الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 0 | المشاهدات | 1190 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
08 / 06 / 2015, 34 : 06 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ثم علم بتقدم الجيوش الفارسية من الشمال بقيادة بهمن، وفي عمق العراق بقيادة الأندرزغر إلى الولجة، فترك سيدنا خالد المزار وتوجه ناحية الولجة لمقابلة أندرزغر وانتصر عليه. وهنا نذكر الكمين الذي أعده خالد بن الوليد للجيوش الفارسية، وتحققت للمسلمين نتيجة حاسمة في هذه الموقعة وكانت في شهر صفر سنة 12هـ. وعندما انتهى سيدنا خالد بن الوليد من موقعة الولجة علم بتجمع الجيوش الفارسية مع الجيوش العربية النصرانية في مكان يسمى (أُلَّيْس) على شاطئ نهر الفرات، وكان عددهم يقترب من مائة ألف؛ فتقدم سيدنا خالد بن الوليد مباشرة من الولجة إلى أُلَّيس، ودارت موقعة شديدة نذكر أنه قُتِلَ فيها سبعون ألف فارسي وعربي في نهر مجاور لنهر الفرات، وسمي هذا النهر نهر الدم بعد هذه الموقعة. ثم تقدم سيدنا خالد بن الوليد إلى مدينة أَمْغِيشيا التي كانت قد خلت من سكانها؛ لأن معظم الجيش قد قُتِل في موقعة أُليس، حيث قُتِلَ منهم حوالي40 ألفًا، ففتحها خالد بن الوليد دون قتال وهدمها؛ لإيقاع الرعب في قلوب أهل فارس. ثم تقدم ناحية الحيرة فأرسل له "آزَاذِبه" أمير فارس على الحيرة ابنه إلى (المقرّ) حتى يفتح الروافد الفرعية لنهر الفرات، ويسد مجرى النهر الرئيسي؛ كي لا تستطيع سفن سيدنا خالد السير من أَمْغِيشيا إلى الحيرة، وبالفعل نجح ابن آزاذبه في ذلك، فتقدم سيدنا خالد من أَمْغِيشيا إلى المقرِّ ليقابل ابن آزاذبه، والتقى معه في موقعة المقرّ، وانتصر عليه، وقتله خالد. كانت موقعة المقرِّ في شهر ربيع الأول، ثم تقدم خالد من المقرِّ إلى الحيرة فوجد أن آزاذبه هذا قد هرب إلى المدائن؛ فحاصر الحيرة واستطاع أن يفتح حصونها بعد فترة من القصف الإسلامي للحصون، وتمَّ ذلك للمسلمين في شهر ربيع الأول أيضًا في 12 من ربيع الأول؛ فتكون هذه المعارك قد بدأت من كاظمة إلى الحيرة في حوالي شهرين، وانتصر سيدنا خالد بن الوليد على الفرس في كل هذه المعارك، وفُتِحت حصونُ الحيرةِ وصالح أهلها خالد بن الوليد على مائة وتسعين ألف درهم في السنة، ثم صالح خالد بن الوليد أهل "بانِقيا وباروسما" في الجزيرة ما بين دجلة والفرات على مليوني درهم في السنة؛ لأن هذه المنطقة كانت من المناطق الغنيِّة، ثم انتظر سيدنا خالد بن الوليد في الحيرة حوالي ثلاثة شهور دون قتال، ينتظر عياض بن غنم الذي كان يريد فتح دومة الجندل واستعصت عليه دومة الجندل؛ لشدة بأس الجيش الفارسي في دومة الجندل، ولشدة الحصون والقلاع الموجودة في هذه المنطقة، فلما تعسر على سيدنا عياض فتح دومة الجندل تقدم سيدنا خالد ليقوم بعمل عياض، فبدأ بفتح الأنبار. ونعلم أن الأنبار سُميت ذاتَ العيون؛ لأن جيش سيدنا خالد فقأ فيها عيون ألف من مقاتلي الأنبار، وفتح هذا الحصن في شهر رجب سنة 12هـ، ثم تقدم سيدنا خالد بن الوليد إلى "عين التمر" وانتصر فيها على الجيوش الفارسية المتحدة مع الجيوش العربية بقيادة عُقّة بن أبي عُقة، ونذكر أن سيدنا خالد انتصر على الجيش العربي أولاً في منطقة تُسمى الرمالية قبل أن يتقدم لعين التمر، ثم تقدم وفتح حصن التمر، ثم من عين التمر تعمق في الصحراء حتى يصل إلى دومة الجندل لمساعدة عياض بن غنم في فتح دومة الجندل، وقد ذكرنا أن المسافة بين الحيرة ودومة الجندل حوالي 500كم، وقد تمَّ له ذلك أيضًا في شهر رجب. تحركات خالد لفتح جنوب العراق: بعد أن تم فتح الأنبار وعين التمر ودومة الجندل -كل هذه البلاد والفتوح- في شهر رجب سنة 12هـ، وفي أثناء عودة خالد بن الوليد تجمعت الجيوش الفارسية في حُصَيِّد والخنافس فأرسل القعقاعُ بن عمرو -خليفة خالد بن الوليد على الحيرة- بعضَ الجيوش إلى حصيِّد والخنافس لمقابلة جيوش الفرس، ووصل خالد بن الوليد إلى عين التمر واتخذها مقرًّا له، وأرسل بعض الجيوش لمساعدة الجيشين اللذين أرسلهما القعقاع بن عمرو إلى حصيد والخنافس، وانتصر الجيش الإسلامي في هذه الموقعة "حصيد" على الفرس وجمع الكثير من الغنائم، وتمَّ له ذلك في شهر شعبان سنة 12هـ. وعندما علم الجيش الفارسي في الخنافس بهزيمة الفرس في حصيد القريبة جدًّا منهم، انسحب من الخنافس، وتم للمسلمين فتحها دون قتال. ثم تواعد خالد بن الوليد والقعقاع بن عمرو وأبو ليلى بن فدكي السعدي على فتح المُصَيِّخ، وتم ذلك للمسلمين في شهر شعبان أيضًا. ثم تقدم سيدنا خالد بن الوليد من المصيخ إلى شمال العراق حيث الثني والزُّمَيْل وانتصر المسلمون في موقعة "الثَّنِيّ" أيضًا؛ لأنهم حاصروها من ثلاث جهات، وكانت المعركة معركة ليلية، ثم تقدَّم في الليلة نفسِها إلى موقعة "الزميل" وفتحها سيدنا خالد بن الوليد أيضًا، ولم يفلت من الثني أو الزميل أحد من الفرس والعرب المشركين والنصارى في هذا المكان. وكان هذا كله في شهر شعبان. ثم تقدم من الزميل إلى الرباط، ولكنه وجد أن الرباط قد خلت من سكانها عندما علمت بهزيمة الثني والزميل. ونعلم أن أرض الرباط هذه أرض رومية، تقع في الحدود الرومية وليس في فارس، أقصى شمال العراق، وهي على بعد أكثر من 800 كم من الحيرة. قطع سيدنا خالد بن الوليد هذه المسافة بهذا الطول إلى الرباط، وكان قد خرج من دومة الجندل في رجب ووصلها في شعبان. ثم عاد سيدنا خالد بن الوليد من الرباط إلى الفراض واتخذها مقرًّا له، وبدأ في تنظيم الجيوش الإسلامية في المنطقة، وتوزيع الحاميات، وقضى فيها شهر رمضان وشوال ثم أتى ذو القعدة وتجمعت في هذه المنطقة الجيوش الفارسية مع الجيوش الرومانية مع نصارى العرب؛ لحرب المسلمين بقيادة سيدنا خالد في موقعة الفراض، فتمَّ لسيدنا خالد بن الوليد النصر في 15 من ذي القعدة سنة 12هـ، وقُتِلَ من المشركين مائةُ ألفِ قتيلٍ. بعد ذلك ترك سيدنا خالد بن الوليد الجيش في الفراض وأمرهم بالتوجه إلى الحيرة، وأمَّر عليهم سيدنا عاصم بن عمرو، وتوجه هو ومعه أصحابه من الفراض إلى مكة لقضاء الحج هذا العام. وبالفعل تم له الحج دون أن يستأذن سيدنا أبا بكر الصديق، وعاد من مكة إلى الحيرة مع وصول آخر جندي من جنود المسلمين إلى الحيرة، ولم يعلم الجيش بغياب سيدنا خالد بن الوليد ولا بحجه إلا عندما رأوا سيدنا خالدًا وأصحابه مقصِّرين محلِّقين، ثم مكث في الحيرة شهرًا وأتاه خطاب سيدنا أبي بكر الصديق بأن ينتقل من الحيرة إلى اليرموك في الشام؛ لنجدة أمراء الشام الذين استعصت عليهم هزيمة الجيوش الرومانية الكثيفة الموجودة في اليرموك. وبالفعل قسم الجيش إلى نصفين: تسعة آلاف، وتسعة آلاف، وكانوا في البداية عشرين ألفًا، فيبدو أن قتلى المسلمين في هذه الفترة كانوا حوالي 2000 في كل الحروب التي اشترك فيها سيدنا عياض وسيدنا خالد، فكان المجموع 18 ألفًا، وبقي مع المثنى بن حارثة تسعة آلاف في الحيرة، وتوجه تسعة آلاف مع سيدنا خالد من الحيرة إلى الشام في عبورٍ كان عبورًا عظيمًا، فقد اجتاز شمال صحراء السماوة من العراق إلى الشام، ووصل خالد بن الوليد إلى الجيش الإسلامي الموجود في اليرموك. وسوف نتحدث عن الجيش الإسلامي في اليرموك في فتوح الروم إن شاء الله. استخلف خالد المثنى بن حارثة على 9000 من الجنود، وأخذ معه تسعة الآلاف الأخرى، ونائبَه القعقاع بن عمرو التميمي، وأخذ معه أيضًا ضرار بن الأزور وضرار بن الخطاب، وأصبح الموقف في الحيرة من الصعوبة بمكان. نظرة تحليلية لعمليات خالد في العراق: كان فتح خالد بن الوليد للعراق بمنزلة مفاجأة من الطراز الأول من الناحية الاستراتيجية، فقد فعل ما لا يتوقعه العدو، وذلك في أكثر من جانب. ومن هذه الجوانب: 1- غزو العراق من الجنوب: تقدم خالد لفتح العراق من منطقة كاظمة -كما ذكرنا- ثم صعد إلى الحيرة، وذلك بناء على خطة أبي بكر الصديق بأن يفتح خالد العراق من الجنوب وعياض بن غنم من الشمال، ثم التقاء الجيشين في فارس. فهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يُفتح فيها العراقُ من الجنوب، فمن المعروف أن منطقة جنوب العراق كلها منطقة مستنقعات من المياه، وبها أنهار فرعية كثيرة، وبها موانع طبيعية كثيرة، وكان يستعصي على أي جيش أن يجتاز هذه المنطقة نظرًا للصعوبة البالغة في ذلك، وكانت هذه المنطقة تمتلئ بالأشجار والغابات، وكانت تُسمى السواد، وكانت الأنهار تفيض كثيرًا ولم يكن بها سدود تمنع الماء، فكانت الفيضانات تغمر هذه الأراضي، هذا فضلاً عن الأشجار الكثيفة التي تغطي المنطقة بكاملها. ومن ثَمَّ كان من الصعوبة بمكان أن يدخل أي جيش هذه المنطقة، أو يمرَّ منها ليصل إلى بلاد فارس العظيمة، أو إلى أي مكان من خلالها. وفي التاريخ مرَّت كثير من الجيوش من الشرق إلى الغرب، ومن الغرب إلى الشرق، وكلها كانت تتجنب الدخول أو الاقتراب من هذه المنطقة؛ نظرًا للصعوبة البالغة والمشقة الكبيرة المترتبة على هذا الأمر. ونذكر حروب الفرس مع الروم وهي كثيرة، وكانت كلها عبر شمال العراق، ونذكر قيام قمبيز -وكان ملكًا فارسيًّا- بفتح الشام والتوجه إلى فتح مصر وتمَّ له ذلك، وكان عن طريق شمال العراق. ونذكر أيضًا تقدم جيوش الإسكندر الأكبر من مصر إلى فتح الهند، فقد سار من شمال العراق -مع أنه كان من الأقرب له أن يسير من جنوب العراق- ونزل من فارس إلى الهند ليفتحها تجنبًا لخطورة المنطقة في شمال العراق. ولم يكن أهل فارس يتوقعون أن يأتيهم جيش من هذه المنطقة، ومن هنا كانت حصون فارس في هذه المنطقة ضعيفة، وليست كالحصون التي شيدوها في الشمال وفي الداخل. وقد تعود أهل فارس في هذه المنطقة في حالة حروبهم أن يتحصنوا داخل حصونهم القوية المنيعة، ولديهم من الطعام والشراب ما يكفيهم مدة كبيرة؛ حتى يملَّ الجيش المهاجم فيرحل عنهم. ولكنهم لم يكونوا يعتقدون أن أحدًا سيأتيهم من هذه المنطقة التي يصعب اجتيازها على أقوى الجيوش، فكانت حصونهم فيها ضعيفة، وكان أقواها حصن الحيرة وحصن الأبلَّة وحصن المرأة وحصن الرجل وحصن الأنبار وحصن عين التمر وحصن دومة الجندل، وكانت كل هذه الحصون متفرقة، ولم يكن يربط بينها أسوار كما في داخل فارس، ولم يكن هناك خنادق إلا خندق سابور من كاظمة حتى الشمال، ولكنه كان مهجورًا لندرة الحاجة إليه، وخندق آخر كان محفورًا حول الأنبار، فكانت هذه المنطقة من المناطق الضعيفة. كما كانت المنطقة الجنوبية لفارس -أيضًا- مواجهة لجزيرة العرب، وكان ما تعرفه فارس عن العرب هو أنهم مجموعة من الأعراب ليست لهم أهداف إلا أن يحصِّلوا بعض الطعام، وبعض المال الذي يكفيهم مئُونة العيش، ولم يكن يخطر على بال عربي أن يدخل في حرب مع دولة فارس، والعرب بالفعل لم يدخلوا مع فارس في حرب قبل ذلك، إلا موقعة واحدة في التاريخ تُسمَّى "ذا قارٍ" وفيها قامت مجموعة من القبائل العربية بقتال إحدى مناطق فارس الجنوبية قرب الحيرة، وتمَّ لهم بعض النصر وعادوا مباشرة إلى الجزيرة العربية ومكة، وكانت تلك الحملة الصغيرة ردًّا لشرفهم؛ نظرًا لأنه كانت هناك هجمة فارسية على بعض القبائل العربية القريبة من فارس. ومن ثَمَّ كان فتح المسلمين للعراق من الجنوب مفاجأة استراتيجية لفارس. 2- قام خالد أيضًا بمفاجأة "تكتيكية" في أسلوب القتال، فكان مما فاجأ به الفارسيين مفاجأة الزمان، فقد كانت كل معاركه تتسم بالسرعة في الحركة، ولم يكن أهل فارس يعهدون هذه السرعة، فقد كانوا على تَعَوّد أن يستعدوا للجيوش التي تقدم عليهم، ويكون لديهم من الوقت -بعد علمهم بأمر هذه الجيوش- ما يكفيهم للاستعداد لها، لكنّ سيدنا خالدًا كان يمتلك من سرعة الحركة ما أدهش الجيوش الفارسية، فكل حروبه في العراق تتسم بسرعة الوقت، وكان يسبق الخبر. وعلى سبيل المثال في معركة الحصيد والخنافس لم يكن خالد ساعتها في الحيرة، لكن القعقاع أرسل جيشين إلى حصيد والخنافس كي يسيطرا على المنطقة قبل أن تصل الجيوش الفارسية إليه، وهي على بعد 100 كم من الحيرة، بينما وصل الخبر من المدائن إلى الأنبار إلى الحيرة ثم إلى حصيد والحنافس، وهذه المسافة تقترب من 400 كم إلى القعقاع، فأرسل جيوشه مسافة 400 كم أسرع من الجيوش الفارسية مسافة 100 كم فقط، وهذا يدل على سرعة حركة المسلمين والبطء الشديد للجيوش الفارسية في تلك الآونة. موقعة الثني والزميل أيضًا وهما على بُعْدِ حوالي 150 كم من منطقة المصيخ، ومع هذا تقدم خالد من المصيّخ حتى الثني والزميل في وقت قصير جدًّا، فقد كانت موقعة المصيخ في 17 من شعبان، والثني والزميل 25 من شعبان، فكان بين الموقعتين ثمانية أيام فقط، وكانت الجيوش الإسلامية في الثني ليلاً وفي الزميل في الليلة نفسِها، وكان هذا شيئًا عجيبًا، وغريبًا أن يقوم الجيش بمعركة في مدينة، وفي الليلة نفسها يصل إلى الثانية قبل أن يصل خبر سقوط المدينة الأولى إلى المدينة الثانية، ويهزم كلا الجيشين في كلتا المدينتين!! 3- اختيار المكان الأنسب للقتال: كان خالد بن الوليد يحسن اختيار المكان الذي يقاتل فيه، ونذكر هنا موقعة كاظمة، فقد كان في نية خالد التقدم إلى "الحفير" وهي منطقة تقع في غرب كاظمة، ولكن لما علم بذلك هرمز أمير الأبلّة وكاظمة توجه بجيشه إلى الحفير، فعلم بذلك خالد بن الوليد فغيّر مكان القتال، وعلى الفور انتقل إلى كاظمة واختار مكان القتال، وجاء الجيش الفارسي دون أن يكون مستعدًّا لقتال جيش خالد بن الوليد. واختار خالد أيضًا منطقة الولجة مكانًا للقتال، ولما علم بتقدم جيش بهمن جاذويه من المدائن إلى المذار في شرق نهر دجلة، وعلم بتقدم جيش الأندرزغر من المدائن إلى الولجة حتى يحيطه من الجنوب، فخشي أن تحيطه الجيوش الفارسية من الشمال ومن الجنوب، فانسحب بجيوشه من المذار إلى الولجة، واختار هو مكان المعركة "الولجة"، وتمَّ له النصر على جيش الأندرزغر، وتم له أيضًا النصر بعد ذلك في موقعة أُلَّيْس على بهمن جاذويه. إذن فاختيار المكان كان إحدى المفاجآت التي حققها خالد بن الوليد في انتصاره على الجيوش الفارسية. 4- سلاح الكمائن: لم يكن الفرس يعرفون الكمائن أو يسمعون عنها، وفي معركة الولجة خبّأ خالد جيشين كاملين لم يشتركا في القتال: أحدهما بقيادة بُسر بن أبي رهم، والآخر بقيادة سعيد بن مرّة، وعندما اشتد القتال وحمي الوطيس وكاد صبر الفريقين أن ينفد، أشار خالد إلى الجيوش المختبئة فالتفَّت حول الجيوش الفارسية في دائرة واحدة، وباغتتها من ظهرها حيث كانوا ينتظرون أن يمدّهم بهمن جاذويه بمدد، وكان انتصارًا كبيرًا للمسلمين. 5- الحيلة في الوصول إلى الأعداء: كان لخالد أيضًا في فتح الأنبار مفاجأةٌ في الأسلوب الحربي الذي اتبعه، فقد كان حول الأنبار خندق عميق لا تستطيع الخيول أن تقفز من فوقه، ويقف هذا الخندق عائقًا أمام الجيش المسلم، لكن خالدًا بعد أن فُقِئَت من عيون أهل الأنبار ألف عين، قرر أن يجتاز هذا الخندق، فأمر بأن تُنْحَر ضعافُ الإبل وتوضع في الخندق وتمر عليها الخيول، ثم تقدم الجيش المسلم واقتلع باب الحصن، فاستسلم أهل الحصن والجيش الفارسي على الفور. 6- الحرب الليلية: كانت الحروب في هذه الفترة وقبلها نهارًا فقط، وعندما يأتي الليل تنفصل الجيوش بشكل تلقائي عن بعضها، حتى يأتي فجر جديد فيبدأ القتال، ولم يكن قتال الليل محبَّذًا طيلة هذه العصور وحتى بعد عصر خالد بمئات السنين؛ لأن الجيوش لم تكن تستطيع معرفة الأماكن الآمنة وأماكن الجند، إلى أن جاء القرن التاسع عشر عندما اختُرِعَ "اللاسلكي". لكن خالدًا استخدم أسلوبًا جديدًا على الفرس، لم يعهدوه ولم يعهده أحد من قبل، وهو أنه هاجمهم ليلاً -في موقعة المصيخ- ومن ثلاث جهات، وانتصر جيش المسلمين ولكن هرب منها بعض الفرس وبعض العرب ومنهم الهزيل بن عمران، وكرر خالد هذه التجربة في الثني -وكان قد استفاد بعد "المصيخ"- ولم يفلت من الثني أحد، وكان تحقيق النصر بنسبة 100 %. وانتقل إلى منطقة الزُّمَيل في الليلة نفسها قبل طلوع الفجر، ولم يفلت منهم أحد. 7- مفاجآت خالد في التحركات التي تبدو غير منطقية: فقد تحرك من "عين التمر" إلى دومة الجندل، والتي تبعد 500 كم من الحيرة، فكيف يُتَصَوَّر أن جيشًا يفتح كل هذه البلاد ويترك فيها الحاميات، ويتركها في مواجهة "المدائن" أقوى حصون فارس على مَرِّ التاريخ، والجيش الفارسي على مقربة منهم، ولكنه يترك كل هذا ويتوجه بجيشه بسرعة عجيبة ويساعد جيش عياض بن غنم في دومة الجندل، ثم يعود مرة أخرى إلى عين التمر، وهو مطمئن تمامًا على الحاميات القليلة الموجودة في هذه المنطقة، ويعدّ ما فعله خالد حدثًا مفاجئًا لا يتوقعه على الإطلاق الفرس الموجودون في دومة الجندل، والذين كانوا يحاربون عياضًا . ومن التحركات غير المنطقية أيضًا موقعة المذار، وقد ذكرنا أن خالدًا كان يتقدم من موقعة الأُبلَّة، ثم عبر شط العرب إلى المذار ببعض السفن التي كانت معه، وتقابل مع جيش الفرس الذي كان بقيادة قارن، ولم يكن "قارن" هذا يتوقع مطلقًا -عندما وصل إلى المذار- أن يجد فيها جيش خالد بن الوليد، ولأنه قادم من شمال المدائن كان يتوقع أن يصل إلى شط العرب، ويعبر هو إلى خالد بن الوليد، ولكنه فوجئ بأن سيدنا خالد هو الذي عبر إلى منطقة المذار. أيضًا من التحركات التي تبدو غير منطقية التوجه إلى الثني والزميل في أقصى شمال العراق، فكيف لجيش يسيطر على هذه المنطقة بكاملها أن يتوجه من الحيرة مسافة 800 كم إلى الرباط، وهو ما لم يتوقعه الجيش الفارسي على الإطلاق، وباغتهم خالد في أماكنهم. 8- المهارة القتالية: لا شك أننا نذكر قتل هرمز، وكان أحد عظماء الفرس في القتال، ولكن خالدًا بارزه في موقعة كاظمة في بداية المعركة، وقام هرمز بخيانة حيث جمع بعض حاميته لتحاصر خالدًا ، ولم يكن هذا من عهد الجيوش في القتال، بل كان السائد أن يبارز رجل رجلاً، ثم تبدأ الحرب بعد ذلك، ولكن خالدًا قتل هرمز، وكان هذا شيئًا عجيبًا حيث كان هرمز محاطًا بحامية كاملة من الجيش الفارسي، وكان خالد الوحيد في جيشه ومعه الزبير بن العوام اللذان يستطيعان القتال بسيفين معًا. وكانت المهارة القتالية أيضًا عندما قابل خالدٌ عُقَّة بن أبي عُقَّة، وطلب عُقّة المبارزة فخرج إليه خالد وأطاح بالسيف من يده وحمله من على فرسه، وأتى به إلى جيش المسلمين، وكان هذا أيضًا من الأمور العجيبة، فقد كان عُقة هو أشجع جيشه وأقواهم؛ ومن ثَمَّ خرج يطلب المبارزة، ولكن خالدًا أسره ببساطة، وكان هذا الأمر من مهاراته القتالية. ومن مفاجآت فتح الأنبار أيضًا فَقْأُ ألف عين من عيون أهل الأنبار، فكانت مهارة عالية، وأخذ كامل بالأسباب. 9- القدرة على تشتيت العدو: وفي هذا الإطار نذكر أن خالدًا -وبتوجيه من أبي بكر الصديق - كان يفكر دائمًا في حصار الفرس وقتالهم من أكثر من جهة، وكان هذا الأمر -أيضًا- من الأشياء الغريبة على أهل فارس، ورأيناه في بداية فتح العراق من حيث إحاطتها من الشمال والجنوب بسيدنا خالد وسيدنا عياض، والالتقاء في الحيرة، وكذلك سقط حصن دومة الجندل تحت تأثير الهجمات الشمالية والجنوبية، وهوجمت كذلك المصيخ والثني والزميل من ثلاث جهات مختلفة؛ جيش خالد بن الوليد، وجيش القعقاع بن عمرو، وجيش أبي ليلى بن فدكي السعدي، وانتصرت الجيوش الإسلامية في المواقع الثلاثة، فلم يكن في ظن الجيش الفارسي أن تأتيه الجيوش من الجهات الثلاث. 10- استخدام عنصر المبادأة: كان خالد بن الوليد يعتمد مبدأ المبادأة في معاركه كلها، وهو أن يبدأ عدوه بالهجوم ولا ينتظر أن يبدأ العدوُّ بالهجوم. يقول الخبراء العسكريون: إن الذي يمتلك الضربة الأولى يمتلك ما يقرب من 50 % من النصر، وحسبما تكون قوة هذه الضربة تتضاعف نسبة النصر، لكنها لا تقل غالبًا عن 50 %. وهذا ما كان يحدث الهزيمة في صفوف الفارسيين، فكان خالد بن الوليد في كل حروبه تقريبًا هو الذي يبدأ القتال، وعلى سبيل المثال موقعة المذار وعبوره شط العرب، وموقعة الولجة وانسحابه من المذار كلية إلى الولجة، وموقعة عين التمر، وغيرها من المعارك، فكانت هذه بعض المفاجآت التي حققها المسلمون في حروبهم مع الفرس. 11- الرد السريع من المسلمين: عندما فتح ابنُ آزاذبه الأنهار الفرعية في "المقرّ" وسدَّ نهر الفرات فجنحت سفن خالد بن الوليد في المياه المتجهة من أَمْغِيشيا إلى الحيرة، فتوجه خالد سريعًا إلى منطقة المقرّ ومعه فرقة من جيشه، وقاتل ابن آزاذبه وقتله وانتصر على جيشه، وسفن خالد ما زالت بالنهر، وفتح نهر الفرات وسدَّ الأنهار الفرعية، وتسير السفن الإسلامية مرة أخرى من أَمْغِيشيا إلى الحيرة، فكان لهذا الرد السريع أثره على آزاذبه، فانسحب سريعًا من الحيرة وتركها لأهلها. أيضًا نرى ردَّ الفعل السريع للقعقاع بن عمرو في "حُصَيِّد والخنافس" وكانتا مهددتين بجيشين من الفرس، وكان الجيش الإسلامي بكامله موجودًا في دومة الجندل، فأرسل عروة بن الجعد إلى "الخنافس"، وأرسل أبا ليلى بن فدكي السعدي إلى "حصيد"، ولم ينتظر قدوم خالد واستشارته في الأمر، وكان هذا مما أحبط الفكرة الفارسية في الهجوم على "الحصيد والخنافس". 12- تأمين الحملات الحربية الإسلامية: كان هذا أيضًا مما يميّز حروب خالد بن الوليد ، فكان لكل جيش من جيوشه مقدمة تكتشف الطريق وتحدث الرعب في قلوب الفرس، وكان لهذه المقدمة من القوة والمهارة ما يزلزل الجيوش الفارسية، وكان على رأس هذه المقدمة دائمًا المثنى بن حارثة ، وكان اختياره من حكمة سيدنا خالد ؛ لأن المثنى هو أعلم المسلمين بأرض فارس والعراق. كما كان خالد يؤمِّن المؤخرة أيضًا، ورأيناه عندما ترك الأُبلَّة وتوجه إلى فتح الحيرة ترك على الأبلّة حامية من ثلاث جهات نظرًا لأهميتها، وترك سويد بن مقرّن في الحفير للسيطرة على المنطقة الجنوبية، وظل سويد في مكانه حتى غادر خالد بن الوليد العراق إلى الشام، وظل في مكانه يحمي هذه المنطقة. وكذلك كان يؤمِّن جيشه، فرأيناه -عندما شعر أن الجناح الأيمن مهدد من قِبَل جيش "قارن" الذي يأتي من المدائن ناحية "المذار"- يعبر شط العرب ويتقابل مع جيش قارن في شرق دجلة، فأمَّن بذلك الجناح الأيمن للجيش الإسلامي، وتقدم بعد ذلك إلى الحيرة وهو آمن على جناحه الأيمن. حقيقةً هذا تخطيط عسكري في غاية الروعة، ولا يُتخيَّل وجود هذا التخطيط إلا بوجود إمكانيات كبيرة من أقمار صناعية، وخرائط دقيقة، ورصد دائم ودقيق لتحركات الجيش المعادي له. كذلك كانت المخابرات الإسلامية في منتهى القوة، وكانت بقيادة المثنى بن حارثة ، وكانت ترصد بدقة تحركات الفرس في كل المواقع التي رأيناها، ولم تأتِ موقعة فوجئ فيها المسلمون بجيش فارس، وبهذا استطاع المسلمون إعداد أنفسهم بشكل جيد، وأخذ أماكن محددة للمعارك قبل أن يصل الفرس إلى هذه الأماكن. والأعجب من هذا الأمر أن ما كان يحدث في داخل البلاط الملكي الفارسي يعرفه الجيش الإسلامي، وكان هذا يأتي عن طريق بعض الفرس الذين أسلموا مع بداية المعارك مع الفرس، ولذكاء خالد والمثنى -رضي الله عنهما- وحكمتهما وحسن تصرفهما كانا يرسلان هؤلاء المسلمين -وهم يخفون إسلامهم- إلى فارس، فيأتونهم بالأخبار الدقيقة، وتعرف قيادة الجيش الإسلامي من خلالهم ما يحدث داخل حصون فارس، وفيم يفكرون؟ ومدى رعبهم وفزعهم من جيوش المسلمين، ومَن القادة الذين سوف يرسلونهم على رأس الجيوش، وقد استفاد المسلمون بعد ذلك من هؤلاء المسلمين الموجودين داخل البلاط الفارسي. ومما يدل على قوة المخابرات ودقتها في الحروب الفارسية القبض على أكيدر بن عبد الملك، وكان زعيمًا للعرب في موقعة دومة الجندل، ونذكر أنه اختلف مع الجودي بن ربيعة القائد الآخر للعرب في دومة الجندل على قتال سيدنا خالد بن الوليد، وقال أكيدر: لا نصبر على قتال خالد. وترك دومة الجندل وهرب في الصحراء في اتجاه الشمال حتى يهرب من حرب خالد بن الوليد، ولكن عيون سيدنا خالد بن الوليد ومخابراته استطاعت أن تُلقِي القبض على أكيدر بن عبد الملك في الصحراء قبل أن يصل إلى دومة الجندل، وأتى به القعقاع بن عمرو وقتله خالد بن الوليد؛ لأنه كان قد غدر بالمسلمين وحاربهم في دومة الجندل بعد أن أعطى رسول الله -قبل وفاته- عهدًا ألا يقاتل المسلمين. أدرك خالد بن الوليد -أيضًا- تحركات الفرس إلى الولجة بعد موقعة المذار. فكل هذه الأمور توضح لنا أن الجيش الإسلامى أخذ بالأسباب بصورة عظيمة جدًّا في حروبه مع فارس، ولم يترك الأمر إلى الاعتماد على الله I فقط دون الأخذ بالأسباب، فكان معتمدًا على الله I، ولكنه بذل أيضًا من الأسباب الكثير، وتحقق له النصر حتى الآن في كل المعارك. كان الموقف بعد خروج خالد بن الوليد من العراق وتوجهه إلى الشام موقفًا صعبًا للغاية، وسوف نبدأ الآن في الحديث عن المرحلة التي أعقبت خروج خالد بن الوليد، وبقاء تسعة آلاف مقاتل من المسلمين بقيادة المثنى بن حارثة في أرض العراق في مواجهة الجيوش الفارسية العظيمة. المثنى مكان خالد.. ورسالة من الخنزير: بعد غياب خالد بن الوليد ومجموعة من قادة الجيش الكبار، وجد المثنى بن حارثة نفسه في مواجهة الجيوش الفارسية، فبدأ على الفور في تنظيم الجيوش الإسلامية، وكان خالد يتخذ الحيرة مقرًّا له، وكذا اتخذها المثنى مقرًّا له، ونحن نعلم أن المثنى بن حارثة كان قائدًا لمقدمة الجيش الإسلامي الموجودة بالقرب من المدائن، فوضع مكانه المُعَنَّى بن حارثة أخاه في أقرب نقطة للجيش الفارسي، وهذا أمر له معناه ومغزاه، فإن المُعَنَّى بن حارثة -أخا المُثَنَّى- يعلم عن أرض فارس ما لا يعلمه غيره من المسلمين، فهو أحق الناس بالوجود في هذا المكان القريب جدًّا من الفرس، وجعل مكان ضِرَار بن الأَزْوَر -وكان قد ذهب مع سيدنا خالد- عتيبةَ بن النهاس، ومكان ضرار بن الخطاب وضع مسعود بن حارثة الأخ الثاني للمثنى بن حارثة، وفي الجنوب وعلى الحامية الجنوبية التي تحمي حصن الأُبلّة والحصيد ظَلَّ سويد بن مقرن قائدًا لهذه الحامية، كما كان على عهد سيدنا خالد بن الوليد، وكان هذا في أواخر صفر سنة 13هـ، وبدأ المثنى بن حارثة ينتظر الأخبار والأحداث، خاصة بعد أن علم أهل فارس بغياب نصف الجيش الاسلامي، وبقاء نصف الجيش فقط بقيادة المثنى بن حارثة. في هذه الأثناء في المدائن -وكما نعرف- فقد قُتِل منذ فترة قصيرة شيرويه كسرى فارس، وظل أهل فارس من دون كسرى يحكمهم، وكانت فتنة عظيمة في البلاط الملكي الفارسي، فتولى الحكم كسرى آخر كان اسمه شهر براز. ومعنى شهر براز بالفارسية خنزير الدولة، وأول ما فعله هذا الخنزير بعد أن تولَّى الحكم أن جهَّز جيشًا لملاقاة القوة الموجودة للمسلمين في الحيرة، فجهَّز جيشًا من عشرة آلاف مقاتل، وجعل مع هذا الجيش فيلاً، وكان الفيل أداة من أدوات الحرب عند الفرس لا يعرفها العرب، ولم يمر على المسلمين موقعة استُخدِم فيها الفيل إلا موقعة ذات السلاسل وقد أُسِر فيها الفيل، وهذه هي الموقعة الثانية التي يرسل فيها الفرس فيلاً مع الجيش، وكان على رأس الجيش الفارسي قائد يُسمَّى هرمز جاذويه، وأرسل شهر براز رسالة إلى المثنى بن حارثة يريد أن يَفُتَّ في عَضُدِه، مستخدمًا سلاح الحرب النفسية الذي يستخدمه المسلمون معهم، ويقول له: إنما أرسل لك جيشًا من وخش أهل فارس (أي: من رعاعهم)، إنما هم رعاة الخنازير والدجاج. أي أنه غير مهتم بأمره. وعندما وصلت الرسالة إلى المثنى ردّ عليه برسالة فيها: "من المثنى بن حارثة إلى شهر براز كسرى فارس، الرأي عندي أنك إما باغٍ وأشد الناس عقابًا عند الله البغاة، وإما كاذب (في قوله أنه أرسل رعاة الدواجن والخنازير) وشر الناس كذبًا عند الله وعند الناس الملوك، والرأي عندي أنه إن كانت تلك الحقيقة فإنما اضْطُرِرْتم إليه (أي: من كثرة الهزائم اضطررتم إلى أن يكون جيشكم من هؤلاء)، فالحمد لله الذي ردَّ كيدكم إلى رعاة الخنازير والدجاج". فلما تلقى شهر براز الرسالة حدث عكس ما كان يريد، حيث انهزم الفرس نفسيًّا، وبدءوا يقولون لشهر براز: جرّأْت علينا عَدُوَّنا، إذا كتبت بعد ذلك فاسْتَشِرْ!! موقعة بابل ونتائجها: وبدأ الجيش الفارسي يتحرك من المدائن في اتجاه سيدنا المثنى بن حارثة، وقد استفاد المثنى بن حارثة من فترة وجود سيدنا خالد بن الوليد وتعلَّم منه كثيرًا، فلم ينتظر في الحيرة حتى يأتيه جيش (هرمز جاذويه)، ولكنه أسرع ليقابله في "بابل"، وهي منطقة قريبة جدًّا من المدائن، وكان تحرّك سيدنا المثنى إلى بابل له مغزى آخر، فقد كانت هذه المنطقة تُسمى بانِقيا وباروسما، وكانت قد صالحت المسلمين على دفع مليوني درهم في كل سنة، على أن يوفر المسلمون لهم الحماية ممن يعتدي عليهم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، فكان لا بُدَّ للمثنى بن حارثة أن يقاتل في هذا المكان حتى يحمي هذه المنطقة التي تدفع الجزية للمسلمين. وقد وصل المثنى بن حارثة بجيشه إلى هذه المنطقة قبل أن يصلها هرمز جاذويه، وانتظر الجيش الفارسي حتى جاء وفي مقدمته الفيل. ونستطيع أن نقول: إن الحرب في هذه المعركة كانت سجالاً، فقد كان الجيشان متقاربين في القوة؛ تسعة آلاف من المسلمين وعشرة آلاف من الفرس، ومع ذلك كان الجيش الفارسي -في البداية- له بعض الغلبة على الجيش المسلم بسبب وجود الفيل الذي كان يتقدم داخل صفوف المسلمين؛ فيحدث نوعًا من الارتباك، ولا أحد يستطيع أن يقف أمامه أو يتعامل معه، وعندما رأى المثنى بن حارثة ذلك انتدب من المسلمين فرقة للتطوع لقتل هذا الفيل، وخرجت معه فرقة من عظماء المسلمين وتقدّموا ناحية الفيل، ومن خلف ظهره قطعوا الأحزمة التي يجلس عليها من يقود الفيل، فوقع قائد الفيل وقُتِل، وكان المثنى قد سأل عن مقتل الفيل فقالوا: يُقْتَلُ من خرطومه. فقتلوه، وبعد مقتل الفيل بدأت الجيوش الفارسية تتقهقر وتُهزَم، وانتصر المسلمون في موقعة بابل التي كانت في ربيع الأول سنة 13هـ، وذلك بعد أقل من 25 يومًا من غياب خالد بن الوليد ، فكان ذلك اطمئنانًا لنفوس الجند أن النصر يأتي من عند الله ، وليس من عند أشخاص بعينهم، ومتى رضي الله تعالى عن فرقة، فسوف يتم لها النصر، حتى وإن غاب عنها خالد بن الوليد . وقد استفاد المثنى من خالد بن الوليد كثيرًا، فأرسل في إثر الجيش المنهزم -بعدما فرَّ منهم الكثير- بعض الفرق التي تطارد الفارِّين، ووصلت هذه الفرق حتى مشارف المدائن؛ وذلك يحول بين تجمع الجيش وهجومه مرة أخرى على المسلمين، فالمسافة بين بابل والمدائن تقرب من 72 كم، ومن المدائن إلى الحيرة حوالي 150 كم، فتكون بابل أقرب إلى المدائن من الحيرة. فوضى في فارس: حفل الوضع في فارس في هذه الفترة بالفتن العظيمة والقلاقل؛ فقد قُتِلَ (شهر براز) ولم يمكث على كرسي الحكم إلا أربعين يومًا فقط، حيث قتله الحرس الخاص به، وتحيَّر الفرس في اختيار كسرى جديد، فلا بُدَّ أن يكون الحاكم -الـ(كسرى)- من العائلة المالكة (آل ساسان)، حتى وإن كان صغيرًا، وإن لم يوجد فامرأة، وقد تولَّى الحكم بشكل مؤقت بعد شهر براز امرأة تُسمَّى (آذرمدخت)، وكانت ابنة لأحد الأكاسرة السابقين، وقد تولَّت الحكم لفترة قصيرة، ثم عثروا على رجل يُسمَّى (سابور)، وكان ابنًا لأحد الأكاسرة السابقين، ولكنه من جارية فتولَّى الحكم بعد هذه المرأة، وكانت الأمهات يخبئن أبناءهنَّ لكي لا يكونوا من الأكاسرة؛ وذلك لكثرة الفتن، فقد رأيْنَ قتل أكثر من ثلاثة من الأكاسرة في فترة قصيرة، وعندما عثروا على هذا الشاب تم تعيينه على رأس البلاط الفارسي فصار كسرى، ولكن لصغر سنه تم تعيين أحد الولاة عليه حتى يستوعب أمور الحكم جيدًا، وطلب سابور من وليه أن يزوجه من آذرمدخت، ولكنها قالت: كيف أتزوج من ابن جارية، حتى وإن كان كسرى فارس؟! ولما أصر الولي وسابور على رأيهما دبَّرت لهما مكيدة وقتلتهما وتولَّت هي الحكم. وكان الولي الذي قُتِل يُسمَّى (فخَّاذ)؛ فلما علم ابنه بالأمر وكان اسمه (رستم)، وقد كان في خراسان وهي منطقة بعيدة عن المدائن، انطلق بجيشه نحو المدائن وأحدث انقلابًا عظيمًا؛ حيث قتل آذرمدخت وحرسها وكل جيشها، ولما لم يكن من حقِّه أن يتولَّى الحكم؛ لأنه ليس من العائلة المالكة فقد ساعد على تولِّي بوران بنت كسرى الحكم، وكانت امرأةً ذات حكمة، ويرجعون إليها في الأمور الصعبة، فتولَّت الحكم وقالت لرستم: أنت على رأس الجيش من الآن. وكانت المخابرات الإسلامية تنقل هذه الأخبار بدقة إلى المثنى بن حارثة، فقد علم بمقتل الأكاسرة واحدًا بعد الآخر، وعلم أيضًا بتولّي بوران بنت كسرى الحكم، وأنها ولَّت رستم -القائد الفارسي المعروف جيدًا- قيادة الجيش الفارسي، وقد علم المثنى أن قوة المسلمين الموجودة معه لن تستطيع أن تقف أمام قوة الفرس، وجيوشهم الجرارة بعد أن تولَّى رستم قيادة الجيش. كانت حدود الفرس في تلك الآونة تمتد حتى الصين، وكانت المدائن العاصمة، وكانت الصين تدفع الجزية للفرس اتقاءً لشرهم. المثنَى يطلب المدد من الصديق قبل وفاته: وقرر المثنى بن حارثة أن يترك العراق ويذهب هو بنفسه إلى أبي بكر الصديق ليُطلِعه على الموقف؛ حتى يمدَّه ببعض المدد، ويعرض عليه أيضًا أن يستعين بمن قد ارتدوا ورجعوا إلى الإسلام، وكانوا -إلى هذا الوقت- لم يشاركوا مع الجيوش الإسلامية بأمر أبي بكر . وبالفعل ترك المثنى جيشه بعد أن عيَّن عليه بشير بن الخصاصية، وكان أحد صحابة النبي ، وكان خالد بن الوليد يريد أن يأخذه معه إلى الشام، ولكنَّ المثنَّى أَصَرَّ على أن يُبْقِيَ له خالد بعض أصحاب النبي ، وكان هذا الرجل ممن بقوا معه. واتجه المثنى بن حارثة إلى المدينة لمقابلة أبي بكر الصديق ، وعندما وصل المثنى إلى المدينة وجد أبا بكر في مرض موته، وكان في غيبوبة تامة، ومكث المثنى فترة حتى صحا أبو بكر صحوة قابله فيها، وعرض عليه موقف جيشه وما يريده، فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وقال: عَلَيَّ بعمر. ثم قال له: اسمع يا عمر ما أقول لك ثم اعمل به، إني لأرجو أن أموت من يومي هذا (أي: إني أتوقع الموت في هذا اليوم، وكان يوم 21 من جمادى الآخرة سنة 13هـ في صباح هذا اليوم)، فإن أنا مِتُّ فلا تُمسِينَّ حتى تندب الناس مع المثنى، وإن تأخرت إلى الليل فلا تُصبِحَنَّ حتى تندب الناس مع المثنى، ولا تَشغلنَّكم مصيبة -وإن عَظُمَتْ- عن أمر دينكم ووصية ربكم، وقد رأيتَني مُتَوفَّى رسول الله وما صنعتُ ولم يُصَبِ الخلق بمثله، وبالله لو أنِّي أَنِي (أي أتباطأ) عن أمر الله وأمر رسوله، لخذلنا ولعاقبنا فاضطرمت المدينة نارًا، وإن فتح الله على أمراء الشام فاردد أصحاب خالد إلى العراق، فهم أهله وولاة أمره وحدّه، وأهل الضراوة بهم والجرأة عليهم. فكانت هذه هي وصية أبي بكر في اللحظات الأخيرة قبل موته، ونلاحظ فيها حرصه الشديد على استمرارية الجهاد في سبيل الله، مهما عظمت المصائب وكثرت الخطوب. وكلنا يذكر موقف أبي بكر الصديق عندما توفي النبي وخرج للمسلمين وقال: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وتلا قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. ونلحظ أيضًا في الوصية الأخيرة شيئًا مهمًّا في قول الصديق : "وإن فتح الله على أمراء الشام، فاردد أصحاب خالد إلى العراق". لم يقل: فاردد خالدًا إلى العراق؛ لأنه يعلم أن الأمور السياسية تحتاج إلى توافق بين القائد العام والجند الذين تحت إمرته، وكان أبو بكر يعلم عدم وجود هذا التوافق بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما. وتُوُفِّيَ أبو بكر الصديق في هذه الليلة، وكان في فترة خلافته القصيرة قد قام بحروب الردة، وأَنفذَ بعث أسامة بن زيد إلى الروم، وقام بالفتوحات الإسلامية في فارس والروم، وجمع القرآن الكريم، وثبَّت دعائم الأمة الإسلامية في ذلك الوقت، فرضي الله عنه وأرضاه. بعد أن تولَّى عمر بن الخطاب إمارة المسلمين بعد موت أبي بكر -وقد مات بين المغرب والعشاء- ذهب فدفنه بعد العشاء بجوار رسول الله ، ثم نادى في منتصف الليل: "الصلاةُ جامعة". فَجَمَعَ أهلَ المدينة وندب الناس للخروج مع "المثنى"، ومن العجيب أن أحدًا لم يستجب لنداء عمر بن الخطاب ، وكان هذا شيئًا عجيبًا وغريبًا على أهل المدينة ألا يستجيبوا لنداء الجهاد في سبيل الله، ولم يكن عمر بن الخطاب متوقعًا لهذا الأمر على الإطلاق، فانتظر حتى صلاة الفجر وأَمَّ الناس في صلاة الفجر، وبايعه الناس على الإمارة، وأصبح هو أمير المؤمنين بعد هذه المبايعة من الناس، فندب الناس للقيام بفتح فارس، ولم يستجب أحدٌ أيضًا، وظل يدعو الناس بعد كل صلاة مدة ثلاثة أيَّام، ولم يستجب لندائه أحد!! وكان هذا شيئًا غريبًا وعجيبًا، ولكن ما نستطيع أن نفسِّر به هذا الموقف من المسلمين عدة أمور: أولاً: لم يكن موجودٌ بالمدينة خمسين ألفًا من خيرة أهلها، فقد خرج ثلاثون ألفًا لحرب الروم، وعشرون ألفًا لحرب العراق، ومن كان موجودًا -بلا شك- أقل درجة ممن ذهب للجهاد، خاصة أن من خرج إنما خرج تطوعًا ولم يخرج مجبرًا، ونذكر أن أبا بكر عندما أرسل خالد بن الوليد قال له: "ولا تكره أحدًا على القتال معك"؛ ولأجل هذا فقد تركه بعض الناس قبل أن يصل إلى العراق. إذن فهؤلاء جميعًا إنما خرجوا متطوعين، مما يدل على أفضليتهم وخيريتهم. ثانيًا: ربما لم يستجب الناس حزنًا لوفاة الصدّيق ، فقد كانت المصيبة عظيمة، ولا شك أن مصيبة وفاة النبي كانت أعظم على المسلمين، ورأينا أثرها على عمر بن الخطاب ساعتها؛ فقد رفع سيفه وقال: من قال: إن محمدًا قد مات قطعت عنقه. وهذه المصيبة أيضًا كانت عظيمة على المسلمين؛ لأنهم توطدت أقدامهم في عهد أبي بكر ، والآن توفي أبو بكر ولم تطل مدة خلافته، وكان عمر يبكي عليه ويقول: يا خليفة رسول الله، لقد أتعبت من خلفك، والله لا يشق أحد غبارك. ويبكي علي بن أبي طالب أيضًا كثيرًا على وفاة أبي بكر، وتنوح النساء بصوت مرتفع في المدينة، وقد أمرهن عمر بألا ينحن فلم ينتهين، حتى قال لهم: إن الميت يُعَذَّبُ ببكاء أهله عليه. فعندها كَفَّ النساء عن النواح. ثالثًا: كان تولِّي عمر بن الخطاب -مع شدته- قد أدخل المسلمين في حالة ترقب وخوف، ولم يعرف المسلمون ما سيفعل، حتى إن طلحة بن عبيد الله دخل على أبي بكر الصديق وقال له: يا خليفة رسول الله، استخلفت عمر على المؤمنين وأنت ملاقٍ ربك، وأنت تعلم ما به من الشدة وأنت معه، فكيف إذا خلَّيْتَ بينه وبينهم؟! وكان أبو بكر مضطجعًا، فقال: أجلسوني. فأجلسوه، فيمسك بطلحة ويقول له: أباللهِ تخوفني! واللهِ إن سألني ربي عن عمر لقلت له: استخلفتُ خير أهلك على أهلك. فهذه الأمور جعلت الناس تتردد في أمر الخروج مع المثنى بن حارثة . وكما نرى فالموقف من الصعوبة بمكان، وكلما ندب عمر بن الخطاب الناس لم يقمْ أحد؛ فقام المثنى بن حارثة في اليوم الرابع وخطب خطبة عظيمة في أهل المدينة وما حولها حيث جاء الناس لمبايعة عمر بن الخطاب على الإمرة، فخطب المثنى وقال لهم: يا أهل الاسلام مما تخافون! لقد ملَّكنا الله I رقاب أهل فارس، والله لقد تبحبحنا في ريفهم، وجرَّأنا الله عليهم، وكانت لنا الغلبة عليهم. ومع هذا لم يقم أحد؛ فقام عمر بن الخطاب وقال: أين المهاجرون لموعود الله؟ لقد وعدكم الله أن يورثكم الأرض، فأين المهاجرون إلى ميراث الأرض؟! أين عباد الله الصالحون؟! وبكى عمر ، فصاح رجل من المسلمين: أنا لها. رجلٌ واحد بعد كل هذه الصيحات المؤمنة من عمر ! كان هذا الرجل هو أبو عبيد بن مسعود الثقفي، من قبيلة ثقيف. وقبيلة ثقيف كانت تسكن في الطائف، ونحن نعلم أن الطائف إحدى ثلاث مدن فقط ثبتت بعد وفاة الرسول ولم ترتد، وعلى قدر ما كانت تصيب الرسول في حياته على قدر ما كانت الطائف خيرًا للمسلمين؛ فكان لها خير الثبات بعد وفاة الرسول ، وكان لها خير الثبات بعد وفاة أبي بكر الصديق بخروج أبي عبيد بن مسعود الثقفي منها، وقال: أنا لها. وبعد أن قام هذا الرجل قام رجل آخر يُسمَّى سعد بن عبيد، وقال: أنا لها يا عمر. وكان من الأنصار ومن صحابة رسول الله ، ثم قام رجل ثالث وهو سليط بن قيس وهو من الصحابة القدامى من صحابة رسول الله وشهد كل المشاهد مع رسول الله . وانتظر المسلمون مدة دون أن يقوم أحد غير هؤلاء الثلاثة، ثم تحركت النفوس وأوقع الله الإيمان في القلوب؛ فقام من المسلمين الكثير حتى وصل تعدادهم إلى الألف، منهم ثلاثمائة من قبيلة ثقيف، والباقي من أهل المدينة ممن شهدوا بدرًا، وشهدوا المشاهد مع رسول الله . أبو عبيد الثقفي أميرا على الجيش: فنداءُ عمر وندْبُه الناس كان يسمعه أهل بدر، ومع هذا لم يخرجوا، وخرج أولاً أبو عبيد بن مسعود الثقفي قبل سائر المسلمين من الصحابة الذين شهدوا بدرًا والمشاهد مع رسول الله ، وهذا أمر غريب! ونسأل الله أن يثبتنا على الإيمان، فلا أحد يدري أي شيء سوف يختار عندما يُعْرَض عليه أمرُ الجهاد، فهو أمر شاقٌّ وصعب على النفوس؛ ولذا كان أجره الجنة، ورَفْعُ الحساب عن الشهيد. بعدما قام هؤلاء الألف كانت هناك مشكلة جديدة أمام عمر بن الخطاب ، وهي اختيار القائد لهؤلاء الألف من الجنود، ويشير عليه الصحابة بأن يختار رجلاً ممن له صحبة من السابقين، فقال: لا والله، أندبهم للقاء فلا يخرجون، وعندما تأتي الإمرة أضعهم. ووضع أبا عبيد بن مسعود على رأس الجيش. وفي الحقيقة كان هذا الاختيار من سيدنا عمر بن الخطاب -وكما أثبت التاريخ بعد ذلك- هفوة لعظيم، وكان خطأً، وليس لنا أن نحكم بالخطأ على سيدنا عمر بن الخطاب، ولكن التاريخ هو الذي حكم بعد ذلك؛ ولأن الاختيار الأَمثل لسيدنا عمر بن الخطاب أن يختار مثلاً المثنى بن حارثة لقيادة الجيوش؛ فقد استخلفه خالد بن الوليد على إمرة الجيوش، وكان أول من بدأ الحروب بفارس بأمر أبي بكر الصديق ، ثم كانت له الجرأة على أهل فارس وله علم كبير بهم، كما أن له من الحنكة الحربية والشجاعة والإيمان الكثير، وإن كان يريد صحابيًّا فالصحابة كثير، منهم سليط بن قيس، ولكن كان الموقف شديدًا على عمر إذ كيف ينادي الناسَ ثلاثة أيام دون أن يخرج أحد، فكان متأثرًا بهذا الأمر؛ فاختار أبا عبيد بن مسعود الثقفي وهو لا تنقصه أبدًا الشجاعة ولا الإيمان، ولكن الحروب ليست شجاعة وإيمانًا فقط، ولكنها تحتاج إلى الحكمة والحنكة والقدرة على التصرف في الأمور في هذه الحروب. ونادى عمر على سعد بن عبيد وعلى سليط بن قيس، ويقول لهما: واللهِ لو أنكما سبقتماه لجعلتُكما أمراء؛ فكونا له عون الرأي. وأرسل إلى أبي عبيد بن مسعود الثقفي ويقول له: والله إني وضعتك في هذا المكان لسبقِكَ، ولو سبقك سليط بن قيس أو سعد بن عبيد لجعلتهما الأمراء؛ فاستمع لرأيهما، ولا تتصرف في أي أمر من الأمور إلا بعد أن تستشير أصحاب رسول الله . فكانت هذه هي وصية عمر بن الخطاب لأبي عبيد بن مسعود الثقفي. ثم يقول له: ولا تُفشِينَّ سرًّا، فإنك مالكٌ أمرك ما دام سرُّك في داخلك. وجعل المثنى بن حارثة تابعًا لأبي عبيد بن مسعود الثقفي، وهذا الأمر لم يؤثر مطلقًا في تحركات المثنى للإسلام وفي سبيل الله، فقد كان رجلاً مؤمنًا حقًّا، واستجاب لرأي عمر ، وذهب إليه عمر وقال له: اذهب إلى أهلك وانتظر النجدة. وانطلق المثنى سريعًا نحو الجيش الإسلامي في فارس، انتظارًا للجيش الذي سيأتي بقيادة أبي عبيد بن مسعود الثقفي من المدينة، ووصل المثنى مبكرًا للجيش، وعندما وصل علم أن بوران بنت كسرى تجهِّز الجيوش لحرب المسلمين، وقد تولَّى رستم إمارة جميع الجيوش الفارسية، وبدأ المثنى يرتِّب القوات استعدادًا لقدوم أبي عبيد بن مسعود ومن معه مددًا له، وفي هذه الأثناء يعلم المثنى -بفضل المخابرات الإسلامية الموجودة في المنطقة- أن رستم قد أرسل مجموعة كبيرة من الأمراء إلى أماكن مختلفة على حدود الجيش الإسلامي الموجود في فارس. وكانت هذه المنطقة على صلح مع المسلمين على أن يدفعوا الجزية، وقال لهم رستم: إن على كل أمير أن يثور في المنطقة التي هو فيها، وأول مَن يقوم بالثورة سيكون هو الأمير على جميع الأمراء؛ وذلك تشجيعًا لهم على الثورة. وكان ممن جهَّزهم لذلك جابان قائد الفرس في موقعة "أُلَّيْس" التي انهزم فيها الفرس، وفرَّ هو من المسلمين، فقام المثنى -وبحكمة شديدة- بالانسحاب بجيشه من هذه المنطقة كلها إلى ما بعد الحيرة منتظرًا جيش أبي عبيد بن مسعود الثقفي، ولو ظل في مكانه الأول لحاصرته الجيوش، وربما تكون الهلكة لجيش المسلمين الصغير الموجود معه. انتصار المسلمين في موقعة النمارق: يصل جيش عبيد بن مسعود الثقفي إلى منطقة تُسمى خِفَّان في 3 من شعبان سنة 13هـ، ونلاحظ أن أبا بكر تُوفِّي في جمادى الآخرة، ثم مرَّ شهر رجب ووصل الجيش في 3 من شعبان وهي فترة طويلة، فلم تكن جيوش خالد بن الوليد تقطع هذه المسافات في هذا الوقت الطويل، ووضع المثنى نفسه تحت إمرة أبي عبيد بن مسعود الثقفي، وبدأ أبو عبيد بن مسعود ينظم الجيوش لحرب الفرس، فكانت موقعة النمارق وأتت الجيوش الفارسية بقيادة جابان وهو أول من ثار في المنطقة وتوجه بجيشه مرة أخرى لمقابلة المسلمين بعد أن هُزم في موقعة أُلَّيْس، واتجه إليه أبو عبيد بن مسعود، والتقى الجيشان في موقعة شديدة وهي أول موقعة لأبي عبيد بن مسعود في منطقة العراق، وكانت في 7 من شعبان سنة 13هـ، وأبلى الجيش الإسلامي وقائدُه أبو عبيد بلاءً حسنًا في هذه الموقعة، وتم النصر للمسلمين، وأُسِرَ جابان، ولكنه مكر بأحد المسلمين وخدعه بأنه سيعطيه كذا وكذا إذا أطلقه، ولم يكن يعرف هذا الرجل أن هذا هو (جابان) أمير فارس في الجيش فأمَّنه، وعندما علم أبو عبيد أن هذا الرجل هو جابان قال: لا نخون عهدًا أعطاه أحدُ المسلمين. فأطلق سراحه وكان في يده أن يقتله. ohg] fk hg,gd] dak plghj ugn hguvhr | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018