المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ملتقى ماسي | الرتبة | | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | 12 / 12 / 2007 | العضوية: | 7 | المشاركات: | 3,751 [+] | بمعدل : | 0.61 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 591 | نقاط التقييم: | 184 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح أعضاء ملتقانا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ونصل الى الحلقة الاخيرة من الذكريات الرائعة للدكتور غانم قدوري الحمد .. ولمن لم يقرأ الحلقات السابقة فعليه ان يعود للروابط التالية : و و و ذكريات د . غانم قدوري الحمد .. أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة تكريت بالعراق " الحلقة السابعة " و ذكريات د . غانم قدوري الحمد .. أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة تكريت بالعراق " الحلقة الثامنة " و ذكريات د . غانم قدوري الحمد .. أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة تكريت بالعراق " الحلقة التاسعة " و ذكريات د . غانم قدوري الحمد .. أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة تكريت بالعراق " الحلقة العاشرة " و ذكريات د . غانم قدوري الحمد .. أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة تكريت بالعراق " الحلقة الحادية عشر " و ذكريات د . غانم قدوري الحمد .. أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة تكريت بالعراق " الحلقة الثانية عشر " ـــــــــــــــــــــــــــــــ الحلقة الثالثة عشر والاخيرة تغيير موعد المناقشة الأحد 12 أيلول 1976م = 17 رمضان 1396هـ كنت أرجو أني في مساء الأحد القادم أُنَاقِشُ البحث أو أُنَاقَشُ فيه , ودار في خاطري هتاف الفرح المرجو بعد هذا الشوق الطويل , وبعد أن حضرتُ مناقشة رسالة طالب فلسطيني أردني في علم اللغة هذا المساء ، وبعد أن ذاق ألواناً من النقد والإحراج , انصرف الناس . وسَلَّمْتُ على المشرف أستاذي الدكتور عبد الصبور – الذي كان أحد أعضاء لجنة الحكم - قبل انصرافه , فإذا به يخبرني أن الدكتور عبده الراجحي قد اتصل به هاتفياً من الإسكندرية يخبره أنه غير قادر على المشاركة في المناقشة يوم 19/9 , وهو يقترح أن تكون المناقشة يوم 30/9 , حتى تتاح له فرصة قراءة الرسالة قراءة تامة , واستقبلت الخبر ببرود , ومع أنه قد غَيَّرَ كل الخطط وهَدَمَ كل الآمال إلا أملاً واحداً بالله , فإني لم أجزع , ولم أملك إلا أن أقول إن شاء الله , ومع أن الموعد الجديد لا يؤخرني أكثر من أسبوعين أو ثلاثة فإن وقعه كان في النفس مؤلماً , أولا: لأني أخذت أسترجع تاريخ اختيار الأعضاء في المناقشة والمساومات ، وثانيا: لأن ذلك يعني أن عليَّ أن أؤخر الحجز في الباخرة من الإسكندرية إلى اللاذقية ، وأن أؤخر استلام السيارة الجديدة التي اشتريتها من شركة نصر لآخذها معي عند سفري , وثالثاً : تأخر سفري إلى الأهل تأجيل آخر لموعد المناقشة الأربعاء 22 أيلول 1976م = 27 رمضان 1396هـ كان هذا اليوم هو موعد السفر قبل أن يُغَيَّرَ موعد المناقشة إلى يوم 30/9 وهو التغيير الذي لم يكن أخيراً ولا قبل الأخير ، فقد رضيت بيوم الثلاثين من شهر أيلول ، ورحت أهيئ نفسي لموعد سفر جديد ، ووجدت أن باخرة تغادر الإسكندرية يوم 3/10 فقلت إنها فرصة طيبة , رغم عجالتها , فَغَيَّرْتُ موعد السفر إلى ذلك اليوم ، وأَجَّلْتُ موعد استلام السيارة إلى يوم 2/10 ، ومرت بضعة أيام وذهبت إلى الإسكندرية والتقيت بالدكتور عبده الراجحي وسلمته كتاباً من الكلية بالانتداب للمناقشة ، وسلمته كشفاً بتصحيح الأخطاء الطباعية في الرسالة , واعتذر لي عن تأخير موعد المناقشة , وقد كان ذا خلق وأدب جم جزاه الله خيراً , وذهبت اليوم إلى الكلية لأسلم الدكتور عبد الله درويش نسخة من الكتاب ومن الكشف , وعندما قابلته فاجأني أنه يريد تغيير موعد المناقشة إلى يوم السبت 2/10 , حاولت أن أحدثه عن ارتباطي ببعض الأمور وأبين له حراجة ذلك بالنسبة لي , فما كان منه إلا أن يرمي بالأوراق بوجهي !! , وما كان مني إلا أن أنصرف , وأمام ناظري ما يجب عليَّ أن أفعله إذا تم هذا التغير , وذهبت بعد الإفطار إلى المشرف وحدثته بالأمر , فأعلن استنكاره بادئ ذي بدء لكنه عندما اتصل بالدكتور درويش بالهاتف غَيَّرَ رأيه ووافق على الموعد الجديد , وأبدى الأعذار والحجج , وأرجو أن يكون هذا الموعد آخر موعد , إن شاء الله . إجراء المناقشة في موعدها! الخميس 30 أيلول 1976م = 6 شوال 1396هـ رجعت عصر أمس من الإسكندرية متعباً , فقد سافرت في الصباح من القاهرة إلى هناك لأحاول العثور على مكان في الباخرة إلى سوريا , بعد أن ألغيت الحجز على الباخرة المصرية يوم 3/10 بعد أن تأجلت المناقشة إلى يوم 2/10، وحين علمت أن الحجز على الباخرة الروسية التي تقلع يوم 6/10 لا يبدأ إلا يوم الأحد القادم نويت الرجوع لكني قلت لأمرَّ إلى كلية الآداب في جامعة الإسكندرية أسلم على الدكتور عبده الراجحي , وحين التقيت به كانت المفاجأة , ذكر لي أنه لم يوافق على تغير موعد المناقشة إلى يوم 2/10 ، وبذلك فإن الموعد ظل على حاله يوم 30/9 ، وكان عليَّ بناء على ذلك أن أعود إلى القاهرة بسرعة لأُعِدَّ نفسي للمناقشة , إذ ليس بيني وبينها إلا بضع عشرة ساعة , فسهرت في الليل إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً ، واستيقظت في الصباح مبكراً وأتممت كتابة الخطبة ، واعتمدت فيها على المقدمة والخاتمة , وكان علي أن أنتظر الدكتور عبده الراجحي صباح هذا اليوم في محطة القطار وأهيئ سيارة تنقله إلى الكلية , وفعلا تم ذلك ، ووصلتُ الكلية معه بسيارة صديق حوالي الحادية عشرة والنصف , وبدأت المناقشة قريباً من الساعة الثانية عشرة , وقد شعرت بتعب شديد عند إلقاء الخطبة مع الانفعال والتوتر ، لكن الأمور بصورة عامة جرت هينة يسيرة والحمد لله , وبدأ المناقشة الدكتور عبد الله درويش , وقال كلاماً عاماً , وتوقف عند بعض الأمور , وكشف من كلامه أنه لم يقرأ من الرسالة إلا القليل ، فكان كلامه ونقاشه متعباً ، ثم ناقش الدكتور عبده الراجحي فكان كلامه دُرَراً قَلَّدَها للرسالة ، وتكلم كلاماً جميلاً جداً , وقال إنه إذا كانت الرسالة الضعيفة تحتاج إلى تبرير فإن الرسالة الممتازة تحتاج إلى تبرير , وراح يتحدث عن البحث وما فيه من حسنات ، ولولا أني ألتقي به لأول مرة ، ولولا أنه رجل رصين عالم لقلت إنه يبالغ أو يجامل , لكن يبدو أن في البحث أشياء طيبة وَفَّقَ الله في الوصول إليها , وتحدث طويلاً عن حسنات البحث وما فيه من الأمور الجيدة في الأسلوب والعرض والمناقشة , وتحدث عن أهمية الموضوع , وذكر أن هذا البحث يجب أن يُنْشَرَ وأن يعمم , وقال إنه لم يقرأ بحثاً ممتازاً منذ زمن طويل ، وأنه وجد هذا البحث هو البحث الجيد , وقال إن هذا البحث يثبت أنه لا يزال بالإمكان كتابة بحوث جيدة , الحقيقة أني لا أستحضر من كلامه إلا القليل ، مع أنه لم تمض عليه إلا ساعات ، وهو كلام طيب , والحمد لله قد سُجِّلَتِ المناقشة صوتياً ، وبعد أن انتهى الدكتور عبده الراجحي من كلامه الذي ختمه في ذكر هنات وقعت في البحث وأخطاء يمكن معالجتها ، تحدث الدكتور عبد الصبور شاهين وأحسن الكلام ومدح البحث واعتذر عن الأخطاء , فكان في كلامه طيباً , وانتهت المناقشة والحمد لله , وأعلنت النتيجة ، فكانت بحمد الله تسر الصديق وتقر العين ، وأعوذ بالله من العجب ، كانت الدرجة ( ممتاز مع التوصية بطبع الرسالة , وتبادلها مع الجامعات ) , وأرجو أن تكون هذه الجولة قد انتهت بخير ، وأدعو الله تعالى أن يجعل هذا العمل مما يقرب إلى رضاه , ويباعد عن سخطه , وأدعوه أن يجزي الأهل عني كلهم أحسن الجزاء , فقد تعبوا وأكرموني غاية الإكرام , فكانت هذه الثمرة المباركة إن شاء الله , وفي مقدمتهم الأخ أبو عمر حفظه الله ورعاه . الحجز على الباخرة الاثنين 4 تشرين الأول 1976م = 10 شوال 1396هـ ذهبت إلى الإسكندرية يوم أمس على أمل الحجز على الباخرة الروسية المتجهة يوم 6/10 إلى اللاذقية , ولكن الحجز كان متوقفاً بانتظار ورود برقية من قبطان الباخرة , ولم تصل البرقية , قالوا تأتي غداً الاثنين فرجعت إلى القاهرة لأقضي الليل ، وفزعت من أول الصباح وركبت إلى الإسكندرية هذا اليوم , وراجعت مكتب الملاحة المختص ، وظهر أن البرقية لم تصل بعد , وجلست أنتظر وصول البرقية حتى انتهاء الدوام في المكتب بعد الساعة الثانية بعد الظهر , ثم قالوا إن البرقية ربما جاءت غداً , لكن ذلك حتى لو تحقق فإني لن أستطيع أن أنجز أعمالي من التهيؤ للسفر واستلام السيارة , فكان لابد من الانتظار لموعد جديد , وكان الموعد القادم هو يوم 13/10 على الباخرة المصرية , وسوف أحاول الحجز اليوم على هذا الموعد , وهكذا فقد ذهبت أتعاب أيام عديدة في السفر بين القاهرة والإسكندرية على أمل في تلك المواعيد الجوفاء , والحقيقة أن الفرق المادي الذي كنت أرتجيه في الحجز على الباخرة الروسية قد ذهب معظمه في ثلاث سفرات من التنقل بين القاهرة والإسكندرية , وبقي شيء واحد هو أن الباخرة الروسية تتسلقها السيارة على تسريحة معدة لذلك بينما الباخرة المصرية تُحْمَلُ السيارة على قاعدة بواسطة رافعة وتوضع على سطح السفينة , وهي أمور إذا يسر الله وحفظ ليست ذات بال , فإن المغادرة السريعة غاية من جانب , تهون كل الأتعاب في سبيلها , مع أنها قد تبعث في النفس أسى من جانب آخر . البحث عن مخطوطة الأحد 10 تشرين الأول 1976م = 16 شوال 1396هـ الأيام قبل السفر بدأت تذهب بسرعة وأنا أحاول أن أعمل من خلالها شيئاً مفيداً , وكان من بين ذلك محاولتي نسخ مخطوطة قديمة في رسم المصحف لابن معاذ الجهني , هناك منها نسخة ناقصة في دار الكتب المصرية وأخرى كاملة في مكتبة المعهد الأزهري بطنطا وثالثة في المكتبة الظاهرية بدمشق ، فترددت على دار الكتب أكثر من مرة لنسخ الموجود منها , لكن ذلك لم يُجْدِ شيئاً فالمخطوطة ذهبت إلى التصوير ولم ترجع , ثم حاولت الذهاب إلى طنطا , ذهبت يوم الاثنين الذي كان بعد العيد فكانت المكتبة مقفلة بسبب العطلة التي تُعَوَّضُ بها الجمعة أو لمناسبة العيد , ثم حَدَّثْتُ نفسي بالذهاب إلى طنطا مرة أخرى , وذهبت اليوم , وكان معي محمد أسامة (أحد الإخوة العراقيين الذين سكنت معهم لقضاء الأيام الأخيرة في القاهرة ) لعله يساعدني في النسخ ، وبعد جهد ودوران في أطراف طنطا وهي مدينة يزينها مقام السيد البدوي , ومدينة كثيرة الذباب والأوساخ وبرك المياه القذرة في الشوارع , بعد ذلك الدوران عثرنا على المعهد الأزهري بعد أن ظهر أن المكتبة نقلت من مسجد السيد البدوي إليه ، وانتظرنا المسؤول عن المكتبة وحضر الأستاذ محمد رشدي , وذكر لنا أن الكتب بعد انتقالها من مكانها القديم إلى الجديد وضعت في صناديق ، وأنها لم تفتح بعد ، وعلينا الانتظار بضعة أشهر حتى يتسنى لنا الاطلاع عليها , وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله , المعاملة نفسها التي نجدها في مكتبة الجامع الأزهر نجدها في معاهده , التي نجدها في القاهرة نجدها في مدن مصر الأخرى(1). الركوب على ظهر الباخرة الأربعاء 13 تشرين الأول 1976م = 19 شوال 1396هـ خرجنا من الفندق صباحاً مسرعين , وجرت بنا السيارة إلى ميناء الإسكندرية حيث وصلنا في حدود التاسعة , ومما حدث لنا مساء أمس في الإسكندرية أن أوقفنا شرطي مرور , وذهب بنا إلى مركز شرطة المرور , وقابلنا ضابط برتبة نقيب ، وعمل لنا محضراً طويلاً لمخالفتنا قانون الجمهورية بسير السيارة بدون أرقام , وهو أمر لا دخل لنا فيه , لأن الشركة وكمرك القاهرة هما اللذان رتبا هذا الأمر , وبعد كلام كثير أفرج عنا ! لأنا ضيوف , وهو بإمكانه كما يدعى أن يؤخرنا , دخلنا الميناء , وكنا نحمد الله أن ودعنا ذلك المجتمع , وقد رأينا في الميناء أشياء جديدة كثيرة , هذه البواخر كالأعلام وهذا البحر المديد , وهؤلاء المسافرون يفترشون الأرض بانتظار الباخرة , وكان مقرراً أن تصل الباخرة المصرية ( الجزائر ) الساعة العاشرة صباحاً , لكنها تأخرت , وقد أنهينا إجراءات السفر والسيارة , وجلسنا ننتظر وصول الباخرة , ومرت ساعات كثيرة وما وصلت حتى عانقت الشمس الأفق , واستمرت عمليات التفريغ من السادسة حتى الثانية عشرة تقريباً , وبدأ التحميل بعد منتصف الليل وكانت سيارتنا ثاني سيارة ترفع على ظهر الباخرة بطريقة بدائية قد سببت أضراراً للسيارة , أزعجتني كثيراً , والمزعج أكثر هو هذه المعاملة الملتوية لعمال الباخرة ورؤسائهم , وبعد أن رُفِعَتِ السيارة واستقرت على ظهر الباخرة أوينا نحن الثلاثة: صباح رشيد شلال وزهير الطعان(2) والفقير إليه تعالى إلى غرفة صغيرة ، قد عُلِّقَ بجانبيها سريران صغيران وعلى الأرض الثالث , ودولاب وطاولة و كرسي وقنفة ومغسلة , ومرافق مشتركة مع الغرفة المجاورة , كنا في الدرجة الأولى , وهناك ناس كثيرون باتوا على ظهر الباخرة , أوينا إلى الفراش متعبين ولا ندري هل سنستيقظ والباخرة قد سارت وغادرت الميناء , أم إنها ستظل راسية حتى الصباح . مغادرة ميناء الإسكندرية الخميس 14 تشرين الأول 1976م = 20 شوال 1396هـ استيقظنا في الصباح والباخرة لا تزال راسية , ثم جرت حوالي الساعة الثامنة صباحاً على مهل ، ثم بدأ الساحل يغيب عنها حتى صرنا في منتصف البحر ، وراحت تمخر عباب الماء باتجاه لا نكاد نميزه لولا الشمس , وبدأ لون المياه يتغير كلما دخلنا في أعماق البحر ، حتى صارت ذات لون لم تره عيني من قبل , زرقة غامقة كالحبر ، لكنها مياه صافية كالزجاج , وكانت الباخرة تشق مياه البحر فتندفع بجانبها أمواج عالية تجري وراءها ، ثم تذوب في وسط البحر الواسع , تمد بصرك شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً لا ترى إلا مياه البحر تنتهي عند الأفق الذي يشكل دائرة منتظمة ، وإلا سحباً خفيفة تعلو المياه غير بعيدة , وهذه هي أول مرة أركب فيها البحر ، وبدأت أقرأ بعض الآيات التي وردت عن البحر في القرآن الكريم ، وبدأت أحس بمعانيها على نحو أعمق , وسبحان الله العليم الخبير. كانت الباخرة كبيرة , مع أن هناك بواخر أكبر منها بكثير , مسافرون كثيرون يملؤون الممرات والغرف , الدرجة التي حجزنا عليها أتاحت لنا غرفة لا بأس بها ووجبات طعام جيدة , أجمل ما في السفرة أنها في البحر وأننا ثلاثة , وإذ أكتب هذه الكلمات في الحادية عشرة ليلاً يهتز السرير قليلاً ، وأسمع أزيز صوت محرك الباخرة وأصوات الموج المرتطمة ببعضها , السفر بالباخرة لمسافات طويلة متعب على ما يبدو , خاصة إذا كانت الباخرة خالية من وسائل قضاء الوقت , والراحة , ويبدو أن القراءة وسيلة نافعة يمكن أن يقطع بها المسافر بالبحر رحلته . الوصول إلى مدينة اللاذقية الجمعة 15 تشرين الأول 1976م = 1396هـ استيقظنا في الصباح على أصوات أمواج عالية تصطدم بالباخرة , التي ما تزال منذ صباح أمس تسير سيراً حثيثاً دون توقف ، سمعنا أن الوصول إلى ميناء اللاذقية سيكون عند ظهر اليوم أو بعده بقليل , كان اليوم جمعة لكن فاتتنا الصلاة ، فصلينا الظهر جماعة بين أسرة الغرفة الصغيرة في الباخرة , وبعد أن تناولنا طعام الغداء , في مطعم الباخرة , وطعام الباخرة بصورة عامة جيد وكثير , بانت عند الأفق الشرقي رؤوس بنايات مدينة اللاذقية وجبالها ، وكلما اقتربنا ظهرت البواخر الراسية في الميناء ورأينا المدينة بوضوح , وفي حوالي الساعة الثانية بعد الظهر رست الباخرة على الميناء , وبذلك تكون الرحلة من الإسكندرية إلى اللاذقية قد استغرقت ثلاثين ساعة , وبدأ نزول المسافرين , ثم بدأ تنزيل السيارات وكنا بين التفاؤل والحذر لما نحن مقبلون عليه , كانت سيارتنا في أسفل (العنبار) فكانت آخر السيارات نزولاً , وتكررت مأساة الإسكندرية , الحبل يرص حديد السيارة من الأمام والخلف فَيَثْنِيهِ , ثم جاء الأدهى من ذلك , بعد أن ارتفعت السيارة معلقة بالهواء تركها عامل الرافعة على تلك الصورة وبدأ يساوم على ما سوف أدفعه لهم , والسيارة تأن من الحبل , ولم ألتفت إليه وتجاهلته ، رغم أن شعوري كان شعور من يرى أمواله تحترق أمام ناظريه ولا يملك لإطفائها شيئاً , أنزلوها على الأرض , وبدأت مرحلة جديدة لإنجاز معاملة إخراج السيارة من كمرك اللاذقية ، أنجز كثير من الناس معاملات سياراتهم ومرقوا من بوابة الكمرك ، لكن كان هناك في سيارتي إشكال وهي إنها لا تحمل رقماً تجارياً ، أي أنها بدون رقم ، وعليه لم نستطيع عمل شيء في الليل ( لأننا لم نعرف المداخل الصحيحة لإنجاز المعاملة هنا) وظللنا في الميناء بانتظار الصباح . البحث عن موافقة في دمشق السبت 16 تشرين الأول 1976م = 22 شوال 1396هـ قضيت الليل في السيارة أمام بناية كمرك الميناء , كان نوماً متقطعاً ونزل المطر في آخر الليل , كان الجو جميلاً رغم ذلك , وأقبل الصباح وبدأنا نجهز أنفسنا للصباح , وكان أبو أكرم , وهو مخلص كمركي , قد وعد أن يحضر في أول الصباح حتى يطوف بنا على المكاتب ، المعاملة تحتاج إلى ( بيان كمركي ) وهو ما يتطلب مصروفات بحدود (1200 ليرة) أي ما لا يقل عن (110) دينار عراقي , وهو مبلغ كبير لاسيما أن معظمه يذهب , ولا يسترد منه إلا جزء يسير , وحاولنا أن نحصل على موافقة بالاكتفاء بعمل ( بطاقة استيراد مؤقت ) نمر بها من خلال الأراضي السورية , وهو ما لا يتطلب إلا اليسير من الفلوس , وقَدَّمْنَا طلبات إلى مدير كمرك اللاذقية , أنا ومعي عراقي آخر عنده سيارة مشابهة , لكن مدير الكمرك رفض منح الموافقة بذلك , وقال إنه على استعداد لرفع الطلب إلى المديرية العامة للكمارك في دمشق ، وبعد أخذ ورد عملنا كتاب لتحويل الطلب إلى دمشق , فأخذت الطلب مع دكتور مجيد ( طبيب عراقي عائد من مصر أيضاً) , وركبنا من اللاذقية إلى دمشق , لكن لم نجد سيارة تذهب مباشرة ، فركبنا إلى حمص ، ومن هناك إلى الشام حيث وصلنا بعد الثامنة مساء , ونمنا في فندق الكندي بانتظار الصباح , ومع أن السفر , بحد ذاته جميل , ومع أن البلاد السورية غير عاطلة الجمال ، فإن هذه السفرة كانت متعبة نفسياً وبديناً , البرد والوسخ ولم يكن معنا شيء إلا ما نلبسه , وما أن أسلمنا أجسامنا للسرير حتى غرقنا في نوم عميق . العودة إلى اللاذقية الأحد 17 تشرين الأول 1976م = 23 شوال 1396هـ خرجنا من الفندق بعد إشراقة الشمس بقليل , وطفنا قليلاً في بعض شوارع دمشق المحيطة بالفندق , ثم ذهبنا إلى مديرية الكمارك مع بداية الدوام , وقَدَّمْنَا الكتاب إلى الجهة المسؤولة فكان جواب الموظف أن لا بد من عمل البيان الكمركي , وأخبرنا أخيراً أن بإمكاننا أن ن*** تعهداً من السفارة العراقية بدمشق تضمن فيه خروج السيارة من سورية ، لعلهم يمنحوننا الموافقة ، وأسرعنا إلى السفارة وبعد جهد ونقاش اقتنع المسؤول وزودنا بالتعهد , بعد أن أخذ منها بدوره تعهداً بتحمل أي غرامات تترتب على عدم خروج السيارات , وعدنا به إلى المديرية قبل نهاية الدوام ، وجلسنا ننتظر الموافقة لكن الدقائق الباقية من الدوام مرت بسرعة دون أن تخرج الأوراق من المدير العام , وقال لنا الموظف إن النتيجة تظهر غداً , وخرجنا من الدائرة , وجاء الأمر على عكس ما كنا نتوقع من إنجاز المعاملة في نفس هذا اليوم , واقترحت على الدكتور مجيد أن أسافر إلى اللاذقية ويبقى هو لأخذ الجواب غداً , فاتفقنا على ذلك فغادرت دمشق إلى اللاذقية , وظل هو هناك بانتظار الجواب غداً , وركبت سيارة تكسي وجرت بنا منذ الثالثة بعد الظهر , وأقبل الليل علينا بحمص , ثم مررنا بتل كلخ ، وتجاوزنا الجبال نحو البحر ، وسارت السيارة بمحاذاة البحر ، ومررنا بميناء طرطوس ثم بانياس ، وبعد بانياس بقليل حدث أن سيارة كبيرة انحرفت فوق جسر ضيق وسدت الطريق ، فتوقفت السيارة عن السير ، وأمامنا حشود من السيارات المتوقفة ، وطلب منا السائق أن ننزل ونعبر الجسر مشياً ، ونركب من هناك أي سيارة ذاهبة إلى اللاذقية ، وهي ليست بعيدة من المكان ، نزلنا وعبرنا الجسر , وفُتِحَ الطريق بعد قليل , لكن السائق رجع بسيارته إلى قريته القريبة من المكان ، وتَرَكَنَا حائرين ، فما كان إلا أن أرجو سائق سيارة خاصة أن يحملني معه إلى اللاذقية ، وسط جو موحش مظلم ، ووصلت اللاذقية الساعة 10,30 ليلاً ، والحمد لله على كل حال . تأخير من غير فائدة الاثنين 18 تشرين الأول 1976م = 24 شوال 1396هـ بعد عودتي من دمشق ليلة أمس وجدت الإخوة صباح وزهير في فندق ( أم كلثوم ) الذي نزلنا فيه باللاذقية , وكان في نيتي أن أذهب إلى الميناء لأنام في السيارة , تحسباً لأي مكروه , لكن تأخر الوقت وكوننا تركنا السيارة أكثر من ليلة ولم يحدث شيء جعلني أقضي الليل في الفندق , وفي الصباح ذهبت إلى الميناء , مرة أجلس في السيارة وأخرى أنظر إلى أعمال التفريغ من البواخر والتحميل , وأنا مع ذلك كله أحس بمرارة هذا التأخير الذي ربما كان بالإمكان تفاديه بدفع شيء من المال للوسطاء , لكن الأمل الضعيف المعلق بأننا نستطيع أن نمر بسوريا دون أن ندفع رسوماً عالية ودون عمل بيان الترانزيت هو الذي حملنا على هذا التخبط والانتظار , ونحن لا نزال في انتظار موافقة مدير الكمارك في دمشق , وجاء العصر ومضى آخر النهار , وخيم الظلام ونحن ننتظر عودة الدكتور مجيد الذي ظل ينتظر نتيجة المعاملة في دمشق , وحضر الإخوة صباح وزهير إلى الميناء وجلسنا ننتظر , وحضر أبو أكرم وهو سوري يعمل في أعمال التخليص الكمركي ، وكان يود لو قام هو بالعمل حتى ينال شيئاً , أو بواسطته على الأقل ، وصرنا مرغمين على الموافقة على ذلك , وبعد الساعة السابعة حضر دكتور مجيد لكن النتيجة كانت عدم الموافقة , وهنا بلغ منا الضجر مبلغه , فبعد هذا الانتظار والتأخير نعود فندفع مصروفات بيان ترانزيت , واتفق معنا أبو أكرم على عمل البيان في أحد المكاتب على أن يدفع كل واحد 750 ليرة لا يسترد منها شيء , وسلمناه الأوراق وبانتظار الصباح . إخراج السيارة من الميناء الثلاثاء 19 تشرين الأول 1976م = 25 شوال 1396هـ كنا هذا الصباح شبه مطمئنين إلى أن أبا أكرم سوف ينجز عمل البيان , بيان ترانزيت , لكنه يفاجئنا بعد الساعة التاسعة والنصف من هذا الصباح بأن صاحب المكتب لم يوافق على المبلغ ولابد من تأمين ، وأن أقل ما يمكن دفعه هو ( 1200 ) ليرة لكل واحد , منها ( 500 ) ليرة تأمين يمكن أن تسترد بعد خروج السيارة , والبقية أتعاب ومصروفات , وشعرنا بأنه يساومنا ويحاول أن يمرر علينا لعبة يستفيد هو من ورائها , فرفضنا وأخذنا الأوراق منه , وحاولنا أن نذهب إلى بعض مكاتب التخليص لكن دون جدوى , وكان دكتور مجيد قد التقى بدمشق في مديرية الكمارك برجل عنده مكتب تخليص وله شريك في اللاذقية , فأرسل معه ورقة إلى ذلك المكتب , وبعد بحث يسير وجدنا المكتب قرب باب الميناء , وشرحنا له الطلب فرحب بنا حسب الأصول , وطلب ( 900 ) ليرة كل واحد منا منها ( 400 ) تسترد والباقي أتعاب , فوافقنا لأن ذلك أقل سعر وجدناه , وكان يهمنا كثيراً أن تنجز المعاملة هذا اليوم , وبدأ العمل بتنظيم المعاملة قبل الساعة الحادية عشرة قبل الظهر , وأكملت بعد ساعة أو ساعتين , لكن كانت هناك جملة من التوقيعات لابد من الحصول عليها وأخذ صاحب المكتب ( مكتب سوريا للنقل – عبد الرزاق ديب حميد) يرسل عامله على الماطور(الدراجة النارية) , ولم تكتمل عند الظهر ووعدنا بالمساء , وفعلا فقد اكتملت عند الساعة الثامنة تقريباً ، فأخرجنا السيارة من الميناء ، والحمد لله رب العالمين ، بعد ذلك الانتظار الطويل ، الذي كان بالإمكان تفاديه لو أننا دفعنا الرسوم المطلوبة من أول ساعة وصلنا فيها الميناء ، لكن شعورنا بأن منها ما هو رشوة جعلنا نمتنع ، لكن ما حيلة المضطر إلا القبول بذلك الواقع الذي لا نملك تفاديه أو تغييره . السفر إلى دمشق الأربعاء 20 تشرين الأول 1976م = 26 شوال 1396هـ نمنا في الفندق ليلة طالت علينا ، وفي الصباح الباكر كنا نعد أنفسنا لرحلة طويلة , كنا نرغب بالذهاب إلى دمشق عن طريق حلب ثم حماة وحمص لكن الموافقة كانت عن طريق طرطوس حمص , ولم نكن نريد تأخيراً جديداً ، فتوكلنا على الله ، وبدأنا السير إلى دمشق على هذا الطريق وسط جو ممطر , فقد تأخرنا ساعة أو أكثر في اللاذقية بانتظار هدوء المطر ، ثم ركبنا في السيارة , الأخ صباح هو الذي يقود السيارة , ولازمنا المطر منذ أن خرجنا من اللاذقية , وكان منظراً جميلاً حبيباً إلى النفس , ولا أدري إن كنت سأشاهده مرة أخرى , البحر عن يميننا والجبال عن يسارنا ، وهذه السحب تحمل الماء من البحر فتنزل على الجبال , والسحب تغشي أعالي الجبل , كان مطراً غزيراً حتى إن فرشاة الزجاج لا تكاد تلحق حبات الماء المتساقط على زجاج السيارة , وكانت الوديان تجري بالماء من السفوح , والطريق من طرطوس جميل من غير المطر , غابات الصنوبر والزيتون , والخضرة الداكنة تغطي معظم الأرض , واجتزنا طرطوس ، ثم دخلنا إلى مدينة تل كلخ والمطر لا يزال ينزل ، ودخلنا الأراضي اللبنانية لفترة يسيرة ، واشتريت بعض الأغراض من المحلات المقامة على الطريق ، ثم وصلنا حمص فتوقف المطر , صلينا الظهر في حمص في الجامع الذي يضم قبر الصحابي الجليل خالد بن الوليد - t - ثم اتجهنا من حمص بطريق أكثر سهولة إلى دمشق ، فوصلنا مع غروب الشمس ، ونزلنا في فندق اليرموك , وقد صلينا العشاء في الجامع الأموي الكبير , والحمد لله رب العالمين . زيارة المكتبة الظاهرية الخميس 21 تشرين الأول 1976م = 27 شوال 1396هـ كان هذا اليوم هو فرصتنا لنرى دمشق ونأخذ قسطاً من الراحة , لكن ذلك الأمل ضاع حين بدأنا نشتري الهدايا , فقضينا قسطاً من أول النهار وجانباً كبيراً من آخره في سوق الحميدية , حيث الملبوسات بأنواعها , فأفرغنا ما في الجيوب من بقايا نقود , وكنا نتمنى المزيد لنشتري المزيد , وهكذا الدنيا , لكن استطعت قبل الظهر أن أذهب إلى المكتبة الظاهرية , وهي ليست بعيدة من السوق على جانب الجامع الأموي , بناية قديمة , بناية المدرسة الظاهرية ، نظيفة , أنيقة , مع أن القديم مكان يبعث الإجلال في النفس للسلف , والمخطوطات في المكتبة منظمة ومرتبة على رفوف في قاعة كبيرة ، وهناك قاعة أخرى للمطالعة , كنت أريد تصوير كتاب صغير هو كتاب البديع في رسم المصحف ، إذ توجد منه نسخة رديئة الخط في المكتبة الظاهرية ، وتوجد منه نسختان في مصر ، اطلعت على نسخة الظاهرية ، وكانت فعلاً رديئة الخط لكنها مفيدة لو أريد تحقيق الكتاب , كنت أريد أن أصورها لكن ضيق الوقت لم يتح لنا عمل شيء من ذلك , وفي حينها زرنا مجمع اللغة العربية بدمشق في مقابل المكتبة الظاهرية , كان معي الإخوة صباح وزهير , انصرفنا من هناك إلى سوق الحميدية حيث واصلنا رحلة إفراغ الجيوب , والحقيقة أن هناك أشياء جميلة كثيرة في السوق وفي أسواق دمشق الأخرى مما يُلْبَسُ ويُؤْكَلُ , وهما زينة الحياة الدنيا . الوصول إلى بغداد الجمعة 22 تشرين الأول 1976م = 28 شوال 1396هـ نمنا أمس في ساعة متأخرة , كنا نشد الحقائب ونرزم الأمتعة , وقد استيقظنا صباح هذا اليوم في وقت مبكر ، وكنا نشد الأمتعة على السيارة مع إطلالة الشمس ، وانطلقنا بالسيارة من دمشق قاصدين بغداد منذ أول النهار , لكننا ضللنا الطريق الذي يؤدي إلى بغداد ، وتأخرنا بعض الوقت في أطراف دمشق , ثم وصلنا خان أبي الشامات حيث الكمارك السورية , وهي لا تبعد أكثر من 65 كم عن دمشق , وهنا جرت آخر المساومات حول ابتزاز أكبر مقدار من الفلوس منا , ولم نغادر الخان إلا في الساعة العاشرة , وجرت بنا السيارة بسرعة يقودها الأخ صباح , كان الطريق شبه خال من السيارات , وهو لا بأس به من حيث التبليط , توقفنا قليلاً في منتصف الطريق بين خان أبي الشامات والرطبة , واشترينا صفيحة بانزين , ثم واصلنا السير 400 كم حتى الرطبة وأخرى مثلها إلى بغداد , وصلنا الرطبة الساعة الثالثة بعد الظهر تقريباً , هناك علينا أن ننجز معاملة كمركية أخرى , لكن هيأ الله لنا أبو غايب , راضي الحديثي الذي يعمل في مكتب نقل , فأنجز لنا المعاملة , وسهل الله به أموراً كثيرة ، فغادرنا الرطبة مع غروب الشمس الساعة السادسة بتوقيت بغداد , وسرنا في الطريق إلى بغداد ليلاً , وكانت رحلة لطيفة رغم التعب , وكانت الثعالب تعرض لنا على جانب الطريق , توقفنا في الرمادي للعشاء , ثم مضينا إلى بغداد حيث وصلنا الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تقريباً, والحمد لله رب العالمين . الحصول على وظيفة في كلية الإمام الأعظم الأحد 21 تشرين الثاني 1976م = 29 ذو القعدة 1396هـ منذ أن وصلت أرض العراق في مساء 22/10/1976 وأنا أجري وراء الأوراق والمعاملات , ولا أزال أسافر بين بيجي وبغداد ، وفي كل أسبوع أكثر من مرة , جري حرمني قسطا كبيراً من متعة لقاء الأهل بعد ذلك الفراق الطويل , والحمد لله , فقد تكللت تلك الأتعاب بما أرجو أن يتقبله الله وأن يجعله طريقاً إلى رضاه , كنت قد قدمت طلباً للتعيين إلى وزارة التعليم العالي في 10/11/1976 , وحاولت أن أضمن التعيين في بغداد في أية كلية كانت , واستطعت أن أقدم الطلب بواسطة شخص يعرف وزير التعليم العالي , لكن الأمور لم تجر بسهولة , وظل الطلب يتحرك بين مكتب الوزير والمختصين في الوزارة , وسافرت إلى بيجي خلال تلك الفترة وعدت , أكثر من مرة , وكنت قد سافرت يوم الخميس الماضي , بانتظار نتيجة الطلب ، وعدت اليوم فوجدت أن الأمور قد جرت إلى آخر الشوط , وأن نتيجة الطلب قد حسمت , وأن الوزير قد وافق على تعييني في كلية الإمام الأعظم , وهي كلية ترتبط بالوزارة مباشرة ، ومناهجها مناهج كلية الشريعة [وأطلق عليها لاحقاً اسم كلية الشريعة ، وألحقت بجامعة بغداد] ، وكنت قد أردت التعيين في جامعة بغداد أو المستنصرية , لكن المسؤول عن الشؤون الفنية في الوزارة قد رفع مذكرة إلى الوزير يذكر فيها أن الجامعات غير محتاجة , وأن كلية الإمام الأعظم تستعين بمحاضرين في مادة الاختصاص , وصدرت موافقة الوزير على ضوء ذلك ، أخذت أمر التعيين من الوزارة قبل انتهاء الدوام ، وسوف أذهب به غداً إلى كلية الإمام الأعظم لإتمام إجراءات التعيين ، إن شاء الله رب العالمين . عوائق في طريق التعيين الاثنين 29 تشرين الثاني 1976م = 7 ذو الحجة 1395هـ حين قدمت أمر التعيين إلى كلية الإمام الأعظم يوم الاثنين الماضي ظهرت في الطريق بعض المشكلات ، فقد أخبرني عميد الكلية حين قابلته أن مادة ( فقه اللغة) ، وهي تخصصي الدقيق ، تُدَرَّسُ هذه السنة أربع ساعات في الأسبوع ، وفي السنة القادمة ساعتين ، وبعدها سوف يُلْغَى تدريس المادة حسب نظام الكلية الجديد ، وبناء على ذلك عرض عليَّ عميد الكلية تدريس مادة النحو ، فوافقت على ذلك ، ليس حرصاً على التعيين فقط ، بل لأني أجد القدرة على تدريس النحو ، وكتبتْ عمادة الكلية كتاباً إلى وزارة التعليم العالي تطلب فيه شيئين : الأول الموافقة على قيامي بتدريس موضوع النحو إلى جانب فقه اللغة ! والثاني استحداث درجة مدرس مساعد ، ومنذ يوم الاثنين من الأسبوع الماضي وأنا أدور في أروقة الوزارة ، سافرت خلالها إلى بيجي يوم الجمعة ، وذهبت يوم السبت إلى تكريت لتثبيت رقم السيارة ، وجئت إلى بغداد يوم أمس الأحد ، وراجعت الوزارة ، لكن المعاملة لم تنجز بعد ، وذهبت اليوم وظهرت موافقة الوزارة في آخر الدوام الرسمي ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وطبع الكتاب الموجه إلى الكلية ، لكن وكيل الوزارة الذي يوقع على الكتاب رأى أن تعدل صيغة الكتاب عند عرضه عليه للتوقيع ، وكان الدوام حينئذ قد قارب على الانتهاء ، فَأُرْجِئَ الأمر إلى يوم الغد ، إن شاء الله ، وآمل أن أتمكن من أخذ الكتاب يوم غد من الوزارة لإيصاله إلى الكلية ، وإذا ما تأخر إنجاز الكتاب يوم غد فإن ذلك يعني أن عليَّ الانتظار إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى الذي سيبدأ يوم الأربعاء ، بعد غد إن شاء الله ، وكان قد أعلن سابقاً أنه سيكون يوم الخميس ، ولكن صدر بيان لاحق من المملكة العربية السعودية بأن العيد سيكون يوم الأربعاء ، جعله الله مباركاً . صدور أمر التعيين في الوظيفة الثلاثاء 7 كانون الأول 1976م = 15 ذو الحجة 1396هـ بعد عطلة العيد ذهبت يوم الأحد إلى تكريت وأكملت الورقة المطلوبة من التجنيد , وأمس يوم الاثنين ذهبت إلى بغداد مع الأخ أبي عمر والوالدة بالسيارة (سيارتنا والحمد لله) , وأكملت أمس بعض إجراءات الفحص الطبي وأتممت البقية الباقية صباح هذا اليوم , بعد ذلك أسرعت إلى كلية الإمام الأعظم وقدمت كافة الأوراق المطلوبة كاملة غير منقوصة للتعيين , فقبل العيد بيوم واحد ( يوم الثلاثاء الماضي ) حضرت إلى الكلية ومعي كتاب من الوزارة جواباً لكتاب الكلية وتأكيداً لكتاب الوزارة السابق ، لكن الكلية أرادت بعض الأوراق قبل التعيين وقد أتممتها خلال اليومين الماضيين , وبناء على ذلك صدر الأمر الإداري الخاص بتعييني بكلية الإمام الأعظم بوظيفة مدرس مساعد , وبراتب اسمي قدره ( 36 ) ديناراً , على أن أدرس مادة فقه اللغة , وهي ثلاث ساعات في الأسبوع إلى جانب تدريس مادة النحو لبعض الصفوف , لأن الكلية بحاجة إلى من يدرس النحو , لعدم كفاية اختصاص النحو , واليوم لم آخذ جدول التدريس , وقد وعد الدكتور هاشم جميل عميد الكلية وكالة أن ينظم لي الجدول . والكلية تبدو لي مريحة إن شاء الله بأساتذتها وطلابها نوعاً ما , فمدرسو الكلية ستة أو سبعة والبقية محاضرون , ومن مدرسي الكلية بعض الزملاء والمعارف من أيام الدراسة في القاهرة , ولا ينبغي إغفال لطف استقبال العميد ومدير الإدارة والذاتية الأستاذ نهاد , وكذا الموظفون الآخرون , أما السكن ففي البيت الذي بناه الأخ سفـر بحي العدل في بغداد , والحمد لله ، فقد تهيأ مكان مناسب للعمل , ومسكن مريح في وقت أزمة السكن وارتفاع الإيجارات وندرتها ، والحمد لله رب العالمين. المحاضرة الأولى الاثنين 13 كانون الأول 1976م = 21 ذو الحجة 1396هـ كنت أفكر كثيراً في أول ساعة سوف أواجه بها طلاب الجامعة ، وهي ساعة لا شك في أنها تبعث في نفس كل مقدم عليها شعوراً بالرهبة وخشية الارتباك , خاصة إذا كان الشخص يقف لأول مرة أمام الطلاب , وطلاب الجامعة بأعمارهم , وطلاب كلية الإمام الأعظم بعلمهم ، كان ذلك كله عاملاً يسبب لي القلق إلى حد الخوف , لذلك كنت خلال هذه الأيام أجلس في البيت ساعات طويلة أراجع الموضوعات المقررة ، واقرأ وأعيد القراءة كمن يعد نفسه لامتحان , والمنهج غير واضح ولا محدد , كانت المادة فقه اللغة , والصف هو الرابع في قسم اللغة العربية , والموضوع عن اللغات السامية وموقع العربية فيها , أعددت نفسي لكلام موجز , وأعددت ما سوف ألقيه عليهم حول الموضوع , واتباعاً لعرف كنا نراه سابقاً قدمني الأستاذ عبد القادر الهيتي المدرس السابق للمادة (اختصاصه نحو) للطلاب وانصرف , وبدأت الساعة الحرجة وساعة المواجهة , واستفتحت , وفتح الله , وهو خير الفاتحين , تحدثت عن موضوعات المنهج , وما سوف نتناوله في هذه المحاضرة , وتكلمت قليلاً عن تقسيم اللغات , وأسس التقسيم , وعن اللغات السامية وتقسيماتها , ومرت الدقائق سريعة , وإذا أحد الطلاب يقول انتهى وقت المحاضرة , ولم أكن أنتظر انتهاء الدرس , فقد اندمجت والطلاب بأحاديث حول الموضوع والدراسة , ووجدت الطلاب هم هم كما كنا سابقاً : أحاديث عن الامتحان والمقرر واختصار المادة وما إلى ذلك . تمت يوميات الرحلة إلى مصر للحصول على شهادة الماجستير والحمد لله رب العالمين(3). شكر وامتنان في ختام هذه اليوميات أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى الأخ الدكتور عبد الرحمن الشهري المشرف العام على ملتقى أهل التفسير الذي شجعني على نشر اليوميات ، وأَوْسَعَ لها مكاناً في الصفحة الأولى من الملتقى ، وإلى الأخ الأستاذ عمار الخطيب الذي قرأ اليوميات قبل نشرها ، وأنفق كثيراً من وقته وجهده في تصحيحها ، وإلى الإخوة القراء الذين قرؤوها وشجعتني كلماتهم على مواصلة نشرها ، جزى الله الجميع خير الجزاء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. نُشرت هذه الحلقة يوم الجمعة 16/5/1431هـ ـــ الحواشي ــــ (1) هذا شعور يعبر عن حالة فردية من الانفعال الناتج عن عدم الحصول على المطلوب ، ولا يعبر في تقديري الآن تعبيراً دقيقاً عن مجتمع مصر ، والحمد لله الذي يسر الحصول على نسخ من كتاب البديع في رسم المصحف لابن معاذ الجهني ، وقد حققت الكتاب وطبع مرتين : الأولى في بغداد والثانية في عمان . (2) كان قد حضر الأخ صباح رشيد للاصطياف في القاهرة ، بعد أن ترك دراسة الماجستير فيها وعاد إلى بغداد ، ومعه الأخ زهير الطعان ، وطلبت منهما أن يصطحباني في طريق عودتي إلى العراق ، لقيادة السيارة ، لأن خبرتي بالسياقة لا تزال محدودة . (3) أتممت مراجعة هذه اليوميات بعد ما يقرب من خمس وثلاثين سنة من كتابتها ، وقد حالفني التوفيق في تلك السنوات ، والحمد لله ، فعملت في كلية الشريعة بجامعة بغداد اثنتي عشرة سنة ، ثم انتقلت إلى جامعة تكريت ، ولا أزال مستمراً في العمل فيها ، وقد تدرجت في المراتب العلمية حتى حصلت على لقب الأستاذية في سنة 1991م ، ووفقني الله لتأليف عشرة كتب ، وتحقيق أكثر من عشرين كتاباً مخطوطاً ، وكتابة أكثر من أربعين بحثاً ، لقي معظمها القبول ، والحمد لله رب العالمين .
`;vdhj ] > yhkl r],vd hgpl] >> Hsjh` hg]vhshj hgrvNkdm f[hlum j;vdj fhguvhr " hgpgrm hgehgem uav ,hghodvm "
|