهوم مُوافِق لما في قوله تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46]، قال الشيخ صالح آل شيخ: "فدلَّت الآية على أن عذاب أولئك في النار حاصل في زمنين: الآن وبعد قيام الساعة، وكلها على حقيقتها يُعذَّبون في النار؛ لأن الواجب الأخذ بالظاهر، وهذه أمور غيبيَّة، والنار مخلوقة والجنة مخلوقة، والنعيم في الجنة حاصل الآن، والعذاب في النار حاصل الآن، ويُوضِّح ذلك أن الأحاديث جاء فيها ذِكْر نسمة المؤمن ورُوح المؤمن أنها في الجنة، وأن روح الكافر يؤخذ بها في النار))[20].



ودَلالة ذلك أن يَقترِب يقينُ العبد إلى ما بعد الموت مباشرة؛ حتى يُقبِل على الآخرة بشغف شديد، مِثل صاحب التمرات لما أيقن أنه لو مات لرأى الجنة، فقال: بخ بخ، إنها لحياة طويلة، فلم يَصبِر على أكل التمرات، حتى جاهد في سبيل الله، فقُتِل، فدخل الجنة؛ فعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: ((قوموا إلى جنَّة عَرْضها السموات والأرض))، قال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله، عَرْضها السموات والأرض؟! بخ بخ، لا والله يا رسول الله، لا بد أن أكون من أهلها، قال: ((فإنك من أهلها))، فأخرج تُميرات فجعَل يأكل، ثم قال: لئن حييتُ حتى آكل تمراتي، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلَهم حتى قُتِل[21]، وكذلك الحال لو علِم العبدُ أنه بمعصية ربه سوف يُعذَّب بالنار مباشرة لو مات، لازداد تقوى أن يعصي ربه وقد تَصوَّر هلاكه بعد المعصية، فرؤية الجحيم بالقلب والفؤاد في الدنيا - بما يَصِل به العبد إلى مرحلة عِلْم اليقين - تَحول دون رؤيته في الحياة البرزخية، لكنها لا تحول دون رؤيته في الدار الآخرة.



وإذا صحَّ الخبرُ فلعله يكون خيرَ شاهدٍ لذلك؛ فعن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مرَّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: ((كيف أصبحتَ يا حارث؟))، قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا، فقال: ((انظر ما تقول؟ فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟))، فقال: قد عزَفت نفسي عن الدنيا، وأسهرتُ لذلك ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: ((يا حارث، عرَفت فالزَم)) ثلاثًا[22]، ومتن هذا الخبر يتَّفِق مع ما يجب أن يكون عليه حال المؤمن في الدنيا.



قوله - عز وجل -: ﴿ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾:

هو تأكيد لرؤية جهنَّم رأي العين بما يَصِل معه العبد إلى مرتبة عين اليقين، فلا يَكذِب أحد في رؤيتها أبدًا، وهذه الرؤية هي الرؤية الثانية، وتكون على وجه الحقيقة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَرِد الناسُ النارَ، ثم يصدرون منها بأعمالهم، فأوَّلهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب في رحله، ثم كشدِّ الرجل، ثم كمشيه))[23]، وعن أم مبشر أنها سمعت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول عند حفصة: ((لا يدخل النارَ إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحدٌ، الذين بايعوا تحتها))، قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها! فقالت حفصة: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ [مريم: 71]، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قد قال الله - عز وجل -: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]))[24]، قال القرطبي: "الخطاب للكفار الذين وجَبتْ لهم النار، وقيل: هو عام، فهي للكفار دار، وللمؤمنين ممر، وعن عبدالله - رضي الله عنه -: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ [مريم: 71]، قال: الصراط على جهنم مِثل حدِّ السيف، فتَمر الطائفةُ الأولى كالبَرْق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود الإبل والبهائم، ثم يَمرُّون والملائكة تقول: رب سلِّم سلِّم[25]، والعِلَّة من ذلك هو اكتمال الإيمان ببلوغ مرحلة اليقين، واستشعار الفضل؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخل أحدٌ الجنة إلا أُري مقعدَه من النار لو أساء؛ ليزداد شكرًا، ولا يدخل النار أحد إلا أُري مقعده من الجنة لو أحسن؛ ليكون عليه حسرة))[26].



وعليه؛ فلا إشكال أن يكون المقصود بالرؤية هو الثانية أم البرزخيَّة؛ لأن كليهما حاصل، ولا إشكال أن يكون المقصود كذلك هو التأكيد لهذه الرؤية، أم أن (ثم) تفيد التراخي حقيقة، بمعنى أن ثمة رؤيا برزخيَّة ورؤيا يوم العَرْض، وذلك بخلاف ما قاله ابن عاشور: (وأكَّد ذلك بقوله قصدًا لتحقيق الوعيد بمعناه الكنائي، وقد عطف هذا التأكيد بـ (ثم)، التي هي للتراخي الرتبي على نحو ما قرَّرناه آنفًا في قوله : ﴿ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [التكاثر: 4]، وليس هنالك رؤيتان تقع إحداهما بعد الأخرى بمهلة.



والدَّلالة القرآنيَّة المستفادة من هذه الآيات هي انشغالُ المسلم بهموم الآخرة؛ فالأمر ليس مجرد النجاة من النار فحسب، فقد ينجو المرء من النار، ولكنه يَفزَع من رؤيتها يوم القيامة، فبقدر فزَعِه منها في الدنيا يَنشغِل بالطاعات والحسنات، ليطمئنَّ يوم القيامة ولا يخاف، قال تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [النمل: 89]؛ ذلك أن المؤمن يَشغَله ألا يَطول حسابُه، ولا يطول العَرْض، وألا يتعرَّض لأهوال القيامة، فكلما قدَّم من عمل، خفَّ عليه الحسابُ، وعن الزهري قال: تَصدَّق عبدالرحمن بن عوف بشطر ماله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف، ثم تَصدَّق بأربعين ألفًا، ثم تَصدَّق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة"[27]، وقد أردنا من الاستشهاد بحال عبدالرحمن بن عوف أن نُظهِر كيف أنه سعى لجمع المال، واجتهد في التجارة حتى جمَع منه مالاً كثيرًا ليُنفِقه في سبيل الله تعالى، فكان سعيه في الدنيا مطيَّة للآخرة؛ فالانشغال بالآخرة ليس معناه ترْك العمل والكسب، وإنما معناه السعي للكسب، لا لأجل تحصيل متعة زائدة في الدنيا، وإنما لأجل شراء الدار الآخرة .



قوله - سبحانه -: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾:

فيه تأكيد على أن المسلم والكافر سواء في السؤال عن نعيم الدنيا، وما إذا كان قد أخذه بحق أم بغير حق، وإن كان بحق، فهل أخذ من هذا النعيم قدْر حاجته أم بأزيد مما يُشبِع حاجتَه؛ فعن أبي هريرة قال :خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: ((ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟))، قالا: الجوع يا رسول الله، قال: ((وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا))، فقاموا معه فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأةُ قالت: مرحبًا وأهلاً، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أين فلان؟))، قالت: ذهب يَستعذِب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافًا مني، قال: فانطلق فجاءهم بعِذْق فيه بُسْر وتمر ورُطَب، فقال: كُلوا من هذه، وأخذ المدية، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إياك والحلوب))، فذبح لهم، فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العِذْق وشربوا، فلما أن شبعوا ورَوُوا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: ((والذي نفسي بيده، لتُسألنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم)) [28].



ولو استقصى المولى - سبحانه وتعالى - مع العبد في الحساب لهلك؛ تقول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن نُوقِش الحساب عُذِّب))[29]، وذلك لطول الحساب هذا اليوم؛ يقول - سبحانه -: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 4]، فها هو ذا عبدالرحمن بن عوف الصحابي الجليل الذي أغناه اللهُ تعالى من المال والنعيم، فكان مِن أغنى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخفَّف من السؤال وطول الحساب، فيضع مالَه في سبيل الله تعالى، ويزهد في الدنيا، حتى قال عنه سعد بن الحسن التيمي: "كان عبدالرحمن بن عوف لا يُعرف من بين عبيده"؛ يعني من التواضع في الزي؛ فعن أبي أمامة قال: ذكر أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا عنده الدنيا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا تسمعون ألا تسمعون، إن البَذاذة من الإيمان، إن البَذاذة من الإيمان))[30]، قال الخطابي البذاذة: سوء الهيئة، والتجوز في الثياب، ونحوها، يقال: رجل باذ الهيئة، إذا كان رثَّ الهيئة واللباس[31].


[1] رواه مسلم (4: 2272) رقم (2956).

[2] رواه البخاري (4: 1898).

[3] رواه مسلم (2: 724) رقم (1047).

[4] رواه البخاري (5: 2365) رقم (6075).

[5] رواه مسلم (2: 725) رقم (1048).

[6] رواه مسلم (3: 1563) رقم (1977).

[7] رواه أبو داود في سننه (2: 237) رقم (3234)؛ صحَّحه الألباني.

[8] رواه مسلم (4: 2273) رقم (2958).

[9] رواه البخاري (6: 2445) رقم (6256).

[10] رواه أحمد في مسنده حديث رقم (301) (1: 43)؛ ورواه البيهقي في سننه الكبرى (10: 14) رقم (19522)، تعليق شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه ابن حبان في صحيحه (12: 268) رقم (5454).

[11] فيض القدير شرح الجامع الصغير (3: 268)، رقم (3364)، المؤلف: عبدالرؤوف المناوي، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى.

[12] رواه البخاري (4: 1890) رقم (4661).

[13] قال ابن عثيمين - رحمه الله -: ﴿ لترون ﴾ هذه الجملة مستقلَّة ليست جواب (لو)؛ ولهذا يجب على القارئ أن يَقِف عند قوله: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾ [التكاثر: 5]، ونحن نسمع كثيرًا من الأئمة يصلون فيقولون: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾، وهذا الوصل إما غفلة منهم ونسيان، وإما أنهم لم يتأمَّلوا الآية حقَّ التأمل، وإلا لو تأمَّلوها حقَّ التأمل، لوجدوا أن الوصل يُفسِد المعنى؛ لأنه إذا قال: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾، صار رؤية الجحيم مشروطة بعِلْمهم، وهذا ليس بصحيح؛ لذلك يجب التنبه والتنبيه لهذا، من سمع أحدًا يقرأ: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾ يُنبِّهه ويقول له: يا أخي، هذا الوصل يُوهِم فسادَ المعنى، فلا تَصِل وَقِف.

http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_17887.shtml

[14] رواه الترمذي (8: 288) رقم (2234)، صحَّحه الألباني: السلسلة الصحيحة (4: 299) رقم (1722).

[15] رواه مسلم (13: 487) رقم (5076).

[16] رواه البخاري (3: 287) رقم (764).

[17] قال الشيخ صالح آل شيخ: العذاب والنعيم في البرزخ يقعان على الرُّوح، ليس الروح فقط ولكن الروح والبدن تَبَع، بعكس الحياة الدنيا، الحياة الدنيا التنعم أو التعذب يكون على البدن، والرُّوح أيضًا تتنعَّم وتتعذَّب لكن بالتبع، وبعد الموت عكس حالة الحياة الدنيا هي على الروح والبدن تبع لها، وهذا هو ما قرَّره أئمة أهل الإسلام.

[18] رواه البخاري (1: 365) رقم (211).

[19] هذا القول لم تثبُت صحته منسوبًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان علماء العقيدة قد ضمنوه في اعتقاد أهل السنة والجماعة للأدلة الأخرى.

[20] الشيخ صالح آل شيخ: إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل (33: 4).

[21] رواه الحاكم في المستدرك (3: 481) رقم (5798)، واللفظ له، وصحَّحه الألباني: صحيح الترغيب والترهيب (2: 52) رقم (1312)، ورواه مسلم (9: 500) رقم (3520).

[22] رواه الطبراني في المعجم الكبير (3: 266) رقم (3368)، واللفظ له، ورواه ابن أبي شيبة (11: 43) رقم (31064).

قال الشيخ مقبل الوادعي: هو حديث ضعيف، لا يَثبت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - والظاهر أنه جاء من طرق مرسلة، وقد تكلم الشيخ الألباني حفظه الله تعالى في تحقيق كتاب (الإيمان، والظاهر أنه أرجأ الحكم عليه إلى أن يستكمل البحث وينظر، وأنا: الذي يظهر لي أنه حديثٌ ضعيف، لا يثبُتُ عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

http://www.muqbel.net/fatwa.php?fatwa_id=3620

[23] رواه الترمذي (10: 435) رقم (3084)، وصحَّحه الألباني: صحيح الترمذي (3: 76) رقم (2527)، صحيح الترغيب والترهيب (3: 236) رقم (3630).

[24] رواه مسلم (12: 294) رقم (4552).

[25] رواه الحاكم في المستدرك (2: 407) (ص: 3423)، وقال على شرط الشيخين ولم يُخرِجاه، وقال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.

[26] رواه البخاري (5: 2402)، رقم (6200).

[27] رواه الطبراني في المعجم الكبير (1: 129 رقم 265 - مرسل ورجاله ثقات.

[28] رواه مسلم (3 ص 1609)، رقم 2038.

[29] رواه البخاري (5 - 2394)، رقم 6171.

[30] رواه أبو داود (2) ص 474، رقم 4161، وصححه الألباني.

[31] عون المعبود حديث رقم: 4161.

s,vm hgj;hev










عرض البوم صور طويلب علم مبتدئ   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018