الإهداءات | |
الملتقى العام المواضيع العامة التي لا يريد كاتبها أن يدرجها تحت تصنيف معين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 0 | المشاهدات | 857 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
25 / 02 / 2013, 18 : 08 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى العام فضيلة الشيخ حفظك الله تعالى ما صحة القول بوجوب العمل ضمن حزب أو جماعة إسلامية إذ يستدل أصحاب هذا الرأي بقوله تعالى : (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . آل عمران 103 . وهل المخالف لذلك يعتبر آثماً وفقك الله لما يحبه ويرضاه . الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد : فأعلم يرحمك الله تعالى أن هذا القول لا أصل له ، بل هو مخالف للكتاب والسنة وما أجمع عليه أهل السنة والجماعة ،وذلك لما يلي : أولاً : إن الآية لا تدل على ما ذهبوا إليه لا من قريب ولا من بعيد ، بل هو مخالف لما تتضمنه من أحكام ، فالآية صريحة الدلالة على وجوب القيام بأعمال ثلاثة وهي ، الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ومن المعلوم بالضرورة لكل ذي عقل وفهم أن المتصدي لهذه الأمور لا بد أن يكون عالماً بها ، إذ لا يستطيع الجاهل التصدي إلى أعظم الأمور التي تقوم عليها مصالح العباد في الدنيا والآخرة ، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء ،ونستطيع أن ندلل على صحة هذا القول من خلال النقاط التالية : 1 : لفظ أمة له مدلول خاص فهو مشتق من الأم بفتح الهمزة وهو القصد ، ولذلك جاء في دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) . (127) البقرة وكذلك في قوله تعالى وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) . ((158) الأعراف وقال سبحانه عن إبراهيم عليه السلام إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .(119) النحل وبذلك يتبين لك أن لفظ أمة له مدلول أخص من مدلول الجماعة ، ويؤكد ذلك الأمر اقتران هذا اللفظ بالأعمال التي نصت عليها الآية الكريمة وهي الدعوة إلى الخير ،والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . 2 : إن الواجب لا يدل على قيام الجماعة ، بل يدل على وجوب التزام ما أنيط بالجماعة من أعمال ،فلو قامت جماعة ولم تقم بما طلب منها من أعمال لا يتحقق الهدف من قيامها وعليه يكون قيامها وعدمه سيان . 3 : من المعلوم أن هذه الأعمال وهي الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ،تحتاج إلى علم بقواعد الشريعة ولا يستطيعها إلا من عرف هذه الأحكام وكيفية التزامها ، وما يترتب عليها من مصالح ومفاسد ،ولا ريب أن الجاهل فاقد لذلك كله ، فتعين المراد من هذه الأمة وهم أهل العلم لا غير ويؤكد ذلك المعنى ما ثبت عن الضحاك رضي الله عنه قال : ( وهم الصحابة والرواة خاصة ) .وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء . تنبيه قد يتوهم البعض أن مرادي من جمهور العلماء معظم العلماء أي هنالك علماء يقولون بقولهم . فأقول إن المقصود بجمهور العلماء القائلين بأن المراد من الأمة طائفة العلماء خاصة وهم الذين قالوا إن( من ) للتبعيض ، وأما المخالفون فقالوا إن ( من ) لبيان الجنس ،وهذا من منطلق قولهم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم بعينه . ثانياً : لو كان فهمهم للآية فهماً صحيحاً ، لكان لهم سلف في ذلك ، خاصة في عهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فهم أحرص الناس على الإتباع والقيام بما أوجب الله سبحانه حق القيام،خاصة وأن الآية مدنية أي نزلت في المدينة المنورة في ظل حكم إسلامي ، وهذا ما لم يثبت عنهم لا بدليل صحيح ، ولا بدليل ضعيف ،فلم يقم الصحابة رضي الله تعالى عنهم حزباً أو أحزاباً بعد نزول الآية الكريمة ، بل لم ينقل عن أحدهم أن المراد بالآية إقامة حزب أو أحزاب سياسية أو منهجية ، وهذا واضح للغاية ، ولا يقال : إن الصحابة لم يفعلوا ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ،إذ إن العبرة في عموم الأمر ، بل الأمر ابتداء موجه إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم والناس تبع لهم وما كان واجباً على الصحابة فهو واجب على سائر الأمة ، وما كان واجباً على الأمة فهو واجب على الصحابة ، فلا فرق بيننا وبين الصحابة رضي الله تعالى عنهم من حيث التزام أحكام الله سبحانه ، وكذلك لا يقال : إن الصحابة لم يفعلوا ذلك لوجود الدولة الإسلامية . وهذا القول أيضاً لا يخفى ضعفه ، فإن الآية نزلت في المدينة المنورة أي في ظل الدولة الإسلامية وهي عامة لا تخصص بزمان ،ويدلنا على هذا القول ما تعلق بالآية الكريمة من أحكام شرعية ، وهي الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ولا أظن أحداً من المسلمين يقول : إن هذه الأعمال لا تجب إلا في ظل الخلافة الإسلامية ، وعليه يكون مذهبهم مذهباً محدثاً قام على غير أصول يعتد بها لذا فهو يندرج تحت محدثات الأمور . ثالثاً : إن القول بوجوب تعدد الأحزاب في الأمة الإسلامية مخالف لقواعد الشريعة الآمرة بوجوب التوحد ، ويتضح ذلك من عموم الأدلة الدالة على ذلك منها قوله تعالىوَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . (102) آل عمران وقال سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) .3 الصف وقال سبحانه : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون) .َ9)) .الحجرات وقال صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ). متفق على صحته من حديث أبي موسى الأشعري . وروى البخاري و مسلم من طريق زكريا عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد . إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) . وفي رواية عند مسلم ( المسلمون كرجل واحد . إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله ) . فهذه الأحاديث دليل واضح على وجوب وحدة الأمة ،وهي دليل أيضاً على تحريم كل الأمور التي تحول دون الوحدة الكاملة ،فإن تمثيل الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالجسد الواحد وكذلك بالبنيان الذي يشد بعضه بعضاً ،لدليل ما بعده دليل على حرمة التباغض والتدابر ، وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم كل الحرص على توثيق الأخوة الإيمانية بين المسلمين ليكونوا أمة واحدة متعاضدة متراحمة ، على خلاف ما هي عليه اليوم من التباغض والتدابر ، ولا شك أن تعدد الأحزاب في الأمة يسهم إسهاماً كبيراً في تفرقها وعدم وحدتها ، بل وفي تخالف قلوبها وتشتيت جهودها ،وقد وصف الله سبحانه المؤمنين بأعظم صفات التلاحم والتوافق والتآخي فقال سبحانه : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) . (29)الفتح وقال سبحانه : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (63) الأنفال فأين هذه الصفات في الأمة اليوم ؟ بل أين الأمة التي تحقق فيها معنى الأخوة القائمة على الحب في الله والبغض في الله ؟ حتماً قد أصبحت هذه الصفات في ذاكرة التاريخ الإسلامي بعيداً عن الواقع العملي إلا فيمن رحم ربي سبحانه وهم قلة قليلة وصفهم صلى الله عليه وسلم بالغرباء . ولا ريب بأن الأحزاب الإسلامية لعبت دوراً واضحاً في تفريق المسلمين وتشتيت جهودهم ، وضياع سلطانهم ،إذ لا يشك عاقل بأن تعددهم ما هو إلا نتيجة الاختلافات القائمة بينهم المفضية إلى التنازع المؤدي إلى الفشل قال تعالى : (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين).َ(46) الأنفال رابعاً : إن التحزب نتيجة التفرق بين الأمة الواحدة ، وقد نهى الله سبحانه الأمة عن التفرق والاختلاف ،وتوعد أصحابه بالعذاب العظيم في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) . (105) آل عمرانوقال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) .(159)الأنعام قال الطبري في تفسير هذه الآية : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه بريء ممن فارق دين الحق ، وفرقه وكانوا فرقاً فيه وأحزاباً . جامع البيان . وقال مجاهد : إن الذين فرقوا دينهم من هذه الأمة ، هم أهل البدع والشبهات . واعلم أن المراد من الآية الحث على أن تكون كلمة المسلمين واحدة ، وأن لا يتفرقوا في الدين ولا يبتدعوا البدع . تفسير الفخر الرازي وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء ) . قال : هم الخوارج . وقيل أصحاب البدع ، والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له ، فإن الله بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ،وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف فيه : ( وكانوا شيعاً ) أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات ، فإن الله تعالى قد برأ رسوله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه . تفسير ابن كثير وقال الشوكاني في هذه الآية : إنها تشمل الكافرين والمبتدعين لأن اللفظ يفيد العموم فيدخل فيه طوائف أهل الكتاب ، وطوائف المشركين ، وغيرهم ممن ابتدع من أهل الإسلام ، ومعنى شيعاً ،فرقاً وأحزاباً ، فتصدق على كل قوم كان أمرهم في الدين واحداً مجتمعاً ثم اتبع كل جماعة منهم رأي كبير من كبرائهم يخالف الصواب ، ويباين الحق . فتح القدير . وقد كثرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرمة التفرق والاختلاف من ذلك ما رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا )) . متفق عليه وخرج الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلي الله عليه وسلم قال ((سيصيب أمتي داء الأمم قالوا يا نبي الله وما داء الأمم قال الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج )) المستدرك وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية كان في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقوا على اثنتين وسبعين ملة وتفرق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي ) رواه الترمذي وحسنه ورواه الحاكم وغيرهما . فهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على حرمة التفرق والاختلاف ، ولا يقال هنا إن المقصود بالتفرق والاختلاف ما كان متعلقاً بأصل من أصول الشريعة ، أما ما كان متعلقاً بفرع فلا يدخل في هذا الباب ، أقول هذا القول صحيح إذا قيد بقيود وهي : 1 : أن لا يتعارض مع مسألة ثابتة بالكتاب والسنة ، أو قام الإجماع عليها ، وهي ما تتعلق بالبدع المحرمة التي تعارض الشريعة الحقة .لقوله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق على صحته وقوله صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه ، وقوله ، صلى الله عليه وسلم ، في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح ،والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . 2 : أن لا تحدث تفرقاً وتنازعاً بين المسلمين لما جاء في الحديث عن النَّزال بن سبرة قال سمعت عبد الله بن مسعود قال: سمعت رجلا قرأ آية سمعت من النبي خلافها فأخذت بيده فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( كلاكما محسن فاقرآ ) قال شعبة – أحد رواة الحديث – أكبر علمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (فإن من كان قبلكم اختلفوا فأُهلكوا ) . رواه البخاري .والحديث صريح بأن الخلاف الذي يكون أصله جائزاً إذا أدى إلى وقوع الخلاف بين المسلمين فهو يحرم لا لذاته ولكن لما يترتب عليه من معاداة وتباغض بين المسلمين ، ولا يشك مسلم بأن نشر العداوة والبغضاء بين المسلمين هو مدخل من مداخل الشيطان ، قال تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون).َ (91) المائدة فالشيطان يهيج الأمة على المنكرات من أجل إيقاع العداوة والبغضاء بينهم ويصدهم عن سبيل الله المستقيم ، لذا جاءت الأحاديث مشددة على ذلك ، ومبينة عاقبة العداوة والبغضاء بين المسلمين ومن ذلك ما رواه أبو هُريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسوُل الله صلى الله عليه وسلم لا تَحَاسَدُوا، ولا تَنَاجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوَاناً، المُسْلمُ أَخُو المُسْلمِ: لا يَظْلِمُهُ، ولا يَكْذِبُهُ، ولا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى ههُنا - ويُشِيرُ إلى صَدْرِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ - بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أن يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمِ، كُلُّ المُسْلِمِ على الْمسْلِم حَرَامٌ: دَمُهُ ومالُهُ وعِرْضُه) . رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم (دب إليكم داء الأمم قبلكم، البغضاء والحسد، والبغضاء هي الحالقة: ليس حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بما يثبت لكم ذلك، أفشوا السلام بينكم)أخرجه الإمام أحمد والترمذي وحسنه الألباني . 3 : أن لا يجعل المسائل الفرعية أصلاً لفكره بحيث يقيم الولاء والبراء فيها ،أو يعتقد أن نفسه على الحق المبين ، وأن غيره مبتدعاً قال تعالى في وصف أهل الضلال : (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) . آل عمران 7 وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) . الآية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ) . رواه البخاري وغيره . وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أيضاً قال : قال صلى الله عليه وسلم: ( الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه). فإن وقع في شيء من ذلك يكون ممن ينطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات ، مات ميتةً جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة ، أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة ، فقتل فقتلة جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها ، وفاجرها ، ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده ، فليس مني ولست منه) . وبذلك نكون قد ميزنا بحمد الله وفضله بين الاختلاف الممدوح ، والاختلاف المذموم ، وهو ما يعرف عند أهل العلم باختلاف التنوع والتضاد . وقد رأيت من المفيد أن أورد كلام الإمام الشاطبي في هذا الباب : قال الامام الشاطبي رحمه الله : ولهؤلاء الفرق خواص وعلامات في الجملة ، وعلامات في التفصيل . فأما علامات الجملة فثلاث :إحداها الفرقة التي نبه عليها قوله تعالى " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء " وقوله " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا " وغير ذلك من الأدلة . قال بعض المفسرين صاروا فرقا لاتباع أهوائهم وبمفارقة الدين تشتت أهواؤهم فافترقوا ، وهو قوله "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " ثم برأه الله منهم بقوله "لست منهم في شيء " وهم أصحاب البدع والكلام فيما لم يأذن الله فيه ولا رسوله . قال ووجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين ولم يفترقوا ولم يصيروا شيعا لأنهم لم يفارقوا الدين وإنما اختلفوا فيما أذن لهم من اجتهاد الرأي والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصا . واختلفت في ذلك أقوالهم فصاروا محمودين لأنهم اجتهدوا فيما أمروا به كاختلاف أبي بكر وعمر وزيد في الجد مع الأم وقول عمر وعلي في أمهات الأولاد وخلافهم في الفريضة المشتركة وخلافهم في الطلاق قبل النكاح وفي البيوع وغير ذلك مما اختلفوا فيه وكانوا مع هذا أهل مودة وتناصح ، أخوة الإسلام فيما بينهم قائمة فلما حدثت الأهواء المردية التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهرت العداوات وتحزب أهلها فصاروا شيعا دل على أنه إنما حدث ذلك من المسائل المحدثة التي ألقاها الشيطان على أفواه أوليائه . قال فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا إنها من مسائل الإسلام . وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا إنها ليست من أمر الدين في شيء وإنها التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تفسير الآية .( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) . وقد تقدمت فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها . ودليل ذلك قوله تعالى " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا " فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى هذا ما قالوه . وهو ظاهر في أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين . وهذه الخاصية موجودة في كل فرقة من تلك الفرق ، ألا ترى كيف كانت ظاهرة في الخوارج الذين أخبر بهم النبي عليه الصلاة والسلام في قوله " يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان " وأي فرقة توازي هذا إلا الفرقة التي بين أهل الإسلام وأهل الكفر . وهكذا تجد الأمر في سائر من عرف من الفرق أو من ادعى ذلك فيهم.)من كتاب الموافقات صفحة 104 - 106 من المجلد الرابع . وكذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقى بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونوا مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى.. وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته على كل ما يريده، وموالاة من يواليه، ومعاداة من يعاديه، بل من فعل هذا كان من جنس جنكيز خان، وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقاً ولياً، ومن خالفهم عدواً باغياً . وقال رحمه الله تعالى: ومن حالف شخصاً على أن يوالي من والاه، ويعادي من عاداه كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان، ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى، ولا من جند المسلمين، ولا يجوز أن يكون مثل هؤلاء من عسكر المسلمين، بل هؤلاء عسكر الشيطان".نقلا عن مجموع الفتاوى 28\5-9. خامساً : إن التفرق والاختلاف في الأمة نوع من أنواع العقاب الذي ينزله الله سبحانه على الأمة حال بعدها عن الكتاب والسنة قال سبحانه : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون) . َ (65) الأنعام .قال الطبري في كتابه جامع القول في تأويل قوله تعالى : { أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض } .يقول تعالى ذكره: أَوْ يخلطكم شِيَعًا : فِرَقًا واحدتها شيعة، وأما قوله: { يَلْبِسكُمْ } فهو من قولك : لَبِسْت عليه الأمر, إِذَا خلطت, فَأَنَا أَلْبِسهُ . وَإِنَّمَا قُلْت إِنَّ ذلك كذلك , لِأنه لا خلاف بين الْقُرَّاء في ذلك بِكسر الباء , ففي ذلك دليل ييِّن على أَنّه من لَبَسَ يَلبِس , وذلك هو معنى الخلط . وإِنَّما عني بِذَلك : أَو يخلطكم أَهواء مختلفة وأَحزابًا مفتَرقَة . وبِنحو الَذي قلنا في ذلك قَال أَهل التّأْويل أهـ . والمتأمل للآية الكريمة يجدها متعلقة بأنواع ثلاثة من العذاب وهي ، من فوقكم ، ومن تحت أرجلكم ،أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض . ولا ريب أن الاختلاط شيعاً نوع من أنواع العذاب وهو واقع في الأمة ، ولا ريب أن هذا الوصف ينطبق على تعدد الأحزاب في الأمة .وقد جاء في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: ( وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً).رواه مسلم في صحيحه وفي رواية ثانية من حديث جابر رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ) .الأنعام:65. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ بوجهك))، قالأَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)قال: (أعوذ بوجهك) (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا أهون أو هذا أيسر) رواه البخاري في صحيحه . قال ابن حجر: "الإعاذة المذكورة في حديث جابر وغيره مقيدةبزمان مخصوص، وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة، وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم" فتح الباري 8/293. وعن أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سألت ربي عز وجل أربعاً فأعطاني ثلاثاً ومنعني واحدة. سألت الله عز وجل أن لا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها. وسألت الله عز وجل أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم قبلهم فأعطانيها. وسألت الله عز وجل أن لا يظهر عليهم عدواً فأعطانيها. وسألت الله عز وجل أن لا يلبسهم شيعاً ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها ) . رواه أحمد والطبراني وفيه راو لم يسم. وهذه النصوص دليل على أن التفرق في الأمة نوعاً من أنواع العذاب ويؤكد ذلك المعنى قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ٌ ) . (63) النور . قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) . أي عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته ، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله فما وافق ذلك قبل ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) . أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً ( أن تصيبهم فتنة ) أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ، ( أو يصيبهم عذاب أليم ) أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك كما روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب اللآئي يقعن في النار يقعن فيها ، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها – قال فذلك مثلي ومثلكم أنا أخذ بحجزكم عن النار هلمّ عن النار فتغلبوني فيها ) . أخرجاه من حديث عبد الرزاق أ هـ سادساً:الواجب على المسلمين إتباع الجماعة المسلمة الظاهرة على الحق ، وهي جماعة واحدة لا تتعدد بعقيدتها أو منهاجها ، وإن تعدد أفرادها ، وهذا ما دلت عليه النصوص الثابتة فعن المغيرة بن شعبةعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) . البخاري وغيره قال السدي شارح سنن ابن ماجه رحمه الله تعالى :قوله ( لا تزال طائفة) الطائفة : الجماعة من الناس والتنكير للتقليل أو التعظيم لعظم قدرهم ووفور فضلهم ويحتمل التكثير أيضا فإنهم وإن قلوا فهم الكثيرون فإن الواحد لا يساويه الألف بل هم الناس كلهم قوله(منصورين)أي بالحجج والبراهين أو بالسيوف والأسنة فعلى الأول هم أهل العلم وعلى الثاني الغزاة وإلى الأول مال المصنف فذكر الحديث في هذا الباب فإنه المنقول عن كثير من أهل العلم قال أحمد بن حنبل في هذه الطائفة إن لم يكونوا هم أهل الحديث فلا أدري من هم أخرجه الحاكم في علوم الحديث قال عياض وإنما أراد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث وقال البخاري في صحيحه هم أهل العلم قال السيوطي بعد نقله أي المجتهدون لأن المقلد لا يسمى عالما واستدل به على استمرار الاجتهاد إلى قيام الساعة انتهى قال النووي يحتمل أن تكون هذه الطائفة مفرقة في أنواع المؤمنين ممن يقوم لله من المجاهدين وفقيه ومحدث وزاهد وآمر بالمعروف وغير ذلك من أنواع الخير ولا يجب اجتماعهم في مكان واحد بل يجوز أن يكونوا مفترقين في أقطار الأرض قوله ( من خذلهم )أي لم يعاونهم ولم ينصرهم من الخلق فإنهم منصورون بالله لما فيهم من الخير ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) أي فلا يضرهم عدم نصر الغير قوله ( حتى تقوم الساعة) أي ساعة موت المؤمنين بمجيء الريح التي تقبض روح كل مؤمن وهي الساعة في حق المؤمنين وإلا فالساعة لا تقوم إلا على شرار خلق الله .ويؤكد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرةأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ) . رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه , ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره . أ هـ بتصريف يسير .جاء في تحفة الأحوذي :المراد من أمتي أمة الإجابة وفي حديث عبد الله بن عمرو الآتي : كلهم في النار إلا ملة واحدة , وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم ; لأنه أخبر عن غيب وقع . قال العلقمي قال شيخنا ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث كتابا قال فيه : قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد وفي تقدير الخير والشر , وفي شروط النبوة والرسالة وفي موالاة الصحابة ، وما جرى مجرى هذه الأبواب ، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضا ، بخلاف النوع الأول فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه ، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الاختلاف . وقد حدث في آخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه ، ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئا فشيئا إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنتين وسبعين فرقة والثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة وهي الفرقة الناجية ، انتهى باختصار يسير . أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه ، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره . أ هـ وفي رواية عند الإمام أحمد وأبي داود عن معاوية بن أبي سفيان ، أخرجه أحمد وأبو داود فيه : ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة . وهذه الأحاديث مجتمعة تدلنا على معنى واحد وهو :عدم تعدد الجماعات على اعتبار العقيدة والمنهاج ، فقوله صلى الله عليه وسلم ( طائفة) و( جماعة ) و( إلا واحدة ) دليل واضح على عدم تعدد أهل الحق إلى فرق وجماعات مختلفة في العقيدة والمنهاج ، وقد جاءت الألفاظ مقيدة بتحديد الجماعة وهي : ( ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) وبالتالي فإن الجماعة الحقة موافقة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم ، وقد جاءت النصوص الشرعية محذرة من مخالفة ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك قوله تعالى : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) . النساء ( (115ولا شك أن المقصود بسبيل المؤمنين هو سبيل الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين قال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .(100) التوبة . وعليه فإن الطائفة المنصورة لا تتعدد كما ذكرنا من حيث تعدد الأفكار والمفاهيم ، وإن كانت تتعدد من حيث الأفراد ، والمعنى ، قد يكون في الأمة الإسلامية جماعات متعددة كتعدد الدول والأقطار ، ولكنها تجتمع على العقيدة والمنهاج ، ويكون التعاون بينها متواصلاً قائماً على المحبة والنصح ، وأما تعدد الجماعات من منطلق الفكر والمنهاج فهذا خلاف لما عليه الطائفة المنصورة ، بل هذا تفرق واختلاف مذموم والحق فيه واحد لا يتعدد ويؤكد ذلك المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله : وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزباً فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق والباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف ونهيا عن التفرقة والاختلاف وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ". وفي الصحيحين عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " وشبك بين أصابعه. مجموع فتاوى ابن تيمية جزء 11 . ونخرج مما سبق بقضية يغفل عن فهمها كثير من الناس ، وهي ما يتعلق بالعمل الجماعي ، إذ تبين النصوص الصريحة وجود طائفة ظاهرة على الحق وبلا شك أن العمل ضمن هذه الطائفة واجب ، وأن كل طائفة خالفتها بمعتقد أو بمنهج فهي من الفرق الضالة التي توعدها الله سبحانه بجهنم ، وكذلك فإن اعتزال هذه الطائفة وعدم التعاون معها أو خذلها من الكبائر سواء كان ذلك على النطاق الجماعي أو الفردي ، إلا أن هذا القول قد يشكل على كثير من الناس ، فلا بد له من ضابط يميز المرء من خلاله الطائفة التي يجب أن يعمل معها ، وبين الطوائف التي يجب اعتزالها ، ونستطيع أن نميز الطائفة التي هي على الحق من غيرها بضابطين اثنين : الأول : أن هذه الطائفة تتصف بصفة الاستمرارية ، فقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال) يقتضي وجود هذه الطائفة في كل عصر دون انقطاع ، ولا شك أن بدايتها الرعيل الأول من هذه الأمة ، وهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم ثم من سار على نهجهم إلى يوم الدين ، وقد بينا هذا ملخصاً من خلال الأدلة المحكمة ، ويدل هذا القول على أن الجماعات المحدثة لا تتصف بصفة الاستمرارية التي تتصف بها الطائفة المنصورة وعليه فلا تكون هي المرادة من هذا الحديث . الثاني : أنه يجب على كل مسلم أن يكون بهذه الطائفة ، فهي طائفة توحد الأمة ولا تفرقها ، على خلاف الطوائف الأخرى فهي تفرق الأمة ولا توحدها ، وحتى تتوحد الأمة لا بد من أمور تعين على التوحد ، وهذا لا يكون إلا من خلال قيام هذه الطائفة على النصوص المحكمة التي لا يراد منها إلا ظاهر اللفظ دون تأويل ودليل ذلك قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) . (59) النساء فالآية واضحة بأنه إذ حدث نزاع بين المسلمين ، فالواجب عليهم رد ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة حتى يرتفع التنازع ، وإننا نرى الفرق والأحزاب متنازعة وإن كان جميعهم يقولون بأننا نعتمد بأفهامنا على الكتاب والسنة ،وأننا نرد ما اختلفنا فيه إلى الكتاب والسنة ، ومع ذلك فالخلاف بين هذه الجماعات واضح ، والفجوة بينهم كبيرة ، والسبب في ذلك راجع إلى أن كل فرقة من هذه الفرق تعتمد على النصوص المتشابهة وتفهمها من منطلق قواعدها التي قعدت لها ،ومن هنا يأتي الخلاف بحيث تحمل كل طائفة من هذه الطوائف الأدلة الشرعية على فهمها بعيداً عن موافقة غيرها من الطوائف ، ولو ردت كل طائفة من الطوائف ما اختلفت فيه إلى ما أحكم من الكتاب والسنة ، وبنت الفرع على الأصل لرفع الخلاف من الأمة ولتوحدت على الحق جهود المسلمين ،ولكن الحال كما قال سبحانه : ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين ) .َ (119)هود سابعاً : إن الواجب على الأمة أن تكون تحت إمرة الخليفة الشرعي وفي جماعته ويحرم على أي فرد من أفراد الأمة الخروج عن الجماعة أو مخالفتها أو الخروج عليها ، وهذا الحكم عام ،والأصل في المسلمين أن تكون لهم دولة ويكون لهم إمام ، والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ). والأحاديث في ذلك كثيرة منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية ) . أخرجه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم : (من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه). أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان . ولا شك أن المقصود من هذه الجماعة ، الجماعة التي تجتمع على طاعة الإمام كما ذكر الشاطبي في ( الاعتصام 2 / 260 و ما بعدها ) : اختلف الناس في معنى الجماعة المرادة في الأحاديث على خمسة أقوالٍ : أحدهـا : إنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، و الثاني : إنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين . و الثالث : إنها الصحابة على الخصوص .الرابع : إنها جماعة أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمر . و الخامس : إنها جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير . وكل هذه التعرفات تدل على معنى واحد وهو اتباع الحق الذي يجمع بين المسلمين ولا يفرقهم ،ولذا اختلفت عبارات العلماء في تحديد الجماعة على أقوال متعددة ترجع كلها إلى ما ذكرنا ، وإليك بعضاً من هذه الأقوال المنسوبة إلى أهل العلم :بوَّب الشيخان كلٌّ في صحيحه ، و النسائيُّ , و الترمذي ، كلٌّ في سننه ، على لزومها .فقال البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب و السنة من صحيحه : باب قوله تعالى : { و كذلك جعلناكم أمَّةً وسَطاً } وما أمر النبي صلى الله عليه و سلّم بلزوم الجماعة و هم أهل العلم .و قال الإمام مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه : باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ، و في كل حال ، و تحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة .و عَنوَن النسائي في سننه : قتلُ من فارق الجماعة ، و ذِكرُ الاختلاف على زياد بن عِلاقة عن عَرْفَجَةَ فيه .وعقد الترمذي في سننه باباً سمَّاه : باب ما جاء في لزوم الجماعة .قلتُ : و الجماعة التي يجب على المسلم لزومها ، و يحرم الخروج عليها ، ويستحق الوعيد من فارقها ، هم أهل الحقِّ في كل عصرٍ و مِصرٍ ، و إن قَلُّوا .قال أبو شامة المقدسي رحمه الله ( كما في شرح أصول الاعتقاد للالكائي و تاريخ دمشق لابن عساكر): حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة ، فالمراد به لزوم الحق و اتِّباعه ، و إن كان المستمسك به قليلاً ، و المخالف كثيراً . ثم استدل بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إن الجماعة ما وافق الحق ، و إن كنت وَحدَك .و في ( تاريخ دمشق ) أيضاً أنّ نعيم بن حمَّاد رحمه الله قال : (( إذا فسدت الجماعة ، فعليك بما كانت عليه قبل أن تفسد ، و إن كنت وحدك ، فإنَّك الجماعة حينئذٍ . و قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في سننه ( 4 / 476 ) : و تفسير الجماعة عند أهل العلم هم أهل الفقه و العلم و الحديث.و قول الترمذي هذا موافقٌ لما تقدّم معنا قبل قليلٍ . وقال الإمام البخاريِّ رحمه الله في معنى الجماعة : هم أهل العلم . وبهذا نتيقن بأن المقصود بالجماعة هم أهل الحق ،ولا شك بأن أهل الحق مذعنون بالطاعة والانقياد إلى أمير الجماعة ، وهو الخليفة ما لم يظهر الكفر البواح ، وعليه فلا وجود لهذه الجماعات المتنافرة المتدابرة لأنه من خرج عن طاعة الإمام إلى طاعة غيره فهو خارجي مهدور الدم فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم إمرىء مسلم يشهد أن لا إله ألا الله وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) . رواه البخاري ومسلم وهذا الحديث صريح الدلالة بأن الذي يفارق الجماعة يكون قد فارق دينه وإن أتى بالشهادتين ، ولا خلاف في أن المقصود بالجماعة جماعة الإمام . ولا يقال بأن جماعة الإمام غير موجودة اليوم ، لذا فالواجب على المسلمين أن يقيموا جماعات من أجل إعادة الخلافة . أقول إن هذا القول غير صحيح لمخالفته للنص الصريح وهو ما جاء في الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال : ( كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال "نعم" قلت فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال "نعم وفيه دخن" قلت ما دخنه؟ قال "قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر" قلت فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال "نعم" دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها" قلت يا رسول الله صفهم لنا قال "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" قلت فما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك؟ قال لتلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري . قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث :هو كناية عن لزوم جماعة المسلمين وطاعة سلاطينهم ولو عصوا . قال البيضاوي : المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان ، وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة الألم ، أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر " عضوا عليها بالنواجذ " ويؤيد الأول قوله في الحديث الآخر " فإن مت وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم " وقال ابن بطال : فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك الخروج على أئمة الجور ، لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم " دعاة على أبواب جهنم " ولم يقل فيهم " تعرف وتنكر " كما قال في الأولين ، وهم لا يكونون كذلك إلا وهم على غير حق ، وأمر مع ذلك بلزوم الجماعة . قال الطبري : اختلف في هذا الأمر وفي الجماعة ، فقال قوم : هو للوجوب والجماعة السواد الأعظم ، ثم ساق عن محمد بن سيرين عن أبي مسعود أنه وصى من سأله لما قتل عثمان " عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة " . وقال قوم : المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم ، وقال قوم : المراد بهم أهل العلم لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر الدين . قال الطبري : والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره , فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة ، قال : وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر ، وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث ، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها أ هـ . فتح الباري ( كتاب الفتن جزء 13 ) . فالحديث واضح بأنه يجب على المسلمين التزام جماعة المسلمين وإمامهم ، وأنه إذا لم يكن لهم جماعة ولا إمام فالواجب عليهم اعتزال الفرق كلها ،وعدم الانتماء إلى أي جماعة من الجماعات ، وهذا واضح للغاية فقوله صلى الله عليه وسلم حين سأله حذيفة رضي الله تعالى عنه – إذا لم يكن لهم جماعة ولا إمام – يفهم منه أحد وجهين ، الأول ، أن لا يكون هنالك مسلمون أصلاً ، وهذا غير مراد ، الثاني أن يكون هنالك مسلمون ، ولكنهم جماعات متفرقة كما هول الحال اليوم ، لذا قال صلى الله عليه وسلم : ( فاعتزل تلك الفرق كلها ) . ولو كان الواجب هو العمل ضمن فرقة من هذه الفرق لقال صلى الله عليه وسلم ،فالتزم فرقة من هذه الفرق إذ القاعدة الشرعية تنص على إنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهذا ظاهر أيضاً . وثمّ أمر آخر وهو ، أن من أبرز أسباب ضياع الخلافة الإسلامية هو التفرق والاختلاف الناتج عن التحزب ،لقوله تعالى : (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين) .َ (46) الأنفال وعليه فلا يكون العمل لإقامة الدولة الإسلامية من خلال التحزب والتفرق ، إنما بالعمل الجماعي المنبثق عن فهم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين . ثامناً : إن القول بتعدد الأحزاب قول محدث لا دليل عليه لا من الكتاب ، ولا من السنة ، ولم ينقل عن أحد ممن يعتد بقوله ، بل إن ما ذهبوا إليه من استدلال لغوي بأن أمة نكرة والنكرة تفيد التعدد قول مستغرب للغاية ،فإن النكرة تفيد العموم ، أي إذا قلت جاء رجل ، فيفهم من قولي أن رجلاً واحداً قد أتى ، ولا يفهم منه أنه جاء رجلان ، ولكن الذي لا يفهم هو ، حال الرجل وتعينه ، وكذلك لو قلت اشتريت ساعتين ، فلا يفهم من هذا القول إني اشتريت ثلاث ساعات ولا أربع ، بل يفهم من ذلك تحديد العدد ، وما يبهم هو الوصف والتعيين ، أضف إلى ذلك أن كلمة أمة في الآية الكريمة وهي قوله تعالىوَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون ) .َ(104)آل عمران ليست موغلة بالنكارة بل هي نكرة موصوفة ، والنكرة في اللغة إذا وصفت خصصت ، فعلى سبيل المثال لو قلت : جاء رجل طويل ، يخرج من هذا الوصف كل رجل قصير ، ولو قلت جاء رجل طويل عالم ،لدل الأمر على رجل خاص فانقضى العموم ، وفي هذه الآية الكريمة بين الله سبحانه المراد بكلمة أمة ، من خلال ما أناط بها من أعمال وهي الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، وقد مضى القول بأن هذا المعنى لا يراد منه إلا أهل العلم ،أضف إلى ذلك أن كلمة أمة تتضمن هذا المعنى وإن لم توصف ، فكيف الأمر وقد وصفت ؟ ومن باب آخر فإن هنالك فرقاً بين الحزب والجماعة وإليك الفرق الجماعة لغة مجموعة من الناس ، وهذا المعنى يطلق على الحزب أيضاَ ، فكل لفظ من لفظي الحزب والجماعة يدل على معنى واحد ألا وهو الجماعة من الناس ، إلا أن بينهما عموماً وخصوصاً ، فقد يطلق لفظ الجماعة ويراد به الحزب ، وكذلك العكس ، فالجماعة مجموعة من الناس قد تشترك على أمر واحد ، وقد لا تشترك على خلاف الحزب فإن فيه معنى الاشتراك كما في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ) . أي أشتد عليه ، فيفهم من التحزب معنى الشدة ، وهو التعاضد والتناصح الذي يكون في الجماعة الواحدة وهي الحزب ، وهذا المعنى لا يشترط في الجماعة ، فقد يجتمع بعض الناس على غير تعاضد وتناصح ومع ذلك لا يخرجون عن كونهم مجتمعين ، إذن فالحزب فيه معنى الترابط وهو لازم له ، على خلاف الجماعة فقد يكون الترابط موجوداً وقد لا يكون كما مثلنا في ذلك ، فالحزب على هذا المعنى أخص من الجماعة والجماعة أعم ،والأصل في المسلمين أن يكونوا حزباً واحداً كما جاء في الحديث الصحيح عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) .رواه مسلم وغيره لذا نهى الإسلام عن كل ما يحول دون تحقق هذا المعنى في المسلمين جميعاً ،ومن ذلك التفرق والاختلاف وقد جاء في الحديث ما ينهى عن التحزب الخاص في الأمة والذي يؤدي إلى تفريقها فقد أخرج الشيخان عن عاصم الأحول قال: قلت لأنس: أبلغك أن النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله قال: (لا حلف في الإسلام ) . فقال أنس بن مالك: "قد حالف النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بين قريش والأنصار في داري ). يقول ابن الأثير رحمه الله: أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والإتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن، والقتال بين القبائل، فذلك الذي ورد عنه النهي في الإسلام بقوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: "لا حلف في الإسلام"، وما كان منه في الجاهلية على نصرة المظلوم، وصلة الأرحام، كحلف المطيبين، وما جرى مجراه، فذلك الذي قال فيه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: "وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلاّ شدة" يريد من المعاقدة على الخير، ونصرة الحق، وبذلك يجتمع الحديثان، وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام، وقيل: المحالفة كانت قبل الفتح، وقوله: "لا حلف في الإسلام" قاله زمن الفتح فكان ناسخاً. أ هـ والمتأمل في هذا الحديث يعلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حرم الحلف في الإسلام ، فقوله : ( لا حلف ) يقتضي العموم إذ جاء اللفظ نكرة في سياق النفي فدل على العموم ولا يستثنى منه إلا ما كان موافقاً لأصول الشريعة ، وهو التناصح على البر والتقوى وإصلاح ذات البين ، وغير ذلك ، وأما إن كان متعلقاً بجماعة دون جماعة فهذا لا يجوز البتة ، بل يعتبر أصحابه آثمين مفرقين للأمة ينطبق عليهم ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات ، مات ميتةً جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة ، أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة ، فقتل فقتلة- جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها ، وفاجرها ، ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده ، فليس مني ولست منه ) . ولا يختص هذا الحكم بمن انتسب إلى جماعة أو حزب ، بل هو عام في كل من تعصب لمذهب أو شيخ أو جماعة ، أو فكر ، فهنالك الكثير من الناس لا ينتمون إلى أي حزب ، بل يحرمون ذلك ، ولكنا نراهم في الوقت ذاته يتعصبون إلى شيوخهم ، وأفكارهم التي بنيت على الاجتهاد المحتمل للصحة والخطأ ، ويضللون المخالفين لهم وإن كان الحق معهم ، وهذا بلا شك من التعصب المذموم ، وقد بينت ذلك في النقاط السابقة . وخلاصة الأمر : إن التحزب الذي يؤدي إلى تفريق الأمة ، وخروج بعضها على بعض ، ويكون سبباً في دب العداوة والبغضاء بين الأمة الواحدة فهو تحزب محرم مذموم ، وأما إن كان تعدد الجماعات مبنياً على القواعد الثابتة غير مخالف للأصول المتفق عليها ،والتي تقوم على منهج أهل السنة والجماعة ، فلا يعتبر تفرقاً أصلاً ، بل هو تفرق باعتبار التنوع لا باعتبار التضاد ، وعليه فلا منافاة بين الأحاديث التي دلت على لزوم الجماعة ، وبين الأحاديث الدالة على تحريم التفرق والاختلاف . ، وأما استشهادهم بالآية الكريمة فضعيف خاصة وأن الآية وقعت بين آيتين ، الأولى قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) . والثانية قوله تعالى : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) . وكلا الآيتين قد نهت عن التفرق والاختلاف الذي هو سبب دب العداوة والبغضاء في الأمة ، وهذا الذي نراه في هذه الأحزاب اليوم نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق إنه سميع مجيب . وكتب إبراهيم بن عبد العزيز بركات 22/محرم/1425 هـ 14/3/2004م </h1> p;l hgjp.f td hghsghl | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018