30 / 11 / 2008, 04 : 07 PM | المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | موقوف | البيانات | التسجيل: | 24 / 12 / 2007 | العضوية: | 11 | العمر: | 41 | المشاركات: | 0 [+] | بمعدل : | 0 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 0 | نقاط التقييم: | 40 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى : الملتقى العام بسم الله الرحمن الرحيم عـصـمـةُ الأئـمـةِ بين أهـلِ الـسـنـةِ والـشـيـعـةِ بقلم : أحمد بن عبد الرحمن الصويان مـجـلـة الـبـيـان - الـعـدد 93 - جـمـاد الأولـى 1416 هـ من الكتب الجليلة التي ألفها شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) : (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية) ، ردّ فيه على كتاب : (منهاج الكرامة في إثبات الإمامة) لابن المُطَهّر الحلي الرافضي ، وقد طبع أخيراً بعناية الدكتور محمد رشاد سالم (رحمه الله) [*] ، وتأتي أهمية هذا السفر الجليل لعدة أسباب ، أذكر منها : 1- أنّ الشيعة من أقدم الفرق ظهوراً في التاريخ الإسلامي ، ومن أكثرها انتشاراً في العصر الحاضر . 2- أن ابن تيمية اهـتم بالردّ عليهم معتمداً على النقل الدقيق من أكثر كتبهم رواجاً وانتشاراً في عصره . 3- أن ابن المطهر الحلي الذي ردّ عليه ابن تيمية كان يُعدّ عند الإمامية أفضلهم في زمانه ، بل يقول بعضهم : ليس في بلاد المشرق أفضل منه في جنس العلوم مطلقاً [1] . 4- يُعدّ كتاب (منهاج السنة النبوية) من أوسع كتب أهل السنة وأجمعها في الرد على الشيعة الإمامية خاصة ، وقد استوعب ابن تيمية فيه الرد على كثير من شبهاتهم وافتراءاتهم التي كانوا وما زالوا يرددونها ، ويكتبون فيها الرسائل والمدونات . 5- وحيث إن مذهب الإمامية قد جمع عظائم البدع المنكرة فإنّهم جهمية في الصفات ، قدرية على مذهب المعتزلة ، رافضة في الصحابة [2] فإن ابن تيمية استطرد استطرادات نفيسة للرد على الجهمية والمعتزلة والفلاسفة .. وغيرهم من طوائف المبتدعة ورؤوس الضلال . وقد ناقش ابن تيمية في هذا الكتاب مسائل متعددة أثارها ابن المطهر في أبواب مختلفة ، ولعلّ من أهم هذه المسائل وأجمعها : أولاً : منزلة الصحابة (رضي الله عنهم أجمعين) ، ومواقفهم بعد وفاة النبي ، والرد على المطاعن والأكاذيب التي ذكرها ابن المطهر . ثانياً : الإمامة والعصمة . ثالثاً : منهج أهل السنة في الصفات والقدر ، ومقارنته بمنهج الرافضة وأشياخهم المعتزلة ، والرد على أكاذيبهم ومخازيهم . وسوف أقتصر في هذه المقالة على مقارنة مختصرة بين منهجي أهل السنة والرافضة في عصمة الأئمة من خلال هذا السفر الجليل . عصمة الأئمة عند الشيعة : لعل موضوع الإمامة هو الموضوع الرئيس الذي يدور حوله كتاب ابن المطهر : (منهاج الكرامة في إثبات الإمامة) ، ولذا : فإنه أبرز الموضوعات التي تكلم عنها فيما بعد شيخ الإسلام ابن تيمية في : (منهاج السنة النبوية) ، وسوف أشير في هذا المبحث إلى منهج الرافضة في التلقي عن أئمتهم ، ثم أختمه ببيان منهج أهل السنة في العصمة . أقسام الأئمة الاثني عشر : ذكر ابن تيمية أن : (أصول الدين عند الإمامية أربعة : التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، فالإمامة هي آخرالمراتب ، والتوحيد والعدل والنبوة قبل ذلك) [3] . ويقسم ابن تيمية الأئمة الاثني عشر أربعة أقسام : القسم الأول : علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين (رضي الله عنهم) وهم صحابة أجلاء ، لا يُشَكّ في فضلهم وإمامتهم ، ولكن شَرِكَهُم في فضل الصحبة خلق كثير ، وفي الصحابة من هو أفضل منهم [4] بأدلة صحيحة عن النبي . القسم الثاني : علي بن الحسين ، ومحمد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق ، وموسى بن جعفر [5] ، وهؤلاء من العلماء الثقات المعتد بهم ، وقد أشار ابن تيمية في مواضع عديدة إلى تقديرهم ومحبتهم ، وجواز تقليدهم لمن عجز عن الاستدلال ، حالهم في ذلك كحال بقية علماء الأمة [6] . القسم الثالث : علي بن موسى الرضا ، ومحمد بن علي بن موسى الجواد ، وعلي بن محمد بن علي العسكري ، والحسن بن علي بن محمد العسكري . وقد أثنى ابن تيمية على الأئمة الثلاثة : علي بن الحسين ، وابنه أبي جعفر ، وجعفر بن محمد ، ثم قال : (وأما من بعد الثلاثة كالعسكريين ، فهؤلاء لم يظهر عليهم علمٌ تستفيده الأمة ، ولا كان لهم يدٌ تستعين بها الأمة ، بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين ، لهم حرمة ومكانة ، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم ، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين ، وأما ما يختص به أهـل العلم ، فهذا لم يُعرف عنهم ، ولهذا : لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة ، ولو وجدوا ما يُستفاد لأخذوا ، ولكن طالب العلم يعرف مقصوده) [7] . القسم الرابع : محمد بن الحسن العسكري المنتظر . وهذا من غرائب الشيعة ، حيث لم يُرَ له عينٌ ولا أثر ، ولا سُمع له حسّ ولا خبر . والشيعة يجعلون له مشاهد ينتظرونه عندها ، كمشهد سامراء [8] . ! أصول الشرعيات عند الرافضة وغلوهم في الأئمة : ذكر ابن تيمية في عدة مواضع : أن الرافضة الإمامية أصّلوا لهم أصولاً اعتمدوها في كلّ ما يُنقل عن أئمة البيت ، وهذه الأصول هي : الأصل الأول : أن هؤلاء الأئمة معصومون كعصمة النبي -صلى الله عليه وسلم- . الأصل الثاني : أن كل ما يقوله هؤلاء الأئمة منقولٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- . الأصل الثالث : أن إجماع العترة حجة ، ثم يدّعون أن العترة هم الاثنا عشر ، ويدعون أن ما يُنقل عن أحدهم فقد أجمعوا كلهم عليه [9] . قال ابن تيمية بعد أن ذكر هذه الأصول : (فهذه أصول الشرعيات عندهم ، وهي أصول فاسدة كما سنبين ذلك في موضعه ، لا يعتمدون على القرآن ولا على الحديث ولا على الإجماع ، إلا لكون المعصوم منهم ، ولا على القياس وإن كان واضحاً جليّاً) [10] . فالرافضة إذن بالغوا في أئمتهم ، وجعلوا : (الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين ، وأشرف مسائل المسلمين) [11] ، بل إنهم جعلوا الإمامة : (أحد أركان الإيمان) [12] . ومن غلوّ الرافضة في الأئمة : اعتقادهم أن (كل واحد من هؤلاء قد بلغ الغاية في الكمال) [13] . والرافضة : (تجعل الأئمة الاثني عشر أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وغلاتهم يقولون : إنهم أفضل من الأنبياء ، لأنهم يعتقدون فيهم الإلهية كما اعتقدتها النصارى في المسيح) [14] . (وكذلك الرافضة غلوا في الرسل ، بل في الأئمة ، حتى اتخذوهم أرباباً من دون الله ، فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل ، وكذّبوا الرسول فيما أخبر به من توبة الأنبياء واستغفارهم) [15] . ولهذا : فإن الغلو لا يوجد في (طائفة أكثر مما يوجد فيهم ، ومنهم من ادعى إلهية البشر ، وادعى النبوة في غير النبي -صلى الله عليه وسلم- وادعى العصمة في الأئمة ، ونحو ذلك مما هو أعظم مما يوجد في سائر الطوائف ) [16] . وتزعم الرافضة أن (كل ما أفتى به الواحد من هؤلاء فهو منقول عنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-) [17] . ثم ترتب على هذا الغلو أن (الرافضة تزعم أن الدين مُسَلّم إلى الأئمة ، فالحلال ما حللوه ، والحرام ما حرموه ، والدين ما شرعوه) [18] . وحقيقة قول الرافضة : أنهم (يُريدون أن يجعلوا ما قاله الواحد من هؤلاء هو قول الرسول الذي بعثه الله إلى جميع المؤمنين ، بمنزلة القرآن والمتواتر من السنة) [19] . ومن عجائب بعضهم : ترجيحهم للقول الذي لا يُعرف قائله ؛ لأنّ المنتظر المعصوم يقول به . فكان دينهم مبنيّاً على مجهول ومعدوم .. ! [20] انحراف الرافضة في الأئمة : مع ذلك الغلو والتعظيم الشديد للأئمة ، فإن الرافضة وقعوا في الأمور التالية : الأمر الأول : اختلافهم في تعيين الأئمة : اختلفت الرافضة في تعيين أولئك الأئمةاختلافاً متبايناً ، وكل فرقة من فرقهم تدعي أنها هي التي على الحق ، بدون حجة أو برهان [21] . الأمر الثاني : مخالفتهم لأئمتهم : مع أن الرافضة يغلون في الأئمة وتعظيمهم ، إلا أنهم لم يأخذوا بأقوالهم ، ولم يقتدوا بهم ؛ ولهذا قال ابن تيمية : (لا نُسلّم أن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت : لا الاثنا عشرية ولا غيرهم ، بل هم مخالفون لعلي (رضي الله عنه) وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنة والجماعة ... والنقل بذلك مستفيضٌ في كتب أهل العلم ، بحيث إن معرفة المنقول في هذا الباب عن أئمة أهل البيت يوجب علماً ضروريّاً بأن الرافضة مخالفون لهم لا موافقون لهم) [22] . الأمر الثالث : أن الرافضة لا يهتمون بتمييز المنقولات عن الأئمة ، ولا خبرة لهم بالأسانيد ومعرفة الثقات : قال ابن تيمية : (وعمدتهم في الشرعيات ما نُقل لهم عن بعض أهل البيت ، وذلك النقل منه ما هو صدق ، ومنه ما هو كذب عمداً أو خطأً وليسوا أهل معرفة بصحيح المنقول وضعيفه كأهل المعرفة بالحديث) [23] . الأمر الرابع : كذب الرافضة على أئمتهم : لم يقف الرافضة مع أئمتهم عند حد القصور في تمييز المنقولات عنهم ، بل تعدوه إلى الكذب والافتراء ؛ قال ابن تيمية : (الكذب على هؤلاء [يعني : الأئمة الاثني عشر] في الرافضة أعظم الأمور ، لا سيما على جعفر بن محمد الصادق ، فإنه ما كُذب على أحدٍ ما كُذب عليه ، حتى نسبوا إليه : كتاب الجَفْر والبطاقة ، والهفت . وفي الجملة : فمن جرّب الرافضة في كتابهم وخطابهم علم أنهم من أكذب خلق الله ، فكيف يثق القلب بنقلِ من كثر منهم الكذب قبل أن يعرف صدق الناقل ؟ ) [24] . الأمر الخامس : اتباع الرافضة لشيوخهم لا لأئمتهم : قال ابن تيمية : (إن الأئمة الذين يُدّعى فيهم العصمة قد ماتوا منذ سنين كثيرة ، والمنتظر له غائب أكثر من أربعمئة وخمسين سنة ، وعند آخرين هو معدوم لم يوجد ، والذين يُطاعون شيوخٌ من شيوخ الرافضة ، أو كتب صنفها بعض شيوخ الرافضة ، وذكروا أن ما فيها منقول عن أولئك المعصومين ، وهؤلاء الشيوخ المصنفون ليسوا معصومين بالاتفاق ، ولا مقطوعاً لهم بالنجاة . فإذن : الرافضة لا يتبعون إلا أئمة لا يقطعون بنجاتهم ولا سعادتهم ، فلم يكونوا قاطعين لا بنجاتهم ولا بنجاة أئمتهم الذين يُباشرونهم بالأمر والنهي ، وهم أئمتهم حقّاً ، وإنهم في انتسابهم إلى أولئك بمنزلة كثير من أتباع شيوخهم الذين ينتسبون إلى شيخ قد مات من مدة ، ولا يدرون بماذا أمر ، ولا عن ماذا نهى ، بل له أتباع يأكلون أموالهم بالباطل ويصدّون عن سبيل الله ، يأمرونهم بالغلو في ذلك الشيخ وفي خلفائه وأن يتخذوهم أرباباً) [25] . الأمر السادس : سخافة قول الرافضة في أئمتهم : مع أن الإمامة عند الرافضة من أهم مطالب الدين ، وأشرف مسائل المسلمين ، إلا أنهم : ( قد قالوا في الإمامة أسخف قول وأفسده في العقل والدين ) [26] . وقال ابن تيمية أيضاً : (ثم إنه لما علم اسم ذلك الإمام ونسبه يعني : المنتظر ، لم يظفر بشيء من مطلوبه ، ولا وصل إليه شيء من تعليمه وإرشاده ، ولا أمره ولا نهيه ، ولا حصل له من جهته منفعة ولا مصلحة أصلاً ، إلا إذهاب نفسه وماله ، وقطع الأسفار ، وطول الانتظار بالليل والنهار ، ومعاداة الجمهور لداخل في سرداب ، ليس له عمل ولا خطاب ، ولو كان موجوداً بيقين لما حصل به منفعة لهؤلاء المساكين ، فكيف وعقلاء الناس يعلمون أنه ليس معهم إلا الإفلاس ، وأن الحسن بن علي العسكري لم ينسل ولم يُعقب ، كما ذكر ذلك محمد بن جرير الطبري ، وعبد الباقي بن قانع ، وغيرهما من أهل العلم بالنسب ؟ ! .. ) [27] . الأمر السابع : شرك الرافضة في أئمتهم : من غلوّ الرافضة في الأئمة : أنهم حوّلوا حبهم لهم إلى شرك وعبادة لغير الله (تعالى) ، قال ابن تيمية : ( .. وكذلك الرافضة غلوا في الرسل ، بل في الأئمة ، حتى اتخذوهم أرباباً من دون الله ، فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل ، وكذّبوا الرسول فيما أخبر به من توبة الأنبياء واستغفارهم ، فتجدهم يُعطلون المساجد التي أمر الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه ، فلا يصلون فيها جمعة ولا جماعة ، وليس لها عندهم كبير حُرمة ، وإن صلوا فيها صلوا وحداناً ، ويُعظمون المشاهد المبنية على القبور ، فيعكفون عليها مشابهة للمشركين ، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق ، ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة ، وقد ثبت في الصحاح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما فعلوا) .. ) [28] . (وقد صنف شيخهم ابن النعمان ، المعروف عندهم بالمفيد وهو شيخ الموسوي والطوسي كتاباً سماه : (مناسك المشاهد) ، جعل قبور المخلوقين تُحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قياماً للناس ، وهو أول بيت وضع للناس فلا يُطاف إلا به ، ولا يُصلى إلا إليه ، ولم يأمر الله إلا بحجه . وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد ، ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين ، بل هذا من دين المشركين) [29] . منهج أهل السنة في العصمة : بعد هذا العرض لمنهج الرافضة في التلقي عن أئمتهم وأشياخهم ، أنتقل إلى عرض منهج أهل السنة في هذا الباب : أولاً : الطاعة المطلقة لا تكون لمخلوق إلا للرسل (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) : قال ابن تيمية : ( والرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المبلغ عن الله أمره ونهيه ، فلا يُطاع مخلوق طاعة مطلقة إلا هو ، فإذا جعل الإمام والشيخ كأنه إله يُدعى مع مغيبه وبعد موته ، ويستغاث به ، ويطلب منه الحوائج والطاعة إنما هي لشخص حاضر يأمر بما يُريد وينهى عما يُريد كان الميت مُشبّهاً بالله (تعالى) والحي مشبّها برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فيخرجون عن حقيقة الإسلام الذي أصله شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله) [30] . وقال أيضاً : (المعصوم تجب طاعته مطلقاً بلا قيد ، ومخالفه يستحق الوعيد ، والقرآن إنما أثبت هذا في حق الرسول خاصة ؛ قال (تعالى) : ] وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [ [الجن : 23] ، فدل القرآن في غير موضع على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة ، ولم يشترط في ذلك طاعة معصوم آخر ، ومن عصى الرسول كان من أهل الوعيد ، وإن قُدّر أنه أطاع من ظن أنه معصوم ، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي فرق به بين أهل الجنة وأهل النار ، وبين الأبرار والفجار ، وبين الحق والباطل ، وبين الغي والرشد ، والهدى والضلال ، وجعله القسيم الذي قسم الله به عباده إلى شقي وسعيد ، فمن اتبعه فهو السعيد ، ومن خالفه فهو الشقي ، وليست هذه المرتبة لغيره . ولهذا اتفق أهـل العلم (أهل الكتاب والسنة) على أن كل شخص سوى الرسول فإنه يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر ، وطاعته في كل ما أمر ، فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، وهو الذي يسأل الناس عنه يوم القيامة ، كما قال (تعالى) : " فَلَنَسْئَلَنَّ الَذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ المُرْسَلِينَ " [الأعراف : 6] .. ) [31] . ثانياً : أهل السنة لا ينتصرون إلا لقول الرسول : قال ابن تيمية : (فليس الضلال والغي في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في الرافضة ، كما أن الهدى والرشاد والرحمة ليس في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه في أهل الحديث والسنة المحضة ، الذين لا ينتصرون إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فإنهم خاصته ، وهو إمامهم المطلق الذي لا يغضبون لقول غيره ، إلا إذا اتبع قوله ، ومقصودهم نصر الله ورسوله) [32] . ثالثاً : ليس أحدٌ من البشر واسطة بين الله وخلقه في الخلق والرزق : قال ابن تيمية : (ليس أحد من البشر واسطة بين الله وخلقه في رزقه وخلقه ، وهداه ونصره ، وإنما الرسل وسائط في تبليغ رسالاته ، لا سبيل لأحد إلى السعادة إلا بطاعة الرسل . وأما خلقه ورزقه ، وهداه ونصره ، فلا يقدرعليه إلا الله (تعالى) ، فهذا لا يتوقف على حياة الرسل وبقائهم ، بل ولا يتوقف نصر الخلق ورزقهم على وجود الرسل أصلاً ، بل قد يخلق الله ذلك بما شاء من الأسباب بواسطة الملائكة أو غيرهم ، وقد يكون لبعض البشر في ذلك من الأسباب ما هو معروف في البشر ، وأما كون ذلك لا يكون إلا بواسطة البشر ، أو أن أحداً من البشر يتولى ذلك كله ، ونحو ذلك ، فهذا كله باطل) [33] . رابعاً : الردّ عند التنازع لا يكون إلا لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم- : ذكر ابن تيمية قول الله (تعالى) : " يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاًوِيلاً " [النساء : 59] ، ثم قال : (فأمر الله المؤمنين عند التنازع بالرد إلى الله والرسول ، ولو كان للناس معصوم غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمرهم بالرد إليه ، فدل القرآن على أنه لا معصوم إلا الرسول -صلى الله عليه وسلم-) [34] . وقال في موضع آخر : (فلم يأمرنا بالرد عند التنازع إلا إلى الله والرسول ، فمن أثبت شخصاً معصوماً غير الرسول-صلى الله عليه وسلم- ، أوجب ردّ ما تنازعوا فيه إليه ، لأنه لا يقول عنده إلا الحق كالرسول-صلى الله عليه وسلم- ، وهذا خلاف القرآن) [35] . خامساً : مقالة أهل السنة في العصمة : ذكر ابن تيمية بأن أهل السنة : (متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله (تعالى) ، وهذا هو مقصود الرسالة ، فإن الرسول هو الذي يبلغ عن الله أمره ونهيه وخبره ، وهم معصومون في تبليغ الرسالة باتفاق المسلمين ، بحيث لا يجوز أن يستقرّ في ذلك شيء من الخطأ) [36] . ولهذا فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- : (معصومٌ في التبليغ بالاتفاق ، والعصمة المتفق عليها : أنه لا يُقر على خطأ في التبليغ بالإجماع) [37] . فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المعصوم : (الذي لا ريب في عصمته ، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور ، وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد ، الذي فرق بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والغي والرشاد ، والنور والظلمة ، وأهل السعادة وأهل الشقاوة .. ) [38] . من أجل ذلك فإن أهل الحديث : (جعلوا الرسول الذي بعثه الله إلى الخلق هو إمامهم المعصوم ، عنه يأخذون دينهم ، فالحلال ما حلله ، والحرام ما حرمه ، والدين ما شرعه ، وكل قول يخالف قوله فهو مردود عندهم وإن كان الذي قاله من خيار المسلمين وأعلمهم وهو مأجور فيه على اجتهاده ، لكنهم لا يُعارضون قول الله وقول رسوله بشيء أصلاً : لا نقل نُقل عن غيره ، ولا رأي رآه غيره . ومن سواه من أهل العلم فإنما هم وسائط في التبليغ عنه : إما للفظ حديثه ، وإما لمعناه ، فقوم بلغوا ما سمعوا منه من قرآن وحديث ، وقوم تفقهوا في ذلك وعرفوا معناه ، وما تنازعوا فيه ردوه إلى الله والرسول) [39] . سادساً : لا عصمة لأحدٍ بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- : قال ابن تيمية : (والقاعدة الكلية في هذا ألا نعتقد أن أحداً معصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- ، بل الخلفاء وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ) [40] . سابعاً : العصمة لمجموع الأمة : قال ابن تيمية : (والله (تعالى) قد ضمن العصمة للأمة ، فمن تمام العصمة أن يجعل عدداً من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في شيء كان الآخر قد أصاب فيه ، حتى لا يضيع الحق ، ولهذا : لما كان في قول بعضهم من الخطأ في مسائل ، كبعض المسائل التي أوردها ، كان الصواب في قول الآخر ، فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلاً) [41] . وقال أيضاً : ( .. فلهذا لم يجتمع قط أهل الحديث على خلاف قوله في كلمة واحدة ، والحق لا يخرج عنهم قط ، وكل ما اجتمعوا عليه فهو مما جاء به الرسول ، وكل من خالفهم من خارجي ورافضي ومعتزلي وجهمي وغيرهم من أهل البدع ، فإنما يُخالف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، بل من خالف مذاهبهم في الشرائع العملية كان مخالفاً للسنة الثابتة .. ) [42] . وقال أيضاً في بيان الواجب على المسلم : ( ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة ، فلا ينتصر لشخص انتصاراً مطلقاً عاماً ، إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، ولا لطائفة انتصاراً مطلقاً عاماً ، إلا للصحابة (رضي الله عنهم أجمعين) ؛ فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار ، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا ، فإذا أجمعوا لم يُجمعوا على خطأ قط ، بخلاف أصحاب عالم من العلماء ، فإنهم قد يجمعون على خطأ ، بل كل قولٍ قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ ، فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليس مُسلّماً إلى عالم واحدٍ وأصحابه ، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيراً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم .. ) [43] . ثامناً : طاعة الأئمة والولاة في المعروف لا في المعاصي : قال ابن تيمية : ( .. النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين ، الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس ، لا بطاعة معدوم ولا مجهول ، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً ، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاجتماع والائتلاف ، ونهى عن الفرقة والاختلاف ، ولم يأمر بطاعة الأئمة مطلقاً ، بل أمر بطاعتهم في طاعة الله دون معصيته ، وهذا يُبيّن أن الأئمة الذين أمر بطاعتهم في طاعة الله ليسوا معصومين .. ) [44] . وذكر أيضاً أن أهل السنة : (لا يوجبون طاعة الإمام في كل ما يأمر به ، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة ، فلا يُجوّزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً ، وإذا أمرهم بطاعة الله فأطاعوه مثل : أن يأمرهم بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصدق ، والعدل ، والحج ، والجهاد في سبيل الله فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله ، والكافر والفاسق إذا أمر بما هو طاعة لله لم تحرم طاعة الله ، ولا يسقط وجوبها لأجل أمر ذلك الفاسق بها ، كما أنه إذا تكلم بحق لم يَجُز تكذيبه ولا يسقط وجوب اتباع الحق لكونه قد قاله فاسق ، فأهل السنة لا يُطيعون ولاة الأمور مطلقاً ، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال (تعالى) : " أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ " [النساء : 59] فأمر بطاعة الله مطلقاً ، وأمر بطاعة الرسول لأنه لا يأمر إلا بطاعة الله : " مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ " [النساء : 80] ، وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك ، فقال : ] وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [ ، ولم يذكر لهم طاعة ثالثة ، لأن ولي الأمر لا يُطاع طاعة مطلقة ، إنما يُطاع في المعروف) [45] . ________________________ الهوامش : (*) طبع طبعة علمية محققة ، مراجعة على ثلاثة عشر مصدراً خطيّاً ، بالإضافة إلى مراجعته على طبعة بولاق ، وعلى كتاب (منهاج الكرامة) لابن المطهر ، المطبوع في إيران عام 1880م ، وظهرت هذه الطبعة في تسعة مجلدات كبار ، خصص التاسع منها للفهارس ، ونشرته جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض . (1) (4/127) و (5/461) . (2) انظر : (4/131) و (8/10) . (3) (1/99) وانظر : (3/484) . (4) انظر : (1/169) . (5) موسى بن جعفر قد يُلحق بالقسم الثالث . (6) انظر : (2/243 ، 244) . (7) (6/387) . (8) انظر : (1/113 ، 114) و (1/44-46) . (9) انظر : (1/69) و (5/164 ، 165) . (10) (1/69) . (11) (1/74) . (12) (1/106) . (13) (4/104) . (14) (1/481 ، 482) . (15) (1/474) . (16) (2/34) . (17) (2/462) و (5/164) . (18) (1/482) و (5/176) . (19) (5/165) . (20) انظر (1/89 ، 90) و (6/442) . (21) انظر : (3/369-484) و (4/17 ، 18) . (22) (4/16 ، 17) . (23) (1/69) . (24) (2/464-467) وانظر : (4/54، 55) . (25) (3/488 ، 489) . (26) (1/100) . (27) (1/121 ، 122) . (28) أخرجه : البخاري (1/91) (2/88 و102 ، 103) ، ومسلم (1/ 376 ، 377) . (29) (1/474-476) . (30) (3/490) . (31) (6/190 ، 191) ، وانظر : (4/182) . (32) (6/368) . (33) (1/97) . (34) (3/381) . (35) (6/190) . (36) (1/470 ، 471) ، وانظر : (2/396) . (37) (2/410) . (38) (6/417) ، وانظر : (6/384) . (39) (5/165 ، 166) . (40) (6/196) ، وانظر : (4/310) . (41) (3/408 ، 409) . (42) (5/166 ، 167) . (43) (5/262) ، وانظر : (6/409 و461) . (44) (1/115 ، 116) . (45) (3/387) ، وانظر : (1/82 و84 ، 85) .
uJwJlJmE hgHzJlJmA fdk HiJgA hgJsJkJmA ,hgJaJdJuJmA
|
| |