22 / 05 / 2018, 35 : 07 PM | المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ملتقى ماسي | البيانات | التسجيل: | 21 / 01 / 2008 | العضوية: | 19 | المشاركات: | 30,241 [+] | بمعدل : | 4.91 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 0 | نقاط التقييم: | 295 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى : الملتقى العام الرضا طُبِعت الدنيا على الأكدار والمشاقِّ، والمِحن والأنكار، والعوارض والأهوال، والمرء مُتقلِّب في زمانه بين هذا وذاك مِحنةً وألَمًا، ثم منحةً ونِعَمًا، والسعيد من خلَّص نفسه من كل هذه الشواغل، وواصل تقدُّمَه الرُّوحي الفذَّ، ورضِي بالله عن قدره فيه، وإنعامه عليه، وصلته به، رضا تسليم واقتناعٍ، لا رضا قهر وغلب، رضا يُدرك الحكمة من وراء الأحداث ببصيرته النافذة عبر الغيب القصي، والمجهول البعيد، رضا يَغمُر النفس هدوءًا وطُمأنينةً، وفرحًا خالصًا عميقًا، رضًا يُهدِّئ القلب المؤمنَ عند فواتِ الكسب، فلا تذهب نفسُه حسراتٍ، ويَهَبُه الثبات عند مواجهة الأزمات، فلا يندم على ما فاته مِن مُتَع الحياة، إنه مستراح العابدين، ونعيم العارفين، وحياة المشتاقين، رضًا عن الله دون تَشَكٍّ أو سخطٍ، أو تبرُّمٍ أو ضجرٍ، أو شقٍّ للجيوب، أو لطمٍ للخدود، أو نياحةٍ على ميِّتٍ، أو دعاءٍ بدعوى الجاهلية. عوِّد نفسَك الرضا يَهُنْ عليك ما قدَّر وقضى، فهو لعَمري طريق أهل التقوى، وسبيل العز والهُدى. ارضَ به إذا حباك، وإذا عافاك وإذا ابتلاك، وإذا أعدَمك وإذا أغناك، وإذا منعك، وإذا أعطاك، واشكُره على ما قسَمه لك، واحْمَده على ما أولاك. ارضَ بمحمد نبيًّا، تَفديه جسمًا ورُوحًا، وتقبَّل كلَّ ما شرَع الله على لسانه، غير مبتدعٍ في دينه، ارضَ بقضاء الله وقدره، فلا تَجزَعْ عند مصيبة، ولا تَهلَع عند نازلة، موقنًا أن ما قدره الله لك خيرٌ مما تُدبِّره لنفسك. ألا ما أكذب الذين يقولون: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، ثم يُحكِّمون القوانين والنظم الغربية في المجتمعات الإسلامية. ينقلون عادات أهل الكفر وأباطيلهم متناسين قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 96]. إن قضاء الله نافذٌ لا مَحالةَ على القابل والرافض، ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الزخرف: 32]، فإما أجرٌ، وإما وِزْرٌ، فلا رادَّ لقضائه ولا مُعقِّب لحكمه، فلا تكُن كمَن يعبُد الله على حَرْفٍ؛ فلا تعارض اختياره بكُرهٍ، ولا تعترض قضاءَه برفضٍ، ولا تصادم تقديره بصدٍّ؛ تسليمًا بحكمته، وثقةً بوعده، وتصديقًا بشرعه، وركونًا للُطْفه، واطمئنانًا لرحمته. لا تفكِّر في المفقود؛ كيلا تَجْحَدَ الموجود، وارْضَ بالقليل من الرزق، يُرضَ منك بالقليل من العمل. اشكُره حين تَضيق بك الدنيا، وقُلْ له: لئن ابتَليتَ فلطالما عافيتَ، ولئن أخذتَ لطالما أبقيتَ، ولئن مَنَعْتَ لطالما أعْطَيْتَ، انظر لمن هو دونك؛ لتَعرِفَ نِعَمَ الله عليك وأياديه عندك، وترضى بما قسَم، وتَحمَده على ما أنعَم. إن الصيام فرصةٌ عظيمةٌ لتنمية هذه المهارة الإيمانية؛ فهو يُدرِّب الإنسان، ويُنمِّي قُدرته على التحكُّم في ذاته، فيُخضِع الدنيا لسيطرة إرادته وقوة إيمانه، ويكون متحكِّمًا في غرائزه، مُستعليًا على شهواته، فيملأ القلب سكينةً وهدوءًا وخشوعًا؛ مشاعر رُوحية تنعكس لا شك على الحالة النفسية، ورضًا يسري في أوصال الحياة، فيُبدِّد ظلمات القلوب. إن الشدة والكرب لا ينالان من عظمة الرُّوح شيئًا حين تجد إيمانها، وتعتصم بباريها، وتتشبَّث بحقِّها في الحياة، وإن رضا القلب وسمو النفس وعِزَّتها، لا يُباعان بملء الأرض ذهبًا ولا بملئها عذابًا. وإن الرضا ليس معناه أن يُؤثِر الإنسان السلامة الذليلة، والراحة البليدة؛ متفرِّغًا من دوافع التطلُّع والتجربة والمعرفة، ومحتجبًا عن مزاولة النشاط الحركي المنفتح الوثَّاب، فهذا لعَمري سقوطٌ للهِمَّة وانحناءٌ للهامة، بل الرضا هو الاطمئنان لحكمة الله وقدره، ومُحرِّك في الوقت ذاته للجدِّ والعمل، والتأثير والتأثُّر في واقع الحياة وخطِّ المصير.
hgvqh
|
| |