العدّةُ والعَتَاد في الدعوةِ لدين ربّ العباد

[صقر الاسلام]

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع هذا كتبه لنا شيخنا الفاضل صليل الصمصامة وهو احد الكتاب المعروفين وله اسهامات كبيره في مجال الدعوه فجزاه الله خير الجزاء وليسمح لي بنقل موضوعه هنا للاستفاده .


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد :-

هذه رسالة أرسلها لكل مُتلبِس بلباس الدعوة إلى الله هذا اللباس الطاهر الذي يُعطاهُ من تفضل وامتن الله عليه ضُمّنت فيه عُدة : وهي علاقة العبد مع الله. وعتاد : وهو ما يُستعانُ به على الدعوة إلى الله وكلا الأمرين واحد لا ينفكان .....

وأحب أن أقدم بأمر مهم في هذه المسيرة المباركة:

قبل أن يُوحِي الله سبحانه وتعالى لنبيه r بالرسالة ظهرت عليه بعض الأمور التي غيرت من حياته .. فحُبِبَ إليه الخلوة والتعبد وكان يخلو بالأيام يتعبد حتى أصبح القلب محلاً للرسالة فأوحى الله إليه ثم أُمر بالبلاغ فقال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ{1} قُمْ فَأَنذِرْ{2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ{3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ{4}

وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ{5} وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ{6} وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ{7}

وهنا اذكر فائدة : ( أن الإعداد قبل الخوض في أي أمر مهم جدا فهو يساعد في إنجاح وإنجاع العمل وأعظم أمر يلزم المتلبس به أن يعد له هو الدعوة إلى الله فكان النبي r "بخلوته وبعده عن المجتمع

المشرك وتعبده وتفكره ... وعمله للخيرات" قد هيئه الله لهذه الدعوة التي قال سبحانه وتعالى عنها: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً{5} )

فحملُ الأمرِ الثقيلِ يحتاج إلى قوةٍ وإعدادٍ حتى يسهل حمله أو يتصبر الحامل له عند حمله ودين الله أعظم ما يُحمل والدعوة إلى الله أعظم ما يُبذل فتنبه ...

عدة الداعية

إن الداعية إلى الله حاله يختلف تماماً عن عامة الناس

فإن الأنظار تُوجَهُ إليه والخناصر تُعقَدُ عليه

فخطأٌ يسير في ميزان الناس كبير

وهو الصورة التي يُقدمُ من خلالها وجه المستقيم

المتمسك بهدي محمد صلى الله عليه وسلم

وهذه المقدمة اذكرها ليُعلمَ أن الأمر ليس مجرد هواية أو للتجربة

وسأذكر أموراً أراها مهمة لابد للمُتلبس بهذا الأمر

الحرص عليها والاهتمام بها ...

1. لابد للإنسان إذا أراد إصلاح نفسه أن لا يشتغل إلا بعيوبه وينظر في خلله فيبدأ بالأصول ثم الفروع .

2. طريق إصلاح النفس لا يكون بالنظر في العيوب فقط .

فقد يكون الإصلاح بالتزود من الأعمال الصالحة ومع الأيام تزول العيوب .

3. الاهتمام البالغ بالعبادة وخاصة الفرائض ثم النوافل .

4. احرص على أن تكون سباقاً للخير في جميع الأمور .

5. اهتم بأخلاقك اهتماماً بالغاً .

"عدم الغضب , الابتسامة , التنازل , ادفع بالتي هي أحسن"

6. أكثر من دعاء الله سبحانه وتعالى .

"اهتم بأدعية النبي r لا تخرج عنها"

7. أكثر من ذكر الله عز وجل خاصة القرآن والاستغفار.

8. احرص على إحياء ما أُمِيت من سنة النبي rوتخير ما صح منها "فإن حياتها حياة لقلبك"

9. اجعل لك أعمال صالحة تتعهدها . مثلا :-

" يوميا : الصدقة "

" يوم بعد يوم : زيارة مريض "

" أسبوعيا : صيام الاثنين والخميس "


" شهريا : عمرة أو صيام الأيام البيض "


" سنويا: الحج .."

ومن ذلك استغلال مواسم الخير والتعرض لنفحات الله

10. تدبر القرآن. اجعل لك زاد ولو آية كل يوم "أفردته لأهميته"

11. الحرص على ما يرقق القلب.

"زيارة المقابر , المرضى , إتباع الجنائز , تدبر القرآن , بر الوالدين , مسح رأس اليتيم , العطف على المسكين , إطعام الطعام , الوقوف مع المظلوم ونصرته"
12. لابد أن يكون لك وقت تخلو به مع نفسك تراجعها وتحاسبها
فإن هذا الأمر يحث على التوبة وإخلاص العمل وإصلاحه .

13. احرص على عبادة الخلوات . وهذا الأمر مهم جدا
فإنه سبب نجاة العبد في دنياه وآخرته وبِه يُوفَقُ العبد في أموره كلها وهي من أسباب حسن الخاتمة وعلامة على إخلاص العبد ومن أعظم وسائل الثبات على الدين وسبب في استجابة الدعاء ." ولا يوفق الله إليه أحداً إلا إذا أحبه "

14. استحي من الله. " وهذه وصية النبي r لرجلٍ استوصاه فقال : استحي من الله كاستحيائك من
رجلٍ عظيمٍ ذا هيبةٍ في قومك" والحديث فيه تشبيه وهو على غير حقيقته بل للتقريب فلا يمكن أن نستحي من عبد كما نستحي من الله ...

وهنا أمر , انظر في نفسك مع من تحترمه وتقدره هل تستطيع أن تسيئ لأحدٍ في حضوره؟ الجواب: لا.
فلما تنتهك المحارم والله ينظر إليك فإذا استحييت من الله أطعته في سرك وعلانيتك وراقبته فهذا عين معنى الإحسان : أن تعبد الله كأنك تراه ... "أي مستشعرا مراقبته"

15. احرص على معرفة أسماء الله وصفاته ومعانيها.

فإن لذلك الأثر البالغ في حياتك ومن فوائده تعظيم الله وتعظيم حرماته ... قال الله تعالى : {ْ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } وقال أيضا : { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ }

16 . حسّن أخلاقك فالأخلاق أفعال و الأفعال أبلغ في التأثير من الأقوال و الأفعال بريد الأقوال

وهي ميزان الناطق فإذا ما أحسنت الفعل أصبح القول له قيمة و نفوذ و إذا كان الفعل مخالف للقول أصبح القول كوسوة الشياطين لا يؤثر منه إلا ما كان الشيطان له نافخ " أي ما كان في سبيل الشر "

17 . لا تضيع وقتك فيما لا يعود عليك بالنفع فإن ضياع الأوقات نقض للبناء , فإن كنت تبني " نفسك " فلن تكمل أو أصبح البناء مهلهلاً لا يتماسك , و إن كان البناء قائم , أفسدته بإهماله , ولربما هشّمه ريح أو روّع أمنه عاصف أو زلزلة جعلته والأرض سواء .


احذر ...

.. ابتعد عن كل ما يبعدك عن الله ..

· ما يتعلق باللسان "الغيبة , النميمة , الكذب , الكلام في الأعراض , الخطاب الغليظ مع الوالدين ... وغير ذلك"

العلاج: بشغله بذكر الله ...
فإذا ما اشتغل به عصمه الله عن مثل هذه الأمور .

· الكبائر بأنواعها وتوقى قدر المستطاع الصغائر
واجعل بينك وبين المحرم حاجزاً بترك كثير من المباحات "تورعاً" لتحافظ على قلبك .

· ظلم الناس وسوء الظن بهم فإن الهلاك فيهما ....
يقول أحد السلف : (لأن أقابل الله بمئة ذنب بيني وبينه
أحب إلى من أن أقابله بذنب بيني وبين الناس) .

· عن ما يفسد القلب "حب الظهور , الشهرة , الرئاسة ,
الغرور , العجب , الحسد , الكبر , الرياء ..."

· معاصي الخلوات فإنها تفسد القلب أيما فساد
وهي من أعظم وسائل الانتكاسة والرجوع عن الاستقامة .

· الانتصار للنفس .

"لم ينتصر النبي r لنفسه قط"

· أن تجعل أذنك وقفاً لكل ما يُنقلُ فإنه سبيل لفسادِ الأُخوة .

"لا يحدثني أحد عن أصحابي فإني أحب أن اخرج إليهم وأنا سليم الصدر"

· أن تكون ذا وجهين تقابل الناس بوجه وأهل بيتك بوجه آخر .

عتاد الداعية

هذا العتادُ هو زاد الداعية في تعامله مع الناس وتقديم الصورة الصحيحة لمن تمسك بسنة النبي r

ومعه يتجاوز الداعية جميع الصعاب والعقبات أمامه .. بإذن الله وتوفيقه.

1: اعلم أن الدعوة إلى الله شرف لا يتقلده إلى من أحب الله وأراد وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام .
2: أن طريق الدعوة ليس مفروشاً بالورود ولا بالزهور بل بالبلاء والعناء

كما حصل مع النبي r والأنبياء من قبله عليهم الصلاة والسلام ولكن العواقب أحلى من الماء البارد في رابعة النهار وإن التمكين لا يكون إلا بعد البلاء .. "ليميز الصادق من الكاذب".

3: الدعوة إلى الله على مراحل :-

1) إصلاح النفس 2) دعوة الأقربين 3)الدعوة لعامة الناس

4: لا يلزم من الدعوة أن تكون بالكلام فقط بل بالكلام والفعال ."القدوة الحسنة"
5: الدعوة يجب أن تُركز ابتداءاً على قلب المدعو .

يقول النبي r :-" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله

وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب "

6: لا تستعجل الثمرة فقد لا تراها "ولكن أجرك مكتوب إن شاء الله" وتذكر "يأتي النبي وليس معه احد" وقد تظهر فيما بعد ولا يعني عدم ظهورها أنها فشلت.

7: الصبر على المدعو والرحمة به وغض الطرف عن بعض الأخطاء عنده خاصة إذا كان قد تعود عليها والصبر في معالجتها. "تذكر أنه بشر"

8: احرص على أن تعلق المدعو بالله سبحانه وتعالى .
يقول النبي r لابن عباس وهو صغير : "إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ...."
علقه بالقرآن وبالسنة فإنها معصومة وأنت لست بمعصوم.

9: ترتيب الأولويات عند المدعو . "فلا يُقدَمُ النفل على الفرض"

10 : إخلاص النية في الدعوة إلى الله .
فعلى قدر إخلاصك يكون الأثر وما تُقُرِبَ إلى الله بشي أحب من التوحيد.

11: سؤال الله التوفيق والسداد في دعوتك .

12: إذا رأيت فتح الله عليك فقابل ذلك بالشكر . "ولتعلم أنه فضل الله وحده"

13: إذا أردت أن ترى الأثر البالغ في المدعو فلا تدعه إلى شيء إلا إذا عملت به .

"تريد أن تحثه على الصدقة كل يوم .... فتصدق انت كل يوم"

وتذكر قول الله تعالى : "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لاتفعلون"

14: لا تُظهِر نفسك وكأنك مَلَكَ لا تُخطئ .

15: كَسِر كُل حاجز بينك وبين من تدعوه , وهذا يتم بأن تكون له اخاً صادقاً .

16: استره إن علمت عنه ما يسُوء أو ذكر هو لك على سبيل طلب العلاج
فإن لم تعلم علاج ذلك اسأل من له خبرةً في ذلك
وقل: "رجلٌ حصل له كذا وكذا ..." ولا تقل فلان" .

17: تفقد إخوانك غالباً "في عباداتهم وأحوالهم وأمورهم من كان مريضا منهم من غاب ومن حضر ...." فإن هذا يجعل لك محبةً في نُفوسِهم .

18: لا تُداوم على النُصح المباشر وليكن شعارك "ما بال أقوام"

ويتأكد ذلك إن كان أمام الناس .

19: التدرج مع المدعو . "لا تكلفه فوق طاقته وكن معه كمن زرع زرعاً جديداً فإنه يتعاهده ويصبر عليه ويسقيه من الماء ما يحتاجه .."

20: بُثَ رُوحَ التفاؤل في نفسك و فيمن تدعوه .

"إن من كان مع الله لا يعرف اليأس أبداً"

21: الحرص على استغلال الوقائع والأحداث "التذكير بنار الآخرة إذا كان الحر شديداً , التذكير بحقوق الإخوة عند رؤية إخواننا في غزة ..."

22: التذكير بالموعظة يكون على فترات .

" كان النبي r يتخولنا بالمواعظ ..."

واختيار الوقت المناسب لها.

23: من الأفضل أن يكون بينك وبينه برنامجاً "فردياً" .
يعين بعضكما بعضاً على الخير "تخير المقبل وقدمه على غيره"

24: لا تجعل اعتماد المدعو في أموره دائماً موجهاً عليك

"شاركه في حلها واسمع منه"

25: تربية المدعو على العمل للدين والبذل له والصبر في ذلك.

مطالب مهمة

هذه المطالب أفردتها لأنها لا تخلو أهمية عن سابقتها فهي من العتاد الذي لا يُتَحصْلُ إلا بهذا الطريق والحرص على هذه الأمور وبتحصيلها يَقطعُ الداعية في طريق دعوته مسافات لا تُقطعُ إلا بها ....

v تَدبُرُ القرآن واستنباط الفوائد منه على ما يقدحه زِنادُ عقلك
وخاصةً ما يتعلق بدعوة الرسل وتعاملهم مع أقوامهم.

v اجعل لك زاداً يوماً بعد يوم من سيرة خير المرسلين واستخراج الفوائد منها.
v احرص على حضور دورات في الاتصال مع الناس "فن التعامل"
إن تيسر ذلك أو خذ بعض الكتب في ذلك

ومن الكتب النافعة "استمتع بحياتك" للشيخ محمد العريفي
v إن استطعت الاطلاع على بعض الكتب في فهم شخصيات الناس
وطرق التعامل معهم فحسن.

v الجلوس مع أهل الخبرة في هذا المجال والإفادة منهم.

v الحرص على العلم الشرعي "وخاصة ما كان فرضاً عليك"
لأنا نرى بعض من يدعو إلى الله لا يهتم بهذا الجانب
فيفصل بين العلم وطلبه وبين الدعوة إلى الله وهذا غلط فهما متلازمان.

v القراءة في فضل الدعوة والعمل للدين.

وأخيراً : قال علي رضي الله عنه : ( القلوب وحشية فمن تآلفها اقبلت عليه)

---

hgu]~mE ,hguQjQh] td hg]u,mA g]dk vf~ hgufh]

[شريف حمدان]

[ابو قاسم الكبيسي]

جزاك اللهُ خيراً
أللَّهُمَّ إِنِّي أَسألُكَ مِن فَضلِكَ ورحمَتِكَ فَإِنهُ لايَملِكُهَا إِلاَّأَنت
أللَّهُم إِني أَسأَلُكَ رِضَاكَ وَالجَنةَ،
وَأَعُوذ بكَ مِن سخطِكَ
والنَّارِ.
أللَّهُمَّ أَحسِن عاقِبَتِنَا فِي
الأمورِكُلهَا
وَأَجِرنَامِن خِزيِ الدُّنيَاوَعَذَابِ الآخِرَةِ
نحن ومن جمعنا الله بهم فى هذا المكان الطيب
يارب العالمين . .
تقبل الله منا ومنكم صالح ألأعمال