"ثُم يَهِيجُ فَتَراه مُصْفَراً" وشيخوخة النبات.

[أبو عادل]

جمع الله سبحانه وتعالى المراحل العامة لحياة النبات وأهم التغيرات الحيويةالمصاحبة لذلك في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ{21}) الزمر (21).

فعندما ينزل الماء على النبات يخرج به زرعامختلفا أنواعه، بر وشعير وخضار وغيرها ومختلفا ألوانه من أصفر وأخضر وأبيض وأحمروغيرها من الألوان البديعة، ثم ييبس ويجف فتراه مصفرا بعد خضرته ونضارته ثم يصيرمفتتا متكسرا (التفسير المنير، وهبة الزحيلي (ج23) ـ ص274).
(ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ) من بُر وذرة وشعير وأرز وغير ذلك (ثُمَّ يَهِيجُ) عند استكماله أوعند حدوث آفة فيه (فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً) متكسرا (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ)، (يذكرون به عناية ربهم ورحمته بعباده) (تيسير الكريم الرحمن في تفسيركلام المنان، عبدالرحمن بن ناصر السعدي).
(ويَهِيجُ: أي ييبس في أقصى غايته) (كلمات القرآن تفسير وبيان، حسنين محمد مخلوف).
(وييبس الشيء، واليبس: يابسالنبات، وهو ما كان فيه رطوبة فذهبت) (مفردات ألفاظ القرآن الراغبالأصفهاني).
وقد حوت هذه الآية مراحل النمو الخضري، والنمو الزهري والثمري،والشيخوخة والتحطم في النبات. والمعلوم علميا أن النبات يمر بالمراحل السابقة، حيثيبدأ حياته بذرة أو حبة بها الجنين وغذاؤه المدخر أو يكون ساقا خضراء، أو برعماخَضَريا، أو ورقة أو جذرا، أو نسيجا مرستيميا وعندما تزرع تلك التراكيب وينزل عليهاالماء تبدأ مرحلة النمو الخضري التي تختلف فترتها تبعا للأنواع النباتية.
فيالنباتات الحولية (Annulus) تتراوح فترة نموها الخضري بين (1-3) أشهر.
وفي النباتات الثنائية الحول (Bienniols) تتراوح فترة نموها الخضري ما بين (11 -15)شهرا.
والنباتات العشبية المعمرة (Perennil Herbs) تتراوح فترة نموهاالخضري بين (6 - 8) سنوات.
والشجيرات والأشجار المعمرة تقع ما بين (3 – 100 ( سنة (كما ورد في كتاب الهرمونات النباتية والتطبيقات الزراعية، الشحات نصر أبوزيد،مكتبة مدبولي، القاهرة: مصر (ب ط) (ص 421) - (1990م).
وفي مرحلة النمو الخضريللنبات التي تبدأ بظهور الجذير والرويشة أو البراعم الخضرية يتسارع النمو الخضري (Vegetative growth) للنبات وتكثر الأوراق الخضراء الغضة بالتتابع، وتمتد الجذور فيالتربة وتشتد، وتبدأ عملية البناء الضوئي فور تكون الكلوروفيل والبلاستيدات الخضراءفي الورقة النباتية، ويبدأ إنتاج هرمونات النمو مثل الأوكسينات والسيتوكيناتوالجيريللينات (التي كتبنا عنها بالتفصيل في كتابنا معجزات حيوية علمية ميسرة)،ويزداد تكوين الهرمونات ويتسارع إنتاجها بتسارع نمو القمم النامية لأفرع النباتالتي تؤدي إلى استطالة الخلايا وزيادتها في الطول والعرض والمسافة والمحتوىالسيتوبلازمي وتساعد الجيريللينات على زيادة عدد الخلايا بانقسامها مع زيادة فيمحتوى الحامض النووي (RNA).
وفي هذه المرحلة يصل النبات إلى أوج نموه الخَضَرِيويحمل ما يستطيع حمله من الأوراق الخضراء الغضة الطرية الجميلة المتباينة الأشكالوالتركيب، وتكون النباتات الحولية الخُضَرية صالحة في هذه المرحلة للأكل خضراءوتتهيأ نباتات الحبوب والبذور للمرحلة التالية وهي مرحلة الإزهار، التي تبدأ بتكوينهرمون الأزهار (Flowaring Hormone) مع تتابع الليل والنهار بطولهما أو قصرهما علىالنيات، وتتميز هذه المرحلة ببدء ظهور البراعم الزهرية، وتفتح الأزهار ويحدثالتلقيح والإخصاب وعقد الثمار، وهنا يبدأ النمو الخضري للنبات يتباطأ، نتيجة انخفاضهرمونات النمو الخضري في النبات وتوجيه النبات نشاطه الحيوي نحو الإزهاروالإثمار.
وإذا أردنا إطالة فترة النمو للنبات صناعيا نقوم بإزالة الأزهاروالثمار لأن بقاء هذه التراكيب الجنسية على النبات يؤدي إلى دخولها إلى مرحلةالشيخوخة (المرجع السابق) (ص 422) بتصرف.
وفي مرحلة النمو الخضري والإزهار يصلالمظهر الخارجي للنبات إلى أوج جماله، حيث اختلاف الألوان من الأخضر إلى الأحمروالأصفر والبرتقالي والأبيض والأزرق والبنفسجي كما قال تعالى (زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ)،حيث تفصح الألوان النباتية الزانثوفيل الأحمر والكاروتين الأصفر والكلوروفيل الأخضرعن هويتها كل حسب قيمتها ونسبتها في البتلات والسبلات والأوراق.
ثم تبدأالعوامل الداخلية في النبات إدخاله إلى مرحلة الهياج والاصفرار والشيخوخة، وذلكبضعف النمو الخضري بنقص الأوكسينات والسيتوكينينات والجبريللينات والإنزيمات والأحماضالنووية والبروتينات، مع النقص في الأجسام البروتوبلازمية مثل البلاستيدات الخضراء (Chloroplasts) المسئولة عن البناء الضوئي واللون الأخضر في النبات والميتوكوندرياالمسئولة عن توليد الطاقة وإتمام عمليات البناء الضوئي، والريبوزومات المسئولة عنتكوين البروتين، مع توجيه العناصر الغذائية من نمو الأوراق والبراعم الخضريةوالجذور إلى نمو الأزهار والثمار والحبوب والبذور ويصاحب ذلك وقف الإمداد الهرمونيللجذور، ووقف النشاط في القمم النامية، وعدم مقدرتها على الانقسام الخلوي، ويبدأالنبات دخول مرحلة الشيخوخة (Senesence) ( المرجع السابق) (ص 424).
وتبدأالورقة النباتية الخضراء بالدخول إلى مرحلة الشيخوخة حيث يقل معدل عملية التمثيلالضوئي وتفرز الجذور بعض المواد التي تنتقل إلى الأوراق لتثبط عملها.
وفي بعضالنباتات يرتفع معدل التنفس والاحتراق في الورقة بمجرد دخولها مرحلة الشيخوخة، وعلىالعموم فإن معظم الأوراق يقل تنفسها المعتاد بتقدم العمر.
ويبدأ الانخفاض فيالمحتوى الكلوروفيلي والبروتيني، وتتحطم وتتحلل البلاستيدات الخضراء في النسيجالمتوسط في الورقة ويقل المحتوى من الحامض النووي (RNA) مع انخفاض في عددالريبوزومات، ويبدأ حامض التسقيط وهرمون الإيثيلين بالعمل.
وهنا نجد الإعجازالإلهي في قوله تعالى (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً) الزمر (21) حيث يقل الإمداد المائيوالحيوي للأوراق، ويقل تكوين البلاستيدات الخضراء بما فيها من كلوروفيلات خضراء،وتبدأ باقي الأصباغ التي حجب الكلوروفيل سيادتها كالكاروتين الأصفر والزانثوفيلالأحمر وغيرهما بالسيادة والظهور، وباختلاط هذه الألوان: الأخضر الضعيف بكميتهالقليلة، مع الأصفر الفاقع والأحمر البرتقالي تبدأ الأوراق والسيقان بالاصفرارتدريجيا لتصل إلى اللون الأصفر والجفاف وتتكون طبقة الانفصال للورقة وتتهيأ الورقةللسقوط في الأرض لتختلط بالكائنات الحية الدقيقة المحللة في التربة لتحطمها، وتموتالجذور لتوقف إمدادها بالغذاء الذي كانت تقوم به الأوراق، وتموت السيقان وتجف، وتجفالبذور والحبوب والثمار ويتحطم النبات بفعل الحرارة العالية، والرياح الدائمة،وتحطمه البكتريا والفطريات و الحيوانات بتحليل مكوناته السليلوزية والبروتينية والدهنية بفعلأجهزتها الإنزيمية والإفرازية القادرة على عملية التحلل.
إنه الوصف العلميالقرآني الدقيق لمراحل نمو البنات:
ينزل الماء من السماء بفضل الله وقدرته(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً).
يذهب الماء إلى الأرض في مسالك محددةويختلط بالأعضاء التكاثرية النباتية فتخرج وتنبت وتخضر.
ثم يبدأ النباتبالإزهار وتباين الألوان والأصناف.
ثم تدب الشيخوخة في الأوراق والبراعمالخضرية ويشيخ النبات ويصفر اصفرارا واضحا.
ثم يتحطم ويتكسر ويتحلل ويعود إلىالأرض كما بدأ.
إنها دورة حياة كل نبات على وجه الأرض التي بينها د. الشحاتأبوزيد في كتاب الهرمونات النباتية).مرجع سابق )
فالنباتات الحولية (Annuals) تتميز بأن دورةحياتها أقل من العام، ثم تجف أعضاؤها الهوائية والجذرية الخضراء وتتحول إلى اللونالأصفر وتنتهي حياتها بالموت والتحلل بعد اكتمال تكوين ثمارها.
والنباتاتثنائية الحول (Biennils) تتميز بأن دورة حياتها أكثر من العام وأقل من عامينوتنتهي حياتها بالجفاف والموت بعد إنتاج الثمار والبذور المكتملة النضجوالتسوية.
والنباتات العشبية المعمرة (Perennial herbs) تتميز بأن دورة حياتهاأكثر من عامين وتصل إلى أكثر من (10) سنوات، تبدأ أعضاؤها الخضرية هوائيا بالذبولوالجفاف والموت عدا أعضاءها المتحورة والنامية في التربة حيث تبقى حية وفي طورسكونها وعندما يزول سكونها وتتلاءم الظروف الخارجية والداخلية للنمو تبدأ براعمهاالخضرية بالتكشف والنمو مكونة مجموعها الخضري ثم تدخل مرحلة الإزهار والإثمار ثمتدخل مرحلة الشيخوخة حيث تصفر أوراقها وتذبل وتجف وتموت من القاعدة إلى القمة،وتعيد دورة حياتها ثانية وهكذا إلى أن يأذن الله تعالى بموتها وتحللهاوتحطيمها.
والأشجار المعمرة (Perennial) في حالة الأشجار المتساقطة الأوراق تسقطأوراقها دفعة واحدة عقب مرحلة النمو الثمري، بينما النباتات المستديمة الأوراق تسقطأوراقها بعد بلوغها مرحلة الشيخوخة منفردة وبصورة متتالية سواء قبل أو بعد مرحلةالنمو الثمري (المرجع السابق) (ص 424).
ويؤثر الضوء، والهرمونات النباتية،ومرحلة الإثمار والتقليم، والتسميد، والخدمة الزراعية، في إطالة عمر النبات وقصرهولكن في النهاية الكل يزدهر ويخضر، ثم يزهر ويثمر، ثم يصفر ويجف ثم يتحطم ويتحللويقوم الماء والكلوروفيل والأصباغ النباتية الأخرى والعوامل الداخلية والخارجيةبدور فاعل في كل هذه العمليات مصداقنا لقول الله تعالى:(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ{21}) الزمر (21).

أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
www.nazme.net
أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد (11690) – الجمعة 10 ربيع الآخر 1431هـ - 26 مارس 2010م.

---

"eEl dQiAd[E tQjQvhi lEwXtQvhW" ,ado,om hgkfhj>

[محمد نصر]

وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته

بوركتم اخي ****** ابو عادل

جهد مشكور عليه

اكرمكم الله وجزاكم الله خيرا

[أبو عادل]

جزاك الله عنا كل الخير وبارك الله فيك أخي الكريم محمد نصر على مرورك الكريم.