الإهداءات | |
ملتقى السيرة النبويه ملتقى خاص بسيرته ... سنته ... آل بيته ... أصحابه ... نصرته والدفاع عنه . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | دكتور محمد فخر الدين الرمادي | مشاركات | 426 | المشاهدات | 116376 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
02 / 01 / 2021, 42 : 02 PM | المشاركة رقم: 351 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه [ ٧٥ ]: 《 حجر يثبت نبوته فما بال البشر 》! مِنْ 《 شَوَاهِدِ نُبُوَّتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَبَرَكَتِهِ 》 [(249)].: ما زلتُ مع حضراتكم اتكلم عن بدايات البعثة المحمدية وارهاصاتها ومقدمات الرسالة النبوية زمن العهد المكي؛ وهي المرحلة الأولى من مراحل الدعوة المحمدية ونقطة البداية في نشر الرسالة الإسلامية في بحثٍ عن : 《 آيَاتِ إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ》[(250)]. .. وهذا البحثُ مقدمةٌ بالغةُ الأهمية في إثبات نبوته وتحقيق رسالته فيترتب علىٰ ذلك تصديق ببعثته ثم إتباع ما جاء به وحياً من عند ربه -تعالى ذكره- أضيفها -ولي الشرف والفخر- لما سبق من بحوثٍ أثبتُ -بعون الله -تعالى ذكره- وسداده وفضله وتوفيقه- بها صدق أخباره وصحة أقواله؛ وأن القرآن الكريم؛ الذكر الحكيم مِن عند الذي أرسله-سبحانه وتعالى- وأن سُنته الطاهرة العطرة وحي من عند رافع السموات بغير عمد نراها وأنهما -آيات الذكر الحكيم والسنة النبوية العطرة- تنسبا إنزالاً إلىٰ علام الغيوب جاءه الوحي مِن ربه-تعالى في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه- بها {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} {عَلَّمَهُ شَدِيدُالْقُوَى }[(251)]. و لقوله[ﷺ] :"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ﴿„ إنِّي قَدْ 《 خَلَّفْتُ 》 فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا 《 كِتَابَ اللَّهِ؛ وَ سُنَّتِي 》، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّىٰ يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾ فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَيَرُدُّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ." [(252)]. و جاء في خُطْبَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلفظةٍ آخرىٰ فِي حديث حَجَّةِ الْوَدَاعِ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وجاء مِن بين بنودها أنه قَالَ ﴿„ ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ 《تَرَكْتُ 》 فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا 《 كِتَابَ اللَّهِ ؛ وَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ 》‟﴾ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [(253)]،وَ برواية آخرىٰ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ﴿„ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّىٰ يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾[(254)]. ولا نغفل أن رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- جاءت بلفظ:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ-﴿„ إِنِّي خَلَّفْتُ فِيكُمُ اثْنَيْنِ لَنْتَضِلُّوا بَعْدَهُمَا أَبَدًا : كِتَابَ اللَّهِ وَ 《 نَسَبِي 》 ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾ [(255)]. و تأتي إضافةٌ أثبتها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-﴿„ إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا ، 《مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا 《 كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّتِي ، وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾.[(256)]. و خلاصةُ هذا الجزء مِن البحث أنه يجب الأخذ بكتاب الله -تعالى ذكره- والأخذ بسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهما علىٰ درجة واحدة مِن حيث الاعتماد عليهما؛ وبحوث إثباتات النبوة وتأكيد الرسالة تبدء -أصلاً- بإثبات الآلوهية؛ فتحقيق الربوبية -في عقولنا وافهامنا ومداركنا-؛ فتفعيل الحاكمية -في تصرفاتنا وأعمالنا وسلوكنا وأقوالنا-؛ ومن ثم إثبات أنه -سبحانه وتعالى- أرسل الرسل جميعاً - عليهم مِن الله تعالى السلام الرحمة والبركة- بشراً مبلغين وهاديين ومنذرين، وهذا مِن مبادئ الإسلام؛ بمعنىٰ الإيمان برُسِلِه وكتبه ؛ ومَن يراجع معي تلكم البحوث -والتي نشرت علىٰ موقع أهل العلم؛ يجد أنني بدأتُ في الحديث عنها -إثباتات النبوة وتأكيد الرسالة- منذ : - عهد آدم أبي البشر -عليه السلام- و - عززت ذلك بدعوة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل وأبنه الذبيح إسماعيل ابن هاجر القبطية -المصرية- وما - أثبته من قول كليم الله موسى بن عمران و - بشرى المعجزة المسيح عيسى ابن مريم العذراء الزهراء البتول -سلام الله تعالى عليهم وصلواته وبركاته أجمعين-. -**- وانتقل مِن اقوال السادة الأنبياء الكبار-صلوات الله تعالى وسلامه وبركاته عليهم أجمعين- إلىٰ باب مِن مجلد جديد؛ سأكمله بمشيئته تحت عنوان عريض «معجزات النبي المختار» فــ: " عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ [(257)] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-《 إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ 》.[(258)]. وهناك زيادة مِن سنن الترمذي؛ باب المناقب أثبتها : 《 كَانَ [بِمَكَّةَ حَجَرًا] يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ 》 . [(259)] و بيان[(260)] الحديث : جاء في بعض الروايات أن هذا الحَجر هو الحَجرالأسود: و قيل غيره، وأنه هو الذي في زقاق بمكة يعرف بزقاق الحجر: أي ولعله غير الحجر الذي به أثر المرفق، فقد ذُكر أنه اتكأ عليه بمرفقه، وهو الذي يقال له زقاق المرفق وغير الحجر الذي به أثر الأصابع[(261)]؛ و الشيخ / علي القاري-رحمه الله تعالى- [[[المُلَّا علي القاري الهروي (ت. 1014هـ - 1606م؛ غير معروف سنة الميلاد!)]]] قد حدد موضعه وإمام أي باب من أبواب الكعبة! و:" الْمَعْنَى يَلْتَئِمُ مَعَ خَبَرِ عَائِشَةَ ﴿„ لَمَّا اسْتَقْبَلَنِي جِبْرِيلُ بِالرِّسَالَةِ؛ جَعَلْتُ لَا أَمُرُّ بِــ《 حَجَرٍ》 وَلَا 《مَدَرٍ 》 وَلَا 《شَجَرٍ》 إِلَّا سَلَّمَ عَلَيَّ ‟﴾ [(262)]. فــ:" قَوْلُهُ : 《 كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ 》 أَيْ : يَقُولُ :« السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ »؛ كَمَا فِي رِوَايَةٍ « لَيَالِيَ بُعِثْتُ »، وَ لَفْظُ مُسْلِمٍ 《 إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ 》[(263)]. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَ هنا اتطرق إلىٰ أمر آخر ففِي هَذَا إِثْبَاتُ التَّمْيِيزِ فِي بعْضِ الْجَمَادَاتِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ }[(264)]. وَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[(265)]. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ؛ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَبِّحُ حَقِيقَةً وَيَجْعَلُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسْبِهِ. قال ابن إسحاق : حدثني عبدالملك بن عبيدالله[(266)] بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي - وكان واعية[(267)]- عن بعض أهل العلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أراد الله كرامته وابتدأه بالنبوة، « كان إذا خرج لحاجة -أي لقضاء حاجة الإنسان- أبعد حتىٰ تحسر عنه البيوت[(268)] -حتىٰ لا يرى ببناء- ويفضي إلىٰ شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: «السلام عليك يا رسول الله » [(269)]. وكان « يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرىٰ أحدا » [(270)]. .. فلا يرىٰ إلا الشجر والحجارة. فمكث [ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-] كذلك يرىٰ ويسمع، ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل -عليه السلام- بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في [شهر ] رمضان[(271)]. قال صاحب نور اليقين :" ليس في ذلك كبير إشكال فقد سخّر الله الجمادات للأنبياء قبله، فــ - عصا موسى التقمت ما صنع سَحَرَة فرعون بعد أن تحوّلت حيّة تسعىٰ ثم رجعت كما كانت، ولما : - ضرب بها الحجر نبع منه الماء اثنتي عشرة عيناً لكل سبط مِن أسباط بني إسرائيل عين. وكذلك: - غيره مِن الأنبياء سخّر الله لهم ما شاء مِن أنواع الجمادات لتدلّ العقلاء علىٰ عظيم قدرهم وخَطَارة شأنهم. [(272)]. قلت(الرمادي) : وبمراجعة سيرته العطره [إن صح الخبر] في بدايات عمره: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَىٰ الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ.. قَالَ : فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ حَتَّىٰ جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ :« هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ؛ هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ »؛ فَــ قَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ :"مَا عِلْمُكَ !". وهنا الشاهد مِن سرد هذه الرواية كما ذكرها ابن تيمية في كتابه الجواب الصحيح : فَقَالَ : « إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ ﴿„ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ ‟﴾ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا ؛ وَلَا يَسْجُدْنَ إِلَّا لِنَبِيٍّ وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ »[(273)]. وقريب مِن هذا ما رواه جَابِرٌ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِحَجَرٍ ، وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَجَدَ لَهُ. [(274)]. وإلى ذلك يشير مَن قال: لم يبق من حجر صلب ولا شجر * إلا وسلم بل هناه ما وهبا والجمادات أفصحت بالذي أخـ * ـرس عنه لأحمد الفصحاء وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ، قَالَ :قَالَ » كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا[(275)] فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ » [(276)] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ ، قَدْ خَضَّبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِالدِّمَاءِ ، قَالَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : خَضَبَنِي هَؤُلَاءِ بِالدِّمَاءِ وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا ، قَالَ : تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ . فَــ دَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ،فَجَاءَتْ تَخُطُّ الْأَرْضَ حَتَّىٰ قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، قَالَ : مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ إِلَىٰ مَكَانِهَا . قَالَ : ارْجِعِي إِلَىٰ مَكَانِكِ فَرَجَعَتْ، فَـــ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : حَسْبِي" [(277)]. -*******- يقول صاحب الحلبية[(278)] : وإلىٰ تسليم الحجر قبل البعثة يشير السبكي في تائيته بقوله: وما جزت بالأحجار إلا وسلمت * عليك بنطق شاهد قبل بعثة وأما في حديث عائشة فقد قالت: قال رسول الله: « لما أوحي إليّ جعلت لا أمرّ بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله » و ما ذكره بعضهم أن الجن قالوا له بمكة: مَن يشهد أنك رسول الله؟ قال تلك الشجرة، ثم قال لها مَن أنا؟ فــ قالت: رسول الله ».. فليس من المترجم له. [(279)] وفي الخصائص الصغرىٰ: وخُصَّ بتسليم الحجر، وبكلام الشجر، وبشهادتهما له بالنبوة، وإجابتهما دعوته. [(280)]. وفي كلام السهيلي[(281)].: يحتمل أن يكون نطق الحجر والشجر كلاما مقرونا بحياة وعلم. ويحتمل أن يكون صوتا مجردا غير مقترن بحياة وعلم. وعلىٰ كلٍ هو علم من أعلام النبوة. وفي كلام الشيخ محيي الدين بن العربي: أكثر العقلاء، بل كلهم يقولون عن الجمادات لا تعقل، فوقفوا عند بصرهم. والأمر عندنا ليس كذلك؟ فإذا جاءهم عن نبيّ أو وليّ أن حجرا كلمه مثلا يقولون خلق الله فيه العلم والحياة في ذلك الوقت. والأمر عندنا ليس كذلك بل سر الحياة سار في جميع العالم[(282)]. وقد ورد « أن كل شيء سمع صوت المؤذن من رطب ويابس يشهد له، ولا يشهد إلا من علم وأطال في ذلك » وقال قد أخذ الله بأبصار الإنس والجن عن إدراك حياة الجماد إلا من شاء الله كنحن وأضرابنا ، فإنا لا نحتاج إلىٰ دليل في ذلك ، لكون الحق -تعالىٰ- قد كشف لنا عن حياتها عينا وأسمعنا تسبيحها ونطقها، وكذلك : - اندكاك الجبل لما وقع التجلي إنما كان ذلك منه لمعرفته بعظمة الله -عز وجل-، ولولا ما عنده من العظمة لما تدكدك، والله أعلم. [(283)]. وعند البخاري حديث عن ابي هريرة:"فَقَالَ [رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-] بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَــ قَالَتْ :" إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ ". وفي نفس الرواية يكمل :" رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّىٰ كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ ... فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ :" هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ .. يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي ". وينهي النبي الروايتين بقوله:" فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا". [(284)]. و " رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- : كَانَ عَلَىٰ شَطِّ مَاءٍ ، وَمَعَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، فَقَالَ :" لَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَادْعُ ذَلِكَ الْحَجَرَ الَّذِي هُوَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِفَلْيَسْبَحْ وَلَا يَغْرَقْ " ، فَأَشَارَ الرَّسُولُ إِلَيْهِ ، فَانْقَلَعَ الْحَجَرُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ مَكَانِهِ ، وَسَبَحَ حَتَّىٰ صَارَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-،وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَشَهِدَ لَهُ بِالرِّسَالَةِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " يَكْفِيكَ هَذَا ؟ ".. قَالَ : " حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهِ "، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ، فَرَجَعَ إِلَىٰ مَكَانِهِ ".[(285)]. و قال القسطلانى:" ولم أره لغيره [قصد فخرالدين الرازي في تفسيره] والله أعلم بحاله".[(285)]. (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بحوث السيرة النبوية العطرة -على ٰصاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليمات وكامل البركات-؛ العهد المكي؛ أحداث ما قبل البعثة المحمدية. نال شرف قراءة ومراجعة وكتابة هذاالفصل :" ﴿ „ سلام الحجر والشجر والمدر والجبل عليه قبل مبعثه ﴾ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ] . د. محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي السبت: ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٢ هـ ~ ٢يناير ٢٠٢١م -*-*-*-* | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
06 / 01 / 2021, 23 : 04 PM | المشاركة رقم: 352 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه اراد الله -تعالىٰ- ابتعاث آخر رسالات السماء لأهل الأرض جميعاً؛ بعد أن وصل حالهم لما وصلوا إليه رحمةً منه بهم، واراد -تعالىٰ ذكره وجل قدره- إرسال متمم رسله وخاتم أنبيائه -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- للثقلين الجن والإنس[(286)]، فاختار أفضل بقعة علىٰ وجه الأرض؛ واطهر موضع بجوار بيته العتيق الحرام، واختار أفضل قلب واطهره؛ وانبه عقل وازكاه؛ فاصطفىٰ مِن خلقه أحمدا؛ واجتبىٰ مِن ولد آدم محمدا وارتضاه للعالمين المصطفىٰ فأنزل أمين السماء جبرائيل -عليه السلام- علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد -صلى الله عليه وآله وسلم بخمس آيات ؛ الأول من سورة العلق؛ تحوي تكليفين: - الأول: قراءة وتدبر كتابه الكريم المحفوظ في الصدور؛ الذكر الحكيم والفرقان المبين .. فيترتب علىٰ القراءة والتدبر سلوك يوافق الكتاب ومبني علىٰ سنته العطرة؛ فإنما بُعث- عليه السلام- رحمةً للعالمين : 》 اقرأ باسم ربك الذي خلق 《 ، و - الثاني: قراءة فهمية وتدبر عقلي للكتاب -خلق الحياة والكون والإنسان- الذي في الكون منشور له -عليه السلام- ولمن سيؤمن به ويهتدي بسنته ويسير علىٰ طريقه ويلتزم منهجه، فيترتب علىٰ القراءة الفهمية للكتاب المنشور في الكون علماً يفيد البشرية جمعاء؛ فيأتي القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين بمفردة من مفردات الخلق وآحدىٰ آيات الإيجاد من عدم والتنشأة من لا شئ والتكوين بقوله تعالى : 》 كن فيكون 《 وصورة من صور تنشأة الكون والحياة ألا وهي الإنسان : 》 خلق الإنسان من علق 《، إذ سبحانه وتعالىٰ اختار زمان البعثة (مِن السنة الميلادية: 671) الخاتمة؛ ومكان الرسالة (نقطة الإبتداء: مكة المكرمة / ومِن ثمَّ نقطة الارتكاز: المدينة المنورة) المتممة واختار -سبحانه- أكرمَ إنسان لدعوته وأفضلهم رتبة لعرض رسالته؛ فهو -تعالى- خالق الزمان وموجد المكان ومحي الإنسان؛ وهذه اللحظة الانبعاثية لرسالة السماء -الجديدة- الخاتمة ولحظة نزول الوحي الآلهي -حدثت- في أعلىٰ منطقة تطل علىٰ كعبة الرحمن بيته المعظم فوق جبل النور بغار حراء كأنها إطلالة علوية آخرىٰ مِن علو الرسالة وعلو المبشر بها تجاور إطلالة مَلك الملآئكة -علو جبرائيل- فمنذ تلك اللحظة سينطلق بعدها نور الهداية الإسلامية وشعاع الوحدانية الربانية ليعم نور التوحيد الكون كله وشعاع تطبيق أحكام القرآن العملية وأحكام الحديث الحياتية التفصيلية كافة المعمورة بأكملها؛ فليست خصوصية المكان -مكة المكرمة- ستوقف الدعوة في مهدها؛ إذ أن الهداية لمَن علىٰ الأرض وسكانها؛ كما وأن خصوصية مَن نزل فيهم بدءاً لن تخصهم فقط؛ وإن كانوا يملكون زمام لغة الوحي المنزل من السماء -اللغة العربية الفصحى وليست اللهجات المحلية أو العامية- وإن كان اللفيف الأول من زوجةٍ عاقلة يجاورها رجل -من عائلتها- متخصص في علم الأديان، وابن عم لصاحب الرسالة تربىٰ علىٰ عين بصيرة في بيته منذ صباه، وصديق طريق... كانوا ومازالوا أشعة ضوئية في سيرتهم العطرة لمن سيجئ من بعدهم، وغيرهم -رضوان الله تعالىٰ ورضاه عليهم جميعا- كثير، بل ستتعداهم، وعليك أن تنظر بعد ذلك لهؤلاء السادة العلماء الكبار؛ علماء أمة الإسلام تجدهم مِن كل حدب اتوا وصوب جاءوا؛ فهذا الحبشي وهذا الفارسي وهذا الرومي وهذا الأعجمي وهذا البخاري وهذا النيسابوري وهذا القرطبي وهذا الأندلسي وهذا المِصري وهذا التونسي وهذا المغربي وهذا الموريتاني وهذا النمساوي وهذا الألماني وهذا الأمريكي، وضعوا بصمة ناصعة البياض في طريق فهم وتبليغ الإسلام بشقيه: الذكر الحكيم وهدي النبي الكريم. في لحظات البعثة الأولىٰ؛ وهي لحظات حرجة كانت -رضي الله تعالى عنها- الأُولىٰ علىٰ كل الأوائل [فأين المرأة المسلمة اليوم؛ اين الأم والزوجة أين الأخت والعمة والخالة والجارة ] : الزوجة والصاحبة فــ : 1 . ] آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ -صاحبة العقل الراجح والنفس السامية العالية – [لطفاً ورجاءً: راجع ما كتبته-الرمادي- على صفحات موقع أهل العلم؛ ونشرته تحت عنوان : 》 أمهات المؤمنين 《] وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَهُ -صلى الله عليه وآله وسلم-مِنْ اللَّهِ، وَوَازَرَتْهُ عَلَىٰ أَمْرِهِ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنْ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ. فَخَفَّفَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، لَايَسْمَعُ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبِّتُهُ وَتُخَفِّفُ عَلَيْهِ، وَتُصَدِّقُهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النَّاسِ، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ "[(287)]. في لحظات البعثة الأولىٰ؛ يأتي دور صاحب العلم ليثبت قلب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-ويقنعه بصحة ما سمعه وما رأه فــ : 2 .] خَدِيجَةُ بَيْنَ يَدَيْ وَرَقَةَ تُحَدِّثُهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ- ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إلَىٰ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ، وَسَمِعَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ؛ فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ : 》 قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ ، لَئِنْ كُنْتِ صَدَّقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ لَقَدْ جَاءَهُ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَإِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَقُولِي لَهُ : « فَلْيَثْبُتْ » 《. فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ. [(288)] في لحظات البعثة الأولىٰ؛ يأتي تأكيد عقلي يلحقه تثبيت لقلب الرسول مِن رجل متخصص في علم الأديان: فَلَمَّا قَضَىٰ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِوَارَهُ وَانْصَرَفَ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ فَطَافَ بِهَا، فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ : 》 يَاابْنَ أَخِي أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ!!! 《 فَــ أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : 》 وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَقَدْ جَاءَكَ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى وَلَتُكَذَّبَنَّهُ وَلَتُؤْذَيَنَّهُ وَ لَتُخْرَجَنَّهُ وَ لَتُقَاتَلَنَّهُ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَأَنْصُرَنَّ اللَّهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ، ثُمَّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ، فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى مَنْزِلِهِ . [(289)]. 3 .] ابْتِدَاءُ تَنْزِيلِ الْقُرْآنِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَابْتُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ- بِالتَّنْزِيلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ،بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: 》 شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ 《 [(290)]. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ : 》 إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر ِ 《 [(291)] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ : 》 حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين َ 《 [(292)]. وَقَالَ تَعَالَىٰ: 》 إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ 《 [(293)] وَ ذَلِكَ مُلْتَقَىٰ رَسُول ِاللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ بِبَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ تَتَامَّ الْوَحْيُ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاَللَّهِ مُصَّدِّقٌ بِمَا جَاءَهُ مِنْهُ، قَدْ قَبِلَهُ بِقَبُولِهِ، وَتَحَمَّلَ مِنْهُ مَاحَمَلَهُ عَلَىٰ رِضَا الْعِبَادِ وَسَخَطِهِمْ، وَالنُّبُوَّةُ أَثْقَالٌ وَمُؤْنَةٌ، لَا يَحْمِلُهَا وَلَا يَسْتَطِيعُ بِهَا إلَّا أَهْلُ الْقُوَّةِ وَالْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَىٰ وَتَوْفِيقِهِ، لَمَا يَلْقَوْنَ مِنْ النَّاسِ وَمَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مِمَّا جَاءُوا بِهِ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانِهِ وَتَعَالَىٰ. قَالَ : فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَٰ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، عَلَىٰ مَا يَلْقَىٰ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالْأَذَىٰ[(294)]. 4 .] :" ذِكْرُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ[(295)] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ ذَكَرٍ أَسْلَمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ مِنْ النَّاسِ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَصَلَّىٰ مَعَهُ وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَىٰ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- رِضْوَانُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-، وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. [(296)] 5 . ] :" إسْلَامُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ[(297)] ثَانِيًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ الْكَلْبِيُّ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ أَسْلَمَ ، وَصَلَّى بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ."[(298)]. 6 .] :" إسْلَامُ أَبِي بَكْرٍ[(299)]الصِّدِّيقِ[(300)] -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَشَأْنُهُ [نَسَبُهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُوبَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ ، وَاسْمُهُ عَتِيقٌ ، وَاسْمُ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِمُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ: عَبْدُاللَّهِ ، وَعَتِيقٌ: لَقَبٌ لِحَسَنٍ وَجْهُهُ وَعِتْقُهُ [إِسْلَامُهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَظْهَرَ إسْلَامَهُ ، وَدَعَا إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ . [مَنْزِلَتُهُ فِي قُرَيْشٍ وَدَعْوَتُهُ لِلْإِسْلَامِ] وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مَأْلَفًا لِقَوْمِهِ ، مُحَبَّبًا سَهْلًا ، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ ، وَأَعْلَمَ قُرَيْشٍ بِهَا ، وَبِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ؛ وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا ، ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ ، وَكَانَ رِجَالُ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ وَيَأْلَفُونَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرِ ، لِعِلْمِهِ وَتِجَارَتِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ ، فَجَعَلَ يَدْعُو إلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ ، مِمَّنْ يَغْشَاهُ وَيَجْلِسُ إلَيْهِ . "[(301)] 7. ] :" ذِكْرُ مَنْ أَسْلَمَ مِن ْالصَّحَابَةِ بِدَعْوَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [إسْلَامُ عُثْمَانَ[(302)]وَ الزَّبِيرِ[(303)] وَ عَبْدِالرَّحْمَنِ[(304)] وَ سَعْدٍ[(305)] وَ طَلْحَةَ [(306)]] قَالَ : فَأَسْلَمَ بِدُعَائِهِ - فِيمَا بَلَغَنِي؛ الحديث لابن اسحاق – - عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِشَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَ - الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ . بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَ - عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِعَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ،وَ - سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبُ بْنُ عَبْدِمَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ،وَ - طَلْحَةُبْنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، فَجَاءَ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ اسْتَجَابُوا لَهُ فَأَسْلَمُوا وَصَلَّوْا . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا كَانَتْ فِيهِ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ ، وَنَظَرٌ وَتَرَدُّدٌ ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ ، مَا عَكَمَ عَنْهُ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ ، وَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ". قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ : بِدُعَائِهِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ : عَكَمَ : تَلَبَّثَ ، قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: وَانْصَاعَ وَثَّابٌ بِهَا وَمَا عَكَمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا النَّاسَ بِالْإِسْلَامِ ،فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ . "[(307)]". 8 . ] إسْلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ[(308)] ، وَ أَبِي سَلَمَةَ[(309)]، وَ الْأَرْقَمِ[(310)] ، وَ أَبْنَاءِ مَظْعُونٍ[(311)] ، وَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ[(312)] ، وَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ[(313)] وَ امْرَأَتِهِ[(314)] ، وَ أَسْمَاءَ[(315)] ، وَ عَائِشَةَ[(316)] ، وَ خَبَّابٍ[(317)]] ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَ أَبُو سَلَمَةُ ، وَاسْمُهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، وَالْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ: وَاسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ عَبْدُمَنَافِ بْنِ أَسَدٍ- وَكَانَ أَسَدٌ يُكَنَّى أَبَا جُنْدُبِ -بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَ أَخَوَاهُ قَدَامَةُ وَعَبْدُاللَّهِ ابْنَا مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبٍ. وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ؛ وَ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، أُخْتُ عُمَرَ بْن ِالْخَطَّابِ. وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ صَغِيرَةٌ . وَخَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، وَيُقَالُ : هُوَ مِنْ خُزَاعَةَ ". 9. ] إسْلَامُ عُمَيْرٍ[(318)] وَابْنِ مَسْعُودٍ[(319)] وَابْنِ الْقَارِّيِّ[(320)]] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ[(321)]. وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ . بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ وَمَسْعُودُ بْنُ الْقَارِّيِّ ، وَهُو َمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ مُحَلِّمِ بْنِ عَائِذَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ الْقَارَّةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالْقَارَّةُ : لَقَبٌ( لَهُمْ ) وَلَهُمْ يُقَالُ : قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَّةَ مَنْ رَامَاهَا وَكَانُوا قَوْمًا رُمَاةً [(322)]".(*)(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ـــــــــــــــــــــــــــ بحوث السيرة النبوية العطرة -علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليمات وكامل البركات-. العهد المكي؛ [ 76 ] ابتعاث 《آخر رسالات السماء》؛ وبداية 《نبوة خاتم الأنبياء؛ وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين》 نال شرف قراءة ومراجعة وكتابة هذاالفصل :" ﴿ بدايات نبوته ﴾ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ ] . د. محمد الرمادي الأربعاء: 23 جمادى الأولى 1442 هــ ~ 06 يناير 2021م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ (*) بإذنه تعالى سأكتب مجلدا عن الشخصيات المحورية ! : (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
08 / 01 / 2021, 24 : 02 AM | المشاركة رقم: 353 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه نال شرف قراءة ومراجعة وكتابة هذاالفصل :" ﴿ بدايات نبوته ﴾ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ] . د. محمد الرمادي 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 [٥]المجلد الخامس: الْمُقَدِّمَة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}[(1)]. {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} [(2)]. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[(3)]. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}[(4)]. {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [(5)]. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[*]{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}[*]{وَبَشِّرِالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا}[(6)]. {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون}[(7)]. -****- [١.] الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: بدء الوحي(*) : بداية العهد المكي: لما قربت أيام الوحي حَبَّبَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْخَلْوَةَ وَالتَّعَبُّدَ لِرَبِّهِ [(8)].[(9)]. وَكَانَ يَخْلُو بِـ » غَارِحِرَاءٍ « يَتَعَبَّدُ فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ [(10)]. وَحَدِيثَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ يوضح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُجَاوِرُ[(11)]. بِغَارِ حِرَاءٍ[(12)] وَيَتَحَنّثُ فِيهِ[(13)]، - الْحِنْثُ، وَهُوَ الْحِمْلُ الثّقيل، و كذلك التّقَذّرُ، إنّمَا هُوَ تَبَاعُدٌ عَن ْالْقَذَرِ، وَأَمّا : - التّحَنّفُ بِالْفَاءِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التّبَرّرِ؛ لِأَنّهُ مِنْ الْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ؛ خليل الرحمن -عليه السلام-، وَإِنْ كَانَ الْفَاءُ مُبْدَلَةً مِنْ الثّاءِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التّقَذّرِ وَالتّأَثّمِ، [(14)].[(15)]. فــ - اللفظة من الضداد. ثم يرجع- ﷺ - إلىٰ أهله فيتزود لمثلها، وكانت : - عبادته علىٰ دين إبراهيم -عليه السلام-، وَ - بُغِّضَتْ إِلَيْهِ الْأَوْثَانُ وَدِينُ قَوْمِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ . [(16)]. قَالَ- ﷺ -: " يَا خَدِيجَةُ ، وَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَ هَذِهِ الأَصْنَامِ شَيْئًا قَطُّ وَلا الْكُهَّانِ".[(17)]. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ بَأَجْيَادٍ[(18)]. إِذْ رَأَى مَلَكًا وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَىٰ الأُخْرَىٰ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَصِيحُ: " يَا مُحَمَّدُ أَنَا جِبْرِيلُ[(19)].، يَا مُحَمَّدُ أَنَا جِبْرِيلُ" ، فَــ ذُعِرَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذَلِكَ، وَ جَعَلَ يَرَاهُ كُلَّمَا رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَىٰ السَّمَاءِ ، فَــ رَجَعَ سَرِيعًا إِلَىٰ خَدِيجَةَ فَأَخْبَرَهَا خَبَرَهُ ، وَقَالَ : " يَا خَدِيجَةُ ، وَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَ هَذِهِ الأَصْنَامِ شَيْئًا قَطُّ وَلا الْكُهَّانِ ، وَإِنِّي لأَخْشَى أَنْ أَكُونَ كَاهِنًا "(!!!) ، قَالَتْ : 《 كَلا يَا ابْنَ عَمِّ لا تَقُلْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِكَ أَبَدًا، إِنَّكَ : 1.] لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَ 2.] تَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَ 3.] تُؤَدِّي الأَمَانَةَ ، وَ إِنَّ 4.] خُلُقَكَ لَكَرِيمٌ 》 ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَهِيَ أَوَّلُ مَرَّةٍ أَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ مَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَــ قَالَ وَرَقَةُ : « وَاللَّهِ إِنَّ ابْنَ عَمِّكِ لَصَادِقٌ ، وَإِنَّ هَذَا لَـــ 《 بِدْءُ نُبُوَّةٍ 》، وَإِنَّهُ لَيَأْتِيهِ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ ، فَمُرِيهِ أَنْ لا يَجْعَلَ فِي نَفْسِهِ إِلا خَيْرًا ». و كان لا يرى رؤيا[(20)]. إلا جاءت مثل فلق الصبح، وكانت تلك الرؤيا الصادقة مقدمات الوحي. و قيل مدتها ستة أشهر. [(21)]. فلما تم له أربعون [(22)]. سنة جاء جبريل [أمين وحي السماء] بالنبوة وذلك في يوم الأثنين لسبع عشرة خلت من رمضان للسنة الحادية والأربعين من ميلاده -ﷺ-، فــ يكون عمره إذ ذاك أربعين سنة قمرية وستة أشهر وثمانية أيام، وذلك : يوافق 《 6 أغسطس سنة 610 م 》 وهو بغار حراء. تحقيق المسألة : جاء في صحيح محمد بن إسماعيل البخاري عن أن أم المؤمنين عائشة [(23)] بنت أبي بكر الصديق . -رضي الله عنها؛ وعن أبيها- أنها قالت: " أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي: 1.] الرؤيا الصالحة في النوم .... فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح.[(24)] ثم : 2.] حبب إليه الخلاء [(25)] . وكان يخلو بغارحراء [(26)] . فيتحنث فيه : وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله[(27)] . ويتزود لذلك [(28)] . ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق [(29)] . وهو بغار حراء فجاءه الملك [(30)] . فقال له 《أقرأ》،فــ قال له « ما أنا بقارئ(!؟)» [(31)] . قال« فأخذني فغطني [(32)] . حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني». فــ قال 《أقرأ》. فــ قلت « ما أنا بقارئ (!؟)» ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فــ قال 《أقرأ》 فــ قلت « ما أنا بقارئ (!؟)» فغطني ثالثة ثم أرسلني فقال 《أقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، أقرأ وربك الأكرم》، فرجع بها [(33)] رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة-رضي الله عنها- يرجفُ فؤادُهُ فدخل علىٰ خديجة بنت خويلد فــ قال:« زملوني زملوني »[(34)] ، فزملوه ؛ حتىٰ ذهب عنه الرَّوعُ. فقال لـ خديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي [(35)] .فـــ قالت خديجة :كلا والله ما يحزنك الله أبداً[(36)] إنك لـ 1.] تصل الرحم [(37)] و 2.] تحمل الكل [(38)] و 3.] تكسب المعدوم [(39)] . و 4.] تقرى الضيف و 5.] تعينُ علىٰ نوائب الحق[(40)]..... فانطلقت به خديجة حتىٰ أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى ابن عم خديجة ، وكان أمرأً قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني. فيكتب من الأنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيرا قد عمى. فـــ قالت له خديجة :" يا ابن عم(!) اسمع من ابن أخيك "[(41)] ، فــ قال لي ورقة :" يا ابن أخي ماذا ترى(!؟). فــ أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فــ قال له ورقة :"هذا 《الناموس》[(42)] . الذي نزل علىٰ موسىٰ ، يا ليتني فيها[(43)] جذعاً[(44)] ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك[(45)]. فـــ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أومخرجي هم(!؟)»، قال:" نعم. لم يأتِ رجلٌ قط بمثل ما جئت به الا عودي، وأن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزراً [(46)]. ثم لم ينشب ورقة أن توفى و « فتر الوحي » [(47)]. فــ أول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم مِن القرآن 《اقرأ》 كما صح ذلك عن عائشة؛ و روي ذلك عن أبي موسىٰ الأشعري وعبيد بن عمير. قال النووي:" وهو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف". فائدة: كان له ﷺ من العمر ثلاث وستون سنة، منها: أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيًّا رسولًا، نُبِّئَ بـ إقرأ:" نزول الوحي[(48)]. و جاءه جبريل في غار حراء، فقال له: اقرأ، فقال: لست بقارئ ، قال: اقرأ، قال: لست بقارئ ، فغتَّه[(49)]. حتى بلغ منه الجهد، فقال له: اقرأ، فقال: لست بقارئ [(50)].[(51)]. وبهذه السورة كانﷺ نبيًّا، [راجع :" أَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْه".] ثم أرسله الله تعالىٰ بسورة المدثر إلىٰ الإنس والجن، قال ﷺ بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعتُ بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرُعبْتُ منه، فرجعت فقلت زمِّلوني، فأنزل الله تعالى: يا أيها المدثر[(52)].إلى قوله :{ والرجز فاهجر }.[(53)]. فحميَ الوحيُ وتتابع [(54)].[(55)]. و بهذه السورة كان رسولًا ﷺ.- فــ أُرسل بالمدثر، وبلده مكة، وهاجر إلىٰ المدينة، بعثَهُ الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلىٰ التوحيد، أخذ علىٰ هذا عشر سنين يدعو إلىٰ التوحيد. اقول(الرمادي): هذه سُنته ﷺ وطريقته العملية وهديه في تبليغ شرع ربه ﷻوحين غابت سنته وطريقته عن اذهان المسلمين اصابنا ما نحن فيه اليوم من أضطراب في فهم الإسلام وضعف شديد طرأ على الأذهان في أدراك وفهم الإسلام(!؟). الدعوة إلىٰ الإسلام بدأ ﷺ بالدعوة إلىٰ الله تعالىسرًا، فأسلم علىٰ يديه: السابقون الأولون، [انظر: ابتعاث 《آخر رسالات السماء》] لا خلاف أن مبعثه كان يوم الإثنين، و قيل بأن الشهر كان ربيع الأول سنة إحدىٰ وأربعين لثمانٍ خلون منه، من عام الفيل وهذا قول الأكثرين[(56)]. " فَلَمَّا كَمُلَ لَهُ أَرْبَعُونَ ، أَشْرَقَ عَلَيْهِ نُورُ النُّبُوَّةِ وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ بِرِسَالَتِهِ ، وَبَعَثَهُ إِلَىٰ خَلْقِهِ وَاخْتَصَّهُ بِكَرَامَتِهِ ، وَجَعَلَهُ أَمِينَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ . وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَبْعَثَهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَ اخْتُلِفَ فِي شَهْرِ الْمَبْعَثِ . فَــ - قِيلَ : لِثَمَانٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَىٰ وَأَرْبَعِينَ مِنْ عَام ِالْفِيلِ ، هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَ - قِيلَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ،وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }[(57)] ، قَالُوا : أَوَّلُ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ بِنُبُوَّتِهِ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ ، وَإِلَىٰ هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يحيىٰ الصرصري حَيْثُ يَقُولُ فِي نُونِيَّتِهِ : وَأَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَأَشْرَقَتْ *شَمْسُ النُّبْوَةِ مِنْهُ فِي رَمَضَانِ[(58)]. وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا : إِنَّمَا كَانَ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَىٰ بَيْتِ الْعِزَّةِ ، ثُمَّ أُنْزِلَ مُنَجَّمًا بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً [(59)]. وَ - قَالَتْ طَائِفَةٌ : أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، أَيْ فِي شَأْنِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَفَرْضَ صَوْمِهِ . وَ - قِيلَ : كَانَ ابْتِدَاءُ الْمَبْعَثِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ[(60)]. وَ كَمَّلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مَرَاتِبَ الْوَحْيِ[(61)]. مَرَاتِبَ عَدِيدَةً : إِحْدَاهَا : الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ ، وَكَانَتْ مَبْدَأَ وَحْيِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَكَانَ لَا يَرَىٰ رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ . الثَّانِيَةُ : مَا كَانَ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ فِي رَوْعِهِ وَقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :« إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَىٰ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ ». أَخْرَج عَبْدُالرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ،عَنْ عِمْرَانَ ، صَاحِبٍ لَهُ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:» مَا تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ عَنِ النَّارِ إِلَّا قَدْ بَيَّنْتُهُ لَكُمْ ، وَإِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهَا لَا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ أَقْصَى رِزْقِهَا ، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ رِزْقِهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَىٰ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ ».[(62)]. الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَمَثَّلُ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُخَاطِبَهُ حَتَّىٰ يَعِيَ عَنْهُ مَا يَقُولُ لَهُ ، وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَانَ يَرَاهُ الصَّحَابَةُ أَحْيَانًا . الرَّابِعَةُ : أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ ، وَكَانَ أَشَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَيَتَلَبَّسُ بِهِ الْمَلَكُ حَتَّىٰ إِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ ، وَحَتَّىٰ إِنَّ رَاحِلَتَهُ لِتَبْرُكُ بِهِ إِلَىٰ الْأَرْضِ إِذَا كَانَ رَاكِبَهَا . وَلَقَدْ جَاءَ الْوَحْيُ مَرَّةً كَذَلِكَ وَفَخِذُهُ عَلَىٰ فَخِذِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ كَادَتْ تَرُضُّهَا . الْخَامِسَةُ : أَنَّهُ يَرَىٰ الْمَلَكَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا ، فَيُوحِي إِلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَهُ ، وَهَذَا وَقَعَ لَهُ مَرَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ﷻ ذَلِكَ [(63)] . السَّادِسَةُ : مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ ﷻ وَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا . السَّابِعَةُ : كَلَامُ اللَّهِ ﷻ لَهُ مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةِ مَلَكٍ ، كَمَا كَلَّمَ اللَّهُ ﷻ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ -سلام الله تعالى عليه- ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ ثَابِتَةٌ لِمُوسَى قَطْعًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَثُبُوتُهَا لِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و َسَلَّمَ- هُوَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ . وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ مَرْتَبَةً : ثَامِنَةً: وَهِيَ تَكْلِيمُ اللَّهِ ﷻ لَهُ كِفَاحًا مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ ، وَهَذَا عَلَىٰ مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.... وَ هِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ بَلْ كُلُّهُمْ مَعَ عائشة كَمَا حَكَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ إِجْمَاعًا لِلصَّحَابَةِ [(64)]. و كان أول مَن أسلم خديجة -رضي الله عنها-،ثم علي ثم زيد بن حارثة، ثم أبو بكر -رضي الله عنهم-، ثم دخل الناس في دين الله واحد بعد واحد، حتىٰ فشىٰ الإسلام في مكة، ثم أمر الله تعالى نبيه ﷺ بأن يجهر بالدعوة [(65)]. [(66)].، فدعاهم إلىٰ الله، وصعد علىٰ الصفا وقال: « يا بني فهر، يا بني عدي لبطون قريش، حتىٰ اجتمعوا، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج عليكم بسفح هذا الوادي أكنتم مصدقي(!؟) » قالوا: " نعم (!) ؛ ما جرَّبنا عليك كذبًا"، قال: « فإني نذير لكم بين يدي عذابٍ شديد»[(67)]. وقد ناصبه صناديد قريش ومَن معهم العداء، ولكن مع ذلك لم يستطع أحد منهم أن يتهمه بصفة الكذب أو صفة غير لائقة، وقد قال الله تعالى؛ فأنزل فيه قرآناً[(68)].... فــ لو عرفوا خُلُقًا ذميمًا فيه ما سكتوا عنه(!!!)– وقد عاش بينهم أربعين عامًا -؛ لأراحهم من التنقيب عن خصلة غير حميدة يتهمونه بها أمام الناس، فوجدوا أن كلمة (ساحر) و (كاهن) هي أنسب الصفات التي يطلقونها عليه؛ حيث يفرق بدعوته إلىٰ الله ﷻ بين الأب وابنه، والأخ وأخيه، والزوجة وزوجها، واتهموه بالجنون (حاشا لله)؛ لأنه خالف شركهم ودعا إلىٰ عبادة الله وحده، وتابع دعوته إلىٰ الله في المواسم، والأسواق، وخرج إلىٰ الطائف، وأسلم الجن في طريقه عند رجوعه من الطائف، وحصل له من الأذىٰ الكثير فصبر واحتسب. و اقول(الرمادي): هذا يحتاج إلىٰ دراسة ومراجعة وتفصيل وفهم مع إدراك الجزئيات المتعلقة بسير الدعوة في مجتمع مكة لنتمكن من إنزالها على واقعنا المعاصر... -***- وَاللَّهُ-تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ وجَلَّ قَدْرُه - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أعد هذا الملف : د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى الخميس: 24 جمادى الأولى 1442 هــ ~ 07 يناير 2021 م. (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) مِنْ فيض كرمه -سبحانه وتعالى- ومزيد فضله وعظيم توفيقه أنه -ﷻ- مكنني مِن قراءة ومراجعة أمهات الكتب وعيون الاثر ومِن ثَمَّ تحضير وكتابة ثم صياغة المجلدات الأربعة والتي نشرت تباعاً علىٰ موقع أهل العلم ؛ والذي يُبث من قلب المملكة العربية السعودية؛ المدينة المنورة؛ عاصمة النور النبوي؛ وهذا مِن تفضل وسماحة مدير الموقع/ الأستاذ الأخ: شريف حمدان؛ فـ أشكر الله تعالى أولاً ثم أشكره على تثبيت المجلدات في صدر الصفحة الرئيسة للموقع؛ ، وها أنا أشرع في بداية المجلد الخامس فــ ارجوه - خالقي ورازقي - وادعوه أن يثبت قدمي على الطريق المستقيم ويبصر عقلي بالفهم الصحيح وينور قلبي بــ فهم صحيح مستقيم لكتابه العزيز وسنة نبيه الكريم ﷺ... فمن اللهتعالى التوفيق والسداد والصلاح ! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ : (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
11 / 01 / 2021, 47 : 12 AM | المشاركة رقم: 354 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه :" قُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا[(69)] هذه المرحلة؛ والتي ابدء الحديث عنها - أقصد المرحلة -العهد- المَكيَّة بمقدماتها وارهاصاتها وأحداثها وتقسيماتها وروابطها ومفاصلها وشخصياتها المحورية - هي المرحلة الأولىٰ مِن مراحل البعثة المحمديَّة؛ وهي بدايات الرسالة النبويَّة المصطفويَّة الأحمديَّة؛ هذه المرحلة تبدءُ تأريخيا بـ (١٣) ثلاثة عشر عاماً قبل الهجرة[(70)] المباركة مِن مَكةَ المكرمة إلىٰ يثرب والتي سيطلق عليها لاحقاً مدينة رسول الإسلام -المدينة المنورة؛ والتي طيَّب الله ثراها بمرقده ومِن بعده بجواره وزيريه في الأرض: صديق هذه الأمة وخليفته الأول في إدارة شؤون المسلمين وفق الكتاب والسُنَّة المحمديَّة، وفاروقها؛ الثاني في الخلافة الراشدة علىٰ منهاج النبوة-، وهي السَنة التي تقارب (٦٠٩) الميلادية[(71)]. لقد كان ﷺ في مرحلة النبوة[(72)] يخاف من الوحي يأتيه بإحدىٰ صوره؛ ولذلك كان يأتي لخديجةَ -رضي الله عنها وارضاها- شاكيا، ويقول لها: 《 خشيت علىٰ نفسي 》[(73)]، ويصف الرجل الذي يظهر أمامه ويقول: 《 سطا عليَّ الرجل 》[(74)]، وكان يجري منه محاولا الهرب مِن أمامه. [(75)] أما في مرحلة الرسالة[(76)] فكان يأنس بالوحي، ويتعجله، ويخاف أن يتركه ولا يأتيه[(77)] ولقد اختلف الوحي مع محمد -صلى الله عليه وسلم- في فترة النبوة عن الوحي في فترة الرسالة[(78)]،يقول القاضي عياض[(79)]:«وإنما بدأ الوحي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرؤيا؛ لئلا يفجأة الملَك، ويأتيه بصريح النبوة بغتة، فلا تتحملها قواه البشرية، فبدئ بأوائل خصال النبوة، وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا، وما جاء من : * . ] رؤية الضوء[(80)]، و * . ] سماع الصوت[(81)]، و * . ] تسليم الحجر والشجر عليه بالنبوة»[(82)]، حتىٰ يستشرف عظيم ما يراد به، ويستعد لما ينتظره، فلم يأته الملَك إلا بأمر عنده مقدماته[(83)] يقول ابن كثير[(84)] الدمشقي:« ... بدء الوحي بصورة التدرج يهدئ القلب، ويطمئن النفس..». [(85)] ومن صور الوحي في بدايته ما يلي: 1-. ] الرؤيا الصادقة: إذا نام الإنسان انقطع عن عالم الناس، وعاش مع باطنه وإدراكاته اللاشعورية، وخلال النوم تهيم نفس النائم في رؤىٰ تتضمن أفكارا وأحداثا، لا يمكن له أن يتصور حدوثها في حالة اليقظة؛ ولذا كانت الرؤىٰ المنامية تدريباً للإنسان وهو في عالم اللاشعور، علىٰ ما سوف يراه في عالم الإدراك والشعور[(86)]. ولقد كان من رحمة الله برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم أن بدأه الوحي بالرؤيا الصادقة، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح»[(87)] وبذلك كان الوحي يُعْلِمُ رسول الله وهو نائم بما يريده الله تعالىٰ في رؤىٰ صادقة، صالحة، خالية من الضغث والوهم، وكانت رؤىٰ الوحي في وضوحها وظهورها تشبه ضوء الصبح في بيانه وسطوعه. جاء في فتح الباري أنه «ثبت في مراسيل عبيد بن عمير أنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه أولا في المنام حتىٰ أتاه الملَك بعد ذلك في اليقظة علىٰ الصورة التي أتاه بها في المنام»[(88)]، وقد تعددت الرؤىٰ المنامية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يندهش لذلك.. ومنها[(89)] : - رأى أن آتٍ أتاه، ومعه صاحبان له، فنظروا إليه فقالوا: «هو ، هو»، ثم ذهبوا.. فهاله ذلك، وتساءل عما رأى، وعن حديثهم أمامه، فقال له عمه أبو طالب: « يابن أخي، ليس بشيء»[(90)]. - وأتاه هذا الآتي مرة أخرى، فجاء لعمه، وقال له: 《 يا عم، سطا بي الرجل الذي ذكرت لك، فأدخل يده في جوفي حتى أني أجد بردها 》، فخرج به عمه إلى رجل من أهل الكتاب يتطيب بمكة، فحدثه حديثه، وقال: عالجه، فصوب به، وصعد، وكشف عن قدميه، ونظر بين كتفيه، وقال: «يابن عبدمناف، ابنك هذا طيب طيب، للخير فيه علامات، إن ظفرت به يهود قتلته،وليس الرائي شيطانا، ولكنه من النواميس الذين يتحسسون بها القلوب للنبوة»، فرجع به[(91)] - رأى في منامه أن سقف بيته نزعت منه خشبة، وأدخل فيه سلم من فضة، ثم نزل إليه رجلان، فأراد أن يستغيث فمنع من الكلام، فقعد أحدهما إليه، والآخر إلى جنبه، وأدخل أحدهما يده في جنبه فنزع ضلعين منه، وأدخل يده في جوفه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجد بردها، فأخرج قلبه، فوضعه على كفه، وقال لصاحبه: «نعم القلب قلب رجل صالح»، فطهر قلبه وغسله، ثم أدخل القلب مكانه، ورد الضلعين، ثم ارتفعا، ورفعا سلمهما، فإذا السقف كما هو، فذكر ذلك لــخديجة بنت خويلد فقالت له: «أبشر، فإن الله لا يصنع بك إلا خيرا، هذا خير فأبشر»[(92)]. - ورأى في منامه جبريل ومعه نمط من ديباج فيه كتاب فقال له: اقرأ. [وقد ذكرتُ الحديث في :" [ ٥ ] المجلد الخامس؛ { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين }"، فليراجع هناك؛ مِن منشورات موقع << أهل العلم>>.] فقال له: "ما أقرأ؟ ". فغته به حتى ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الموت، ثم أرسله فقال: اقرأ. قال صلى الله عليه وسلم: "ماأقرأ؟". فغته به حتى ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الموت، ثم أرسله فقال له: اقرأ. قال صلى الله عليه وسلم: "ماذا أقرأ؟ "، قال ذلك إلا افتداء منه أن يعود إليه بمثل ما صنع. قال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } . فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انتهى فانصرف جبريل، وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه، قال: "فكأنما كتب في قلبي كتابا"، فذكر ذلك لخديجة فقالت: أبشر،فإن الله لا يصنع بك إلا خيرا [(93)]. وهكذا... تعددت الرؤى، وركزت على قضية إعلام الرسول بنبوته، وتطهيره، وإعلامه ما ينتظره من أحوال وأعمال، حتى لا يفجأه الملَك على صورته الحقيقة، فيصاب بالخوف والاضطراب. [(94)] إن هذه المقدمة بيان لأهمية الرؤىٰ، وإبراز لدورها في تهيئة الإنسان لأحداث عالم اليقظة، وبخاصة إذا كانت الأحداث غريبة مدهشة.[(95)] 2- . ] نداءات الملائكة: من صور الوحي الذي بدأ برسول الله ﷺ نداء الملائكة عليه، وإعلامهم إياه بنبوته، وهو لا يعرف المنادِي، ولا يمكنه تحديد مصدر النداء.. من ذلك ما رواه ابن كثير بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: 《 إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، وقد خشيت والله أن يكون لهذا أمر 》[(96)]. قالت: «معاذ الله، ما كان الله ليفعل ذلك بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث». فلما دخل أبو بكر، قالت له خديجة:« يا عتيق، اذهب مع محمد إلىٰ ورقة»[(97)] فلما دخل رسول الله صلى اللهعليه وسلم أخذ أبو بكر بيده، فقال: «انطلق بنا إلىٰ ورقة». قال: « ومن أخبرك؟» قال: «خديجة». فانطلقا إليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: 《 إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد، يا محمد، فأنطلق هاربا في الأرض 》. فقال له:« لا تفعل إذا أتاك فاثبت، حتى تسمع ما يقول لك، ثم ائتني فأخبرني». فلما خلا ناداه: «يا محمد، قل: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } حتى بلغ { وَلا الضَّالِّينَ } قل: لا إله إلا الله»، فأتى محمدُ ورقةَ، فذكر له ذلك، فقال له ورقة: «أبشر ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر بك ابن مريم، وإنك على مثل ناموس موسى، وإنك نبي مرسل» [(98)] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: 《 خرجت مرة حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: «يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل»، فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء، فرفعت أنظر إليه فما أتقدم وما أتاخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أتأخر ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا مكة، ورجعوا إليها، وأنا واقف في مكاني ذلك، ثم انصرفت راجعا إلى أهلي 》. 《 حتى أتيت خديجة فجلست إليها 》 فقالت: «يا أبا القاسم ،أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك، فبلغوا مكة، ورجعوا إلي!!» 《 ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت: «أبشر يابن عم واثبت،فوالذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكون نبي هذه الأمة ».》 ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت إلى ورقة، فأخبرته بما أخبرتها به، فقال ورقة: «قدوس قدوس! والذي نفسي بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت». فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة. وفي مرة ثالثة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره، وانصرف يصنع كما كان يصنع؛ حيث بدأ بالكعبة فطاف، فلقيه ورقة عند الكعبة، قال له: «يابن أخي، أخبرني بما رأيت وسمعت». فلما أخبره قال له ورقة: «والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، ولتكذبنه ولتقاتلنه ولتوذينه، ولئن أدركت ذلك لأنصرن الله نصرا يعلمه»، ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه. ويقول صلى الله عليه وسلم لخديجة: 《 لما قضيت جواري، هبطت فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أرَ شيئا، فنظرت عن شمالي فلم أرَ شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا بين السماء والأرض فقلت: دثروني دثروني، وصبوا عليَّ ماء باردا 》[(99)] __________ 2. 1. ] إن نداءات الملائكة لرسول الله، وتعجبه مما يسمع، دفعه إلىٰ معرفة شيء من أسرار ما يسمع؛ ولذلك كان يرجع لخديجة يقص عليها ما رأى. وكانت خديجة رضي الله عنها خير معين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تسمع منه وتجتهد في معرفة أسباب ذلك، وتسأل أهل الكتاب عن خبر ما يسمع، وتخبر زوجها رسول الله ﷺ بما يسري عنه ويطمئنه. وكانت تبحث عن أسرار ما يرىٰ لتطمئن عليه، وتطمئنه رضي الله عنها، قالت له مرة: «يابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟» قال: 《 نعم 》. قالت: «فإذا جاءك فأخبرني به». فجاء جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《 يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني》. فقالت: «قم يابن عم، فاجلس علىٰ فخذي اليسرىٰ». فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها، فقالت: «هل تراه؟» قال: 《 نعم》. قالت: «فتحول فاقعد علىٰ فخذي اليمنىٰ»، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس علىٰ فخذها اليمنىٰ، فقالت: «هل تراه؟» قال: 《 نعم 》. فحسرت فألقت خمارها ورسول الله ﷺ جالس في حجرها ثم قالت: «هل تراه؟» قال: 《 لا 》. قالت: «يابن عم، اثبت وأبشر، فوالله إنه لملَك، ما هذا شيطان»[(100)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 3- . ] كلام الشجر والحجر: يروي ابن سعد بسنده أن رسول الله ﷺ حين أراد الله كرامته وابتداءه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتىٰ لا يرىٰ بيتا، ويفضي إلىٰ الشعاب، وبطون الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال:«السلام عليك يارسول الله»، وكان يلتفت عن يمينه، وشماله، وخلفه، فلا يرىٰ أحدا.([(101)] وَروىٰ الإمام مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《 إني أعرف حجرا كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن 》 ( [(102)] وقال محمد بن عمر بسنده عن برة بنت تجراة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله تعالى كرامته، وابتداءه بالنبوة،كان إذا خرج لحاجته أبعد، حتىٰ تحسر عنه البيوت، ويفضي إلىٰ شعاب مكة، وبطون أوديتها، فلا يمر بحجر، ولا شجر، إلا قال:« السلام عليك يا رسول الله»، فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، فلا يرى إلا الشجر، وما حوله من الحجارة، وهي تحييه بتحية النبوة: «السلام عليك يا رسول الله». [(103)] وروى ابن سعد عن هشام بن عروة عن أبيه -رحمهما الله تعالىٰ- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 《 يا خديجة، إني أرى ضوءا، وأسمع صوتا، لقد خشيت أن أكون كاهنا (!!)》، فقالت:« إن الله تعالىٰ لا يفعل بك ذلك يابن عبدالله؛ إنك تصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتصل الرحم». [(104)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ 4- .] لقاء الملائكة: من رحمةِ الله -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- برسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن أخذ يهيئه للقاء ملَك الوحي، وذلك بإرسال الملائكة إليه، تعلمه كلمة، أو شيئا ما؛ ليستعد بذلك علىٰ ملاقاة جبريل -عليه السلام-. يروي ابن سعد أن رسول الله ﷺ لما نزلت عليه النبوة كان يأتيه "إسرافيل" واستمر معه يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل شيء من القرآن علىٰ لسانه([(105)])، يقول أبو شامة: إن «إسرافيل" كان يأتي النبي وهو في غار حراء، فكان يلقي إليه الكلمة بسرعة، ولا يقيم معه، تدرجا وتمرينا..» وأحيانا كان يأتيه جبريل بصحبة ملك آخر... يقول ابن عباس رضي الله عنه:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل علىٰ الصفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《 يا جبريل، والذي بعثك بالحق ما أمسىٰ لآل محمد سفة دقيق، ولا كف مِن سويق 》، فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدةً من السماء أفزعته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《 أأمر الله القيامة أن تقوم!؟》. فقال جبريل:« لا، ولكن أمر الله إسرافيل فنزل إليك، حتىٰ يسمع كلامك». فأتاه إسرافيل فقال:« إن الله تعالىٰ بعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض، وأمرني أن أعرض إليك أن أسير معك جبال تهامة زمردا، وياقوتا، وذهبا، وفضة، فإن شئت نبياً ملكاً، وإن شئت نبياً عبداً؟»، فأوما إليه جبريل: «أن تواضع». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《 بل نبياً عبداً 》 ثلاثا ([(106)]. ويقول البراء بن عازب رضي الله عنه:أتاه جبريل وميكائيل، فنزل جبريل وبقي ميكائيل واقفا بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: «أهو ... هو؟» قال: «هو ... هو.» قال: «فزنه برجل»، فوزنه به فرجحه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: «زنه بعشرة»، فوزنه فرجحهم. قال: «زنه بمائة»، فوزنه فرجحهم. قال: «زنه بألف»، فوزنه فرجحهم. ثم جعلوا يتساقطون عليه من كفة الميزان. فقال ميكائيل: «تبعته أمته ورب الكعبة»، ثم 《 أجلسني علىٰ بساط كهيئة الدرنوك، فيه الياقوت واللؤلؤ 》، فقال أحدهما لصاحبه: «شق بطنه»، فشقه، فأخرج منه مغمز الشيطان، وعلق الدم فطرحها، فقال أحدهما لصاحبه: «اغسل بطنه غسل الإناء،واغسل قلبه غسل الملاء»، ثم قال أحدهما لصاحبه: «خط بطنه»، فخاطه، ثم أجلساه فبشره جبريل برسالة ربه حتى اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم.[(107)] وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال:«بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس، وعنده جبريل؛ إذ سمع نقيضاً من السماء من فوق، فرفع جبريل بصره إلىٰ السماء فقال:« يامحمد، هذا ملك قد نزل، لم ينزل إلىٰ الأرض قط». [(108)] فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: 《 فاتحة الكتاب 》، و 《 خواتيم سورة البقرة 》، لن تقرأ حرفا منها إلا أوتيته»[(109)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ 5- . ] مجيء جبريل -عليه السلام- بالقرآن: استمر الوحي بالمقدمات مع رسول الله ﷺ علىٰ النحو المبين، وأدرك محمد صلى الله عليه وسلم أن أمراًعظيماً ينتظره، وسمع من زوجته، ومن ورقة، ومِن غيرهما: أن الذي يراه ويسمعه هو الوحي الذي كان يأتي موسى وعيسى والأنبياء من قبله -عليهم صلوات الله وسلامه-. وشيئا فشيئا بدأ يطمئن لما يرىٰ، ويثق فيما يسمع حتىٰ جاءه جبريل -عليه السلام- بأول آية قرآنية أمره الله تعالىٰ أن يقرئه بها، تصور السيدة عائشة رضي الله عنها نزول جبريل بأول آية قرآنية علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول رضي الله عنها: جاءه الملَك "أي جبريل" وهو في غار حراء، فقال: اقرأ. قال: "ما أنا بقارئ"........... فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ([(110)] فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: "زملوني زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع. ثم قال: "يا خديجة، ما لي؟ " وأخبرها الخبر،"لقد خشيت علىٰ نفسي". فقالت خديجة له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَل، وتقري الضيف، وتعين علىٰ نوائب الحق. ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة لأبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي والعبراني، فكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وقد عمي في شيخوخته. فقالت له خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك. فقال ورقة: يابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أومخرجي هم؟ ". فقال ورقة: نعم، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي.[(111)] يخبرنا د. غلوش:" ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن الهداية التي جاءته، ومع أنه كان علىٰ يقين بالفوز العظيم بمجيء جبريل؛ ولذلك قال لخديجة: 《 أرأيتك الذي كنت أخبرتك أن رأيته في المنام؟ فإنه جبريل، استعلن لي، وأرسله إليَّ ربي 》.. ومع كل ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم أصيب بالروع، وخشي على نفسه. وهذا الخوف الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء جبريل عليه السلامجعل البعض يتساءل عن سبب هذا الخوف؛ لأن المقام مقام سرور و رضىٰ، وليس مقام رهبة و هلع. وقد تناول العلماء هذه المسألة، ورأوا أن الخوف لم يكن من النبوة، أو من الوحي، وإنما كان من تصوره أذى يأتي من الغط الشديد، أو من ثقل المسئولية، أو لأن الحوار لم يكن عاديا.. فلقد أمر جبريل -عليه السلام- محمدا صلى الله عليه وسلم بالقراءة ثلاث مرات، وغطه بشدة ثلاث مرات أيضا، والرسول يقول له: "ما أنا بقارئ"، وينتشر خبر ذلك عند خديجة، وأبي بكر، وورقة، ويتحدث عنه أهل مكة؛ ليكون حديثهم تعريفاً بمحمد، وتنبيها علىٰ منزلته عند الله، والناس، فضلا من الله ونعمة. يقول الإسماعيلي[(112)]: « إن العادة جرت بأن الأمر الجليل إذا قضىٰ الله تعالى بإيصاله إلى الخلق أن يتقدمه ترشيح وتأسيس، وكان ما يراه النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا الصادقة ومحبة الخلوة والتعبد من ذلك، فلما جاءه الملَك فجأه بغته بصورة تخالف العادة والمألوف، نفر طبعه البشري منه، وهاله ذلك، ولم يتمكن من التأمل في تلك الحال؛ لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها، فلا يتعجب أن يجزع مما لم يألفه، وينفر وطبعه منه، حتى إذا اندرج عليه، وألفه استمر عليه، فلذلك رجع إلى خديجة التي ألف تأنيسها له، فأعلمها بما وقع له، فهونت عليه خشيته، مما عرفته من أخلاقه الكريمة، وطريقته الحسنة، فأرادت الاستظهار بمسيرها به إلى ورقة؛ لمعرفتها بصدقه، ومعرفته وقراءته الكتب القديمة، فلما سمع كلامه أيقن بالحق، واعترف به، وأشار الإسماعيلي كذلك إلى أن الحكمة في ذكره صلى الله عليه وسلم ما اتفق له في هذه القصة: أن يكون سببا في انتشار خبره، في بطانته، ومن يستمع لقوله، ويصغى إليه، طريقا في معرفتهم مباينة من سواه في أحواله لينبهوا على محله[(113)] ويعرفوا مقامه صلى الله عليه وسلم. ومع لقاء جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم وإقرائه أول سورة العلق نلاحظ بعض الملاحظات: الأولى: غط جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات؛ ليجعل التفاته وفكره إليه وحده، دون الانشغال بغيره، ويعرفه بثقل الرسالة، وضخامة المسئولية، ويتعود على التلقي من الوحي فقط. وليكن صبورا حين التبليغ. ويعلم أن تكرار الطلب منهج في نشر دين الله تعالىٰ. وليتأكد صلى الله عليه وسلم بتكرار الغط أن ما يحدث حقيقة واقعية ملموسة، وليست خيالا أو وهما. لقد كان جبريل -عليه السلام- في أشد الاشتياق للقاء محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك ضمه إليه، وقبله أكثر من مرة. كان من الممكن أن يلقن جبريل -عليه السلام- محمدا صلى الله عليه وسلم بما يلقنه شفاهة من بعد، ويمضي، لكنه فعل ذلك بأمر الله تعالىٰ؛ ليؤكد خطورة الأمر، وأهميته، وضرورة بذل الجهد، وتحمل المشاق في أداء الواجبات الخطيرة، و هل هناك أخطر من مهمة الرسالة والدعوة؟!! وكان من الممكن أن يتم اللقاء مناما، لكن الله تعالىٰ أراد أن يطلع رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم على صورة روحه الأمين، كما أراد له أن يعرف أهم صور الوحي بعد أن عاش الرؤى، وسمع النداء، وشاهد الجمادات تناجيه، وعاش الخلوة بفكره، أراد الله له بعد ذلك أن يتعود على صورة الوحي التي ستستمر معه، وقد كان، فجاء جبريل وأقرأه أول سورة العلق. الثانية: في بدء الوحي بـ"اقرأ" بيان لموقف الإسلام من القراءة، ومن العلم كله، فالقراءة أساس معرفة الدين، بها يحفظ القرآن، وتصان السنة، وتفهم الشريعة، وبها تكون الدعوة، وحماية الإسلام ... وبالعلم تحيا الأمة، وتحافظ على الضرورات الشرعية جميعا، وتنظم كافة جوانب الحياة. الثالثة: قدمت خديجة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة للزوجة العظيمة المثالية، فلقد كانت تعيش حياة رسول الله لحظة بلحظة، تتمنى له الخير، تشاركه في كل ما يعن له، وتهتم بكل ما يهمه. لقد أعطته مالها فأغنته صلى الله عليه وسلم به، وأبعدته عن متاعب الفقر ومشاغله، ولما بدأ الوحي مناما ونداء وضوءا كانت تطمئنه، ولكنها من ورائه كانت تبحث عن حقيقة ما يرى صلى الله عليه وسلم خوفا عليه وحذرا. وكانت رضي الله عنها إذا غاب عنها ترسل في طلبه مَن يبحث عنه[(114)] كما ذهبت وحدها إلى ورقة، وأخبرته بخبر زوجها، تريد أن تعرف شيئا عنه، فقال لها ورقة: قدوس، قدوس، والذي نفسي بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة.[(115)] ولم تكتفِ بما سمعت عن ابن عمها ورقة، بل ذهبت مرة أخرى إلى غلام[(116)] لعتبة بن ربيعة بن عبدشمس[(117)] -نصراني من أهل نينوى- يقال له: <<عداس>>، فقالت له: «يا عداس، أذكرك الله إلا ما أخبرتني: هل عندكم علم عن جبريل؟» قال عداس: «قدوس، قدوس، ما شأن جبريل يُذكر هذه الأرض التي أهلها أهل أوثان(!!؟).» فقالت: «أخبرني بعلمك فيه». قال عداس:« هو أمين الله بينه وبين النبيين، وهو صاحب موسى وعيسى عليهما السلام».[(117)] لقد تميزت خديجة رضي الله عنها بكمال الخِلْقَة والْخُلُق، يقول عنها صلى الله عليه وسلم: 《 خير نسائها خديجة بنت خويلد 》 [(118)] وقد جعلت عقلها الكامل في خدمة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته، وكانت رضي الله عنها خير معين لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك بشرها الله ببيت في الجنة[(119)] ونلحظ مدى ملاطفتها وتقديرها لزوجها في مناداته : <<يا بن عم >>.. ولذلك فقد استحقت التقدير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: 《 إني رزقت حبها 》. [(120)] . [الرجاء مع الشكر مراجعة ما بحثه الكاتب تحت عنوان عريض :" أمهات المؤمنين : السيدة خديجة بنت خوبلد.. زوجة محمد؛ النبي الرسول - عليها سحائب الرحمة والرضوان - والحمد لله تعالى نشر على موقع :"أهل العلم".] (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ أعد هذا الملف : د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى الأحد : ٢٧ جمادى الأولى ١٤٤٢ هــ~ 10 يناير 2021م.. ". : (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
24 / 01 / 2021, 52 : 11 PM | المشاركة رقم: 355 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه [79]: ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) . { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[(121)] 1. ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- لَمَّا نَزَلَتْ : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [سورة الشعراء آية 214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلصِينَ ؛ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى صَعِدَالصَّفَا[(122)] وَهَتَفَ : 》 يَا صَبَاحَاهُ 《. فَقَالُوا : « مَنْ هَذَا ؟ » . فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : 》 أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ... أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟《 . قَالُوا : « مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا » ، قَالَ : 》 فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيَّ عَذَابٌ شَدِيدٌ 《 قَالَ أَبُو لَهَبٍ [(123)] : >> تَبًّا لَكَ ! <<؛ "مَا جَمَعْتَنَا إِلا لِهَذَا ؟". ثُمَّ قَامَ ، فَنَزَلَتْ : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } [سورة المسد آية 1] وَقَدْ تَبَّ . هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ[(124)] يَوْمَئِذٍ. 2.] وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، قَالا : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [سورة الشعراء آية 214] انْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رَضَمَةٍ مِنْ جَبَلٍ فَعَلا أَعْلاهَا حَجَرًا ثُمَّ نَادَى : 《 يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ،إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ ؛ فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ ، فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَجَعَلَ يَهْتِفُ : يَا صَبَاحَاهُ ! . 》 3.] وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ ، قَالا : إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ : «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [سورة الشعراء آية 214] قَالَ : 《 يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ 》- أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - 《 اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا . . ». 4.]. وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ :« بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، وَجَمِيعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ ، إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : >> أَلا يَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمَرْءِ .أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاهَا فَيَجِيءُ بِهِ ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ؟<<... فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدًا . فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ ، وَهِيَ جُوَيْرِيَةُ ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلاةَ قَالَ :《 اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ 》، ثُمَّ سَمَّى: 《 اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَعِمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ 》. قَالَ عَبْدُاللَّهِ : «فَوَاللَّهِ ، لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ »، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : 《 وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً 》 ». 5.]. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما-: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ : « بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ :{ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ } [سورة غافر آية 28] ». 6.]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ أَبُو جَهْلٍ: >> هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ <<. فَقِيلَ : "نَعَمْ" . فَقَالَ: >> وَاللاتِ وَالْعُزَّى ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ،لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ ، وَلأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ <<. قَالَ : فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي ، زَعَمَ : لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ ،قَالَ : فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : "مَا لَكَ ؟ " فَقَالَ: >> إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلٍ وَأَجْنِحَةٍ <<، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 《 لَوْ دَنَا لاخْتَطَفَتْهُ الْمَلائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا 》 . 7.] . وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ ». فَقَالَ : 《 لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَا لَيْلِ بْنِ عَبْدِكَلالٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ ، فَنَادَانِي فَقَالَ : « إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ » . قَالَ : 《 فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ 》، ثُمَّ قَالَ : « يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ » . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 《 بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهْم مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا 》 . [(125)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أعد هذا الملف : د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ الأحد : ١١ جمادى الثانية ١٤٤٢ هــ~ ٢٤ يناير ٢٠٢١م. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ ( يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ : (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
28 / 01 / 2021, 14 : 07 PM | المشاركة رقم: 356 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه [ ٨٠ ] : الإيذاء علىٰ يد سفهاء المشركين تمهيد : صبر الرسول -ﷺ- علىٰ أذىٰ المشركين اقتضت حِكمة الله-تعالىٰ- أنْ يبتلي أنبياءَه ورسلَه -صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً- بأنواعٍ شتَّى من الإيذاء علىٰ يد أعدائهم؛ ليكونوا قدوة لأتباعهم في الصبر علىٰ الإيذاء في سبيل دعوتهم، فــ عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: « يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ »؛ قَالَ: 《 الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَىٰ الْعَبْدُ عَلَىٰ حَسَبِ دِينِهِ 》...فــ لم يبعث الله -تعالىٰ في سماه وسما في علاه وتقدست اسماؤه- نبيّاً أو رسولاً إلىٰ قومٍ مِن الأقوام إلا ولاقىٰ هذا النبي والرسول الصعوبات في رحلته الدعويّة ومسيرته التبليغية؛ وشاءت مشيئة الله -جلَّ جلاله- أن تكون الدنيا دار ابتلاء، لذلك لا بدَّ أن يمتحن الإنسان فيما يكره، لا فيما يحب. فـ مِن شمائل النبي -ﷺ- ، صبره علىٰ أذىٰ المشركين. فقد شاء الله تعالىٰ أن تكون الدنيا دار ابتلاء { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } [سورة الملك]؛ و جاء: { وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } [سورة المؤمنون]؛ و نطق القرآن الكريم بالقول: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } [سورةالعنكبوت]؛ و قال تعالى:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } [سورة الأحقاف : من آية35]. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :« لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ؛ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ؛ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ» تنبيه: ومِن الخطأ في القول أن نقول بأنه-ﷺ- خاف علىٰ نفسه أو ماله بل كانت قولته « أُخِفْتُ »؛ وفارق بين هذه الحالة وبين «خفتُ»... ولا تظهر من سيرته العطرة حالة خوف إطلاقاً! الإمام الشافعي - رحمه الله تعالىٰ- حينما سُئل: "ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين!؟"، فقال: « لن تمكن قبل أن تُبتلىٰ». *--*-*-*-*-*-*-* السادة الكرام والسيدات العفيفات! نتدارس اليوم صفحةً مِن حياة النبي-ﷺ- في الفترة [ العهد ] المكية قبل الهجرة؛ وفي طياتها مراحل عدة ومفاصل متشابكة، وهي صفحة مُؤلِمة علىٰ النفس الإنسانية والسَّلِيقَةِ الآدمية والطبيعة والسَجِيّة والفِطرة البشرية... فيها يتعرَّض النبي -ﷺ- لأشد أنواع الإيذاء علىٰ يد سفهاء قومه مِن المشركين الذين ناصبوه العَدَاء، فحاربوه ووقفوا في طريق دعوته. وقد تعدَّدت وسائل محاربتهم للنبي-ﷺ- ولدعوته،فــ منها : - الحرب النَّفْسية و - الدعائية و - الإعلامية، و منها : - الحرب المادية و - الإيذاء الجسدي...فـــ النبي -ﷺ- حينما جاء بالدعوة عومل معاملة قاسيةٌ إذ إنَّ قُرَيْشًا اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ لِلشَّقَاءِ الَّذِي أَصَابَهُمْ فِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ-ﷺ- وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ مِنْهُمْ -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين-، فَــ - أَغْرَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- سُفَهَاءَهُمْ، فَــ - كَذَّبُوهُ وَ - آذَوْهُ، وَ رَمَوْهُ بِــ - الشِّعْرِ وَ - السِّحْرِ وَ - الْكِهَانَةِ وَ - الْجُنُونِ، وَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- : - مُظْهِرٌ لِأَمْرِ اللَّهِ ؛ - لَا يَسْتَخْفِي بِهِ، - مُبَادٍ لَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ عَيْبِ دِينِهِمْ، وَ - اعْتِزَالِ أَوْثَانِهِمْ، وَ - فِرَاقِهِ إيَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. .. فشلت محاولاتُ قريشٍ الدعائية والإعلامية بين الأشخاص وعند مواسم والكاذبة في وقف دعوة النبي -ﷺ-، فاشتدَّ غضبها وازداد غيظها، وعَظُمَ حَنَقُها علىٰ النبي -ﷺ- ومَنْ معه، فلجؤوا إلىٰ الإيذاء الجسدي ولنأتي بمثالا: « قلتُ [أي :الحارث بن الحارث الغامدي] لأبي؛ ونحنُ بمنًى ما هذِهِ الجماعةُ!؟، قالَ:" هؤلاءِ قومٌ اجتمَعوا علىٰ صابئٍ لَهُم"، قالَ:" فأشرَفْنا"، فــ إذا رسولُ اللَّهِ -ﷺ- يدعو النَّاسَ، قالوا:" يا رسولَ اللَّهِ تدعو النَّاسَ إلىٰ توحيدِ اللَّهِ -تعالىٰ- والإيمانِ بِهِ؛ وهُم يردونَ عليهِ قَولَهُ ويؤذونَهُ... حتَّى ارتفعَ النَّهارُ انصدعَ عنهُ النَّاسُ... وأقبلتِ امرأةٌ قدبدا نحرُها تبكي... تحملُ قدحًا فيه ماءً ومنديلًا... فتناولَهُ مِنها وشرِبَ وتَوضَّأَ... ثمَّ رفعَ رأسَهُ إليها فـــ قالَ:《 يا بُنَيَّةُ خمِّري عليكِ نحرَكِ ولا تخافي على أبيكِ غلبةً ولا ذُلًّا 》... فقُلنا :" مَن هذِهِ!!؟"، قالوا:" هذِهِ زينبُ ابنتُهُ"» . [ أَشَدُّ مَا أُوذِيَ بِهِ الرَّسُولُ -ﷺ- ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : « أَنَّأَشَدَّ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا فَلَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إلَّا كَذَّبَهُ وَآذَاهُ، لَا حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- إلَىٰ مَنْزِلِهِ، فَتَدَثَّرَ مِنْ شِدَّةِ مَا أَصَابَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- عَلَيْهِ: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ } ». ** أولاً :" العنصر الأول: الإيذاء النفسي والمعنوي لرسول الله -ﷺ-: يبدأ الأذىٰ من قِبل الكفار، فيُوصَف ما جاء به الرسول -ﷺ- من الهدىٰ والنور والضياء والشفاء والرحمة، يُوصَف بأنه شِعر أو سحر أو كهانة، فيُتَّهَم بأنه -ﷺ-، مجنون وشاعر وساحر وكاهن، ويأتي الاتهام بالسحر، ومثلُه في سياق العجز والهروب من العقل: { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ } [الصافات:36]، وبينما يتهمه المشركون بهذه التهم ينفيها عنه رب العالمين: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ } [يس: 69]، { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ } [الطور: 30، 33]، ويستمر مسلسل التعريض والسخرية به -ﷺ- : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف:31]،فيشكك في استحقاقه لرسالة ربه -سبحانه وتعالىٰ-. ويحزن الرسول -ﷺ-، وهو يعلم أنه علىٰ الحق، وأنه يدعو إلىٰ الهدىٰ والنور، فيُواجَه بهذا السيل من التهم والافتراءات، فينزل القرآن مرة أخرىٰ علىٰ رسول الله-ﷺ-،مثَبِّتًا له ومؤيدًا وآمرًا له -ﷺ- بالصبر علىٰ ما يقول الكافرون : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَىٰ الْهُدَىٰ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [الأنعام:33 – 35]. كان المشركون يشتمون ويسبون النبي-ﷺ- فكانوا يُسمونه مُذمَّمًا بدلاً من اسمه 《 مُحَمَّد 》، فــ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-: 《 أَلَا تَعْجَبُونَ كيف يَصْرِفُ اللَّهُ عنِّي شَتْمَ قريشٍ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا،وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ! 》. ومن باب السخرية كان المشركون يسألون النبي-ﷺ- المعجزات علىٰ سبيل التعجيز والاستهزاء حينما يفاجَؤُون بالدلائل والمعجزات؛ فــ عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ:" انْشَقَّ الْقَمَرُ علىٰ عَهْدِ النَّبِيِّ -ﷺ- حَتَّىٰ صَارَ فِرْقَتَيْنِ علىٰ هذا الْجبلِ وعلىٰ هَذَا الْجبلِ "، فــ قالوا:" سحرَنَا مُحَمَّدٌ"، فَــ قَالَ بَعْضُهُمْ:" لَئِنْ كَانَ سَحَرَنَا، فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ". استخدم المشركون السخرية والاستهزاء بالنبي-ﷺ-؛ كي يُثنوه عن دعوته، فاتَّهموه بالجنون تارة، وبالسحر تارة، وبالكذب أخرىٰ، وقد عبَّر القرآنُ عن هذه الاتهامات الباطلة، فقال -تعالىٰ-: { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [الحِجر: 6]، وقال - سبحانه-: { وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [ص: 4]. الاستهزاء برسول الله -ﷺ-، يقول الله -عز وجل-: { وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ } [ الأنبياء: 36]، والعجب العجيب والأمر الغريب أن يهزأ المبطل بالمحق، وأن يسخر السفيه بالعاقل، تلك والله أذية كبيرة تقع كالصخر علىٰ صدر الذي يتعرض لهذا النوع من الأذىٰ... رسول الله-ﷺ- يعلم أنه علىٰ الحق وهم يستهزئون به : { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا } [الفرقان:41]. يستهزئون بشخصيته -ﷺ-، ولكنه يصبر علىٰ هذا الأذىٰ، وهو يتفكر في قول الله -تعالى عز وجل- يسري عن شخص رسوله: { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِه ِيَسْتَهْزِؤُونَ} [الأنعام:10] لقد دارت دائرة السوء عليهم، وهذا الاستهزاء الذي استهزءوا به قد أصبح وبالاً عليهم. وكان لهذا الاستهزاء وتلك السخرية أثر في نفس النبي-ﷺ-، وهو الصادق المصدوق، وهو الأمين، المشهود له برجاحة العقل، فواسىٰ اللهُ -تعالىٰ- نبيَّه الكريم قائلاً:{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحِجر:97-99]. ** صبره -ﷺ- علىٰ الاتهامات. وكان من وسائلهم في تلك الحرب المعنوية إثارة الشبهات والدعايات الكاذبة والباطلة، ولقد صبر رسول الله -ﷺ- علىٰ شتىٰ الاتهامات؛ إنهم اتهموه بالشعر فقالوا أنه شاعر، وأن هذا القرآن إنما هو شعر، وأنهم -أيضاً- شعراء ولو شاءوا أن يأتوا بمثل شعره لأتوا، يريدون أن يحولوا هذاالقرآن عن مجراه العظيم، والقالب الذي نزل به؛ لكي يقولوا للناس: نحن نستطيع أن نصنع مثله:{بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ}[الأنبياء: 5]، قالوا:{أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}[الصافات:36]. وقالوا:{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور: 30]. إنهم ينتظرون نهايته، وينتظرون موته حتىٰ تدفن دعوته في مهدها، ولا تقوم لها قائمة، ولكن الله -سبحانه وتعالىٰ - تولىٰ-بعظمته وقدرته- الدفاع عن رسوله وتثبيت نبيه -ﷺ-:{فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍكَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة:38-41].وقال -عز وجل-:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِيلَهُ} [يــس:69] وكلُّ عارفٍ باللغة العربية - بنثرها وشعرها- يعرف أن هذا القرآنليس علىٰ وزن الشعر، وليس شعراً كالذي يقوله الشعراء. وأوذي -عليه السلام- باتهامهبالسحر:{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْأَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَرَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} [يونس:2]،{وَقَالَالْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4]،{وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْتَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الفرقان:4]، ولكن الله-تعالىٰ في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه- رد عليهم، فقال:{كَذَلِكَمَا أَتَىٰ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْمَجْنُونٌ} [الذاريات:52]. لماذا يريد الجاهليون أن يصموا شخصية رسول الله-ﷺ- بالسحر؟ لأنهم رأوا أن لهذا القرآن الذي يتلوه -ﷺ- على الناس أثراً عظيماً علىٰ نفوس الناس؛ إنه يجذب الأنظار، ويأخذ بمجاميع القلوب، ويشد الأذهان، ويُعمل العقل والفكر في نصوصه، فإن عليه لطلاوة، وإن فيه لحلاوة، ولذلك يريدون أن يصرفوا أذهان الناس عن سبب هذا التأثير؛ سبب هذا التأثير أن هذاالقرآن من عند الله، أن القرآن كلام الله، سبب هذا التأثير أنه نزل من عند الله الخالق الرازق المحيّ الذي خلق هذا الكائن البشري بما فيه من جسد وروح ونفس، ويعلم -سبحانه- ما يؤثر بهذه النفس البشرية، وما تتأثر به هذه النفس الآدمية، إنهم يريدون أن يصرفوا سبب التأثير إلىٰ أي شيء؟ إلىٰ السحر الذي يؤثر كذلك في الناس؛ إنها -والله- دعاية إعلامية -رخيصة- يريدون أن يلبسوا علىٰ الناس الذين يتأثرون بكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وصبر -ﷺ-علىٰ اتهامه بالجنون: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}[الحجر:6]. وقالوا:{أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} [الصافات:36]؛ {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} [الدخان:14]. ليس -هناك- أصعب علىٰ صاحب الإيمان، ومالك العقل الراجح، ورب الرأي السديد، والفكر الصائب، أن يُتهم في عقله، وأن يوصف بالجنون. فتولىٰ الله الرد علىٰ هذه الفرية مثبِّتاً رسوله -ﷺ-:{قُلْإِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّتَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُمبَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ:46]. وقال -عزوجل-:{وَمَاصَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22]. وقال -سبحانه وتعالى-: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم:1-2]. صبره -ﷺ- علىٰ التكذيب. وقد صبر رسول الله -ﷺ- علىٰ اتهام كفار قريش له بالتكذيب، {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4].{إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ} [الفرقان:4]. {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَىٰ اللَّهِ كَذِباً} [الشورى:24]. يقولون هذا من جهة في مناسبات كثيرة، في مواقف متعددة، وهم في مناسبة أخرىٰ في موقف آخر يعلمون ويعترفون بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بكذاب. فــ في صحيح البخاري: لما سأل هرقل أبا سفيان في بداية مقابلته له، قال:" هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال!؟"... هرقل جاءته لحظات من التجرد والإنصاف، ولقد همَّ أن يدخل هذا الدين لولا جشع الملك، وحب الرئاسة، وخوفه من زوال سلطانه، فرجع إلىٰ الكفر، ولكنه قد رأىٰ الحق بأم عينيه. يقول هرقل لأبي سفيان:" هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟"، فرد:" لا". ثم قال له في آخر مقابلته:" وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب علىٰ الناس ويكذب علىٰ الله؛ أنت تقول أن محمداً -ﷺ- ما عهدت منه الكذب علىٰ الناس قبل البعثة، ولا يكذب علىٰ الناس، فعلمتُ أنه لم يكن ليذر الكذب علىٰ الناس ثم يكذب علىٰ الله، والكذب علىٰ الله أصعب وأشد من الكذب علىٰ الناس، فعلم أنه صادق. ولقد تولىٰ القرآن الرد علىٰ هذه المزاعم فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} -كذب-{قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13]. إذا زعمتم أنه كذاب هاتوا عشر سور مثل سور القرآن:{وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [هود:13}، لكي تُألِفوا هذه السور؛ من سائر عظماء الشعراء وأهل النثروالبلاغة:{وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مْصَادِقِينَ} [هود:13}. ثم تنزل القرآن في الرد عليهم إلىٰ ما هو أدنىٰ من ذلك،فقال الله -عز وجل-:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38]. عظَّم التحدي ونقص المقدار، فظهر التحدي أعظم:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِه} [يونس:38}، سورة واحدة فعجزوا، ولما حاول الكذابون أن يأتوا بسورة واحدة مثل سور القرآن؛ أتوا بأشياء مضحكة ليس هذا مجال سردها، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [هود:35}. {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ}[السجدة:4]. ويُسَري القرآن الكريم والذكر الحكيم عن نفس رسول الله -ﷺ-، ويثبت الله -تعالىٰ- به قلب رسول الله-ﷺ- فيقول:{وَلَقَد ْكُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُواحَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام:34]. وقالوا عنه:{إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4]، {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان: 5]،وظلُّوا يُرَوِّجون لهذه الشُّبه وتلك الدَّعاوى الباطلة، ولكن القرآن الكريم كان أعلىٰ سطوة وأقوىٰ حُجَّة في وجه هذه الشُّبه والأباطيل، فظلَّ الناس يدخلون في دين الله -تعالىٰ- أفواجاً، وظلَّ عدد المسلمين في تزايد. فما كان منهم إلاَّ أنْ حاولوا - وبكل قوة - أنْ يمنعوا القرآنَ من الوصول إلىٰ أسماع الناس، فكانوا يطردون الناسَ ويُثيرون الشَّغَب والضَّوْضاء ويلعبون إذا رأوا النبيَّ -ﷺ- يتهيَّأُ للدعوة، قال -تعالىٰ-: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]. ومن حربهم المعنوية أيضاً: استقبال الناس وتحذيرهم من النبيِّ-ﷺ- ودعوته، ومن هؤلاء الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسي، وكان شاعراً لبيباً، رئيس قبيلة دوس، قدم مكة، فاستقبله أهلها قَبْل وصوله إليها، وبذلوا له أجَلَّ تحيَّة وأكرم تقدير، وقالوا له:" يا طفيل! إنك قدمتَ بلادَنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرَّق جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وإنما قولُه كالسِّحر، يُفرِّق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وزوجه، وإنا نخشىٰ عليك وعلىٰ قومك ما قد دخل علينا، فلا تُكلمه ولا تسمعنَّ منه شيئًا". انظر وانتبه -أيها القارئ الكريم- إنها الدعاية الكاذبة التي تحمل في طيَّاتها عوامل ضعفها، فهم يخشون من سماعه؛ لأنهم يُدركون أنَّ الحقَّ كل الحق في هذا القرآن العظيم. يقول الطُّفَيل:« فواللهِ ما زالوا بي حتىٰ أجمعتُ ألاَّ أسمعَ منه شيئًا، ولا أكلمه، حتىٰ حَشَوتُ أُذني - حين غدوت إلىٰ المسجد - كُرْسُفًا (قُطْناً)؛ فَرَقًا من أنْ يبلغني شيء من قوله ». قال:« فغدوتُ إلىٰ المسجد فإذا هو قائم يُصلِّي عند الكعبة، فقمتُ قريبًا منه، فأبىٰ الله -تعالىٰ- إلاَّ أنْ يُسمعني بعضَ قولِه، فسمعتُ كلامًا حَسَنًا »... إلىٰ أنْ قال:« فَعَرَضَ علَيَّ الإسلامَ، وتلا عليَّ القرآنَ. فواللهِ ما سمعتُ قولاً قَطُّ أحسنَ منه، ولا أمرًا أعدلَ منه، فأسلمتُ وشهدتُ شهادةَ الحق ». ... وها هو ضِمادُ الأزْدي، وكان يرقي من هذا الريح، قدم مكة فسمع سفهاءها يقولون:" إنَّ محمدًا مجنون"، فقال:« لو إني أتيتُ هذا الرَّجلَ لعل الله يشفيه علىٰ يدي »...فلقيه، فقال:« يا محمد! إني أرقي من هذا الريح، فهل لك؟» فقال رسول الله -ﷺ-:《 إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، مَنْ يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد 》. فقال- ضِمادُ -:« أعد عليَّ كلماتك هؤلاء »، فأعادهُنَّ عليه رسولُ الله -ﷺ- ثلاث مرات، فقال:« لقد سمعتُ قولَ الكهنة، وقولَ السَّحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مِثلَ كلماتك هؤلاء،هاتِ يدَك أبايعك علىٰ الإسلام، فبايعه ». وهكذا -أيها القارئ الواعي المستنير- فإن المحنة تتولَّد منها المنحة، والفجر ينبثق من غسق الليل، فقد انقلبت تلك الحرب الدعائية وهذه الإشاعات الكاذبة وبالاً عليهم، إذ أنهم روَّجوا للنبي -ﷺ- وساعدوا في نشر دعوته دون أن يشعروا، ولربما لو أمسكوا ألسنتهم لَمَا علم الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسي والضِّمادُ الأزْدي شيئاً عن النبي -ﷺ- ودعوته. -**- حادثة المساومة: وعلىٰ الرغم من شدة هذا اللون من الإيذاء النفسي للرسول-ﷺ-، الذي أحزنهم، فإنه -صلى الله عليه وآله وسلم-، ظل صابرًا علىٰ دعوته، محتسِبًا فيما يواجهه في سبيل تبليغها، ثابتًا علىٰ مبدأ التبليغ لدعوة ربه -جلَّ في علاه وتقدست اسماه-، فسلك الكفار مسلكًا آخر؛ طمعًا منهم في التأثير علىٰ الرسول -ﷺ-، والحادثة كما روتها كتب السيرة : -**- حَدِيثُ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ مَعَ الرَّسُولِ- ﷺ - اجْتَمَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ ( بْنِ كَلَدَةَ )،أَخُو بَنِي عَبْدِالدَّارِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّانِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، -أَوْ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ-. فَـــــ : اجْتَمِعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ:" ابْعَثُوا إلَىٰ مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّىٰ تُعْذِرُوا فِيهِ "، فَـــ بَعَثُوا إلَيْهِ:" إنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَأْتِهِمْ"؛ فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ- سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنْ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِيمَا كَلَّمَهُمْ فِيهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ، حَتَّىٰ جَلَسَ إلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا لَهُ :" يَا مُحَمَّدُ(!)، إنَّا قَدْ بَعَثْنَا إلَيْكَ لِنُكَلِّمَكَ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِثْلَ مَا أَدْخَلْتَ عَلَىٰ قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إلَّا قَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ - أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ - فَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ بِهِ [1.] مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّىٰ تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا تَطْلُبُ بِهِ [2.] الشَّرَفَ فِينَا، فَنَحْنُ نُسَوِّدُكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ [3.] مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ [4.] رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ - وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنْ الْجِنِّ رِئْيًا - فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا لَكَ أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّىٰ نُبْرِئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعْذِرَ فِيكَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :《 مَا بِي مَا تَقُولُونَ...مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ 》... أَوْ كَمَا قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ - . وهو نفس العرض والمساومة التي عرضها عتبة .. فلنراجع الحادثة : [مَا دَارَ بَيْنَ عُتْبَةَ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ-] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ سَيِّدًا، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ،وَرَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ :" يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَىٰ مُحَمَّدٍ فَأُكَلِّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلَّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا فَنُعْطِيهِ أَيَّهَا شَاءَ، وَيَكُفُّ عَنَّا ؟ " - وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ - فَقَالُوا :" بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، قُمْ إلَيْهِ فَكَلِّمْهُ "، فَقَامَ إلَيْهِ عُتْبَةُ حَتَّىٰ جَلَسَ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- ، فَقَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنْ السِّطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرِ عَظِيمٍ فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلَامَهُمْ وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ وَكَفَّرْتَ بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا. قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-: 《 قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، أَسْمَعْ 》؛ قَالَ:" يَا ابْنَ أَخِي، إنْ كُنْتَ إنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّىٰ تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا،حَتَّىٰ لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتَّىٰ نُبْرِئَكَ مِنْهُ - فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلَىٰ الرَّجُلِ حَتَّىٰ يُدَاوَىٰ مِنْهُ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ -. حَتَّىٰ إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ، وَرَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- يَسْتَمِعُ مِنْهُ، قَالَ :《 أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ !؟ 》؛ قَالَ :" نَعَمْ "، قَالَ :《 فَاسْمَعْ مِنِّي 》؛ قَالَ :" أَفْعَلُ"؛ فَقَالَ:《 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } 》 ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ. فَلَمَّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ، أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ؛ ثُمَّ انْتَهَىٰ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- إلَىٰ السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ :《 قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ،فَأَنْتَ وَذَاكَ 》. [ مَا أَشَارَ بِهِ عُتْبَةُ عَلَىٰ أَصْحَابِهِ] فَقَامَ عُتْبَةُ إلَىٰ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ :" نَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ ". فَلَمَّا جَلَسَ إلَيْهِمْ قَالُوا :"مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ ؟ ". قَالَ :" وَرَائِي أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا وَاَللَّهِ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلَا بِالسِّحْرِ، وَلَا بِالْكِهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ،أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وَخَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَاهُوَ فِيهِ فَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاَللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَىٰ الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ" ، قَالُوا :" سَحَرَكَ وَاَللَّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ " ، قَالَ :" هَذَا رَأْيِي فِيهِ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ " . ولم يتوقف المشركون عن الإيذاء النفسي للرسول -ﷺ- بل تعدوه إلىٰ الطعن في شرفه وعرضه؛ فتأتي: „حادثةالإفك”: فقال سعد بن معاذ سيدُ الأَوس: « أنا أعْذِرُك منه، إن كان من الأوس ضربْتُ عنقَهُ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمَرْتَنَا ففعلْنَا أَمْرَك»... فقال سعد بن عبادة سيد الخزرج:« كذَبْتَ، لا تقدِرُ علىٰ قتله»... فهمّ الأوس والخزرج بالاقتتال، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- يُخَفِّضُهُمْ حَتَّىٰ سَكَتُوا، فأنزل الله عشر الآيات من أول سورة النور يُبَرِّئ فيها السيدة عائشة، أولُها قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ } [النور: 11]،وبذلك ثبتت براءتُها في القرآن، فقرأ النبي -ﷺ- الآيات عليها وعلىٰ الصحابة ففرحوا، وأنزل الله -عزوجل- براءتها من فوق سبع سماوات، فليس مسجد يُذكر الله فيه إلاَّ وشأنها يُتلىٰ فيه آناء الليل وأطراف النهار. -***- محصلة هذا الجزء: ظل -ﷺ- صابرًا محتسبًا، لم تَثْنِهِ الشدائد عن دعوته، ولم تصرفه الإغراءات عن منهجه، وظلت كلماته التي خاطب بها عمه أبا طالب حين ناقشه أمْرَ العدول عن دعوته، تُصِمُّ آذا نكل عدو؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما روي عنه: 《 والله يا عَمِّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، علىٰ أن أترك هذا الأمر، ما تركته، حتىٰ يُظْهِرَه الله، أو أهْلِكَ دونه》. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الفصل الأول من بحث أذىٰ المشركين الذي لحق بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم-. الخميس-١٥ جمادى الثانية من العام الهجري ١٤٤٢ الموافق 28 يناير 2021 من الميلاد العجيب لعيسى ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام- (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أعد هذا الملف : د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ : (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
02 / 02 / 2021, 49 : 10 PM | المشاركة رقم: 357 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه [ ٨١ ] ( الإيذاء البدني لصاحب الدعوة! في خِضَمِّ ما تعيشه الأمة الإسلامية -اليوم: (02) الشهر الثاني من العام ٢٠٢١- من واقع مخجل مؤلم، يُدمي القلب، ويُبكي العين، وتراجع ملحوظ عن موقعها اللائق بها -علمياً وفقهياً- والمميز بين الأمم... كأمة : "أقرأ".. كأمة :"صاحبة مبدأ حضاري" يسعد البشرية ويثري الفكر فيتسع العقل فتدرك إدراكا كاملاً دورها الريادي في إنارة عقول الآخرين .. اسعىٰ -بقدر ما عندي مِن علم وفهم وإدراك ووعي -إلىٰ تقديم هذا النموذج الطيب لمواقف صعبة مر بها صاحب الرسالة العصماء؛ لنتمكن من إنزالها علىٰ الواقع الفعلي المُعاش اليوم... أولاً: للإشادة بمكانة النبي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتبيان عظمته، وطريقته المثلىٰ في حل معضلات سير الدعوة ومن خلال سنته العطرة في فك ما تشابك من مواقف عدائية؛ والأسباب التي أدّت إلىٰ معاداته، وكون هذه المعاداة ليست حديثة العهد بنا، بل هي قديمة قِدَم الرسالة الإسلامية؛ والبعثة المحمدية؛ بل -في حقيقة الأمر- صاحبت كل نبي وواكبت كل رسول يريد بإذن ربه رفع الغشاوة عن العين وإماطة الران من فوق القلب ليعش الإنسان سعيدا بجوار بني جلدته، فمنذ أول بزوغٍ لفجرِ الإسلام، وأعداؤه يحيكون له المكايد و المكائد، وينصبون له الفخاخ والمصايد، لا لشيء إلا لأنه الدين الذي ارتضاه الله -تعالىٰ- لجميع الخلق، إِنْسِهِم، وجِنِّهِم، عَرَبِهِم، وَعَجَمِهم... ليخرج الناس كافة من ظلمات الجهل؛ ويرفع عنهم تراب العي ويوقف حملات الدجل والتشكيك.. في الفصل السابق عشنا حالات مِن الإيذاء النفسي والمعنوي لسيد بني آدم -ولا فخر- فكان: أولاً :" العنصر الأول: الإيذاء النفسي والمعنوي لرسول الله -ﷺ-: "... ولعله من المفيد لحامل الدعوة التعايش مع السيرة المحمدية معايشة عملية وليس فقط الإطلاع على الهدي المحمدي إطلاع نظري؛ إذ يجب التأسي بالسيد الجليل والنبي النبيل - عملا وقولا وفعلا وسلوكا- فيما يعانيه في كل زمان من يحمل راية الإسلام حملا يوافق سنته-صلى الله عليه وآله وسلم-ويوافق طريقته ويلتزم هديه ... أكمل اليوم مع : العنصر الثاني في المحاولات اليائسة لإيقاف سير الدعوة المحمدية الخاتمة والرسالة النبوية الأخيرة الفاصلة بين الحق والباطل... والحديث اليوم عن : الإيذاء البدني لصاحب الدعوة... بحثي - إذا شاءَ اللهُ تعالىٰ؛ وإذنَ - عن معاداة صاحب الرسالة العصماء من قِبل المشركين؛ الذين ناصبوه العداء؛ إذ أنه جعل الألةَ إِلَهً واحدا، والكفار؛ الذين رفضوا سماع قولة الحق... كانت تعلو فوق رؤسهم 360 صنما ووثنا يعبد من دون الله -تعالىٰ- الواحدالقهار الرزاق الأحد الفرد الصمد؛ وقبلوا بتحكيم الهوى والنفس الأمارة بالسوء وتحقيق المصالح الوضيعة... وبحثي عن الحرب علىٰ صاحب السُّنة التي توافق النفس البشرية؛ وتتفق مع الفطرة الإنسانية؛ وتتمشى مع الكينونة الآدمية.،، حربٌ -منذ اللحظات الأولىٰ ومازالت- ضد مبادئ الإسلام وقيمه ومفاهيمه ومعالجاته، ولسوف -إذا إذن ليَّ الرحمن - أتطرق إلىٰ إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم عبر الفترة المكية ومن ثم المدنية ومراحلهما المتعددة - أو ما اصطلح عليه بــ تأريخ زمن الوحي ونزول الرسالة-، أي منذ بداية دعوته-صلى الله عليه وسلم-إلىٰ إنتقاله إلىٰ الرفيق الأعلىٰ، وسوف -علىٰ قدر الإستطاعة والطاقة- أُرَكِّز الحديث علىٰ المواقف الكبرىٰ التي تعرَّض فيها خاتم رسل الله وآخر مبتعثيه للإيذاء، سواء منه الجسدي أو النفسي والمعنوي؛ إذ أن الإيذاء يبقىٰ إيذاءً، مهما اختلفت أشكاله وتنوعت طرقه. ** ثانياً: العنصر الثاني: ويصلح أن نسميه المرحلة الثانية من مراحل العداوة والإيذاء البدني للرسول الأعظم-صلى الله عليه وسلم-: فَشِل الطواغيت في تخويف الرسول -ﷺ-، والذين آمنوا معه، أو إغرائهم، فصبوا جام حقدهم علىٰ إيذائه صلى الله عليه وسلم إيذاءً بدنيًّا، فقد تعرَّض النبي الرسول -ﷺ- للإيذاء الجسدي علىٰ أيدي السفهاء من الكفار والمشركين وهو صابر مُحتَسِب، وعلينا جميعاً أنْ نفخر بهذه القدوة وتلك الإسوة للنبي الكريم الذي شرَّفَنا اللهُ تعالىٰ بأن انتسبنا إليه، فمن أجلنا ومن أجل إيصال الدين إلينا تحمَّل أشدَّ أنواع الإيذاء، فليس أقل من أنْ نتَّبعه ونتَّبع هديه ونتمسك بسُنَّته، ونحب مَنْ يُحِبُّه، ونُبغِض مَنْ يُبغضه. ومن صور الإيذاء محاولة خنق الرسول-ﷺ-وهو يصلي، فــ :" عن عبدِاللهِ بنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - أنه قال: «بَيْنَا النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم-يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ؛ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّىٰ أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيّ ِ صلى الله عليه وسلم، وقَالَ: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ } [غافر: 28] ». وبَوّب الإمام مسلم في صحيحه: تحت عنوان : « مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ» ؛ وذكره البخاري: فــ يحدّثنا عَبْدُاللَّهِ بن مسعودٍ- رضي الله عنه - أن النبي-ﷺ-كان يُصلّي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوسٌ، إذ قال بعضهم لبعض :" أيُّكم يجيء بسلىٰ جزور بني فلان فيضعَه علىٰ ظهر محمد إذا سجد... فانبعث أشقىٰ القوم فجاء به، قَالَ:«بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ؛ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُبْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلاَ جَزُورٍ... فَقَذَفَهُ عَلَىٰ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-[ووضعه بين كتفيه]، [قال : فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم علىٰ بعض (أي يتهم آحدهم الآخر بهذه الفعلة الشنيعة)، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم ساجد ] فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ [فرفع ﷺ رأسه]، وَدَعَتْ عَلَىٰ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ»... يكمل الصحابي الجليل- عَبْدُاللَّهِ بن مسعودٍ – فيقول:« وأنا أنظر لا أُغني شيئاً، لو كانت لي مَنَعَة» [بمعنى أنه من لم يكن قدرة علىٰ فعل شئ ما!]". ثم قال-ﷺ- : 《 اللهمَّ عليك بقريش 》 ثلاث مرات . فشقَّ عليهم إذ دعا عليهم، قال : «وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة»، ثم سمّىٰ : 《 اللهمَّ عليك بأبي جهل، وعليك بعُتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأُميّة بن خلف، وعقبةبن أبي مُعيط》... وعدَّ السابع فلم نحفظه . قال : «فوالذي نفسي بيده، لقد رأيتُ الذين عدَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، صرعى في القليب، قليب بدر» ... وفي هذا الرجل - أعني: عُقبةَ بن أبي مُعَيط - نزل قولُ الله تعالىٰ: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَاوَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً } [الفرقان: 28، 29] .*.] الشوك على درب النبي ومن صور إيذائه صلى الله عليه وسلم ما كانت تقوم به امرأة أبي لهب: فقد كانت تحمل الشوك، تلقي بالاشواك في طريق النبي المصطفى والرسول المجتبى والحــبــيــــــب المرتضى وتضعه أمام دربه يومياً، فتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وعلىٰ بابه ليلاً... وكانت امرأةً سليطةً تبسط فيه لسانَها، وتطيل عليه الافتراء والدَّس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك وصفها القرآن بِحمَّالة الحطب... فــ نزلت بها آيات سورة المسد آيه 4،5 { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } . ولم يتوقف الإيذاء عند هذا الحد، فلما يئس رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة خرج باحثًا عن ملاذ جديد للدعوة الإسلامية ولنصرة الدعوة، فوقع اختياره علىٰ الطائف، فقرَّر النبِيُّ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يَخرج بالدَّعوة مِن مكةَ إلىٰ الطائف؛ لعلَّه يجد بينهم من يؤمن بهذه الرِّسالة الخالدة، ويطلب النُّصْرة والعونَ من أهلها، ويَرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عندِ الله تعالىٰ، فلم يجد من يؤويه أو ينصره، فآذوه مع ذلك أشد الأذىٰ، ونالوا منه ما لم ينله قومه، وهذه الحادثة من صور إيذائه البدني ﷺ ... كان معه زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم عشرة أيام لا يَدَعُ أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلَّمَه... ما قام به أهل الطائف: حينما ذهب إليهم يدعوهم إلىٰ الدخول في دين الله تعالىٰ، فتحدثنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: « هَلْ أَتَىٰ عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ »، قَالَ: 《 لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَىٰ ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَىٰ مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَىٰ وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِى... فَقَالَ: « إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ »، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: « يَا مُحَمَّدُ! »؛ فَقَالَ: « ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ »، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:《 بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا》 ... قالوا له ﷺ:" اخرج من بلدنا "... وأَغْرَوا به سفهاءهم، فلمَّا أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبُّونه ويصيحون به حتىٰ اجتمع عليه الناس، فوقفوا صَفَّين وجعلوا يرمونه بالحجارة، ورجموا عراقيبه حتىٰ اختضب نعلاه بالدماء... فكانوا يرمونه بالحجارة حتىٰ دَمِيَت قدماه، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتىٰ أصيب في رأسه، فانصرف راجعًا إلىٰ مكة محزونًا، ... بأبي أنت وأمي ونفسي يارسول الله ﷺ، يقذفونك بالحجارة، فترد عليهم بالدعاء لهم، وترفض أنْ يُعذِّبهم الله تعالىٰ؛ بأنْ يُطبِق عليهم الأخشبين. فــ أيُّ رحمة هذه! إنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة مِن رب العالمين إلىٰ البشرية جمعاء، ولِمَ لا، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. وفي مرجعه ذاك دعا بالدعاء المشهور، دعاء الطائف: 《 اللَّهمَّ(!)... إليك أشكو ضَعْف قوَّتي... وقلَّة حيلتي... وهواني علىٰ النَّاس... يا أرحم الرَّاحمين(!)... أنتَ ربُّ المستضعَفِين وأنت ربِّي... إلىٰ من تَكِلُني(!) إلىٰ بعيدٍ يتجهَّمني(!)... أم إلىٰ عدوٍّ ملَّكْتَه أمري(!)... إن لم يكن بكَ عليَّ غضبٌ فلا أبالي... ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي... أعوذ بنور وجهك الَّذي أشرقَتْ له الظُّلمات... وصلحَ عليه أمر الدُّنيا والآخرة مِن أن تُنْزِل بيَّ غضبك... أو يحلَّ عليَّ سخطك... لك العُتْبَى حتَّىٰ ترضىٰ... ولا حول ولا قوَّة إلا بك 》. ...حين أوذي الرسول صلى الله عليه وسلم وسالت الدماء من قدميه الشريفتين، وأصابه من الهم والحزن ما جعله ينْطَلِقُ عَلَىٰ وَجْهِه ولم يَسْتَفِقْ إِلا وجبريل -عليه السلام- قائم عنده يقول له:« إن شئت يا محمد أن أُطْبِق عليهم الأخشبين»، فأتىٰ الجواب منه –عليه الصلاة والسلام والرحمات والبركات - بالعفو عنهم قائلاً: 《 أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالىٰ وحده لا يشركُ به شيئًا 》. هذا مُجْمَل ما ورد في حادثتي الخنق والخروج إلى الطائف، وما تعرض فيهما. تأمَّلوا – معي... يا أتباع النبي المصطفىٰ والرسول المجتبى ٰالمجتبىٰ - يسير النبي صلى الله عليه وسلم مشياً علىٰ قدميه من مكة إلىٰ الطائف مسيرة ستين ميلاً، ليس معه إلاَّ زيد بن حارثة، يسير في صحراء قاحلة من أجل إبلاغ دعوة ربه، فيقابله أهلها بهذا الجفاء وهذه الإهانة وهذاالإيذاء، وتدمى قدماه الشريفتان، ويتسلَّط عليه السُّفهاء، ويسبُّه الأشقياء، ويؤذيه التُّعساء، فيشق علىٰ نفسه الكريمة ذلك، وهو ثابت ثبوت الجبال، واثِقٌ فيما عند الله تعالىٰ، يسير في طريق دعوته بِلا كلل ولا ملل. فهذا نبيكم يتحمل العناء الشديد كي يخرج العباد من عبادة العباد إلىٰ عبادة رب المخلوقات والعباد... يُؤذىٰ في صبر، يجرح ويتألم ويكمل مسيرة الدعوة؛ ويعفو ويصفح، فاتخذوه أسوةً لكم وتحمَّلوا في سبيل دينكم ما قد تجدوه مِن المشقَّة والعناء. *. ] هذه بعض مظاهر الإيذاء التي تعرَّض لها النبي الأكرم والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من قومه؛ لِيُثنوه عن دعوته، وبقيت صورة أخرىٰ من صور الإيذاء التي مارسها مشركو قريشٍ ضد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي المقاطعة؛ حيث تحالف المشركون علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم، وتعاهدوا علىٰ ألاَّ يُبايعوهم ولا يُجالسوهم ولا يُخالطوهم ولا يَدخلوا بيوتهم ولا يُكلِّموهم حتىٰ يُسلِموا إليهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم للقتل. فانحاز بنو هاشم وبنو المطَّلب مؤمنهم وكافرهم إلاَّ أبا لهب، وحُبِسوا في شعب أبي طالب، واستمرَّ هذا الحِصار ثلاثة أعوام، واشتدَّ الحصارُ حتىٰ بلغهم الجَهْد، فأكلوا الأوراق والجلود، وكان يُسمع من وراء الشِّعب أصوات نسائهم وصبيانهم تصيح من الجوع... ثلاثة أعوام يعيش فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه في مقاطعة تامة؛ من أجل الضغط عليه لتقديم تنازلات ويترك دِينه الحق، ولكنه صبر وثبت... فداك أبي وأمي ونفسي يا رسول الله ﷺ... إنَّ قوة الحقِّ أقوىٰ من كلِّ الصِّعاب، ومن كلِّ المِحَن، فللحق صوته وقُوَّته، فتمسَّكوا بالحق واصبروا عليه، { وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [العصر: 1-3D. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نستخلص العبر والدروس من الحالات السابقة ؛ فنجد :" حِلم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصبره علىٰ الأذىٰ والحِلم: هو ضبْط النفس عند هَيجان الغضب. والغضب: هو ثورة النفس وغَليان القلب؛ لتملُّك الشيطان من النفس والعقل. فالحلم مَلَكة تعمل علىٰ ضبْط النفس، وهو درجة سامية لا يصل إليها إلا من استطاع أن يَكبح زِمام غضبه. وللحلم مكانة عظيمة؛ لأنه صفة من صفات العلي العظيم، الذى له صفات الكمال؛ كما أخبر -سبحانه - عن نفسه: { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } [البقرة: 263]. وأيضًا من صفات الأنبياء: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114]. ودلَّنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورغَّبنا في الحلم بقوله: 《 من كظَم غيظًا وهو قادر علىٰ أن يُنفذه، دعاه الله - عز وجل - علىٰ رؤوس الخلائق يوم القيامة؛ حتىٰ يُخيَّر من الحور العين ما شاء》. وحثَّ - صلى الله عليه وسلم - علىٰ الحلم حينما قال رجل:" أوصني يا رسول الله"، قال - صلى الله عليه وسلم -: 《 لا تَغضب》، فردَّد مرارًا، قال: 《 لا تَغضب 》. فدعانا - صلى الله عليه وسلم - بقوله للحلم، كما كانت سيرته - صلى الله عليه وسلم - دعوة عملية إلىٰ الحلم في مواقفَ كثيرةٍ معلومة مشهورة؛ منها: ما حدَث حينما كُسِرت رَباعيَتُه وشُجَّ وجْهُه - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد، وقد شقَّ ذلك علىٰ أصحابه كما يروي لنا أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قيل: « يا رسول الله، ادعُ علىٰ المشركين»، قال - صلى الله عليه وسلم -: 《 إني لم أُبعَث لعَّانًا؛ وإنما بُعثت رحمة 》. وينقل ابن مسعود - رضي الله عنه - لنا ذلك؛ حيث قال: « كأني أنظر إلىٰ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًّا من الأنبياء ضرَبه قومه فأدْمَوه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: 《 اللهمَّ اغفِر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون 》». انظر ما في هذا القول من جِماع الفضل، ودَرجات الإحسان، وحُسن الخلق، وكرَم النفس، وغاية الصبر والحلم؛ إذ لم يَقتصر -صلى الله عليه وسلم - علىٰ السكوت عنهم حتىٰ عفا عنهم، ثم أشفَق عليهم ورحِمهم، ودعا وشفَع لهم، فقال: 《 اغفر 》، أو 《 اهدِ 》، ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله: 《 لقومي 》، ثم اعتذر عنهم بجهْلهم، وقال: 《 فإنهم لايعلمون 》. ويوم ذهب إلىٰ أهل الطائف يدْعوهم، فسبُّوه وآذَوه أيَّما إيذاءٍ، وسلَّطوا عليه السفهاء وقذَفوه بالحجارة، وسخِروا منه، وردُّوه... فماذا كان منه - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي ونفسي؟! هل دعا عليهم؟ هل طلب من ربِّه أن يَنتقم منهم؟ هل غضِب وثأَر لنفسه؟ هل تمرَّد علىٰ القيام برسالته وتقاعس عن إتمام دعوته؟ كلا وألف كلا ... لا والله بأبي هو وأمي ونفسي، ما كان ذلك،بل كان الصبر والحلم والحرص علىٰ نجاة قومه، بل الخوف من أن يكون قد قصَّر في رسالته ودعوته. وهذاهو ربُّهُ -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- قد أرسَل إليه جبريل ومعه ملك الجِبال - عليهما السلام - ليَأمره النبيُّ- صلى الله عليه وسلم - بما يشاء، فيأبىٰ إلا الدعاءَ لقومه، والأمل في الله بهدايتهم. فما أعظمه من نبي وما أحلَمه! فمن يَملك مثل هذا الحلم من البشر؟! وتعالَوا لنعيد علىٰ مسامعنا ما ترويه لنا أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها وعن ابيها وأمها وأختها وأخيها-؛ حيث إنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل أتىٰ عليك يوم أشدُّ من يوم أُحد؟؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: 《 لقد لَقيت من قومك ما لَقيت، وكان أشد ما لقيتُ منهم يوم العَقبة؛ إذ عرَضت نفسي علىٰ ابن عبد ياليل بن عبد كُلال، فلم يُجبني إلىٰ ما أردت، فانطلَقت وأنا مهموم علىٰ وجهي، فلم أستفِق إلا وأنا بقَرن الثعالب، فرفَعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرَتُ فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال:« إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملَك الجبال؛ لتَأمره بما شِئت فيهم»، فناداني ملك الجبال، فسلَّم علي،ثم قال:« يا محمد، ذلك فما شِئت، إن شئت أُطبق عليهم الأخْشَبين»، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: 《 بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئًا》 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ *. . ] تعرض النبي للقتل حاول الكفار قتل النبي وأرسلوا من يقتله، كما أطلقوا الجوائز والمال والنساء لمن يأتي برأس محمد -عليه السلام-، ولكن كان الله معه يحفظه ويُنير دربه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ الفصل الثاني من بحث أذى المشركين الذي لحق بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم-. الإيذاء البدني. ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٢ هــ ~ 01 فبراير 2021 من الميلاد العجيب لعيسى ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام- نال شرف قراءة المراجع ومتابعة المصادر؛ وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث: د. محمدالرمادي **. (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
27 / 02 / 2021, 26 : 03 PM | المشاركة رقم: 358 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
03 / 03 / 2021, 44 : 01 AM | المشاركة رقم: 359 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه [ ٨٢ ] ( الْأَذِيَّةُ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الأوائل ) المستضعفون؛ مثالا عمار بن ياسر -رضي الله تعالىٰ عنه- نحن ما زلنا نعيش ونتعايش مع الفترة -العهد- المكية؛ بما تحمل مِن أحداث جسام ومواقف عظام في حياة النبوة الخاتمة وزمن الرسالة المتممة لبقية رسالات رب الأرضين والسموات بما فيها من مراحل وننتقل عبر مفاصل وروابط بين كل مرحلة وآخرىٰ حتىٰ نصل بسلام إلىٰ الفترة المدنية؛ بناء أول كيان تنفيذي إسلامي: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ سَبْعَةٌ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَ ١ . ] أَبُو بَكْرٍ وَ ٢ . ] عَمَّارٌ وَ ٣ . ] أُمُّهُ سُمَيَّةُ ، وَ ٤ . ] صُهَيْبٌ وَ ٥ . ] بِلَالٌ وَ ٦ . ] الْمِقْدَادُ « و جاء في الحلية : خباب»؛بدلا من المقداد... وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ :« أَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ مِنَ الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ ؟» قَالَ : «نَعَمْ وَاللَّهِ(!) ، إِنْ كَانُوا لَـــ - يَضْرِبُونِ أَحَدَهُمْ وَ - يُجِيعُونَهُ وَ - يُعَطِّشُونَهُ ، حَتَّىٰ مَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا مِنْ شِدَّةِ الضُّرِّ الَّذِي بِهِ ، حَتَّىٰ يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنَ الْفِتْنَةِ ، حَتَّىٰ يَقُولُوا لَهُ : " اللَّاتُ وَالْعُزَّى إِلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ؟ " ؛ فَيَقُولُ : نَعَمْ . « افْتِدَاءً مِنْهُمْ ؛ مِمَّا يَبْلُغُونَ مِنْ جُهْدِهِمْ ». وَفِي مِثْلِ هَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-:{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. } ، فَهَؤُلَاءِ كَانُوا مَعْذُورِينَ بِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْإِهَانَةِ وَالْعَذَابِ الْبَلِيغِ . أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ . ذكر المستضعفين مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا تَذَامَرُوابَيْنَهُمْ عَلَىٰ مَنْ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مَعَهُ ، فَــ - وَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَىٰ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، - يُعَذِّبُونَهُمْ وَ - يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَ - مَنَعَ اللَّهُ مِنْهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ. روى عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه: - عمار بن ياسر، و - خباب بن الأرتّ، و - صهيب بن سنان، و - بلال بن رباح، و - أبو فكيهة، و - عامر بن فهيرة... و أشباههم من المسلمين. فتهزأ قريش بهم ويقول بعضهم لبعض: "هؤلاء جلساؤه كما ترون، قد مَنَّ الله عليهم [الأنعام(6/ 53)] من بيننا :{ وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَـٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَاۗ} . فأنزل الله -عز وجل- فيهم:{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ؟ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} . و كانوا قوما لا عشائر لهم ولا منعة. فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء أنصاف النهار، ليرجعوا إلى دينهم. و فيهم نزلت:{ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}. و المُبَالَغَةُ فِي الْأَذِيَّةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ؛ فــ أبدءُ بـــ « ١ » ﴿ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ أَبُو الْيَقْظَانِ ﴾ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الْمُمْتَلِئُ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَالْمُطَمْئِنُ بِالْإِيقَانِ وَالْمُتَثَبِّتُ حِينَ الْمِحْنَةِ وَالِافْتِتَانِ ، وَالصَّابِرُ عَلَى الْمَذَلَّةِ وَالْهَوَانِ ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ؛ كَانَ لَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنَ الْبَشَاشَةُ وَالتَّرْحِيبُ ،وَالْبِشَارَةُ بِالتَّطْيِيبِ . كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ، وَبَعَثَهُ عمر عَلَى الْكُوفَةِ أَمِيرًا ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ إِنَّهُ مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ، كَانَ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ تَشْتَاقُ إِلَيْهِمُ الْجَنَّةُ ، لَمْ يَزَلْ يَدْأَبُ لَهَا وَيَحِنُّ إِلَيْهَا إِلَى أَنْ لَقِيَ الْأَحِبَّةَ ، مُحَمَّدًا وَصَحْبَهُ . عمار بن ياسر بن عامر بن مالك، أحد بني عنس أخى مراد ابن مالك بن أدد بن زيد. وكان عنس يسمىٰ زيدا. وكان كُنية عمار (أبا) اليقظان، وكنية ياسر أبا عمار. و يقال: أبا عبدالله، وكان حليفا لبني مخزوم. عن هشام بن الكلبي وغيره قال: قدم ياسر بن عامر، وأخواه الحارث ومالك، مكةَ من اليمن يطلبون أخا لهم. فرجع الحارث ومالك إلىٰ اليمن، وأقام ياسر بمكة وحالف أبا حذيفة بْن المغيرة بْن عَبْداللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. فزوجه أبو حذيفة أَمَةً له يقال لها ﴿ سُمَيَّة بنت خيّاط ﴾ : فولدت له ﴿ عمارا ﴾ : فأعتقه أبو حذيفة، ولم ياسر. وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات... و جاء الإسلام. فأسلم ياسر، وسُمَيَّةُ، وعمار، وأخوه عبدالله بن ياسر. وكان لياسر ابن آخر، أكبر من عمار وعبدالله، يقال له حريث. فقتله بنو الديل في الجاهلية. وَحَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ ﴿ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ﴾: « لَقِيتُ ﴿ صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ ﴾ عَلَىٰ بَابِ دَارِ الأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- فِيهَا. فَــ قُلْتُ لَهُ: « مَا تُرِيدُ؟» فَـــ قَالَ: « مَا تُرِيدُ أَنْتَ؟» قُلْتُ: « أُرِيدُ أَنْ أَدْخُلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ فَأَسْمَعَ كَلامَهُ ». قَالَ: « وَأَنَا أُرِيدُ ذَلِكَ». فَــ دَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَــ عَرَضَ عَلَيْنَا الإِسْلامَ. فَــ أَسْلَمْنَا، ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا عَلَىٰ ذَلِكَ حَتَّىٰ أَمْسَيْنَا. ثُمَّ خَرَجْنَا مُسْتَخْفِينَ. فَــ كَانَ إِسْلامُ ﴿ عَمَّارٍ ﴾ ؛ وَ ﴿ صُهَيْبٍ ﴾: بَعْدَ إِسْلامِ بِضْعَةٍ وَثَلاثِينَ رَجُلا. وعن مجاهد قال: « أول مَن أظهر الإسلام : - ﴿ أبو بكر ﴾ ، و - ﴿ بلال﴾، و - ﴿ خباب ﴾، و - ﴿ صهيب ﴾ ، و - ﴿ عمار ﴾. عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ : اسْتَأْذَنَ عمار عَلَى النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] فَقَالَ : «ائْذَنُوا لَهُ مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ » . تَأْلِيبُ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ -وَأَصْحَابِهِ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : وَحَدِبَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَمَنَعَهُ ، وَقَامَ دُونَهُ ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] عَلَى أَمْرِ اللَّهِ مُظْهِرًا لِدِينِهِ لَا يَرُدُّهُ عَنْهُ شَيْءٌ ؛ فَــ قَالُوا : يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ سَبَّ آلِهَتَنَا ، وَعَابَ دِينَنَا ، وَسَفَّهَ أَحْلَامَنَا ، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا وَفَرَّقَ الْجَمَاعَةَ فــ أما رسول الله [ﷺ] ، فمنعه قومه. و أما الآخرون فألبسوا دروع الحديد، وصهروا في الشمس حتىٰ بلغ الجهد منهم. تَعْذِيبُ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ لِاتِّبَاعِهِمُ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فَوَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَىٰ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَجَعَلُوا يَحْبِسُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ بِالضَّرْبِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ ، وَبِرَمْضَاءِ مَكَّةَ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ ؛ مَنِ اسْتَضْعَفُوهُ مِنْهُمْ ، يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُفْتَنُ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ الَّذِي يُصِيبُهُمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْلُبُ لَهُمْ ، وَيَعْصِمُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ... وجاء أبو جهل إلىٰ سمية، فطعنها في قُبُلها. فهي ﴿ أول شهيد في الإسلام ﴾. قال عبدالله بن محمد:« بلغني أنها أغلظت له في القول، فأغضبته ». عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: « أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَىٰ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ مُتَجَرِّدًا فِي سَرَاوِيلَ »، قَالَ: «وَنَظَرْتُ إِلَىٰ ظَهْرِهِ، فَإِذَا فِيهِ حَبَطٌ ». فَــ قُلْتُ لَهُ: « مَا هَذَا؟ » قَالَ: « هَذَا مِمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَذِّبُنِي فِي رَمْضَاءِ مَكَّةَ ». قال الواقدي:" كان عمار يعذب حتىٰ لا يدري ما يقول". و " كان أبو فكيهة يعذب حتىٰ لا يدري ما يقول". و " بلال، وعامر بن فهيرة، وقوم من المسلمين". وفيهم نزلت هذه الآية: { وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } . قال الواقدي: « إنها نزلت في أبي سلمة بن عبدالأسد، وعثمان ابن مظعون. وكان أول من قدم المدينة ». حدث أبو مالك، في قوله: { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ } ، قال: « هو عمار ». عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: « لَمَّا أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا، فَعَذَّبُوهُ لَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّىٰ سَبَّ النَّبِيَّ [ﷺ] وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. فَـــ لَمَّا أَتَى النَّبِيَّ [ﷺ] ، قَالَ: 《 وَمَا وَرَاءَكَ؟ 》 قَالَ: « شَرٌّ، وَاللَّهِ، مَا تَرَكَنِي الْمُشْرِكُونَ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ». قَالَ:《 فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ 》 قَالَ: « مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ ». قَالَ:《 فَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ.》 .. فَنَزَلَتْ فِيهِ: { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ} . عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ النَّبِيَّ [ﷺ] لَقِيَ عَمَّارًا وَهُوَ يَبْكِي. فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: 《 أَخَذَكَ الْكُفَّارُ،فَغَطُّوكَ فِي الْمَاءِ 》، فَـــ 《 قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ عَادُوا، فَقُلْ ذَاكَ لَهُمْ》 . عَنْ عَبْدِالْحَكِيمِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ:« عَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا »، وَقَالُوا:" لا نُفَارِقُكَ أَبَدًا حَتَّىٰ تَشْتُمَ مُحَمَّدًا، وَحَتَّىٰ تَقُولَ اللاتُ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ". فَفَعَلَ. فَتَرَكُوهُ. فَأَتَىٰ النَّبِيَّ [ﷺ] ، فَقَالَ: 《 أَفْلَحَ وَجْهُكَ 》. فَقَالَ:« وَاللَّهِ، مَا أَفْلَحَ». قَالَ: 《 وَلِمَ؟ 》 قَالَ: « نِلْتُ مِنْكَ، وَزَعَمْتُ أَنَّ اللاتَ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِكَ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] :《 فَكَيْفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ؟ 》 قَالَ: « وَجَدْتُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ، أَشَدَّ مِنَ الْحَدِيدِ فِي دِينِي ». قَالَ: 《 فَلا عَلَيْكَ، وَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ 》. قَالَ: «فَعَمَّارٌ الَّذِي أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان.» والذى { شرح بالكفر صدرا } : عَبْداللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح. عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، في قوله { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ } ، قال:« ذاك عمار». وفي قوله { وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً } ، قال: عَبْداللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح. عَنْ أُمِّ هاني: أنّ عمار بن ياسر، وأباه ياسر، وَأَخَاهُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ يَاسِرٍ، وَسُمَيَّةَ أُمَّ عَمَّارٍ كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ. فَمَرَّ بِهِمُ النَّبِيُّ [ﷺ] ، فَقَالَ: 《 صَبْرًا «أبشروا» آلَ يَاسِرٍ، فَإِنْ مَوْعِدَكُمُ « فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى » الْجَنَّةُ. 》 فَمَاتَ يَاسِرٌ فِي الْعَذَابِ. وَأَغْلَظَتْ سُمَيَّةُ لأَبِي جَهْلٍ، فَطَعَنَهَا فِي قُبُلِهَا، فَمَاتَتْ. وَرُمِيَ عَبْدُاللَّهِ، فَسَقَطَ. عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ [ﷺ] :《 الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَىٰ ثَلاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِي: «عَلِيٍّ»، وَ «عَمَّارٍ»، وَ «بِلالٍ» 》 . قلت(الرمادي): تعددت روايات هذا الحديث وكذا عدد الصحابة؛ والحديث فيه اضطراب وضعف!. عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: « أُتِيَ النَّبِيُّ [ﷺ] فَقِيلَ لَهُ: " وَقَعَ عَلَى عَمَّارٍ حَائِطٌ ، فمات "». فقال: 《 ما مات عمار》 قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : « وَكَانَتْ بَنُو مَخْزُومٍ يَخْرُجُونَ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ إِسْلَامٍ إِذَا حَمِيَتِ الظَّهِيرَةُ يُعَذِّبُونَهُمْ بِرَمْضَاءِ مَكَّةَ ، فَيَمُرُّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] فَيَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي : « صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ مَوْعِدُكُمُ الْجَنَّةُ ». وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ :《 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [ﷺ] مَرَّ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ ، فَقَالَ : « أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ وَآلَ يَاسِرٍ ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ » 》. فَأَمَّا أُمُّهُ فَقَتَلُوهَا ؛ تَأْبَى إِلَّا الْإِسْلَامَ . عَن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: غَزَتْ بَنُو عُطَارِدٍ مِنَ الْبَصْرَةِ مَاهَ، وَأَمَدُّوا بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ عَلَىٰ الْكُوفَةِ. فَخَرَجَ عَمَّارٌ قَبْلَ الْوَقْعَةِ وَقَدِمَ بَعْدَهَا، فَقَالَ: «نَحْنُ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْغَنِيمَةِ ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُطَارِدٍ، فَقَالَ: " أَيُّهَا الْعَبْدُ الأَجْدَعُ - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِي حَدِيثِهِ: «الْمُجْدَعُ» ، وَكَانَتْ أُذُنُهُ أُصِيبَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- أَتُرِيدُ أَنْ نَقْسِمَ لَكَ غَنِيمَتَنَا؟ " ، فَقَالَ عَمَّارٌ: «عَيَّرْتَنِي بِخَيْرِ أُذُنَيَّ، وَأَحَبِّ أُذُنَيَّ إِلَيَّ ». فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَىٰ عُمَرَ. فَكَتَبَ: « الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ». عن ابن عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَوْمَ الْيِمَامَةِ عَلَىٰ صَخْرَةٍ وَقَدْ أَشْرَفَ، وَهُوَ يَصِيحُ: « يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَمِنَ الْجَنَّةِ تَفِرُّونَ؟ أَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. هَلُمُّوا إِلَيَّ » . وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَىٰ أُذُنِهِ قَدْ قُطِعَتْ، فَهِيَ تُذَبْذِبُ وَهُوَ يُقَاتِلُ أَشَدَّ قِتَالٍ. عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِعَمَّارٍ: أَيُّهَا الأَجْدَعُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: خَيْرُ أُذُنَيَّ سَبَبْتَ. عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ- قَالَ:« أَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] آخِذٌ بِيَدَيَّ وَنَحْنُ نَتَمَاشَىٰ بِالْبَطْحَاءِ، إِذْ أَتَيْنَا عَلَىٰ أَبِي عَمَّارٍ، وَعَمَّارٍ، وَأُمِّهِ. وَهُمْ يُعَذَّبُونَ ». فَقَالَ يَاسِرٌ:« أَهَكَذَا يَكُونُ الدَّهْرُ كُلُّهُ؟» فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: 《 اصْبِرْ،اللَّهُمَّ اغفر لآل ياسر، وقد فعلت 》 . عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ]: 《 اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ 》. أَوْ قَالَ:《 وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ 》 عَنْ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: « مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الْعَطَّارِ، إِلا تَجِدْ مِنْ عِطْرِهِ، يَصِلْ إِلَيْكَ رِيحُهُ ». وَ « مَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ مَثَلُ الْكِيرِ، إِنْ لَمْ يَحْرِقْكَ بِنَارِهِ، أَصَابَكَ مِنْ شَرَرِهِ وَنَتْنِ رِيحِهِ.» عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، قَالَ: »كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَىٰ الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ [ﷺ] عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ». وَ « أَوَّلُ مَنْ بَنَىٰ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ». حَدَّثَ سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: « أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي بَيْتِهِ يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارٌ ». عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ: قُلْنَا لَهُ: « أَخْبِرْنَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ». قال: « مؤمنا نشأ، إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ » . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: { أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَاللَّيْلِ } ، قَالَ: « نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ». وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: « أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] عَمَّارًا مَوْضِعَ دَارِهِ. وَشَهِدَ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ [ﷺ]». عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مضرب العبدى، قَالَ:« قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ- بِالْكُوفَةِ: « أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَمِيرًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا، وَهُمَا مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ[ﷺ] مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ عَلَىٰ نَفْسِي. فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيعُوا، وَاقْتَدُوا بِهِمَا. وَقَدْ جَعَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَىٰ بَيْتِ مَالِكُمْ، وَحُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَىٰ السَّوَادِ. وَرَزَقْتُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَاةً » . قَالَ: « فَجَعَلَ شَطْرَهَا وَبَطْنَهَا لِعَمَّارٍ، وَالشَّطْرَ الْبَاقِي بَيْنَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ ». عن الحسن، قَالَ: قَالَ عُمَرُ:« إِنَّمَا وَلَّيْتُ عَمَّارًا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَىٰ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ} . عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:« أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَكَوْا سَعْدًا، فَأَكْثَرُوا. فَعَزَلَهُ وَوَلَّى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ الْكُوفَةَ ». عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ:« إِنَّ عُمَرَ عَزَلَ سَعْدًا عَنِ الْعِرَاقِ، وَقَاسَمَهُ مَالَهُ » . وَ « وَلَّى عَمَّارَ بْنَ ياسر بعدّه ». عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: « أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَخْطُبُ كُلَّ خَمِيسٍ، وَيَدَعُ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لِلأَمِيرِ، وَهُوَ عَمَّارٌ ». عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ تَيْمِ اللَّهِ سَمِعَهُ، يَقُولُ: «كَانَ عمارا عَلَيْنَا سَنَةً يَخْطُبُنَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فِي عِمَامَةٍ سَوْدَاءَ ». عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ:« أَنَّ عَمَّارًا كَانَ إِذَا خَطَبَ، سَلَّمَ ». عَنْ إِبْرَاهِيمَ:« أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ يَقْرَأُ عَلَىٰ الْمِنْبَرِ { يس } » . فَقَالَ لَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ:«وَمَا أَرَحْنَا مِنْ يَاسِينِكَ ». عَنْ أَبِي زُبَيْدَةَ عَبْثَرٍ، قَالَ:« خَطَبَ عَمَّارٌ بِخُطْبَةٍ وَجِيزَةٍ ». فَقِيلَ لَهُ:« لَوْ زِدْتَ فِي خُطْبَتِكَ؟» فَقَالَ: « أُمِرْنَا بِتَقْصِيرِ الْخُطَبِ وَإِطَالَةِ الصَّلاةِ». قَالَ:« وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَىٰ الْمِنْبَرِ: { إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ }، فَيَنْزِلُ، فَيَسْجُدُ». عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: قَالَ عمار:« احدقوا هَذِهِ الصَّلاةَ قَبْلَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ ». عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: « رَأَيْتُ عَمَّارًا قَرَأَ يَوْمَ جُمُعَةٍ { إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ } ، فَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ». عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدٍ:« أَنَّ عَمَّارًا كان لا يرى بأسا بالعراض إذا قتل ».[ كأنه عراض الصيد] عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: « إِنَّا لَمَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ إِذْ عُرِضَ لَهُ حِمَارٌ وَحْشٌ، فَأَسْرَعْنَا إِلَيْهِ بِالرِّمَاحِ، فَطَعَنَّاهُ بِهَا ». فَقَالَ عَمَّارٌ: « وَاللَّهِ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّىٰ إِذَا رُئِيَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِهَذَا، وَحَتَّىٰ إِنَّ الرَّجُلَ ليرىٰ علىٰ أحدهم العمامة الحسينة فَتُعْجِبُهُ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ مِنْ أَجْلِهَا وَيَأْخُذُهَا مِنْهُ ». عن علي ابن أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ:« رَأَىٰ عَمَّارٌ رَجُلا يُصَلِّي عَلَىٰ دَابَّتِهِ، فَأَخَذَ بِقَفَاهُ، فَحَطَّهُ عَلَىٰ قِرَارِ الأرض »، وقال: « صلّ ها هنا» . عَنْ قَتَادَةَ: " أَنَّ رَجُلا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَغْشَاهَا، وَظَنَّ أَنَّهُ لا طَلاقَ إِلا طَلاقُ السُّنَّةِ " . فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: " وَيْحَكَ إِنِّي قَدْ بِنْتُ مِنْكَ ". فَأَتَىٰ الْكُوفَةَ، فَسَأَلَ عَمَّارًا، فَقَالَ:"مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا دُفْعَةً، ثُمَّ غَشِيَهَا؟" فَقَالَ عَمَّارٌ:« لَوْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ، لَرَجَمْتُهُ». فَانْطَلَقَ إِلَىٰ امْرَأَتِهِ، فَسَرَّحَهَا، وَقَالَ: كَانَتْ حَلالا أُمُّ عَبْدِاللَّهِ * لِي لَوْ لَمْ تُطَلَّقْ حَجَزَ التُّقَىٰ عَنْهَا وَمَنْ * لا يَتَّقِ الرَّحْمَنَ يَوْبَقْ عَنْ رِبْعِيٍّ: أَنَّ عَمَّارًا أُتِيَ بِشَاةٍ مُصْلِيَةً فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ قَبْلَ رَمَضَانَ. فَتَنَحَّىٰ رَجُلٌ. فَقَالَ لَهُ:« إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَادْنُ وَاطْعَمْ». عن عبدالله ابن أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ:" لَمَّا بَنَى عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دَارَهُ "، قَالَ لِعَمَّارٍ:« تَعَالَ فَانْظُرْ إِلَىٰ مَا بَنَيْتُ ». فَنَظَرَ، وَقَالَ:« بَنَيْتَ شَدِيدًا، وَأَمَّلْتَ بَعِيدًا، وَسَتَمُوتُ قَرِيبًا». عَنْ مَيْمُونِ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَ:" سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ:« لا يَضْرِبُ رَجُلٌ عَبْدَهُ ظَالِمًا إِلا أُقِيدَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». حَدَّثَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَبَدَتْ لَهُ حَيَّةٌ. فَنَزَلَ، فَضَرَبَهَا حَتَّىٰ قَتَلَهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ [ﷺ] 《 اقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي صَلاتِكُمْ 》 . عن ابن أبى هذيل قال:" رأيت عمار يَشْتَرِي قَتًّا [القت: حب بري يأكله أهل البادية؛ وكذلك علف للدواب] بِدِرْهَمٍ، فَاسْتَزَادَ حَبْلا. فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَزِيدَهُ: فَجَاذَبَهُ، حَتَّىٰ قَاسَمَهُ إِيَّاهُ نِصْفَيْنِ. وَحَمَلَهُ عَمَّارٌ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِلَىٰ مَنْزِلِهِ- أَوْ قَالَ:الْقَصْرُ- وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ ". عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ:" رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقْطَعُ عَلَىٰ لِحَافِ ثَعَالِبَ ثَوْبًا ". عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ:" سئل عمار عن مسئلة، فَقَالَ:« هَلْ كَانَ هَذَا؟ » قَالُوا:" لا". قَالَ:« فدعونا حتىٰ يكون، فإذا كان تحشّمناها لكم». [تشجمناها. والتجشم: التكلف لحل معضلة] عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ:" وَشَىٰ بِعَمَّارٍ رَجُلٌ إِلَىٰ عُمَرَ، فَرَفَعَ عَمَّارٌ يَدَيْهِ فَقَالَ:« اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَبَ عَلَيَّ، فَابْسُطْ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَاجْعَلْهُ مَوْطُوءَ الْعَقِبِ ». حَدَّثَ أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قال:" كأن عمارا مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ سُكُوتًا وَأَقَلِّهِمْ كَلامًا ". وَكَانَ يَقُولُ:« أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ ». ثُمَّ عُرِضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ. عن بلال بن يحيى العبسى أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ: « سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ [ﷺ] يَقُولُ: 《 أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَىٰ الْفِطْرَةِ، أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَىٰ الْفِطْرَةِ. لَنْ يَدَعَهَا حَتَّىٰ يَمُوتُ أَوْ يُنْسِيَهُ الْهَرَمُ 》. عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: " شَاتَمَ عَمَّارًا رَجُلٌ "، فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ، فَأَنَا كَتَارِكِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كُنْ تَكَاذِبًا، فَأَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ، وَأَوْطَأَ الرِّجَالُ عَقِبَكَ » . حَدَّثَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:"سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ يُحَدِّثُ: أَنَّ عَمَّارًا قَالَ لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- يَوْمَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا فَرَغَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ: « سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،مَا أَبْعَدَ هَذَا الأَمْرَ مِنَ الأَمْرِ الَّذِي عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] إِلَيْكِ فِيهِ أَمَرَكِ أَنْ تَقَرِّي فِي بَيْتِكِ ». فَــ قَالَتْ: «مَنْ هَذَا؟ أَبُو الْيَقْظَانِ؟ » ، قَالَ:« نَعَمْ ». قَالَتْ:« وَاللَّهِ إِنَّكَ، مَا علمت، تقول الحقّ ». فَــ قَالَ:« الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَىٰ لِي عَلَىٰ لِسَانِكِ ». وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ:" أَحْرَقَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ بِالنَّارِ "، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] يَمُرُّ بِهِ، فَيَمُرُّ يَدَهُ عَلَىٰ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: 《 يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً علىٰ عَمَّارٍ كَمَا كُنْتِ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ 》. 《 تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَا عَمَّارُ》 . عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عنه-، قال:" لما اتخذ النَّبِيُّ [ﷺ] فِي بِنَاءِالْمَسْجِدِ، جَعَلَ يَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً. وَجَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّ النَّبِيَّ [ﷺ] جَعَلَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: 《 وَيْحَكَ، يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، تقتلك الفئة الباغية》 . حدث علي بن مجاهد، قال: " وقع بين عبدالله بن مسعود وبين عمار بن ياسر تشاجر في شيء. فعجل عمار. فجلس ابن مسعود. فبلغ ذلك عمر-رضي الله تعالى عنه-، فقال:« أتجلس ابن أم عبد؟ »؛ فعزل عمارا، وولى الكوفة المغيرة بن شعبة. حدث دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لعمار رضى الله تعالى عَنْهُمَا:« أَسَاءَكَ عَزْلُنَا إِيَّاكَ؟ » قَالَ:«لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ سَاءَنِي اسْتِعْمَالُكَ إِيَّايَ، وَسَاءَنِي عَزْلُكَ ». عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: 《 مَا عُرِضَ عَلَى ابْنِ سُمَيَّةَ أَمْرَانِ قَطُّ إِلا اخْتَارَ الأَرْشَدَ مِنْهُمَا 》 . عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: « ثَلاثٌ مِنْ كَمَالِ الإِيمَانِ: الإِنْفَاقُ فِي الإِقْتَارِ، وَإِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلامِ ». وجاء من طريق آخر قَالَ : ثَلَاثُ خِلَالٍ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ خِلَالَ الْإِيمَانِ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ:« يَا أبا اليقظان ، وَمَا هَذِهِ الْخِلَالُ الَّتِي زَعَمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] قَالَ : 《 مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ خِلَالَ الْإِيمَانِ ؟ 》؛ فَقَالَ عمار عِنْدَ ذَلِكَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :《 الْإِنْفَاقُ مِنَ الْإِقْتَارِ ، وَالْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ》 » . عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: أَتَى عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ بِلَبَنٍ، فَضَحِكَ وَقَالَ: 《 قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ آخِرَ شَرَابٍ تَشْرَبُهُ حَتَّى تَمُوتَ شَرْبَةُ لَبَنٍ》 » . وقال علي -عليه السلام-:« إنّ امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار و (لم) يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة، لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قتل، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا ما يذكر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم أربعة إلا كان الرابع، ولا خمسة إلا كان الخامس. وما كان أحد من أصحاب محمد يشك في أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين فهنيئا الجنة. عمار مع الحق أين دار. وقاتل عمار في النار » . عن حبيب ابن أبي ثابت قال: « قتل عمار يوم قتل وهو مجتمع العقل». وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَانَ عَمَّارٌ آدَمَ،طُوَالا، مُضْطَرِبًا، أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَكَانَ لا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ فِي صَفَرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ. وَذَلِكَ الثَّبْتُ. وَيُقَالُ: إِحْدَى وَتِسْعِينَ. وَدُفِنَ بِصِفِّينَ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ صَلَّى عَلَى عمار وهاشم بن عتبة، فجعل عمار مِمَّا يَلِيهِ، وَهَاشِمًا أَمَامَ ذَلِكَ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِمَا تكبيرا واحدا. عَنْ عاصم ابن ضَمْرَةَ: أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى عَلَى عَمَّارٍ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُ. عَنْ مُثَنَّى الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ شَهِدُوا عَمَّارًا قَالَ: لا تُغَسِّلُوا عَنِّي دَمًا فَإِنِّي مُخَاصِمٌ. وروي عن الأصبغ بن نباته أنه قال: « رحم الله أبا اليقظان، فإني أرى أنه لو شارك أيوب عليه السلام في بلائه، صبر معه». عَنْ عَبْداللَّهِ بْن جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ أَقْدَمَ فِي الْمِيلادِ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ. قلت(الرمادي) تتبعت مسيرة أبا اليقظان- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كاملة إذ انتقل من حالة الضعف والتعذيب إلى أن صار أميراً ثم تحققت نبؤة النبي الخاتم الصادق فيه... وإن كان هناك بعض المسائل معلقة!... إذا تيسر لي الأمر من بعد إذنه تعالى وهدايته وتوفيقه فسوف ابحث الأمر في ملف خاص حول شخصيات محورية في السيرة النبوية الشريفة العطرة البهية السنية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) بحوث: ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء﴾ السيرة النبوية العطرة صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ ١٩ رجب مضر ١٤٤٢ هــ ~ 02 مارس 2021م ~ الثلاثاء، 19 رجب، 1442 هــ (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
16 / 03 / 2021, 18 : 10 PM | المشاركة رقم: 360 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه « مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ ». « سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل نصوص الوحي وآيات الذكر الحكيم المنزل من السماء »؛ „أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة؛ ذات حضارةâ€ں سلسلة بحوث عن : « الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرى العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم » واختصرته بـ : « خاتم الأنبياء » صلى الله عليه وآله وسلم. -**- « مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ ». التعديل الأخير تم بواسطة دكتور محمد فخر الدين الرمادي ; 16 / 03 / 2021 الساعة 33 : 10 PM | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
--> |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018