28 / 04 / 2018, 31 : 12 PM | المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ملتقى ماسي | البيانات | التسجيل: | 21 / 01 / 2008 | العضوية: | 19 | المشاركات: | 30,241 [+] | بمعدل : | 4.91 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 0 | نقاط التقييم: | 295 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح فتنة القلب إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ...﴾ أيها المؤمنون! القلب أشرف الأعضاء، وسلطانها الآمر، وقائدها المؤثِّر. وألزم ما ينبغي رعيُه في ذلك القلب ورقبُه حالُه حين تعرض له فتن الشبهات والشهوات؛ وذلك مما لا بد له من ملاقاته. وقد أبان النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الحال بقوله فيما روى مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - : (تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أُشربها، نُكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نُكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا؛ فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مِرْبادّاً كالكوز، مجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشرب من هواه). هكذا جلّى النبي صلى الله عليه وسلم بجامع الكلم المبيَّنِ بالمثال المحسوس تلك القضية الجوهرية المفصلية؛ من خلال بيان طريقة عرْض الفتن على القلوب، وكيفية استقبال القلوب لها، وأثر ذلك الاستقبال عليها. أيها المسلمون! إن الفتن بشقّيها - فتنِ الشهوات، وفتنِ الشبهات، وهي أخطر - تقبل على القلب، وتُعرض مُزَيَّنةً له؛ امتحاناً لإيمانه، وبلو خبره، عرضاً متوالياً؛ فتنةً تتبع فتنة، بتكرار وعودة؛ سعياً للالتصاق به والإحاطة، كالتصاق الأعواد بالحصير وإحاطتها به؛ مما ينشأ عنه في مدافعة القلب ضيق وشدة لا تنفك منها فتنة. وحال القلوب عند عرض الفتن عليها أحد حالين: تشرّب وقبول، وردٌّ وإنكار. والفتن مركب الشيطان الذي من خلاله يُجلِب على القلب، فإن كان الإيمان لم يرسخ في القلب، ولم يتمكن منه؛ فإنه يتزلزل للفتنة، ويضعف أمامها؛ فيقبلها ويتشرّبها، وتمازجه، وتحل فيه، ويتأثر بها. كلما تشرّب فتنة نقط فيه نقطة سوداء، وبقدر ذلك التشرّب تكون ظلمة القلب واسوداده، فلا يزال هكذا حتى يعمّه السواد من جميع جوانبه، كحال مصباح الزجاجة الصافية؛ فإنها تضيء من جميع جهاتها، فلو صادف جانباً منها دخانٌ، وتكرر عليها، ولم يُمط عنها؛ فإن ذلك الموضع يسودّ، ولو كان ذلك في جميع أجزائها لأظلمت من سائر نواحيها. فإذا كثر السواد واستحكم على القلب، وغالَب صفاءَ فطرته؛ اربدّ، وتكدّر لونه، وحين ذاك تنتكس فطرته، وينضب منه الهدى، ويندّ عنه، ولا تؤثر فيه المواعظ والعبر، كحال الماء مع الكأس المقلوب؛ فلا يبقى منه شيء، ولا يدخله شيء، والعياذ بالله. ويبتلى بآفتين خطيرتين تدلان على موت القلب ومسخه؛ بذهاب ماء حياته؛ الآفة الأولى: اشتباه المعروف وخفاء وجهه مع وضوحه، والآفة الثانية : استحكام الهوى وتحكّمه وتحكيمه؛ حتى لا يقبل ذلك القلبُ المظلم من الحق إلا ما وافق هواه، وذاك الحال البائس هو حال من زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً، وذلك أحط دركات الضلال، كما قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم﴾، وابتلي بتبدل الآراء، وتناقض المواقف دون دليل أو بصيرة، كما قال أعلم الصحابة بالفتن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - إثر روايته حديث فتنة القلب السابق: " فمن أحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؟ فلينظر، فإن رأى حراماً ما كان يراه حلالاً، أو يرى حلالاً ما كان يراه حراماً؛ فقد أصابته الفتنة "[1]. إن أسى تلك النهاية إنما كان بإهمال معالجة انحراف البداية؛ حين عُرضت الفتن على القلب، وزُيّنت، ولم يتعامل معها التعامل الشرعي الحاسم لمادتها والعاصم من شرها؛ فكيف بمن كان معافى منها، وأبى إلا الاستشرافَ إليها؛ فأردته صريعاً غَرِقاً في لجج موجها الحالك؟! أيها المؤمنون! وأما إن كان القلب مطمئناً بالإيمان، راسخاً رسوخ الشمّ الرواسي، وماء الإيمان الطاهر يملأ أركان الجَنان؛ فإن الفتن تزيد ذلك القلب قوة، وثباتاً، وبصيرة، ونوراً؛ وذلك أن الفتنة إذا قابلت القلب المؤمن سدّ منافذها، وأبغضها وأنكرها. يستثيره إيمانه، وتستجيشه تقواه بالفزع إلى ربه، والحياء من خالقه - سبحانه -؛ كيف عرض له مثل ذلك؟ أو خطر في فكره؟ واعتذر من ضعف جبلته البشرية، كما قال يوسف - عليه السلام - : ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِين﴾؛ فكانت حالته تلك كالغسل والتنقية لقلبه، لا سيما في المنفذ الذي رامت الفتنة الولوج على قلبه منه؛ إذ تُنقط فيه نقطة بيضاء مع كل فتنة مردودة؛ فيكون ذلك المنفذ القلبي أشدَّ بياضًا من باقي القلب كله، وهكذا تكثر النقط البيضاء بإنكار الفتن من شهوات وشبهات حتى تغطي مساحة القلب كله، فيكون كحجر الصفا الأملس الصلب الذي لا تعلق به عالقة، ولا تؤثّر فيه عادية طيلة الحياة الباقية بقاءَ السماء والأرض؛ له بصيرة ثاقبة، ونورُ سراجٍ ساطعٌ؛ لا يأتيه الشيطان من جهة إلا رآه، ولا يتحرك ناهضًا إليه إلا لحظه ورأى مسالكه والأسباب التي يجعلها سلالم للوصول إلى قلبه؛ فلا تضره حينئذٍ فتنة ما دام هذا حاله. ويتأكد ذلك الدفع والإنكار في بدء ورود الفتن، كما جاء عند الحاكم بإسناد صححه على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعرض فتنة على القلوب، فأي قلب أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء، وأي قلب لم ينكرها نكتت في قلبه نكتة سوداء، ثم تعرض فتنة أخرى على القلوب، فإن أنكرها القلب الذي أنكرها في المرة الأولى نكتت في قلبه نكتة بيضاء، وإن لم ينكرها نكتت نكتة سوداء، ثم تعرض فتنة أخرى على القلوب، فإن أنكرها الذي أنكرها في المرتين الأوليين اشتد وابيض وصفا؛ ولم تضره فتنة أبداً، وإن لم ينكرها في المرتين الأوليين اسود وارتد ونكس؛ فلا يعرف حقاً، ولا ينكر منكراً). الخطبة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد، فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله... أيها المؤمنون! إن إنكار القلب للفتن، وبغضه لها، وسلامته منها، سواء كانت فتنة شهوة أو شبهة؛ إنما يكفي بمعرفته الحقَّ معرفة كلية وإن كانت المعرفة التفصيلية أبلغ في ذلك الإنكار والبغض؛ كما قال تعالى : ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾، يقول ابن سعدي في هداية هذه الآية: "وفي هذه الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة؛ وهو أن ما قامت الأدلة على أنه حق، وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها؛ فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا؛ فلا يوجب له عجزُه عن حلها القدحَ فيما علمه؛ لأن ما خالف الحق فهو باطل، قال تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾. وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون ويرتبها المنطقيون، إنْ حلَّها الإنسان فهو تبرع منه، وإلا فوظيفته أن يبين الحق بأدلته، ويدعو إليه". عباد الله! ومن رحمة الله بعباده أن هيأ لهم ما يمحون به تلك النقط السوداء الناشئة من تشرب الفتن ومقارفة الزلل من قلوبهم بممحاة التوبة والاستغفار؛ حتى لا يعلو الران عليها؛ فتنتكس، وحتى تعودَ القلوب على أصل نقائها وصفائها وطهارتها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. [1] كما جاء في رواية ابن أبي شيبة في مصنفه (7/474)، ورواه الحاكم مفرداً دون باقي الرواية في مستدركه (4/514) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
tjkm hgrgf (o'fm)
|
| |