الإهداءات | |
الملتقى العام المواضيع العامة التي لا يريد كاتبها أن يدرجها تحت تصنيف معين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 1 | المشاهدات | 750 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
12 / 03 / 2013, 14 : 06 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى العام الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد بن عبد الله نبيه ورسوله وصفيه وخليله، أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، مبشراً بالجنة لمن اتقى الله- جل وعلا- وأطاع الرسول، ومنذراً ومخوفاً من عذاب الله، والنار لمن خالف أمر الله-جل وعلا - وعصى الرسول - عليه الصلاة والسلام- ، وبعد: فإن موضوع الفتن موضوع مهم، قد حظي بمكانة واسعة في القرآن الكريم، والسنة النبوية مما يدل على أن المسلم يجب ألا يُغفل هذا الميدان، فالمرء مفتون بالخير والشر، والسراء والضراء، والغنى والفقر. ولا ريب أن الأمة تعيش أحوالاً عصيبة، قد تكون أحرج أيام مرت بها عبر التاريخ؛ فالمصائب متنوعة، والجراحات عميقة، والمؤامرات تحاك تلو المؤامرات، يضاف إلى ذلك ما تعانيه الأمة من الضعف، والهوان، والفُرقة، وتسلط الأعداء. وما هذا الذي يجري في كثير من بلاد المسلمين إلا سلسلة من المكر الكبَّار، والكيد العظيم، والقتال الذي لا يزال مستمراً. وقد يخالط بعضَ النفوس من جراء ذلك شيءٌّ من اليأس، والإحباط، وقد يعتريها الشك في إصلاح الأحوال، ورجوع الأمة إلى عزها وسالف مجدها. ومهما يك من شيء فإن هذه الأمة أمة مباركة موعودة بالنصر والتمكين متى توكلت على الله، وأخذت بالأسباب، وهذا الدين أنزله الله عز وجل، وبعث به الرسول- صلى الله عليه وسلم - ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. أما أصول وقواعد في الدعوة إلى الله في وقت الفتن، والتعامل مع هذه النوازل والمصائب فهي مبينة في كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم. ومما تجدر الإشارة إليه، ويحسن الطَّرْق عليه في هذا الصدد مما هو معين- بإذن الله- على حسن التعامل مع الفتن، والمصائب، والخروج منها بأمان أمور كثيرة، وفيما يلي ذكر لشيء منها، مع ملاحظة أن بعضها داخل في بعض؛ فإلى تلك الأمور، والله المستعان وعليه التكلان. ولأهمية هذا الأمر؛ فقد رأيتُ أن أوضحه ـ ما أمكن ـ في هذا البحث المسماه: أصول وقواعد في الدعوة إلى الله وقت الفتن ، وجاء في أحد عشر مبحثاً بعد مقدمة، وتمهيد، والمباحث كالتالي: المبحث الأول: الإقبال على الله- عز وجل المبحث الثاني: الاعتصام بالكتاب والسنة المبحث الثالث: التسلح بالعلم الشرعي المبحث الرابع: الالتفاف حــول العلـماء المُجَربين والدعاة الصادقين المبحث الخامس: لزوم الاعتدال في جميع الأحوال المبحث السادس: لزوم الرفق، ومجانبة الغلظة والعنف المبحث السابع: التثبت مما يقال المبحث الثامن: الصبر على الفتن المبحث التاسع: قيام روح الشورى المبحث العاشر: لزوم جماعة المسلمين وخليفتهم المبحث الحادي عشر: الثقة بالله، واليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين . والله أسأل أن يجعل الجميع ممن من الله عليهم بالبصر النافذ عند حلول الشبهات، وبالعلم النافع، الذي هو للقلوب حياة ومدد . التمهيد فيه مطلبان: المطلب الأول: بيان حقيقة الفتنة أولاً: التعريف اللغوي للفتنة: الفتنة: مأخوذة من فعل" فتن"، الفِتْنَةُ بمعنى: الاختبار والامتحان، تقول: فَتَنَ الذهب يفْتِنه بالكسر فِتْنَةً و مَفْتُوناً، أيضا إذا أدخله النار؛ لينظر ما جودته، ودينار مَفْتُونٌ أي: مُمتحن وقال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ "( ) أي حرَّقوهم . جاء في مقاييس اللغة:" الفاء والتاء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على ابتلاء واختبار. من ذلك الفِتْنة. يقال: فتَنْتُ أفتِنُ فَتْناً. وفَتَنْتُ الذّهبَ بالنّار، إذا امتحنتَه. وهو مفتونٌ وفَتِين"( ) . وتطلق على معان كثيرة، منها:الاختبار، والمحنة، والمال، والأولاد، والكفر، واختلاف الناس بالآراء، والإحراق بالنار، والخبرة( ) . ثانياً: التعريف الاصطلاحي للفتنة: عرف الزمخشري الفتنة:" بأنها الامتحان بشدائد التكليف: من مفارقة الأوطان، ومجاهدة الأعداء، وسائر الطاعات الشاقة، وهجر الشهوات والملاذ، وبالفقر؛ والقحط، وأنواع المصائب في الأنفس والأموال، وبمصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم وضرارهم"( ) . وقال الحافظ ابن حجر:" ومعنى القتنة في الأصل: الاختبار، والامتحان، ثم استعملت في كل أمر يكشفه الامتحان عن سوء"( ) . المطلب الثاني في التحذير من الفتن قد حذرنا الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- من المفتونين وفتونهم ، قال الله تعالى:"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"( ) . وأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستعاذة بالله من الفتن ، وشرها ، وسوئها ، ومضلاتها . وكان من دعاء بعض السلف:" اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو أن نُفْتَن"( ) . وبيّن النبي- صلى الله عليه وسلم- أن بين يدي الساعة أياماً ينزل فيها الجهل ، ويرفع العلم . والحديث العظيم حديث حذيفة - رضي الله عنه - في التحذير من الفتن، معلوم مشهور. وقد بيَّن الله - سبحانه - في كتابه أن الفتنة تحول دون أن يكون الدين كله لله- سبحانه - ولهذا قال - عز شأنه:" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ"( ). فالفتنة تناقض الدين ، وهي فتنة الشبهات ، وأسوأُها فتنة الشرك بالله وفتنة العدول عن محكم الآيات وصريح السنة وصحيحها . المبحث الأول الإقبال على الله- عز وجل من المعلوم ما للإقبال على الله تعالى من أهمية بالغة، ومكانة سامية، ورفعة عالية في حياة المسلم، وخاصة في زمن الفتن فهو أحوج ما يكون إليه، فبه نجاته من كل فتنة، وعصمته من أي محنة، وحقيق لكل مسلم الاعتناء به حق العناية، وليس الإقبال على الله مقصوراً على عبادة دون أخرى، بل يكون في سائر أنواع العبادات- كالتوبة، والاستغفار، والدعاء( ). فعن معقل بن يسار- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال:" العبادة في الهرج كهجرة إلي"( ) والهرج: الفتن والقتل. قال النووي- رحمه الله-:" المراد بالهرج هنا: الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل كثرة العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا الأفراد"( ) . فحري بنا نحن المسلمين في مثل هذه الأيام أن نزداد إقبالاً على الله ذكراً، وإنابةً، وصلاةً، ونفقةً، وبراً بالوالدين، وصلة للأرحام، وإحساناً إلى الجيران، وحرصاً على تربية الأولاد، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة. وجدير بنا أن نكثر من الاستغفار؛ فهو من أعظم أسباب دفع العذاب، قال الله تعالى: " وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"( ) . وأن نُقْبِل على أعمال القلوب من خوف، ورجاء، ومحبة، وغيرها. و حقيق علينا أن نُقْبِل- كذلك- على النفع المتعدي من أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ودعوة إلى الله، وإصلاح بين الناس، وإحسان إليهم، وما جرى مجرى ذلك، وفيما يلي مزيد الحديث عن التوبة والدعاء؛ نظراً لأهميتهما في زمن الفتنة . أولاً: التوبة النصوح فهي واجبة في كل وقت، وهي أوقات الفتن أوجب "فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا "( ). ولنا في قصة قوم يونس- عليه الصلاة والسلام- عبرة وموعظة؛ فهم لما رأوا نُذُر العذاب قد بدأت تلوح لجئوا إلى الله، وتضرعوا إليه، فرفع الله عنهم العذاب ومتعهم بالحياة إلى حين مماتهم، وانقضاء آجالهم. فعلى الأمة أن تتوب، وأن تدرك أن ما أصابها إنما هو جارٍ على مقتضى سنن الله التي لا تحابي أحداً كائناً من كان؛ فتتوب من المنكرات التي أشاعتها من شرك، وحكم بغير ما أنزل الله، وتقصير في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتتوب من المظالم، والربا، والفسق، والمجون، والإسراف، والترف وما إلى ذلك مما هو مؤذن باللعنة، وحلول العقوبة. وعلى كل فرد منا أن ينظر في حاله مع ربه، وفي جميع شؤونه؛ لأن "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ"( ). ثانياً: الدعاء: فالدعاء من أعظم أسباب النصر والسلامة من الفتن، كيف وقد أمر ربنا - عز وجل-به، وتكفل بالإجابة، وهو سبحانه لا يخالف الميعاد، قال تعالى : " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ "( ) . فثمرة الدعاء مضمونة_بإذن الله_ إذا أتى الداعي بشرائط الإجابة؛ فحري بنا أن نكثر الدعاء لأنفسنا بالثبات، وأن ندعو لإخواننا بالنصر، وأن ندعو على أعدائنا بالخيبة والهزيمة. وإذا اشتبه على الإنسان شيء مما اختلف فيه الناس فليدع بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة _رضي الله عنها_ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كان يقول إذا قام يصلي من الليل: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهتدي من تشاء إلى صراط مستقيم"( ). فإذا انطرح العبد بين يدي ربه، وسأله التوفيق والهداية والصواب والسداد _ فإن الله لن يخيب رجاءه، وسيهديه- بإذنه- إلى سواء السبيل؛ فقد قال- تعالى- فيما رواه مسلم في صحيحه: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم"( ). المبحث الثاني الاعتصام بالكتاب والسنة أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالاعتصام والتمسك بحبله المتين، بكتابه وسنة سيد المرسلين، عقيدة، وشريعة، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، وأرشدهم إلى ذكر نعمته تعالى عليهم بالألفة والمحبة التي كانت ثمرة هدايتهم للإيمان والإسلام. فالرجوع إلى الكتاب والسنة، والاعتصام بهما في كل الأمور هو طريق الفوز والفلاح، ومسلك الهدى والنجاح، لا سيما زمن الفتنة والكفاح. إنه الاعتصام بحبل الله المتين، وصراطه المستقيم، قال الله _عز وجل_: " وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"( ) . إنه طريق العصمة من التفرق والاختلاف، قال الله تعالى:" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"( ) . وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض"( ). وقال_عليه الصلاة والسلام_ في حديث العرباض بن سارية- رضي الله عنه -: "وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"( ) . عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قالوا يا رسول الله: ومن يأبى ؟ قال:" من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"( ). عن أبى هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"( ). قال النووي:" وأما الاعتصام بحبل الله فهو التمسك بعهده ، وهو اتباع كتابه العزيز وحدوده ، والتأدب بأدبه . والحبل يطلق على العهد ، وعلى الأمان ، وعلى الوصلة ، وعلى السبب ، وأصله من استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور لاستمساكهم بالحبل عند شدائد أمورهم ، ويوصلون بها المتفرق ، فاستعير اسم الحبل لهذه الأمور، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : "ولا تفرقوا "، فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض ، وهذه إحدى قواعد الإسلام"( ) . وتبين مما سبق أن التمسك بالوحيين عصمة من الزلل، وأمان _بإذن الله_ من الضلال. وليس الاعتصام بهما كلمة تتمضمض بها الأفواه من غير أن يكون لها رصيد في الواقع. وإنما هي عمل، واتباع في جميع ما يأتيه الإنسان ويذره. ويعظم هذا الأمر حال الفتن؛ إذ يجب الرجوع فيها إلى هداية الوحيين؛ لكي نجد المخرج والسلامة منها. المبحث الثالث التسلح بالعلم الشرعي العلم الشرعي مطلب مهم في مواجهة الفتن حتى يكون المسلم على بصيرة من أمر دينه وإذا فقد المسلم العلم الشرعي تخبط في هذه الفتن. قال- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " من أشراط الساعة أن يظهر الجهل، ويقل العلم، ويظهر الزنا، وتشرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيمهن رجل واحد"( ). قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- : " إذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن وحدثت البدع والفجور ووقع الشر بينهم "( ). وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله تعالى-: " فكل أنواع الفتن لا سبيل للتخلص منها، والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله، وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة- رضي الله عنهم- ومن سلك سبيلهم من أئمة الإِسلام ودعاة الهدى"( ). ومن الضروري أن يغتنم الإنسان أوقات الرخاء للتعلم قبل أن تجيئه الفتن فلا يجد وقتا للتعلم. المبحث الرابع الالتفاف حــول العلـماء المُجَربين والدعاة الصادقين فمن الأهمية وجود العلماء والدعاة الذين يُلتف حولهم، فإن وجدوا فمن الواجب الالتفاف حولهم خاصة في أزمان الفتن، إذ الالتفاف حول العلماء الربانيين العاملين الصادقين ممن جربوا في الفتن فثبتوا، وما غيروا وبدلوا عامل معين على عدم الزيغ والانحراف في وقت الفتن، فلا بد من الالتفاف حولهم بحضور حِلَقِهِم العلمية وزيارتهم والصدور عن رأيهم وعدم اتخاذ رأي أو اجتهاد أو موقف من غير الرجوع إليهم ، وقد حدثت في التاريخ الإِسلامي فتن ثّبت الله فيها المسلمين بعلمائهم ومن ذلك : ما قاله علي بن المديني- رحمه الله:" أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة"( ). ولذلك كان السلف الصالح عند تغير الأحوال يلتفون حول علمائهم، وإليك نماذج من ذلك: 1- عن بشير بن عمرو قال: شيَّعنا ابن مسعود حين خرج، فنزل في طريق القادسية، فدخل بستاناً فقضى حاجته، ثم توضأ ومسح على جوربيه، ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء، فقلنا له: اعهد إلينا، فإن الناس قد وقعوا في الفتن، ولا ندري هل نلقاك أم لا، قال: " اتقوا الله واصبروا، حتى يستريح بَرٌّ، أو يُستراح من فاجر، وعليكم بالجماعة، فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة"( ) . 2- عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال: حدثني أبي قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أَخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟، قلنا: لا ، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر- والحمد لله- إلا خيراً، قال: فما هو ؟، فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً، ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم ؟، قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ! ، ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ ، قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم- صلى الله عليه وسلم- متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة ؟ ! ، قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حدثنا : ( فذكر الحديث ) ، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم . ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج"( ). 3- ما ذكره ابن القيم عن دور شيخه شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله في التثبيت : " وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا "( ). المبحث الخامس لزوم الاعتدال في جميع الأحوال فينبغي في ذلك الخضم من الفتن والمصائب ألا يفارقنا هدوؤنا، وسكينتنا، ومروآتنا؛ فذلك دأب المؤمن الحق، الذي لا تبطره النعمة، ولا تقنطه المصيبة، ولا يفقد صوابه عند النوازل، ولا يتعدى حدود الشرع في أي شأن من الشؤون. ويتأكد هذا الأدب في حق من كان رأساً مطاعاً في العلم، أو القدر؛ لأن لسان حال من تحت يده يقول: اصبر نكن بك صابرين فإنما *** صبر الرعية عند صبر الراس قال كعب بن زهير- رضي الله عنه - : في قصيدته المشهورة- البردة-: لا يفرحون إذا نالت رماحهم *** قوماً وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا فهو يمدح الصحابة-رضي الله عنهم- بأنهم لا يفرحون من نيلهم عدواً؛ فتلك عادتهم، ولا يحزنون إذا نالهم العدو؛ لأن عادتهم الصبر والثبات. هذه الخصال يمتثلها عظماء الرجال؛ فلم يكونوا يتخلون عن مروآتهم، وعاداتهم النبيلة حتى في أحلك المواقف. وها هو سيد العظماء، وسيد ولد آدم نبينا محمد _عليه الصلاة والسلام_ يضرب لنا أروع الأمثلة في ذلك؛ فهو يقوم بصغار الأمور وكبارها؛ فلم يمنعه قيامه بأمر الدين، وحرصه على نشره، وقيادته للأمة، وتقدمه في ساحات الوغى_ لم يمنعه ذلك كله من ملاطفة ذلك الطفل الصغير الذي مات طائره، وقولِه لأنس: فعن أنس ابن مالك قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم -أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، قال: أحسبه فطيمٌ، وكان إذا جاء قال: " يا أبا عمير ما فعل النغير"( ) . ولم يكن أحد يلهيه عن أحد *** كأنه والد والناس أطفال فإذا لزم المرء هذه الطريقة؛ فلم يَخِفَّ عند السراء، ولم يتضعضع حال الضراء _ فأحرِ به أن يعلو قدره، ويتناهى سؤدده، وأن تنال الأمة من خيره. وبتذكر كتب السير التي تناولت سيرة عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه - أنه لما دَفَنَ ولَدَه عبد الملك- وهو أبر أولاده، وأكثرهم ديناً وعقلاً- مرَّ بقوم يرمون؛ فلما رأوه أمسكوا، فقال: ارموا، ووقف، فرمى أحدُ الراميين فأخرج- يعني أبعد عن الهدف- فقال له عمر: أخرجت فقصِّر، وقال للآخر: ارمِ، فرمى فقصَّر- أي لم يبلغ الهدف- فقال له عمر: قصَّرت فبلِّغ، فقال له مسلمة بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين! أَتْفِرغ قلبك إلى ما تفرغت له، وإنما نفضت يدك الآن من تراب قبر ابنك، ولم تصل إلى منزلك؟ فقال له عمر: يا مسلمة! إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت المصيبة فالْهُ عما نزل بك"( ) . فالأخذ بهذه السيرة- أعني الاعتدال حال نزول الفتن- ينفع كثيراً، ويدفع الله به شراً مستطيراً؛ لأن الناس حال الفتن يموجون، ويضطربون، وربما غاب عنهم كثير من العلم؛ فلذلك يحتاجون- وخصوصاً من كان عالماً، أو رأساً مطاعاً- إلى لزوم السكينة، والاعتدال؛ حتى يُثَبِّتوا الناس، ويعيدو الطمأنينة إلى النفوس، ولا تقطعهم تلك النوازل عما هم بصدده من عمل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - :" ولهذا لما مات النبي- صلى الله عليه وسلم-ونزلت بالمسلمين أعظم نازلة نزلت بهم؛ حتى أوهنت العقول، وطيشت الألباب، واضطربوا اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة القعر؛ فهذا ينكر موته، وهذا قد أقعد، وهذا قد دهش فلا يعرف من يمر عليه، ومن يسلم عليه، وهؤلاء يضجون بالبكاء، وقد وقعوا في نسخة القيامة، وكأنها قيامة صغرى مأخوذة من القيامة الكبرى، وأكثر البوادي قد ارتدوا عن الدين، وذلت كماته؛ فقام الصديق - رضي الله عنه - بقلب ثابت، وفؤاد شجاع فلم يجزع، ولم ينكل قد جُمع له بين الصبر واليقين فأخبرهم بموت النبي"وأن الله اختار له ما عنده، وقال لهم: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ "( ) . فكأن الناس لم يسمعوا هذه الآية حتى تلاها الصديق فلا تجد أحداً إلا وهو يتلوها، ثم خطبهم فثبتهم وشجعهم. قال أنس- رضي الله عنه: "خطبنا أبو بكر- رضي الله عنه - وكنا كالثعالب فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود". وأخذ في تجهيز أسامة مع إشارتهم عليه، وأخذ في قتال المرتدين مع إشارتهم عليه بالتمهل والتربص، وأخذ يقاتل حتى مانعي الزكاة فهو مع الصحابة يعلمهم إذا جهلوا، ويقويهم إذا ضعفوا، ويحثهم إذا فتروا؛ فقوى الله به علمهم ودينهم وقوتهم؛ حتى كان عمر_مع كمال قوته وشجاعته_ يقول له: يا خليفة رسول الله تألف الناس، فيقول: علام أتألفهم؟ أعلى دينٍ مفترى؟ أم على شعرٍ مفتعل؟ وهذا باب واسع يطول وصفه"( ). المبحث السادس لزوم الرفق، ومجانبة الغلظة والعنف من القواعد الكريمة والأصول الحميدة التي يجب أن يتمسك بها من يتصدى لدعوة الناس إلى الخير ونهيهم عن الشر، وخاصة في زمن الفتن : الرفق، ولين الجانب؛ ليكون التأثير أبلغ والاستجابة أقوى ، وهذه الصفة من اللطف والرفق واللين هي من أميز ما يجب أن يظهر به الداعية في طريق الإصلاح والتبليغ والدعوة إلى الله ، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم : " ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا عزل عن شيء إلا شانه"( ) . إن الرفق واللطف واللين في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له فوائد عظيمة في كسب الأنصار والمؤيدين وبالتالي انطلاق الدعوة إلى الخير والالتفاف حولها ، ولقد امتن ربنا _جل وعلا_ على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بأن جبله على الرفق ومحبة الرفق، وأن جنبه الغلظة، والفظاظة، فقال _عز وجل_: "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ "( ) . ولقد كانت سيرته- عليه الصلاة والسلام- حافلةً بهذا الخلق الكريم الذي مَنْ مَلَكَه بسط سلطانه على القلوب. وكما كان _عليه الصلاة والسلام_ متمثلاً هذا الخلق فقد كان يأمر به، ويبين فضله. قال "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على غيره( ) . ولما بعث أبا موسى الأشعري ومعاذاً إلى اليمن قال لهما: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا"( ) . قال الإمام أحمد –رحمه الله-: "يأمر بالرفق والخضوع، فإن أسمعوه ما يكره لا يغضب؛ فيكون يريد ينتصر لنفسه" ( ) ولقد أحسن من قال: لو سار ألفُ مَدَجَّجٍ في حاجة *** لم يَقْضِها إلا الذي يترفق( ) وكان يقال: "من لانت كلمته وجبت محبته"( ) . ويتأكد هذا الأدب في مثل هذه الأحوال العصيبة التي نحتاج فيها إلى تلك المعاني التي تنهض بالأمة، وتشد من أزر الدعوة. كما كان ذلك دأب الأنبياء، قال _تعالى_ في خطاب هارون وموسى- عليهما الصلاة والسلام - " اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى "( ) ولقَّن موسى- عليه الصلاة والسلام- من القول اللين أحسنَ ما يخاطب به جبار يقول لقومه: أنا ربكم الأعلى، فقال تعالى: " فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى "( ). قال ابن القيم – رحمه الله -: "وتأمل امتثال موسى لما أُمِر به كيف قال لفرعون: " فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى "( ) . فأخرج الكلام معه مخرج السؤال والعرض، لا مَخْرجَ الأمر، وقال:"إِلَى أَنْ تَزَكَّى" ولم يقل: (إلى أن أزكيك). فنسب الفعل إليه هو، وذكر لفظ التزكِّي دون غيره؛ لما فيه من البركة، والخير، والنماء. ثم قال: "وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ" أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك. وقال: "إِلَى رَبِّكَ" استدعاءً لإيمانه بربه الذي خلقه، ورزقه، ورباه بنعمه صغيراً وكبيراً ( ). ولهذا فإن الكلمة التي تُلقى أو تحرر في أدب، وسعة صدر، تسيغها القلوب، وتهش لها النفوس، وترتاح لها الأسماع. وخلاصة القول أن الرفق هو الأصل، وهو الأجدى، والأنفع، وأن الشدة لا تصلح من كل أحد، ولا تليق مع كل أحد، فقد تلائم إذا صدرت من ذي قدر كبير في سن، أو علم وكانت في حدود الحكمة، واللباقة، واللياقة. أما إذا صدرت ممن ليس له قدر في سن، أو علم، أو كانت في غير موضعها، وتوجهت إلى ذي قدر أو جاه_فإنها _أعني الشدة_ تضر أكثر مما تنفع، وتفسد أكثر من أن تصلح. المبحث السابع التثبت مما يقال يكون التثبت مما يقال بالنظر في جدوى نشره، والحرص على رد الأمور إلى أهلها: فالعاقل اللبيب لا يتكلم في شيء إلا إذا تثبَّت من صحته؛ فإذا ثبت لديه ذلك نَظَرَ في جدوى نشره؛ فإن كان في نشره حفز للخير، واجتماعٌ عليه _نشره، وأظهره، وإن كان خلاف ذلك أعرض عنه، وطواه. ولقد جاء النهي الصريح عن أن يحدث المرء بكل ما سمع. قال- صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع"( ). ومنها ما رواه بسنده عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - قال: "بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع"( ). وقال مسلم: "حدثنا محمد بن المثنى قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: "لا يكون الرجل إماماً يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع"( ). ويتعين هذا الأدب في وقت الفتن والملمات، فيجب على المسلم أن يتحرى هذا الأدب؛ حتى يقرب من السلامة، وينأى عن العطب. قال الله _تعالى_:" وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا "( ) . قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية: "هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن، وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم _أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم: أهل الرأي، والعلم، والنصح، والعقل، والرزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضدها، فإذا رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين، وسروراً لهم، وتحرزاً من أعدائهم_فعلوا ذلك، وإن رأوا ما ليس فيه مصلحة، أو فيه مصلحة، ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه، ولهذا قال: "لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ". أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة، وعلومهم الرشيدة، وفي هذا دليل لقاعدة أدبية، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله، ولا يُتقدم بين أيديهم؛ فإنه أقرب إلى الصواب، وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمرُ بالتأمل قبل الكلام، والنظر فيه هل هو مصلحة فيقدم عليه الإنسان أم لا فيحجم عنه؟"( ) . وقال - رحمه الله تعالى - في موضع آخر حاثاً على الثبت، والتدبر، والتأمل قال: "وفي قوله _تعالى_: " وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا "( ) أدبُ طالب العلم، وأنه ينبغي له أن يتأنى في تدبره للعلم، ولا يستعجل بالحكم على الأشياء، ولا يعجب بنفسه، ويسأل ربه العلم النافع والتسهيل"( ) وقال: قوله –تعالى-: " لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ "( )، هذا إرشاد منه لعباده إذا سمعوا الأقوال القادحة في إخوانهم المؤمنين رجعوا إلى ما علموا من إيمانهم، وإلى ظاهر أحوالهم، ولم يلتفتوا إلى أقوال القادحين، بل رجعوا إلى الأصل، وأنكروا ما ينافيه( ). المبحث الثامن الصبر على الفتن جعل الله سبحانه وتعالى الصبر جواداً لا يكبو، وصارماً لا ينبو، وجنداً غالباً لا يهزم، وحصناً حصيناً لا يهدم ولا يلثم، فهو والنصر أخوان شقيقان. فالصبر إذاً معين ثرّ لا ينضب، ومورد عذب لا يثن، متى تمكن في القوب والضمائر، وتحكم في الأحاسيس والمشاعر أورث صاحبه قوة عارمة، وهمة عازمة، وثقة جازمة تجعله يتحمل المشاق، ويواجه الأخطار غير هياب ولا وجل، يندفع إلى الشدائد غير ضعيف ولا مستكين( ). لقد أكد القرآن الكريم أن الابتلاء للناس لا محيص عنه، حتى يعدوا عدة الصبر لكل نازلة، ويكونوا على أهبة الاستعداد عند حلول أيّ ضائقة وقال- عز وجل- " لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ "( ). قال الله- جل وعلا-: " إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ "( ) . ومن أعظم الصبرِ الصبرُ على هداية الناس، والصبر على انتظار النتائج؛ لأن استعجال الثمرة قد يؤدي إلى نتائج عكسية تضر أكثر مما تنفع؛ فالصبر إذا اقترن بالأمر كان عصمة من الملل واليأس والانقطاع، وتفجرت بسببه ينابيع العزم والثبات. إنه الصبر المترع بأنواع الأمل العريض، وليس صبر اليائس الذي لم يجد بداً من الصبر فصبر. وبالجملة فإن الصبر من أعظم الأخلاق، وأجلّ العبادات، وإن أعظمَ الصبرِ وأحمده عاقبةً الصبرُ على امتثال أمر الله، والانتهاء عمّا نهى الله عنه؛ لأنه به تَخْلُص الطاعة، ويصِحُّ الدين، ويُسْتَحَقُ الثوابُ؛ فليس لمن قل صبرُه على الطاعةُ حظٌّ من بِرٍّ، ولا نصيبٌ من صلاح. ومن جميل الصبر: الصبرُ فيما يُخْشَى حدوثُه من رهبة يخافها، أو يحذرُ حلولُه من نكبةٍ يخشاها، فلا يتعجلْ همَّ ما لم يأتِِ؛ فإن أكثر الهموم كاذبة، وإن الأغلب من الخوف مدفوع. ومن جميل الصبرِ الصبرُ على ما نـزل من مكروه، أو حلّ من أمر مخوف؛ فبالصبر في هذا تنفتحُ وجوهُ الآراءِ، وتُسْتَدْفَعُ مكائدُ الأعداءِ؛ فإن من قلّ صبره عَزُب رأيه، واشتد جزعُه، فصار صريعَ همومه، وفريسةَ غمومه. وكما أن الأفرادَ بأمسِّ الحاجةِ إلى الصبر فكذلك الأمة؛ فأمة الإسلام كغيرها من الأمم؛ لا تخرج عن سنن الله الكونية، فهي عرضةٌ للكوارث، والمحن. وهي_في الوقت نفسه_مكلفةٌ بمقتضى حكم الله الشرعي بحمل الرسالة الخالدة، ونشر الدعوة المباركة، وتحمُّلِ جميعِ ما تلاقيه في سبيلها برحابة صدر، وقوةِ ثباتٍ، ويقينٍ بأن العاقبة للتقوى وللمتقين. وهي كذلك مطالبة بالجهاد في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله، ونشر دين الله، وإزاحة ما يقف في وجه الدعوة من عقبات؛ فلا بد لها من الجهاد الداخلي الذي لا يتحقق إلا بمجاهدة النفس والهوى( ). وهذا الجهاد لا يتحقق إلا بخلق الصبر، ومغالبة النفس والشيطان والشهوات؛ فذلك هو الجهاد الداخلي الذي يؤهِّل للجهاد الخارجي؛ لأن الناس إذا تُرِكوا وطباعَهم وما أُوْدِعَ فيها من حبِّ للراحة، وإيثارٍ للدَّعة، ولم يُشَدَّ أَزْرُهُمْ بإرشاد إلهي تطمئن إليه نفوسهم، ويثقون بحسن نتائجه_ عجزت كواهِلُهم عن حمل أعباء الحياة، وخارت قواهم أمام مغرياتها، وذاب احتمالُهم إزاء ملذاتها وشهواتها؛ فَيَفْقِدُون كلَّ استعدادٍ لتحصيل السمو، والعزة، والمنـزلة اللائقة. فلهذا اختار الله لهم من شرائع دينه ما يصقُل أرواحهم، ويزكّي نفوسهم، ويمحص قلوبهم، ويربي ملكات الخير فيهم من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج وغيرها من الشرائع المبحث التاسع قيام روح الشورى قيام روح الشورى مهم جداً، وخصوصاً بين أهل العلم، والفضل، والحل والعقد، وذلك بأن ينظروا في مصلحة الأمة، وأن يقدموا المصالح العليا، قال الله تعالى في وصف المؤمنين: " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ "( ) . وقال _ عز وجل _ لنبيه ": " وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ "( ) . فقد أذن الله له "بالاستشارة وهو غني عنها بما يأتيه من وحي السماء؛ تطييباً لنفوس أصحابه، وتقريراً لسنة المشاورة للأمة من بعده. وكان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه - من العلم بالشريعة، والخبرة بوجوه السياسة في منزلة لا تطاولها سماء، ومع هذا لا يبرم حكماً في حادثة إلا بعد أن تتداولها آراء جماعة من الصحابة ( ) . وهكذا كان عمر- رضي الله عنه - في الشورى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : "فكان عمر يشاور في الأمور لعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي موسى ولغيرهم، حتى كان يدخل ابن عباس معهم مع صغر سنه. وهذا مما أمر الله به المؤمنين ومدحهم عليه بقوله: " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ "( ) . ولهذا كان رأي عمر، وحكمه، وسياسته من أسدِّ الأمور، فما رؤي بعده مثله قط، ولا ظهر الإسلام وانتشر، وعزَّ كظهوره، وانتشاره، وعزه في زمنه. وهو الذي كسر كسرى، وقصر قيصر الروم والفرس، وكان أميره الكبير على الجيش الشامي أبا عبيدة، وعلى الجيش العراقي سعد بن أبي وقاص، ولم يكن لأحدٍ -بعد أبي بكر- مثل خلفاءه ونوابه وعماله وجنده وأهل شوراه" ( ). وكما كانت هذه هي سيرةَ الخلفاء الراشدين في الشورى فكذلك كانت سيرة من جاء بعدهم فهذا معاوية - رضي الله عنه - الذي كان مضرب المثل في الدهاء والحلم وكياسة الرأي كان يأخذ بسنة الشورى. قال الثعالبي: "دهاء معاوية - رضي الله عنه - ذلك ما اشتهر أمره، وسار ذكره، وكثرت الروايات والحكايات فيه، ووقع الإجماع على أن الدهاة أربعة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه _رضي الله عنهم_ فلما كان معاوية - رضي الله عنه - بحيث هو من الدهاء وبعد الغور_وانضم إليه الدهاة الثلاثة الذين يرون بأول آرائهم أواخر الأمور_ فكان لا يقطع أمراً حتى يشهدوه، ولا يستضيء في ظلم الخطوب إلا بمصابيح آرائهم_سلم له أمر الملك، وألقت إليه الدنيا أزمتها، وصار دهاؤه ودهاء أصحابه الثلاثة مثلاً"( ). ثم إن للشورى فوائد عظيمة منها تقريب القلوب، وتخليص الحق من احتمالات الآراء، واستطلاع أفكار الرجال، ومعرفة مقاديرها؛ فإن الرأي يمثِّل لك عقلَ صاحبه كما تمثل لك المرآةُ صورةَ شخصِه إذا استقبلها. وقد ذهب الحكماء من الأدباء في تصوير هذا المغزى مذاهب شتى، قال بعضهم: إذا عنَّ أمرٌ فاستشر فيه صاحباً *** وإن كنت ذا رأي تشير على الصحبِ فإني رأيت العين تجهل نفسها *** وتدرك ما قد حل في موضع الشهب المبحث العاشر لزوم جماعة المسلمين وخليفتهم إن من المخرج والخلاص عند حدوث الفتن والحوادث لزوم جماعة المسلمين، والجماعة ليست بالكثرة، ولكن من كان على منهج أهل السنة والجماعة فهو الجماعة . وقد وردت في الكتاب والسنة آيات أدلة تحث المؤمنين على لزوم الجماعة والائتلاف، وتبين لهم أن الأمة الإسلامية أمة واحدة( )، ومنها: قوله تعالى:" يأيها الذين اتقوا الله........ ولا تفرقوا "( ) . وقوله تعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ "( ). عن حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر، قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟، قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟، قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني؟ إن أدركني ذلك، قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"( ). وقد لخص النووي هذا الحديث بأوجز عبارة حينما ترجم وبوب له فقال:" باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة"( ) . والجماعة ليست بالكثرة ولكن من كان على منهج أهل السنة والجماعة فهو الجماعة. يقول عبد الله بن مسعود : لو أن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة . وقال أيضاً : الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك . فمن طرق النجاة من الفتن والحوادث لزوم جماعة المسلمين . عندما كان عبد الله بن مسعود في الحج مع عثمان، وكان عثمان يتم الصلاة في منى وكان ابن مسعود يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في منى ركعتين . فقيل له : تقول هذا وأنت تصلي مع عثمان أربع ركعات ؟ فقال: يا هذا الخلاف شر( ). المبحث الحادي عشر الثقة بالله، واليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين فإن من أهم ما يجب على المؤمن- في هذا الصدد- أن يقوي ثقته بربه، وأن ينأى بنفسه عن قلة اليقين بأن العاقبة للمتقين؛ فهناك من إذا شاهد ما عليه المسلمون من الضعف والتمزق، والتشتت، والتفرق، ورأى تسلط أعدائهم عليهم، ونكايتهم بهم _ أيس من نصر الله، وقنط من عز الإسلام، واستبعد أن تقوم للمسلمين قائمة، وظن أن الباطل سيدال على الحق إدالة دائمة مستمرة يضمحل معها الحق. فهذا الأمر جد خطير، وهو مما يعتري النفوس الضعيفة، التي قل إيمانها، وضعف يقينها. فهذا الشعور مما ينافي الإيمان الحقَّ، وهو دليلٌ على قلة اليقين بوعد الله الصادق، والتفاتٌ إلى الأمور المحسوسة دون نظر إلى عواقب الأمور وحقائقها. وإلا كيف يُظَنُّ هذا الظن والله _ عز وجل _ قد كتب النصر في الأزل، وسبقت كلمته بأن العاقبة للتقوى وللمتقين، وأن جنده هم الغالبون، وهم المنصورون، وأن الأرض يرثها عباده الصالحون؟( ) . فمن ظن تلك الظنون السيئة فقد ظن بربه السوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بجلاله، وكماله، وصفاته، ونعوته؛ فإن حمده، وعزته، وحكمته، وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يُذِل حزبه وجنده، وأن تكون النصرةُ والغلبةُ لأعدائه. فمن ظن ذلك فما عرفه، ولا عرف ربوبيته، وملكه، وعظمته؛ فلا يجوز في حقه _ عز وجل _ لا عقلاً ولا شرعاً أن يُظْهِر الباطل على الحق، بل إنه يقذف بالحق على الباطل فإذا هو زاهق( ) . أما ما يشاهد من تسلط الكفار واستعلائهم _ فإنما هو استعلاء استثنائي، وذلك استدراجاً وإملاءً من الله لهم، وعقوبة للأمة المسلمة على بعدها عن دينها. ثم إن سنة الله ماضية فـ"مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ "( )، وهذه الأمة تذنب، فتعاقب بذنوبها عقوبات متنوعة منها ما مضى ذِكْرُه؛ كي تعود إلى رشدها، وتؤوب إلى ربها، فتأخذ حينئذ مكانها اللائق بها. ثم إن هذه الأمة أمة مرحومة تعاقب في هذه الدنيا، حتى يخف العذاب عنها في الآخرة، أو يغفر لها بسبب ما أصابها من بلاء. Hw,g ,r,hu] td hg]u,m Ygn hggi ,rj hgtjk vhf' hgl,q,u : http:LLwww>assakina>comLtaseelL5090>html#ixzz2YYfIOj69 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
12 / 03 / 2013, 31 : 10 PM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى العام | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018