الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 1 | المشاهدات | 1782 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
25 / 08 / 2018, 28 : 10 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته، كما صليت ربنا على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب: 70، 71]. الصبر في طلب العلم: أيها الأحبة، حديثي اليوم إلى حضراتكم يدور حول العلم، وأهمية الصبر في طلب العلم، والإخلاص في طلب العلم. ولِمَ لا أيها الأحبة؟ فالعلم شريف وعظيم، يكفي أن تعلم أن الله جلَّ وعلا قال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، فلا أحد يخشى الله جلَّ وعلا حقَّ الخشية إلا أهل العلم. وسُئل بعض السلف عن العلم؛ فقال: "إنما العلم الخشية"، أي: العالم هو الذي يخشى الله جلَّ وعلا في كل كلمةٍ ينطق بها، وفي كل خطوةٍ يخطوها، والله جلَّ وعلا يقول: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11]. والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر من زمنٍ يموت فيه العلماء ولا يكون لهم من يخلفهم في تدريس العلم وتبليغ هذه الأمانة، ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾ [الأحزاب: 39] فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنتَزِع الْعِلْمَ انْتِزَاعًا مِنَ صدورِ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضه بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يبق في الأرضِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»[1]. والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يحذِّر الإنسان أن يتكلم فيما لا يحسن، أو أن يتكلم من غير علمٍ وإتقانٍ، فيقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، ويقول أيضًا: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل: 116] فهذا تحذيرٌ من الله جلَّ وعلا من الخوض في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون علمٍ وبدون تثبتٍ. حرص الصحابة على طلب العلم: ونجد أيضًا مما قاله الصحابة: فهذا هو الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاه يقول: "أي سماءٍ تظلني وأي أرضٍ تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي؟!" انظر إلى هذا الأدب وإلى هذا التواضع، وانظر أيضًا إلى هذا التجرُّد، "أي سماء تظلني، وأي أرضٍ تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي؟". وهكذا أيها الأحبة الكرام؛ فلا بد للإنسان أن يصبر في طلب العلم حتى يتمكَّن ويشهد له أهل العلم الثقات بأنه على أول الطريق؛ لأن هذا الأمر يتطلب مزيدًا من الإتقان، ومزيدًا من الإخلاص، الإخلاص عزيز أيها الأحبة، وهل ما نحن فيه من نكسات إلا بسبب عدم الإخلاص؟ يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5]، وفي الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري فهو للذي أشرك»[2]. فيا طالب العلم! إياك أن تجعل من هذا العلم سُلَّمًا لطلب الدنيا، أو أن تجعل من هذا العلم سُلَّمًا للفت الأنظار، واسمع معي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلَّم العلم» - لأننا الآن نتكلم عن الإخلاص في طلب العلم - «ليجادل به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار»[3] وهذا الحديث أيها الأحبة من الأحاديث التي أرهبت أهل العلم وأخافتهم في الله جلَّ وعلا! أن تكون نية الإنسان في تعلم علوم الشرع أن يجادل في المجالس، أو أن يماري السفهاء أو أن يصرف وجوه الناس إليه، هذه مصيبة المصائب أيها الأحبة الكرام. الإخلاص في طلب العلم: انظر إلى إخلاص الأئمة الذين جعل الله لهم قبولاً في الأرض وقبولاً في السماء: فهذا الشافعي يقول كلمة تقطر بالإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول: "وددت أن لو نُشر علمي هذا ولم يُنسب إليَّ شيءٌ منه" لا يحب أن يقال: قال الشافعي، ليست العبرة عندي أن يقال: قال الشافعي، وإنما العبرة عندي أن يصل الفهم الصحيح للنص من كتاب الله أو من سنة رسول الله لطلبة العلم ولعوام المسلمين. هؤلاء هم الذين تعلموا الإخلاص حق تعلمه، من تعلَّم العلم ليماري به السفهاء أو يجادل به العلماء أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار. ومن أعظم الأحاديث التي تُرهب قلوب العلماء: أن أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، وأول هؤلاء الثلاثة: «ورجلٌ تعلم العلم وعلمه للناس فيؤتى به يوم القيامة» أول من تسعر بهم النار- فيسأله عن نعمته فيقول: «يا رب تعلمت العلم وعلمته للناس، فتقول له الملائكة: كذبت» مشهد عظيم ومشهد خطير وخزي أمام الملأ في أرض المحشر، تعلمت العلم وقمت بتعليم هذا العلم للناس، «فتقول له الملائكة: كذبت، بل تعلمت من أجل أن يقال عالم»[4]فيؤمر فيسحب على وجهه إلى النار عياذًا بالله رب العالمين. ألم أقل لكم إن سبب ما نحن فيه قلة الإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.. قلة الإخلاص في القلوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والدليل على هذا: أننا لا نجد ثمرة في الأفعال والأحوال، ولا نجد بين الناس إلا الفرقة، ولا نجد بين الناس إلا تنافر القلوب، والله جلَّ وعلا أمرنا أن نكون أمةً واحدة: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، والله جلَّ وعلا يقول: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا﴾ [الأنفال: 46]؛ فالأمر بالاعتصام بحبل الله، والأمر بوحدة الكلمة ووحدة الصف ورحمة الصغير ورحمة الكبير على الصغير، وتوقير الصغير للكبير: «ليس منَّا من لم يوقِّر كبيرنا ويرحم صغيرنا»[5] كانت هذه أخلاق المجتمع المسلم في سالف الأيام. أما في هذه الأيام أيها الأحبة نجد الحفظ كثيرًا لكن العمل بما حُفظ قليل، والدليل على ذلك: لا نجد ثمرة لهذا، لا نجد ثمرة في الأخلاق، في المعاملات. فالإخلاص أيها الأحبة الكرام ركنٌ ركينٌ لطالب العلم لماذا أطلب العلم؟ أطلب العلم لأمحو الجهل عن نفسي أولاً، ثم أُبلغ هذا العلم للناس ليعملوا به، لأنجو أنا من عذاب الله في الآخرة، وينجو الناس بسببي فيكون في ميزان حسناتي يوم القيامة، وهذا هو طالب العلم الرباني الذي يطلب العلم على سبيل النجاة. هذا هو الأصل أيها الأحبة الكرام، وهذا ما تعلمه السلف الصالح من الصحابة، وما تعلمه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم. مواقف من حياة السلف الصالح في الصبر على طلب العلم: وأنا هنا أروي لحضراتكم بعض المواقف من حياة سلفنا الصالح في الصبر على طلب العلم: فهذا أبو أحمد نصر بن أحمد العياضي الفقيه السمرقندي يقول: "لا يَنال هذا العلم إلا من عطَّل دكانه وخرَّب بستانه..." أحوال بعض الناس من كثرة انشغاله بطلب العلم احتسابًا لله جلَّ وعلا. عطَّل دكانه، وخرَّب بستانه أي: ترك الزراعة؛ لأن الأصل أيها الأحبة الكرام أن يفرغ طالب العلم للعلم، بل إن بعض أهل العلم أجاز لطالب العلم إذا كان فقيرًا أن يأخذ من سهم ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 60]، وهو أحد مصارف الزكاة أن يأخذ الزكاة ليتفرغ لطلب العلم احتسابًا لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وقال ابن القاسم: "أفضى بمالك بن أنس - رَحِمَهُ اللَّهُ - طلب العلم إلى أن نقض سقف بيته فباع خشبه" في بداية الطلب. وقال يحيى بن سعيد القطان حينما ذكروا أمامه طلب الحديث: "كنت أخرج من البيت قبل الغداة فلا أرجع إلى العتمة" يخرج من بيته قبل الفجر فلا يرجع إلا بعد صلاة العشاء. وقال ابن شهاب: "مكثت خمسًا وأربعين سنة أختلف بين الشام والحجاز فما وجدت حديثًا أستبعد مكانه". وقال عبيد بن يعيش - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي - يعني بالليل - كانت أختي تلقمني وأنا أكتب الحديث" يأخذ لقيمات في فمه من أخته؛ لأنه ليس لديه وقت أن يجلس على مائدة الطعام الوقت الطويل ليأكل. وقال محمد بن حبيب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "كنا نحضر مجلس أبي إسحاق إبراهيم بن علي لطلب الحديث، فكان يجلس على سطحٍ له ويمتلئ هذا الشارع بالناس الذين يحضرون للسماع ويبلغ المستمعون عن هذا العالم. قال: وكنت أقوم في السحر فأجد الناس قد سبقوني وأخذوا مواضعهم، وحُسب الموضع الذي يجلس الناس فيه، فوجد مقعد ثلاثين ألف رجل" الشارع يمتلئ الذي فيه العالم المحدِّث، وكان هذا الرجل حريصًا أن يأتي في السحر، فجاء في السحر أي: قبيل الفجر، فوجد أن المكان قد امتلأ بالناس من شدة حرصهم، وحُسب أعداد الناس في هذا الشارع فوُجد أنهم ثلاثون ألف رجل. قال أبو جعفر بن نفيل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "قدم علينا الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فسألني يحيى وهو يعانقني، فقال: يا أبا جعفر قرأتَ على معقل بن عبيد الله عن عطاء: أن أدنى وقت الحائض يوم؟ فقال له الإمام أحمد: لو جلست، قال: أكره أن يموت أو يفارق الدنيا قبل أن أسمع!" من شدة حرصهم على طلب الحديث بكل تواضع وبكل أدب وبكل إخلاص. جاء هذا العالم وهو في الرمق الأخير ويريد أن يسأله عن أقل مدة للحيض، فعوتب في ذلك: يا أخي استرح من السفر، قال: أخشى أن يموت هذا العالم قبل أن آخذ منه هذه المسألة، عن أقل مدة تحيضها المرأة. الله أكبر! ما أعظم الحرص على طلب العلم! الله أكبر! ما أعظم الإخلاص والتجرد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! الله أكبر! ما أعظم الحرص على نفع الناس وتبليغ العلم للناس! وقال محمد بن قدامة: "سمعت شجاعًا يقول: سمعت أبا يوسف يقول: مات ابنٌ لي فلم أحضر تجهيزه ولا دفنه، وتركته على جيراني وأقربائي؛ مخافة أن يفوتني من أبي حنيفة شيء لا تذهب حسرته عني!" الإمام أبو يوسف القاضي وهو في بداية طلبه على شيخه وأستاذه الإمام أبو حنيفة، يقول: "مات ابنٌ لي" القائل هو أبو يوسف، يقول: فتركته لإخواني وجيراني فلم أحضر تجهيزه ولا تغسيله؛ مخافة أن يفوتني شيء في مجلس الإمام أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فأتحسر على ترك هذا الفقه في الدين فأتحسر عليه بقية عمري. كانت لديهم نية صالحة في طلب العلم، وكان لديهم إخلاص وتجرد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ففتح الله جلَّ وعلا عليهم ببركة ما في قلوبهم من إخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وقال إمام المفسرين أبو جعفر ابن جرير الطبري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "لما دخلت مصر لم يبقَ أحدٌ من أهل العلم إلا لقيته وامتحنني" كانوا قديمًا يمتحنون طلبة العلم ليتأكدوا من الفهم الصحيح؛ لأنه ربما طالب علم يحفظ العلم لكن جانبه الفهم الصحيح؛ ولذا قيل: ومن أخذ العلوم بغير شيخٍ يضل عن الطريق المستقيمِ وكم من عائبٍ قولاً صحيحًا وآفته من الفهم السقيم فعلماء السلف أخذوا هذا العلم كابرًا عن كابر، أخذوه عن شيوخهم، أما من يأخذ العلم من الكتاب فهذا ربما أخطأ في الفهم، فكانوا يقولون: لا تأخذوا العلم من صحفي، أي: الذي جعل الصحيفة هي الأستاذ الذي يفهم منه. قال: "وامتحنني أهل العلم في ذلك، فجاءني يومًا رجل فسألني في شيء من العروض" والعَروض علم من علوم اللغة، يقول: "ولم أكن نشطًا لتعلم علم العروض، فقلت له: خلني الليلة، يقول: فطلبت من أحد إخواني كتابًا في العروض للخليل بن أحمد، يقول: فما أصبح الصباح إلا وقد حفظت علم العروض" يقول: "بت ليلتي وأنا غير عروضي وأصبحت وأنا رجل عروضي" أي: أتقنت علم العروض. يقول: فنظرت فيه ليلتي فأمسيت غير عروضي وأصبحت عروضيًّا من شدة ما كان لديهم من منافسة في طلب العلم وحرص شديد على حفظ العلم. يقول شعبة بن الحجاج - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "إذا رأيت المحبرة في بيت إنسان فارحمه، وإن كان في كُمك شيءٌ فأطعمه". لأن طلبة العلم في القديم كانوا فقراء، ولا يجدون مالًا يستعينون به في هذه الرحلة الشاقة، رحلة طلب العلم. أحد السلف يقول: خرجت من بلاد الشام من دمشق إلى مصر، ومن مصر إلى الحجاز، ومن الحجاز إلى العراق، ثم من العراق إلى الحجاز مرةً أخرى، يقول: سبع سنين، يقول: كل هذا على قدميَّ. وأنتم تعرفون أنه في الطريق لا يوجد ماء، وأحيانًا لا يوجد طعام، وأحيانًا لا توجد دابة تحمل طالب العلم إلى ما يريد، فتحدث لهم أحوال وحاجات ومشاق، كل هذا إخلاصًا لله، تجردًا لله، وطلبًا لمرضاة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قال سعيد بن المسيب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إن كنت لأغيب الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد. حديث واحد من أجله يتغيب عن أهله الأيام والليالي في طلب حديثٍ واحد. يقول الإمام أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كنت ربما أردت البكور إلى الحديث -يعني يريد أن يخرج قبل أذان الفجر، يريد أن يخرج من بيته قبل أذان الفجر ليذهب إلى العلماء- فتأخذ أمي ثيابي وتقول: حتى يؤذن للفجر. يقول: أجلس، وكنت ربما بكَّرت إلى مجلس أبي بكر بن عياش وغيره قُبيل الفجر؛ من شدة الحرص يا إخواني الكرام، ويجلسون بين يدي العلماء بالتوقير والتعظيم الشديد والتجرد الشديد، من أجل هذا جعل الله لهم قبولًا بين الناس ببركة هذا الإخلاص الذي في قلوبهم. قال محمد بن يونس -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كتبت بالبصرة عن ألف ومائة وستة وثمانين رجلًا. كتب العلم عن هؤلاء جميعًا، لم يتكبر يومًا ما، انظر إلى كثرة الشيوخ تدل على شدة تواضع طلب العلم، أنه يأخذ العلم من كل صاحب علم. يقول: كتبت بالبصرة عن ألف ومائة وستة وثمانين رجلًا، عدد كبير جدًّا يا أحباب. يعني أنت لو حصرت، عندك ابن مثلًا حصل على درجة الدكتوراه، لو عندك الآن ابن أو أخ أو حتى أحد العلماء المعروفين حصل على درجة الدكتوراه، وحسبت كم واحدًا درَّسه في المرحلة الابتدائية، وكم واحدًا درَّسه في المرحلة الإعدادية، والثانوية، والجامعية، والماجستير، والدكتوراه، لن يتجاوز العدد مثلًا خمسمائة، وهذا الرجل في البصرة كتب العلم عن ألف ومائة وستة وثمانين. تخيل هذا الوقت الطويل، وهذا التواضع، وهذا التجرُّد، ويتعامل مع جميع العلماء بالاحترام والتوقير. من أجل هذا - أيها الأحبة الكرام - سادوا العالم بأكمله، وشهد لنا أعداء الإسلام بأننا أمة طاهرة، بأننا أمة إذا أردنا شيئًا فعلناه، كل هذا لأننا أمة توقر الكبير وترحم الصغير. قال عكرمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل -أي: القيد- ويعلمني القرآن والسنة. عكرمة: مولى من موالي ابن عباس رضي الله عنهم جميعًا، كان يجعل في رجله القيد من أجل أن يعطيه علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى صار عكرمة سيد الناس، سيد التابعين ببركة ما عنده من العلم. قال أبو داود الطيالسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أدركت ألف شيخ كتبت عنهم العلم. قال أبو العالية - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كنَّا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبصرة، فلم نرضَ حتى ركبنا الإبل وذهبنا لأصحاب النبي في المدينة المنورة. الله أكبر! انظر إلى هذه التضحية، كانوا يسمعون بالحديث في البصرة، فقالوا: كيف نرضى بهذا وأصحاب النبي على قيد الحياة. فرحلوا من البصرة إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرفوا باللقيا ورؤية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والله لو لم يكن في قلبهم شيءٌ من الإخلاص والتجرد والنية الصادقة في تبليغ هذا العلم للناس، واللهِ لما تمكنوا من فعل ذلك أيها الأحبة. وقال حمَّاد بن أسامة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كتبت بيدي هذه مائة ألف حديث. وقال سفيان بن عيينة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان الشاب إذا وقع في الحديث احتسبه أهله. قال الخطيب البغدادي وهو يشرح هذه الكلمة: يعني أنه كان يجتهد في العبادة اجتهادًا يقطعه عن أهله فيحتسبونه عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وقال يحيى بن سعيد القطان - رَحِمَهُ اللَّهُ - حين ذكروا طلب الحديث، يقول: كنت أخرج من البيت قبل الغداء فلا أرجع إلى العتمة. أوقات وتحمُّل في سبيل الله يا أحباب، من أجل إعلاء كلمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، من أجل محو الجهل عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإقامة الحجة على جميع الناس. أسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص، وأن يرزقنا وإياكم الحرص على طلب العلم. وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ على سيدنا محمد النبي، وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته، كما صليت ربنا على آله إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد. ومن الأشياء التي تُسرد أيضًا أيها الأحبة، ما قاله عبد الرحمن بن أبي حاتم - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يقول: كنَّا بمصر سبعة أشهر. لماذا أقاموا بمصر سبعة أشهر؟ لطلب العلم. يقول: لم نشرب فيها مرقًا -من شدة الفقر-، يقول: كل نهارنا مقسَّم لمجالس الشيوخ، وبالليل النسخ والمقابلة. قال: فأتينا يومًا أنا ورفيقٌ لي شيخًا، فقالوا: الشيخ مريض، الشيخ مريض اليوم ما يقدر أن يدرِّس، فرأينا في طريقنا سمكةً أعجبتنا فاشتريناها، فلما رجعنا إلى البيت حضر وقت مجلس علم آخر، فلم نتمكن من طهي هذه السمكة، ومضينا إلى مجلسٍ آخر، فلم نزل حتى أتى على هذه السمكة ثلاثة أيام وكادت أن تتعفن فأكلناها نيئةً لم يكن لنا فراغٌ أن نعطيها من يشويها" ثم قال كلمة: "لا يستطاع العلم براحة الجسد". وكان العلامة النحوي محمد بن أحمد أبو بكر الخياط البغدادي يدرس العلم في جميع أوقاته حتى في الطريق، وهو في الطريق معه كتاب يقرأ وهو يمشي، وكان ربما سقط في حفرةٍ أو خبطته دابة، لكن الرجل حريص على أن يقرأ في العلم حتى وإن تعرضت حياته للخطر. كان هذا من حرصهم -رَحِمَهُم اللَّهُ-. قال ابن عقيل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: "أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على أكل الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت في المضغ توفرًا على المطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها". وكان داود الطائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشرب الفتيت ولا يأكل الخبز، فقيل له في ذلك، فقال: "بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية". كانت هذه رحلة حول نصوص من حياة سلفنا الصالح في حرصهم على طلب العلم، وصبرهم على طلب العلم، وشدة توقيرهم لشيوخهم واحترامهم، وبذلك أيها الأحبة سادوا الدنيا؛ لأن هذا العلم شريف أيها الأحبة، ولا يُنال هذا العلم إلا بالصبر والاحتساب والصدق والتجرد والإخلاص والتواضع. من أجل هذا أيها الأحبة الكرام ترك هذا العلم أثرًا في أخلاقهم وأثرًا في رحمتهم، فكانوا أرحم الناس بالناس. فأسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يرزقنا وإياكم كما رزقهم، اللهم اغفر لنا جميعًا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، واجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا. اللهم لا تجعل فينا ولا بيننا ولا حولنا شقيًّا ولا مطرودًا ولا محرومًا. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين. اللهم ردنا إلى الحق مردًّا جميلاً يا رب العالمين. اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا. اللهم كن لنا ولا تكن علينا. اللهم زدنا ولا تنقصنا. اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا. اللهم اجعلنا لك ذكَّارين، لك شكَّارين، لك أوَّاهين مريدين. اللهم اقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واسلل سخائم صدورنا. اللهم احفظ أهل السنة يا رب العالمين. اللهم ارزق بلاد المسلمين جميعًا نعمة الأمن والأمان. اللهم آمنا في أوطاننا. اللهم آمنا في أوطاننا. اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا. وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وقوموا إلى صلاتكم. [1] أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2059)، كتاب العلم، بَابُ رَفْعِ الْعِلْمِ وَقَبْضِهِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ وَالْفِتَنِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، رقم (2673). [2] أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2289)، كتاب الزهد، بَابُ مَنْ أَشْرَكَ فِي عَمَلِهِ غَيْرَ اللهِ، رقم (2985). [3] أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 93)، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، بَابُ الِانْتِفَاعِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِهِ رقم: (253). حسنه الألباني. [4] أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1513)، كتاب الحدود، بَابُ قَطْعِ السَّارِقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ، رقم: (1905). [5] أخرجه أحمد في مسنده (11/ 345)، مسند المكثرين من الصحابة، رقم: (6733)، بلفظ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا». صححه شعيب الأرناؤوط. wfv hgsgt hgwhgp td 'gf hgugl | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
11 / 10 / 2018, 16 : 05 PM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018