03 / 06 / 2018, 08 : 04 PM | المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ملتقى ماسي | البيانات | التسجيل: | 21 / 01 / 2008 | العضوية: | 19 | المشاركات: | 30,241 [+] | بمعدل : | 4.91 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 0 | نقاط التقييم: | 295 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى : الملتقى العام التقيتُ به في مترو الأنفاق بالقاهرة، ما إن رأيتُه حتى وجدتُني مشدوداً نحوه.. لا أعرفُ متى رأيتُه؛ لكني موقنٌ أني قدِ التقيتُ به في مكانٍ ما! كانَ جالساً، بينما كنتُ أقف، ما بين فينةٍ وأخرى أتلَصَّصُ على الجالسِ بجواره؛ أمنِّي نفسي أن ينزلَ في أي محطةٍ قادمة؛ لاهتبلَ فرصةَ الجلوسِ بقربه..! لم ينزل أحد، وبدا لي أنَّ المحطة التي أريدُ النزول فيها باتت قريبة.. وسأضطرُ - حينها - للنزول قبلَ أن أتعرَّفَ على هذا القابعِ أمامي.. لا أدري لماذا أنا مدفوعٌ للتعرفِ عليه.. بينما (المترو) يحملُ الآلاف من الوجوه والملامح المختلفة.. *ثمة حكمة إلهية،* قلتُ لنفسي. توقَّف المترو في محطةِ (العتبة)؛ وخرجَ الناسُ إلى الأبواب أفواجاً، ورحتُ أقلِّبُ عيني بينَ المتدافعين إلى الأبوابِ قبل أن تُغلق، وبين الشاب الجالس في مكانه.. أخشى أن ينسلَّ دونَ أن أراه. تحركَ المترو خالياً؛ إلا من رَجُلٍ هنا ورجلٍ هناك.. ووجدتُ نفسي أجلسُ بجوارِ الشاب.. ثمة طمأنينة سَرَت في كياني.. أحسستُ أني قطعتُ كل هذه المسافةِ لألقاه، مرت في ذهني كل هذه الخواطر وأنا لا أعرفُ بعدُ من يكون! ولماذا أشعرُ نحوه بهذا الشعور الفجائي الذي لا أستطيعُ دفعه؟. أغلقَ ( *الكتاب*) الذي كانَ يقرأ فيه.. والتفتَ نحوي؛ اضطربتُ قليلاً.. كأنَّ شعاعاً منه اخترق قلبي..! - من أينَ الأخ؟ قال لي. - اليمن - ما شاءَ الله.. وأنعِم بأهلِ اليمن.. ابتسمَ ابتسامةً خفيفة، وكذلكَ فعلتُ. خشيتُ أن أصلَ إلى المحطةِ التي أقصدها دونَ أن أتحدثَ معه كثيراً.. كَسَرَ حاجز الصمتِ سؤاله عن الكتابِ الذي بحوزتي؟! وجدتُها فرصة للحديثِ معه.. قال لي: قرأته في المستشفى قبلَ عامين! - أمسكتُ جيداً بالمدخل الذي يمكنني أن أقفَ على سرِّ الشاب.. قلتُ له بدهشةٍ: ولماذا في المشفى؟! - تلكَ حكاية طويـــلة... قاطعتُه: أرغبُ في سماعها. - أُصبتُ في السنةِ الثانية للجامعةِ بورم سرطاني، ومنذُ ذلكَ اليوم الذي اكتشفتُ فيه المرض وأنا أتقلَّبُ من مشفى لآخر، واشتدَّ بي المرض قبلَ عامين، و وجدتني طريحَ الفراش، لا أقوى على الحراك.. كانَ الكتابُ أنيسي، والنظر إلى وجه أمي طاقة أستمدُّ منها البقاء..! - كنتُ أستمعُ إليه بكلِّ جوارحي.. - وفي ليلةٍ من الليالي اشتدَّ المرض بي. حتى أوشكتُ على الهلاك؛ ويأسَ مني الأطباء.. *قال لي الطبيبُ يومها: سيكونُ هذا آخر (رمضانٍ لك)*! شعرتُ حينها بصدمةٍ عنيفة.. آخر رمضان لي.. لا أدري لماذا قالَ لي آخر رمضان. ولم يُسمِّ شهراً آخر؟! دقَّ الطبيبُ جرسَ إنذارٍ في (روحي) لم يكن يقصده.. خرجتُ يومها، وأنا أفكِّرُ برمضان القادم، واللقاءِ الأخير! مارستُ حياتي المَرَضية، انتقلُ من جلسة الكيماوي إلى جلساتِ الإشعاع.. حتى دخلَ رمضان.. رمضان الأخير.. تعاملتُ معه (كموَدِّع) ، وبدا لي الشهر وكأنه صديق حميم سيُضرب بيني وبينه حدّ الفراق. رأيتُني أتعاملُ بروحٍ مستعلية على كلِّ السفاسف والمهازل.. رحتُ أبتسمُ للقريبِ والبعيد.. وعند الصباح أقبِّلُ رأسَ أمي ويديها.. أعينُ حارس العمارة التي أقطنُ فيها.. رتَّبْتُ الكتب التي أودُّ أن أقرأها قبلَ الرحيل.. وصَلْتُ رَحِماً منسية، واتصلتُ بصديقٍ قديم.. بتُّ شديدَ التأمل، يشدني أي شيء.. تغيرتْ نظرتي للأشياءِ من حولي.. وبتُّ أتعاملُ معها ببساطةٍ لا دهشةَ فيها ولا انبهار! حدثتُ نفسي أنَّ (الختمة الأخيرة للقرآن) ستكونُ في رمضاني الأخير.. فقرأتُ القرآنَ بطريقةٍ لم أقرأ بها يوماً في حياتي.. كنتُ أقفُ على معانٍ لم أقف عليها من قبل.. فُتحَ لي بابٌ من التدبرِ لا عهدَ لي به.. وجدتني أكتشفُ القرآنَ من جديد.. لم يكن همي أن انتهي.. لا يعنيني كثيراً أن يداهمني الموت في أول سورة البقرة أم في الجزءِ الأخير.. ما يهمني أن أموتَ وقد اكتشفتُ حقيقة القرآن التي نغفلُ عنها! - وقفَ المترو في المحطة التي أنوي النزول فيها.. ومن محاسنِ القدر أنه نزلَ معي أيضاً.. كنتُ أخشى أن يرحل.. سألتُه طمعاً في بقائه: وكيفَ مرَّت بكَ الأيام؟! - انسلَّ رمضاني الأخير، وأنا أنتظرُ الموت.. توالتِ الأيام سراعاً ولمَّٰا يأتِ بعد.. انتظمتُ في جلساتِ الكيماوي والاشعاع.. وانتظمتْ حياتي كأنها رمضاني الأخير ..! عدتُ إلى مقاعدِ الدراسة، ومارستُ أنشطتي وحياتي.. لم أعد أفكِّرُ في المرض.. ولم يعد يخيفني ذكر الموت.. وكانَ كلَّما اشتدَّ بي الخوفُ من لقائه؛ أتساءلُ في نفسي: "هل الموتُ حريةٌ وخلاصٌ وفضاءٌ واسع؟! أم عبوديةٌ وجحور ضيقة؟! هل الموتُ داء أم شفاء؟! فإذا كانَ داءً لما اقترفتْه يدُ الإنسان، فلندع الله أن يعَجِّلَ به حتى ينقضي. وإذا كانَ شفاءً من بؤسِ الحياةِ ونكدها ففيمَ الخوفُ والتباكي على حلوله؟! أما كانَ منَ الأجدرِ بنا أن نفرحَ لقدومه، ألا يكونُ - بهذا - شكلاً من أشكالِ الخلاص؟! فــ يغمر قلبي ماء اليقين، وأسلِّمُ مختاراً كل شيءٍ للقدير؛ فسَلِمتْ نفسي من الجزعِ والخوف..! - قلتُ له مقاطعاً: وكيفَ صحتكَ الآن ؟! - تلاشى الورم، ولم يبقَ منه إلا القليل القليل.. ألِفتُ حياة السرطان.. ولم يعد هو الآخرُ يخيفني.. طوعتُه للاستفادةِ منه.. لم أجعله يصلُ إلى قلبي لتحطيمه بمعولِ اليأسِ والإحباط والتلاشي.. صنعتُ حاجزاً بينهما فنجوت. *إنني ممتنٌ لكل ما أنا فيه؛ لفكرة (رمضاني الأخير) لقد جعلت حياتي كلها رمضان الأخير..!* أتممتُ الشهر الماضي تعلم اللغة الفرنسية، إضافةً إلى لغتي العربية والانجليزية.. كما أني أمارسُ التدريس كـ (معيد) في قسم (البيولوجي). أتممتُ مسودةً أحكي فيها قصتي مع السرطان، ما زلتُ أتعلمُ واقرأ واندهش، وأحيا بسلام، وأحبُّ الآخرين، وأعيشُ في كنفِ الله. - ولهذا تحملُ وجهاً (بدرياً) ، يقفُ أمامه كل من أمعنَ فيه، فــ انعكاسه وقعَ في قلبي منذُ اللحظةِ الأولى.. قلتُ في نفسي. *افترقنا، وأنا أفكِّرُ، ماذا لو قيلَ لي هذا رمضانكَ الأخير؟!* |خالد بريه|
lh`h g, ;hk vlqhk; hgHodv?
|
| |