الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 1 | المشاهدات | 687 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
09 / 01 / 2018, 36 : 01 AM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح في القدر المشترك في الأسماء والصفات قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول (2/ 32 - 33): "وتمام الكلام في هذا الباب: أنك تعلم أنا لا نعلم ما غاب عنا إلا بمعرفة ما شهدناه، فنحن نعرف أشياء بحسِّنا الظاهر أو الباطن، وتلك معرفة معينة مخصوصة، ثم إنا بعقولنا نعتبر الغائب بالشاهد، فيبقى في أذهاننا قضايا عامة كلية، ثم إذا خوطبنا بوصف ما غاب عنا لم نفهم ما قيل لنا إلا بمعرفة المشهود لنا. فلولا أنا نشهد من أنفسنا جوعًا وعطشًا، وشبعًا ورِيّا وحبًا وبغضًا، ولذة وألمًا ورِضًا وسخطًا، لم نعرف حقيقة ما نخاطب به إذا وصف لنا ذلك، وأخبرنا به عن غيرنا. وكذلك لو لم نعلم ما في الشاهد حياة وقدرة، وعلمًا وكلامًا، لم نفهم ما نخاطب به إذا وصف الغائب عنا بذلك. وكذلك لو لم نشهد موجودًا، لم نعرف وجود الغائب عنا، فلابد فيما شهدناه وما غاب عنا من قدر مشترك هو مسمى اللفظ المتواطئ، فبهذه الموافقة والمشاركة والمشابهة والمواطأة نفهم الغائب ونثبته، وهذا خاصة العقل. ولولا ذلك لم نعلم إلا ما نحسه، ولم نعلم أمورًا عامة ولا أمورًا غائبة عن أحاسيسنا الظاهرة والباطنة، ولهذا من لم يحس الشيء ولا نظيره لم يعرف حقيقته. ثم إن اللّه تعالى أخبرنا بما وعدنا به في الدار الآخرة من النعيم والعذاب، وأخبرنا بما يؤكل ويشرب وينكح ويفرش وغير ذلك، فلولا معرفتنا بما يشبه ذلك في الدنيا، لم نفهم ما وعدنا به، ونحن نعلم مع ذلك أن تلك الحقائق ليست مثل هذه، حتى قال ابن عباس ـ رضي اللّه عنه: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، وهذا تفسير قوله: ﴿ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ﴾ [البقرة: 25] على أحد الأقوال. فبين هذه الموجودات في الدنيا وتلك الموجودات في الآخرة مشابهة وموافقة واشتراك من بعض الوجوه، وبه فهمنا المراد، وأحببناه ورغبنا فيه، أو أبغضناه ونفرنا عنه، وبينهما مباينة ومفاضلة لا يقدر قدرها في الدنيا. وهذا من التأويل الذي لا نعلمه نحن، بل يعلمه اللّه تعالى". وقال في مجموع الفتاوى (9/ 295-296): "فإنه يعلم الإنسان أنه [أي: الإنسان نفسه] حي عليم قدير سميع بصير متكلم، فيتوصل بذلك إلى أن يفهم ما أخبر الله به عن نفسه من أنه حي عليم قدير سميع بصير، فإنه لو لم يتصور لهذه المعاني من نفسه ونظره إليه لم يمكن أن يفهم ما غاب عنه، كما أنه لولا تصوره لما في الدنيا من العسل واللبن والماء والخمر والحرير والذهب والفضة لما أمكنه أن يتصور ما أخبر به من ذلك من الغيب، لكن لا يلزم أن يكون الغيب مثل الشهادة فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: "ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء"، فإن هذه الحقائق التي أخبر بها أنها في الجنة ليست مماثلة لهذه الموجودات في الدنيا بحيث يجوز على هذه ما يجوز على تلك ويجب لها ما يجب لها ويمتنع عليها ما يمتنع عليها وتكون مادتها مادتها وتستحيل استحالتها، فإنا نعلم أن ماء الجنة لا يفسد ويأسن، ولبنها لا يتغير طعمه، وخمرها لا يصدع شاربها ولا ينزف عقله فإن ماءها ليس نابعا من تراب ولا نازلا من سحاب مثل ما في الدنيا، ولبنها ليس مخلوقا من أنعام كما في الدنيا وأمثال ذلك، فإذا كان ذلك المخلوق يوافق ذلك المخلوق في الاسم وبينهما قدر مشترك وتشابه، عُلم به معنى ما خوطبنا به، مع أن الحقيقة ليست مثل الحقيقة، فالخالق جل جلاله أبعد عن مماثلة مخلوقاته مما في الجنة لما في الدنيا. فإذا وصف نفسه بأنه حي عليم سميع بصير قدير لم يلزم أن يكون مماثلا لخلقه؛ إذ كان بُعدها عن مماثلة خلقه أعظم من بُعد مماثلة كل مخلوق لكل مخلوق، وكل واحد من صغار الحيوان لها حياة وقوة وعمل، وليست مماثلة للملائكة المخلوقين، فكيف يماثل رب العالمين شيئا من المخلوقين". وقال في مجموع الفتاوى (33 /185 - 186): "لفظ استوى لم تستعمله العرب في خصوص جلوس الآدمي مثلا على سريره حقيقة حتى يصير في غيره مجازا، كما أنّ لفظ العلم لم تستعمله العرب في خصوص العرض القائم بقلب البشر المنقسم إلى ضروري ونظري حقيقة، واستعمله في غيره مجازا، بل هذا المعنى تارة يستعمل بلا تعدية كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ﴾ [القصص: 14] وتارة يعدّى بحرف الغاية كقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ﴾ [البقرة: 29] وتارة يعدى بحرف الاستعلاء. ثم هذا تارة يكون صفة لله، وتارة يكون صفة لخلقه، فلا يجب أن يجعل في أحد الموضعين حقيقة وفي الآخر مجازا، ولا يجوز أن يفهم من استواء الله تعالى الخاصية التي تثبت للمخلوق دون الخالق كما في قوله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ﴾ [الذاريات: 47] وقوله تعالى: ﴿ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ﴾ [يس: 71] وقوله تعالى: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88] وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ﴾ [الأنبياء: 105] ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ ﴾ [الأعراف: 145]. فهل يستحل مسلمٌ أن يثبت لربه خاصية الآدمي الباني والصانع العامل الكاتب، أم يستحل أن ينفي عنه حقيقة العمل والبناء كما يختص به ويليق بجلاله، أم يستحل أن يقول: هذه الألفاظ مصروفة عن ظاهرها، أم الذي يجب أن يقول: عَمَلُ كل أحد بحسبه، فكما أن ذاته ليست مثل ذوات خلقه، فعمله وصنعه وبناؤه ليس مثل عملهم وصنعهم وبنائهم. ونحن لم نفهم من قولنا: بنى فلان وكتب فلان ما في عمله من المعالجة والتأثر إلا من جهة علمنا بحال الباني لا من جهة مجرد اللفظ، ففرِّق أصلحك الله بين ما دل مجرد اللفظ الذي هو لفظ الفعل، وما يدل عليه بخصوص إضافته إلى الفاعل المعين، وبهذا ينكشف لك كثير ما يشكل على كثير من الناس، وترى مواقع اللبس في كثير من هذا الباب". وقال في درء تعارض العقل والنقل (5/ 83 - 85): "ما من موجودين إلا بينهما قدر مشترك، وقدر مميز، فإنهما لا بد أن يشتركا في أنهما موجودان ثابتان حاصلان، وأنّ كلا منهما له حقيقة هي ذاته ونفسه وماهيته، حتى لو كان الموجودان مختلفين اختلافا ظاهرا كالسواد والبياض فلا بد أن يشتركا في مسمى الوجود والحقيقة ونحو ذلك، بل وفيما هو أخص من ذلك مثل كون كل منهما لونا وعرضا وقائما بغيره ونحو ذلك وهما مع هذا مختلفان. وإذا كان بين كل موجودين جامع وفارق، فمعلوم أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله، فلا يجوز أن يثبت له شيء من خصائص المخلوقين ولا يمثل بها، ولا أن يثبت لشيء من الموجودات مثل شيء من صفاته ولا مشابهة في شيء من خصائصه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وإذا كان المثل هو الموافق لغيره فيما يجب ويجوز ويمتنع، فهو سبحانه لا يشاركه شيء فيما يجب له ويمتنع عليه ويجوز له. وإذا أُخذ القدر المطلق الذي يتفق فيه الخالق والمخلوق، مثل مسمى الوجود والحقيقة والعالم والقادر ونحو ذلك، فهذا لا يكون إلا في الأذهان لا في الأعيان، والمخلوق لا يشارك مخلوقا في شيء من صفاته، فكيف يكون للخالق شريك في ذلك، لكن المخلوق قد يكون له من يماثله في صفاته، والله تعالى لا مثل له أصلا. والقدر المشترك المطلق كالوجود والعلم والحقيقة ونحو ذلك لا يلزمه شيء من صفات النقص الممتنعة على الله تعالى، فما وجب للقدر المطلق المشترك لا نقص فيه ولا عيب، وما نفي عنه فلا كمال فيه، وما جاز له فلا محذور في جوازه. وأما ما يتقدس الرب تعالى ويتنزه عنه من النقائص والآفات فهي ليست من لوازم ما يختص به، ولا من لوازم القدر المشترك الكلي المطلق أصلا، بل هي من خصائص المخلوقات الناقصة، والله تعالى منزه عن كل نقص وعيب، وهذه معاني شريفة بسطت في غير هذا الموضع". وقال في مجموع الفتاوى (5/ 201): "ومن الناس من يسمي هذه الأسماء "المشكّكة" لكون المعنى في أحد المحلّين أكمل منه في الآخر، فإن الوجود بالواجب أحق منه بالممكن، والبياض بالثلج أحق منه بالعاج، وأسماؤه وصفاته من هذا الباب، فإن الله تعالى يوصف بها على وجه لا يماثل أحدا من المخلوقين، وإن كان بين كل قسمين قدرا مشتركا، وذلك القدر المشترك هو مسمى اللفظ عند الإطلاق، فإذا قيّد بأحد المحلين تقيد به. فإذا قيل: وجود وماهية وذات كان هذا الاسم متناولا للخالق والمخلوق، وإن كان الخالق أحق به من المخلوق، وهو حقيقة فيهما. فإذا قيل: وجود الله وماهيته وذاته اختص هذا بالله، ولم يبق للمخلوق دخول في هذا المسمى وكان حقيقة لله وحده. وكذلك إذا قيل: وجود المخلوق وذاته اختص ذلك بالمخلوق وكان حقيقة للمخلوق. فإذا قيل: وجود العبد وماهيته وحقيقته لم يدخل الخالق في هذا المسمى وكان حقيقة للمخلوق وحده. والجاهل يظن أنّ اسم الحقيقة إنما يتناول المخلوق وحده، وهذا ضلال معلوم الفساد بالضرورة في العقول والشرائع واللغات، فإنه من المعلوم بالضرورة أن بين كل موجودين قدرا مشتركا وقدرا مميزا، والدال على ما به الاشتراك وحده لا يستلزم ما به الامتياز. ومعلوم بالضرورة من دين المسلمين أن الله مستحق للأسماء الحسنى، وقد سمى بعض عباده ببعض تلك الأسماء كما سمى العبد سميعا بصيرا وحيّا وعليما وحكيما ورؤوفا رحيما وملكا وعزيزا ومؤمنا وكريما وغير ذلك، مع العلم بأن الاتفاق في الاسم لا يوجب مماثلة الخالق بالمخلوق، وإنما يوجب الدلالة على أن بين المسميين قدرا مشتركا فقط، مع أن المميّز الفارق أعظم من المشترك الجامع". وقال في الرسالة التدمرية (1/ 42 - 43): "وهذا باب مطرد، فإن كل واحد من النفاة لما أخبر به الرسول من الصفات لا ينفي شيئا فرارا مما هو محذور إلا وقد أثبت ما يلزمه فيه نظير ما فرّ منه، فلا بد في آخر الأمر من أن يثبت موجودا واجبا قديما متصفا بصفات تميزه عن غيره، ولا يكون فيها مماثلا لخلقه، فيقال له: هكذا القول في جميع الصفات، وكل ما تُثبته من الأسماء والصفات فلا بد أن يدل على قدر تتواطأ فيه المسميات، ولولا ذلك لما فهم الخطاب، ولكن نعلم أن ما اختص الله به وامتاز عن خلقه أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال". وقال في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (4 / 308): "ومن قال: إنه يوجد في الخارج كليا، فقد غلط، فإن الكلي لا يكون كليا قط إلا في الأذهان لا في الأعيان، وليس في الخارج إلا شيء معين، إذا تصور منع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه، ولكن العقل يأخذ القدر المشترك الكلي بين المعينات، فيكون كليا مشتركا في الأذهان". وقال في درء تعارض العقل والنقل (5 / 138-141): "قولهم: لو كان واجبان لا يشتركان في مسمى الوجوب، وامتاز أحدهما عن الآخر بما يخصه فكان كل منهما مركباً مما به الاشتراك ومما به الامتياز، والمركب مفتقر إلى جزئه فلا يكون واجباً. فإنه يقال لهم: إنما اشتركا في المطلق الذهني، لم يشارك أحدهما الآخر في شيء موجود في الخارج، حتى يكون في ذلك الموجود تركيب، وكل منهما يمتاز عن الآخر بالوجوب الذي يخصه، كما امتاز عنه بحقيقته التي تخصه والوجود الذي يخصه. ويقال لهم: هذا كاشتراك الموجود الواجب والموجود الممكن في مسمى الوجود، مع امتياز هذا بما يخصه وهذا بما يخصه، فإن الوجوب [لعلها: الوجود] المشترك الكلي ليس هو ثابتاً في الخارج، بل للواجب وجود يخصه، وللممكن وجود يخصه، كما أن لهذا حقيقة تخصه، ولهذا حقيقة تخصه. وكذلك إذا قيل: لهذا ماهية تخصه ولهذا ماهية تخصه، فإنهما يشتركان في مسمى الماهية، ويمتاز أحدهما عن الآخر بما يختص به، وإنما اشتركا في المسمى المطلق الكلي، وامتاز كل منهما عن الآخر بالوجود الذي في الخارج، وذلك لا يكون إلا في الذهن، وما امتازا به هو موجود في الخارج، وقد يتصور في الذهن، فإن ما في الخارج يتصور في الذهن، وليس كل ما يتصور في الذهن يكون في الخارج، فلم يكن ما به الاشتراك مفتقراً إلى ما به الامتياز، ولا ما به الامتياز مفتقراً إلى ما به الاشتراك، بل لا شركة في الأعيان الموجودة الجزئيات، ولا امتياز في الكليات المطلقة بالمعقولات، أعني من حيث تناولها وشمولها لأفرادها، بل تناولها لأفرادها تناول واحد وشمولها شمول واحد. وهذا المعنى الواحد الشامل هو كاللفظ الواحد الشامل العام، واشتراك الموجودين في الوجود أو الواجبين في الوجوب، مع ما بينهما في الخارج من الامتياز والاختصاص، كاشتراك اللونين في اللونية، مع أن هذا في الخارج سواد، وهذا بياض... بل الذهن يعقل ما بين هذا السواد وسائر الألوان من المشابهة في اللونية، ويميز بين ذلك ما يعقله بينه وبين سائر السوادات من المشابهة، ويضم هذا إلى هذا، وهو تركيب عقلي اعتباري، وكذلك يعقل ما بين هذا الإنسان وغيره من الحيوان من المشابهة في الحيوانية، وما بينه وما بين سائر الأناسي من المشابهة في الإنسانية، ويضم هذا إلى هذا، وهو تركيب عقلي اعتباري. ومن قال: إن الإنسان مركب من الحيوان والناطق، وهو يعقل ما يقول، فإنما يعني هذا التركيب ونحوه، وليس ذلك تركيباً في الوجود الخارجي، ولا في الوجود الخارجي جزء لهذا المركب متميز عن كله، ولا جزء سابق لكل، بل هذه الأمور إنما توجد في الأذهان لا في الأعيان، فهذه التركيبات مركبة من تلك الكليات. والكليات الخمسة: الجنس والنوع والفصل، والخاصة والعرض العام، إنما توجد كليات في الأذهان لا في الأعيان. كذلك التركيب الذي يوجد في بعض هذه مع بعض، فإن أجزاء المركب التي هي الكليات، لا تكون إلا في الذهن، فالمركب من الكليات الذهنية أولى أن لا يكون إلا ذهنياً". وقال في الصفدية (2 / 9): "الجواب الثالث: أن يقال هب أنه حصل بين المسميين قدر مشترك هو ما اتفقا فيه، وهو المعنى العام الكلي، لكن هذا المعنى العام الكلي لا يكون كليا إلا في الذهن لا في الخارج، لكن ما كان لازما لهذا المعنى العام كان لازما للموصوف به، وهذا لا محذور فيه، بل هو حق، فإذا كان الخالق موجودا والمخلوق موجودا، أو هذا قائم بنفسه وهذا قائم بنفسه، أو قيل: هذا حي عليم رحيم، وقيل: هذا حي عليم رحيم، كان القدر العام الكلي المتفق هو مسمى الوجود والقيام بالنفس والحياة والعلم والرحمة أو مسمى أنه موجود قائم بنفسه حي عالم رحيم. وهذا المعنى العام ليس من لوازمه ما ينفى عن الله، بل لوازمه كلها صفات كمال يوصف الله بها، وإنما يكون لوازمه صفة نقص إذا قيّد بالعبد فقيل: وجود العبد وعلم العبد ورحمة العبد، فالنقص يلزمه إذا كان مقيدا مختصا بالعبد، والله منزه عما يختص به العبد. وأما إذا اتصف الرب به أو أُخذ مطلقا غير مختص بالعبد ففي هذين الحالين لا يلزمه شيء من النقائص أصلا، فتبين أن إثبات القدر العام المتفق عليه لا محذور فيه أصلا". وقال في مجموع الفتاوى (5 /206-210): "والمقصود هنا: أنه إذا قيل هذا إنسان فالمشار إليه بهذا المسمى بإنسان، وليس الإنسان المطلق جزءا من هذا، وليس الإنسان هنا إلا مقيدا، وإنما يوجد مطلقا في الذهن لا في الخارج. وإذا قيل هذا في الإنسانية فالمعنى أن بينهما تشابها فيها، لا أن هناك شيئا موجودا في الأعيان يشتركان فيه. فليتدبر اللبيب هذا، فإنه يحل شبهات كثيرة، ومن فهم هذا الموضع تبين له غلط من جعل هذه الأسماء مقولة بالاشتراك اللفظي لا المعنوي، وغلط من جعل أسماء الله تعالى أعلاما محضة لا تدل على معان، ومن زعم أن في الخارج حقائق مطلقة يشترك فيها الأعيان، وعُلم أن ما يستحق الرب لنفسه لا يشركه فيه غيره بوجه من الوجوه ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات. وأما المخلوق فقد يماثله غيره في صفاته لكن لا يشركه في غير ما يستحقه منها، والأسماء المتواطئة المقولة على هذا وهذا حقيقة في هذا وهذا. فإذا كانت عامة لهما تناولتهما، وإن كانت مطلقة لم يمنع تصورهما من اشتراكهما فيها، وإن كانت مقيدة اختصت بمحلها. فإذا قال: وجود الله، وذات الله، وعلم الله، وقدرة الله، وسمع الله، وبصر الله، وإرادة الله، وكلام الله، ورحمة الله، وغضب الله، واستواء الله، ونزول الله، ومحبة الله، ونحو ذلك كانت هذه الأسماء كلها حقيقة لله تعالى من غير أن يدخل فيها شيء من المخلوقات، ومن غير أن يماثله فيها شيء من المخلوقات. وإذا قال: وجود العبد وذاته وماهيته وعلمه وقدرته وسمعه وبصره وكلامه واستواؤه ونزوله، كان هذا حقيقة للعبد مختصة به من غير أن تماثل صفات الله تعالى. بل أبلغ من ذلك أن الله أخبر أن في الجنة من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح ما ذكره في كتابه كما أخبر أن فيها لبن وعسلا وخمرا ولحما وحريرا وذهبا وفضة وحورا وقصورا ونحو ذلك، وقد قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، فتلك الحقائق التي في الآخرة ليست مماثلة لهذه الحقائق التي في الدنيا، وإن كانت مشابهة لها من بعض الوجوه، والاسم يتناولها حقيقة. ومعلوم أن الخالق أبعد عن مشابهة المخلوق، فكيف يجوز أن يظن أن فيما أثبته الله تعالى من أسمائه وصفاته مماثلا لمخلوقاته، وأن يقال: ليس ذلك بحقيقة! وهل يكون أحق بهذه الأسماء الحسنى والصفات العليا من رب السموات والأرض، مع أن مباينته للمخلوقات أعظم من مباينة كل مخلوق. والجاهل يضل بقول المتكلمين: إن العرب وضعوا لفظ الاستواء لاستواء الإنسان على المنزل أو الفلك أو استواء السفينة على الجودي ونحو ذلك من استواء بعض المخلوقات، فهذا كما يقول القائل: إنما وضعوا لفظ السمع والبصر والكلام لما يكون محله حدقة وأجفانا وأصمخة وأذنا وشفتين، وهذا ضلال في الشرع وكذب، وإنما وضعوا لفظ الرحمة والعلم والإرادة لما يكون محله مضغة لحم وفؤاد، وهذا كله جهل منه. فإن العرب إنما وضعت للإنسان ما أضافته إليه فإذا قالت: سمع العبد وبصره وكلامه وعلمه وإرادته ورحمته، فما يخص به يتناول ذلك خصائص العبد. وإذا قيل: سمع الله وبصره وكلامه وعلمه وإرادته ورحمته كان هذا متناولا لما يخص به الرب لا يدخل في ذلك شيء من خصائص المخلوقين. فمن ظن أن هذا الاستواء إذا كان حقيقة يتناول شيئا من صفات المخلوقين مع كون النص قد خصه بالله، كان جاهلا جدا بدلالات اللغات ومعرفة الحقيقة والمجاز. وهؤلاء الجهال يمثِّلون في ابتداء فهمهم صفات الخالق بصفات المخلوق، ثم ينفون ذلك ويعطلونه، فلا يفهمون من ذلك إلا ما يختص بالمخلوق وينفون مضمون ذلك، ويكونون قد جحدوا ما يستحقه الرب من خصائصه وصفاته، وألحدوا في أسماء الله وآياته، وخرجوا عن القياس العقلي والنص الشرعي، فلا يبقى بأيديهم لا معقول صريح ولا منقول صحيح. ثم لا بد لهم من إثبات بعض ما يثبته أهل الإثبات من الأسماء والصفات، فإذا أثبتوا البعض ونفوا البعض قيل لهم: ما الفرق بين ما أثبتّموه ونفيتموه؟ ولِم كان هذا حقيقة ولم يكن هذا حقيقة؟ لم يكن لهم جواب أصلا، وظهر بذلك جهلهم وضلالهم شرعا وقدرا. وقد تدبرت كلام عامة مَن ينفي شيئا مما أثبته الرسل من الأسماء والصفات فوجدتهم كلهم متناقضين، فإنهم يحتجون لما نفوه بنظير ما يحتج به النافي لما أثبتوه، فيلزمهم إما إثبات الأمرين وإما نفيهما، فإذا نفوهما فلا بد لهم أن يقولوا بالواجب الوجود وعدمه جميعا، وهذا نهاية هؤلاء النفاة الملاحدة الغلاة من القرامطة وغلاة المتفلسفة، فإنهم إذا أخذوا ينفون النقيضين جميعا، فالنقيضان كما أنهما لا يجتمعان، فلا يرتفعان. ومن جهة إن ما يسلبون عنه النقيضين لا بد أن يتصوروه وأن يعبروا عنه، فإن التصديق مسبوق بالتصور، ومتى تصوروه وعبروا عنه كقولهم الثابت والواجب أو أي شيء قالوه لزمهم فيه من إثبات القدر المشترك نظير ما يلزمهم فيما نفوه، ولا يمكن أن يتصور شيء من ذلك مع قولهم: أسماء الله مقولة بالاشتراك اللفظي فقط. فإن المشتركين اشتراكا لفظيا لا معنويا كلفظ المشتري المقول على الكوكب والمبتاع، وسهيل المقول على الكوكب وعلى ابن عمرو، فإنه إذا سمع المستمعُ قائلا يقول له: جاءني سهيل بن عمرو، وهذا هو المشتري لهذه السلعة لم يفهم من هذا اللفظ كوكبا أصلا إلا أن يعرف أن اللفظ موضوع له، فإذا لم تكن أسماؤه متواطئة لم يفهم العباد من أسمائه شيئا أصلا إلا أن يعرفوا ما يخص ذاته، وهم لم يعرفوا ما يخص ذاته، فلم يعرفوا شيئا". وقال في الرسالة التدمرية (1 /100 - 101): "والله سبحانه أخبرنا أنه عليم قدير سميع بصير غفور رحيم، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته. فنحن نفهم معنى ذلك ونميز بين العلم والقدرة، وبين الرحمة والسمع والبصر، ونعلم أن الأسماء كلها اتفقت في دلالتها على ذات الله، مع تنوع معانيها، فهي متفقة متواطئة من حيث الذات، متباينة من جهة الصفات". وقال أيضًا في الرسالة التدمرية (1 /125 - 131): "القدر المشترك هو مسمى الوجود أو الموجود، أو الحياة أو الحي، أو العلم أو العليم، أو السمع أو البصر أو السميع أو البصير، أو القدرة أو القدير، والقدر المشترك مطلق كلي لا يختص بأحدهما دون الآخر، فلم يقع بينهما اشتراك لا فيما يختص بالممكن المحدث، ولا فيما يختص بالواجب القديم، فإن ما يختص به أحدهما يمتنع اشتراكهما فيه. فإذا كان القدر المشترك الذي اشتركا فيه صفة كمال، كالوجود والحياة، والعلم والقدرة، ولم يكن في ذلك شيء مما يدل على خصائص المخلوقين، كما لا يدل على شيء من خصائص الخالق، لم يكن في إثبات هذا محذور أصلًا، بل إثبات هذا من لوازم الوجود، فكل موجودين لابد بينهما من مثل هذا، ومَن نَفَى هذا لزمه تعطيل وجود كل موجود. ولهذا لما اطلع الأئمة على أنّ هذا حقيقة قول الجهمية سموهم معطلة، وكان جهم يُنكر أن يُسمى الله شيئًا، وربما قالت الجهمية: هو شيء لا كالأشياء، فإذا نفى القدر المشترك مطلقًا لزم التعطيل العام. والمعاني التي يوصف بها الرب تعالى كالحياة، والعلم والقدرة، بل الوجود والثبوت والحقيقة ونحو ذلك تجب لوازمها، فإن ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم، وخصائص المخلوق التي يجب تنزيه الرب عنها ليست من لوازم ذلك أصلا، بل تلك من لوازم ما يختص بالمخلوق من وجود وحياة وعلم ونحو ذلك، والله سبحانه منزه عن خصائص المخلوقين وملزومات خصائصهم. وهذا الموضع من فهمه فهمًا جيدًا وتدبره، زالت عنه عامة الشبهات، وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام، وقد بسط هذا في مواضع كثيرة، وبين فيها أنّ القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معينًا مقيدًا، وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر من الأمور هو تشابهها من ذلك الوجه، وأنّ ذلك المعنى العام يطلق على هذا وهذا، لأن الموجودات في الخارج لا يشارك أحدهما الآخر في شيء موجود فيه، بل كل موجود متميز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله. ولما كان الأمر كذلك كان كثير من الناس متناقضًا في هذا المقام، فتارة يظن أن إثبات القدر المشترك يوجب التشبيه الباطل، فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات حذرًا من ملزومات التشبيه، وتارة يتفطن أنه لابد من إثبات هذا على تقدير فيجيب به فيما يثبته من الصفات لمن احتج به من النفاة. ولكثرة الاشتباه في هذا المقام، وقعت الشبهة في أن وجود الرب هل هو عين ماهيته، أو زائد على ماهيته؟ وهل لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي أو التواطؤ أو التشكيك؟ كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها، وفي أن المعدوم هل هو شيء أم لا؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا؟. وقد كثر من أئمة النظار الاضطراب والتناقض في هذه المقامات، فتارة يقول أحدهم القولين المتناقضين، ويحكى عن الناس مقالات ما قالوها، وتارة يبقى في الشك والتحير، وقد بسطنا من الكلام في هذه المقامات، وما وقع من الاشتباه والغلط والحيرة فيها لأئمة الكلام والفلسفة ما لا تتسع له هذه الجمل المختصرة. وبينّا أن الصواب هو أن وجود كل شيء في الخارج هو ماهيته الموجودة في الخارج، بخلاف الماهية التي في الذهن، فإنها مغايرة للموجود في الخارج، وأن لفظ الذات والشيء والماهية والحقيقة ونحو ذلك، فهذه الألفاظ كلها متواطئة. فإذا قيل: إنها مشككة لتفاضل معانيها، فالمشكك نوع من المتواطئ العام الذي يراعى فيه دلالة اللفظ على القدر المشترك، سواء كان المعنى متفاضلًا في موارده أو متماثلاً. وبينا أن المعدوم شيء أيضًا في العلم والذهن لا في الخارج، فلا فرق بين الثبوت والوجود، لكن الفرق ثابت بين الوجود العلمي والعيني، مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة الموجودة، ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به. وكذلك الأحوال التي تتماثل فيها الموجودات وتختلف، لها وجود في الأذهان، وليس في الأعيان إلا الأعيان الموجودة وصفاتها القائمة بها المعينة، فتتشابه بذلك وتختلف به. وأما هذه الجملة المختصرة، فإن المقصود بها التنبيه على جمل مختصرة جامعة، من فهمها علم قدر نفعها، وانفتح له باب الهدى، وإمكان إغلاق باب الضلال، ثم بسطها وشرحها له مقام آخر، إذ لكل مقام مقال. والمقصود هنا أنّ الاعتماد على مثل هذه الحجة فيما ينفى عن الرب وينزه عنه كما يفعله كثير من المصنفين خطأ لمن تدبر ذلك، وهذا من طرق النفي الباطلة". وقال في درء تعارض العقل والنقل (1/ 286): "الوجود المطلق بشرط الإطلاق، أو بشرط سلب الأمور الثبوتية، أو لا بشرط، مما يعلم بصريح العقل انتفاؤه في الخارج، وإنما يوجد في الذهن، وهذا مما قرروه في منطقهم اليوناني، وبينوا أن المطلق بشرط الإطلاق كإنسان مطلق بشرط الإطلاق، وحيوان مطلق بشرط الإطلاق، جسم مطلق بشرط الإطلاق، ووجود مطلق بشرط الإطلاق: لا يكون إلا في الأذهان دون الأعيان". وقال في الرسالة التدمرية (1/ 96-97): "ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر، فيه ألفاظ متشابهة يشبه معانيها ما نعلمه في الدنيا، كما أخبر أن في الجنة لحمًا ولبنًا وعسلًا وخمرًا، ونحو ذلك، وهذا يشبه ما في الدنيا لفظًا ومعنى، ولكن ليس هو مثله ولا حقيقته، فأسماء الله تعالى وصفاته أولى - وإن كان بينهما وبين أسماء العباد وصفاتهم تشابه- أن لا يكون لأجلها الخالق مثل المخلوق، ولا حقيقته كحقيقته، والإخبار عن الغائب لا يفهم إن لم يعبر عنه بالأسماء المعلومة معانيها في الشاهد، ويعلم بها ما في الغائب بواسطة العلم بما في الشاهد، مع العلم بالفارق المميز، وإن ما أخبر الله به من الغيب أعظم مما يعلم في الشاهد، وفي الغائب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". وقال في درء تعارض العقل والنقل (5 / 179): "فإنه سبحانه وإن كان لا يماثله شيء من الأشياء في شيء من الأشياء، فمن المعلوم بالعقل أن كل شيئين فهما متفقان في مسمى الشيء، وكل موجودين فهما متفقان في مسمى الوجود، وكل ذاتين فهما متفقان في مسمى الذات، فإنك تقول: الشيء والموجود والذات ينقسم إلى قديم ومحدث وواجب وممكن وخالق ومخلوق، ومورد التقسيم بين الأقسام. وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع، وبينا غلط من جعل اللفظ مشتركا اشتراكاً لفظياً. وهذا الذي نبه عليه الإمام أحمد من أن مسمى الشيء والوجود ونحو ذلك معنى عام كلي تشترك فيه الأشياء كلها والموجودات كلها[1]، هو المعلوم بصريح العقل الذي عليه عامة العقلاء. ومن نازع فيه فلا بد أن يقول به أيضاً فيتناقض كلامه في ذلك كما تناقض فيه كلام الشهرستاني والرازي والآمدي وغيرهم، إذ يجعلونه تارة عاماً مقسوماً مشتركاً اشتراكاً لفظيا ومعنوياً بين الأشياء الموجودات، ويجعلونه تارة مشتركاً اشتراكاً لفظياً فقط كلفظ المشتري المشترك بين المبتاع والكوكب ولفظ سهيل المشترك بين الكوكب وبين الرجل المسمى بسهيل". وقال أيضًا في درء تعارض العقل والنقل (5 /183): "والله تعالى ليس كمثله شيء بوجه من الوجوه، بل هو سبحانه في كل ما هو موصوف به مختص بما لا يماثله فيه غيره وله المثل الأعلى، ولكن لفظ الشبه فيه إجمال وإبهام، فما من شيئين إلا وهما متفقان في أمر من الأمور ولو أنه في كونهما موجودين، وذلك الذي اتفقا فيه لا يمكن نفيه إلا بنفي كل منهما، فإذا قيل هذا لا يوافق هذا بوجه من الوجوه ولا يواطئه بوجه من الوجوه كان هذا ممتنعا. وكذلك إذا أريد بقول القائل لا يشبهه بوجه من الوجوه هذا المعنى، بخلاف ما إذا أراد بذلك المماثلة والمساواة والمكافأة، أو أراد ذلك بلفظ المشاركة والموافقة والمواطأة، فإنه سبحانه لا يماثله شيء بوجه من الوجوه، ولا شريك له بوجه من الوجوه، لا سيما والكليات التي يتفق فيها الشيئان إنما هي في الأذهان لا في الأعيان، فليس في الموجودات الخارجية اثنان اشتركا في شيء فضلا عن أن يكون الخالق تعالى مشاركا لغيره في شيء من الأشياء سبحانه وتعالى". وقال في الرسالة التدمرية (1 /108 - 109): "وآخرون توهموا أنه إذا قيل: الموجودات تشترك في مسمى الوجود، لزم التشبيه والتركيب، فقالوا: لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي، فخالفوا ما اتفق عليه العقلاء مع اختلاف أصنافهم من أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث، ونحو ذلك من أقسام الموجودات. وطائفة ظنت أنه إذا كانت الموجودات تشترك في مسمى الوجود، لزم أن يكون في الخارج عن الأذهان موجود مشترك فيه، وزعموا أن في الخارج عن الأذهان كليات مطلقة، مثل وجود مطلق، وحيوان مطلق، وجسم مطلق ونحو ذلك، فخالفوا الحس والعقل والشرع، وجعلوا ما في الأذهان ثابتًا في الأعيان، وهذا كله من نوع الاشتباه. ومن هداه الله فرق بين الأمور وإن اشتركت من بعض الوجوه، وعلم ما بينهما من الجمع والفرق، والتشابه والاختلاف". وقال في منهاج السنة النبوية (2 / 585-592): "وأما الأصل الثاني [أي: ظن ثبوت الكليات المشتركة في الخارج] فمنه غلط الرازي ونحوه، فإنه ظنّ أنه إذا كان هذا موجودا وهذا موجودا، والوجود شامل لهما، كان بينهما وجود مشترك كلي في الخارج، فلا بد من مميز يميز هذا عن هذا، والمميز إنما هو الحقيقة، فيجب أن يكون هناك وجود مشترك وحقيقة مميزة. ثم إن هؤلاء يتناقضون فيجعلون الوجود ينقسم إلى واجب وممكن أو قديم ومحدث، كما تنقسم سائر الأسماء العامة الكلية، لا كما تنقسم الألفاظ المشتركة كلفظ "سهيل" القول على الكوكب وعلى سهيل بن عمرو، فإن تلك لا يقال فيها: إن هذا ينقسم إلى كذا وكذا، ولكن يقال: إن هذا اللفظ يطلق على هذا المعنى وعلى هذا المعنى، وهذا أمر لغوي لا تقسيم عقلي. وهناك تقسيم عقلي: تقسيم المعنى الذي هو مدلول اللفظ العام، مورد التقسيم مشترك بين الأقسام. وقد ظن بعض الناس أنه يخلص من هذا بأن يجعل لفظ الوجود مشككا لكون الوجود الواجب أكمل، كما يقال: في لفظ "السواد" و"البياض" المقول على سواد القار وسواد الحدقة وبياض الثلج وبياض العاج. ولا ريب أن المعاني الكلية قد تكون متفاضلة في مواردها، بل أكثرها كذلك، وتخصيص هذا القسم بلفظ المشكك أمر اصطلاحي. ولهذا كان من الناس من قال: هو نوع من المتواطئ لأن واضع اللغة لم يضع اللفظ العام بإزاء التفاوت الحاصل لأحدهما، بل بإزاء القدر المشترك. وبالجملة فالنزاع في هذا لفظي، فالمتواطئة العامة تتناول المشككة، وأما المتواطئة التي تتساوى معانيها فهي قسيم المشككة، وإذ جعلت المتواطئة نوعين: متواطئا عاما وخاصا، كما جعل الإمكان نوعين: عاما وخاصا، زال اللبس. والمقصود هنا أن يعرف أن قول جمهور الطوائف من الأولين والآخرين أن هذه الأسماء عامة كلية - سواء سميت متواطئة أو مشككة- ليست ألفاظا مشتركة اشتراكا لفظيا فقط. وهذا مذهب المعتزلة والشيعة والأشعرية والكرامية، وهو مذهب سائر المسلمين: أهل السنة والجماعة والحديث وغيرهم، إلا من شذ. وأما الشبهة التي أوقعت هؤلاء، فجوابها من وجهين: تمثيل وتخييل: أما التمثيل فأن يقال: القول في لفظ "الوجود" كالقول في لفظ "الحقيقة " و"الماهية" و"النفس" و"الذات"، وسائر الألفاظ التي تقال على الواجب والممكن، بل تقال على كل موجود. فهم إذا قالوا: يشتركان في الوجود، ويمتاز أحدهما عن الآخر بحقيقته. قيل لهم: القول في لفظ " الحقيقة " كالقول في لفظ " الوجود "، فإن هذا له حقيقة وهذا له حقيقة، كما أن لهذا وجودا ولهذا وجودا، وأحدهما يمتاز عن الآخر بوجوده المختص به، كما هو ممتاز عنه بحقيقته التي تختص به. فقول القائل: إنهما يشتركان في مسمى الوجود، ويمتاز كل واحد منهما بحقيقته التي تخصه، كما لو قيل: هما مشتركان في مسمى الحقيقة ويمتاز كل منهما بوجوده الذي يخصه. وإنما وقع الغلط لأنه أخذ الوجود مطلقا لا مختصا، وأخذت الحقيقة مختصة لا مطلقة، ومن المعلوم أن كلا منهما يمكن أن يوجد مطلقا ويمكن أن يوجد مختصا، فإذا أخذا مطلقين تساويا في العموم، وإذا أخذا مختصين تساويا في الخصوص، وأما أخذ أحدهما عاما والآخر مختصا فليس هذا بأولى من العكس. وأما حلّ الشبهة فهو أنهم توهموا أنه إذا قيل إنهما مشتركان في مسمى الوجود، يكون في الخارج وجود مشترك هو نفسه في هذا، وهو نفسه في هذا، فيكون نفس المشترك فيهما، والمشترك لا يميز، فلا بد له من مميز. وهذا غلط فإن قول القائل: يشتركان في مسمى الوجود، أي يشتبهان في ذلك ويتفقان فيه، فهذا موجود وهذا موجود، ولم يشرك أحدهما الآخر في نفس وجوده البتة. وإذا قيل: يشتركان في الوجود المطلق الكلي، فذاك المطلق الكلي لا يكون مطلقا كليا إلا في الذهن، فليس في الخارج مطلق كلي يشتركان فيه، بل هذا له حصة منه، وهذا له حصة منه، وكل من الحصتين ممتازة عن الأخرى. ومن قال: المطلق جزء من المعين، والموجود جزء من هذا الموجود، والإنسان جزء من هذا الإنسان: إن أراد به أن المعين يوصف به، فيكون صفة له، ومع كونه صفة له، فما هو صفة له لا توجد عينه لآخر، فهذا معنى صحيح، ولكن تسمية الصفة جزء الموصوف ليس هو المفهوم منها عند الإطلاق. وإن أريد أن نفس ما في المعين من وجود أو إنسان هو في ذلك بعينه، فهذا مكابرة. وإن قال: إنما أردت أن النوع في الآخر عاد الكلام في النوع، فإن النوع أيضا كلي، والكليات الخمسة: كليات الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام، والقول فيها واحد، فليس فيها ما يوجد في الخارج كليا مطلقا، ولا تكون كلية مطلقة إلا في الأذهان لا في الأعيان. وما يدعى فيها من عموم وكلية أو من تركيب كتركيب النوع من الجنس والفصل، هي أمور عقلية ذهنية لا وجود لها في الخارج، فليس في الخارج شيء يعم هذا وهذا، ولا في الخارج إنسان مركب من هذا وهذا، بل الإنسان موصوف بهذا وهذا بصفة يوجد نظيرها في كل إنسان، وبصفة يوجد نظيرها في كل حيوان، وبصفة يوجد نظيرها في كل نام. وأما نفس الصفة التي قامت به، ونفس الموصوف الذي قامت به الصفة، فلا اشتراك فيه أصلا ولا عموم، ولا هو مركب من عام وخاص. وهذا الموضع منشأ زلل كثير من المنطقيين في الكليات، وكثير من المتكلمين في مسألة الحال. وبسبب ذلك غلط من غلط من هؤلاء وهؤلاء في الإلهيات فيما يتعلق بهذا، فإن المتكلمين أيضا رأوا أن الأشياء تتفق بصفات وتختلف بصفات، والمشترك غير المميز، فصاروا حزبين: حزبا أثبت هذه الأمور في الخارج، لكنه قال: لا موجودة ولا معدومة، لأنها لو كانت موجودة لكانت أعيانا موجودة أو صفات للأعيان، ولو كانت كذلك لم يكن فيها اشتراك وعموم، فإن صفة الموصوف الموجودة لا يشركه فيها غيره. وآخرون علموا أن كل موجود مختص بصفة فقالوا: لا عموم ولا اشتراك إلا في الألفاظ دون المعاني. والتحقيق أن هذه الأمور العامة المشترك فيها هي ثابتة في الأذهان، وهي معاني الألفاظ العامة، فعمومها بمنزلة عموم الألفاظ، فالخط يطابق اللفظ، واللفظ يطابق المعنى، والمعنى عام، وعموم اللفظ يطابق عموم المعنى، وعموم الخط يطابق عموم اللفظ. وقد اتفق الناس على أن العموم يكون من عوارض الألفاظ، وتنازعوا هل يكون من عوارض المعاني؟ فقيل: يكون أيضا من عوارض المعاني، كقولهم مطر عام، وعدل عام، وخصب عام. وقيل: بل ذلك مجاز; لأن المطر الذي حل بهذه البقعة ليس هو المطر الذي حل بهذه البقعة، وكذلك الخصب والعدل. والتحقيق أن معنى المطر القائم بقلب المتكلم عام كعموم اللفظ سواء، بل اللفظ دليل على ذلك المعنى، فكيف يكون اللفظ عاما دون معناه الذي هو المقصود بالبيان! فأما المعاني الخارجية فليس فيها شيء بعينه عام، وإنما العموم للنوع: كعموم الحيوانية للحيوان، والإنسانية للإنسان. فمسألة الكليات والأحوال وعروض العموم لغير الألفاظ من جنس واحد، ومن فهم الأمر على ما هو عليه، تبين له أنه ليس في الخارج شيء هو بعينه موجود في هذا وهذا". وقال في منهاج السنة النبوية (2 / 595): "وبهذا يتبين غلط النفاة في لفظ التشبيه، فإنه يقال: الذي يجب نفيه عن الرب تعالى اتصافه بشيء من خصائص المخلوقين، كما أن المخلوق لا يتصف بشيء من خصائص الخالق، أو أن يثبت للعبد شيء يماثل فيه الرب، وأما إذا قيل: حي وحي، وعالم وعالم، وقادر وقادر. أو قيل: لهذا قدرة ولهذا قدرة، ولهذا علم ولهذا علم، كان نفس علم الرب لم يشركه فيه العبد، ونفس علم العبد لا يتصف به الرب، تعالى عن ذلك، وكذلك في سائر الصفات، بل ولا يماثل هذا هذا. وقال في مجموع الفتاوى (5/210- 212): "ثم إن العلم بانقسام الوجود إلى قديم ومحدث وأمثال ذلك علم ضروري فالقادح سوفسطائي. وكذلك العلم بأن بين الاسمين قدرا مشتركا علم ضروري. وإذا قيل: إن اللفظ حقيقة فيهما لم يحتج ذلك إلى أن يكون أهل اللغة قد تكلموا باللفظ مطلقا فعبروا عن المعنى المطلق المشترك، فإن المعاني التي لا تكون إلا مضافة إلى غيرها: كالحياة والعلم والقدرة والاستواء، بل واليد وغير ذلك مما لا يكون إلا صفة قائمة بغيره، أو جسما قائما بغيره، بحيث لا يوجد في الخارج مجردا عن محله، ولكن أهل النظر لما أرادوا تجريد المعاني الكلية المطلقة عبروا عنها بالألفاظ الكلية المطلقة، وأهل اللغة في ابتداء خطابهم يقولون - مثلا -: جاء زيد وهذا وجه زيد، ويشيرون إلى ما قام به من المجيء والوجه فيفهم المخاطب ذلك، ثم يقولون تارة أخرى: جاء عمرو ورأيت وجه عمرو، وجاء الفرس ورأيت وجه الفرس، فيفهم المستمع أن بين هذه قدرا مشتركا وقدرا مميزا، وأن لعمرو مجيئا ووجها نسبته إليه كنسبة مجيء زيد ووجهه إليه، فإذا علم أن عمرا مثل زيد علم أن مجيئه مثل مجيئه ووجهه مثل وجهه، وإن علم أن الفرس ليست مثل زيد بل تشابهه من بعض الوجوه علم أن مجيئها ووجهها ليس مجيء زيد ووجهه، بل تشبهه في بعض الوجوه. وكذلك إذا قيل: جاءت الملائكة، ورأت الأنبياءُ وجوهَ الملائكة علم أن للملائكة مجيئا ووجوها نسبتها إليها كنسبة مجيء الإنسان ووجهه إليه، ثم معرفته بحقيقة ذلك تبع معرفته بحقيقة الملائكة، فإن كان لا يعرف الملائكة إلا من جهة الجملة ولا يتصور كيفيتهم كان ذلك في مجيئهم ووجوههم لا يعرفها إلا من حيث الجملة ولا يتصور كيفيتها. وكذلك إذا قيل: جاءت الجن، فاللفظ في جميع هذه المواضع يدل على معانيها بطريق الحقيقة. بل إذا قيل: حقيقة الملك وماهيته ليست مثل حقيقة الجني وماهيته كان لفظ الحقيقة والماهية مستعملا فيهما على سبيل الحقيقة، وكان من الأسماء المتواطئة، مع أن المسميات قد صرح فيها بنفي التماثل. وكذلك إذا قيل: خمر الدنيا ليس كمثل خمر الآخرة، ولا ذهبها مثل ذهبها، ولا لبنها مثل لبنها، ولا عسلها مثل عسلها، كان قد صرح في ذلك بنفي التماثل مع أن الاسم مستعمل فيها على سبيل الحقيقة. ونظائر هذا كثيرة، فإنه لو قال القائل: هذا المخلوق ما هو مثل هذا المخلوق، وهذا الحيوان الذي هو الناطق ليس مثل الحيوان الذي هو الصامت، أو هذا اللون الذي هو الأبيض ليس مثل الأسود، أو الموجود الذي هو الخالق ليس هو مثل الموجود الذي هو المخلوق ونحو ذلك، كانت هذه الأسماء مستعملة على سبيل الحقيقة في المسميين الذين صرح بنفي التماثل بينهما، فالأسماء المتواطئة إنما تقتضي أن يكون بين المسميين قدرا مشتركا، وإن كان المسميان مختلفين أو متضادين. فمن ظن أن أسماء الله تعالى وصفاته إذا كانت حقيقة لزم أن يكون مماثلا للمخلوقين وأن صفاته مماثلة لصفاتهم كان من أجهل الناس، وكان أول كلامه سفسطة وآخره زندقة، لأنه يقتضي نفي جميع أسماء الله تعالى وصفاته، وهذا هو غاية الزندقة والإلحاد. ومن فرق بين صفة وصفة مع تساويهما في أسباب الحقيقة والمجاز كان متناقضا في قوله، متهافتا في مذهبه، مشابها لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض". وقال في مجموع الفتاوى (7 /108 - 109): "والقدر المشترك بين مسميات الأسماء المتواطئة أمر كلي عام لا يوجد كليا عاما إلا في الذهن، وهو مورد التقسيم بين الأنواع، لكن ذلك المعنى العام الكلي كان أهل اللغة لا يحتاجون إلى التعبير عنه لأنهم إنما يحتاجون إلى ما يوجد في الخارج، وإلى ما يوجد في القلوب في العادة. وما لا يكون في الخارج إلا مضافا إلى غيره لا يوجد في الذهن مجردا، بخلاف لفظ الإنسان والفرس فانه لما كان يوجد في الخارج غير مضاف تعودت الأذهان تصور مسمى الإنسان ومسمى الفرس، بخلاف تصور مسمى الإرادة ومسمى العلم ومسمى القدرة ومسمى الوجود المطلق العام، فإن هذا لا يوجد له في اللغة لفظ مطلق يدل عليه، بل لا يوجد لفظ الارادة إلا مقيدا بالمريد، ولا لفظ العلم إلا مقيدا بالعالم، ولا لفظ القدرة إلا مقيدا بالقادر، بل وهكذا سائر الأعراض لما لم توجد إلا في محالها مقيدة بها لم يكن لها في اللغة لفظ إلا كذلك. فلا يوجد في اللغة لفظ السواد والبياض والطول والقصر إلا مقيدا بالأسود والأبيض والطويل والقصير ونحو ذلك لا مجردا عن كل قيد، وإنما يوجد مجردا في كلام المصنفين في اللغة، لأنهم فهموا من كلام أهل اللغة ما يريدون به من القدر المشترك، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ﴾ [النحل: 112]، فإن من الناس من يقول: الذوق حقيقة في الذوق بالفم، واللباس بما يلبس على البدن، وانما استعير هذا وهذا، وليس كذلك، بل قال: الخليل الذوق في لغة العرب هو وجود طعم الشيء، والاستعمال يدل على ذلك قال تعالى: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ﴾ [السجدة: 21]". وقال رحمه الله في الرسالة التدمرية (2/ 20 - 21) [تحقيق: د: محمد بن عودة، مكتبة العبيكان]: "وإذا كان من المعلوم بالضرورة أنّ في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم، فمعلوم أن هذا موجود، وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا، بل وجود هذا يخصه، ووجود هذا يخصه، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصيص والتقييد، ولا في غيره، فلا يقول عاقل إذا قيل إن العرش شيء موجود، وإن البعوض شيء موجود: إن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمى "الشيء" و"الوجود"، لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه، بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا، هو مسمى الاسم المطلق، وإذا قيل: هذا موجود، وهذا موجود، فوجود كل منهما يخصه، لا يشركه فيه غيره، مع أن الاسم حقيقة في كل منهما، ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه، لا يشركه فيها غيره، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين تماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص لا اتفاقهما[2]، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص، فقد سمى الله نفسه حيا، فقال: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، وسمى بعض عباده حيًا، فقال: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ [يونس: 31]. وليس هذا الحي مثل هذا الحي لأنّ قوله (الحي) اسم لله مختص به، وقوله: (يخرج الحي من الميت) اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطْلَق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطْلَق قدرًا مشتركا بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق، ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى". وقال كما في شرح حديث النزول (2/ 37) [طبعة المكتب الإسلامي - بيروت]: "ولولا أن هذه الأسماء والصفات تدل على معنى مشترك كلي، يقتضى من المواطأة والموافقة والمشابهة ما به تفهم وتثبت هذه المعاني للّه، لم نكن قد عرفنا عن اللّه شيئًا، ولا صار في قلوبنا إيمان به، ولا علم، ولا معرفة، ولا محبة، ولا إرادة لعبادته ودعائه وسؤاله ومحبته وتعظيمه، فإن جميع هذه الأمور لا تكون إلا مع العلم، ولا يمكن العلم إلا بإثبات تلك المعاني التي فيها من الموافقة والمواطأة ما به حصل لنا ما حصل من العلم لما غاب عن شهودنا". وقال في الرسالة التدمرية (1 /182): "وعُلِم أيضا بالعقل أنّ كل موجودين قائمين بأنفسهما فلا بد بينهما من قدر مشترك كاتفاقهما في مسمى الوجود والقيام بالنفس والذات ونحو ذلك، فإن نفي ذلك يقتضى التعطيل المحض". وقال في الرسالة التدمرية (1 /52): "وقد غفلوا عن كون الكليات لا توجد كلية إلا في الأذهان لا في العيان". وقال في مجموع الفتاوى (5 /203 - 205): "وقول الناس: إن بين المسميين قدرا مشتركا لا يريدون بأن يكون في الخارج عن الأذهان أمرا مشتركا بين الخالق والمخلوق، فإنه ليس بين مخلوق ومخلوق في الخارج شيء مشترك بينهما، فكيف بين الخالق والمخلوق، وإنما توهم هذا من توهمه من أهل المنطق اليوناني ومن اتبعهم حتى ظنوا أن في الخارج ماهيات مطلقة مشتركة بين الأعيان المحسوسة، ثم منهم من يجردها عن الأعيان كأفلاطون، ومنهم من يقول: لا تنفك عن الأعيان كأرسطو وابن سينا وأشباههما. وقد بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وبيّنّا ما دخل على من اتبعهم من الضلال في هذا الموضع في المنطق والإلهيات، حتى إن طوائف من النظّار قالوا: إنا إذا قلنا: إن وجود الرب عين ماهيته - كما هو قول أهل الإثبات ومتكلمة أهل الصفات- كابن كلاب والأشعري وغيرهما - يلزم من ذلك أن يكون لفظ "الوجود" مقولا عليهما بالاشتراك اللفظي كما ذكره أبو عبد الله الرازي عن الأشعري وأبي الحسين البصري وغيرهم، وليس هذا مذهبهم، بل مذهبهم: أن لفظ "الوجود" مقول بالتواطؤ، وأنه ينقسم إلى قديم ومحدث مع قولهم: إن وجود الرب عين ماهيته، فإن لفظ الوجود عندهم كلفظ الماهية. وكما أن الماهية والذات تنقسم إلى قديمة ومحدثة، وماهية الرب عين ذاته، فكذلك الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث ووجود الرب عين ذاته، ووجود العبد عين ذاته وذات الشيء هي ماهيته. فاللفظ من الألفاظ المتواطئة، ولكن بالإضافة يخص أحد المسميين، والمسميان إذا اشتركا في مسمى الوجود والذات والماهية لم يكن بينهما في الخارج أمر مشترك يكون زائدا على خصوصية كل واحد كما يظنه أرسطو وابن سينا والرازي وأمثالهم، بل ليس في الخارج وجود مطلق ولا ماهية مطلقة ولا ذات مطلقة. أما المطلق بشرط الإطلاق فقد اتفق هؤلاء وغيرهم على أنه ليس بموجود في الخارج، وأن على تقدير ثبوته عن أفلاطون وأتباعه هو قول باطل ضرورة. وأما المطلق لا بشرط فقد يظن أنه في الخارج وأنه جزء من المعين وهذا غلط، بل ليس في الخارج إلا المعينات، وليس في الخارج مطلق يكون جزء معين، لكن هؤلاء يريدون بالجزء ما هو صفة ذاتية للموصوف، بناء على أن الموصوف مركب من تلك الصفات التي يسمونها الأجزاء الذاتية كما يقولون: الإنسان مركب من الحيوان والناطق، أو من الحيوانية والناطقية، وهذا التركيب تركيب ذهني، فالماهية المركبة في الذهن مركبة من هذه الأمور وهي أجزاء تلك الماهية. وأما الحقيقة الموجودة في الخارج فهي موصوفة بهذه الصفات، ولكن كثيرا من هؤلاء اشتبه عليه الوجود الذهني بالخارجي". وقال في مجموع الفتاوى (5 /328 - 336): "هذه الأسماء العامة المتواطئة التي تسميها النحاة أسماء الأجناس - سواء اتفقت معانيها في محالها أو تفاضلت كالسواد ونحوه، وسواء سميت مشككة، وقيل: إن المشككة نوع من المتواطئة - إما أن تستعمل مطلقة وعامة كما إذا قيل: الموجود ينقسم إلى واجب وممكن، وقديم ومحدث، وخالق ومخلوق، والعلم ينقسم إلى قديم ومحدث. وإما أن تستعمل خاصة معينة كما إذا قيل: وجود زيد وعمرو، وعلم زيد وعمرو، وذات زيد وعمرو. فإذا استعملت خاصة معينة دلت على ما يختص به المسمى لم تدل على ما يشركه فيه غيره في الخارج، فإن ما يختص به المسمى لا شركة فيه بينه وبين غيره. فإذا قيل: علم زيد ونزول زيد واستواء زيد ونحو ذلك، لم يدل هذا إلا على ما يختص به زيد من علم ونزول واستواء ونحو ذلك، لم يدل على ما يشركه فيه غيره. لكن لما علمنا أن زيدا نظير عمرو، وعلمنا أن علمه نظير علمه، ونزوله نظير نزوله، واستواءه نظير استوائه، فهذا علمناه من جهة القياس والمعقول والاعتبار لا من جهة دلالة اللفظ. فإذا كان هذا في صفات المخلوق فذلك في الخالق أولى. فإذا قيل: علم الله وكلام الله ونزوله واستواؤه ووجوده وحياته ونحو ذلك، لم يدل ذلك على ما يشركه فيه أحد من المخلوقين بطريق الأولى، ولم يدل ذلك على مماثلة الغير له في ذلك، كما دل في زيد وعمرو، لأنا هناك علمنا التماثل من جهة الاعتبار والقياس لكون زيد مثل عمرو، وهنا نعلم أن الله لا مثل له ولا كفو ولا ند، فلا يجوز أن نفهم من ذلك أن علمه مثل علم غيره، ولا كلامه مثل كلام غيره، ولا استواءه مثل استواء غيره، ولا نزوله مثل نزول غيره، ولا حياته مثل حياة غيره. ولهذا كان مذهب السلف والأئمة إثبات الصفات ونفي مماثلتها لصفات المخلوقات. فالله تعالى موصوف بصفات الكمال الذي لا نقص فيه، منزه عن صفات النقص مطلقا، ومنزه عن أن يماثله غيره في صفات كماله. فهذان المعنيان جمعا التنزيه وقد دل عليهما قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]. فالاسم "الصمد" يتضمن صفات الكمال، والاسم "الأحد" يتضمن نفي المثل كما قد بسط الكلام على ذلك في تفسير هذه السورة. فالقول في صفاته كالقول في ذاته، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، لكن يفهم من ذلك أن نسبة هذه الصفة إلى موصوفها كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها. فعلمُ الله وكلامه ونزوله واستواؤه هو كما يناسب ذاته ويليق بها، كما أن صفة العبد هي كما تناسب ذاته وتليق بها. ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفات العبد إلى ذاته، ولهذا قال بعضهم: إذا قال لك السائل: كيف ينزل أو كيف استوى أو كيف يعلم أو كيف يتكلم ويقدر ويخلق؟ فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: أنا لا أعلم كيفية ذاته، فقل له: وأنا لا أعلم كيفية صفاته، فإن العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف. فهذا إذا استعملت هذه الأسماء والصفات على وجه التخصيص والتعيين، وهذا هو الوارد في الكتاب والسنة. وأما إذا قيلت مطلقة وعامة - كما يوجد في كلام النظار: الموجود ينقسم إلى قديم ومحدث، والعلم ينقسم إلى قديم ومحدث ونحو ذلك - فهذا مسمى اللفظ المطلق والعام، والعلم معنى مطلق وعام، والمعاني لا تكون مطلقة وعامة إلا في الأذهان لا في الأعيان، فلا يكون موجود وجودا مطلقا أو عاما إلا في الذهن، ولا يكون مطلق أو عام إلا في الذهن، ولا يكون إنسان أو حيوان مطلق وعام إلا في الذهن، وإلا فلا تكون الموجودات في أنفسها إلا معينة مخصوصة متميزة عن غيرها. فليتدبر العاقل هذا المقام الفارق، فإنه زل فيه خلق من أولي النظر الخائضين في الحقائق حتى ظنوا أن هذه المعاني العامة المطلقة الكلية تكون موجودة في الخارج كذلك، وظنوا أنا إذا قلنا: إن الله عز وجل موجود حي عليم، والعبد موجود حي عليم، أنه يلزم وجود موجود في الخارج يشترك فيه الرب والعبد، وأن يكون ذلك الموجود بعينه في العبد والرب بل وفي كل موجود، ولا بد أن يكون للرب ما يميزه عن المخلوق، فيكون فيه جزءآن: أحدهما: لكل مخلوق وهو القدر المشترك بينه وبين سائر الموجودات. والثاني: يختص به وهو المميز له عن سائر الموجودات. ثم لا يذكرون فيما يختص به إلا ما يلزم فيه مثل ذلك، فإذا قالوا: يمتاز بذاته أو بحقيقته أو ماهيته أو نحو ذلك، كان ذلك بمنزلة قولهم يمتاز بوجوده، فإن الذات والحقيقة والماهية تستعمل مطلقا ومعينا كلفظ الوجود سواء. وهذا المقام حار فيه طوائف من أئمة النظار حتى قال طائفة: إن لفظ الوجود وغيره مقول بالاشتراك اللفظي فقط، وحكوا ذلك عن كل من قال بنفي الأحوال وهم عامة أهل الإثبات، فصار مضمون نقلهم أن مذهب عامة أهل الإسلام ومتكلمة الإثبات - كابن كلاب والأشعري وابن كرام وغيرهم- بل ومحققي المعتزلة كأبي الحسين البصري وغيره أن لفظ الموجود وغيره مما يُسمَّى الله به ويسمى به المخلوق إنما يقال بالاشتراك اللفظي فقط، من غير أن يكون بين المسميين معنى عام: كلفظ المشتري إذا سمي به المبتاع والكوكب، ولفظ سهيل المقول على الكوكب والرجل. وهذا النقل غلط عظيم عمن نقلوه عنه، فإن هؤلاء متفقون على أن هذه الأسماء عامة متواطئة - كالتواطؤ العام الذي يدخل فيه المشكك - تقبل التقسيم والتنويع، وذلك لا يكون إلا في الأسماء المتواطئة كما نقول: الموجود ينقسم إلى قديم ومحدث وواجب وممكن. بل هؤلاء الناقلون بأعيانهم: كأبي عبد الله الرازي وأمثاله من المتأخرين يجمعون في كلامهم بين دعوى الاشتراك اللفظي فقط، وبين هذا التقسيم في هذه الأسماء، مع قولهم إن التقسيم لا يكون إلا في الألفاظ المتواطئة المشتركة لفظا ومعنى، لا يكون في المشترك اشتراكا لفظيا. ومن جملتها التي يسمونها المشككة لا يكون التقسيم في الأسماء التي ليس بينها معنى مشترك عام. فهذا تناقض هؤلاء الذين هم من أشهر المتأخرين بالنظر والتحقيق للفلسفة والكلام قد ضلوا في هذا النقل، -وهذا البحث في مثل هذا الأصل ضلال لا يقع فيه أضعف العوام - وذلك لما تلقوه عن بعض أهل المنطق من القواعد الفاسدة التي هي عن الهدى والرشد حائدة، حيث ظنوا أن الكليات المطلقة ثابتة في الخارج جزءا من المعينات، وأن ذلك يقتضي تركيب المعين من ذلك الكلي المشترك ومما يختص به، فلزمهم على هذا القول أن يكون الرب تعالى الواجب الوجود مركبا من الوجود المشترك ومما يختص به من الوجوب أو الوجود أو الماهية. مع أنه من المشهور عند أهل المنطق أن الكليات إنما تكون كليات في الأذهان لا في الأعيان. ومن هداه الله تعالى يعلم أن الموجودات لا تشترك في شيء موجود فيها أصلا، بل كل موجود متميز بنفسه وبما له من الصفات والأفعال، وأنا إذا قلنا: إن هذا الإنسان حي متكلم أو حيوان ناطق ونحو ذلك، لم يكن ما له من الحيوانية أو الناطقية أو النطق والحياة مشتركا بينه وبين غيره، بل له ما يخصه ولغيره ما يخصه، ولكن تشابها وتماثلا بحسب تشابه حيوانيتهما ونطقيتهما وغير ذلك من صفاتهما. ومن قال: إن الإنسان مركب مما به الاشتراك وهو الحيوانية، وما به من الامتياز وهو النطق، فإن أراد بذلك أن هذا تركيب ذهني - فإنا إذا تصورنا في أذهاننا حيوانا ناطقا، كان الحيوان جزء هذا المعنى الذهني، والنطق جزأه الآخر، وكان الحيوان جزءا له أشباه أكثر من أشباه الناطق. وإذا تصورنا مسمى حيوان ومسمى ناطق، كان مسمى الحيوان يعم الإنسان وغيره وكان مسمى الناطق يخصه - فدعوى التركيب في هذه المعاني الذهنية صحيح لكن ليس هذا ضابطا، بل هو بحسب ما يتصوره الإنسان سواء كان تصوره حقا أو باطلا. ومتى أريد بجزء الماهية الداخل فيها ما يدخل في هذا التصور وبجزئها الخارج عنها اللازم لوجودها ما يدل عليه هذا اللفظ بالتضمن والالتزام وأراد بتمام الماهية ما يدل عليه هذا بالمطابقة، فهذا صحيح، لكن هذا لا يقتضي أن تكون الحقائق الموجودة في الخارج مركبة من الصفات الخاصة والعامة، ولا أن يكون بعض صفاتها اللازمة داخلة في الحقيقة ذاتيا لها وبعضها خارجا عن الحقيقة عارضا لها، كما يزعمه أهل المنطق اليوناني. وهذا الموضع مما ضلوا فيه وضل بسبب ضلالهم فيه الطوائف الذين اتبعوهم في ذلك من النظار وقلدهم في ذلك من لم يفهم حقيقة قولهم ولوازمه ولم يتصوره تصورا تاما. وإن أرادوا بالتركيب أنه موصوف بالحياة والنطق - وإحدى الصفتين يوجد نظيرها في سائر الحيوان والأخرى مختصة بالإنسان - فهذا معنى صحيح. وإن أرادوا به أن حيوانيته مشتركة بينه وبين غيره فقد غلطوا؛ فإن حيوانية كل حيوان كناطقية كل ناطق وذلك مختص بمحله. وكذلك إن أرادوا بالتركيب أن هنا موجودا موصوفا بأنه حيوان غير الموجود الموصوف بأنه ناطق وصاهل، وأن الإنسان مركب من هذا الموجود وهذا الموجود، والفرس مركب من هذا الموجود وهذا الموجود، فقد غلطوا، بل لا موجود إلا هذا الإنسان الموصوف بأنه حيوان ناطق، وهذا الفرس الموصوف بأنه حيوان صاهل، وكذلك سائر الحيوانات والموجودات. فقول القائل: الإنسان مركب من هذا وهذا إذا أريد به أن هنا شيئا مركبا وأن له جزأين متباينين هو مركب منهما، كان جاهلا، بل هو شيء واحد موصوف بصفتين لا يوجد إلا بصفتيه ولا توجد صفتاه إلا به. وهذا المعنى صحيح وهو أن الإنسان موصوف بأنه حيوان وأنه ناطق حقيقة، وأنه ذات مستلزمة لصفاتها لا يوجد الموصوف بدون صفته اللازمة له، لكن هذا ليس في الخارج تركيبا، وليس في الخارج صفة لازمة ذاتية وأخرى عرضية لازمة للماهية وأخرى لازمة لوجوده، بل ليس في الخارج إلا الموجود المعين وصفاته تنقسم إلى لازمة له وعارضة، وهو لا يوجد بدون شيء من صفاته اللازمة، فليس فيها ما هو لازم للذات الموجودة في الخارج ولكن ليس بلازم لها بل لازم للموجود في الخارج كما يظن ذلك من يظنه من المنطقيين. وأصل خطئهم أنه اشتبه عليهم ما يتصور في الأذهان بما يوجد في الأعيان، فإن الذهن يتصور المثلث قبل وجوده في الخارج، وظنوا أن الماهية مغايرة للوجود وهو صحيح إذا فسرت الماهية بما يتصوره الذهن. وأما أن يكون في الخارج مثلث له ماهية ثابتة في الخارج غير الشيء الموجود في الخارج، فهذا غلط بين. فإذا فهم هذا في صفة المخلوق، فالخالق أبعد عما سماه هؤلاء تركيبا. فإذا قيل: إن الله سبحانه وتعالى حي عليم قدير، فهو موصوف بأنه الحي العليم القدير. وإذا قيل: هو موجود واجب بنفسه، فهو سبحانه موصوف بالوجود والوجوب فلا مشاركة بينه وبين غيره في شيء موجود ولا هو مركب من جزأين، ولا صفات مقومة تكون أجزاء لوجوده ولا نحو ذلك مما يدعى من التركيب الذي هو ممتنع في المخلوق، فهو في الخالق أشد امتناعا. ولكن لفظ التركيب مجمل يدخل عند هؤلاء فيه اتصاف الموصوف بصفاته اللازمة له، وليس هذا هو المعقول من لفظ التركيب، وهؤلاء أحدثوا اصطلاحا لهم في لفظ التركيب لم يسبقهم إليه أحد من أهل اللغة، ولا من طوائف أهل العلم". وقال في مجموع الفتاوى (5 /200 - 201): "الأسماء والصفات لم توضع لخصائص المخلوقين عند الإطلاق، ولا عند الإضافة إلى الله تعالى، ولكن عند الإضافة إليهم. فاسم العلم يستعمل مطلقا، ويستعمل مضافا إلى العبد كقوله: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾ [آل عمران: 18]، ويستعمل مضافا إلى الله كقوله: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة: 255]، فإذا أضيف العلم إلى المخلوق لم يصلح أن يدخل فيه علم الخالق سبحانه، ولم يكن علم المخلوق كعلم الخالق، وإذا أضيف إلى الخالق كقوله: ﴿ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ﴾ [النساء: 166] لم يصلح أن يدخل فيه علم المخلوقين ولم يكن علمه كعلمهم. وإذا قيل: العلم مطلقا أمكن تقسيمه فيقال: العلم ينقسم إلى العلم القديم والعلم المحدث، فلفظ العلم عام فيهما متناول لهما بطريق الحقيقة. وكذلك إذا قيل: الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث وواجب وممكن، وكذلك إذا قيل في الاستواء: ينقسم إلى استواء الخالق واستواء المخلوق، وكذلك إذا قيل: الإرادة والرحمة والمحبة تنقسم إلى إرادة الله ومحبته ورحمته وإرادة العبد ومحبته ورحمته. فمن ظن أن "الحقيقة" إنما تتناول صفة العبد المخلوقة المحدثة دون صفة الخالق كان في غاية الجهل، فإن صفة الله أكمل وأتم وأحق بهذه الأسماء الحسنى، فلا نسبة بين صفة العبد وصفة الرب، كما لا نسبة بين ذاته وذاته، فكيف يكون العبد مستحقا للأسماء الحسنى حقيقة، فيستحق أن يقال له: عالم قادر سميع بصير، والرب لا يستحق ذلك إلا مجازا، ومعلوم أن كل كمال حصل للمخلوق فهو من الرب سبحانه وتعالى وله المثل الأعلى، فكل كمال حصل للمخلوق فالخالق أحق به، وكل نقص تنزه عنه المخلوق فالخالق أحق أن ينزه عنه، ولهذا كان لله "المثل الأعلى" فإنه لا يقاس بخلقه ولا يمثل بهم، ولا تضرب له الأمثال، فلا يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل بمثل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده، بل ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الروم: 27]". [1] يشير بذلك إلى ما قاله الإمام أحمد في الرد على الجهمية والزنادقة (ص: 99)، ولفظه: "قال أحمد: وقلنا: هو شيء. فقالوا [أي: الجهمية]: هو شيء لا كالأشياء. فقلنا: إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل، أنه لا شيء". [2] هكذا في هذه النسخة، وفي مجموع الفتاوى (3 /10): "ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص: اتفاقهما". وهو كذلك أيضًا في التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية لفالح بن مهدي الدوسري (1 / 53)، قال في الشرح: "وعبارة المؤلف هنا موهمة أنه يحصل تماثل واتحاد بين المسميين في حالة الإطلاق، وهذا غير مراد المؤلف، فإن قوله فيما سبق "باتفاق المسميين في اسم عام لا يوجب تماثلهما عند الإضافة والتخصيص والتقييد ولا في غيره " صريح في نفي هذا، فكلامه السابق واللاحق يقرر نفي المماثلة بين المسميين وإن حصل بينهما اشتراك في الاسم والمعنى العامين". fuq Hr,hg ado hgYsghl hfk jdldm td hgr]v hglajv; td hgHslhx ,hgwthj | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
10 / 01 / 2018, 49 : 12 AM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح واصل ولا تحرمنـا من جديـدك المميـز | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018