الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 2 | المشاهدات | 1121 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
08 / 09 / 2018, 06 : 11 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه الكريم، وبعد: فما زال المشتغلون بالحفظ والتحفيظ يتنقلون من مقترحٍ لآخر في الحفظ، وما ذلك إلا لعدم حصول النجاح المطلوب لأي طريقة تُجَرَّب. وذلك أن الطالب يعاني ضعف الضبط، وسرعة النسيان، وربما اتَّهَمَ عقله، وأنه ضعيف الضبط، وعندما يسمع بالإتقان المبهر للمتقدمين، أو للشناقطة من المعاصرين مثلًا يكاد يحبط، ويشعر أنه لا سبيل لبلوغ درجة هؤلاء. والعجيب أنَّ كثيرًا من الحفظة يبقى يعاني من اختلال الضبط حتى مع حصول المراجعة بين فترةٍ وأخرى، حتى إنَّ أحدهم إذا قُدِّم للإمامة مثلًا فإنه يبقى متهيبًا من القراءة إلا بتركيز عالٍ على المقطع الذي يريد تلاوته في الصلاة. وأمام هذه الظاهرة أُقَدِّمُ هذه الورقةَ المقترحةَ في الحفظ، وتعمدت أن تكون خفيفةَ المستوى، سهلة التطبيق؛ لمصلحة تمرير الثقافة القويمة التي بها حلُّ ما سلف من مشكلات، وأجعلها في أربعة محاور: أولًا: الموقف من الطريقة الشائعة في الحفظ: عندما كنت طالبًا في التحفيظ كنت أُسَرُّ لأني سريعُ الحفظ، لكني كنت أشعر بالنَّكد في المقابل لأني سريعُ النسيان، وعندما كنت مشرفًا على بعض الحلقات القرآنية بدار القرآن الكريم والسنة عام 2008م كان عندي سبعةٌ وثمانون طالبًا أتموا حفظ القرآن الكريم، لكني أعترف أنني كنت أشعر أنهم جميعًا في عداد الناسين له، باستثناء طالبٍ واحد، كنت كلما دخلت مسجده أراه يراجع ويضبط، وكثيرًا ما كنت أردد في نفسي أنَّ كثيرًا من جهدِ المُحفِّظِين والمؤسسات الراعية للتحفيظ يذهب ضائعًا!. وعلى إثر ما ذكرت بدأت أقرأ في كتب المتقدمين لأرى هل المشكلة في عقولنا؟ أم أنَّ أهل هذا الزمان انتقعوا في بحور السيئات أو الغفلات وبالتالي هم معاقبون بتفلت المحفوظ من صدورهم؟، أم الإشكال في طريقة تناولنا للحفظ؟. وبقيت أعاني هذه الأفكار حتى حصل عندي بمجموع ما قرأتُ أنَّنا وإن كنا في غفلةٍ ظاهرةٍ قياسًا مع من سلف إلا أنَّ الطريقةَ المعتمدةَ اليوم في حلقات التحفيظ ليست حفظًا بالمعنى الدقيق؛ وإنما هي تصويرٌ أوليٌّ ملتقَط للصفحة، فالطالب ينظر في الصفحة عدة مرات على التوالي، ويحاول الحفظ ويُرَكِّز، ثم يقوم بتسميعها، وبعد يومٍ واحدٍ أو أسبوع على الحد الغالب تكون الصورة الملتقَطة للصفحة قد بدأت بالتلاشي من العقل، وراحت أدراج رياح النسيان. ثانيًا: التنظير للطريقة القويمة في الحفظ: بناء على الإشكالية المذكورة أخذتُ في مطالعة بعض كتابات المتقدمين، لعل حلًّا يلوح في الأفق، إلى أن وجدت أن الفكرة النفيسة الأساسية عندهم تتمثل في تكرار المحفوظ عند حفظه، ثم تكرار المراجعة بتثبيت مقدار يومي لا يتخلف، وهذا ما عبَّر عنه الإمام أبو عبد الله البخاري صاحب الصحيح الذي حيًّر الدنيا بدقة حفظه لما سئل عن دواءٍ للحفظ فما زاد على أن قال: بإدمان النظر!. أما ما يُروى عن مثل الشافعي وغيره من أنه كان يحفظ الصفحة من نظرةٍ واحدة.. فيعد من الأمور الخارقة، بمعنى أن ذلك ليس سُنَّةً جاريةً ولا مُطَّرِدةً بين الناس، بل كرامةٌ أكرم الله بها بعض عباده، وليس بمستبعد أن يمنحها الله لبعض الناس اليوم، لكنها في النهاية لا تصلح أن تكون منهجًا لعامة الناس. وسمعت الشيخ ياسر الدوسري صاحب الصوت الماتع الخاشع في مقطعٍ له على اليوتيوب بعنوان: "أفضل طريقة لضبط حفظ القرآن" يتكلم عن المنهجية الأهم في الضبط، وهو طبعًا إمامٌ في الحرم المكي، وأئمة الحرم ضبطُهم عجيب، واختلال الحفظ غير وارد لديهم، فقال ما حاصله: سألنا مشايخنا الكبار، وأئمة هذا الفن الذين بلغوا من الكبر عِتيًّا وعاش بعضهم أكثر من ستين سنة في هذا الباب، من أمثال الشيخ إبراهيم الأخضر شيخ قراء المدينة، والشيخ بكري الطرابيشي والشيخ عبد الرافع رضوان والشيخ محمد الزعبي، فكلهم أجمَعَ أنَّ خلاصةَ التجربة الطويلة تتمثل في كلمةٍ نبويًّةٍ يقول فيها رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: "تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها"! أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم. قال: فنحن نسأل هنا وهناك ونلف وندور وإذا جئنا إلى هؤلاء الكبار وسألناهم فيقولون: تَعاهَدِ القرآن، وانظر فيه على الدوام، فيكون لك مقدارٌ يوميٌّ مثل الأكل والشرب لا تستطيع أن تستغني عنه، ومع الزمن يزداد، حتى تصل لمرحلة الضبط المتقن، وتبقى تلح على الله أن يجعلك ضابطًا لكتابه، فإذا رأى في قلبك الانكسار له مرة بعد مرة أكرمك بذلك. ولما عدت للحديث المذكور وجدت الإمامَ البخاريَّ يُبَوِّبُ له ولِمَا قاربه في المعنى فيقول: "باب استذكار القرآن وتعاهده"، وبوَّب الإمام مسلم له بقوله: "باب الأمر بتعهد القرآن"، فهذا هو الحل، وهذا هو الطريق، ومن اتبع الطرق السريعة كَسَرَتْهُ الأيام، وسيجبر على الرجوع لجادة الطريق ولو طال الزمان، وأنا هنا لست بضائقٍ ذرعًا إن همَّشَ الطالب ما أنظِّر له؛ لأنه إن كان حريصًا بالغ الحرص على الحفظ والضبط فإنه سيعود إليه أو لما يشبهه بعد أن تطحنه تجارب الأيام والأعوام. وبقي أن أشير لحفظ الشناقطة، هذه الكُتلة البشرية التي حيَّرت الدنيا في الحفظ، حتى بات أحدنا كلما أراد أن يُهَيِّجَ الهمَّةَ في نفسه فتح الانترنت وطالع الكتابات والمقاطع التي تتحدث عن حفظهم.. فإني لما سافرت إلى شنقيط للطلب عدة أشهر كنت حريصًا على التوثق من قضية الحفظ التي اشتهروا بها، وأرى بنفسي كم يحفظون؟ وكيف يحفظون؟ وهل لهؤلاء الناس طبيعة خاصة جعلتهم يتفوقون في ذلك على أهل زمانهم؟. وبالفعل لما التزمت بالدراسة في شنقيط جالست جملةً من طلاب المركز ومشايخه بخصوص هذا الموضوع، وزرت أحد المُحفِّظين في إحدى المحاظر القرآنية، حتى إن أحد المشايخ زارني في بيتي، وهو ممن له حفظٌ عجيب، وبقي نحوًا من ساعتين يحدثني عن الحفظ وفلسفته وطرائقه في بلادهم، ويمكن ردُّ ما قالوا من قوة الحفظ إلى عاملين: الأول: الطبيعة الصحراوية وكثرة التنقل، فإن الطبيعة الصحراوية منحتهم صفاءً ذهنيًّا بعض الشيء، وكثرة التنقل حملتهم على اعتماد الحفظ أصلًا؛ لفوات الكتب وضياعها، وهذا جعلهم يكثرون من كتابة الطُّرَر، وهي أشبه بحواشٍ مركزة جدًّا على المتن المراد ضبطه، لكنها عميقةٌ جدًّا، بحيث من حفظها أمكنه الاستغناء عن المطولات. والآخر: أن لديهم طولَ نفس في التكرار، فلا يحبون العجلة ولا صبر لهم على التعامل مع المتعجلين، فإذا حفظ الواحدُ منهم الصفحةَ أو المقطع من المتن النثري، أو البيت من المتن الشعري كرره مائة وعشرين مرة تقريبًا، وربما نزل بعضهم إلى المائة أو الثمانين أو الستين، وربما صعد إلى المائتين وزيادة، حتى قال لي هذا الشيخ: -وهو يحفظ بالمناسبة فيما أعلم خمسة وعشرين ألف بيتٍ من الشعر- كنت أكرر المحفوظ 400 مرة، ثم سئمت فاكتفيت بتكرار 200 مرة!. لكن هذا الحفظ لا يحتاجون معه إلى النظر في المتن من جديد، فيصبح الشخص مكتبةً متحركةً بكل دلالات الكلمة، ولولا ضيق المقام هنا لاستطردت في بيان ذلك، وذكر النماذج التي التقيت بها هناك. والحاصل أن التكرار عندهم يدور في الجملة حول المائة مرة، وهذا العدد لا يُشترط أن يكون مطَّردًا بين عامة الطلاب وفي كافة المتون؛ بل قد يختلف ذلك بحسب حفظ الطالب، وسهولة المتن وصعوبته، واختلافه بين نثرٍ ونظم، ونشاط الطالب وكسله، وانشغاله وتفرغه، لكن العدد 100 هو الأغلب من الأمر، فضبط الحفظ عندهم بذلك يُعَدُّ تجربةً بشريًّةً عادية، قابلة للتطبيق والنجاح. وسبحان الله! كم تشعر بانشراح الصدر وأنت ترى الطلبة هناك يستيقظون في السَّحَر فيصلون ويحفظون ويبقون كذلك حتى شروق الشمس، وفي المساء هناك وقت للحفظ من جديد، وتسميع للمشايخ، في جوٍّ علميٍّ ترجو به رحمة الله، وتتأمل خيرًا في هذه الطلائع الشبابية التي تضع لها قدم صدق في العلم والحفظ والتعبد ورضوان الله جل وعلا، وترجو أن يعمها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ" أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني. ثالثًا: الوسائل المعينة على حسن الحفظ: هناك جملة من الوسائل من أهمها الستة الآتية: 1) اختيار الطريقة الصحيحة، وهي التي نظَّرنا لها، وسأتكلم عن تفصيلٍ مقترحٍ لها في المحور الآتي إن شاء الله. 2) اختيار الوقت المناسب للحفظ، وحبذا لو كان بعد الفجر أو قبله لمن استطاع، وكذلك بعد العصر، لا سيما لمن نال حظًّا من القيلولة؛ فإنَّ الحفظ بعد اليقظة من النوم يوافق صفاءً ذهنيًّا لا يجده من انغمس في الأعمال اليومية. 3) اختيار المكان المناسب، وحبذا لو كان قليل المشتتات، فالحفظ في المسجد أفضل من الحفظ في بستان مليء بالأشجار والأزهار مثلًا. 4) التفرغ من الشواغل ليصفوا الذهن لك. 5) تناول السكريات لمن استطاع؛ لأن المكلف بالحفظ هو العقل، وهو يتغذى على السكريات، من مثل التمر والزبيب، واحتسب المال الذي تنفقه في ذلك في سبيل الله، وأنه من المعين على التعبد والحفظ. 6) ألا تكون شديد الجوع ولا شديد الشبع، بل في حالة متوسطة؛ إذ لا يجتمع بطنٌ وعقل معًا، فأفضل الأوقات ما كنت فيه خالي الذهن خالي البطن، ولهذا حبَّذا لو تأخر الإفطار لما بعد الحفظ. رابعًا: قانون الحفظ: هنا أتكلم عن قانون الحفظ، أما الإجراءات التنفيذية فتترك لطبيعة الحال، ما بين حلقة تحفيظ أو ديوان حفظة أو مخيمات مضغوطة أو حفظ شخصي، فيُراعى ذلك. وهذا الكلام ينسحب على حفظ متون السنة والفقه والأصول واللغة والعقيدة وغير ذلك، لكن القانون هنا سأطبقه على حفظ القرآن الكريم، وسأجعل المقدار الذي يجري التمثيل له هو صفحة واحدة، ثم إن الطالب يُنقِصُ أو يزيد بحسب رغبته، وإن كانت الصفحة الواحدة هي المقدار المناسب الذي أنصح به. إذا تقرر ذلك فاعلم أنَّ الحفظَ يحتاجُ لخمسة أطوار: السماع والحفظ والنسخ والتكرار والمراجعة، وإليك تفصيلَ ذلك: أولًا: السماع: بأن يَسْمَعَ الطالبُ الصفحةَ التي يريد حفظها من قارئٍ يضع تسجيلاته على الجوال مثلًا، أو يتلو هو بنفسه ويسجل ثم يقارن، أو يقرأ على شيخٍ له، أو طالبٍ مثله، أو بنظام التلقين المعروف في حلقات التحفيظ. والمقصود بهذه الوسيلة التوثق من ضبط ألفاظ المحفوظ، وتهيئة الذهن للحفظ، ولأن التقاط الأذن للمادة المراد حفظها أقوى من التقاط العين لها، وحسنٌ أن تسمع قبل النوم ما تريد حفظه بعد اليقظة. ثانيًا: الحفظ: والطريقة المعتمدة فيه هي الطريقة التراكمية، وتفصيلها في البنود الآتية: 1- تُقَسَّم الصفحة خمسة أقسام، كل قِسْم ثلاثة أسطر، قد تقل قليلًا أو تزيد قليلًا، ولا أنصح بسطرين ولا بأربعة، وفي أبيات الشعر يتم اعتماد ثلاثة أبيات للمقطع الواحد. 2- يقرأ الطالب الأسطر الثلاثة نظرًا بالعين من 5 إلى 11 مرة، ولا يغيب بصره عن المصحف ولو حفظها من أول مرة؛ لأنَّ الهدفَ هنا ليس الحفظ؛ وإنما رسم صورة تثبت في الذهن لمصلحة استحضارها فيما يستقبل من الزمان. 3- يحفظ الطالب الأسطر الثلاثة، ويعيدها حفظًا من 5 إلى 11 مرة أيضًا. 4- ولو أخطأ في كلمةٍ أو حرفٍ فلا يعيد الأسطر الثلاثة؛ بل الكلمة التي أخطأ فيها، مع تلاوة كلمة قبلها وكلمة بعدها، ويكرر هذا من 5 إلى 11 مرة؛ لمصلحة ترويض اللسان على منطقة ضعف الحفظ، وهذا المنهج هو المعتمد عند أي خطأ يحصل في الصفحة، وهو الذي يحتاجه الطالب لربط آخر الصفحة التي يحفظها بأول الصفحة التي تليها. 5- ثم ينتقل إلى الخُمُس الثاني من الصفحة، ويحفظه بنفس الطريقة، وبعد حفظه يقرأ الخمس الأول والثاني ثلاث مرات؛ ليتم ربط المحفوظ بعضه ببعض. 6- ثم يحفظ الأخماس الثلاثة المتبقية بنفس الطريقة، وفي كل مرة يربط الخُمُسَ المحفوظ بالذي قبله، حتى يحفظ بذلك الصفحة كاملة. ثالثًا: النسخ، بعد إتمام حفظ الصفحة يقوم الطالب بنسخ الصفحة في دفتر دون النظر في المصحف، ثم يقارن. والحقيقةُ أني لم أجرب هذا بنفسي، ولكن بعد مجالسةٍ مع أحد المشرفين العاملين في إدارة حلقات الحفظة في دار القرآن الكريم والسنة -وهو الأخ إسماعيل الأغا حفظه الله- ذكر أن لهذه المحطة قيمةً نفيسةً في تثبيت الحفظ، ولها دورٌ فعَّال في حفظ أرقام الآيات والصفحات كما أفادت التجارب العملية بذلك. علمًا بأن الشناقطة يعتمدون الكتابة على الألواح أصلًا في الحفظ، ولا يحفظون من المصاحف مباشرة. رابعًا: التكرار: بعد حفظ الصفحة كاملة، يقوم الطالب بإعادة الصفحة 21 مرة إلى 40 مرة، بحسب همته في ذلك، علمًا بأن الشناقطة يكررون إلى 100 مرة، وبعضهم يزيد كما سبق، لكن لا مانع من تقليل الكمية إلى الحد الذي ذكرنا حتى تتقرر هذه الثقافة عند من لم يكن عليها إن شاء الله. ولا يشترط أن يكون التكرار في يوم واحد، بل ولا ينصح بذلك، إلا إذا كان التكرار في مجالس متفرقة من اليوم، ولا ريب أن ترداد الحفظ خمسين مرة في خمسة أوقات متباعدة أفضل من ترداده مائة مرة في مجلسٍ واحد. خامسًا: المراجعة: المراجعة لها خَطَّان: الأول: مراجعة الحفظ القديم، والآخر: مراجعة الحفظ الجديد، وهو الذي تم خلال الأسبوع نفسه. أما المراجعة للحفظ القديم فلا بد أن تكون هناك مراجعةٌ أسبوعيةٌ لكل ما يحفظه الطالب، فإن كان الذي يحفظه خمسة أجزاء مثلًا سَهُلَ عليه أن يُخَصِّصَ يومًا في الأسبوع لمراجعته بالقراءة السريعة، أما إذا كان يحفظ أكثر من ذلك فيمكن أن يخصص يومين، أو أن يقسم عدد الأجزاء على أيام الأسبوع، فإن شق ذلك جدًّا أمكن أن يجعل المراجعة كل عشرة أيام، أو أسبوعين على أبعد تقدير، وإن كنت أنصح بأن تكون المراجعة أسبوعية ما استطاع الطالب العابدُ إلى ذلك سبيلًا. والتجارب شاهدة أن من راجع أسبوعيًّا كلَّ ما يحفظه فإنه لا يحتاج إلا إلى الوقت الذي يراجع فيه، فلا يحتاج النظر في المصحف إلا قليلًا جدًّا، والحقيقة أنك بهذه الطريقة لا تحتاج للمراجعة أبدًا، وإنما للتثبيت فقط لمنع تفلت المحفوظ، وهذا الذي جعل أحد المقرئين يقول: لي خمسون سنة لم أمسك مصحفًا للمراجعة! كما بلغني عنه أنه قال ذلك. وأما المراجعة للحفظ الجديد فينبغي أن يُراجِعَ ما حفظ بالأمس قبل أن يحفظ نصيب اليوم، وأفاد الأخ إسماعيل الأغا أن الطريقة التراكمية في المراجعة ذات أثر حسن، وذلك بأن نعتمد الأسبوع وحدةً واحدة، ثم يراجع الطالب في اليوم الثاني ما حفظ في اليوم الأول، وفي اليوم الثالث ما حفظ في الأول والثاني، وهكذا إلى نهاية الأسبوع. وأخيرًا: إن شعر الطالب بأن هذه الطريقة تحتاج لوقت كثيرٍ، وتعب وجهد، فأعظه بقول الله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وأنت هنا لا تحفظ ليوم أو يومين، بل لأسابيع وشهور وسنوات بإذن الله، بل ليبقى الحفظ معك إلى يوم القيامة، لترتقي درجة في الجنة بكل آية تتلوها، كما يبشر بذلك الحديث الذي أخرجه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا". قال الألباني: حسنٌ صحيح. ولا بد أن يستحضر الطالب أنه لولا النسيان لهُجِر العلمُ والقرآن، فالنسيان يحمل صاحبه أن يقبل على التلاوة ليلَ نهارَ، وينفق فيه أنفس ما يملك من الوقت، لكن لو كان يحفظ ولا ينسى فإنه يحفظ ولا يعيد ولا يتلو، فيصبح هاجرًا للكتاب بسبب قوة ضبطه، أما النسيان فكأنه المصيدة التي يُستدرج من خلالها حتى يصبح عابدًا كثير الحسنات جدًّا يعيش مع القرآن صباح مساء بفضل الله عليه. وإني أشعر أنَّ الحفظ بطريقة الضبط والمراجعة المتكررة هو الأرضى للرب عز وجل، لا سيما وأنَّ الحفظَ عبادة، والمراجعة عبادة، والطالب محتكم لأنظمة هذه العبادة. أما ما يتعلق بطول الوقت في الحفظ، فأقول: ماذا عليك لو طال الوقت من أجل الضبط، وأنت تفعل هذا ديانةً وتعبدًا لله رب العالمين!، فإذا كانت كثرة الحفظ رغبة لك فإن ضبط الحفظ هو رغبة الشريعة فيك، فأن تحقق رغبة الشريعة في أبنائها أولى من رغبتك في نفسك. ثم إن العبودية في الضبط والمراجعة أظهر منها في الحفظ، وذلك أن الحفظ الجديد فيه لذة وشهوة، ولهذا يجد الطالب فيه من الانتعاش ما لا يجد في المراجعة، وحتى على الصعيد الاجتماعي فإن أهله وأصحابه وأرحامه يفرحون إذا علموا بكثرة حفظه أكثر من فرحهم بقوة ضبطه مع قلة محفوظه، ولهذا يعد إدمان النظر وتكرار المراجعة وتحصيل الضبط من علامات الإخلاص عند الطالب الحافظ، وقد امتدح الله هؤلاء بقوله: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ [العنكبوت: 49]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ" صححه الألباني. وإني مع ذلك لا أبالغ إن قلت: إن هذه الطريقة البطيئة هي أسرع الطرق؛ لأنك تحفظ مرة واحدة، ثم تنشغل بالتثبيت، دون أن تعيد المراجعة التي هي أشبه بالحفظ من جديد، وكم جالست من طالبٍ بدأ عهده مع الحفظ من نحو عشر سنوات، ثم هو الآن لا يستحضر بإتقان ولو عشرة أجزاء، ولو أنه حفظ في كل عام ثلاثة أجزاء فقط، وبقي يرددها على مدار سنة كاملة.. لوجدته الآن يحفظ القرآن كما يحفظ اسمه. ولهذا أعتقد أن من يتثاقل هذه الطريقة إنما أوتي من جهة التوهم النفسي لا غير، لا سيما أن الصفحة الواحدة لا تحتاج إلا نحوًا من 45 دقيقة، وهو وقتٌ معقولٌ محتمل، وحتى لو أخذت بالعزيمة، وكررت إلى الأربعين لما زاد عن الساعة، خاصة لمن تعود عليه، وكلما زدت في التكرار زدت في الضبط، والله الموفق. وفي آخر المقال أنبه على عدم اشتراط البدء في الحفظ من أول المصحف أو من آخره، بل يحفظ الطالب من أي موضع شاء وسهل عليه، ولا مانع من انتقاء سور للحفظ ولو من مواضع متفرقة من القرآن الكريم، لكن حيث استوى ذلك فأنصح بالبدء من آخر المصحف، وقد كان السلف يعتنون بحفظ المًفصَّل وهو من سورة الحجرات إلى الناس، أو من سورة ق إلى سورة الناس على القول الآخر، فآياته كثيرة فتكون سببًا في كثرة درجات الإنسان في الجنة، وهو منجم ذهبي من جهة وفرة المعاني، والله الموفق. هذا، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين hg'vdrm hglrjvpm gpt/ hgrvNk hg;vdl ,qf'i | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
11 / 10 / 2018, 17 : 05 PM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
01 / 11 / 2018, 40 : 12 AM | المشاركة رقم: 3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018