الحمد لله أحق الحق، وأبطل الباطل، وجعل للحق نورًا وضياءً، وحجة وبرهانًا، فدكدك به الباطل وأهله، وأزهق الزبد وحزبه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى من بين أنبيائه وإخوانه. أمَّا بعد،
فإن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن تقوم الساعة، فما دام للباطل صولة فإن للحق معه جولة، حتى يعلوه بنوره، ويَدْحَرُهُ بسلطانه، فيُرْسِلُ الحقُ قذيفته على الباطل فيدمغه، {
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء:18].
إن للحق أنصارًا، وللباطل أعوانًا، فأهل الحق غايتهم رضا ربهم، ونصرة دينه، وأما أهل الزيغ والفساد فهمهم إرضاء
الشيطان، وإشباع الشهوات، وإضلال عباد الله، وسلُوكُ كلِّ طريق توصل إلى ذلك، وشتان بين من غايته إرضاء الرحمن، وبين من سعيه إرضاء
النفس والشيطان؟!
إننا في زمن نُكست فِطَرُه، وبُدلت حقائقه، وضُيعت أمانته، فأصبح أهل الحق يُوْصَمُونَ بأوصاف الرجعية والتنطع، وأهلُ الأمانة يُوْصَفُون بأَنَّهم أَصْحَاب مآرب ومقاصد، وأهلُ الطهر يُلقى عليهم رداء الريبة والتخلف، فأصبح معروف هذا الزمن منكرًا، ومُنْكَرُه معروفًا، فَطُمِست عند كثير من الناس البصيرة، وبُدِّلَت الفطرة، فأضاعوا الدين، وفَرَّطوا في العرض، فلا دين حفظوا، ولا عرض صانوا؛ لقد أصبح العبثُ والتهاونُ بالأعراض في هذا الزمن ظاهر، فذهبت في كثير من الناس الغَيْرَة، بل أصبحت غَيْرَةُ بعض الحيوانات أعظم منها عند بعض الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن لذهاب الغَيْرَة مظاهر منها:
- أن تخرج
المرأة مع وليها كاشفة لوجهها، أو حاسرة عن شعرها، أو مبدية لزينتها، أو متجملة في نقابها، أو مخرجة لعينيها وبعض وجهها، أو كاشفة عن يديها وقدميها، في لباس مُخِلٍّ بالشرف، وهيئة داعية للفتنة، وجالبة للعار، ومع هذه المناظر المخزية، والركام المُخِل لا يتحرك في الولي أدنى إحساس أو غَيْرَة.
والأدهى من ذلك والأَمَر أن تكون في خلوة مع أجنبي من سائق أو غيره وهي سافرةٌ متبرجة، أو متعطرةٌ متجملة، في واقع مؤسف، ومنظر مخجل يستحي منه الشرفاء، وتتقرح منه أكباد أهل الطهر والنقاء.
- ومن مظاهر ذهاب الْغَيْرَة وبرودة الحس عند بعض أشباه الرجال ما يفعله بعضهم من ترك مَوْلِيْتِه في السوق لوحدها، أو مع الأجانب بمفردها إما في مَشْفَى، أو في محل بيع أو غيره، أو يُسابق في توظيفها في أماكن
الاختلاط لتكون بين الرجال لتنال منها العيون والأيدي كل يوم، فَيُلقي بِعِرْضِهِ بين الباعة والمارة، وبين أهل الشهوات والنزوات، وبين الذئاب البشرية، والشياطين الإنسانية، وكل ذلك منه في برودٍ تام، وثقةٍ زائدة في غير محلها.
والأدهى والأمر، والأشنع والأقبح أن يَتْرُكَهَا تُسَافِرُ لوحدها، وتتنقل بمفردها زاعمًا تمام ثقته بها، وكأنها مَلَاكٌ معصوم لا شهوة له؛ وأسوأ ما وصل له بعض أشباه الرجال من قلة الدين، وبلادة الإحساس أن يبعثها للدراسة خارج البلاد في مشروع ظاهره التعليم، وباطنه التغريب والإفساد.
إن السكوت عن مثل هذه المنكرات لهو سبب لعموم البلاء، وانتقام الله ممن رضي بالمنكر، وسكت عنه؛ لم يصبح خافيًا ما تعيشه المرأة في بلادنا من جراءة غريبة، وتبرج سافر، ومسارعة للاختلاط بالرجال في منظر نُزعت منه الحشمة، وذهبت منه العفة، وخلت منه المروءة، فاغتيلت في نفوس كثير من الناس الْغَيْرَة، ويعود سبب ذلك لأسباب من أهمها:
1- اتباع كثير من الناس لما زينه لهم الشيطان، فاتبعوا خُطُوَاته وساروا على طريقته، والله قد نهان عن تصديقه، واتباعه، فقال: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [النور:21].
2- ومن أسباب اغتيال الغيرة في نفوس الكثير اتباعوهم لليهود والنصارى، والاقتناعُ بما يُمْلُونه، فيتابعونهم في قراراتهم، ومشاريعهم، ومعاهداتهم في منظماتهم كمنظمة سيداو التي تقضي بموساواة المرأة بالرجل في جميع أشكال المساواة، مما يجعل المرأة كالرجل في كل شيء، وهذا وربي هو الضياع، وذهاب الغَيْرَة وموتها.
3- ومن أسباب اغتيال الغيرة في النفوس، تسلط بعض أصحاب القرار على استصدار قرارات تُخالف
الشريعة ونظام البلد، في جراءة غريبة، وتسفيه للعلماء، وأهل
الصدق والْغَيْرَة، ومناهضة لرغبات العفيفات من
النساء، وذلك في سعي حثيث لتغريب البلاد، وجعلها كبلاد الكفر التي اكتوت بنيران ذهاب الأعراض، وتَسَلُط السُّفهاء عليها.
4- ومنها، جراءة بعض السفهاء وأهل
النفاق على غشيان أماكن النساء الخاصة بهن، كالمدارس ومواطن تجمعاتهن بدعوى متابعة العمل –زعموا-، أو الإشراف على مسيرة التعليم، في خرق واضح للنظام، ومعارضةٍ ظاهرةٍ لتعاليم الإسلام، فمن المسؤول يا تُرى عن هذه التجاوزات الخطيرة، والتصرفات الخالية من الطهر والعفاف؟!!
5- ومنها، طلب
الدنيا، وتقديم المال على الدين والعرض، فلا يبالي الرجال والنساء بالدين والعرض، المهم عندهم هو: كسب المالِ وجَمْعِهِ، ولو كان في ذلك ضرر ظاهر على الدين والعرض، وتأملوا فيمن يُلقون ببناتهم في المستشفيات بين الرجال، أو في المصارف التي لها تعامل مع الرجال، أو يجعلها في الأسواق العامة تبيع بجوار الرجال لساعات من اليوم طوال، وحدث عن مثل تلك المظاهر التي أصبحت في مجتمعنا ظاهرة للعيان، كل ذلك طلبًا للدنيا، فلا بارك الله في دنيا تُذهب الدين والعرض.
أَصُوْنُ عِرْضِي بِمَالِ لا أُدَنِسُهُ *** لا بارك الله بعد الْعِرْضِ فِيْ الْمَالِ
6- ومن أسباب ذهاب الغيرة رغبة بعض المفتونات، وقليلات الدين في الانفلات عن أحكام الشريعة، ورغبة في مشابهة أهل الكفر والجاهلية في
التبرج والسفور، ضاربة بتعاليم الشرع خلف ظهرها، متهاونة بأعراف بلدها والله المستعان.
أخي الكريم، إن عليك مسؤولية عظيمة في الحفاظ على عرضك، والاهتمام بحشمة بناتك، فالمؤامرة عليهم عظيمة، والمكر بهم في هذه الأيام ظاهر، فمن طلب لقيادة المرأة للسيارة، إلى إجبارهن على استخراج بطاقة شخصية، إلى إقرارٍ لرياضة البنات في المدارس، إلى قرارات للزج بهن في الأسواق والمطاعم، والشاليهات والفنادق، إلى أن تكون خادمة تنظيف عند أرجل الرجال الأجانب، إلى تسهيل الابتعاث لهن، وهذا كله بدعوى الحقوق المزعومة، وكأنه لم يبقى من حقهن إلا الزج بهن بين الرجال لِيَكُنَّ سافرات، أو خادمات، أو متعة رخيصة في أشكال ظاهرها الخدمة لهن، وباطنها
الفتنة وحب إشاعة المنكر.
اللهم فاحفظ أعراضنا، وأعراض المسلمين، وأصلح أبناءنا وبناتنا يا أرحم الراحمين. اللهم يا من هو القاهر فوق عباده، العادلُ في حكمه، الحكيم في أمره عليك بكل مفسد معاند، وبكل محب للفاحشة مجاهر، اللهم عليك بهم واكفنا شرهم بقوتك يا قوي يا متين. اللهم عليك بالذين يحبون أن تشيع الفاحشة في بلادنا، اللهم من كاد لنسائنا فكد له، وأمكر به يا قوي يا عليم. اللهم صلِ وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.