الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 4 | المشاهدات | 3802 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
02 / 01 / 2010, 24 : 12 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح بعيدا عن التزوير والتمويهات ( الجزء الأول : المبحث التأصيلي ) الحمد لله الذي مَنّ على هذه الأمة بخير صحب ، وحفظ بهم دينه لمن أقبل عليه ورغب ، وجعل السلامة والعافية في ركبهم آمَنِ رَكْب . والصلاة والسلام على نبيه وخليله محمد ، أشرفِ وأطهرِ من دعا وأرشد وخطب . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ما قام طِرْف وأكرم وحيا ورحّب . أما بعد : فهذا هو الجزء الأول من مبحث التفويض الذي عكفت على تحضيره منذ أشهر ، وقد اعترضتْني فيه عدة مشاغل أخّرتْه عن النشر ، ولا زالت بعض المشاغل تعترضني ، منها سفري في هذا اليوم راجعا إلي بلدي . فرأيت أن أستعجل بإخراج ما هو شبه جاهز منه حرصا والله على الفائدة لما يستقبلني من أمر الانشغال بأهلي وانتقالي إلى مسكن غير الذي كنت أسكنه قبل السفر . فرأيت أن أطرح في هذا الموقع المبارك ما اقترب من التمام من الجزء الأول مع مراجعتي له مراجعة غير دقيقة ومع بقاء جزء مهم متمم سألحقه بهذا الجزء لاحقا بإذن الله وهذا الجزء الأول يمثل مقدمة في الرد على أهل التفويض وجعلتها مقدمة تأصيلية وسيعقبه الجزء الثاني وهو مبحث جدلي في كشف تحريفات وتزويرات صاحب كتاب : " القول التمام بإثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام " ذلكم الكتاب الذي غلط فيه جماعة من المنتسبين إلى العلم غلطا فاحشا على مذهب أهل السنة والجماعة المتبعين للسلف الصالح من سلف هذه الأمة وغمزوا بهم ولمزوا وطعنوا وسفهوا وحرصوا على تشويه الحق الذي عليه هذه الطائفة ولا أريد الآن أن استعجل في كشف هذا ولا أن أكثر من الدعاوى . لكني أُعْلِم من لم يطلع على هذا الكتاب أو من اطلع عليه ممن لم يدرس هذا الباب حق الدراسة أن الكتاب المذكور والله وتالله وبالله لَمِنَ الهزالة والضعف والبعد عن أصول العلم ما يستغربه كل صاحب علم وبصيرة !! ولأجل هزالته فضلت أن أُأَخر نقده ، لأنه سيصرفني عن أصل الموضوع لكثرة ما اشتمل عليه من خلط علمي سيء ، وفضلت أن أشتغل بأصل الموضوع فهذا أقرب للصدق في النقد وأنفع بلا شك للخلق ، ولأنه من تقديم ما حقه التقديم ولن يصرفني عن تحضير الجزء الثاني وهو الخاص بملاحقة هذه الطائفة المخالفة للحق إلا قدر رب العالمين . لا أريد أن أطيل بهذه المقدمة فلقد أزف الترحل وضاق بي الوقت جدا لكني أنبه إلى أن فصلا من أهم فصول هذا الجزء التأصيلي يكاد يجهز سأتبع إلحاقه به وهو يتعلق بتحديد معاني الصفات وضوابطها ، إضافة إلى مادة طيبة من أقوال السلف وأهل العلم فاتني إضافتها للفصول المثبتة في هذا الجزء سألحقها في فرصة قريبة بإذن الله وأعتذر للقارئ على هذا الاستعجال الذي حرمني ترتيب هذا الجزء والتدقيق في إخراجه لكني أعده بفعل هذا قريبا بإذن الله قبل الولوج أذكر بخلاصة مذهب السلف في الصفات : فهم يثبتون من صفات الله كل ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة لا يفرقون بين صفات دون صفات فكل ما جاءت به النصوص من ذلك فهو مثبت عندهم إثباتا حقيقيا صادقا لا كذب فيه ولا تمويه من غير تحريف أو تأويل أو تعطيل ومن غير تشبيه أو تكييف أو تمثيل فهم يثبتون كل صفة بمعناها الظاهر من النص وعلى ما يتبادر منها من فهمٍ في لغة العرب فالمعنى لغة هو المفهوم من ظاهرِ اللفظِ والذي تصِلُ إليه بغيرِ واسِطَة كما عرفه المتخصصون من أهل العلم . ولتتضح هذه الخلاصة أقول : الإثبات هو : ـ اعتقاد أن ظاهرها مراد ـ اعتقاد أن الصفة المذكورة في ظاهر اللفظ هي على حقيقتها وهذا توضيح للفقرة السابقة ـ اعتقاد أن معناها الظاهر معلوم لنا . ـ اعتقاد أن لها كيفية وإن جهلناها وباختصار نحن نثبت أي معنى للصفات جاءت به النصوص أو جاء عن السلف ولو كان بعضا من معنى الصفة أما التكييف فهو وصف دقيق أو مفصل أو تام للصفة . والتشبيه هو وصف للموصوف بصفة الغير إجمالا والتمثيل هو وصف للموصوف بصفة الغير تفصيلا والتعطيل نفي حقيقة الصفات المثبتة في النصوص عن الله أما مباحث هذا الجزء فهي كالتالي : ـ تقرير السلف لمبدإ إثبات معاني الصفات المنافي لتفويضها . ـ تطبيقات الصحابة في ذلك ـ تطبيقات التابعين في ذلك ـ تطبيقات بقية السلف في ذلك ـ تطبيقات أئمة أهل السنة السائرين على ما كان عليه السلف ـ فصل في الكيف وما ورد عن السلف فيه ـ فصل في الحد وما ورد فيه ـ فصل فيما تعلّق به من نسب التفويض إلى السلف لم يبق لي وقت على الشروع في السفر أسأل الله التوفيق والسداد والحفظ والإعانة وأسأله الإخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه تقرير السلف لمبدإ إثبات معاني الصفات المنافي لتفويضها . سأبدأ بأقوال السلف فمن بعدهم الخاصة بإثبات المعاني التي تبين موقفهم من الصفات عموما بما فيها الصفات الخبرية دون تطبيقاتهم على صفات معينة فذلك باب أوسع وهو وجه آخر يبين موقف السلف من إثبات المعاني سيلي هذا الوجه . وسأقتصر بإذن الله على الصريح وما في حكمه تاركا العشرات من مقالاتهم الدالة على ذلك بسبب شدة عناد المخالف الذي يستغل في إبطالها كل سبيل ولو كان مناف للمروءة العلمية ومصداقية العلم مع أن مجموع ما يجيبون عنه لا يحتمل أجوبة القوم لكني هنا سأقتصر كما ذكرت على الصريح وما في حكمه ـ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة قال الإمام أبوبكر بن العربي المالكي الأشعري معترفا كما في شرحه على الترمذي المسمى بعارضة الأحوذي : " وذهب مالك رحمه الله أن كل حديث منها ـ أي أحاديث الصفات ـ معلوم المعنى ولذلك قال للذي سأله : الاستواء معلوم والكيفية مجهولة " ا.هـ عارضة الأحوذي (3/166) ما أظن أنه بقي مجال لمن اعتدنا منهم العناد على منوال ( عنزة ولو طارت ) وقال الإمام المفسر القرطبي المالكي الأشعري في تفسيره ( 7/140-141 ) : " وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأُوَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة " ا.هـ وقوله : " يعني في اللغة " هو من كلام القرطبي وموافق لنفس ما ذكره ابن العربي وهما أشعريان فماذا عسى أن يقول المخالف وقال العلامة الملا عليّ القاري في المرقاة عند دفاعه عن الإمامين ابن القيم رحمه الله وشيخه شيخ الإسلام فقال ما نصه : " ومن طالع شرح منازل السائرين لنديم الباري الشيخ عبد الله الأنصاري الحنبلي قدس الله تعالى سره الجلي ، تبين له أنهما كانا من أهل السنة والجماعة ، بل ومن أولياء هذه الأمة ، ومما ذكر في الشرح المذكور ما نصه على وفق المسطور هو قوله على بعض عبارة المنازل ... ما نصه : " أن حفظه حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها ، وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أفهام العامة ولا نعني بالعامة الجهال بل عامة الأمة . كما قال مالك رحمه الله وقد سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى طه : كيف استوى ؟ فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال : " الاستواء معلوم ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة " فرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة وبين الكيف الذي لا يعقله البشر وهذا الجواب من مالك رحمه الله شاف عام في جميع مسائل الصفات من السمع والبصر والعلم والحياة والقدرة والإرادة والنزول والغضب والرحمة والضحك ، فمعانيها كلها معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة ... قال القاري عند نهاية كلام ابن القيم : انتهى كلامه وتبين مرامه ، وظهر أن معتقده موافق لأهل الحق من السلف وجمهور الخلف فالطعن والتشنيع والتقبيح الفظيع غير موجه عليه ولا متوجه إليه فإن كلامه بعينه مطابق لما قاله الإمام الأعظم والمجتهد الأقدم في فقهه الأكبر " ا.هـ فها هو الإمام القاري نقل كلام الإمام ابن القيم وهو يشرح عبارة مالك مقرا محتجا بما يتفق تماما مع كلام ابن العربي والقرطبي وأنا لا أحتج بهذا في بيان مذهب ملا القارئ فإنه كان مضطرب المذهب وإنما الاحتجاج بفهمه لعبارة مالك الموافق لكلام ابن العربي والقرطبي وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي المالكي : " أما المعاني فهي معروفة عند العرب كما قال الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة " كذلك يقال في النزول: النزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، واطّرده في جميع الصفات؛ لأنَّ هذه الصفات معروفة عند العرب، إلاّ أنَّ ما وصف به خالق السموات والأرض منها أكمل وأجلّ وأعظم من أن يشبه شيئاً من صفات المخلوقين، كما أنَّ ذات الخالق -جلّ وعلا- حق والمخلوقون لهم ذوات، وذات الخالق -جلّ وعلا- أكمل وأنزه وأجلّ من أن تشبه شيئاً من ذوات المخلوقين" ا.هـ وعبارة مالك ظاهرة كما شرحها هؤلاء العلماء وجلهم مالكية ، وجلهم أشاعرة ، وليسوا وهابيين ولا تيميين !! حتى لا يتذرع من اعتاد التهرب من مذاهب أهل العلم تحت شعارات تشويهية باطلة . وما ذكروه ظاهر من عبارته ومنسجم مع المعروف من مذهبه ولولا ضيق المقام لشرحت هذا الانسجام . وما سبق ذكره ظاهر لمن نظر في الأثر بعيدا عن التعصب والتكلف ولعلي أضيف ما يؤكد هذا فالأثر قدروي بألفظ أصحها : " جاء رجل فقال : يا أبا عبد الله ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? فكيف استوى ؟ قال : فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال : " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلاّ مبتدعاً. فأمر به أن يُخرج " ا.هـ ، ومما جاء من ألفاظ الأثر ما يوضح مراد مالك التالي : قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ... عن سريج بن النعمان ، قال : حدّثنا عبد الله بن نافع ، قال : قال مالك بن أنس : " الله في السماء وعلمه في كلِّ مكان، لا يخلو منه مكان، قال : وقيل لمالك : الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى؟، فقال مالك -رحمه الله-: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء " . قال القاضي عياض : " قال أبو طالب المكي : كان مالك -رحمه الله- أبعدَ الناس من مذاهب المتكلِّمين، وأشدَّهم بُغضاً للعراقيين، وألزَمَهم لسنة السالفين من الصحابة والتابعين . قال سفيان بن عيينة : سأل رجلٌ مالكاً فقال: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى يا أبا عبد الله؟، فسكت مالكٌ مليًّا حتى علاه الرحضاء، وما رأينا مالكاً وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينظرون ما يأمر به، ثمَّ سُريَّ عنه فقال : " الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنُّك ضالاًّ، أخرجوه " . قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: وأخبرنا محمد بن عبد الملك... من طريق مهدي بن جعفر، ثم قال : قال بقي : وحدّثنا أيوب بن صلاح المخزومي بالرملة، قال : " كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له : يا أبا عبد الله مسألة أريد أن أسألك عنها ؟، فطأطأ مالك رأسه فقال له : يا أبا عبدالله ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى ؟، قال : سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمت في غير معقول، إنّك امرؤ سوء، أخرِجوه، فأخذوا بضبعيه فأخرجوه " . وقال ابن رشد في البيان والتحصيل : " قال سحنون : أخبرني بعض أصحاب مالك أنَّه كان قاعداً عند مالك فأتاه رجل فقال: " يا أبا عبد الله مسألة ؟ ، فسكت عنه ثم قال له : مسألة ؟، فسكت عنه، ثم عاد فرفع إليه مالك رأسَه كالمجيب له . فقال السائل : يا أبا عبد الله: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ?، كيف كان استواؤه؟ فطأطأ مالك رأسَه ساعة ثم رفعه، فقال: (( سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمتَ في غير معقول، ولا أراك إلاَّ امرأ سوء، أَخرِجوه . هذه مجمل الروايات التي جاءت بمعنى متقارب وأحدها صريح لا يحتمل تكلف المخالف وهو قوله : " الاستواء معقول " فلا يصلح حمله على اللفظ وحده بل هو نص في المعنى ، وباعتبارها إحدى روايات الأثر التي روت معناه وليست هي الأصح لكنها بمعنى الرواية الأصح فالاستدلال بها لا يرفضه من كان صادقا في طلب مراد مالك وهي أولى من تكلف المخالف ثم الرواية الأصح وهي قوله " غير مجهول " لا يليق حملها على اللفظ لأنها خرجت جوابا عن مسؤول به وهو اللفظ لمسؤول عنه وهو الكيف فلا يكون المسؤول به نفسه جوابا وإلا كان أقرب إلى اللغو وهذا ليس من طبيعة الأجوبة عادة ، فضلا عن الأجوبة العلمية ، فضلا عن أجوبة كبار العلماء . فحمله عليه خلاف الطبيعي وخلاف الأصل . ولو كان لفظ الاستواء ( مجرد اللفظ ) هو المعْنِي في جواب مالك بقوله : " غير مجهول " كما يدعي المخالف : ـ لما عبر مالك بهذا التعبير ولقال مالك مثلا : " الاستواء مذكور " أو نحو هذا ، وما احتاج إلى أسلوب النفي " غير مجهول " ! الذي يلجأ إليه من بحاجة إلى تقرير مراد فيه نوع بعد ـ وما احتاج لنفي ما هو منتف اتفاقا وهو الجهل باللفظ وقد جاء في نص السؤال ـ وما احتاج مالك لنفي ما لا معنى لنفيه !! فقوله : " غير مجهول " ظاهره : أن المقصود بهذا أمر معروف وإن لم يُذكر ولم يفصح عنه ، لكونه معروفا وهذا ممتنع في مجرد اللفظ ورواية : " سألت عن غير مجهول " لا تحتمل ذلك التكلف لأنها بينت أن الغير مجهول في عبارة مالك ليس مجرد لفظ الاستواء لقوله : " سألتَ " وبالاتفاق السائل لم يسأل عن مجرد اللفظ ! والجدير بالذكر ختاما ما يلي : ـ أننا لم نختلف مع عامة مخالفينا في صحة الأثر إلا من شذ منهم وهذا الطرف الشاذ يعكس لك ما يخفيه بعضهم من الشعور بأن معناه ضدهم لكنه يخفيه ـ كما أننا لم نختلف في قوله : " والكيف مجهول أو غير معقول " وأنه يدل على تفويضه للكيف ـ كما أننا لا نختلف في أن مالكا لم يتعرض في الأثر لتفويض شيء آخر إلا الكيف ـ وإنما خلافنا يكاد ينحصر في قوله : " الإستواء غير مجهول " أو الاستواء معلوم " أو الإستواء معقول " وأظن أن الصواب في عبارة مالك واضح ظاهر لا يحتاج إلى تحكم وتكلف ومعَنا فيما نقول به ظاهر لفظ مالك نفسه ، واعتراف من علمائهم وروايات بالمعنى وماذا يطلبون أكثر من هذا ؟ ـ الإمام إسحاق بن راهويه من كبار أئمة السنة : قال أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لَهُ قَالَ : وَفِيمَا أَجَازَنِي جَدِّي رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ مِنْ كِتَابِهِ بِصِفَاتٍ اسْتَغْنَى الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَنْ أَنْ يَصِفُوهُ بِغَيْرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَأَجَلَّهُ فِي كِتَابِهِ , فَإِنَّمَا فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى إرَادَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ , فَقَالَ : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك } وَقَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ : { فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } , { وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }, وَقَالَ : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } وَقَالَ : { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } . وَقَالَ : { خَلَقْت بِيَدَيَّ } وَقَالَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } وَقَالَ : { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } وَكُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِمَّا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْقُرْآنِ , وَمَا لَمْ نَذْكُرْ فَهُوَ كَمَا ذُكِرَ . وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْعِبَادَ الِاسْتِسْلَامُ لِذَلِكَ وَالتَّعَبُّدُ لَا نُزِيلُ صِفَةً مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَ الرَّسُولُ عَنْ جِهَتِهِ لَا بِكَلَامٍ وَلَا بِإِرَادَةٍ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ الْأَدَاءُ وَيُوقِنُ بِقَلْبِهِ أَنَّ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا هِيَ صِفَاتُهُ , وَلَا يَعْقِلُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ تِلْكَ الصِّفَاتِ إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي عَرَّفَهُمْ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَأَمَّا أَنْ يُدْرِكَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مَعْنَى تِلْكَ الصِّفَاتِ فَلَا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ . لِيَكُونَ إيمَانُهُمْ بِذَلِكَ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا يَعْقِلُ أَحَدٌ مُنْتَهَاهُ وَلَا مُنْتَهَى صِفَاتِهِ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ أَنْ يُثْبِتَ مَعْرِفَةَ صِفَاتِ اللَّهِ بِالْإِتْبَاعِ وَالِاسْتِسْلَامِ كَمَا جَاءَ , فَمَنْ جَهِلَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنَّمَا أَصِفُ مَا قَالَ اللَّهُ وَلَا أَدْرِي مَا مَعَانِي ذَلِكَ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ يَدٌ نِعْمَةٌ وَيَحْتَجْ بِقَوْلِهِ أَيْدِينَا أَنْعَامًا وَنَحْوَ ذَلِكَ , فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ . هَذَا مَحْضُ كَلَامِ الْجَهْمِيَّةِ حَيْثُ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ , ثُمَّ يُحَرِّفُونَ مَعْنَى الصِّفَاتِ عَنْ جِهَتِهَا الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ , حَتَّى يَقُولُوا مَعْنَى السَّمِيعِ هُوَ الْبَصِيرُ وَمَعْنَى الْبَصِيرِ هُوَ السَّمِيعُ , وَيَجْعَلُونَ الْيَدَ يَدَ نِعْمَةٍ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ يُحَرِّفُونَهَا عَنْ جِهَتِهَا لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُعَطِّلَةُ . ساقه بحروفه من كتاب السنة لأبي الشيخ الأصبهاني شيخُ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى له ونقل طرفا منه موافقا ما نقله شيخ الإسلام الإمام أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الكرجي فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْفُصُولُ فِي الْأُصُولِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ إلْزَامًا لِذَوِي الْبِدَعِ وَالْفُضُولِ " وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ – وهو في مجموع الفتاوى فقول إسحاق : " فَإِنَّمَا فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى إرَادَةِ اللَّهِ " ثم ذكر النصوص المشتملة على الصفات الخبرية محل النزاع . فيه أن النبي كان يعلم تفسير معاني هذه النصوص وغيرها كما توضحه الأمثلة بل فيه أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم أراد به تفسيرها كما هو صريح قوله ( فسر ) فالمعاني مرادة وإلا لما كان تفسيرا وقوله : " لَا نُزِيلُ صِفَةً مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَ الرَّسُولُ عَنْ جِهَتِهِ لَا بِكَلَامٍ وَلَا بِإِرَادَةٍ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ الْأَدَاءُ " فيه أن هذه النصوص لها جهة لا تصرف عنها وهي ظاهرها ( لا بكلام ) كالتأويل ( ولا بإرادةٍ ) لترك هذا الظاهر ولو دون كلام كما هو التفويض بل لابد من أداء هذه الجهة لزوما وهي الظاهر وقوله : " وَلَا يَعْقِلُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ تِلْكَ الصِّفَاتِ إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي عَرَّفَهُمْ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " فيه أن هذه الصفات تعقل معانيها وتفهم عن طريق أسماء هذه الصفات والتي هي ألفاظها اتفاقا وقوله : " فَأَمَّا أَنْ يُدْرِكَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مَعْنَى تِلْكَ الصِّفَاتِ فَلَا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ . " فيه أن هناك معنى لا يمكن أن يدركه أحد من بني آدم والذي عبر عنه بعدها ( بمنتهى الصفة ) وهو المعنى المفصل لحقيقة الصفة المعروف بالكيفية وهو ما لم توضحه النصوص أما ما تدركه عقول ذوي الألباب من أصل المعنى فهو الذي وصف في النصوص وقوله في هذا واضح : " وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ " تأمل فصفاته لها قدر تدركه العقول وهو أصل المعنى وقال " وصف من صفاته " ولم يقل ذكر ليبين أن أصل المعنى مراد ويؤكده أنه علل إيراد نصوص الصفات بما يدل على أنها معروفة المعاني في الجملة لا على أنها بمنزلة المتشابه وذلك ببيان أنها سيقت لتُوصل تلك العقول إلى معرفة الموصوف عن طريق هذه الصفات ولتحصيل الإيمان لها وهذا ينافي كونها للاختبار قصدا كما هو شأن المتشابه ثم تخصيصه لمنتهى الصفة بأنه لا يعقل أكّد أن أول الصفة وهو أصل معناها مما يعقل ويعلم ثم قطع الإمام إسحاق الطريق على المفوضة بإنكاره على من يزعم جهل المعنى ويدعي الاقرار بالصفة ولا يدري المعنى بل اعتبره سالكا بذلك طريق التجهم عندما قال : " فَمَنْ جَهِلَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنَّمَا أَصِفُ مَا قَالَ اللَّهُ وَلَا أَدْرِي مَا مَعَانِي ذَلِكَ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ .. " فلا يخالف عاقل أن هذا الكلام يدل على أن معاني الصفات معلومة بدليل ذمه من يدعي جهل معاني الصفات ويتبنى عدم الدراية للمعاني فالمقام والسياق إنما لذم المذكور وهذا دليل على أن خط التأويل في زمنهم أيضا يسير بمحاذاة التفويض وكل يخدم الآخر كما هو الحال اليوم فما أشبه الليلة بالبارحة وكلام إسحاق صريح بأن مذهب الجهل بالمعنى يفضي إلى تحريف الجهمية وهذا يبين أن مذهب السلف لا يقوم على جهل معاني الصفات لأنه لا يفضي إلى ذلك وقوله : " ثُمَّ يُحَرِّفُونَ مَعْنَى الصِّفَاتِ عَنْ جِهَتِهَا الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ , ... وَيَجْعَلُونَ الْيَدَ يَدَ نِعْمَةٍ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ يُحَرِّفُونَهَا عَنْ جِهَتِهَا لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُعَطِّلَةُ " . إذا " معنى الصفات " كما هي عبارته لها جهة ينبغي علينا إثباتها ، وهذا أيضا إثبات صريح للمعنى يبطل مذهب التفويض وقد أكد بما ذكر أن هذين الخطين يخرجان بالنصوص عن ظاهرها وجهتها والتأويل أصرح في التحريف وكلاهما خروج عن الظاهر خلافا لطريقة السلف فإسحاق بن راهويه الإمام الكبير يثبت معاني الصفات بمنطوق كلامه وينكر على من ينادي بأنه مجهولة بمنطوق كلامه وتأمل عبارته : " ... وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ . لِيَكُونَ إيمَانُهُمْ بِذَلِكَ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا يَعْقِلُ أَحَدٌ مُنْتَهَاهُ وَلَا مُنْتَهَى صِفَاتِهِ , ... فَمَنْ جَهِلَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنَّمَا أَصِفُ مَا قَالَ اللَّهُ وَلَا أَدْرِي مَا مَعَانِي ذَلِكَ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ يَدٌ نِعْمَةٌ وَيَحْتَجْ بِقَوْلِهِ أَيْدِينَا أَنْعَامًا وَنَحْوَ ذَلِكَ , فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ . هَذَا مَحْضُ كَلَامِ الْجَهْمِيَّةِ حَيْثُ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ , ثُمَّ يُحَرِّفُونَ مَعْنَى الصِّفَاتِ عَنْ جِهَتِهَا الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ " وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل ـ الإمام ابن الماجشون والإمام أحمد قال الإمام ابن القيم في الصواعق : " قال ابن الماجشون والإمام أحمد وغيرهما من السلف إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وإن كنا نعلم تفسيره ومعناه " ا.هـ والعبارة بلفظها لأحدهم ومعناها للآخرين ومن ذلك ما قاله أحمد - رحمه الله - كما في رسالة السنة برواية عبدوس بن مالك وهي من أصح ما ثبت عن أحمد : " ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم له، مثل حديث الصادق المصدوق، ومثل ما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤية كلها ..." فهذا نصٌّ في إثبات التفسير الذي هو بيان المعنى من الناحية اللغوية، وإشعار بأنه قد يشتبه على بعض الناس اشتباهاً إضافياً، أما من حيث الجملة فهو محكم معلوم المعنى، ولا يمكن أن يكون مجهولاً لدى كافة الأمة . ورسالة عبدوس هذه من أصح ما جاء عن أحمد وكونه تعالى يرى عيانا بالأبصار في الآخرة دون حجاب فيتجلى لعباده ليُرى هو من الصفات الخبرية خلافا لإمكانية الرؤية وقد تواتر عن أحمد ما يدل على التعبير بأحاديث الرؤية مع وعن أحاديث الصفات وأن موقف السلف منهما واحد من ذلك : روى أبو بكرالمروذي رحمه الله قال : " سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش ؟ فصححها أبو عبدالله ، وقال : قد تلقتها العلماء بالقبول نسلم الأخبار كما جاءت قال : فقلت له إن رجلا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت فقال يجفا وقال ما اعتراضه في هذا الموضع يسلم الأخبار كما جاءت " وهو ثابت صحيح وقال الخلال : وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلاً حدثهم قال : سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروي أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث؟. فقال أبو عبد اللّه : نؤمن بها ونصدق بها، ولا نَرُدُّ منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ وَهُوَ السّمِيع البَصيرُ " وعن إسحاق بن منصور الكوسج قال : قلت لأحمد- يعني ابن حنبل - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث ؟ ويراه أهل الجنة ، يعني ربهم عز وجل ؟ ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته ، واشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه و إن موسى لطلم ملك الموت ، قال أحمد : كل هذا صحيح ، قال إسحاق : هذا صحيح ، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي . آجري أما التعبير بالرؤية بما يشمل حكم باقي الصفات فعن حنبل قال : قلت لأبي عبد الله يعني أحمد في الرؤية قال : أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر وكلما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله أدركت الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين وأما عن غيره من السلف فعن الوليد بن مسلم قال : سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا : " أمروها بلا كيف " وقيل لسفيان بن عينية هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية فقال حق على ما سمعناها مما نثق به // رجاله ثقات وعن العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية فقال هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض // إسناده صحيح فتقرير أحمد السابق أن تفسير النصوص في الرؤية قد يخفى على البعض فلا يعرفه يدل على أنه معروف في الأصل ، وهو تأصيل لباب الصفات كلها كما دلت عبارات أحمد الأخرى وغيرها ـ الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري 276 هـ قال رحمه الله : " الواجب علينا أن ننتهي في صفات الله إلى حيث انتهى في صفته أو حيث انتهى رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نزيل اللفظ عما تعرفه العرب ونضعه عليه ونمسك عما سوى ذلك " عن كتابه اختلاف اللفظ ص25. وسيأتي في باب التطبيقات ما يجلي مذهبه ـ الإمام أبو العباس ابن سريج كبير الشافعية في زمانه ت 303 هـ قال في رسالته في الاعتقاد عن نصوص الصفات : " ... أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، ولا نفسرها ولا نكيفها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح، بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسّر ما فسّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عن ما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهرة تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سنة، وابتغاء تأويلها بدعة.." ا.هـ فبصريح كلامه ومنطوقه أن لنا أن نترجم الصفات بمفهومها في لغة العرب وأيضا بصريح كلامه ومنطوقه أن الأئمة من السلف فسروا نصوص الصفات وأن لنا أن نفسر بتفسيرهم وهو ما سيأتي في تطبيقات السلف ـ الإمام محمد بن جرير بن يزيد الطبري ت 310 هـ قال في كتابه " التبصير في معالم الدين " [ ص : 132-142 ] : " القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا لا استدلالاً ... وذلك نحو إخباره عزوجل أنه : ( سميع بصير ) وأن له يدين بقوله : ( بل يداه مبسوطتان ) ، أن له يمينا لقوله : ( والسماوات مطويات بيمينه ) ، وأن له وجها بقوله : ( كل شي هالك إلاّ وجهه ) وقوله : ( ويبقى وجه ربك ) ، وأن له قدما بقول النبي : ( حتى يضع الرب فيها قدمه ) ، وأنه يضحك بقوله : ( لقي الله وهو يضحك إليه ) ، وأنه يهبط كل ليلة وينزل إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله بذلك ، وأنه ليس بأعور لقول النبي إذ ذكر الدجال فقال : ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) ، وأن المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم كما يرون الشمس ليس دونها غياية ، وكما يرون القمر ليلة البدر ، لقول النبي ، وأن له أصابع لقول النبي : ( ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ) " إلى أن قال : "فإن قيل : فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت ، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل و وحيه وجاء ببعضها رسول الله ، قيل : الصواب من هذا القول عندنا : أن نثبت حقائقها على ما نَعرف من جهة الإثبات ونفي الشبيه كما نفى ذلك عن نفسه جل ثناؤه فقال : ( ليس كمثله شي وهو السميع البصير ) ." فهذا صريح منه في أن الصواب في نصوص الصفات الخبرية أن نثبت من معانيها حقائقها على ما نعرف منها والمراد بحقائقها ما هو ضد المجاز لأن الحقائق بمعنى الكيفيات ممتنع بالاتفاق وقوله على ما نعرف دال على ذلك فالكيفيات لا تعرف ـ الإمام أبو الحسن الأشعري ت323 هـ الإمام الأشعري في آخر أمره يرى أن معاني الصفات معلومة على ضوء لغة العرب فها هو يقول عند ذكره للنصوص الواردة في الصفات الخبرية وعند تعرضه لصفة اليد ، بعد ذكر النصوص الدالة على إثبات اليد : " وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل : عملت كذا بيدي ويعني به النعمة . وإذا كان الله عز و جل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها ومعقولا في خطابها وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل : فعلت بيدي ( 1 / 127 ) ويعني النعمة بطل أن يكون معنى قوله تعالى : ( بيدي ) النعمة . وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل : لي عليه يدي بمعنى لي عليه نعمتي ومن دافعَنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها دوفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة . إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد النعمة إلا من جهة اللغة فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها ، وأن لا يثبت اليد نعمة من قبلها لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى : ( بيدي ) نعمتي فليس المسلمون على ما ادعى متفقين وإن روجع إلى ( 1 / 128 ) اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل : بيدي يعني نعمتي وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه ولن يجد له سبيلا إلى أن قال : وإن قالوا : قلنا ذلك من القياس قيل لهم : ومن أين وجدتم في القياس أن قوله تعالى : ( بيدي ) لا يكون معناه إلا نعمتي ؟ ومن أين يمكن أن يعلم بالعقل أن تفسير كذا وكذا مع أنا رأينا الله عز و جل قد قال في كتابه العزيز الناطق على لسان نبيه الصادق ( 1 / 129 ) : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) من الآية ( 4 / 14 ) وقال تعالى : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) من الآية ( 103 / 16 ) وقال تعالى : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) من الآية ( 3 / 4 ) وقال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله ) من الآية ( 82 / 4 ) ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه على أنهم إنما علموه لأنه بلسانهم نزل وليس في لسانهم ما ادعوه ... إلى أن قال : " فإن قالوا إذا أثبتم لله عز و جل يدين لقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) فلم لا أثبتم له أيدي لقوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) من الآية ( 71 / 36 ) ؟ قيل لهم : قد أجمعوا على بطلان قول من أثبت لله أيدي فلما أجمعوا على بطلان قول من قال ذلك وجب أن يكون الله تعالى ( 1 / 138 ) ذكر أيدي ورجع إلى إثبات يدين لأن الدليل عنده دل على صحة الإجماع وإذا كان الإجماع صحيحا وجب أن يرجع من قوله أيدي إلى يدين لأن القرآن على ظاهره ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة فوجدنا حجة أزلنا بها ذكر الأيدي عن الظاهر إلى ظاهر آخر ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقته لا يزول عنها إلا بحجة " وقال : " فإن قال قائل : إذا ذكر الله عز و جل الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة ؟ قيل له : ذكر تعالى أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يدا واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر .. فإن قال قائل : ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) من الآية ( 71 / 36 ) وقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) من الآية ( 75 / 38 ) على المجاز ؟ قيل له : حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس هو على حقيقة الظاهر وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة كذلك قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) من الآية ( 75 / 38 ) ( 1 / 140 ) على ظاهره أو حقيقته من إثبات اليدين ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة ولو جاز ذلك لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة وإذا لم يجز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه أنه مجاز أن يكون مجازا بغير حجة بل واجب أن يكون قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) من الآية ( 75 / 38 ) إثبات يدين لله تعالى في الحقيقة غير نعمتين إذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم : فعلت بيدي وهو يعني النعمتين ( 1 / 141 ) ... ويقال لهم : أليس إذا لعن الله الكافرين فلعنه لهم معنى ولعن النبي صلى الله عليه و سلم لهم معنى ؟ فمن قولهم نعم فيقال لهم : فما أنكرتم من أن الله تعالى إذا علم نبيه صلى الله عليه و سلم شيئا فكان للنبي صلى الله عليه و سلم علم ولله تعالى علم وإذا كنا متى أثبتناه غضبانا على الكافرين فلا بد من إثبات غضب وكذلك إذا أثبتناه راضيا عن المؤمنين فلا بد من إثبات رضى وكذلك إذا أثبتناه حيا سميعا بصيرا فلا بد من إثبات حياة وسمع وبصر .. " ا.هـ لا يرتاب من جُنّب الريب في قلبه أن منطوق كلام الإمام الأشعري وصريح كلامه دال على المراد وأن الأشعري يرى أن صفة خبرية كاليد إنما خاطب فيها الله العرب بخطاب مفهوم ومعقول ليعرفوا المعنى وهو مقصود بالخطاب في مثل صفة اليد وأنه خطاب على ظاهره وعلى حقيقته فهما يدان حقيقيتان ولأن الإمام الأشعري نحى في كلامه هنا منحى التأصيل لأمثال هذه الصفة حتى كان كلامه كالقاعدة للصفات الخبرية وغيرها لأجل هذا سقت كلامه هنا في هذا الباب ولم أرجئه إلى باب تطبيقات السلف والأئمة وكلامه منقول من كتابه الإبانة الذي قال عنه الإمام ابن رجب في الفتح : " وهو من أجل كتبه ، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه ، كالبيهقي وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم ابن عساكر وغيرهم . وقد شرحه القاضي أبو بكر ابن الباقلاني " ا.هـ ـ الإمام الحافظ أبو عبد الله أبو عبد الله، محمد بن إسحاق ابن مندة ت 395 هـ قال في كتابه التوحيد ج3/7: " إن الأخبار في صفات الله جاءت متواترة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم موافقة لكتاب الله عز وجل نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن ، من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل إثبات الصفات والمعرفة والإيمان به والتسليم ...وكان ذلك مفهوماً عند العرب غير محتاج إلى تأويلها " ا.هـ دون تعليق ، وهذا من غير تطبيقاته ـ الحافظ الإمام أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله الأندلسي الطلمنكي المالكي ت 429 هـ ففي كتاب الوصول إلى معرفة الأصول قال رحمه الله : " أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله : ( وهو معكم أينما كنتم ) ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء وقال أهل السنة في قوله الرحمن على العرش استوى إن الإستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز فقد قال قوم من المعتزلة والجهمية لا يجوز أن يسمى الله عزوجل بهذه الإسماء على الحقيقة ويسمى بها المخلوق فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه وأثبتوها لخلقه فإذا سئلوا ما حملهم على هذا الزيغ قالوا الإجتماع في التسمية يوجب التشبيه قلنا هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها لأن المعقول في اللغة أن الإشتباه في اللغة لا تحصل بالتسمية وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض والسواد بالسواد والطويل بالطويل والقصير بالقصير ولو كانت الأسماء توجب إشتباها لاشتبهت الأشياء كلها لشمول إسم الشيء لها وعموم تسمية الأشياء به فنسألهم أتقولون إن الله موجود فإن قالوا نعم قيل لهم يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبها للموجودين وإن قالوا موجود ولا يوجب وجوده الإشتباه بينه وبين الموجودات قلنا فكذلك هو حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم يعني ولا يلزم إشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات " ا.هـ هنا ختم الإمام الطلمنكي تطبيقه الصريح في إثبات معنى الاستواء عندما نص بأنه بذاته وأنه على حقيقته ، ختمه بتأصيل صريح أيضا عندما أنكر على المعتزلة نفيهم حقائق الصفات وخروجهم عن حقيقة الخطاب اللغوي في سائر الصفات ما كان على منوال صفة الاستواء وهي خبرية أو غيرها من باقي الصفات فبين بهذا أصل أهل السنة المجانب للمعتزلة وهو إثبات هذه الصفات التي هي من قبيل الاستواء على حقائقها لا مجازاتها على مقتضى الخطاب العربي وعبر عن الصفات بصيغة الأسماء تماما كما تقدم عن الإمام ابن راهويه . وكلام الطلمنكي واضح في أنه أراد الصفات ، إذ عبر عن الاستواء بذلك وهو صفة باتفاق فعندما كان لكل صفة لفظ يعبر عنها ويعتبر بالنسبة لحقيقتها كالاسم فمن هنا جاز الاطلاق ـ شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني قال رحمه الله : " وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحياة، واليقظة والفرح والضحك وغرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب " أ.هـ. ـ الإمام ابن عبد البر حافظ أهل المغرب ت463 هـ قال رحمه الله في التمهيد (7/131) : " وأما قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم ) فمعناه من على السماء يعني على العرش ، وقد تكون في بمعنى على ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) أي على الأرض وكذلك قوله : ( لأصلبنكم في جذوع النخل ) وهذا كله يعضده قوله تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب . وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء ، وقولهم في تأويل استوى استولى فلا معنى له ، لأنه غير ظاهر في اللغة ، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد ، وهو الواحد الصمد ، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز . إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك ، وإنما يوجه كلام الله عز و جل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم . ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات وجل الله عز و جل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم ... ا.هـ ثم ذكر الاستواء لغة وأطال فيه ما أظن أن هذا الكلام منه يحتاج إلى شرح وله تطبيقات تؤكد هذا ستأتي ـ الخليفة القادر بالله أبو العباس احمد بن إسحاق بن المقتدر 422 هـ له معتقد مشهور قرىء ببغداد بمشهد من علمائها وأئمتها وأنه قول أهل السنة والجماعة وأقره العلماء من أهل السنة في وقته من ذلك " وأنه خلق العرش لا لحاجة واستوى عليه كيف شاء وأراد لا استقرار راحة ... وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز ..." ا.هـ وحمل الصفة على حقيقتها يعني على مفهومها الظاهر فهي عبارة تنقض التفويض من أساسه ـ الإمام إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني الشافعي 537 هـ قال في كتابه الحجة في بيان المحجة ج1/ص183 : " باب : قال علماء السلف : جاءت الأخبار عن النبي متواترة في صفات الله تعالى موافقة لكتاب الله تعالى نقلها السلف على سبيل الإثبات والمعرفة والإيمان به والتسليم وترك التمثيل والتكييف وأنه عز وجل أزلي بصفاته وأسمائه التي وصف بها نفسه أو وصفه الرسول الحجة في بيان مدحه بذلك وصدق به المصطفى وبين مراد الله فيما أظهر لعباده من ذكر نفسه وأسمائه وصفاته وكان ذلك مفهوما عند العرب غير محتاج إلى تأويله " ا.هـ وقال وقد سئل عن صفات الرب ؟ فقال : " مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل ، قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره ثم قال : أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا.هـ وقال : " دليل آخر ، أن من حمل اللفظ على ظاهره ، وعلى مقتضى اللغة حمله على حقيقته ، ومن تأوله عدل به عن الحقيقة إلى المجاز ، ولا يجوز إضافة المجاز إلى صفات الله وتعالى " ا.هـ وكتابه مليء بإثبات معاني الصفات وكلامه أوضح من أن يوضح ـ الحافظ الإمام أبو أحمد محمد بن علي بن محمد الكرخي القصاب ت بعد 360 هـ قال رحمه الله : " كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله فليست صفة مجاز ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها ولقيل : معنى البصر كذا ومعنى السمع كذا ولفسرت بغير السابق إلى الأفهام فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل علم أنها غير محمولة على المجاز وإنما هي حق بين " عن تذكرة الحفاظ للذهبي 3/939 السير له 16/213-214 فالسابق إلى الأفهام من الصفات حقيقة لا مجازا هو الذي يصار إليه مع كل الصفات وهذا صريح كلامه ـ شمس الأئمة أبو العباس السرخسي الحنفي : قال رحمه الله : " وأهل السنة والجماعة ، أثبتوا ما هو الأصل ، معلوم المعنى بالنص أي بالآيات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فيما هو متشابه وهو الكيفية ، ولم يجوزا الاشتغال في طلب ذلك " ا.هـ ( عن شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري ص 93 ) وهذا إن لم يمثل منه مذهبه الثابت فلا أقل أن يكون من باب الاعتراف فإني لم أقف على كلام آخر له ـ الإمام أبو القاسم عبد اللّه بن خلف المقرىء الأندلسي قال في الجزء الأول من كتاب " الاهتداء لأهل الحق والاقتداء " شرح الملخص للشيخ أبي الحسن القابسي : " ... عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبد اللّه الأغر، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " ينْزِلُ ربُّنا كلَّ ليلة إلى سماء الدُنيا حين يبقى ثُلُثُ الليل الآخر فيقول: من يدعُوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له " . في هذا الحديث دليل على أنه تعالى في السماء على العرش فوق سبع سموات من غير مماسة ولا تكييف، كما قال أهل العلم، ودليل قولهم أيضَاً من القرآن قوله تعالى : " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى " وقوله تعالى: " ثمَّ اسْتَوى عَلى العَرْش ما لَكُم مِن دُونهِ مِن وليٍّ وَلا شَفِيع " وقوله تعالى: " إذاً لابْتَغوْا إلى ذي العَرْش سَبيلاً " وقوله تعالى: " يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السّماءِ إلى الأرْضِ " وقوله تعالى: " تَعْرُجُ الملائكَةُ والرُّوحُ إليه " وقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام: " إنِّي مُتَوفِّيكَ ورافِعُكَ إليَّ " وقوله تعالى: " لَيْسَ لَهُ دافِعٌ، مِنَ اللَّهِ ذي المَعارج، تَعرُجُ الملائِكَةُ والرّوحُ إليهِ " والعروج: هو الصعود. وقال مالك بن أنس: اللّه عز وجل في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان. يريد واللّه يعلم بقوله في السماء: على السماء، كما قال تعالى: " ولأصَلِّبنَّكُم في جُذوع النّخْلِ " وكمَا قال تعالى: آمنتم من في السماء " أي من على السماء يعني على العرش. وكما قال تعالى: " فَسِيحُوا في الأرضِ " أي على الأرض، وقيل لمالك: الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ قال مالك رحمه اللّه تعالى لقائله: استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء. قال أبو عبيدة في قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " : أي علا. قال: وتقول العرب استويت فوق الدابة وفوق البيت. وكل ما قدمت دليل واضح في إبطال قول من قال المجاز فيِ الاستواء، وإن استوى بمعنى استولى لأن الاستيلاء في اللغة المغالبة، وأنه لا يغالبه أحد ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا سبحانه وتعالى إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله تعالى على الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع ذلك ما يوجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدعٍ ما ثبت شيء من العبادات، وجَلَّ اللَّهُ تعالى أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة، وهو العلو والارتفاع والتمكن ا.هـ وهذا نقله عنه ابن عبد البر بتصرف يسير ـ الحافظ عبد الغني المقدسي قال الحافظ ابن رجب في ترجمة الحافظ عبد الغني : وقرأت بخط الإِمام الحافظ الذهبي- رداً على ما نقل الإِجماع على تكفيره- أما قول "أجمعوا" فما أجمعوا، بل أفتى بذلك بعض أئمة الأشاعرة ممن كفروه، وكفرهم هو، ولم يبد من الرجل أكثر مما يقوله خلق من العلماء الحنابلة والمحدثين: من أن الصفات الثابت محمولة على الحقيقة، لا على المجاز، أعني أنها تجري على مواردها، لا يعبر عنها بعبارات أخرى، كما فعلته المعتزلة، أو المتأخرون من الأشعرية. هذا مع أن صفاته تعالى لا يماثلها شيء " ا.هـ ـ الإمام العلامة أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ت 728 هـ قال رحمه الله تعالى تعليقاً على كلام مالك في الاستواء : " وهكذا سائر الأئمة قولهم يوافق قول مالك في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته ، ولكن نعلم المعنى الذي دل عليه الخطاب فنعلم معنى الاستواء ولا نعلم كيفيته ، ونعلم معنى النزول ولا نعلم كيفيته ، ونعلم معنى السمع والبصر والعلم والقدرة ولا نعلم كيفية ذلك ، ونعلم معنى الرحمة والغضب والرضا والفرح والضحك ولا نعلم كيفية ذلك ا.هـ وأقواله في هذا المعنى أكثر من أن يسعها هذا الموضع وإنما ذكرت كلامه هنا لتجرؤ من لا يستحي ممن حشر شيخ الإسلام في سلك المفوضة فسبحان الله كم بلغت الصفاقة ببعض الناس اليوم ـ الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي ت 7 قال رحمه الله : " وقد دل القرآن على ما دل عليه هذا الحديث في مواضع ، كقوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ } [البقرة :210] . وقال : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } [الأنعام : ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئاً من ذلك ، ولا أخرجوه عن مدلوله ، بل روي عنهم ما يدل على تقريره والإيمان به وامراره كما جاء " ا.هـ تأمل قوله في مقام الكلام عن الصفات الخبرية : " ولا أخرجوه عن مدلوله " فهي ذات مدلول ( مفهوم ) والسلف يحملونها على هذا المدلول ( المفهوم ) اللغوي لا يخرجونها عنه وقال منكرا عن الجهمية : " وزعموا أن ظاهر ما يدل عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال ، واشتقوا من ذلك لمن آمن بما أنزل الله على رسوله اسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، بل هي افتراء على الله ، ينفرون بها عن الإيمان بالله ورسوله . وزعموا أن ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وانتشاره - من باب التوسع والتجوز ، وأنه يحمل على مجازات اللغة المستبعدة ، وهذا من أعظم أبواب القدح في الشريعة المحكمة المطهرة ، وهو من جنس حمل الباطنية نصوص الإخبار عن الغيوب كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة ، وحملهم نصوص الامروالنهي على مثل ذلك ، وهذا كله مروق عن دين الإسلام . ولم ينه علماء السلف الصالح وأئمة الإسلام كالشافعي وأحمد وغيرهما عن الكلام وحذروا عنه ، إلا خوفاً من الوقوع في مثل ذلك ، ولو علم هؤلاء الأئمة أن حمل النصوص على ظاهرها كفر لوجب عليهم تبيين ذلك وتحذير الأمة منه ؛ فإن ذلك من تمام نصيحة المسلمين ، فكيف كان ينصحون الأمة فيما يتعلق بالاحكام العملية ويدعون نصيحتمهم فيما يتعلق بأصول الاعتقادات ، هذا من أبطل الباطل ... وقد صح عن ابن عباس أنه أنكر على من أستنكر شيئاً من هذه النصوص ، وزعم أن الله منزه عما تدل عليه : فروى عبد الرزاق في ( ( كتابه ) ) عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سمعت رجلاً يحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة : ( ( تحاجت الجنة والنار ) ) ، وفيه : ( ( فلا تمتلي حتى يضع رجله ) ) - أو قال : ( ( قدمه - فيها ) ) . قال : فقام رجل فانتفض ، فقال ابن عباس : ما فرق هؤلاء ، يجدون رقة عند محكمة ، ويهلكون عند متشابهه . وخَّرجه إسحاق بن راهويه في ( ( مسنده ) ) عن عبد الرزاق . ولو كان لذلك عنده تأويل لذكره للناس ولم يسعه كتمانه " ا.هـ وتأمل قوله " وزعم أن الله منزه عما تدل عليه " فإثبات المفهوم الذي دلت عليه هو إلى أن قال : " ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها ، وتمر كما جاءت عندهم : قوله تعالى : ( وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ ( [ الفجر : 22 ] ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة . وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما . وعندهما : أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره . وكذلك قاله الفضيل بن عياض وغيره من مشايخ الصوفية أهل المعرفة . وقد ذكر حرب الكرماني أنه أدرك على هذا القول كل من أخذ عنه العلم في البلدان ، سمى منهم : أحمد وإسحاق والحميدي وسعيد بن منصور . وكذلك ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه المسمى ب - الإبانة - ، وهو من أجل كتبه ، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه ، كالبيهقي وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم ابن عساكر وغيرهم " . فإمرارها كما جاءت لم يمنع من إثبات ما دلت عليه من أنها أفعال قائمة به وأنها تتعلق بالمشيئة والاختيار وأن هذه الأفعال من صفاته وهو ما ينكره عامة الأشاعرة أم أن كل هذا ليس من المعاني ؟!! إذًا لم جعلتموها من المعاني المنفية في عقيدتكم والتي يلزم من إثباتها وصف الله بالحدوث ؟!! ولابن رجب كلام آخر يأتي في التطبيق ـ الحافظ الذهبي قال رحمه الله في رسالته إثبات صفة اليد ، بعد أن ذكر أكثر من خمسين حديث وأثر في إثبات الصفة ثم قال : " والأحاديث في إثبات اليد كثيرة وهذه قطعه من أقوال الأئمة الأعلام وأركان الإسلام ..." إلى أن قال : " ويقال أيضاً نعلم بالاضطرار أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم قد كان فيهم الأعرابي والأمي والمرأة والصبي والعامة ونحوهم ممن لا يعرف التأويل وكانوا مع هذا يسمعون هذه الآيات والاحاديث في الصفات وحدث بها الأئمة من الصحابة والتابعين على رؤوس الأشهاد ولم يؤولوا منها صفة واحدة يوماً من الدهر وإنما تركوا العوام على فطرهم وفهمهم..." أ.هـ قال رحمه الله في العلو ج2 ص1337: " هذا الذي علمت من مذهب السلف ، والمراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له ، كما قال مالك وغيره الاستواء معلوم ، وكذلك القول في السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك ، هذه الأشياء معلومة فلا تحتاج إلى بيان وتفسير ، لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا " ا.هـ وقال رحمه الله في كتابه "العلو" ص (532) عن الصفات " لا تأويل لها غير دلالة الخطاب ، كما قال السلف : "الاستواء معلوم"، وكما قال سفيان وغيره: "قراءتها تفسيرها" يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضايق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضاً أنها لا تشبه صفات البشر بوجه؛ إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته " ا.هـ وعندما ذكر أثر أبي جعفر الترمذي : " النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة " علّق الذهبيُّ على هذا الأثر بقوله : " صدق فقيهُ بغداد وعالمُها في زمانه؛ إذ السؤال عن النزول ما هو؟ عيٌّ؛ لأنَّه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلاّ فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليّةٌ واضحةٌ للسامع، فإذا اتّصف بها من ليس كمثله شيء، فالصفة تابعةٌ للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر " ا.هـ وعندما ذكر موقف أبي عبيد القاسم بن سلام في الصفات قال : " توفي أبو عبيد سنة أربع وعشرين ومائتين وقد ألف كتاب غريب الحديث ، وما تعرّض لأخبارالصفات بتفسير ، بل عنده لا تفسير لذلك غير موضع الخطاب للعربي " ا.هـ ـ الإمام ابن عبد الهادي قال رحمه الله : " وقد علم أن نزول الرب تبارك وتعالى أمر معلوم معقول كاستوائه وباقي صفاته ، وإن كانت الكيفية مجهولة غير معقولة ، وهو ثابت حقيقة لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة ـ العلامة الطوفي وقال مرعي الحنبلي في أقاويل الثقات : " وقال العلامة الطوفي في قواعد وجوب الإستقامة والإعتدال والمشهور عند أصحاب الإمام أحمد أنهم لا يتأولون الصفات التي من جنس الحركة كالمجيء والإتيان والنزول والهبوط والدنو والتدلي كما لا يتأولون غيرها متابعة للسلف الصالح قال وكلام السلف في هذا الباب يدل على إثبات المعنى المتنازع فيه قال الأوزاعي لما سئل عن حديث النزول يفعل الله ما يشاء وقال حماد بن زيد يدنو من خلقه كيف يشاء قال وهو الذي حكاه الأشعري عن أهل السنة والحديث وقال الفضيل بن عياض إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه فقل أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ـ الإمام المقريزي يقول الإمام المقريزي : " لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس ، وصف لهم ربهم بما وصف به نفسه ، فلم يسأله أحد من العرب بأسرهم ، قرويهم وبدويهم ، عن معنى شيء من ذلك ، كما كانوا يسألونه عن أمر الصلاة ، وشرائع الإسلام ، إذ لو سأله أحد منهم عن شيء من الصفات لنقل ، كما نقلت الأحكام وغيرها. ومن أمعن النظر في دواوين الحديث والآثار عن السلف ، علم أنه لم يرد قط لا من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة على إختلاف طبقاتهم ، وكثرة عددهم ، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه في القرآن وعلى لسان نبيه بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا سكوت فاهم مقتنع ولم يفرقوا بين صفة وأخرى ، ولم يعترض أحد منهم إلى تأويل شيء منها بل أجروا الصفات كما وردت بأجمعهم ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به سوى كتاب الله وسنه رسوله ... الخ الخطط للمقريزي ـ الإمام السفاريني قال السفاريني " صفاته - سبحانه وتعالى - الذاتية والفعلية والخبرية ، ( كذاته ) - عز شأنه - ( قديمة ) ، لا ابتداء لوجودها ، ولا انتهاء ، إذ لو كانت حادثة لاحتاجت إلى محدث ، تعالت ذاته المقدسة وصفاته المعظمة عن ذلك ، فإن حقيقة ذاته مخالفة لسائر الحقائق ، وكذلك صفاته - تعالى ... فالسلف في إثبات الصفات كالذات على الاستقامة . وأما المنحرفون عن طريقهم ، فثلاث طوائف : أهل التخييل ، وأهل التأويل ، وأهل التجهيل... ( وأهل التجهيل ) هم الذين يقولون : إن الرسول لم يعرف معاني ما أنزل عليه من آيات الصفات ، ولا جبريل يعرف معاني الآيات ، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك ، وكذلك قولهم في أحاديث الصفات ، وأن الرسول تكلم بكلام لا يعرف معناه ، وهذا قول كثير من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف ، فيقولون في آيات الصفات وأحاديثها : لا يعلم معرفتها إلا الله ، ويستدلون بقوله - تعالى : ( { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } ) ، ويقولون : تجرى على ظاهرها ، وظاهرها مراد مع قولهم : إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله " . وقال بعد تعرضه لمن قاده علم الكلام إلى تأويل الصفات والخوض فيها خلافا لمراد الله ثم حصول الندم من بعضهم فقال : " فعلم الكلام الذي نهى عنه أئمة الإسلام هو العلم المشحون بالفلسفة والتأويل ، والإلحاد والأباطيل ، وصرف الآيات القرآنية عن معانيها الظاهرة ، والأخبار النبوية عن حقائقها الباهرة ، دون علم السلف ومذهب الأثر ، وما جاء في الذكر الحكيم وصحيح الخبر ، فهذا لعمري ترياق القلوب الملسوعة بأراقم الشبهات ، وشفاء الصدور المصدوعة بتراجم المحدثات ، ودواء الداء العضال ، وبازهر السم القتال ، فهو فرض عين ، أو عين فرض على كل نبيه ، وهو العلم الذي تعقد عليه الخناصر لدحض حجة كل متحذلق وسفيه . فزال هذا الإشكال ، والله ولي الإفضال " . وقال " والمراد بالتأويل هنا أن يراد باللفظ ما يخالف ظاهره ، أو صرف اللفظ عن ظاهره لمعنى آخر ، أو عن حقيقته لمجازه ، وهو في آيات الصفات المقدسة من المنكرات عند أئمة الدين من علماء السلف المعتبرين " ـ الأمير العلامة صديق بن حسن القنوجي رحمه الله ت 1307 هـ قال رحمه الله : " فهذه سبعة مواطن أخبر فيها بأنه سبحانه استوى على العرش، وفي هذه المسألة أدلة من السنة والآثار الصحيحة الكثيرة يطول بذكرها الكتاب! فمن أنكر كونه سبحانه في جهة العلو بعد هذه الآيات والأخبار فقد خالف الكتاب والسنة ! " إلى أن قال : " ومن ظن أن الصفات لا يعقل معناها، ولا يُدرى ما أراد الله ورسوله منها، وظاهرها تشبيه وتمثيل، واعتقاد ظاهرها كفر وضلال، وإنما هي ألفاظ لا معاني لها، وأن لها تأويلاً وتوجيهاً لا يعلمه إلا الله، وأنها بمنزلة "ألم"، و"كهيعص" وظن أن هذه طريقة السلف، ولم يكونوا يعرفون حقيقة قوله: "والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة"، وقوله: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ"، وقوله: "الرحمن على العرش استوى"، ونحو ذلك، فهذا الظانّ من أجهل الناس بعقيدة السلف وأضلهم عن الهدى، وقد تضمن هذا الظن استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة، وكبار الذين كانوا أعلم الأمة علماً وأفقههم فهماً، وأحسنهم عملاً، وأتبعهم سنناً، ولازم هذا الظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكلم ذلك ولا يعلم معناه، وهو خطأ جسيم وجسارة قبيحة نعوذ بالله منها " ا.هـ ـ العلامة الخزرجي قال رحمه الله تعالى : " واخجلتا من مقالٍ لا أساسَ لهُ ،، ،، زوراً على اللهِ من ينطقْ به يَهُنِ أهَلْ يُخاطبُنا مولى العبادِ بما ،، ،، لم يَدرِ معناهُ هذا قول مُفْتَتَنِ أهَلْ يقولُ لنا قولاً ومَقْصَدُهُ ،، ،، غيرَ الذي قالهُ إخفاءَ مُندَفِنِ أهَل يُخاطِبُنا ظَهراً ويُبطنهُ ،، ،، عنَّا فما القصدُ من جَدواهُ بالعلَنِ هذي مقالةُ جهمٍ والذينَ مضوا ،، ،، على طريقتهِ وهناً على وهنِ بقيَّةٌ بَقِيَتْ من شؤمِ فِتنتهِ ،، ،، من نفخِ إبليسَ بالتعطيلِ والضغنِ طوائفٌ رأسُها إبليسُ يُرْشِدُهم ،، ،، إلى الرَّدى وسبيلِ الغيِّ والشَّطَنِ [ منظومة العلامة الخزرجي ضمن كتاب شهود الحق نقلا ] ـ الإمام الألوسي قال رحمه الله : " وقيل : إن السلف بعد نفي ما يتوهم من التشبيه يقولون : لا ندري ما معنى ذلك والله تعالى أعلم بمراده . واعترض بأن الآيات والأخبار المشتملة على نحو ذلك كثيرة جداً ويبعد غاية البعد أن يخاطب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم العباد فيما يرجع إلى الاعتقاد بما لا يدري معناه ، وأيضاً قد ورد في الأخبار ما يدل على فهم المخاطب المعنى من مثل ذلك ، فقد أخرج أبو نعيم عن الطبراني قال : حدثنا عياش بن تميم حدثنا يحيى بن أيوب المقابري حدثنا سلم بن سالم حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى يضحك من يأس عباده وقنوطهم وقرب الرحمة منهم فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله أو يضحك ربنا؟ قال : نعم والذي نفسي بيده إنه ليضحك " قلت : فلا يعد منا خيراً إذا ضحك فإنها رضي الله تعالى عنها لو لم تفهم من ضحكه تعالى معنى لم تقل ما قالت . وقد صح عن بعض السلف أنهم فسروا ، ففي «صحيح البخاري» قال مجاهد : استوى على العرش علا على العرش وقال أبو العالية : استوى على العرش ارتفع " ا.هـ ـ العلامة القرآني محمد بن الأمين الشنقيطي قال الشنقيطي بعد ذكر صفة العلو وغيرها : " وأمثال هذا من الصفات الجامعة كثيرة في القرآن، ومعلوم أنه جل وعلا متصف بهذه الصفات المذكورة حقيقة على الوجه اللائق بكماله، وجلاله. وإنما وصف به المخلوق منها مخالف لما وصف به الخالق، كمخالفة ذات الخالق جل وعلا لذوات الحوادث، ولا إشكال في شيء من ذلك، وكذلك الصفات التي اختلف فيها المتكلمون؛ هل هي من صفات المعاني أو من صفات الأفعال، وإن كان الحق الذي لا يخفى على من أنار الله بصيرته؛ أنها صفات معان أثبتها الله، جل وعلا، لنفسه، كالرأفة والرحمة ... " ا.هـ تطبيقات السلف الصالح مع نصوص الصفات المبينة لإثباتهم معانيها دون تفويض أولا : إثبات الصحابة لمعاني الصفات وتطبيقاتهم في ذلك . قبل الشروع في التطبيقات أنبه إلى أن جلها منقول بأسانيد صحيحة ثابتة سوى نزر يسير جدا جدا به علل خفيفة فاتني التنبيه عليها في محلها سأنبه عليها في تعليق ملحق ـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال الإمام ابن مندة في كتابه الرد على الجهمية : أخبرنا علي بن العباس بن الأشعث الغزى بغزة ثنا محمد بن حماد الطهراني ثنا عبد الرزاق أنبأ الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود في قوله جل وعز يوم يكشف عن ساق قال عن ساقيه قال أبو عبد الله هكذا في قراءة ابن مسعود قال السيوطي في الدر المنثور : وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن منده عن ابن مسعود في قوله : يوم يكشف عن ساق قال : عن ساقيه تبارك وتعالى وهل إثبات ساقين من خلال هذه الآية إلا إثبات للمعنى ؟ وهل يقول منصف إن هذا من ابن مسعود تفويض للآية ؟!! ومن طريق عبد الرحمن المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " تسارعوا إلى الجمعة فإن الله عز و جل يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور أبيض فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا فيحدث الله لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك ثم يرجعون إلى أزواجهم فتحدثهم بما قد أحدث لهم ثم دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المسجد فرأى رجلين فقال رجلان وأنا الثالث وإن شاء الله أن يبارك في الثالث " رواه ابن المبارك في الزهد والطبراني وابن خزيمة وعبد الله بن أحمد في السنة والدارقطني في الرؤية وابن أبي زمنين في رياضه وابن بطة من طرق عن المسعودي وفيهم من سمع منهم قبل الاختلاط وهذا إسناد ثابت ورواية أبي عبيدة عن ابن مسعود لها حكم الاتصال فقوله : " يبرز " وقوله : " في كل جمعة " وقوله : " فيكونون منه في القرب " كل هذه معاني ينكرها المفوض والمؤول ويزعمون أنها تستلزم التجسيم كيف ومن عقائدهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يكون عند الشفاعة يوم القيامة أقرب إلى ذات ربه من إبليس عليه لعنة الله فإن زعم أحد أن هذا من ابن مسعود على وجه التفويض قلنا هذا تنصل من الحجج على مبدإ العناد لأن هذا المفوض لا يرى لأحد إثبات المعاني ولو كان صحابيا فالكل عنده يجهل معاني الصفات فإذا أتيناه بإثبات صريح لصحابي نكص وزعم أنه مفوّض أيضا ويبدو أنه كلما أثبتنا له أحدا من السلف بادر لزعم أنه مراد به التفويض وهذا تلاعب طفولي لا يصلح في ميادين العلم وعن عاصم عن زر عن عبد الله قال : " ما بين السماء القصوى والكرسي خمسمائة عام، ويبن الكرسي والماء كذلك، والعرش فوق الماء والله فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم" ا.هـ رواه الطبراني في الكبير والبخاري في خلق أفعال العباد وابن خزيمة في التوحيد واللالكائي في الاعتقاد والبيهقي في الأسماء والصفات وغيرهم من طرق عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله به وهذا إسناد جيد فيه عاصم جيد الحديث سياقه صريح في العلو الذاتي والأثر لا يحتمل التأويل مطلقا فسياقه قرينة توجب حمله على فوقية الذات وهو أثر ثابت وبالله هذا التدرج المتسلسل بين السماء القصوى والكرسي ثم بين الكرسي والماء ثم الماء والعرش ليصل إلى تقرير أن الله فوق هذا العرش ثم يتحرز بدفع توهم أن هذه الفوقية الحقيقية قد توهم أنها تسبب في خفاء ما نعمله في الأرض عن الله ـ أبو موسى الأشعري رضي الله عنه . عن ابن جحادة ، عن سلمة بن كهيل ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي موسى ، رضي الله عنه قال : الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل . رواه الطبري في تفسيره والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو الشيخ في العظمة وعبد الله بن أحمد في السنة وابن أبي شيبة في العرش وإن كان عمارة لم يدرك أباموسى لكني أوردته لاعتماد كثير من الأئمة له ولأنه صح مثله عن ابن عباس ـ عبد الله بن عباس رضي الله عنه . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قال : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ) [البقرة آية 255] , قَالَ: الكرسيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ , وَلا يُقْدَرُ قَدْرَ عَرْشِهِ. رواه جمع كبير من الأئمة منهم عبد الرزاق والطبري والطبراني وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم بإسناد صحيح تأمل تفسير الآية ومنه تعلم حرص هذا الصحابي على إثبات معاني الصفات ، فهو قد ذكر معنى يتعلق بصفة لم تذكر في ظاهر الآية وعن الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَنَا لابْنِ عَبَّاسٍ أَلَيْسَ يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ فَقَالَ لا أُمَّ لَكَ وَكَانَتْ كَلِمَتُهُ لِي ، ذَلِكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لا يُدْرِكُهُ شَيْء.ٌ رواه ابن خزيمة وابن أبي حاتم واللالكائي وغيرهم وإسناده حسن قال الحافظ عن رجال هذا الإسناد في خبر آخر : لا بأس بهم وفيه إثبات صفة النور على أنه نور حقيقة وذلك في قوله : " ذَلِكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ " وقال الحافظ في الفتح : " وقد أخرج الأموي في مغازيه ومن طريقه البيهقي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس في قوله تعالى ( ولقد رآه نزلة أخرى ) قال دنا منه ربه . قال الحافظ : وهذا سند حسن وهو شاهد قوي لرواية شريك " أليس هذا تفسيرا للآية مشتملا على معنى صفة القرب قال اللالكائي : وأخبرنا محمد بن عبد الرحمن قال أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي قال ثنا سعيد بن يحيى الأموي قال حدثني أبي قال ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن ابن عباس في قوله ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى قال : دنا ربه منه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى قال قد رآه النبي صلى الله عليه و سلم وقال الله تعالى: { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } ، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { آسفونا } أسخطونا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال : والله ما أدري ما حنانا. سبحان الله هذا يدل على أن ابن عباس ليس من عادته تفويض الصفات إذ لو كان يفوضها ما خص هذه الصفة بعدم الدراية فحلفه على ذلك دال على أن هذا خلاف الأصل عنده بدليل أنه جاءت تتمة لهذه الرواية تدل على هذا قال ابن أبي حاتم في تفسيره : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ : ( وَحَنَانًا ) ، قَالَ : " لا أدري مَا هُوَ، إلا أني أظنه تعطف الله عَلَى خلقه بالرحمة". وهو في تفسير الثوري يرويه سفيان عن أبيه عن عكرمة قال سئل بن عباس عن قوله فيه من لدنا وزكاة ما أدري ما هو الا أن يكون يعطف الله على عبده بالرحمة وعند الحاكم في المستدرك : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، ثنا إسحاق بن الحسن الحربي ، ثنا أبو حذيفة ، ثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله عز وجل : ( وحنانا من لدنا (1) ) قال : « التعطف بالرحمة » قال السيوطي في الدر المنثور : وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاجي في أماليه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : وحنانا قال : لا أدري ما هو إلا أني أظنه تعطف الله على خلقه بالرحمة وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : سألت ابن عباس عن قوله : وحنانا فلم يجر فيها شيئا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : وحنانا من لدنا قال : رحمة من عندنا وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله : وحنانا من لدنا قال : رحمة من عندنا قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم هذا من ابن عباس نقض لمذهب التفويض ، فهل من يفسر الرحمة على أنها حنان وتعطف من الله يكون قد فوض ؟! إذًا اثبتوا على هذا المذهب وسموه ما شئتم وروى الطبري وغيره عن ابن عباس قال : " السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن كخردلة في يد أحدكم " وهذا إثبات صريح لا يصدر من مفوض ومثله ما ذكره أبو الشيخ في العظمة حيث قال : ورواه سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز و جل والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه قال السماوات والارض قبضة واحدة وهو في جزء المروذي من حديث ابن معين حدثنا وكيع عن سفيان عن عمار عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) قال السموات والأرض قبضة واحدة وله طريق آخر عند الدارمي في النقض بنحوه أليس هذا تفسيرا للصفة ؟ وقال الحافظ في الفتح : " ونقل محي السنة البغوي في تفسيره عن ابن عباس وأكثر المفسرين أن معناه ارتفع ، وقال أبو عبيدة والفراء بنحوه " ا.هـ قال البيهقي في كتابه الأسماء والصفات : أنبأنا الحاكم ،حدثنا الأصم ، حدثنا محمد بن الجهم حدثنا يحيى بن زياد الفراء قال: "وقد قال عبد الله بن عباس: ( ثُمّ اسْتَوَى ) صعد، وهو كقولك للرجل كان قاعدا فاستوى قائماً، وكان قائمًا فاستوى قاعدًا، وكل في كلام العرب جائز" ــ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو بكر بن مقدم، حدثنا معتمر بن سليمان، سمعت عبد الجليل القيسي يحدث عن عبد الله بن عمرو {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} الآية. قال : يهبط حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب، منها النور والظلمة والماء فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع له القلوب وقال الطبري : ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن عبد الجليل، عن أبي حازم، عن عبد الله بن عمرو قال: يهبط الله حين يهبط، وبينه وبين خلقه سبعون حجابا، منها النور والظلمة والماء، فيصوّت الماء صوتا تنخلع له القلوب. ـ عبد الله بن عمر رضي الله عنه . عن عبيد المكتب عن مجاهد عن ابن عمر قال : " إن الله خلق بيده أربعة أشياء آدم والقلم والعرش وجنات عدن واحتجب من خلقه بأربعة بنار وظلمة ونور وظلمة وقال لسائر الخلق كن فكان " . رواه ابن أبي حاتم في التفسير وأبو الشيخ في العظمة والدارمي والحاكم ومن طريقه البيهقي واللالكائي وابن أبي زمنين من طرق عن عبيد به وهذا من ابن عمر إثبات صريح ولأجل هذا أول بعض الأشاعرة ذكر الاحتجاب لأنه يستلزم الجسمية عندهم وما أدري بأي منطق علمي يريد منا هؤلاء أن نستدل فإذا كانت الآثار أيضا تؤول وتفوض فقولوا لنا بالصريح وضعوها وافرشوها على الطاولة : ( ليس لأحد أن يستدل إلا على فهم ومزاج الأشاعرة وما خالفهم فهو مؤول أو مفوض والسلام عليكم ) قولوها وأظهروا عجزكم للقراء وأريحونا ثانيا : إثبات التابعين لمعاني الصفات وتطبيقاتهم في ذلك . ـ حكيم بن جابر بن طارق الأحمسي قال ابن أبي شيبة في المصنف : حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال : إن الله تبارك وتعالى لم يمس بيده من خلقه غير ثلاثة أشياء : [ الجنة ] بيده ثم جعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسك ، وخلق آدم بيده ، وكتب التوراة لموسى عليه السلام. وقال الآجري في الشريعة : وحدثنا جعفر الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا يعلى- يعني ابن عبيد - قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر قال : أخبرت أن ربكم عز وجل لم يمس إلا ثلاثة أشياء : غرس الجنة بيده ، وجعل ترابها الورس والزعفران ، وجبالها المسك ، وخلق آدم عليه السلام ، وكتب التوراة لموسى عليه السلام . وقال ابن بطة : حدثنا جعفر قال ثنا محمد قال ثنا يعلي بن عبيد قال ثنا إسماعيل ابن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال أخبرت أن ربكم عز و جل لم يمس إلا ثلاثة أشياء غرس جنة عدن بيده وخلق آدم بيده وكتب التوراة بيده ـ الإمام محمد بن كعب القرظي قال عثمان بن سعيد الدارمي : حدثنا عبد اللّه بن صالح، حدثني حرملة بن عمران، عن سليمان بن حميد، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز، قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل الله في ظلل من الغمام والملائكة، فسلم على أهل الجنة في أول درجة فيردون عليه السلام، وقال اللالكائي : أخبرنا الحسين قال أخبرنا أحمد قال ثنا بشر قال ثنا عبد الله بن يزيد المقري قال ثنا حرملة بن عمران قال حدثني سليمان بن حميد أنه سمع محمد بن كعب القرظي يحدث عن عمر بن عبد العزيز قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار أقبل تبارك وتعالى في ظلل من الغمام ومعه الملائكة فيقف على أهل أول درجة من الجنة فيسلم عليهم فيردون عليه وهو قوله سلام من قولا من رب رحيم سليمان بن حميد روى عنه جمع كبير وترجم له أكثر الأئمة ولم يجرحه أحد وكان موفدا لدى الأمير ابن عبد العزيز وهذا مما يشير إلى عدالته ووثقه ابن حبان روى عنه الليث ابن سعد والإمام عمرو بن الحارث وإبراهيم بن نشيط الوعلاني وسعيد بن أبي أيوب ويحيى بن أبي أسيد وأبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري وضمام بن إسماعيل الاسكندراني وحرملة بن عمران فالسند جيد بلا إشكال وفي الأثر إثبات المجيء وأنه بمعنى الإقبال وهذا ينافي التفويض . وكذا قوله : " فيقف على ..." فهذا وإن كنت لا أثبته لله لتفرد هذا الأثر به غير أنه يدل على أن صاحب الأثر وهو إمام كبير من أئمة السلف وبحضور الإمام عمر بن عبد العزيز على أن إثبات المعاني قد كان هو مذهبهم مع الصفات لا التفويض وقال الإمام الآجري : وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عباد بن آدم قال : حدثنا بكر بن سليمان الأسواري ، عن محمد بن إسحاق قال : سمعت محمد بن كعب يحدث : إن الله عز وجل لم يمس بيده إلا ثلاثة أشياء: آدم ، والتوراة فإنه كتبها لموسى ، وطوبى شجرة في الجنة ، غرسها الله بيده ، ليس في الجنة غرفة إلا فيها منها قنو ، وهي التي قال الله عز وجل فيها : الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب . ــ ربيعة بن عمرو الجرشي روى الطبري في تفسيره قال : ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة، قال: ثنا النضر بن أنس، عن ربيعة الجُرْشي، قال : ( وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) قال: ويده الأخرى خلو ليس فيها شيء. وله طريق آخر عن معاذ بن هشام به سندا ومتنا والأثر صريح في إثبات معنى الصفة وأن السلف كانوا يفسرون آيات الصفات بما يؤكد إثبات الصفة ـ الضحاك بن مزاحم قال عبد الله بن أحمد في السنة : حدثني أبي نا وكيع حدثني أبو حجير عن الضحاك والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه قال كل ذلك في يمينه // حدثني أبي نا الفضل بن دكين عن سلمة عن الضحاك والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه قال كلا في يمينه وقال ابن جرير : حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يقول: السموات والأرض مطويات بيمينه جميعا. قال في الدر المنثور : وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه قال : كلهن في يمينه . وهذا تفسير للآية المشتملة على الصفة بما يؤكد إثبات معنى الصفة وروى الدارقطني في الرؤية قال : حدثنا محمد بن مخلد حدثنا جعفر بن أبى عثمان الطيالسى حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو عبيدة الحداد حدثنا سليمان بن عبيد أبو الحسن حدثنا الضحاك بن مزاحم أسنده إلى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله يرويه عن ربه عز و جل قال : نحلت إبراهيم خلتى وكلمت موسى تكليما وأعطيت محمدا كفاحا قال رجل من القوم : ما الكفاح ؟ قال [ يعني الضحاك ] : يا سبحان الله يخفى الكفاح على رجل عربى الكفاح المشافهه . وهو ثابت عن الضحاك سئل أحمد كما في المعرفة والتاريخ وسأله الهيثم بن خارجة فقَال : أبو داود أحب إليك أم أبو عبيدة الحداد ؟ قَال : أبو داود أحفظهما ، وكان أبو عبيدة قليل الغلط كثير الكتاب. قال أحمد: لم يكن صاحب حفظ، وكان كتابه صحيحا. سمعت يحيى يقول أبو عبيدة الحداد عبد الواحد بن واصل وهو ثقة قال الخطيب : وكان ثقة نا علي بن الحسين بن حبان قال وجدت في كتاب أبي بخط يده : ذكر أبو زكريا أبا عبيدة الحداد فقال كان من المتثبتين ما أعلم أنا اخذنا عليه خطأ ألبتة جيد القراءة لكتابه " ووثقه عدد كبير وسليمان بن عبيد السلمي قال ابن أبي حاتم : بصري روى عن أبى الصديق الناجي روى عنه يحيى بن سعيد القطان وخالد بن الحارث والنضر بن شميل سمعت أبى يقول ذلك ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال سليمان بن عبيد السلمي ثقة سألت أبى عن سليمان بن عبيد فقال صدوق وفي الأثر تفسير الصفة على مقتضى اللغة وهذا ينقض التفويض وإلا فهل يعقل أن يكون تفسير تكليم الله لنبيه محمد بأنه مشافهة أن يكون تفويضا ؟! وقال الطبري : حدثني موسى بن عبد الرحمن قال: ثنا أبو أُسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: إذا كان يوم القيامة، أمر الله السماء الدنيا بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، وأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصَفُّوا صفًا دون صفّ، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم ..." وقال الدارمي : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا الأجلح حدثنا الضحاك بن مزاحم قال : " إن الله يأمر السماء يوم القيامة فتنشق بمن فيها فيحيطون بالأرض ومن فيها ويأمر السماء الثانية حتى ذكر سبع سموات فيكونون سبعة صفوف قد أحاطوا بالناس قال ثم ينزل الله في بهائه وجماله ومعه ما شاء من الملائكة على مجنبته اليسرى جهنم فإذا رآها الناس تلظى وسمعوا زفيرها وشهيقها ند الناس في الأرض فلا يأتون قطرا من أقطارها إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة وذلك قوله عز و جل : ( يوم التناد ) يقول يند الناس فيقول الله عز و جل ( إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) وذلك قوله عز و جل ( إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم ) ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) ( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ) قال قلت له ما أرجاؤها قال حافتها " والأثر جيد الإسناد وله طريق آخر ذكرها القرطبي عن جويبر عن الضحاك والأثر صريح في نزول الله بذاته ومجيئه بذاته وقال ابن أبي عاصم : حدثنا ابن أبي عُمَر حَدَّثنا مروان بن معاوية عن صالح بن مسعود عن الضحاك بن مزاحم في قوله الصمد قال : الصمد الذي ليس بأجوف حدثنا المقدمي حَدَّثنا وكيع عن سلمة بن نبيط عن الضحاك قال : " الصمد الذي لا جوف له " وهل هذا إلا إثبات للمعنى ـ أبو وائل شقيق بن سلمة عن أبي سنان عن أبي وائل قال : قال يجاء بالعبد يوم القيامة فيستره الله عز و جل بيده ويعرفه بذنوبه ثم يغفر له رواه ابن أبي شيبة في المصنف وأسد في الزهد وكذا هناد وهذا منه تفسير للحديث الوارد في هذا المعنى " حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ : عَمِلْتُ كَذَا وَكَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، فَيُقَرِّرُهُ ، ثَمَّ يَقُولُ : قَدْ سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ " والأثر فيه إثبات لحقيقة اليد شريح بن عبيد الحضرمي قال أبو الشيخ في العظمة : حدثنا عبدالله بن محمد بن العباس حدثنا سلمة حدثنا ابو المغيرة حدثنا صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد رحمه الله تعالى قال : لما صعد النبي صلى الله عليه و سلم الى السماء فأوحى الله عزوجل الى عبده ما أوحى قال فلما أحس جبريل بدنو الرب تبارك وتعالى خر ساجدا وهذا إسناد جيد وفيه إثبات الدنو على حقيقته ـ سعيد بن المسيب قال الطبري : حدثنا ابن بشار وزيد بن أخزم، قالا ثنا ابن داود، عن المستقيم بن عبد الملك، عن سعيد بن المسيب قال الصمد ): الذي لا حِشوة له . وقال ابن أبي عاصم : حدثنا أبو موسى حَدَّثنا عَبد الله بن داود عن المستقيم بن عبدالملك عن سعيد بن المسيب قال الصمد الذي ليس له حشوة حدثنا اسحق بن احمد انا صالح بن مسمار انا محمد بن ربيعة أنبأنا مستقيم بن عبدالملك قال سمعت سعيد بن المسيب يقول الصمد الذي لا حشو له ــ الحسن البصري قال ابن أبي عاصم : حَدَّثنا أبو موسى حَدَّثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وثنا المقدمي حَدَّثنا بشر بن الفضل وعبد الرحمن بن مهدي عن الربيع بن مسلم عن الحسن قال : الصمد الذي ليس بأجوف ــ سعيد بن جبير قال ابن أبي عاصم وحدثنا أبو بكر بن أبي شَيْبة حدثنا أبو أحمد وثنا المقدمي حَدَّثنا ابن أبي الوزير عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن جبير قال الصمد الذي لا جوف له حَدَّثنا نصر بن علي حَدَّثنا أبي عن محمد بن مسلم عن سعيد بن جبير مثله ـ عبيد بن عمير قال عبد الله بن أحمد : حدثني أبو معمر نا سفيان عن حميد يعني الأعرج عن مجاهد عن عبيد ابن عمير : ( وإن له عندنا لزلفى ) قال : يقول أدنه أدنه إلى موضع الله أعلم به حدثني أبو معمر نا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال حتى يضع بعضه عليه وحدثني أبو معمر نا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير وإن له عندنا لزلفى قال يقول الرب عز و جل لداود أدنه حتى يضع بعضه على بعضه حدثني عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن نا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير وإن له عندنا لزلفى قال ذكر الدنو منه حتى ذكر أنه يمس بعضه // إسناده حسن وقال الخلال : حدثنا أبو بكر قال ثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي قال ثنا وكيع قال ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير وإن له عندنا لزلفى قال ذكر الدنو حتى يمس بعضه حدثنا أبو بكر قال ثنا محمد بن بشرقال ثنا عبدالرحمن بن شريك قال ثنا أبي قال ثنا منصور قال ثنا مجاهد قال سمعت عبيد بن عمير وسئل عن قوله وإن له عندنا لزلفى قال ذكر الدنو منه // إسناده ضعيف قال ابن أبي عاصم : حدثنا أبو بكر بن أبي شَيْبة حَدَّثنا ابن فضيل عن الليث عن مجاهد عن عبيد بن عمير{وإن له عندنا لزلقى وحسن مآب} قال ذلك الدنو منه حتى أن يمسه ببعضه روى ابن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير { وإن له عندنا لزلفى } قال : ذكر الدنو منه. وفي تفسير الثوري : سفين عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله وإن له عندنا لزلفى وحسن مئاب قال يدنوا من الرب تبارك وتعالى حتى يضع يده قريبا وقال عبد الله بن أحمد : حدثني هارون بن معروف نا سفيان بن عيينة عن حميد يعني الأعرج عن مجاهد عن عبيد يعني ابن عمير قال : ما يأمن داود عليه السلام يوم القيامة حتى يقال له أدنه فيقول ذنبي ذنبي حتى بلغ فيقال أدنه فيقول ذنبي ذنبي فيقال له أدنه فيقول ذنبي ذنبي حتى بلغ مكانا الله أعلم به قال سفيان كأنه يمسك شيئا . حدثني هارون بن معروف نا الأقرع أن سفيان زاده حتى يضع يده في يده . حدثني أبو معمر نا سفيان عن حميد الأعرج عن مجاهد عن عبيد بن عمير وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب قال يقول الرب عز و جل أدنه أدنه حتى ينتهي إلى موضع الله عز و جل أعلم به // إسناده ضعيف وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق : أخبرنا أبو طاهر محمد بن أبي بكر بن عبد الله السنجي وأبو محمد بختيار بن عبد الله الهندي قالا أنا أبو علي الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن إسماعيل التككي أنا أبو علي بن شاذان أنا عثمان بن أحمد نا أحمد بن عبد الجبار نا وكيع بن الجراح عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير " وإن له عندنا لزلفى " قال ذكر الدنو منه يوم القيامة حتى ذكر أنه يمس بعضه . هذا في حق داود عليه السلام لأنه يوافي القيامة خائفا من ذنبه فيؤمنه الله بإكرامه بقربه " ا.هـ لاخلاف أن البعضية ليست في ذات الله حاشاه تعالى وإنما هي باعتبار ما يراه العبد من الذات إلى مالم يره لا أن مارآه هو بعض فعلا ونسأل هؤلاء الذين يحرصون على التمويه في مثل هذه القضايا الدقيقة : أنتم تثبتون رؤية الله فمالذي يراه المخلوق من ربه ؟ إن قلتم يرى ربه بحيث لا يخفى عليه شيء عنه فقد قلتم قولا عظيما وأثبتم أن العبد يحيط بربه وهذا تكذيب للقرآن الذي نص على أن العبد لا يحيط بربه مطلقا لا في علم ولا رؤية بل هذا هو الإدراك الذي نفاه الله بعينه في قوله ( لا تدركه الأبصار ) وإن قلتم إن العبد يرى ربه دون أن يحيط به فإما أن يكون هذا عندكم تبعيضا فلم تعيبون ما تقولون به وإن لم يكن تبعيضا فقد اعترفتم بما يلزمكم في معنى الآثار السابقة ولا شك ولا خلاف في ثبوت ما سبق عن عبيد بن عمير وهو القاضي التابعي الكبير من أفاضل أهل مكة في زمنه كما ذكر ابن حبان وأخذ عن الخليفة الراشد عمر وابنه عبد الله بن عمر وهو شيخ التابعي الكبير عطاء بن رباح كان مجاهد يفخر به على التابعين وروي هذا الإثبات عن غير عبيد من السلف ومن ذلك ما ورواه ابن فورك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس ... ذكره القاضي أبو يعلى ثم قال القاضي : " أما قوله : " أبدى عن بعضه " فهو على ظاهره وأنه راجع إلى الذات إذ ليس في حمله على ظاهره وأنه راجع إلى الذات ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحق . قال : فإن قيل بل في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته لأنه يستحيل وصفه بالكل والبعض والجزء فوجب حمله على إبداء بعض آياته وعلاماته تحذيرا وإنذارا ، قيل : لا يمتنع إطلاق هذه الصفة على وجه لا يفضي إلى التجزئة والتبعيض كما أطلقنا تسمية يد ووجه لا على وجه التجزئة والتبعيض ، وإن كنا نعلم أن اليد في الشاهد بعض الجملة قال : وجواب آخر وهو أنه لو جاز أن يحمل قوله : " وإذا أبدى عن بعضه " على بعض آياته لوجب أن يحمل قوله : " أراد أن يدمر على قوم تجلى لها " على جميع آياته ! ومعلوم أنه لم يدمر قرية بجميع آياته لأنه قد أهلك بلادا كل بلد بغير ما أهلك به الآخر " ا.هـ ونقل طرفا منه ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه فالخلاصة ما سبق عن عبيد بن عمير هو من الأدلة على إثبات السلف لمعاني الصفات وأنهم أبعد الناس عن التفويض ــ عمرو بن دينار تاريخ دمشق أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن علي الزجاجي أنا أبو مسلم عبيدالله بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم الفرضي حدثني أبو عبد الله علي بن سليمان صاحب الحكيمي في شوال سنة أربعين وثلاثمائة نا الحسن بن عرفة نا علي بن ثابت الجزري عن المكيين عمرو بن دينار وغيره في قوله " وإن له عندنا لزلفى وحسن ماب " قال لا يزال يدنيه حتى يمس بعضه هو بالمعنى السابق ـــ مجاهد بن جبر قال الطبري : حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) قال: الله من جبريل عليه السلام . وقال البيهقي وعن مجاهد في قوله عز وجل : {فكان قاب قوسين أو أدنى} يعني : حيث الوتر من القوس ، يعني ربه تبارك وتعالى من جبريل عليه السلام هل هذا تفويض ؟! أليس هذا تحقيقا للدنو والقرب وبيانا لمعناه ؟ وقال الطبري : حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: تعطفا من ربه عليه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ، مثله. وقال القرطبي قلت: فالحنان العطف، وكذا قال مجاهد ... يا قوم ها هو إثبات المعاني فلم الجحود ؟ وبنحوه قال الطبري : حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد، في قوله سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: يحبهم ويحببهم إلى خلقه. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. فهذا إثبات للود بمعناه وقال الطبري : حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال الصمد ): المُصْمَت الذي لا جوف له . حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثلَه سواء. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال الصمد ): المصمت الذي ليس له جوف . الطبري وقال ابن أبي عاصم : حَدَّثنا أبو بكر حَدَّثنا ابن إدريس ووكيع عن شعبان وثنا أبو موسى حَدَّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال الصمد الذي لا جوف له حَدَّثنا أبو بكر حدثنا وكيع وثنا أبو موسى حَدَّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال الصمد الذي لا جوف له حَدَّثنا أبو بكر حَدَّثنا وكيع عن سفيان وثنا أبو موسى حَدَّثنا عبد الرحمن ابن مهدي عن شعبان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله حَدَّثنا أبو بكر حَدَّثنا ابن أخي إدريس عَنْ أَبِيه عن عطية وعن ليث عن مجاهد قال الصمد الذي ليس بأجوف والذي لا جوف له هو ما كان له ذات حقيقية غير مجوفة أليس كل هذا إثباتا للصفة بمعناها ؟ ولتعلم حقيقة المعنى المثبت قارن بإنكار هذا التفسير من قبل بعض الأشاعرة . وفي صحيح البخاري تحت الحديث رقم 6981 قال البخاري : " وقال مجاهد : ( استوى ) علا ( على العرش ) " ـــ عامر بن شراحيل الشعبي قال أبو الشيخ في كتابه العظمة : حدثنا ابراهيم حدثنا عبيد بن آدم العسقلاني حدثنا ابي عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي رحمه الله تعالى قال ان الله تبارك وتعالى على العرش حتى ان له أطيطا كأطيط الرحل . وقال ابن بطة في الإبانة : حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان قال حدثني محمود بن جعفر قال ثنا أبو بكر المروذي قال ثنا أبو عبد الله قال ثنا حسن بن موسى الأشيب قال ثنا حماد عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال إن الله تعالى قد ملأ العرش حتى إن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد ورواه حرب عن إسحاق عن آدم بن أبي إياس عن حماد عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود بلفظ ابن بطة والأحفظ وقفه على الشعبي فهذا الخبر الصحيح عن الشعبي قد أثبت بطريقيه أن فوقية الله على العرش فوقية حقيقية والسياق يدوّي بهذا ـــ عكرمة قال ابن أبي حاتم : حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي شَيْبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ " أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا " ، قَالَ:"كَانَ اللَّهُ فِي نُورِهِ". فهنا أثبت عكرمة أن لله نورا حقيقيا خلافا لمعتقد الأشاعرة الذين ينفون النور عن الله بدعوى أنه يلزم من إثباته الجسمية وأنا أبين هذا لأعرف القارئ بقدر الإثبات الذي يحاول المخالف دائما تجاهله وقال الإمام الطبري : حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر ، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة، في هذه الآية( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: رحمة. فدل على معنى الرحمة وأنها تحنن وحنان لأن تفسير الآية فيه إثبات لمعنى الصفتين الرحمة والحنان وأنهما بمعنى متقارب فكل منهما تفسر الأخرى وقال الطبري : حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: طاقات من الغمام، والملائكة حوله وهذا تفصيل في تفسير آيات الصفات يؤكد إثبات معنى الصفة وقال عبد الله بن أحمد : حدثني أبي نا أبو المغيرة الخولاني نا الأوزاعي نا يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال إن الله عز و جل إذا أراد أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الأرض فعند ذلك تزلزل وإذا أراد أن تدمدم على قوم تجلى لها // " وقد ذكر القاضي أبو يعلى في كتاب أبطال التأويلات لأخبار الصفات ما رواه عبدالله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا أبو المغيرة الخولاني حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال : إن الله إذا أراد أن يخوف عبادة أبدى عن بعضه إلى الأرض فعند ذلك تزلزل وإذا أراد أن يدمر على قول تجلى لها قال : ورواه ابن فورك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس " أن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخوف أهل الأرض أبدى عن بعضه وإذا أراد أن يدمر عليها تجلى لها " ثم قال : أما قوله أبدى عن بعضه فهو على ظاهره وأنه راجع إلى الذات إذ ليس في حمله على ظاهره وأنه راجع إلى الذات ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحق فإن قيل بل في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته لأنه يستحيل وصفاته بالكل والبعض والجزء فوجب حمله على إبداء بعض آياته وعلاماته تحذيرا وإنذارا قيل لا يمتنع إطلاق هذه الصفة على وجه لا يفضي إلى التجزئة والتبعيض كما أطلقنا تسمية يد ووجه لا على وجه التجزئة والتبعيض وإن كنا نعلم أن اليد في الشاهد بعض الجملة قال : وجواب آخر وهو أنه لو جاز أن يحمل قوله وإذا أبدى عن بعضه على بعض آياته لوجب أن يحمل قوله أراد أن يدمر على قوم تجلى لها على جميع آياته ومعلوم أنه لم يدمر قرية بجميع آياته لأنه قد أهلك بلادا كل بلد يغير ما أهلك به الآخر قال العبد لله : البعض هنا ليس في ذاته وإنما هو باعتبار ما يراه الرائي مقابل ما لم يره فإن الله لا يحيط بذاته ولا بشيء من صفاته أحد من ألزمنا بالتبعيض فهو قائل حقيقة بأن الله لا يرى ولا يتجلى إلا محاطا به وهذا كفر أشد مما يفر منه ولا نقوله لهم إلزاما بل هو حقيقة قولهم . قال ابن أبي حاتم : - حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: " " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكُةُ " , يَقُولُ: وَالْمَلائِكَةُ حَوْلَهُ" وقال الطبري : حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: طاقات من الغمام، والملائكة حوله= قال ابن جريج، وقال غيره: والملائكةُ بالموت فقوله : " والملائكة حوله " نص في إثبات إتيان الذات وانظر ما سيأتي في تطبيقات باقي أئمة السلف عند بيان تطبيقات ابن جرير جاء في حاشية تفسير الطبري كما نقل القاسمي : وفي حواشي " جامع البيان " : كيف لا يؤمن بإتيانه ومجيئه تعالى يوم القيامة ، وقد جاء في القرآن في عدة مواضع : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ } [ البقرة 210 ] { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] { إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } [ النحل 33 ] . وأي أمر أصرح منه في القرآن ؟ . وروي الطبري في " تفسيره " عن ابن عباس مرفوعاً : إن في الغمام طاقات يأتي الله فيها ، محفوفاً . وذلك قوله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الإمام وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ } [ البقرة : 210 ] . قال عِكْرِمَة : والملائكة حوله ، فهذا من صفات الله تعالى . يجب علينا الإيمان بظاهرها ونؤمن بها كما جاءت وإن لم نعرف كيفيتها . وعدم علمنا بكيفيتها ، بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته . فلا نكذب بما علمناه لعدم علمنا بما لم نعلمه . وهذا هو مذهب سلف هذه الأمة وأعلام أهل السنة . انتهى . وهذا تعليق من صاحبه شاهد بحضور مذهب السلف في كل مناحي العلم ـ قتادة بن دعامة السدوسي قال الطبري : حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: رحمة من عندنا. وهذا إثبات لمعنى الحنان والرحمة وقال الطبري : حدثنا بشر. قال. ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) قال: فما يتضارون في نوره إلا كما يتضارون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه. وهذا إثبات لحقيقة النور إذ لا يشك ناظر في أن هذا لا يستقيم حمله على النور المعنوي وقال الطبري : حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله فَلَمَّا آسَفُونَا ) قال: أغضبوا ربهم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة( فَلَمَّا آسَفُونَا ) قال: أغضبونا. آسفونا يعني فعلوا ما جعلنا نأسف بمعنى نغضب ـــ عبد الرحمن بن البيلماني قال الإمام الآجري : أخبرنا ابن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثني عبد الرحمن بن البيلماني قال : ما من ليلة إلا ينزل ربكم عز وجل إلى السماء ، فما من سماء إلا وله فيها كرسي ، فإذا نزل إلى السماء خر أهلها سجوداً حتى يرجع ، فإذا أتى السماء الدنيا : أطت وترعدت من خشية الله عز وجل ، وهو باسط يديه يدعو عباده : ياعبادي من يدعوني أجبه ؟ ومن يتب إلي أتب عليه ؟ ومن يستغفرني أغفر له ؟ ومن يسألني أعطه ؟ ومن يقرض غير معدم ولا ظلوم ، أو كما قال . قال محمد بن الحسين رحمه الله : فيما ذكرته كفاية لمن أخذ بالسنن ، وتلقاها بأحسن قبول ، ولم يعارضها بكيف ولم ؟ واتبع ولم يبتدع . هذا أثر صحيح وابن البيلماني تابعي معروف بل من كبارهم فقد كان مولى لعمر وأثره هذا ينضح بمعاني الصفات ـــ الإمام أبو العالية الرياحي وفي صحيح البخاري تحت الحديث رقم 6981 قال البخاري : " قال أبو العالية : ( استوى ... ) ارتفع .. ـــ وائل بن داود وقال الإمام أحمد بن سلمان النجاد : ثنا عبد الله قال ثنا محمد بن عون قال ثنا خلف بن خليفة عن وائل بن داود في قول الله عز و جل الله عز و جل وكلم الله موسى تكليما قال مرارا . وفي السنة لعبد الله قال : حدثني محرز بن عون نا خلف بن خليفة عن وائل بن داود في قول الله عز و جل وكلم الله موسى تكليما قال مشافهة مرارا والأثر رواه ابن أبي حاتم في التفسير من طريق آخر عن خلف عن وائل باللفظ الأول وقوله مرارا هو من إثبات المعنى ، وهذا المعنى الذي أثبته " مرارا " تنفيه الأشاعرة إذ يدل عندهم على قيام الحوادث بالله فهم يرون أن الله لم يتكلم حقيقة إلا في الأزل فهل إثبات الإمام وائل لهذا المعنى هو تفويض ؟!! ـ خالد بن معدان روى الإمام ابن قتيبة الدينوري في كتابه المجالسة من طريقين عن مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، نَا بَقِيَّةُ ، عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِيهَا قَالَ : " إِنَّ الْعَرْشَ يَثْقُلُ عَلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ، فَإِذَا قَامَ الْمُسَبِّحُونَ ؛ خُفِّفَ عَلَيْهِمْ " وقال عبد الله بن أحمد : حدثني أبي نا أبو المغيرة حدثتنا عبدة بنت خالد بن معدان عن أبيها خالد ابن معدان أنه كان يقول إن الرحمن سبحانه وتعالى ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش . وإسناد عبد الله أصح فهذه ابنة أحد كبار علماء التابعين ولها رواية وقد روى عن جماعة من الأئمة هي على قول مخالفينا تنسب التجسيم والكفر لأبيها وقال الإمام النجاد : ثنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال ثنا ابو المغيرة قال ثنا عبدة عن أبيها خالد بن معدان قال ان الله عز و جل لم يمس بيده إلا آدم خلقه بيده والجنة والتوراة كتبها بيده قال ودملج الله لؤلوة بيده فغرس فيها قضبانها ..." وهو في السنة لعبد الله بن أحمد فهذا أحد أئمة السلف يثبت صفة باللازم وهذا من آكد صور إثبات المعنى عندهم ـــ عروة بن الزبير قال ابن خزيمة : حَدَّثَنَا محمد بن العلاء أبو كريب قال حدَّثنا أبو اسامة عن هشام وهو ابن عروة عن أبيه قال : قدمت على عبد الملك فذكرت عنده الصخرة التي ببيت المقدس فقال عبد الملك هذه صخرة الرحمن التي وضع عليها رجله فقلت سبحان الله يقول الله تبارك وتعالى {وسع كرسية السموات والأرض} وتقول وضع رجله على هذه يا سبحان الله إنما هذه جبل قد أخبرنا الله أنه ينسف نسفًا فيذرها قاعًا صفصفًا . فأقر عروة أن لله رجلا حقيقية ولم ينكر أنه يكون بها فعل له كما يشاء لكنه أنكر أن ينسب لها فعل دون دليل بل يراه مصادما للدليل وتعليله دال على ذلك وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أَخْبَرَنَا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حَدَّثَنَا محمد بن إسحاق الصاغاني ، حَدَّثَنَا سريج بن يونس ، حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، قال : قال رجل : رحم الله رجلا أتى على هذه الآية : {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} فيسأل الله تبارك وتعالى بذاك الوجه الباقي الجميل . من أين وصف الوجه بالجميل ؟ وهل يوصف وجه بالجمال ويكون معناه غير المعروف وهو الحسن والبهاء وقد أوله البيهقي غفر الله له روايات ضعيفة بينة الضعف : حدثنا ابراهيم بن محمد بن الحسن حدثنا احمد بن سعيد أنبأنا ابن وهب عن عبدالله بن عياش عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل الله نور السموت والارض نور على نور يضيء بعضه بعضا حدثني عليّ بن الحسن الأزديّ، قال ثنا يحيى بن يمان، عن عمار بن عمرو، عن الحسن، في قوله وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قال: كأنها جوزة بقضها وقضيضها. حَدَّثَنَا ابن معمر قال حدَّثنا روح قال حدَّثنا عباد بن منصور قال سألت الحسن فقلت ثم دنا فتدلى من ذا يا أبا سعيد قال ربي. وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرَمَةَ:" " مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى " ، فَقَالَ عِكْرَمَةُ: تُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكَ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ رَآهُ، ثُمَّ قَدْ رَآهُ، قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْهُ الْحَسَنَ، فَقَالَ: رَأَى جَلالَهُ، وَعَظَمَتَهُ، وَرِدَاءَهُ" تفسير حاتم حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي موسى بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَسْلَمَ أَخُو أَبِي مُسْلِمٍ الْجُعْفِيُّ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: " " فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ " ، قَالَ: كَشَفَ بَعْضَ الْحُجُبِ". - ثنا احمد قال ثنا عبد الله قال قرأت على ابي حدثنا ابراهيم بن الحكم قال حدثني ابي عن عكرمة قال ان الله لم يمس بيده الا ثلآثا خلق آدم قال بيده وغرس الجنة بيده وكتب التوراة بيده العظمة حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، قال : حدثنا سلمة ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا معتمر أبو الحكم الباهلي ، عن قتادة رحمه الله تعالى ، قال : « من رأى خلقا من خلقه فتوسم فيه حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى ، قال : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية (1) ) تحمله الملائكة على كواهلها بأيد ، وعزة ، وحسن ، وجمال ، حتى إذا جلس على كرسيه نادى تعالى به : ( لمن الملك اليوم (2) ) ، فلم يجبه أحد ، فعطفها على نفسه تبارك وتعالى ، فقال : ( لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ) » عبد الله ثقة كما في طبقات المحدثين معتمر بن نافع قال ابن حبان في الثقات ربما أخطأ وقال أبو حاتم شيخ الهيثم بن رافع حدثنا أبو بكر قال ثنا محمد بن بشر بن شريك النخعي قال ثنا عبد الرحمن بن شريك قال ثنا أبي قال حدثني عبدالعزيز بن رفيع وسالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال إذا نظر داود إلى خصمه ولى هاربا منه فينادي الله عز و جل يا داود ادن مني فلا يزال يدنيه حتى يمس بعضه // إسناده ضعيف لأن فيه محمد بن بشر ثالثا : إثبات بقية السلف لمعاني الصفات وتطبيقاتهم في ذلك . ـ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ت150 هـ جاء في مصنف عبد الرزاق : سمعت ابن جريج ، يقول : وغضب في شيء فقيل له : أتغضب يا أبا خالد ، فقال : « قد غضب خالق الأحلام إن الله تعالى يقول : ( فلما آسفونا : أغضبونا » فالمعنى جلي ، يقول : كيف تلومني على ما يحصل مني وهو يحصل من رب العالمين ولو كان غضبه تعالى مجهولَ المعنى وليس بالمعنى العام للغضب لما قال ابن جريج ما قال فالسياق لا يشك فيه إلا معاند بأن غضبه هو الغضب الحقيقي لأن ابن جريج برر لنفسه بأن ما يحصل منه إنما يحصل من رب العالمين وكون الله يغضب حقيقة لا يلزم منه مماثلة المخلوق في غضبه فها نحن نصف الله بالعلم ونصف المخلوق بالعلم وعندما نفسر العلم عموما نفسره بتفسير واحد يصدق على علم الله وعلى علم المخلوق ثم نفرق بينهما باعتبار أن علم الله كامل وأكمل وذاتي أما علم المخلوق فهو ناقص ومكتسب كما أن وصف الله بالغضب لا يلزم منه اتصافه بالنواقص التي تحصل للمخلوق في غضبه من الرهق والتألم النفسي ونحوها من النقائص وهذا كالقدرة فكما أن قدرة العبد يصحبها كثير من النقص من كونها تتنامى ثم تتناقص ويصحبها حال استخدامها مشقة وربما تؤول إلى عجز ويتعذر غالبا استخدامها لفترة طويلة ولم يمنع هذا وصفنا لله بالقدرة على وجه يتنزه فيه عن هذه النقائص والنواقص ـ وهب بن منبه روى عبد الرزاق عن معمر قال : حدثني سماك بن الفضل ، قال : " كنت عند عروة بن محمد جالسا وعنده وهب بن منبه ، فأتي بعامل لعروة فشكي فأكثروا عليه ، فقالوا : فعل وفعل وثبتت عليه البينة ، قال : فلم يملك وهب نفسه فضربه على قرنه بعصا ، فإذا دماؤه تشخب ، وقال : أفي زمن عمر بن عبد العزيز يصنع مثل هذا ؟ قال : فاستهانها عروة وكان حليما أيضا ، فاستلقى على قفاه يضحك وقال : يعيب علينا أبو عبد الله الغضب وهو يغضب ، قال وهب : « قد غضب خالق الأحلام إن الله يقول : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) يقول : أغضبونا » وهو في تاريخ دمشق من طريق عبد الرزاق أنا معمر في قوله تبارك وتعالى { فلما آسفونا } حدثني سماك بن الفضل قال كنت عند عروة بن محمد فذكره بمثله وهذا يؤكد ما سبق ويدل على أن المتبادر إلى أذهانهم جميعا هو ظواهر النصوص ـ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ت هـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ) قال: أغضبونا، وفي تفسير الطبري قال : " وقال آخرون: بل معنى الحنان: المحبة. ووجهوا معنى الكلام إلى: ومحبة من عندنا فعلنا ذلك. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله(وَحَنانا) قال: أما الحنان فالمحبة " ا.هـ فهنا وإن فسر الحنان بأنه المحبة وهو مخالف لتفسير جماعة من السلف ممن فسروا الحنان بالرحمة والعطف والتحنن ، لكن تفسيره دال على عدم التفويض ودال على أنه يفسر الصفات السمعية خلافا لمذهب المفوضة فالمفوضة لا يثبتون أن المحبة والحنان بمعنى واحد كما يثبته هذا الإمام ـ يحيى بن سعيد بن القطان قال الحافظ في الفتح بعد ذكره لحديث الحبر الذي أقره النبي صلى الله عليه وسلم على أن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع ...الحديث فقال الحافظ ابن حجر : " وزاد ابن خزيمة عن محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش فذكر الحديث ، قال محمد : عدها علينا يحيى بإصبعه ، وكذا أخرجه أحمد بن حنبل في " كتاب السنة " عن يحيى بن سعيد وقال : وجعل يحيى يشير بإصبعه يضع إصبعا على إصبع حتى أتى على آخرها " ا.هـ وهو في السنة لعبدالله كما نقل الحافظ . وفيه : سمعت أبي رحمه الله ثنا يحيى بن سعيد بحديث سفيان عن الاعمش عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الله يمسك السموات على أصبع قال أبي رحمه الله : جعل يحيى يشير بأصابعه وأراني أبي كيف جعل يشير بأصبعه يضع أصبعا أصبعا حتى أتى على آخرها " ا.هـ وهذا من يحيى أبلغ ما يكون في تحقيق الصفة وأنها أصابع حقيقية مع نفي المماثلة بلا شك وخير دليل فعله صلى الله عليه وسلم لذلك في السمع والبصر وفي اليد بالله لو كان يحيى بن سعيد القطان لم يفهم من الحديث أنها أصابع حقيقية أو لم يفهم منها شيئا وأنه يجهل معنى الأصابع فكيف يحقق المعنى بإشارته بإصبعه ؟ فكما أنكم حملتم إشارته صلى الله عليه وسلم إلى عينه وأذنه بأنها تحقيق للصفة ( صفة السمع والبصر ) باعتبار أنه نطق بهما عندما تلا الآية ( إن الله كان سميعا بصيرا ) ـ ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم حال إشارته قد ذكر العين والأذن لأثبتنا الأذن على حقيقتها لكنه إنما ذكر السمع وأشار إلى الأذن ـ ولما كانت الإشارة إلى الأذن تحتمل السمع وكان هو الموافق لما نطق به من ذكر السمع حملنا الحديث على تحقيق صفة السمع والبصر باعتبارهما المنطوق بهما والمشار إليهما فكذلك إشارته صلى الله عليه وسلم بيده هي تحقيق للصفة أيضا لكن المنطوق به هنا والمشار إليه شيء واحد لفظا ومعنى وهو اليد فلن يكون التحقيق إلا لصفة اليد . وكذلك الأصابع في فعل الإمام الكبير يحيى بن سعيد فالمنطوق به والمشار إليه شيء واحد وهذا الثنائي لا يدل إلا على تحقيق الصفة فما هي الصفة المحققة إن لم تكن الأصابع ؟ أنا لا أدري أين أسلم المفوضة عقولهم ؟ ـ حماد بن زيد وقال الخلال في كتاب السنة : " أخبرني جعفر بن محمد الفريابي حدثنا أحمد بن محمد المقدمي حدثنا سلميان بن حرب قال : سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال : يا أبا إسماعيل الحديث الذي جاء [ ينزل الله إلى السماء الدنيا ] يتحول من مكان إلى مكان ؟ فسكت حماد بن زيد ثم قال : هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء رواه الخلال في السنة ورواها ابن بطةَ في الإبانة بنحوه مختصرا ونقله ابن عبد الهادي في الصارم المنكي وفي هذا الأثر فسر الإمام حماد بن زيد النزول بأنه نوع قرب راجع لمشيئة الله وله كيفية ثابتة تتعلق بهذه المشيئة لكنا لا نعلمها وكل هذا إثبات لمعاني يرفضها المفوضة وهي لا تمثل المعنى التام للنزول لكنها بعض من معناه . ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أننا نبين في هذا المبحث ونذكر أي معنى لأي صفة خبرية يثبته إمام مما يمر بنا ولا نقتصر على ما يذكره الأئمة من معاني عامة للصفات ، وإنما نذكر ولو بعضا من معنى الصفة لأنه يدل على أنها غير مجهولة المعنى وهذا كاف في نقض التفويض ثم اقتصار الإمام على ذكر بعض معنى الصفة لا يعني أن هذا كل ما يثبته من معنى لها وإنما هذا الذي ذكره ، وما يُذكر لا يعني بحال أنه كل ما يعلم وهذا باتفاق العقلاء . ـ سعيد بن إياس الجريري عن سلم بن جعفر البكراوي من ولد أبي بكرة قال ثنا سعيد الجريري قال ثنا سيف السدوسي قال سمعت عبدالله بن سلام قال إذا كان يوم القيامة جيء بنبيكم حتى يجلسه بين يديه قال سلم : فقلت يا أبا مسعود ( يعني الجريري ) فإذا أجلسه بين يديه فهو معه ! قال : ويلك ما سمعت حديثا قط أقر لعيني من هذا الحديث حين علمت أنه يجلسه معه " رواه الخلال وابن أبي عاصم وغيرهما من طرق عن سلم به ـ أبو جعفر محمد بن الصلت روى الترمذي الحديث المعروف : " مر يهودي بالنبي صلى الله عليه و سلم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم يا يهودي حدثنا فقال كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرض على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه " ثم قال : وأشار أبو جعفر محمد بن الصلت بخنصره أولا ثم تابع حتى بلغ الإبهام فأنزل الله { وما قدروا الله حق قدره } وهو صحيح عن أبي جعفر وهذا من الإمام أبي جعفر تحقيق للصفة لأن المنطوق والمشار إليه هو مسمى الإصبع وهذا يساوي تحقيق الصفة كما سبق ـ وائل بن داود روى النجاد عن عبد الله بن أحمد قال : حدثني محرز بن عون نا خلف بن خليفة عن وائل بن داود في قول الله عز و جل وكلم الله موسى تكليما قال مرارا " وهو في السنة لعبد الله وفي موطن منه : " قال : مشافهة مرارا " ورواه ابن أبي حاتم في التفسير من طريق خلف به باللفظ الأول وقوله " مشافهة مرارا " هو من تفسير الصفة ومن إثبات معانيها بلا خلاف بل قوله مرارا وحدها إثبات لمعنى تنكره الأشاعرة وهو قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى ـ وكيع بن الجراح قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها . رواها أبو حاتم عن أحمد أورده الذهبي العلو عن أبي حاتم ، وهو أيضا في كتاب السنة لعبد الله فتفسير الاستواء بالجلوس تفسير غير مستنكر لدى جماعة من السلف وإن كنت لا أقول به لعدم اعتماده من كثير من علماء أهل السنة وعدم وروده عن أكثر السلف لكني أعذر من يقول به إذا كان ممن يتحرى مذهب السلف ، وهو على كل حال دال على أن السلف لا يمنعون من تفسير الصفات الخبرية ـ زهير بن محمد وروى ابن أبي حاتم في التفسير عن أبيه ثنا محمد بن الوزير الدمشقي ثنا الوليد سألت زهير بن محمد عن قول الله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) قال : ظلل من الغمام منظوم بالياقوت مكلل بالجواهر والزبرجد " ا.هـ وهذا تفسير مفصل لما تتعلق به الصفة دال على تحقيق أصل الصفة ولو كان الله لا يجيء حقيقة كان بتفسيره كمن يرمم السقف بتقوية السقف نفسه حتى لا يقع دون التفات للأعمدة ، فهو بهذا يعجل بهويه من حيث يريد حفظه ! ـ حماد ابن الإمام أبي حنيفة النعمان ذكر الإمام أبو عثمان الصابوني في عقيدته قال : " قرأت لأبي عبد الله ابن أبي البخاري وكان شيخ بخاري في عصره بلا مدافعة وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني قال أبو عبد الله أعني ابن أبي حفص هذا سمعت عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول : قال حماد بن أبي حنيفة : قلنا لهؤلاء أرأيتم قول الله عز و جل وجاء ربك والملك صفا صفا ؟ قالوا : أما الملائكة فيجيئون صفا صفا ، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك ؟ ولا ندري كيفية مجيئه ؟ فقلت لهم : إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه ، أرأيتم إن أنكر أن الملائكة تجيء صفاً صفاً ماهو عندكم ؟ قالوا: كافر مكذب. قلت : فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب " ا.هـ راوه أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وإسناده صحيح فقول هذا المفوض هنا الذي حاوره حماد : " وأما الرب تعالى ، فإنا لا ندري ما عنى بذلك ، ولا ندري كيفية مجيئه " دال على أن ادعاء الجهل بالمعنى والذي هو تفويضٌ هو مذهب أهل التعطيل ويراه حماد بن أبي حنيفة غير كاف في الإيمان بهذه الصفة ، بل عندما اعترض هذا المفوضُ بأنه لا يدري المعنى ولا الكيفية عقّب حماد بإقراره على عدم الدراية بالكيفية خلافا لعدم درايته للمعنى فلم يقره عليها وذلك عندما قال الإمام حماد : " إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته " وترَكَ موافقته على عدم علمه بالمعنى ، ولم يقل ولم نكلفكم دراية ما عنى ـ أبو أحمد الزبيري شيخ أحمد روى الدارقطني في الرؤية : حدثنا الحسين بن محمد بن سعيد المطبقى حدثنا محمد بن منصور الطوسى حدثنا أبو أحمد الزبيرى قال سفيان عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال كان رسول الله يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك فقال له بعض أهله أتخاف علينا وقد آمنا بك وبما جئت به فقال إن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن عز و جل يقول بهما هكذا وحرك أبو أحمد أصبعه وفي حركة الإصبع دلالة على تحقيق الصفة لا التمثيل والتشبيه وحاشاه صلى الله عليه وسلم من التشبيه عندما استخدم يده فوق المنبر وهو يقرأ " والسماوات مطويات بيمينه " ـ سنيد بن داود المصيصي شيخ البخاري رحمهما اللّه تعالى قال أبو حاتم الرازي: حدثنا أبو عمران موسى الطرطوسي قال: قلت لسنيد بن داود: هو على عرشه بائن من خلقه ؟ قال : نعم، ألم تسمع قوله تعالى: " وتَرى المَلائكة حَافِّينَ منْ حولِ العرش " نقله الذهبي في العلو وابن القيم في اجتماع الجيوش واستدلاله بهذه الآية على البينونة والفوقية هو استدلال بمعناها وإثبات له لا لمجرد لفظها ـ عمرو بن أبي قيس ذكر عبده السجستاني قال : سألت عمرو بن أبي قيس وكان قدم سجستان في تجارة ؟ ما سبحات وجهه ؟ قال : جلا ! كان في أصل أبي الرجاء أولا جلا وجهه ! فأصلح : جلال وجهه " رواه أبو الشيخ في العظمة وسبحات وجهه صفة من صفات الوجه فسئل هذا الإمام عن معناها ولم ينكر على السائل ولا امتنع عن الجواب ولا أجاب بالتفويض بل أثبت معنى السبحات وأنه جلال الوجه . ولا يريد الجلال المعنوي وإنما الذاتي لأنه صريح السياق فهو شيء محرِق ( لأَحْرَقت ) ولو كان الجلال معنويا لقال ( لاحترق ما انتهى إليه ) وعمرو تلميذ أيوب السختياني وشيخ لجماعة من الأئمة وهو من طبقة مالك الزمنية قال تلميذه عبد الصمد بن عبد العزيز المقرئ : دخل الرازيون على سفيان الثوري فسألوه الحديث ؟ فقال : أليس عندكم الأزرق ، يعني عمرو بن أبي قيس في طبقات الحنابلة ترجمة الشافعي : قرأت على المبارك قلت: له أخبرك محمد بن علي بن الفتح قال: أخبرنا علي بن مردك قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا يونس ابن عبد الأعلى المصري قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله وما ينبغي أن يؤمن به فقال: لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمته لا يسمع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة أن القرآن نزل به وصح عنه بقول النبي صلى اللهُ (1/284) عليه وسلم فيما روى عنه العدل فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو بالله كافر فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالروية والفكر ونحو ذلك أخبار الله سبحانه وتعالى أتانا أنه سميع وأن له يدين بقوله " بل يداه مبسوطتان " وأن له يميناً بقوله " والسموات مطويات بيمينه " وأن له وجهاً بقوله " كل شيء هالك إلا وجهه " وقوله " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " وأن له قدماً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " حتى يضع الرب فيها قدمه " يعني جهنم وأنه يضحك من عبده المؤمن بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي قتل في سبيل الله " إنه لقي الله وهو يضحك " إليه وأنه يهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا بخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك وأنه ليس بأعور بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذ ذكر الدجال فقال: إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور " وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر وأن له إصبعاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل " فإن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما لا يدرك حقيقته بالفكر والروية فلا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها فإن كان الوارد بذلك خبراً يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كما عاين وسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن يثبت هذه الصفات وينفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " . تأمل قوله : " فإن كان الوارد بذلك خبراً يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كما عاين وسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن يثبت هذه الصفات وينفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " ا.هـ فالمثبَت عندهم قائم في الفهم وهو على الحقيقة ـ الفضيل بن عياض قال مرعي في أقاويل الثقات : " وللسلف أن يقولوا إن هذه الأوصاف على ظاهرها ، وهذا التعليل لا يستلزم أن يكون كذلك في حقه تعالى كما أن العلم والقدرة والسمع والبصر تستلزم من النقص في حقنا ما يجب تنزيه الله تعالى عنه من جهة أنها أعراض ونحوه فمذهب السلف أسلم لا سيما وقد نقل البخاري وغيره عن الفضيل بن عياض قدس الله روحه أنه قال : " ليس لنا أن نتوهم في الله كيف هو لأن الله عز و جل وصف نفسه فأبلغ فقال : ( قل هو الله أحد ) السورة فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه فهذا النزول والضحك وهذه المباهاة وهذا الإطلاع كما شاء الله أن ينزل وكما شاء أن يباهي وكما شاء أن يضحك وكما شاء أن يطلع فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف فإذا قال الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه ، فقل أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء " ا.هـ ونقل هذا عن الفضيل جماعة؛ منهم البخاري في أفعال العباد مختصرا ، ورواه الخلال واللفظ له وابن بطة كلاهما من طريق الأثرم وهو عنده في السنة ونقله من كتاب السنة شيخ الإسلام قال الأثرم في السنة : حدثنا إبراهيم بن الحارث - يعني العبادي - قال: حدثني الليث بن يحيى، قال: سمعت إبراهيم بن الأشعث، يقول: سمعت فضيل بن عياض يقول فذكره وأسنده اللالكائي قال : أخبرنا أحمد قال أخبرنا عمر قال ثنا أحمد بن الحسن قال ثنا أحمد بن علي الأبار قال ثنا أبو محمد البلخي قال : قال الفضيل بن عياض و نقل طرفا من سنده الصابوني في عقيدته . ونقله الإمام الهروي بإسناده في كتابه الفاروق فقال : ثنا يحيى بن عمار ثنا أبي، قال ثنا يوسف بن يعقوب، قال ثنا حرمي بن علي البخاري وهانئ بن النضر عن الفضيل. فهنا أثبت الإمام الفضيل بعض معنى الصفة من كون النزول فعلا قائما بالله هو في البشر حركة ، وأثبت بعض لازمها من كونه يتعلق بالمشيئة فيفعل بناء عنها وكل هذا إثبات للمعنى وإن كان بعضا من معانيها ولم يستجب لعبارات الجهمي كما أنه لم ينفها . ولكون هذا الحوار والسيناريو كاملا هو من عند الإمامِ الفضيل وتصوّرِه ، فهذا يدل على أن الفضيل إنما ساغه ليقرر به إثبات ما يرمي الجهمي لنفيه والفرار منه بتلك العبارات ، وهذا جانب آخر من إثبات الفضيل للمعنى . فقرينة الإقرار باللازم بعبارة أنسب هي دالة على حقيقة الإثبات لمعنى الصفة كما أن استلزام الانتقال من النزول تجهم ـ الإمام يحيى بن معين فعن يحيى بن معين قال : " إذا سمعت الجهمي يقول : أنا كفرت برب ينزل ، فقل : أنا أومن برب يفعل ما يريد " ا.هـ رواه اللالكائي قال : أخبرنا الحسين بن عمر قال ثنا أحمد بن الحسين قال ثنا أحمد بن علي الأبار قال : سمعت يحيى بن معين يقول فذكره هذه المقابلة بين القولين من الإمام ابن معين دالة على أن ما نفاه الجهمي من معنى النزول يثبته ابن معين ، وعبر بقريب من عبارة الفضيل ، فما قيل هناك يقال هنا . ثم دلالة هذين اللفظين أو مجموعهما على إثبات معنى النزول ظاهرة فالتجاوب مع التساؤلات القائمة على لوازم المعنى الحقيقي بجواب يقتصر فقط على عدم الإلتزام بهذه اللوازم هو دال بوضوح على إثبات أصل المعنى الحقيقي الذي نشأت عنه تلك اللوازم في ذهن المتسائل المعطل ـ أبو عبيدة معمر بن المثنى قال : في قول الله عز وجل ( فلما آسَفونا انتقمنا منهم ) قال معناه فلما أغضبونا واحتج بقول الشاعر : ( بني عمكم إنْ تعرفوا يعرفوا لكم وإنْ تِيسفوا يوماً على الحقِّ يَيْسَفوا ) معناه وإن تغضبوا ا.هـ فقوله : " معناه ... " دال على إثبات المعنى الحقيقي للغضب ، وتفسيرُه للأسف بالغضب كاف ، وهل من يفوض الصفة يقول معناها كذا وهو يريد مجرد اللفظ ؟!!!!! . وقال أبو عبيدة : " والعرب تقول : حنانك يا رب ، وحنانيك يا رب ، بمعنى واحد ، تريد رحمتك " ا.هـ تأمل قوله : " بمعنى واحد " فهل يعقل أن يريد بهذا التفويض ؟ فأحدهما يوضح الآخر ، وعليه فالرحمة عنده حنان من التحنن وهذا معنى ينافي التفويض بل يجته من أصله . ـ الإمام يزيد بن هارون شيخ أحمد بن حنبل . قال رحمه الله : " من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي " ا.هـ ذكره البخاري في خلق أفعال العباد ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب السنة كما نقله عنه الذهبي وابن القيم وهو في النسخة المطبوعة ، قال حدثنا عباس، حدثنا شداد ابن يحيى قال: سمعت يزيد بن هارون يقول فذكره ورواه ابن بطة من طريق آخر قال : حدثني أبو بكر عبد العزيز بن جعفر قال ثنا أبو بكر الصيدلاني قال ثنا المروذي قال سمعت يزيد بن هارون يقول فذكره ـ عبد الله بن مسلمة القعنبي قال بنان بن أحمد : " كنا عند القعنبي رحمه الله فسمع رجلا من الجهمية يقول الرحمن على العرش استوى فقال القعنبي من لا يوقن أن الرحمن على العرش استوى كما يقر في قلوب العامة فهو جهمي " ا.هـ إذًا لا يكفي أن تؤمن بلفظ " استوى " فقط فهذا لا ينكره مسلم كلفظ وإنما لابد أن يستقر معه معنى في القلب وبالله عليكم ! هل يقول عاقل إن الذي يقر في قلوب العامة هو مجرد اللفظ ؟!! فالأثران صريحان في إثبات معنى آية الاستواء قال الذهبي : " والعامة مراده بهم جمهور الأمة وأهل العلم ، والذي وقر في قلوبهم من الآية هو ما دل عليه الخطاب ، مع يقينهم بأن المستوي ليس كمثله شيء " ا.هـ إنها آثارٌ تدوّي ولكنه العناد ! ـ يحيى بن زياد الفراء إمام أهل الكوفة قال في كتابه معاني القرآن : وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ ...} الاستواء فى كلام العرب على جهتين: إحداهما أن يستوِىَ الرجلُ[و] ينتهى شبابُه، أو يستوى عن اعوِجاج، فهذان وجهان، ووجه ثالث أن تقول: كان مقبلا على فلان ثم استوى عليّ يُشاتمنى وإليّ سَواءٌ ، على معنى أقْبَلَ إليّ وعليّ ؛ فهذا معنى قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ} والله أعلم. وقال ابن عباس : ثم استوى إلى السماء : صعِد ، وهذا كقولك للرجل : كان قائما فاستوى قاعدا، وكان قاعدا فاستوى قائما. وكلٌّ فى كلام العرب جائزٌ. وذكره البيهقي عنه في الأسماء والصفات. وقال : " قلت : مراد الفراء اعتدال القائم والقاعد في صعوده على الأرض " ا.هـ وهو قد تكلم عن آية ( استوى إلى السماء ) أما الآيات السبع المعدات بعلى ( استوى على العرش ) فالقول فيها واحد عند أهل السنة ـ الإمام المبارك عبد الله بن المبارك قال الإمام الصابوني : حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل، حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي، حدثني [ أبو العباس ] بن أحمد بن محبوب، حدثنا [ أحمد بن شبويه ] حدثنا أبو عبد الرحمن [ العتكي ] ، حدثنا محمد بن سلام قال : سألت عبدالله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان ؟ فقال عبدالله : يا ضعيف ليلة النصف! ينزل في كل ليلة . فقال الرجل يا أبا عبدالله! كيف ينزل ؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبدالله: ينزل كيف يشاء " ا.هـ وفي رواية أخرى لهذه الحكاية أن عبدالله ابن المبارك قال للرجل: " إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصغ له " ا.هـ والاسناد فيه تحريف كما دل عليه ما جاء في الأسماء والصفات للبيهقي ولم يسلم هو أيضا من بعض التحريف والصواب ما أثبته والله أعلم ورجاله ثقات عدا محبوب قاضي معروف وروى عنه جماعة من الثقات فالإسناد جيد وجواب ابن المبارك صريح في إثبات النزول حقيقة ، وذلك عندما أجاب عن لفظ النزول في السؤال من السائل دون أن يصرفه عن أصل معناه فأثبت النزول المسؤول عنه ابتداءا وأكد هذا الإثبات الحقيقي باستمراره على الجواب بنفس المسار ( إثباتا ) مع تصريح السائل بمعنى النزول عنده وأنه الذي يعقبه خلو المكان المنزول منه من النازل فتبين بما لا مجال للشك أن ابن المبارك أجاب بالإثبات عن ذات هذا المعنى دون التزامه بما ألزمه به السائل ، فهو قطعا على دراية بالمعنى المسؤول عنه ومع هذا أراده وعلقه بمشيئة الله وأن له كيفية ما ، مع تجنبه الخوض في مسألة الخلو وهذا ما لا يستقيم البتة مع مذهب التفويض ومما جاء عنه أيضا : ما رواه الخلال في كتاب السنة : أخبرنا أبوبكر المروذي قال : سمعت أبا عبدالله قيل له : روي عن علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له : كيف نعرف الله عز و جل ؟ قال على العرش بحد . قال [ أحمد ] : قد بلغني ذلك عنه وأعجبه ، ثم قال أبو عبدالله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) ثم قال : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) قال الخلال : وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال : قلت لأحمد بن حنبل : يحكى عن ابن المبارك - وقيل له : كيف تعرف ربنا ؟ - قال : في السماء السابعة على عرشه بحد . فقال أحمد : هكذا هو عندنا وأخبرني حرب بن إسماعيل قال : قلت لإسحاق - يعني ابن راهويه - : هو على العرش بحد ؟ قال : نعم بحد وقال الدارمي : وسئل عبدالله بن المبارك بم نعرف ربنا ؟ قال : بأنه على عرشه بائن من خلقه قيل : بحد ؟ قال : بحد حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن على بن الحسين بن شقيق عن ابن المبارك به وانظر العلو للذهبي وقال ابن بطة : حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شهاب قال ثنا أبي أحمد بن عبد الله قال ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم قال حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال قلت لأحمد بن حنبل ... قال وحدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء قال ثنا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قال ثنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبد الله وقيل له روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك ... وفيه إقرار أحمد وإسحاق لقوله بحد وهو في السنة لعبد الله أيضا وفي التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7 / 142 ) " قال أبو داود وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن موسى وعلي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش قيل له بحد ذلك قال نعم هو على العرش فوق سبع سموات " ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي بن الحسن فهذا أثر صحيح عن ابن المبارك وهو صريح بل يصيح بالإثبات صياحا وهل يجرؤ مَن عنده ذرة من المروءة العلمية على القول بأن إثبات الحد لا يحمل معنى وأنه تفويض ؟! هذا ما لا يجرؤ عليه إلا من ابتلي بالعناد فقول ابن المبارك : " على عرشه بحد " نص على أنه أثبت علو الذات فإن معنى قوله هذا أنه تعالى مباين بهذه الفوقية ومنفصل عن كل خلقه وهذا يعني أن هناك حدا فاصلا بينه وبين خلقه وهذا يستحيل حمله على غير الذات قال الدارمي : " ومما يبين ذلك قوله تعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}. ففي هذه الآية بيان لتحقيق ما ادعينا للحد، فإنه فوق العرش بائن من خلقه، ولإبطال دعوى الذين ادعوا أن الله في كل مكان..." ا.هـ وقال أيضاً : " لأن الكلمة قد اتفقت من الخلق كلهم أن الشيء لا يكون إلا بحد وصفة " ا.هـ انظر الرد على الجهمية وهو قول أحمد وإسحاق كما في هذه الآثار والحد كمصطلح لم يرد لفظه في النصوص وإنما جاء في اصطلاحات أهل العلم وله عدة معاني فمن عبر به وأراد معنى جاء به النص قبلنا منه مراده ولا تلزمنا عبارته ولا مشاحة في الاصطلاح ومن أراد به معنى باطلا رددنا لفظه ومعناه وأنكرنا عليه . ومن المعاني التي نستنكر التعرض لها الحد بمعنى التحديد الذي هو التكييف وفي فصل الكيفية بيان لهذا روى اللالكائي والذهبي في تذكرة الحفاظ كلاهما من طريق محمد بن احمد بن محمد بن سليمان غنجار عن أبي نصر أحمد بن عمرو بن محمد بن موسى قال ثنا أحمد بن خالد بن الخليل قال ثنا محمد بن أحمد بن حفص قال ثنا أبي قال : قال افلح بن محمد : قلت لابن المبارك : إني أكره الصفة يا أبا عبد الرحمن ـ عنى صفة الرب عز و جل ـ فقال [ ابن المبارك ] : أنا أشد الناس كراهة لذلك ولكن إذا نطق الكتاب بشيء قلنا به وإذا جاءت الآثار بشيء جسرنا عليه وعند البيهقي من طريق محمد بن هارون الكرابيسي ، يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن أبي حفص قال ـ قال الشيخ : يعني أباه ـ : قال أفلح بن محمد : قلت لعبد الله بن المبارك : يا أبا عبد الرحمن ، إني أكره الصفة ـ عنى صفة الرب تبارك وتعالى ـ . فقال له عبد الله : أنا أشد الناس كراهية لذلك ، ولكن إذا نطق الكتاب بشيء جسرنا عليه ، وإذا جاءت الأحاديث المستفيضة الظاهرة تكلمنا به . قال البيهقي : قلت : وإنما أراد والله أعلم الأوصاف الخبرية ، ثم تكلُّمهم بها على نحو ما ورد به الخبر لا يجاوزونه وكما قال شيخ الإسلام : " أَرَادَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : أَنَّا نَكْرَهُ أَنْ نَبْتَدِئَ بِوَصْفِ اللَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِنَا حَتَّى يَجِيءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالْآثَارُ " ا.هـ هذا الأثر يدل بوضوح على أن شأن أئمة السلف التشجع لشرح الصفات عند مجيء الآثار والتجاوب معها لأن من شأن الآثار توضيح النصوص وبيانها وتفسيرها لذلك وجدنا ابن المبارك فرق بين ما يأتي به الكتاب وبين ما تأتي به الآثار فقوله عن الآثار " جسرنا " يعني أقدمنا وتشجعنا على الوصف ولو كان مذهب السلف مجرد التفويض لكل ما يرد لما استقام كلام ابن المبارك مطلقا ، لأنه يدل بوضوح على وجود مساحة عندهم من التعبير عن الصفات توجب في الأصل قلقا وخوفا من عدم الدقة في التعبير ، فهذه المساحة تقِلّ مع النصوص لكثرة الإجمال فيها وتزداد مع الآثار لكثرة التبيين فيها وقوله : " أكره الصفة " لايصح حمله على أنه يكره الصفات فهذا فسوق وكفر ينزه عنه أجهل المسلمين فكيف بمثل ابن المبارك وإنما مراده أكره الوصف . ولو كان مذهبه مجرد موافقة النصوص في اللفظ فقط شأن المفوضة لما كان هناك ما يدعوه لكراهة الوصف ، فدل على أن مذهبه ليس كذلك . ـ الإمام أحمد بن حنبل قال القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال التأويل : " رأيت بخط أبي إسحاق حدثنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء سمعت أبا بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال لله تعالى حد فقال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تبارك وتعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش يقول محدقين " ا.هـ وقد سبق عن أحمد عدة روايات في إثبات الحد منه عند بيان تطبيق ابن المبارك ولا يقول منصف أن هذا ليس بمعنى مثبت ، أو أنه لا يُبطِل التفويض البدعي . وقال الخلال : أنا يوسف بن موسى أن أبا عبد الله أحمد بن حنبل قيل له : والله تبارك وتعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان . قال : نعم على عرشه لا يخلو شيء من علمه وقال : أخبرني عبد الملك الميموني أنه سأل أبا عبد الله ما تقول فيمن قال إن الله ليس على العرش ؟ قال : كلامهم كله يدور على الكفر والله لا أدري من يقول هذا تفويض هل يدري أنه لا يدري !! وقال أحمد في الرد على الجهمية وهو كتاب ثابت عنه جاء من ثلاثة طرق رواها الخلال ومن أخرى رابعة : ـ رواه الخلال عن عبد الله بن أحمد وجادة ومن خطه عن نسخة أبيه من خطه به فقد قال الخلال فيما نقله ابن القيم : " كتبت هذا الكتاب من خط عبد الله وكتبه عبد الله من خط أبيه " ـ ورواه الخلال عن خضر بن المثنى وهو مجهول ( عندنا لا عند الخلال ) عن عبد الله بن أحمد عن أبيه به . ـ وطرفا منه الخلال عن المروذي عن نسخة أحمد بخط أحمد به وثلاثتها يرويها الخلال بهذه الأسانيد . ـ وقال القاضي أبي يعلي في كتابه "إبطال التأويل" : "قرأت في كتاب أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قرأت على أبي صالح بن أحمد هذا الكتاب فقال: هذا الكتاب عمله أبي في مجلسه ردا على من احتج بظاهر القرآن . وقد روى ابن أبي يعلى نفسه نسخة الخضر في الطبقات مما دل على موافقة مضمون هذا الكتاب لرواية خضر السابقة ويكفي كون الكتاب من رواية الخلال فقد قال ابن الجوزي الذي هو أقرب إلى طريقة الأشاعرة قال عن الخلال بعد ذكر جملة من تلاميذ أحمد : " وخلق سوى هؤلاء، سماهم الخلال في أصحاب أبي عبد الله. نقلوا المسائل الكثيرة والقليلة. وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال أحمد، وفتاويه، وكلامه في العلل، والرجال والسنة والفروع، حتى حصل عنده من ذلك مالا يوصف كثرة. ورحل إلى النواحي في تحصيله، وكتب عن نحو من مئة نفس من أصحاب الامام. ثم كتب كثيرا من ذلك عن أصحاب أصحابه، وبعضه عن رجل، عن آخر، عن آخر، عن الامام أحمد، ثم أخذ في ترتيب ذلك، وتهذيبه، وتبويبه. وعمل كتاب " العلم " وكتاب " العلل " وكتاب " السنة " كل واحد من الثلاثة في ثلاث مجلدات. ويروي في غضون ذلك من الاحاديث العالية عنده، عن أقران أحمد من أصحاب ابن عيينة ووكيع وبقية مما يشهد له بالامامة والتقدم. وألف كتاب " الجامع " في بضعة عشر مجلدة، أو أكثر. وقد قال: في كتاب " أخلاق أحمد بن حنبل " لم يكن أحد علمت عنِيَ بمسائل أبي عبد الله قط، ما عنيت بها أنا. وكذلك كان أبو بكر المروذي، رحمه الله، يقول لي: إنه لم يعن أحد بمسائل أبي عبد الله ما عنيت بها أنت إلا رجل بهمدان، يقال له متويه، واسمه محمد بن أبي عبد الله، جمع سبعين جزءا كبارا. ومولد الخلال كان في حياة الامام أحمد، يمكن أن يكون رآه وهو صبي " فليستح المشككون . وقد اعتمد أهل العلم صحة هذا الكتاب . قال العلامة ابن القيم عن كتاب الرد على الجهمية : " واحتج القاضي أبو يعلى في كتابه إبطال التأويل بما نقله منه عن أحمد ، وذكر ابن عقيل في كتابه بعض ما فيه عن أحمد ونقله عن أصحابه قديما وحديثا. ونقل منهم البيهقي وعزاه إلى أحمد وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحمد، ولم يسمع عن أحد من متقدمي أصحابه ولا متأخريهم طعن فيه " ا.هـ وكذا اعتمده ابن الجوزي وابن كثير والحافظ ابن حجر بل حتى الإمام الذهبي الذي يعتمد عليه من يشككون في صحة الكتاب بين تردده فقال عند تعرضه للكتاب : " ... فإن الرجل كان تقيا ورعا لايتفوه بمثل ذلك, ولعله قاله) اهـ فلم يثبت على القول بالطعن في الكتاب ، بل في نفس الكتاب " السير " نقل عن ابن الجوزي أن أحمد كتب الكتاب وأقره بعدم اعتراضه بل في كتابه تاريخ الإسلام عند ترجمته للامام احمد بن حنبل قال : " وقال عبد الله . وجدت بخط أبي مما يحتج به على الجهمية من القرآن : " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن " " إن الله يبشرك بكلمة منه " " إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته " " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته " " يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم " " ألا له الخلق والأمر " " كل شيء هالك إلا وجهه " " ويبقى وجه ربك " " ولتصنع على عيني " " وكلم الله موسى تكليما " " يا موسى إني أنا ربك " " والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه " " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان . " قلت : وذكر آيات كثيرة في الصفات أنا تركت كتابتها هنا )) اهـ وهذا نقل المحتج فهو يثبت الكتاب هنا قال الإمام المبجل الأصيل أحمد بن حنبل في كتابه العظيم الرد على الجهمية : " وقلنا للجهمية : اللّه نور . فقالوا : هو نور كله . فقلنا لهم : قال اللّه عز وجل: " وأشْرَقَتِ الأرْضُ بنُورِ ربِّها " فقد أخبر جل ثناؤه أن له نوراً . وقلنا لهم : أخبرونا حين زعمتم أن الله سبحانه في كل مكان، وهو نور، فلم لم يضيء البيت المظلم بلا سراج ؟ وما بال السراج إذا دخل البيت المظلم يضيء ؟ ، فعند ذلك تبين للناس كذبهم على الله تعالى. قال الإمام أحمد رحمه اللّه : كان جهم وشيعته كذلك " ا.هـ الكلام صريح في إثبات معنى صفة النور وذلك عندما ألزم الجهمية بالضياء الذي هو معنى النور وكذا هو معناه اللغوي ، فالنور هو الضياء وهو ضد الظلمة فهي صفة ذاتية عند أحمد ، وليست معنوية فحسب وهذا ينكره عامة الأشاعرة لاستلزامه الجسمية عندهم ! فسبحان من تنزه عن التعطيل وقال أحمد في كتابه هذا : " فقلنا لهم : أنكرتم أن يكون الله على العرش وقد قال تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) وقال : ( خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) . فقالوا : هو تحت الأرض السابعة كما هو على العرش ، وفي السموات وفي الأرض وفي كل مكان ولا يخلو منه مكان ولا يكون في مكان دون مكان . وتلوا آية من القرآن : ( وهو الله في السموات وفي الأرض ) . فقلنا : قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ، ليس فيها من عظم الرب شيء ! فقالوا : أي مكان ؟ فقلنا : أجسامكم وأجوافكم وأجواف الخنازير والحشوش والأماكن القذرة ليس فيها من عظم الرب شيء ، وقد أخبرنا أنه في السماء فقال ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) ( أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ) وقال : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقال : ( إني متوفيك ورافعك إلي ) وقال : ( بل رفعه الله إليه ) وقال : ( وله من في السموات والأرض ومن عنده ) وقال : ( يخافون ربهم من فوقهم ) وقال : ( ذي المعارج ) وقال : ( وهو القاهر فوق عباده ) وقال : ( وهو العلي العظيم ) فهذا خبر الله أخبرنا أنه في السماء ووجدنا كل شيء أسفل منه مذموما يقول الله جل ثناؤه : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) وقال : ( الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين ) وقلنا لهم : أليس تعلمون أن إبليس كان مكانه ، والشياطين مكانهم فلم يكن الله ليجتمع هو وإبليس في مكان واحد ، وإنما معنى قول الله جل ثناؤه : ( وهو الله في السموات وفي الارض ) يقول : ( هو إله من في السموات وإله من في الأرض ) وهو على العرش وقد أحاط علمه بما دون العرش ، ولا يخلو من علم الله مكان ولا يكون علم الله في مكان دون مكان فذلك قوله لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما " ا.هـ بالله تأمل كلامه سياقا وألفاظا فإن المعاني فيه تصرخ صراخا ، ولو أذن الله لها أن تقول لك كلمة فأظنها ستقول لك ما معناه : اتق الله فِيّ أيها المفوض . وفي الإبانة لابن بطة : " وقال أبو عبد الله : قول الله تعالى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وجاء ربك والملك صفا صفا فمن قال إن الله لا يرى فقد كفر " وعنده وعند الخلال : " عن حنبل قال : سمعت أبا عبد الله يقول : نعبد الله بصفاته كما وصف به نفسه قد أجمل الصفة لنفسه ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ولا نتعدى ذلك . ونؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ، ولا نزيل عنه تعالى ذكره صفة من صفاته شناعة شنعت ولا نزيل ما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضع كنفه عليه هذا كله يدل على أن الله يرى في الآخرة والتحديد في هذا بدعة " ا.هـ نقله عن الخلال شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم . ما علاقة الإتيان والمجيء والنزول في الدلالة على الرؤية ؟ ما هذا إلا دليل على إثبات أحمد لمعاني هذه الصفات وأنها صفات تقوم بذاته التي تُرى فهو إتيان بالذات ، ومجيء بالذات ، ونزول بالذات . يستحيل دلالة هذه الصفات على الرؤية كما نص أحمد بغير ما ذكرتُ قال أبو يعلى : في إبطال التأويلات بعد ذكره لقول أحمد في آية المجيء وربطها بالرؤية : " وظاهر هذا أن أحمد أثبت مجيء ذاته لأنه احتج بذلك على جواز رؤيته وإنما يحتج بذلك على جواز رؤيته إذا كان الإتيان والمجيء مضافا إلى الذات " ا.هـ روى الإمام ابن أبي حاتم في كتاب مناقب أحمد فقال : حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن مسلم قال : سمعت سلمة بن شبيب قال كنت عند أحمد بن حنبل فدخل عليه رجل في يده عكازة عليه أثر السفر فقال : من فيكم أحمد ؟ فأشاروا إلى أحمد . فقال إني ضربت البر والبحر من أربع مائة فرسخ أتاني الخضر عليه السلام [ في المنام كما في الروايات الأخرى ] وقال : ائت أحمد بن حنبل فقل له : " إن ساكن السماء راض عنك لما بذلت نفسك في هذا الأمر " . وهو في كتاب " الجرح والتعديل " وانظر تاريخ دمشق (5/315) فله طرق أخرى عن سلمة بن شبيب والخبر صحيح وفيه إقرار أحمد لقوله ساكن السماء وهو معنى صِرف لفوقية الله وقال أحمد بن حنبل في الرد على الجهمية : " إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء " وهل هذا تفويض ؟ إذًا لماذا نفاه عامة الأشاعرة وزعموا أن كلامه انقطع منذ الأزل وأنه عندهم تكلم في الأزل فقط ولا يتكلم ولن يتكلم ؟ !! وفي اعتقاد أحمد للتميمي وهو من المتكلمين الذين هم أقرب إلى مذهب متقدمي الأشاعرة ، ففيه عن أحمد : " وكان يقول في معنى الاستواء هو العلو والارتفاع " وهذا يمثل اعترافا بثبوت هذا عن أحمد لأنه صدر من متكلم جار على أصول متقدمي الأشاعرة وقال أحمد في الرد على الجهمية : " قلنا : قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول من مكان إلى مكان " ا.هـ وإن لم يقصد أحمد من هذا إثبات أنه تعالى يزول من مكان إلى مكان لكن هذا الكلام يدل بالصريح على أن أحمد يُثبت أنه تعالى يفعل أفعالا حقيقية هي صفات له قائمة بذاته كالدنو والنزول والإتيان وهي تنافي الجمود والهمود وعلى وجه أكمل من غيره ودون نقص فضلا عن مفارقته بذلك حال الأصنام الميتة الجامدة ولا يمكن لأحد أن يفرغ كلام أحمد من مثل هذا المعنى إن لم يكن عينه . ويشهد لهذا أن الاصطخري في روايته للرسالة وحربا الكرماني في مسائله كليهما رويا عن أحمد الحركة فإما أن يقال أن أحمد يثبت الحركة كما في هذين النقلين وربما مفهوم كلامه السابق يشهد ، أو على الأقل أن يقال إنه يقول بحقيقة الأفعال التي يلزم منها وصفٌ من نوع الحركة دون أن يلتزم أحمد العبارة لعدم ورودها والعبد لله يعتقد أن الصحيح هو التقيد بالألفاظ الواردة دون الانسياق وراء اللوازم أو العبارات المجملة وحول إثبات أحمد للأفعال على أنها صفات قائمة بالله قال ابن رجب الحنبلي في الفتح له ( 6/42 ) : " ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها ، وتمر كما جاءت عندهم : قوله تعالى : ( وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ ) [الفجر :22] ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة . وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما . وعندهما : أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره . وكذلك قاله الفضيل بن عياض وغيره من مشايخ الصوفية أهل المعرفة . وروى عنه أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني كما سبقت الإشارة في مسائله المعروفة التي نقلها عن أحمد و إسحاق وغيرهما وذكر معها من الآثار عن النبي صلى الله عيه وسلم والصحابة وغيرهم ما ذكر وهو كتاب كبير صنفه على طريقة الموطأ ونحوه من المصنفات قال في آخره في الجامع : ( باب القول في المذهب : هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها ) وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق وهو مذهب أحمد و إسحاق بن إبراهيم بن مخلد و عبد الله بن الزبير الحميدي و سعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم ) وذكر الكلام في الإيمان والقدر والوعيد والإمامة وما أخبر به الرسول من أشراط الساعة وأمر البرزخ والقيامة وغير ذلك - إلى أن قال : ( وهو سبحانه بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان ولله عرش وللعرش حملة يحملونه وله حد والله أعلم بحده والله على عرشه عز ذكره وتعالى جده ولا إله غيره ... إلى قوله : ويفرح ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويسخط ويغضب ويرحم ويغفو ويغفر ويعطي ويمنع وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء وكما شاء ليس كمثله شيء وقال الخلال : " وأنبأنا أبو بكر المروذي سمعت أبا عبد الله وقيل له إن عبد الوهاب قد تكلم وقال: من زعم أن الله كلم موسى بلا صوت فهو جهمي عدو الله وعدو الإسلام فتبسم أبو عبد الله وقال ما أحسن ما قال عافاه الله " وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن قوم يقولون : لما كلم موسى لم يتكلم بصوت ؟ فقال أبي : بلى تكلم تبارك وتعالى بصوت وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت وحديث ابن مسعود : ( إذا تكلم الله بالوحي سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان ) قال أبي : و الجهمية تنكره قال أبي : وهؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس من زعم أن الله لم يتكلم فهو كافر إنما نروي هذه الأحاديث كما جاءت " ا.هـ وقد روى النجاد في ( ق : 87 / ب ) (( الرد على من يقول القرآن مخلوق )) عن عبد الله بن أحمد قوله سألت أبي – رحمة الله – عن قوم يقولون : لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت ، فقال أبي : ، بلى ، إن ربك عز وجل تكلم بصوت ، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت وقال الإمام أحمد كما في رسالة عبدوس ونقلها اللالكائي بسنده وهي أيضا في الطبقات لابن أبي يعلى : " لا يخاصم أحدا ولا يناظره ولا يتعلم الجدل فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه منهي عنه ولا يكون صاحبه إن اصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدل ويسلم ويؤمن بالآثار والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوق فإن كلام الله منه وليس منه شيء مخلوق وإياك ومناظرة من أحدث فيه ومن قال باللفظ وغيره ومن وقف فيه فقال لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله وليس بمخلوق والايمان بالرؤية يوم القيامة كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من الأحاديث الصحاح وأن النبي صلى الله عليه و سلم قد رأى ربه وأنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه و سلم صحيح ... والحديث عندنا على ظاهره كماجاء عن النبي صلى الله عليه و سلم والكلام فيه بدعة ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا تناظر فيه أحدا " ا.هـ والقول بإعمال الظاهر صريح في إثبات المعاني المتبادرة إلى الذهن لأنها إما أن تكون هي المراد بالظاهر مباشرة كما هو استخدام أكثر أهل العلم لمصطلح الظاهر أو أن تكون مرادة بالتبع فهي معنى اللفظ الظاهر كما هو استخدام بعض أهل العلم ولو لم يُرِد الإمام أحمد المعنى لما عبر بمصطلح الظاهر الذي لايدل على مجرد اللفظ باتفاق أهل العلم ولم يَرِد مصطلح الظاهر مرادا به مجرد اللفظ المسلوب معناه في أي عبارة من عبارات أهل العلم . سوى استخدام غير واضح ولو سلمنا به فهو استخدام شاذ من أحد المضطربين في باب الأسماء والصفات الذي حاول التوفيق بين عبارات الأئمة المثبتين للصفات وبين مذهب شيوخه من المعطلة فأراد التوفيق فوقع في التلفيق وخرج باستخدام مناف لما عليه سائر العلماء ، المخالف له والموافق ، وأعني بهذا الخطابي فيما نقله عنه البيهقي !! بل ويخالف استعمالاته بنفسه في غير باب الصفات ومن أراد أن يتبين الأمر فلينظر إلى عبارات الأشاعرة أنفسهم والتي يعسر حصرها والتي أطبقت على ذم ظواهر النصوص ووصفها بالضلال بل والكفر وهي كما قلت استخدامات عامة الأشاعرة وفي مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه ج2/ص535 قلت لأحمد رضي الله عنه : ينزل ربنا تبارك وتعالى اسمه كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث ويرون - أهل الجنة - ربهم عز وجل ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته يعني صورة رب العالمين واشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى يضع الله فيها قدمه وإن موسى عليه السلام لطم ملك الموت عليه السلام قال الإمام أحمد كل هذا صحيح قال إسحاق كل هذا صحيح ولا ينكره إلا مبتدع أو ضعيف الرأي " ا.هـ تأمل ذكر لطم موسى للملك والرؤية ، فالمقام ليس مقام تفويض إذ لا يقول أحد إن أحمد يفوض الرؤية ولا معنى اللطم هنا وذكر ابن حجر في فتح الباري حديث وضع السماء على إصبع والثرى و...ثم قال : " ورواه أبو بكر الخلال في " كتاب السنة " عن أبي بكر المروزي عن أحمد ، وقال : رأيت أبا عبد الله يشير بإصبع إصبع " وهذا لا يكون عن تفويض . وعند الخلال كما في اجتماع الجيوش : " وقال حنبل في موضع آخر، عن أحمد : " ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه. قد أجمل الله الصفة فحدَّ لنفسه صفة ليس يشبهه شيء. وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه ، قال : فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، ... ولا نزيل عنه صفة من صفاته بشناعة شنعت، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة، ووضعه كفنه عليه، فهذا كله يدل على أن الله سبحانه وتعالى يرى في الآخرة، والتحديد في هذا كله بدعة ... فهذه صفات وصف بها نفسه لا تُدفع ولا تُردّ، وهو على العرش بلا حد، كما قال تعالى: " ثم اسْتَوَى عَلى العَرْش " سورة الفرقان آية 59. كيف شاء، المشيئة إليه، والاستطاعة إليه، ليس كمثله شيء، وهو خالق كل شيء، وهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، لا نتعدى القرآن والحديث، تعالى عما يقول الجهمية والمشبهة. قلت له: والمشبّه ما يقول؟ قال: من قال بَصرُ كبصري، ويدٌ كيدي، وقدمٌ كقدمي، فقد شبه الله سبحانه بخلقه. ا.هـ تأمل قرنه رحمه الله النزول بالكلام ونفيه الحد عن السمع ، ونفيه الحد عن الاستواء ، ومراده نفي العلم بالكيف الذي هو تحديد وإلا فما معنى نفي الحد عن السمع ؟ وتأمل تعريفه للتشبيه ، لكنّ القوم هداهم الله يفهمون متى ما أرادوا !! أخبرنا عبد الله بن محمد بن أحمد قال أخبرنا عثمان بن أحمد قال ثنا حنبل قال قلت لأبي عبد الله يكلم الله عبده يوم القيامة قال نعم فمن يقضي بين الخلق إلا الله يكلمه الله عز و جل ويسأله الله عز و جل متكلم لم يزل بما شاء ويحكم وليس لله عدل ولا مثل تبارك وتعالى كيف شاء وأنى شاء " ا.هـ وهذه معاني تنكرها الأشاعرة قال الإمام أحمد كما في رواية الاصطخري " والله عز وجل على العرش، والكرسي موضع قدميه " ا.هـ وفي السنة لابنه عبد الله : سئل عما روي في الكرسي وجلوس الرب عزوجل عليه رأيت أبي رحمه الله يصحح هذه الاحاديث أحاديث الرؤية ويذهب اليها وجمعها في كتاب وحدثنا بها حدثني أبي رحمه الله قال حدثنا عبدالرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد " ا.هـ وهذا جواب لذلك السؤال لا يصدر من مفوض أما الأثر الذي يحتج به المفوضة عن الإمام احمد ورواه الخلال : " قال أخبرني : علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم قال : سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السمآء الدنيا و أن الله يُرى وإن الله يضع قدمه وما أشبهه فقال أبو عبد الله : نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا ... " ا.هـ نقله عن الخلال الإمام ابن تيمية في أكثر من موطن وسبقه الإمام ابن قدامة في كتابه ذم التأويل وجاء بمعناه في العقيدة التي حكاها التميمي عن أحمد وهي غير متصلة السند والغالب عليها النقل بالمعنى كما يتبين لمن درسها جاء فيها : " وسئل قبل موته بيوم عن أحاديث الصفات فقال تمر كما جاءت ويؤمن بها ولا يرد منها شيء إذا كانت بأسانيد صحاح ولا يوصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ومن تكلم في معناهما ابتدع " ا.هـ فهذا السياق مع مخالفته للفظ الصحيح وستأتي بقية ألفاظه فهو مروي دون إسناد ، والواضح أنه مروي بالمعنى لمن نظر في رسالة التميمي كاملة وقد اطلعت عليها في نسخة مخطوطة في المكتبة السليمانية وقد طبعت فأولا قبل بيان ألفاظ هذا الأثر التي تُبين معناه وتكشف استغلال المخالف وإلصاقه مذهبه بأحمد قبل هذا نجيب على فرض أن هذا اللفظ هو الثابت فقط : هل من الصدق في شيء إذا أردنا أن نعرف مذهب إمام من الأئمة أن نأتي لعبارة له أو اثنتين ونُعرِض عن العشرات من عباراته ونَحْصُر مذهبه فيهما ؟ هذا هو الصدق في نقل مذاهب الأئمة ؟!! إذًا ينبغي أن يكون له مذاهب بعدد عباراته ، كل طائفة تتعلق بعبارة وعلى الصدق السلام !! هذه طريقة من يستدل اليوم على صحة الديانة النصرانية واليهودية بقوله تعالى : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابين من آمن بالله واليوم ..فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ويصرفون النظر عن عشرات الآيات التي تبين أن هذه ديانات منسوخة غير مقبولة بعد مجيء الإسلام ولا أجر لأهلها بل هم مأزورون وأن هذا المذكور في الآية إنما هو فيمن مات على أحد هذه الديانات يوم أن كانت سارية المفعول وليس لمن مات عليها بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فالصادق في تحري مفهومٍ ما ، هو الذي يخرج بمفهوم يصدق على أكثر العبارات ويحتمله القليل المشتبه ، لا الذي يفترش القليل المشتبه ويلتحفه وهو عار من الكثير الذي يمثل المحكم فأين سنذهب أيها المفوضة بهذا السيل من عبارات الإمام أحمد ، وقد تركنا أمثالها خشية الإطالة ؟ والتي تدل على أن أحمد كان يثبت معاني الصفات ؟! حتى قال الدكتور حامد العلي : " ولا يزال العجب يتزايد ممن لا يعلم أن الإمام أحمد قد تكلم في معاني نصوص الصفات مع كثرة ذلك عنه " ا.هـ السوق سوق علم أيها الإخوة لا سوق خضار يعمد فيه كل أحد إلى ما يوافق ذوقه . وعليه فلا يشك الصادق أن السليم والصحيح هو اعتماد ما دلت عليه عشرات النصوص التي لا نملك إلغاءها من أنّ أحمد رحمه الله كان يجري نصوص الصفات على معانيها الظاهرة منها بعيدا عن التأويل والتفويض المحدَثين . ثم نأتي لهذه العبارة التي فهم منها البعض ما أشكل عليهم فنجد حمل المعنى المنفي فيها يناسب نوعين من المعنى : ـ الأول هو الذي تتابع السلف على ترك التعرض له وهو المعنى المفصل للصفة والذي هو من قبيل التكييف لا أصل المعنى ، هذا من جهة الإثبات ، فتكون العبارة : " لا كيف ولا معنى يوقع فيه أو يقوم مقامه " ـ والثاني هو المعنى الذي يؤدي لنفي الصفة كالتأويل ، وقد صح عن أحمد فيما لا خلاف في ثبوته عنه إنكارُه للتأويل في عبارات عدة في صفة الضحك والنزول واليد ونحوها فمن المناسب حمل عبارته عليه ، فلا كيف ولا معنى ( من المعاني التي تقول بها الجهمية والنفاة ) والذي يؤكد أن المعنى المنفي في عبارة أحمد ليس هو أصل معنى الصفة ما جاء في هذا الأثر نفسه الذي تشبث به المفوض . فقدْ مثّل السائل بصفات هي التي نفى أحمد عنها وأمثالها المعنى ، وجاء منها قوله : " وأن الله يُرى " ولا خلاف أن أحمد وغير أحمد من السلف وعامة الخلف لا ينفون معنى الرؤية وأنها الرؤية الحقيقية وهي النظر بالعين عيانا من العبد المؤمن إلى ربه من غير حجاب فيرى وجه ربه ويتلذذ برؤيته رؤية صريحة واضحة كما نرى القمر ليلة البدر . إذًا تبين أن أحمد لا ينفي أصل المعنى وكلَّ معنى ، وليس للمخالف أن ينتقي من عبارة أحمد ما يحلو له و يتغافل عما لا يحلو له ومما يؤكد ما ذكرته هنا وإن كان ما ذكرته كاف ما جاء في بعض ألفاظ الأثر ورواياته : فقد نقل الإمام ابن القيم الأثر عن الخلال دونها فقال في اجتماع الجيوش : قال الخلال : وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلاً حدثهم قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروي أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث؟. فقال أبو عبد اللّه: نؤمن بها ونصدق بها، ولا نَرُدُّ منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ وَهُوَ السّمِيع البَصيرُ " سورة الشورى آية 11. وكذا نقله اللالكائي بنحوه دونها : قال حنبل بن اسحاق : قال : سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه و سلم إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فقال أبو عبد الله نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد شيئا منها إذا كانت اسانيد صحاح ولا نرد على رسول الله قوله ونعلم أن ما جاء به الرسول حق حتى قلت لأبي عبد الله ينزل الله إلى سماء الدنيا قال قلت نزوله بعلمه بماذا فقال لي اسكت عن هذا مالك ولهذا امض الحديث على ما روي بلا كيف ولاحد وإنما جاءت به الأثار وبما جاء به الكتاب قال الله عزوجل : ( ولا تضربوا لله الأمثال ) ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته أحاط بكل شيء علما لا يبلغ قدره واصف ولا ينأى عنه هرب هارب وكذا الذهبي في السير عندما قال : قال حنبل بن إسحاق : سألت أبا عبد الله عن الاحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله ينزل إلى سماء الدنيا " (3)، فقال: نؤمن بها، ونصدق بها، ولانرد شيئا منها، إذا كانت أسانيد صحاحا، ولانرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله، ونعلم أن ما جاء به حق. بينما نقله الإمام ابن قدامة في تحريم النظر بسياق أوضح فقال : " وقال حنبل : سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه عن هذه الأحاديث التي تروي أن الله تبارك وتعالى يرى وأنه ينزل إلى سماء الدنيا وأنه يضع قدمه وما أشبه ذلك فقال أبو عبد الله رضي الله عنه : نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد منها شيئا إذا كانت بأسانيد صحاح ، ولا نرد على الرسول قوله ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ولا يوصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه لا نتعدى ذلك ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت نؤمن بهذه الأحاديث ونقرها ونمرها كما جاءت بلا كيف ولا معنى إلا على ما وصف به نفسه تبارك وتعالى وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير ، صفاته منه وله لا نتعدى القرآن والحديث والخبر ولا نعلم كيف ذاك إلا بتصديق الرسول وتثبيت القرآن " ا.هـ فنفى هنا المعنى ولم يكتف بالنفي بل استثنى مباشرة المعنى الذي دل عليه ظاهر النص عندما قال : " ولا معنى إلا على ما وصف به نفسه تبارك وتعالى " ولا أدل على هذا من تمثيله لذلك بصفتي السمع والبصر ونحوه ما نقله العلامة ابن تيمية في تلبيس الجهمية واعتبره موطنا آخر : " وقال حنبل في مواضع أخر ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف به نفسه قد أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء فيعبد الله تعالى بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف نفسه قال تعالى وهو السميع البصير " ا.هـ فتأمل قوله : " ولا معلومة إلا بما وصف نفسه " وبنحو سياق ابن قدامة الذي نقلته من كتابه تحريم النظر جاء عند ابن بطة أيضا : " قال أبو عبد الله ونحن نؤمن بالأحاديث في هذا ونقرها ونمرها كما جاءت بلا كيف ولا معنى إلا على ما وصف به نفسه تعالى نسأل الله السلامة في الدنيا والآخرة ونعوذ بالله من الزلل والارتياب والشك إنه على كل شيء قدير " ا.هـ فهنا أيضا جاء واضحا " ولا معنى إلا على ما وصف به نفسه " فإذا أضفنا إلى كل ما تقدم أن ذلك السياق الذي احتج به المفوضة : " لا كيف ولا معنى " قد تفرد به حنبل وهو ممن يهم في بعض رواياته ، فقد ذكر له ابن رجب روايته عن أحمد في مسألة فقهية عن صلاة الرجل بالثوب اللطيف الذي لا يمكنه عقده ثم قال ابن رجب : "وهذه رواية مشكلة جدا ، ولم يروها عن أحمد غير حنبل ، وهو ثقة إلا أنه يهم أحيانا ، وقد اختلف متقدمو الأصحاب فيما تفرد به حنبل عن أحمد : هل تثبت به رواية عنه أم لا ؟ " ا.هـ وقال ابن رجب أيضا عن روايات حنبل : " وكان أبو بكر الخلال وصاحبه لا يُثبتان بما تفرد به حنبل ، عن أحمد رواية " ا.هـ قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة : " وذكر أبو بكر الخلال فقال قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية وأغرب بغير شيء " ا.هـ وقال الذهبي في السير : " له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب " ا.هـ وغلّطه ابن شاقلا في إحدى رواياته وفي رواية أخرى له عن أحمد في مسألة المتلاعنين ذكرها ابن القيم في الزاد قال فيها : " وعن أحمد رواية أخرى : أنه إن أكذب نفسه حلت له وعاد فراشه بحاله ، وهي رواية شاذة شذ بها حنبل عنه . قال أبو بكر لا نعلم أحدا رواها غيره " ا.هـ فكيف نقبل ممن هذا حاله وفي عقيدة أحمد ما يخالف المستفيض عن أحمد وهذا لو سلمنا للمخالف بما فهمه من تلك العبارة فهذا هو حال تلك الرواية التي تعلق بها من ألف البعد عن الإنصاف رواية ودراية والله الموعد . ـ إسحاق بن راهويه قال النجاد : حدثنا أحمد بن علي الأبار حدثنا علي بن خشرم حدثنا إسحاق قال : دخلت على ابن طاهر ، فقال : ما هذه الأحاديث يروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا ؟ قلت : نعم رواها الثقات الذين يروون الأحكام . فقال : ينزل ويدع عرشه ؟ فقلت : يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش ؟ قال : نعم قلت : فلمَ تتكلم في هذا ؟ . وهذا أثر صحيح وتباحثُ مسألةِ " هل يستلزم النزول خلو العرش من عدمه " أكبر دليل على إثبات النزول بالمعنى المتبادر وهو قيام الرب بفعل حقيقي يضاد الصعود والارتفاع يقترب به تعالى إلى المنزول إليه من خلقه قربا حقيقيا أو هو الهبوط إلى الأدنى فقد جاءت روايات لحديث النزول بلفظ الهبوط ولو لم يكن هذا المعنى المتبادر للذهن من ذلك اللفظ مثبتا لما كان لذكر مسألة خلو العرش نفيا أو إثباتا أي معنى . وفي الأثر أن المحظور هو التوسع في ذكر معنى الصفة بالخوض فيما هو أقرب إلى لازم الصفة وهذا هو الذي كان السلف لا يتوسعون فيه وجاء عن إسحاق بن راهويه أنه قال : " جمعني وهذا المبتدع يعني إبراهيم بن أبي صالح مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ، فسألني الأمير عن أخبار النزول ؟ فسردتها فقال ابن أبي صالح : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء . فقلت : آمنت برب يفعل ما يشاء قال فرضي عبد الله كلامي وأنكر على إبراهيم . " هذا معنى الحكاية كما قال الراوي رواها البيهقي عن الحاكم عن محمد بن صالح بن هانيء سمع أحمد بن سلمة عن إسحاق به وهي رواية بالمعنى كما هو صريح عبارة البيهقي وتروي جانبا من مجلس إسحاق فيما جرى بينه وبين المبتدع ابن أبي صالح بخلاف الرواية السابقة رواية النجاد فقد ساقت جانبا آخر وهو ما جرى مع الأمير وقال إبراهيم بن أبي طالب : سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول : حضرت مجلس ابن طاهر وحضر إسحاق فسئل عن حديث النزول أصحيح هو ؟ قال : نعم . فقال له بعض القواد : كيف ينزل ؟ قال : أثبته فوق حتى أصف لك النزول . فقال الرجل : أثبته فوق ، فقال إسحاق : قال الله : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) فقال ابن طاهر : هذا يا أبا يعقوب يوم القيامة ! فقال : ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم ؟! قال الصابوني : سمعت الحاكم أبا عبدالله يقول : سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول : سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول : سمعت أحمد بن سعيد بن إبراهيم بن عبدالله الرباطي يقول : حضرت مجلس الأمير ... فذكره قوله : " أثبته فوق " صريح في إثبات المعنى ، وفيه تهيئة المخالف لقبول معنى النزول وقوله : " حتى أصف لك النزول " قاطع للنزاع ، فهو نص منه في أنه يتبنى العلم بمعنى النزول واستدلاله بالمجيء على النزول لا يكون إلا مع إثبات المعنى وإلا لكان استدلالا بما في غير محله وفرقان ما بيننا وبين مخالفينا ، فهم لا يملكون توجيه الآثار بما يتلاءم مع كل ألفاظها ، فالأثر الواحد يحملونه على ما لايلائم بقيته بينما نحن نوجه الآثار بما يناسب ظاهرها وبما يتناسب مع جميع ألفاظ الأثر الواحد وبما يناسب دلالة سياقه وبما ينسجم مع باقي أقوال صاحب الأثر لكنهم لا ينصفون وإنما ديدنهم سياسة تقطيع الألفاظ وقصها عن سياقاتها والعبث بمدلول الآثار تحكما قال الخلال : وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال : قلت لأحمد بن حنبل : يحكى عن ابن المبارك - وقيل له : كيف تعرف ربنا ؟ - قال : في السماء السابعة على عرشه بحد . فقال أحمد : هكذا هو عندنا وأخبرني حرب بن إسماعيل قال : قلت لإسحاق - يعني ابن راهويه - : هو على العرش بحد ؟ قال : نعم بحد وعند ابن بطة : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء قال ثنا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قال ثنا أبو بكر المروذي قال : سمعت أبا عبد الله ..فذكره بنحوه فها هو إسحاق بن راهويه يثبت أنه تعالى على عرشه بحد وهذا إثبات لمعنى الفوقية ، فضلا عن دلالة هذا الحد منه على أنها فوقية الذات وهو صريح معناه . وقال إسحاق بن راهويه عن حديث الرجل الذي قال : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ فِي عَمَاءٍ " فقال إسحاق : " قوله : ( في عماء قبل أن يخلق السموات والأرض ) تفسيره عند أهل العلم أنه كان في عماء يعني سحابة " ا.هـ وهل يكون هذا التفسير مع تفويض ؟! وكما تقدم تفسير متعلق الصفة دليل على إثبات معنى الصفة ـ هشام بن عبيد الله الرازي فقد روى ابنُ أبي حاتم أن هشام بن عبيد الرازي، صاحب محمد بن الحسن قاضي الري حبس رجلاً في التجهّم، فتاب فجيء به إلى هشام ليمتحنه، فقال: الحمد لله على التوبة، فامتحنه هشام فقال: أشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه. فقال: أشهد أن الله على عرشه، ولا أدري ما بائن من خلقه، فقال: ردوه إلى الحبس، فإنه لم يتب. رواه ابن أبي حاتم قال : حدثنا علي بن الحسن بن يزيد السلمي : سمعت أبي يقول : سمعت هشام بن عبيد الله الرازي فذكره فالقاضي هشام اعتبر عدم درايته بمعنى لفظ بائن مانعا من كونه مثبتا لهذه الصفة مع أنه في مقام توبة وهذا في لفظ بائن وهو غير منصوص عليه فكيف بما هو منصوص فدل على أن دعوى جهل المعاني هو من طرائق الجهمية ومهرب ومفر لهم عندما تغلق أمامهم الأبواب ، وعند وقوعهم في قبضة السلطان ( سلطان الحكم أو سلطان العلم ) فكيف إذا اجتمعا ؟! ـ الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام . قال الإمام البيهقي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه " : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَازَرُونِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : يُقَالُ السُّبْحَةُ : إِنَّهَا جَلالُ وَجْهِهِ وَنُورُهُ " وهو في كتاب أبي عبيد " غريب الحديث " مادة سبح قال رحمه الله : " ففي حديثه عليه السلام حين ذكر الله تعالى فقال : حجابه النور لو كَشفَه لأحرقتْ سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره فقال : يقال في السُّبحة : إنها جلال وجهه ونوره ..." ا.هـ وهذا تفسير صريح لصفة الوجه وللنور ، إذ نوره تعالى من الصفات الخبرية التي أنكرتها الأشاعرة . ولذلك فجلهم يؤولون النور بالهادي وبالنور المعنوي ولا يثبتون لله نورا حقيقيا بمعنى الضياء ، بل يرون إثباته تشبيها وتجسيما وضلالا نعوذ بالله من التعطيل . فهنا فسر الإمام أبو عبيد سبحات الوجه والتي هي من صفة وجهه تعالى فسرها بالنور والجلال المنبعث منه إلى خلقه والمحرِق لما ينتهي إليه منها لو كشف عنه . وأبوعبيد عندما فسر السبحات إنما فسرها على ضوء سياقها في الحديث ولا يزعم منصف صادق بعد هذا التفسير أن أبا عبيد يفوض السبحات إلا من كان في سبات فتفسيرها بالنور هو إثبات لمعناها عنده ، ولو كان مذهبه تفويض الصفات لما فسر السبحات وقال أبو عبيد القاسم بن سلام عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم والذي فيه بأن الله كان في عماء قبل خلقه السماوات والأرض فقال أبو عبيد : " قوله : في عماء، في كلام العرب السحاب الأبيض ، قال الأصمعي : وغيره: هو ممدود ... وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ولا ندري كيف كان ذلك العَمَاءُ وما مبلغه والله أعلم " ا.هـ كل هذا كلام أبي عبيد في كتابه غريب الحديث وتأمل بالله قوله : " وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ولا ندري كيف كان ذلك العَمَاءُ وما مبلغه والله أعلم " ا.هـ فهو بهذا الكلام ينبه على أنه اعتمد معنى العماء لغة وجعله تفسيرا للحديث وأنه معنى معقول ( حقيقي ) في أصل معناه ( كان الله على سحاب ) لكن فوض كيفية السحاب الذي كان الله عليه ولو كان أبو عبيد يرى أن هذا الحديث على غير حقيقته وأن الله لم يكن في الحقيقة على سحاب قبل خلق السماوات لما شرح العماء ولما اكتفى بتفويض الكيف المتعلق بالسحاب فقط ولا يأتينا مفوّض ويجيب بأن الحديث في نقده هو " ضعيف " فهذا من التلبيس لأننا سقنا الكلام لبيان موقف أبي عبيد من الحديث وكيف أنه فسره أما الموقف الصحيح من الحديث عندي أو عندك فهذا شيء آخر ثم الحديث حسن على الراجح وليس هذا محل بيانه . وقال أبو عبيد في غريبه : " في حديث عروة بن الزبير أنّه كان يقول في تلبيته : لَبَّيْك رَّبَنَا وحَنَانَيْك قال : حدثناه أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه . ثم قال أبو عبيد : قوله : حَنَانَيْك يريد : رحمتك ; والعرب تقول : حَنانَك يا رب وحَنَانَيْك يا رب بمعنى واحد ; قال امرؤ القيس : ( الوافر ) ... ويَمْنَحُها بَنُو شَمَجَى بن جَرْم ... مَعيزَهْم حَنانَك ذَا الحَنَانِ يريد : رحمتك يا رب " ا.هـ فالرحمة والحنان بمعنى واحد كما فسر هذا الإمام ، إذًا الرحمة صفة قائمة بالله بمعنى حنانه تعالى وتحننه ، وليست كما يقول الأشاعرة إنها مؤولة بالإرادة فهل تفسير الحنان بالرحمة أو العكس هو تفويض ؟! إذا ما فائدة هذا المرادف الذي لا يزيد الصفة إلا جهالة ؟ هذا كلام من لا يعي أصول العلم وذكر أبو عبيد حديث : " ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن " فقال رحمه الله : " أما قوله : كأذنه يعني ما استمع الله لشئ كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن وعن مجاهد في قوله تعالى " وأذنت لربها وحقت ". قال: سمعت أو قال : استمعت شك أبو عبيد، يقال: أذنت للشئ آذن [ له ] أذنا إذا استمعته " والاستماع قدر زائد على مجرد السماع فهو خبري وحكمه حكم الخبريات قال الحافظ الذهبي عن الإمام أبي عبيد : " توفي أبو عبيد سنة أربع وعشرين ومائتين وقد ألف كتاب غريب الحديث وما تعرض لأخبار الصفات بتفسير بل عنده لا تفسير لذلك غير موضع الخطاب للعربي " ا.هـ فليس من مذهبه إلا حمل النصوص على مفهوم الخطاب العربي دون الاشتغال بتفسيرها على غير موضع الخطاب ـ الإمام إسماعيل بن يحيى المزني رحمه الله ت 264 هـ قال الإمام المزني رحمه الله في شرح السنة ص (75) : " فلا شبيه له ولا عديل ، السميع البصير ، العليم الخبير ، المنيع الرفيع ، عال على عرشه في مجده بذاته ، وهو دان بعلمه من خلقه أحاط علمه بالأمور وأنفذ في خلقه سابق المقدور وهو الجواد الغفور ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) " ا.هـ قوله : " بذاته " هو إثبات صريح للمعنى . ـ الإمام أبوحاتم محمد بن إدريس الرازي ت 27 هـ روى ابن المحب في الصفات بسنده عن أبي حاتم أنه قال : " من قال النزول غير النزول وما أشبهه فهو كافر جهمي " ا.هـ عن كتاب عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة لمحمود الحداد ص130. ماذا يريد المفوض أكثر من هذا ؟ أين المروءة يا قوم والله إنه عناد مخجل ؟ والله إنها مذلة أن يوكل الإنسان إلى هواه فيوصله إلى أحوال مزرية . ولأبي حاتم رسالتان مع أبي زرعة تؤكدان براءتهما من التفويض أوردهما اللالكائي في كتابه ـ يونس بن حبيب بن عبد الرحمن النحوي إمام العربية ففي " رؤية الله " للدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد حدثنا محمد بن هشام بن البخترى حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا عثمان بن عمر عن سليمان بن عبيد فيما أظن عن الضحاك عن ابن مسعود عن النبى ... يرويه عن ربه عز و جل قال نحلت إبراهيم خلتى وكلمت موسى تكليما وأعطيت محمدا كفاحا قال عثمان بن عمر سألت يونس النحوى عن الكفاح فقال : أي واجهه مواجهة وهو صحيح عن الإمام يونس النحوي بأي صيغة يحصل إثبات معاني الصفات يا حضرة المفوضة ـ الإمام علي بن المديني شيخ البخاري قال الإمام ابن كثير في تفسيره : " قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا هارون بن سليمان، أنبأنا علي بن عبد الله المديني، أنبأنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشير بن الفاكه الأنصاري، سمعت طلحة بن خراش بن عبد الرحمن بن خراش بن الصمة الأنصاري، قال: سمعت جابر بن عبد الله قال : نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : " يا جابر مالي أراك مهتما ؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، استشهد أبي وترك دينا وعيالا ، قال : فقال : " ألا أخبرك ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحا " قال علي [ بن المديني ] : الكفاح المواجهة " قول ابن المديني صحيح غاية وهو تفسير لصفة تكليم الله بما يثبت المواجهة حقيقة بين الله وخلقه وهذا لا تطيقه الأشاعرة وتراه تجسيما وكيف تُثبِت المواجهة وهي تعتقد أن الله لا يوجد في جهة من الجهات ولا يرى في جهة . فسبحان من تنزه عن هذا العدم !! فالمعنى عنده : كلّمه مواجهة من دون حجاب ويقال في اللغة : " طعنه كفاحا " أي مواجهة وجها لوجه فلماذا لم يترك ابن المديني اللفظ وذهب يبين معناه ويثبته لو كان مذهبه ترك المعنى وتفويضه . ـ الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي قال الأزهري في تهذيب اللغة : " وقال أبو إسحاق في قوله : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَواةً وَكَانَ ) أي وآتيناه حناناً . قال : والحَنَان : العطف والرحمة . وأنشد : فقالت حنان ما أتى بك هاهنا أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف أي أَمْرُنا حنان أي عطف ورحمة ... وقال أبو إسحاق : الحَنّان في صفة الله : ذو الرحمة والتعطّف " ا.هـ والحنان من الله صفة له في قول أكثر المفسرين ولا يمنع عطف الزكاة عليه كما في الآية فقول الحربي : " الحَنّان في صفة الله : ذو الرحمة والتعطّف " ا.هـ وقال الخلال في كتاب السُّنَّة : " باب يضع كنفه على عبده، تبارك وتعالى: أخبرني محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثهم قال : قلت لأبي عبد الله : ما معنى قوله : " إن الله يدني العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه ؟ " قال : هكذا نقول : يدنيه ويضع كنفه عليه، كما قال، يقول له: أتعرف ذنب كذا؟ قال الخلال: أنبأنا إبراهيم الحربي قال: قوله: فيضع عليه كنفه، يقول: ناحيته. قال إبراهيم: أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي، يقال: نزل في كنف بني فلان، أي: في ناحيتهم " ا.هـ نقله عن الخلال في نقض التأسيس . ـ الإمام أبو بكر بن أبي عاصم قال في كتابه السنة : " وَأَخْبَارُ النُّزُولِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ دُونَ الأَرْضِ " الاستدلال على أنه في علو من خلال صفة النزول هو صريح في إثبات النزول والعلو بمعنييهما وقال : " باب ما ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه " وقوله دون أرضه نص في فوقية الذات ـ الإمام البخاري محمد بن إسماعيل صاحب الصحيح ت 256 هـ قال رحمه الله في كتاب خلق الأفعال : " يُذكر عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ أن الله ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب وليس هذا لغير الله عز و جل ] ثم قال : وفي هذا دليل على أن صوت الله لا يُشبه أصوات الخلق لأن صوت الله يُسمع من بُعد كما يُسمع من قُرب ، وأنّ الملائكة يُصعقون من صوته ، فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا قال : ( فلا تجعلوا لله أندادا ) فليس لصفة الله ند ولا مثل ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين " ا.هـ ثم ذكر البخاري بعض الأدلة على هذا فتعليله عدم المشابهة بكون صوته يُسمع من بُعد وكونه يُصعِق دليل على أنه يثبت الصوت بمعناه المعروف وإلا فماذا يريد المعطل أكثر من هذا ؟!!! صوتٌ عبّر عن نداء ، ويُسمَع ، ويُصعِق ، فماذا سيكون يا معاشر الأذكياء ؟!! وقال في خلق أفعال : " وقال ضمرة بن ربيعة عن صدقة سمعت سليمان التيمي يقول : لو سئلتُ أين الله ؟ لقلت في السماء ، فإن قال فأين كان عرشُه قبل السماء ؟ لقلت على الماء ، فإن قال فأين كان عرشه قبل الماء ؟ لقلت : لا أعلم قال أبو عبد الله [ البخاري ] : وذلك لقوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء يعني إلا بما بيّن " ا.هـ والأثر واضح ، وفيه أن السؤال بأين الله سؤال سائغ لأن الإمام التيمي سأله من عند نفسه لنفسه فلو كان محظورا لما تكلفه تكلفا ، وجواب هذا السؤال سائغ من باب أولى . وكل هذا عند الإمام البخاري الذي يحتج بالأثر فقد ساق البخاري هذا الأثر محتجا وأقره إقرارا صريحا والأثر يذكر أين هو الله ، بل واعتبر البخاري في تعليقه أن الله قد بيّن هذا في كتابه وأنه من المسائل التي أحطنا بها علما بتبيين الله ولا يقال عما هو مفوض أنه مبين ؟ ولا يوجد مفوض في الدنيا يعرض قضية أين يوجد الله بهذا العرض ولا بهذا السياق والتسلسل في السؤال عن الأينية والذي يجلي إثبات المعنى ومحل استدلالنا هو استدلال البخاري بالأثر وإقراره له ، أما موقفنا نحن من الأثر أو موقف مخالفنا منه فهو مسالة أخرى . فليس للمخالف أن يُلبّس على من يقف على كلام البخاري بمحاولة القدح في صحة الأثر عن التيمي أو بالخوض في مفهومه عنده هو ( عند المخالف ) وإنما عليه إن كان صادقا في جوابه عما استدللنا به هنا أن يجيب عن موقف البخاري الواضح من الأثر . ـ الإمام محمد بن عيسى الترمذي صاحب السنن ت هـ ذكر الترمذي حديث أبي هريرة مرفوعا وفيه : قالوا وهل نراه يا رسول الله قال وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتوارى ثم يطلع فيعرفهم نفسه ثم يقول أنا ربكم فاتبعوني ثم قال في معناه : " ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم " ا.هـ الكلام صريح ، تعريفه تعالى نفسه بتجليه للعباد وأن هذا معنى تعريفه لا يستقيم مع دعوى أن التجلي عنده مجهول مفوض ، فالمجهول لا يشرح المجهول ، ولو كان معناه غير مراد لما قال : " ومعنى ..." . فالذي ذكره مرادٌ معناه بمنطوق كلام الترمذي فسبحان من تنزه عن الباطل . وقال الترمذي : " وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه ، وفسروها على غير ما فسر أهل العلم ، وقالوا : إن الله لم يخلق آدم بيده ، وإنما معنى اليد ها هنا النعمة ، وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد، أو مثل يد، وسمع كسمع " ا.هـ فدل كلامه على أمور : ـ أن هناك تفسيرا لأهل العلم لهذه الصفات الخبرية يخالف خط التعطيل وتيار التعطيل . ـ أن التفسير بالتأويل كما جاء في كلام الترمذي هو تفسير مخالف لتفسير السلف . ـ أن إثبات هذه الصفات على ظاهرها وحقيقتها ليس تشبيها ، وإنما التشبيه أن تقول له يد كيدي أو سمع كسمعي . فكما أن سمع الله له معنى نعلمه ونثبته وهو المعنى المعروف المتبادر إلى الذهن ولا يلزم من هذا تشبيها وخاصة إذا أضفنا أن سمع الله أكمل من سمع المخلوق وأنه سمع غير حادث ولا يعتريه نقص . مع أن سمع الله إدراك حقيقي لذات الأصوات وكذلك سمع المخلوق ، فهذا الاشتراك في المعنى العام للسمع لا يوجب تشبيها مادمنا نفرق بينهما من جهة ما تقدم من الكمال فكذلك اليد ، فلماذا نتصور التشبيه من مجرد إثبات المعنى العام لليد وقد قرنهما إسحاق في أمثلته ليبين ما ذكرتُ فلماذا التفريق بينها وبين صفة السمع بالباطل . وتعريف إسحاق للتشبيه بأنه يد كيدي وحصره للتشبيه في هذا بأداة الحصر إنما ، وصدوره من هذا الإمام وإقرار الترمذي له يدل على أنه تعريف دقيق للتشبيه . ولو كان مجرد إثبات اليد على معناها الحقيقي تشبيها لكان تعريف الإمام إسحاق بموافقة الترمذي تعريفا عائما قاصرا لا معنى له بل موهما لحصره التشبيه فيه . ويؤكد هذا أن هناك جماعة من السلف تتابعوا على تعريف التشبيه بنفس تعريف إسحاق ويكاد بلفظه منهم الإمام أحمد فهل تتابعُ جماعة من السلف على هذا التعريف كان لمجرد تعبير عائم ناشئ عن عدم دقة ودراية وليس عن مفهوم متفق عليه عندهم ؟ هل هذا هو الظن اللائق والمناسب بهم ؟ وقال الترمذي رحمه الله عندما أورد حديث : والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجل بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ثم قرأ { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } فقال عن هذا الحديث : " وفسر بعض أهلم العلم هذا الحديث فقالوا إنما هبط على علمِ الله وقدرتِه وسلطانه ، علمُ الله وقدرتُه وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه " ا.هـ وهذا صريح في إثبات العلو الذاتي الحقيقي وليس معناه العلو المعنوي لأن الترمذي كان في صدد نفي كون الله في الأرض كما هو ظاهر الحديث المنكر الذي كان الترمذي يتكلم عنه " لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله " و قال الترمذي في سننه : " وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف ، هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد ها هنا القوة وقال إسحاق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فأثبت اليد على النحو الذي ثبت به السمع والبصر وهو إثبات معنى ـ الإمام ابن قتيبة الدينوري : قال في كتابه ( الرد على الجهمية والمشبهة ) بعد أن فند أقوالهم في تأويل اليدين ، وردها بالأدلة الجازمة ، قال : " فإن قال لنا : ما اليدان ها هنا ؟ قلنا : هما اليدان اللتان تعرف الناس كذلك ، قال ابن عباس في هذه الآية : ( اليدان : اليدان ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلتا يديه يمين ) ، فهل يجوز لأحد أن يجعل اليدين ها هنا نعمة ، أونعمتين ، وقال : ( لما خلقت بيدي ) فنحن نقول كما قال الله تعالى وكما قال رسوله ، ولا نتجاهل . ولايحملنا ما نحن فيه من نفي التشبيه على أن ننكر ما وصف به نفسه ، ولكنا لا نقول : كيف اليدان ، وإن سئلنا نقتصر على جملة ما قال ، ونمسك عما لم يقل " ا.هـ سبحان الله " هما اليدان اللتان تعرف الناس " وسبحانه أن تكون مثلهما أو تشابههما كما أن سمعه هو السمع الذي يعرفه الناس وسبحانه أن يكون مثله وقال ابن قتيبة في حديث الصورة : " والذي عندي والله تعالى أعلم أن الصورة ليست أعجب من اليدين والأصابع والعين وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن. ونحن نؤمن بالجميع ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد " ا.هـ وقال ابن قتيبة : " وكيف يسوغ لأحد أن يقول أنه بكل مكان على الحلول مع قوله : ( الرحمن على العرش استوى ) أي استقر كما قال: " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك " أي استقررت ومع قوله تعالى: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " وكيف يصعد إليه شيء هو معه أو يرفع إليه عمل وهو عنده وكيف تعرج الملائكة والروح إليه يوم القيامة وتعرج بمعنى تصعد يقال: عرج إلى السماء إذا صعد والله عز وجل ذو المعارج والمعارج الدرج فما هذه الدرج وإلى من تؤدي الأعمال الملائكة إذا كان بالمحل الأعلى مثله بالمحل الأدنى ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم وما ركبت عليه خلقتهم من معرفة الخالق سبحانه لعلموا أن الله تعالى هو العلي وهو الأعلى وهو بالمكان الرفيع وأن القلوب عند الذكر تسمو نحوه والأيدي ترفع بالدعاء إليه ومن العلو يرجى الفرج ويتوقع النصر وينزل الرزق وهنالك الكرسي والعرش والحجب والملائكة. يقول الله تبارك وتعالى: " إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون " وقال في الشهداء: " أحياء عند ربهم يرزقون " وقيل لهم شهداء لأنهم يشهدون ملكوت الله تعالى واحدهم شهيد كما يقال عليم وعلماء وكفيل وكفلاء وقال تعالى: " لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا " أي لو أردنا أن نتخذ امرأة وولداً لاتخذنا ذلك عندنا لا عندكم لأن زوج الرجل وولده يكونان عنده وبحضرته لا عند غيره والأمم كلها عربيها وعجميها تقول إن الله تعالى في السماء ما تركت على فطرها ولم تنقل عن ذلك بالتعليم. وفي الحديث أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمة أعجمية للعتق فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله تعالى فقالت: في السماء قال: فمن أنا قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: هي مؤمنة وأمره بعتقها " ا.هـ هذا الكلام ينضح بالإثبات ولا يحتاج إلى إيضاح ـ الإمام ابن الأعرابي أحمد بن زياد قال الإمام البيهقي في الأسماء والصفات : " أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أَخْبَرَنَا أبو عمر ، محمد بن عبد الواحد الزاهد غلام ثعلبة أو ثعلب في كتاب ياقوتة السراط الذي يروي أكثره عن ثعلب عن ابن الأعرابي في قوله عز وجل : {لقد من الله} { أي تفضل الله } { على المؤمنين } المصدقين ، والمنان المتفضل ، والحنان الرحيم ، وقال في قوله تعالى : { وحنانا من لدنا } أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال : الحنان : الرحمة ، والحنان : الرق ، والحنان : البركة ، والحنان : الهيبة " ا.هـ وهو في " الياقوتة " لغلام ثعلب عند هذه الآية : " ( وحنانا من لدنا ) ! أخبرنا أبو عمر - قال : أنا ثعلب ، عن ابن الأعرابي ، عن المفضل - قال : الحنان : الرحمة " ففسر الحنان الذي هو صفة لله بنص رواية البيهقي بأنه والرحمة بمعنى واحد وهذا يمتنع حمله على التفويض . وكلامه في إثبات المعاني ظاهر وعن داود بن علي قال : " كنا عند ابن الاعرابي فأتاه رجل فقال له : ما معنى قول الله عز و جل : ( الرحمن على العرش استوى ) فقال [ ابن الأعرابي ] : هو على عرشه كما أخبر عز و جل فقال : يا أبا عبد الله ليس هذا معناه إنما معناه استولى قال : اسكت ما أنت وهذا ، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد ، فإذا غلب أحدهما قيل استولى أما سمعت النابغة ... ألا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد ... أخرجه الخطيب في "تاريخه" واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" ورواه أبو الحسن بن مهدي الطبري في كتابه مشكل الآيات كما في بيان تلبيس الجهمية ، ونقله الذهبي في العلو عن كتاب ابن عرفة وعزاه ابن حجر في الفتح للهروي في "الفاروق" وسنده صحيح فهنا سُئل ابن الأعرابي عن معنى هذه الصفة الخبرية فأجاب بأن معناها هو المعنى الظاهر : " هو على عرشه كما أخبر عز و جل " ولا أدل على أن كلامه مرادٌ به المعنى من كونه وقع سؤالا عن معنى : " ما معنى قول الله عز و جل : ( الرحمن على العرش استوى ) " ومن كون السائل نسب هذا لابن الأعرابي وأنه أراد معنى ما ذكر بمنطوقٍ صريح : " يا أبا عبد الله ليس هذا معناه إنما معناه استولى " فما ذكره ابن الأعرابي هو معنى وليس مجرد لفظ مفوض ـ الخليل بن أحمد الفراهيدي شيخ سيبويه : ذكر أبو عمر بن عبد البر عنه في التمهيد قال : قال الخليل بن أحمد : " استوى إلى السماء : ارتفع إلى السماء " ا.هـ ـ الأخفش قال الإمام الأزهري في كتاب التهذيب له في قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) : " قال الأخفش : استوى أي : علا ، يقال : استويت فوق الدابة وعلى ظهر البيت : أي علوته " ا.هـ صريح يا أخي ! ـ الإمام محمد بن عثمان بن أبي شيبة المتوفى سنة 297 هـ قال رحمه الله : " وقد علم العالمون أن الله قبل أن يخلق خلقه قد كان متخلصا من خلقه بائنا منهم فكيف دخل فيهم ؟! تبارك وتعالى أن يوصف بهذه الصفة ، بل هو فوق العرش كما قال محيط بالعرش متخلص من خلقه بين منهم علمه في خلقه لا يخرجون من علمه ، وقد أخبرنا الله عز و جل أن العرش كان قبل أن يخلق السماوات والأرض على الماء وأخبرنا أنه صار من الأرض إلى السماء ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش ... إلى أن قال : " ثم تواترت الأخبار أن الله تعالى خلق العرش فاستوى عليه بذاته ثم خلق الأرض والسماوات فصار من الأرض إلى السماء ومن السماء إلى العرش فهو فوق السماوات وفوق العرش بذاته متخلصا من خلقه بائنا منهم علمه في خلقه لا يخرجون من علمه " ا.هـ لا تعليق ـ حرب بن إسماعيل الكرماني ت 280 هـ قال أبو محمد حرب الكرماني في مسائله المعروفة التي نقلها عن أحمد و إسحاق وغيرهما وذكر معها من الآثار عن النبي صلى الله عيه وسلم والصحابة وغيرهم ما ذكر وهو كتاب كبير صنفه على طريقة الموطأ ونحوه من المصنفات قال في آخره في الجامع : " ( باب القول في المذهب ) : هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق وهو مذهب أحمد و إسحاق بن إبراهيم بن مخلد و عبد الله بن الزبير الحميدي و سعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم ... و الماء فوق السماء العليا السابعة و عرش الرحمن عز و جل فوق الماء و الله عز و جل على العرش و الكرسي موضع قدميه و هو يعلم ما في السماوات و الأرضين و ما بينهما و ما تحت الثرى ... وهو بائن من من خلقه لا يخلو من علمه مكان و لله عز و جل عرش و للعرش حملة يحملونه و الله عز و جل مستو على عرشه و ليس له حد و الله عز و جل سميع لا يشك بصير لا يرتاب عليم لا يجهل جواد لا يبخل حليم لا يعجل حفيظ لا ينسى و لا يسهو قريب لا يغفل و يتكلم [ ويتحرك ويسمع ويبصر ] و ينظر و يبسط و يضحك و يفرح و يحب و يكره و يبغض و يرضى و يغضب و يسخط و يرحم و يعفو و يغفر و يعطي و يمنع و ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء ليس كمثله شيء و هو السميع البصير و قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء و يوعيها ما أراد و خلق آدم بيده على صورته و السموات و الأرض يوم القيامة في كفه و يضع قدمه في النار فتنزوي و يخرج قوما من النار بيده و ينظر إلى وجهه أهل الجنة يرونه فيكرمهم و يتجلى لهم و تعرض عليه العباد يوم القيامة و يتولى حسابهم بنفسه و لا يلى ذلك غير الله عز و وجل ... كلم الله موسى تكليما منه إليه و ناوله التوراة من يده إلى يده و لم يزل الله عز و جل متكلما " ا.هـ عن مسائل حرب نفسها ، نقله ابن القيم في حادي الأرواح ص 288 وفي اجتماع الجيوش مختصرا ص (234) وهو نقل عزيز . ونقله العلامة ابن تيمية في أكثر من موطن من كتبه كدرء التعارض وكذا ابن رجب نقل في أهوال القبور طرفا من كلامه وهذا كلام لا يصدر من مفوض ولا يقبله مفوض فهو قد ذكر الحركة وهي مبالغة منه رحمه الله في إثبات المعنى بما يمتنع معها القول إنه ذكر ما ذكر من الصفات تفويضا وهو قد نقلها عن غيره من السلف بما يدل في أقل الأحوال على أن بعض السلف قالوا بها ، ومرادهم بلا شك أنه تعالى يفعل أفعالا لا تشابه أفعال خلقه وهي أفعال حقيقية تحقق قربه الذاتي الحقيقي من خلقه كالمجيء والإتيان والنزول والارتفاع ولذلك فمن أطلق الحركة وأراد هذا المعنى فنقبل منه المعنى ولا يلزمنا لفظه لعدم نطق النصوص به ع ـ الحارث بن أسد المحاسبي قال رحمه اللّه في كتابه فهم القرآن : " وأما قوله "على العرش استوى" "وهو القاهر فوق عباده" و "أأمنتم من في السماء" "وإذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً" فهذه وغيرها مثل قوله "إليه يصعد الكلم " وقوله "ثم يعرج إليه في يوم" فهذا مقطع يوجب أنه فوق العرش ، فوق الأشياء ، منزه عن الدخول في خلقه لا يخفى عليه منهم خافية لأنه أبان في هذه الآيات أن ذاته بنفسه فوق عباده لأنه قال: " أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض " يعني فوق العرش ، والعرش على السماء ا.هـ انظر فهم القرآن له ص 346 فأي معنى بعد هذا ـ الإمام عثمان بن سعيد الدارمي قال في نقضه على المريسي : " ونحن وإن لم نصف الله بجسم كأجسام المخلوقين ولا بعضو ولا بجارحة... فنقول إنه الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ذو الوجه الكريم والسمع السميع والبصر البصير نور السموات والأرض وكما وصفه الرسول في دعائه حين يقول اللهم أنت نور السموات والأرض وكما قال أيضا نور أنى أراه وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه نور السموات والأرض من نور وجهه والنور لا يخلو من أن يكون له إضاءة واستنارة ..." ا.هـ ثم استطرد في أنه يُرى وينظر إليه وتأمل تفسيره للنور وقال الإمام في نقضه : " فيقال للمعارض : نراك قد كثرت لجاجتك في رد هذا الحديث إنكاراً منك لوجه الله تعالى ، إذ تجعل ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين معقول في سياق اللفظ أنه وجه نفسه...فإن لم تتحول العربية عن معقولها إنه لوجه حقاً كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم " ا.هـ وقد ملأ الإمام الدارمي رحمه الله كتابه نقضا لتفاسير المريسي المعطِّلة للنصوص ومقابلتها بالتفاسير المأثورة . قال رحمه الله عن صفة النزول : " ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ورسول رب العزة إذ فسر نزوله مشروحاً منصوصاً ... " وقال الدارمي في الرد على الجهمية : " باب استواء الرب تبارك وتعالى على العرش وارتفاعه إلى السماء وبينونته من الخلق . وهو أيضا مما أنكروه [ يعني الجهمية ] " وقال : " فمن لم يقصد بإيمانه وعبادته إلى الله الذي استوى على العرش فوق سمواته وبان من خلقه فإنما يعبد غير الله ولا يدري أين الله " ا.هـ وقال : " والآثار التي جاءت عن رسول الله في نزول الرب تبارك وتعالى تدل على أن الله عز و جل فوق السموات على عرشه بائن من خلقه " ا.هـ من أين دل النزول على الفوقية لو كان النزول مجهولا مفوضا وقال : " ولو قد آمنتم باستواء الرب على عرشه وارتفاعه فوق السماء السابعة بدءا إذ خلقها كإيمان المصلين به لقلنا لكم ليس نزوله من سماء إلى سماء بأشد عليه ولا بأعجب من استوائه عليها إذ خلقها بدءا فكما قدر على الأولى منهما كيف يشاء فكذلك يقدر على الأخرى كيف يشاء وليس قول رسول الله في نزوله بأعجب من قول الله تبارك وتعالى ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) ومن قوله ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) فكما يقدر على هذا يقدر على ذاك . وقال : " وعبدتم أنتم شيئا هو عند الخلق لا شيء لأن الكلمة قد اتفقت من الخلق كلهم أن الشيء لا يكون إلا بحد وصفة وأن شيء ليس له حد ولا صفة فلذلك قلتم لا حد له وقد أكذبكم الله تعالى فسمى نفسه أكبر الأشياء وأعظم الأشياء وخلاق الأشياء قال تعالى قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم الأنعام : 19 وقال كل شيء هالك إلا وجهه القصص : 88 فهو سمى نفسه أكبر الأشياء وأعظم الأشياء وخلاق الأشياء وله حد وهو يعلمه لا غيره حدثنا الحسن بن الصباح البزاز البغدادي حدثنا علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه سئل بم نعرف ربنا قال بأنه فوق العرش فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه قال قلت بحد قال فبأي شيء " ا.هـ ـ الإمام ثعلب أحمد بن يحيى ت 291 هـ قال الإمام ابن بطة : " سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبا يقول في قوله تعالى وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام أجمع أهل اللغة أن اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة ونظرا بالأبصار " ا.هـ فهنا فسر اللقاء بلازمه وروى الدارقطني ، عن إسحاق الكاذي قال : " سمعت أبا العباس ثعلب يقول : استوى على العرش : علا، واستوى الوجه: اتصل، واستوى القمر: امتلأ، واستوى زيد وعمرو: تشابها، واستوى إلى السماء: أقبل، هذا الذي نعرف من كلام العرب " ا.هـ رواه اللالكائي بإسناد صحيح فتأمل تفسيره هذه الصفة الخبرية على ضوء المتبادر المعروف من كلام العرب وقال ابن بطة : حدثني عبد العزيز بن جعفر قال ثنا أحمد بن محمد بن هارون قال سألت ثعلبا عن قول النبي ملأى لا يغيضها شيء ؟ قال : لا ينقصها نفقة ، سحاء قال صبا وبيده الأخرى القبض راسين شيء من شيء " ا.هـ فتأمل هذا التفسير ( صبًّا ) ـ أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي الفقيه الشافعي ت 295 هـ قال الخطيب في تاريخه : حدّثني الحسن بن أبي طالب قال: نبّأنا أبو الحسن منصور بن محمد بن منصور القزاز قال: سمعت أبا الطيب أحمد بن عثمان السمسار والد أبي حفص بن شاهين يقول : " حضرت عند أبي جعفر الترمذي فسأله سائل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا ... ))، فالنزول كيف يكون يبقى فوقه علوّ ؟! فقال أبو جعفر الترمذي: " النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة " ا.هـ فتأمل بالله عليك هذا الإثبات من هذا الإمام ، فقد سئل عن المعنى للنزول بالصريح : " كيف يكون يبقى فوقه علوّ ؟! " والاستشكال من السائل قاطع للنزاع وأن المراد هو المعنى . فأجاب هذا الإمام الشافعي بأن النزول معقول المعنى وهذا هو القدر المثبت والمفوَّض المجهول شيء آخر هو الكيف . ولو كان معنى النزول مجهولا مفوضا كما تزعم المفوضة لما قال بأنه معقول ولما أجاب بهذا الجواب الذي فيه إقرار للسائل في جانب من سؤاله وهو أن المسؤول عنه معلوم المعنى . وعلّق الذهبيُّ على هذا الأثر بقوله : " قلت : صدق فقيه بغداد و عالمها في زمانه إذا السؤال عن النزول ما هو ؟! عيّ ، لأنه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة وإلا فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والإستواء عبارات جلية واضحة للسامع فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء فالصفة تابعة للموصوف وكيفية ذلك مجهولة عند البشر وكان هذا الترمذي من بحور العلم ومن العباد الورعين " مختصر العلوّ ص: 231 ـ سهل بن عبد الله التستري قال إسماعيل بن علي الأبلي : " سمعت سهل بن عبد الله [ التستري ] بالبصرة في سنة ثمانين ومئتين يقول : العقل وحده لا يدل على قديم أزلي فوق عرش محدث، نصبه الحق دلالة وعلما لنا، لتهتدي القلوب به إليه ولا تتجاوزه، ولم يكلف القلوب علم ماهية هويته، فلا كيف لاستوائه عليه " ا.هـ ساقه الذهبي في السير . وكون الإمام التستري جعل الفوقية هنا خبرية بحيث لا يدل العقل عليها استقلالا فهذا منه تصريح بأن الفوقية فوقية الذات لأن فوقية الرتبة لا يصدق عليها هذا . بل سياقه صريح : " قديم أزلي فوق عرش محدث " فهو يثبت فوقية الذات وهذا إثباتٌ لمعنى هذه الصفة الذي جحدته المفوضة . ـ الإمام أبو بكر بن خزيمة : قال رحمه الله : " أما خبر ابن مسعود فمعناه أن الله جل وعلا يمسك ما ذكر في الخبر على أصابعه على ما في الخبر سواء. قبل تبديل الله الأرض غير الأرض لأن الامساك على الأصابع غير القبض على الشيء وهو مفهوم في اللغة التي خوطبنا بها لأن الإمساك على الشيء بالأصابع غير القبض على الشيء ونقول ثم يبدل الله الأرض غير الأرض كما أخبرنا منزل الكتاب على نبيه صلى الله عليه وسلم في محكم تنزيله في قوله { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات } وبين على لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم صفة تبديل الأرض غير الأرض فأعلم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يبدلها فيجمعها خبزة واحدة فيقبض عليها حينئذ كما خبر في خبر ابن عمر ـ ما وانكفاءها كما أعلم في خبر أبي سعيد الخدري فالأخبار الثلاثة كلها ثابتة صحيحة المعاني على ما بينا " ا.هـ وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل وقال رحمه الله : " باب أخبار ثابتة السند صحيحة القوام رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفيه نزول خالقنا إلى سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل. والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم. فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الاخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفيه النزول. وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا أنه ينزل إليه إذ محال في لغة العرب أن يقول نزل من أسفل إلى أعلى ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل " ا.هـ وقال ابن خزيمة رحمه الله : " ألم تسمعوا يا طلاب العلم قوله تبارك وتعالى لعيسى ابن مريم : ( يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ) أليس إنما يرفع الشيء من أسفل إلى أعلى لا من أعلى إلى أسفل ؟ وقال الله عز و جل : ( بل رفعه الله إليه ) ومحال أن يهبط الإنسان من ظهر الأرض إلى بطنها أو إلى موضع أخفض منه وأسفل فيقال رفعه الله إليه !! لأن الرفعة في لغة العرب الذين بلغتهم خطوبنا لا تكون إلا من أسفل إلى أعلى وفوق " ا.هـ تأمل إثبات المعاني هداك الله وقال رحمه الله : " ألم تسمعوا قول خالقنا : ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه أليس معلوما في اللغة السائرة بين العرب التي خوطبنا بها وبلسانهم نزل الكتاب أن تدبير الأمر من السماء إلى الأرض إنما يدبره المدبر وهو في السماء لا في الأرض ؟!! كذلك مفهوم عندهم أن المعارج المصاعد ، قال الله تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وإنما يعرج الشيء من أسفل إلى أعلى وفوق ، لا من أعلى إلى دون وأسفل فتفهموا لغة العرب لا تغالطوا . وقال جل وعلا : ( سبح اسم ربك الأعلى ) فالأعلى مفهوم في اللغة أنه أعلى كل شيء وفوق كل شيء والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووحيه وأعلمنا أنه العلي العظيم " ا.هـ وقال ابن خزيمة : " فأما قوله جل وعلا : ( ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) ففي خبر شريك بن عَبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك بيان ووضوح أن معنى قوله دنا فتدلى إنما دنا الجبار رب العزة لا جبريل " ا.هـ ورواية شريك في الصحيح عند البخاري وفيها : " ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة " وقال الإمام ابن خزيمة أيضا : " نحن نقول وعلماؤنا جميعًا في جميع الأقطار أن لمعبودنا عز وجل وجهًا كما أعلمنا الله في محكم تنزيله فذواه بالجلال والإكرام وحكم له بالبقاء ونفى عنه الهلاك ونقول أن لوجه ربنا عز وجل من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره محجوب عن أبصار أهل الدنيا لا يراه بشر ما دام في الدنيا الفانية " ا.هـ تأمل إثباته الضياء وقال ابن خزيمة : " فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عينين فكان بيانه موافقا لبيان محكم التنزيل الذي هو مسطور بين الدفتين مقروء في المحاريب والكتاتيب " ا.هـ وتثنية العينين إثبات صريح للمعنى وقال رحمه الله : " باب ذكر إمساك الله ـ تبارك وتعالى اسمه وجل ثناءه السموات والأرض وما عليها على أصابعه جل ربنا عن أن تكون أصابعه كأصابع خلقه وعن أن يشبه شيء من صفات ذاته صفات خلقه وقد أجل الله قدر نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف الخالق البارئ بحضرته بما ليس من صفاته فيسمعه فيضحك عنده ويجعل بدل وجوب النكير والغضب على المتكلم به ضحكا تبدو نواجذه تصديقا وتعجبا لقائله. لا يصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة مؤمن مصدق برسالته " ا.هـ هل الذي قاله اليهودي وأقره النبي هل هو مجهول معناه لدى النبي وأمته ويعلمه ذلك اليهودي ؟!! أم أن اليهودي مفوض أيضا ؟!!!!!!!!! وقال رحمه الله : " باب ذكر إثبات الرّجل لله عز وجل وإن رغمت أنوف المعطلة الجهمية الذين يكفرون بصفات خالقنا عز وجل التي أثبتها لنفسه في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل يذكر ما يدعو بعض الكفار من دون الله { ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبطرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم }. فأعلمنا ربنا جل وعلا أن من لا رجل له ولا يد ولا عين ولا سمع فهو كالآنعام بل هو أضل. فالمعطلة الجهمية الذين هم شر من اليهود والنصارى والمجوس كاللأنعام بل أضل " ا.هـ وقال رحمه الله : " باب ذكر البيان أن الله عز وجل في السماء كما أخبرنا في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه وكما هو مفهوم في فطرة المسلمين علمائهم وجهالهم أحرار هم ومماليكهم ذكراهم وإناثهم بالغيهم وأطفالهم كل من دعا الله جل وعلا فإنما يرفع رأسه إلى السماء ويمد يديه إلى الله إلى أعلى لا إلى أسفل " ا.هـ تأمل يا هداك الله فهذا الوصف الخبري مفهوم بنص الكلام فأين التفويض ؟! هل المستقر في الفطر مجهول مفوَّض ؟!!! سبحان الله سبحان الله . وابن خزيمة إمام كبير كان أعلم الناس بأحاديث رسول الله وبسنته وكان مهابا معظما في زمانه ولا يوجد في أقرانه من يدانيه يكفيه شرفا أنه على صغره روى عنه الإمام الجبل البخاري صاحب الصحيح بينما هو من طبقة صغار تلاميذه وكان محل اتفاق بين أهل السنة ـ الإمام الطبري محمد بن جعفر بن جرير قال رحمه الله في تفسيره : " يقول تعالى ذكره: فأضاءت ( الأرض بنور ربها ) ، يقال: أشرقت الشمس. إذا صفت وأضاءت، وأشرقت: إذا طلعت، وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر. قال. ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) قال: فما يتضارون في نوره إلا كما يتضارون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه " ا.هـ فانظر إلى هذا التفسير لصفة النور بالإشراق والضياء بينما عامة الأشاعرة ينفون صفة النور ويؤولونها . وكذا إخباره عن بروز الله لعباده وأنه ببروزه حصلت الإضاءة والإشراق وكل هذا ينافي التفويض . وقال رحمه الله : " قوله : ( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) اختلفت القرّاء فى قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة بلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ ) بضم التاء من عجبت ، بمعنى : بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا، وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة ( بَلْ عَجِبْتَ ) بفتح التاء بمعنى : بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . فإن قال قائل : وكيف يكون مصيبا القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟ قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركون بما قالوه. ا.هـ فاعتبر الطبري العجب صفة حقيقية بتفسيره لها أنها استعظام الله لكلام المشركين وهذا هو العجب حقيقة بدليل أن الذين أولوا هذه الصفة جاء ضمن تاويلاتهم ذكر هذا المعنى على أنه من المخلوق لا من الله . فقد نقل مرعي الحنبلي في أقاويله عن الخلف التأويل فقال : " أو هو مصروف للمخاطب بمعنى أنه يجب أن يتعجب منه أو هو على معنى الإستعظام اللازم له فإنه روعة تعتري الإنسان عند استعظامه الشيء ا.هـ فانظر إلى هذا التفسير لصفة العجب . وقال ابن جرير : " وقوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول تعالى ذكره : ورحمة منا ومحبة له آتيناه الحكم صبيا " ا.هـ ففسر الحنان بالرحمة والمحبة توضيحا وتجلية للمعنى على أنهما بمعنى واحد وهذا من قبيل تفسير الرأفة بالرحمة والخبير بالعليم مع أن الرأفة أخص من عموم الرحمة والخبير أخص من عموم العلم لاختصاص الخبير بما خفي من المعلوم ولكن لما كان يجمعهما معنى عام والفرق إنما في كون أحدهما أخص بجانب من معناه من الآخر عبر بأحدهما عن الآخر تقريبا للمعنى فكذلك الحنان الذي هو من التحنن والرحمة ، فالحنان أخص وإن كانت الرحمة لا تخلو من تحنن وحن وقال في التفسير : " ولا شك أن ذا الرحمة هو الذي ثَبت أن له الرحمة، وصحَّ أنها له صفة؛ وأن الراحم هو الموصوف بأنه سيرحم، أو قد رحم فانقضى ذلك منه، أو هو فيه " وقال ابن جرير في تفسيره بعد أن ذكر الاختلاف في صفة الاستهزاء : " والصواب في ذلك من القول والتأويل عندنا : أنَّ معنى الاستهزاء في كلام العرب : إظهار المستهزِيء للمستَهْزَأ به من القول والفعل ما يرضيه ظاهراً ، وهو بذلك من قِيلِه وفعلِه به مورثه مساءة باطناً ، وكذلك معنى الخداع والسخرية والمكر " ومثل ابن جرير بالمنافقين فقال : " والله جل جلاله - مع إظهاره ما قد أظهر لهم من الأحكام المُلْحِقَتِهم في عاجل الدنيا وآجل الآخرة إلى حال تمييزه بينهم وبين أوليائه، وتفريقِه بينهم وبينهم - معدٌّ لهم من أليم عقابه ونَكال عذابه ... وحشرِه إياهم في الآخرة مع المؤمنين وهم به من المكذبين -إلى أن ميَّز بينهم وبينهم- مستهزئًا، وبهم ساخرًا، ولهم خادعًا، وبهم ماكرًا . إذ كان معنى الاستهزاء والسخرية والمكر والخديعة ما وصفنا قبل، دون أن يكون ذلك معناه في حالٍ فيها المستهزئ بصاحبه له ظالم، أو عليه فيها غير عادل، بل ذلك معناه في كل أحواله، إذا وُجدت الصفات التي قدَّمنا ذكرها في معنى الاستهزاء وما أشبهه من نظائره. وبنحو ما قلنا فيه رُوي الخبر عن ابن عباس ... ثم قال : " ويقال لقائل ذلك: إن الله جل ثناؤه أخبرنا أنه مكرَ بقوم مضَوْا قبلنا لم نَرَهُم، وأخبر عن آخرين أنه خَسَف بهم، وعن آخرين أنه أغرقهم، فصدَّقْنا الله تعالى ذكره فيما أخبرنا به من ذلك، ولم نُفَرِّق بين شيء منه. فما بُرهانُك على تفريقك ما فَرَّقت بينه، بزعمك: أنه قد أغرقَ وخَسف بمن أخبر أنه أغرق وخسف به، ولم يمكُرْ بمن أخبر أنه قد مكر به ؟ ثم نعكس القول عليه في ذلك ، فلن يقول في أحدهما شيئًا إلا ألزِم في الآخَر مثله . فإن لجأ إلى أن يقول : إن الاستهزاء عبثٌ ولعبٌ ، وذلك عن الله عز وجل منفيٌّ . قيل له : إن كان الأمر عندك على ما وصفتَ من معنى الاستهزاء، أفلست تقول : " الله يستهزئ بهم " ، و " سَخِر الله منهم " و"مكر الله بهم"، وإن لم يكنْ من الله عندك هزء ولا سخرية ؟ فإن قال:"لا"، كذَّب بالقرآن، وخرج عن ملة الإسلام. وإن قال:"بلى"، قيل له: أفنقول من الوجه الذي قلت:"الله يستهزئ بهم" و"سخر الله منهم" -"يلعب الله بهم" و"يعبث" - ولا لعبَ من الله ولا عبث؟ فإن قال:"نعم"! وَصَف الله بما قد أجمع المسلمون على نفيه عنه، وعلى تخطئة واصفه به، وأضاف إليه ما قد قامت الحجة من العقول على ضلال مضيفه إليه. وإن قال: لا أقول:"يلعب الله بهم" ولا"يعبث"، وقد أقول"يستهزئ بهم" و"يسخر منهم". قيل: فقد فرقت بين معنى اللعب والعبث، والهزء والسخرية، والمكر والخديعة. ومن الوجه الذي جازَ قِيل هذا، ولم يَجُزْ قِيل هذا، افترق معنياهُما. فعُلم أن لكل واحد منهما معنى غير معنى الآخر. وللكلام في هذا النوع موضع غير هذا، كرهنا إطالة الكتاب باستقصائه. وفيما ذكرنا كفاية لمن وُفق لفهمه " ا.هـ لا مزيد على هذا الشرح والبيان فقد نص على معنى الاستهزاء كصفة ثم دافع عن هذا التفسير لهذه الصفة . وقال في تفسيره عن صفة الرضى : " وقال آخرون: معنى"الرضى" من الله جل وعز، معنى مفهوم، هو خلاف السخط، وهو صفة من صفاته على ما يعقل من معاني:"الرضى" الذي هو خلاف السخط، وليس ذلك بالمدح، لأن المدح والثناء قولٌ، وإنما يثنى ويمدح ما قد رُضِي. قالوا: فالرضا معنًى، و"الثناء" و"المدح" معنًى ليس به "ا.هـ وقال عن صفة الغضب : " وقال بعضهم: الغضب منه معنى مفهوم، كالذي يعرف من معاني الغضب، غير أنه - وإن كان كذلك من جهة الإثبات - فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم. لأن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة، كما العلم له صفة، والقدرة له صفة، على ما يعقل من جهة الإثبات ، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد، التي هي معارف القلوب، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها " ا.هـ وقال : " قال الله تبارك وتعالى فَلَمَّا آسَفُونَا ) يعني بقوله : آسفونا : أغضبونا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . وقال ابن جرير عن الاستواء : " وإن قال لنا قائل : أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء ، كان قبل خلق السماء أم بعده ؟ قيل : بعده ، وقبل أن يسويهن سبعَ سموات ، كما قال جل ثناؤه : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ) [سورة فصلت: 11]. والاستواء كان بعد أن خلقها دُخانًا، وقبل أن يسوِّيَها سبعَ سموات " ا.هـ وهذا إثبات صريح لمعنى الاختيار الذي اعتادت الأشاعرة نفيه وقال ابن جرير عن صفة الإتيان : " والصواب من القراءة في ذلك عندي:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظُللٍ من الغمام"، لخبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفًا ، فدل بقوله"طاقات"، على أنها ظلل لا ظلال، لأن واحد"الظلل""ظلة" " ثم ذكر في موطن آخر أثر عكرمة في مجيء الله في ظلل من الغمام فقال عكرمة : والملائكة حوله فقال الإمام ابن جرير شارحا : " وقول عكرمة هذا، وإن كان موافقًا قولَ من قال: إن قوله: في ظُلل من الغمام" من صلة فعل الرب تبارك وتعالى الذي قد تقدم ذكرناه، فإنه له مخالف في صفة الملائكة. وذلك أن الواجب من القراءة على تأويل قول عكرمة هذا في"الملائكة" الخفضُ، لأنه تأول الآية: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وفي الملائكة، لأنه زعم أن الله تعالى يأتي في ظلل من الغمام والملائكةُ حوله. هذا إن كان وجَّه قوله:"والملائكة حوله"، إلى أنهم حول الغمام، وجعل"الهاء" في"حوله" من ذكر"الغمام". وإن كان وجَّه قوله:"والملائكة حوله" إلى أنهم حول الرب تبارك وتعالى، وجعل"الهاء" في"حوله" من ذكر الرب عز جل، فقوله نظيرُ قول الآخرين الذين قد ذكرنا قولهم، غيرُ مخالفهم في ذلك. * * * وقال آخرون: بل قوله:" في ظلل من الغمام" من صلة فعل"الملائكة"، وإنما تأتي الملائكة فيها، وأما الرب تعالى ذكره فإنه يأتي فيما شاء. * ذكر من قال ذلك: * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من وجَّه قوله:" في ظُلل من الغمام" إلى أنه من صلة فعل الرب عز وجل، وأن معناه: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وتأتيهم الملائكة " ا.هـ فهنا أثبت الإتيان في الظلل وجعله فعلا صريحا من الرب واعتبر أيضا خلال تفسيره لهذه الصفة أن الإتيان والمجيء واحد وقال : وأما قوله:"ولا يكلمهم الله"، فإنه يعني: ولا يكلمهم الله بما يسرُّهم ="ولا ينظر إليهم"، يقول: ولا يعطف عليهم بخير، مقتًا من الله لهم، كقول القائل لآخر:"انظُر إليّ نَظر الله إليك"، بمعنى: تعطف عليّ تعطّف الله عليك بخير ورحمة وكما يقال للرجل:"لا سمع الله لك دعاءَك"، يراد: لا استجاب الله لك، والله لا يخفى عليه خافية، وكما قال الشاعر: دَعَوْتُ اللهَ حَتى خِفْتُ أَنْ لا... يَكْونَ اللهُ يَسْمَعُ مَا أَقُولُ ـ الإمام أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال رحمه الله في شرح السنة " " وقوله : " سبحات وجهه " أي : نور وجهه ، ويقال : جلال وجهه ، ومنها قيل : " سبحان الله " إنما هو تعظيم له وتنزيه ، وقول سبحانك ، أي : أنزهك يا رب من كل سوء " ا.هـ وقال رحمه الله عن صفة الأَذَن : " قوله : " ما أذن الله لشيء كأذنه " يعني : ما استمع لشيء كاستماعه ، والله لا يشغله سمع عن سمع ، يقال : أذنت للشيء آذن أذنا بفتح الذال : إذا سمعت له " ا.هـ ـ الإمام أبو عبد الله مصعب بن عبد الله الزبيري قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله : " سمعت أبا عبد الله الزبيري رحمه الله - وقد سئل عن معنى هذا الحديث – [ حديث آدم على صورة الرحمن ] فذكر مثل ما قيل فيه ، ثم قال أبو عبد الله : نؤمن بهذه الأخبار التي جاءت ، كما جاءت ، ونؤمن بها إيماناً ، ولا نقول : كيف ؟ ولكن ننتهي في ذلك إلى حيث انتهي بنا ، فنقول في ذلك ما جاءت به الأخبار كما جاءت " ا.هـ تأمل قوله ( ننتهي ...حيث انتهي بنا ) وتأمل قوله : " سئل عن معنى الحديث " والجواب بقوله : " فذكر مثل ما قيل فيه " فليس هناك تفويض يا قوم . لم يُذكر الزبيري في شيوخ الآجري وسنّه لا تحتمل سماعه إلا أن يكون في تاريخ وفاة أحدهما خطأ أو سقَط اسم شيخ الآجري الراوي عن الزبيري فالله أعلم رابعا : إثبات أئمة أهل السنة السائرين على مذهب السلف لمعاني الصفات وتطبيقاتهم في ذلك . ـ الإمام النجاد أبو بكر أحمد بن سلمان قال النجاد : " فالذي ندين الله تعالى به ونعتقده : ما قد رسمناه وبيناه من معاني الأحاديث المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما قاله عبد الله بن العباس ومن بعده من أهل العلم وأخذوا به كابراً عن كابر وجيلاً عن جيل إلى وقت شيوخنا في تفسير قوله تعالى عسى أن يبعثك مقاماً محموداً أن المقام المحمود : هو قعوده - صلى الله عليه وسلم - مع ربه على العرش ، وكان من جحد ذلك وتكلم فيه بالمعارضة : إنما يريد بكلامه في ذلك كلام الجهمية ، يجانَب ويبايَن ويُحذَّر عنه وكذلك أخبرني أبو بكر الكاتب عن أبي داود السجستاني أنه قال : من رد حديث مجاهد فهو جهمي . وحدثنا محمد بن صهيب وجماعة من شيوخنا عن محمد بن عبد الملك الدقيقي قال : سمعت هذا الحديث منذ خمسين سنة ما سمعت أحداً ينكره إنما يكاذبه الزنادقة والجهمية . قال النجاد : وذكر لنا أبو إسماعيل السلمي أمر الترمذي الذي رد فضيلة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصغَّر أمره وقال : لا يؤمن بيوم الحساب . قال النجاد : وعلى ذلك من أدركت من شيوخنا أصحاب أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فإنهم منكرون على من رد هذه الفضيلة ولقد بين الله ذلك على ألسنة أهل العلم على تقادم الأيام فتلقاه الناس بالقبول فلا أحد ينكر ذلك ولا ينازع فيه . قال النجاد : فبذلك أقول ولو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثاً أن الله يقعد محمداً - صلى الله عليه وسلم - معه على العرش واستفتاني في يمينه لقلت له : صدقت في قولك وبررت في يمينك وامرأتك على حالها فهذا مذهبنا وديننا واعتقادنا وعليه نشأنا ونحن عليه إلى أن نموت إن شاء الله ، فلزمنا الإنكار على من رد هذه الفضيلة التي قالها العلماء وتلقوها بالقبول فمن ردها فهو من الفرق الهالكة " . والناظر أيضا في رسالته في الرد على من قال بخلق وقد تعرض فيها لبعض الصفات يعلم أنه مثبت لمعاني الصفات ــ الإمام البربهاري قال البربهاري في كتاب السنة : " وإذا سمعت الرجل يقول إنا نحن نعظم الله إذا سمع آثار رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد أثر رسول الله صلى الله عليه و سلم ويدفعه بهذه الكلمة وهو يزعم أنه يعظم الله وينزهه إذا سمع حديث الرؤية وحديث النزول وغيره أفليس قد رد أثر رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال إنا نحن نعظم الله أن ينزل من موضع إلى موضع فقد زعم أنه أعلم بالله من غيره فاحذر هؤلاء " ا.هـ وقوله : " من موضع إلى موضع " نص في أنه يثبت النزول بمعناه وفي الطبقات لابن أبي يعلى قال : " وسمعت أخي القاسم - نضر الله وجهه - يقول: لم يكن البربهاري يجلس مجلساً إلا ويذكر فيه أن الله عز وجل يقعد محمداً - صلى الله عليه وسلم - معه على العرش " ا.هـ ـ الإمام أبو الحسن الأشعري ت 323 هـ قال أبو الحسن في مقالات الإسلاميين : " وقال أهل السنة وأصحاب الحديث : وأن له عينين كما قال : " تجري بأعيننا " ا.هـ فمن أين أثبت أنهما عينان ولم يرِد في النصوص سوى إثبات العين لله دون تحديد أنهما اثنان ؟ ما هو إلا إثبات المعنى الذي يزعم المفوضة جهله وبنحوه قال أبو الحسن في الإبانة : " وأن له عينين بلا كيف " ا.هـ تثنية العينين لم تثبت في لفظ فهذا دليل على إثباته المعنى وأنه عنده غير الكيف . وقال الإمام الأشعري في الابانة : " وقد قال الله تعالى : ( وكلم الله موسى تكليما ) والتكليم هو المشافهة بالكلام ولا يجوز أن يكون كلام المتكلم حالا في غيره مخلوقا في شيء سواه كما لا يجوز ذلك في العلم " ا.هـ وقوله : " مشافهة " هو من إثبات المعنى الذي تنفيه معطلة الأشاعرة . وقال رحمه الله في كتابه الإبانة : " ومن دعاء أهل الإسلام جميعا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل بهم يقولون جميعا : يا ساكن السماء ومن حلفهم جميعا : لا والذي احتجب بسبع سماوات " ا.هـ وهذا النص من الإبانة نقله ابن درباس أيضا في رسالته في الذب عن الأشعري وعزاه للإبانة فقد جاء في رسالته : " ومنهم الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي ، فإنه قال في بيان مسألة الاستواء من تواليفه [من تأليفه]: ما أخبرنا به الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت قال: رأيت هؤلاء الجهمية ينتمون في نفي العرش وتأويل الاستواء إلى أبي الحسن الأشعري. وما هذا بأول باطل ادَّعوه وكذب تعاطوه، فقد قرأت في كتابه المرسوم بـ (الإبانة عن أصول الديانة) أدلة من جملة ما ذكرته في إثبات الاستواء. وقال في [جملة] ذلك : ومن دعاء أهل الإسلام جميعًا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل [هم] يقولون: يا ساكن العرش. ثم قال: ومن حَلِفِهِمء جميعًا [قولهم:] لا والذي احتجب بسبع سماوات. هذا آخر ما حكاه، وهو في الإبانة كما ذكره " ا.هـ فالإمام الطرقي وابن درباس كلاهما يثبتان أن هذا الكلام لأبي الحسن في الإبانة ونقله الذهبي أيضا عن الطرقي ينسبه للأشعري فلا يشكك في صحة هذا عن الأشعري إلا معاند وهو صريح في إثبات المعنى وأن الله بذاته وصفاته فوق عرشه فوق سماواته . وقال الإمام الأشعري في الإبانة : " دليل آخر : قال الله تعالى ( الله نور السماوات والأرض ) من الآية ( 35 / 24 ) فسمى نفسه نورا والنور عند الأمة لا يخلو من أن يكون أحد معنيين : إما أن يكون نورا يسمع أو نورا يرى . فمن زعم أن الله يُسمع ولا يرى فقد أخطأ في نفيه رؤية ربه وتكذيبه بكتابه وقول نبيه صلى الله عليه وسلم وروت العلماء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله عز وجل فإن بين كرسيه إلى السماء ألف عام والله عز وجل فوق ذلك " ا.هـ تأمل وصفه للنور بأنه شيء يُرى لتعلم حقيقة الإثبات للمعنى إلى أن قال : " دليل آخر : قال الله تعالى : ( يخافون ربهم من فوقهم ) وقال تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وقال تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ) وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش مالكم من ولي ولا شفيع ) فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستو على عرشه ، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض ، فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته مستو على عرشه استواء منزها عن الحلول والاتحاد " ا.هـ فاستدلاله بعروج الملائكة على فوقية الله باعتباره معروجا إليه هو نص في إثبات المعنى وحرصه على دفع ما قد يتوهم من الحلول نص أيضا في إثباته للفوقية الحقيقية وهي فوقية الذات وإلا لم يكن هناك مناسبة لهذا التحرز فهاتان قرينتان من قرائن قصد المعنى لا يغض الطرف عنها إلا من لا يرغب فهم المراد وقال الأشعري أيضا : " والحديث " أنى أراه " لا حجة فيه لأنه عندما سأل سائل النبي صلى الله عليه و سلم عن رؤية الله عز و جل في الدنيا وقال له : هل رأيت ربك ؟ فقال : " نور أنى أراه " ؟ لأن العين لا تدرك في الدنيا الأنوار المخلوقة على حقائقها لأن الإنسان لو حدق ينظر إلى عين الشمس فأدام النظر إلى عينها لذهب أكثر نور بصره فإذا كان الله سبحانه حكم في الدنيا بأن لا تقوم العين بالنظر إلى عين الشمس فأحرى أن لا يثبت البصر للنظر إلى الله تعالى في الدنيا إلا أن يقويه الله تعالى فرؤية الله تعالى في الدنيا قد اختلف فيها . وقد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله عز و جل تراه العيون في الآخرة ... ونحن إنما قصدنا إلى إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة على أن هذه الرواية على المعتزلة لا لهم لأنهم ينكرون أن الله نور في الحقيقة فإذا احتجوا بخبر هم له تاركون وعنه منحرفون كانوا محجوجين " فتأمل قوله : " نور في الحقيقة " وقال رحمه الله : " وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله : ( يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ) من الآيتين ( 36 - 37 / 40 ) كذب موسى عليه السلام في قوله : إن الله سبحانه فوق السماوات " ا.هـ فانظر إلى إثبات المعنى وهل يقول عاقل إن فرعون أنكر في هذا التحدي الفاشل ما لم يفهمه بنفسه ولا يفهمه . وقال : " ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات فلولا أن الله عز و جل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض " ا.هـ ثم قال : " ومما يؤكد أن الله عز و جل مستو على عرشه دون الأشياء كلها ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم روى عفان قال : ثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا ( 1 / 111 ) عمرو بن دينار عن نافع عن جبير عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ينزل ربنا عز و جل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ حتى يطلع الفجر " ا.هـ كيف يمكن أن يكون للنزول دلالة على ما ذكر لو لم يكن مفهوما عنده بمعناه المعروف ؟!! ـ الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ت قال في الشريعة له : " وقال عز وجل : ( وكان بالمؤمنين رحيماً ، تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريماً ) . واعلم رحمك الله إن عند أهل اللغة أن اللقاء لا يكون إلا معاينة يراهم الله عز و جل ويرونه ويسلم عليهم ويكلمهم ويكلمونه " ا.هـ فانظر بم فسر اللقاء ؟ وقال محمد بن الحسين الآجري : " وقد قال الله عز و جل لنبيه صلى الله عليه وسلم ( لتبين للناس ما نزل إليهم لعلهم يتفكرون ) فكان مما بينه لأمته صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات أنه أعلمهم في غير حديث أنكم ترون ربكم عز و جل ورواه عنه جماعة من صحابته رضي الله عنهم وقبلها العلماء عنهم أحسن القبول كما قبلوا عنهم علم الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وعلم الحلال والحرام " فجعل هذه الآية شاملة لنصوص الصفات والناظر في كلامه في كتاب الشريعة يلمس حقيقة الإثبات المنافي للتفويض ـ علي بن عمر بن محمد بن الحسن الحربي ت ففي الحجة في بيان المحجة للأصبهاني أن علي بن عمر قال : " ومن قال العرش ملك أو الكرسي ليس بالكرسي الذي يعرف الناس فهو مبتدع قال الله تعالى : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) والعرش فوق السماء السابعة والله تعالى على العرش قال الله تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقال : ( إني متوفيك ورافعك إلي ) وقال : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وقال : ( أأمنتم من في السماء ) وللعرش حملة يحملونه على ما شاء الله من غير تكييف والاستواء معلوم والكيف مجهول ا.هـ وعلي الحربي هذا قال عنه السبكي الأشعري : " جميع الناس في عصره أجمعوا مع اختلاف آرائهم وتشعب أنحائهم على حسن معتقد هذا الشيخ وزهده وورعه " ا.هـ وقوله : " والعرش فوق السماء السابعة والله تعالى على العرش " سياق صريح في إثبات الفوقية بمعناها الحقيقي ثم استدلاله بالآيات الثلاث ( إليه يصعد الكلم الطيب ) و ( إني متوفيك ورافعك إلي ) و ( تعرج الملائكة والروح إليه ) على فوقيته على عرشه لا يستقيم إلا على ضوء إثبات معاني هذه النصوص وإلا فأين ذِكْر فوقيتة على العرش فيها ؟ ثم قوله " الاستواء معلوم " صريح في أنه غير مجهول المعنى ولا مفوَّض ـ أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه قال الإمام البيهقي : باب قول الله عز و جل : ( أأمنتم من في السماء ) ما جاء في قول الله عز وجل : ( أأمنتم من في السماء ) . قال أبو عبد الله الحافظ : قال الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه : " قد تضع العرب ( في ) بموضع ( على ) قال الله عز وجل : ( فسيحوا في الأرض ) وقال : ( لأصلبنكم في جذوع النخل ) ومعناه : على الأرض وعلى النخل ، فكذلك قوله : ( في السماء ) أي على العرش فوق السماء ، كما صحت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم " ا.هـ فتفسيره لقول الله : ( من في السماء ) بقوله : " أي على العرش فوق السماء " هو إثبات للمعنى بلا خلاف لولا العناد المستحكم لدى المفوضة ـ الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف قال في كتابه الذي سماه " اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات " : " ونعتقد : أن الله عز وجل له عرش وهو على عرشه فوق سبع سمواته بكل أسمائه وصفاته ; كما قال : ( الرحمن على العرش استوى ) " ا.هـ نقله من كتابه الإمام ابن القيم في الاجتماع ص ( 277 ) وابن تيمية في الحموية فتأمل قوله : " بكل أسمائه وصفاته " ـ الإمام أبو منصور الأزهري قال في تهذيب اللغة : " وقال الليث : الحَنَان : الرحمة ، والفعل التحنُّن . قال : والله الحَنَّان المنَّان الرحيم بعباده ومنه قوله تعالى : ( وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا ) ( مريَم : 13 ) أي رحمة من لدنا . قلت : والحَنَّان من أسماء الله تعالى ، جاء على فعّال بتشديد النون صحيح . وكان بعض مشيايخنا أنكر التشديد فيه ؛ لأنه ذهب به إلى الحنين ، فاستوحش أن يكون الحنين من صفات الله تعالى ، وإنما معنى الحنّان : الرحيم من الحَنَان وهو الرحمة ... وقال أبو إسحاق في قوله : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَواةً وَكَانَ ) أي وآتيناه حناناً . قال : والحَنَان : العطف والرحمة . وأنشد : فقالت حنان ما أتى بك هاهنا أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف أي أَمْرُنا حنان أي عطف ورحمة . وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده : ويمنحها بنو شَمَجاى بن جَرْم مَعِيزهم حنانك ذا الحنان يقول رحمتك يا رحمان فأغنني عنهم وقال الفراء في قوله تعالى : و ) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا ( الرحمة ، أي وفعلنا ذلك رحمة لأبويك . قلت : وقولهم : حنانيك معناه : تحنّن عليّ مرة بعد أخرى ، وحناناً بعد حنان ، وأذكِّرك حناناً بعد حنان . ويقال : حَنّ عليه أي عطف عليه ، وحنّ إليه أي نزع إليه . وقال أبو إسحاق : الحَنّان في صفة الله : ذو الرحمة والتعطّف " ا.هـ لا حاجة للتعليق فالمعاني المثبتة صريحة ( التحنن والعطف والتعطف ) وقال الأزهري أيضا في تهذيبه : " وفي حديث أبي رَزِين العُقَيليّ أنه قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ قال : في عَمَاء ، تحته هَوَاء وفوقه هواء . قال أبو عبيد : العَمَاء في كلام العرب : السحاب ، قاله الأصمعي وغيره وهو محدود . وقال الحارث بن حِلِّزةَ : وكأنَّ المنون تَردْى بنا أصْ حَمَ عُصْم ينجاب عنه العماءُ يقول : هو في ارتفاعه قد بلغ السحاب ، فالسحاب ينجاب عنه أي ينكشف . قال أبو عبيد : وإنما تأوّلنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ، ولا ندري كيف كان ذاك العَمَاء . قال : وأمَّا العمى في البصر فمقصور ، وليس هو من هذا الحديث في شيء . قلت : وقد بلغني عن أبي الهيثم وَلم يعزه لي إليه ثقة أنه قال في تفسير هذا الحديث . ولفظه : إنه كان في عمى مقصور . قال وكلّ أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عَمًى . قال : والمعنى : أنه كان حيث لا يُدركه عقول بني آدم ، ولا يَبلغ كنههَ وصف . قلت أنا : والقول عندي ما قاله أبو عُبيد أنه العماء ممدود ، وهو السحاب ولا يُدرى كيف ذلك العَمَاء بصفة تحصُره ولا نعتٍ يَحدّه . ويُقَوِّي هذا القول قول الله جلّ وعزّ : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ) ( البَقَرَة : 210 ) فالغمام معروف في كلام العرب ، إلاّ أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله جلّ وعزّ يوم القيامة في ظُلَل منه فنحن نؤمن به ، ولا نكيِّف صفته . وكذلك سائر صفات الله جلّ وعزّ " ا.هـ فانظر سبحان الله إلى هذا الإثبات للمعنى والتفويض للكيف فهو قد أثبت أن الله سبحانه كان في سحاب قبل خلقه السماوات والأرضين يريد على سحاب لا شيء فوقه ولا شيء تحته كما أثبت أن الله يأتي في غمام حقيقي وهو الغمام المخلوق الذي نعرفه ولم يفوض إلا الكيف وحسبك دليلا على إثباته للمعنى أنه نص على أن الخبرين ( كونه في سحاب ويأتي في غمام ) متقاربا المعنى وذلك عندما قوى خبر العماء ( وهو قبل خلق السماوات ) بخبر الغمام ( وهو في اليوم الآخر ) وقال الأزهري في تهذيبه : " قال الله تعالى: ( فلمَّا آسفُونَا انتَقمْنَا منهم ) معنى آسفونا: أغضَبونا، وكذلك قوله تعالى: ( إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً ) والأسيف والأسِفُ: الغضبان ، وقال الأعشى : أرى رَجُلاً منهمْ أسِيفاً كأَنما ... يَضُمُّ إلى كشَحْيَهْ كَفّا مُخَضّبَا يقول: كأن يده قُطعت فاختضبت بدمها فيغضب لذلك " ا.هـ فهل قوله : " معنى آسفونا ... " يراد به التفويض ؟!!!! وقال في كتاب الزاهر له بعد تعرضه لآية الإسراء : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) فلخص تفسيرها ثم تعرض للباطنية ثم قال : " وكل باطن يدعيه مدع في كتاب الله عز و جل يخالف ظاهر كلام العرب الذي خوطبوا به فهو باطل لانه اذا جاز لهم ان يدعوا فيه باطنا خلاف الظاهر جاز لغيرهم ذلك وهو إبطال للأصل وانما زاغوا عن إنكار القرآن ولاذوا بالباطن الذي تأولوه ليغروا به الغر الجاهل ولئلا ينسبوا الى التعطيل والزندقة " ا.هـ فهو يرد على باطنية الصفات أيضا وهم كل طوائف التعطيل ، وهذه باطنية أخص وقال الأزهري : " لطف : اللَّطيفُ : اسم من أسماء الله العظيم ، ومعناه ، والله أعلم : الرفيق بعباده " ا.هـ وقال في التهذيب : " والبَرُّ من صِفات الله : العَطُوف الرَّحيم اللَّطيف الكَريم " ا.هـ الله أكبر أليس ذكر العطوف تفسيرا هو من صريح المعنى المثبت وقال في الزاهر له : " والودود في أسماء الله عز وجل المحب لعباده من قولهم وددت الرجل أوده وُدَّاً ووِداداً ووَداً " ا.هـ تأمل إثبات المعنى على مقتضى خطاب العرب " من قولهم وددت ..." هذا إثبات للمعنى صريح وقد نقل الأزهري نفس الكلام في موطن آخر وعزاه لابن الأنباري ـ الإمام ابن أبي زيد القيرواني قال ابن أبي زيد : "وأنه يجيء يومَ القيامة بعد أن لم يكن جائياً، والمَلَك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء " قوله : " بعد أن لم يكن جائياً " هو معنى لهذه الصفة تنكره الأشاعرة ـ وقال العلامة ابن أبي زيد في رسالته : " وهو العليم الخبير، المدبّر القدير السميع البصير العلي الكبير، وإنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو بكل مكان بعلمه " ا.هـ هو في المطبوع من رسالته ونقله من رسالته كثير من المالكية . وقال رحمه الله في مختصر المدونة : " وأنه تعالى فوق عرشه بذاته فوق سبع سمواته دون أرضه " نقله من المختصر ابن القيم في اجتماع الجيوش فقوله : " بذاته " هو إثبات للمعنى صريح ـ القاضي عبد الوهاب إمام المالكية بالعراق رحمه اللّه تعالى هو أيضا صرح بأن الله سبحانه استوى على عرشه بذاته نقله عنه القرطبي في الأسنى شرح الأسماء الحسنى نقلا وأبو بكر الحضرمي في رسالته التي سماها بالإيماء إلى مسألة الاستواء وابن القيم في اجتماع الجيوش ونقله شيخ الإسلام عنه في غير موضع من كتبه ونقله غير واحد من المعاصرين من كتابه ـ الإمام أبو عمر الطلمنكي المالكي قال في كتابه في الأصول : " أجمع المسلمون من أهل السنة على أن اللّه استوى على عرشه بذاته. وقال في هذا الكتاب أيضاً: أجمع أهل السنة على أنه تعالى استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز... ثم ساق بسنده عن مالك قوله: اللّه في السماء وعلمه في كل مكان. ثم قال في هذا الكتاب : وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: " وهُوَ مَعَكُم أيْنَما كُنْتُم " سورة الحديد آية 4. ونحو ذلك من القرآن بأن ذلك علمه، وأن اللّه فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء " ا.هـ إثبات الاستواء على الحقيقة ونفي المجاز والتنصيص على فوقية الذات كلاهما صريح في تحقيق المعنى وإثباته . وقال الحافظ في الفتح : " وَقَالَ أَبُو عُمَر الطَّلَمَنْكِيّ : مِنْ تَمَام الْمَعْرِفَة بِأَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى وَصِفَاته الَّتِي يَسْتَحِقّ بِهَا الدَّاعِي وَالْحَافِظ مَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَعْرِفَةُ بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَات وَمَا تَتَضَمَّن مِنْ الْفَوَائِد وَتَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقَائِق ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَم ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لِمَعَانِي الْأَسْمَاء وَلَا مُسْتَفِيدًا بِذِكْرِهَا مَا تَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي " ا.هـ فتأمل تقريره أهمية معرفة الصفات وما تتضمنه وما تدل عليه من الحقائق وإطلاقه هذا على جميع الصفات ، وهذا يبطل مذهب التفويض . ـ الإمام أبو بكر محمد بن موهب التجيبي الحصار المالكي ت 406 هـ قال في شرحه للرسالة : " وأما قوله : إنه فوق عرشه المجيد بذاته ، فإن معنى فوق وعلا عند جميع العرب واحد ، وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديق ذلك قوله تعالى: " ثمَّ اسْتَوَى على العَرْش الرَّحْمنُ " وقال تعالى: " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى " وقال تعالى في وصف خوف الملائكة: " يَخافُونَ ربَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ويفْعَلُونَ ما يُؤمرونَ " وقال تعالى: " إلَيْهِ يصْعَدُ الكلِمُ الطّيّبُ والعملُ الصَالِحُ يرْفعُهُ " ونحو ذلك كثير. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعجمية: أين اللّه؟ فأشارت إلى السماء، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه عرج به من الأرض إلى السماء، ثم من سماء إلى سماء إلى سدرة المنتهى، ثم إلى ما فوقها حتى لقد قال: سمعت صريف الأقلام. ولما فرضت الصلوات جعل كلما هبط من مكانه تلقاه موسى عليه السلام في بعض السموات وأمره بسؤال التخفيف عن أمته، فرجع صاعداً مرتفعاً إلى اللّه سبحانه وتعالى يسأله، حتى انتهت إلى خمس صلوات ... إلى أن قال: وقد تأتي في لغة العرب بمعنى فوق وعلى ذلك قوله تعالى: " فامْشُوا في مَنَاكِبِها " سورة الملك آية 15. يريد فوقها وعليها، وكذلك قوله تعالى: " ولأصلِبَنّكم في جُذوع النخل " سورة طه آية 71. يريد عليها، وقال تعالى: " أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ " سورة الملك آية 16. الآيات، قال أهل التأويل العالمون بلغة العرب: يريد فوقها، وهو قول مالك مما فهمه عن جماعة ممن أدرك من التابعين، مما فهموه عن الصحابة رضي الله عنهم، مما فهموه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله في السماء بمعنى فوقها وعليها، فلذلك قال الشيخ أبو محمد: إنه فوق عرشه المجيد بذاته، ثم بيّن أن علوه على عرشه إِنما هو بذاته لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف، وهو في كل مكان من الأمكنة المخلوقة بعلمه لا بذاته، إذ لا تحويه الأماكن، لأنه أعظم منها، وقد كان ولا مكان، ولم يحل بصفاته عما كان، إذ لا تجري عليه الأحوال، لكن علوه في استوائه على عرشه هو عندنا بخلاف ما كان قبل أن يستوي على العرش لأنه قال: " ثمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش " وثم أبداً لا يكون إلا لاستئناف فعل يصير بينه وبين ما قبله فسحة إلى أن قال: وقوله: " على العَرْشِ اسْتَوَى " فإنما معناه عند أهل السنة على غير الاستيلاء والقهر والغلبة والملك الذي ظنته المعتزلة، ومن قال بقولهم: إنه بمعنى الاستيلاء. وبعضهم يقول: إنه على المجاز دون الحقيقة. قال: ويبين سوء تأويلهم في استوائه على عرشه على غير ما تأولوه من الاستيلاء وغيره ما قد علمه أهل العقول أنه لم يزل مستولياً على جميع مخلوقاته بعد اختراعه لها، وكان العرش وغيره في ذلك سواء، فلا معنى لتأويلهم بإفراد العرش بالاستواء الذي هو في تأويلهم الفاسد استيلاء وملك وقهر وغلبة. قال: وكذلك بيّن أيضاً أنه على الحقيقة بقوله عز وجل: " ومَنْ أصْدَقُ مِنَ اللهِ قيلاً " سورة النساء آية 122. فلما رأى المنصفون إفراد ذكره بالاستواء على عرشه بعد خلق سمواته وأرضه وتخصيصه بصفة الاستواء، علموا أن الاستواء هنا غير الاستيلاء ونحوه، فأقروا بصفة الاستواء على عرشه، وأنه على الحقيقة لا على المجاز لأنه الصادق في قيله، ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله، إذ ليس كمثله شيء من الأشياء.ا.هـ انظر اجتماع الجيوش ص 156 وص 187 والعلو 264 هذا السيل من إثبات المعاني لايمكن أن تصمد أمامه شبهات التفويض ـ الإمام محمد بن أبي زمنين المالكي قال عن حديث النزول : " وهذا الحديث بيّن أن الله عز وجل على عرشه في السماء دون والأرض ، وهو أيضا بيّنٌ في كتاب الله ، وفي غير ما حديث عن رسول الله " ا.هـ فكيف حديث النزول يبين أن الله على العرش في السماء دون الأرض لو كان معناه مفوضا ؟!! وكيف يكون هذا المعنى بينا في النصوص كما ادعى ابن أبي زمنين لو كانت مفوضة ؟!! وقال الإمام ابن أبي زمنين : " ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ، ثم استوى عليه كيف شاء ، كما أخبر عن نفسه " ا.هـ فأثبت ارتفاع الرب على عرشه وهذا إثبات للمعنى وذكر الإمام ابن أبي زمنين حديث أبي رزين ( كان الله في عماء ) ثم قال : " [ العماء ] السحاب الكثيف المطبق فيما ذكر الخليل " ا.هـ وهذا ينافي التفويض وقال رحمه الله : " ومن قول أهل السنة : أن الكرسي بين يدي العرش وأنه موضع القدمين " ا.هـ لم يرد ذكر الكرسي وأنه موضع القدمين إلا في آثار السلف وهذا من أظهر الأدلة على الإثبات وقال ابن أبي زمنين : " ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل [ بائن ] من | خلقه ، محتجب عنهم بالحجب " ا.هـ وقال رحمه الله : " ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل ينزل إلى سماء | السماء الدنيا ، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حدا ... وأخبرني وهب [ عن ] ابن ضاح عن زهير بن عباد قال : كل من | أدركت من المشايخ : مالك وسفيان وفضيل بن عياض وعيسى وابن | المبارك ووكيع كانوا يقولون : [ النزول ] حق " ا.هـ فهو نزول حقيقي عند هذا الإمام ومن نقل عنهم من السلف وقال ابن أبي زمنين : " ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل يحاسب عباده | يوم القيامة ويسألهم مشافهة منه إليهم ، وقال عز وجل : ^ ( يوم يجمع | الله الرسل فيقول : ماذا أجبتم ..." ا.هـ فقوله : " مشافهة " هو منه تناول صريح للمعنى بلا خلاف ويناقض التفويض ـ الإمام عبيد الله ابن بطة : قال مخاطبا الجهمية نفاة الفوقية : " قلنا أما قولكم إنه لا يكون على العرش لأنه أعظم من العرش فقد شاء الله أن يكون على العرش وهو أعظم منه قال الله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء ) وقال : ( وهو الله في السماوات ) ثم قال : ( وفي الأرض يعلم ..) فأخبر أنه في السماء وأنه بعلمه في الأرض ، وقال : ( الرحمن على العرش استوى ) وقال : ( ثم استوى على العرش الرحمن ) وقال : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) فهل يكون الصعود إلا إلى ما علا " ا.هـ تأمل إثبات المعنى وقال : " لكنا نقول إن ربنا تعالى في أرفع الأماكن وأعلى عليين قد استوى على عرشه فوق سماواته وعلمه محيط بجميع خلقه يعلم ما نأى كما يعلم ما دنى ويعلم ما بطن كما يعلم ما ظهر كما وصف نفسه تعالى " وقال ابن بطة في الشرح والإبانة : " ( بَعْضُ اَلصِّفَاتِ اَلْخَبَرِيَّةِ ) : ثُمَّ اَلْإِيمَانُ وَالْقَبُولُ وَالتَّصْدِيقُ بِكُلِّ مَا رَوَتْهُ اَلْعُلَمَاءُ وَنَقَلَهُ اَلثِّقَاتُ أَهْلُ اَلْآثَارِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَيَلْقَاهَا بِالْقَبُولِ وَلَا تُرَدُّ بِالْمَعَارِيضِ وَلَا يُقَالُ لِمَ وَكَيْفَ وَلَا تُحْمَلُ عَلَى اَلْمَعْقُولِ وَلَا تُضْرَبُ لَهَا اَلْمَقَايِيسُ وَلَا يُعْمَلُ لَهَا اَلتَّفَاسِيرُ إِلَّا مَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْأُمَّةِ مِمَّنْ قَوْلُهُ شِفَاءٌ وَحُجَّةٌ مِثْلُ أَحَادِيثِ الصفات وَالرُّؤْيَةِ. وَمِثْلُ مَا رُوِيَ أَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - يَضَعُ اَلسَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبُعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبُعٍ . وَأَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - يَضَعُ قَدَمَهُ فِي اَلنَّارِ فَتَقُولُ. قَطْ قَطْ. وَقُلُوبُ اَلْعِبَادِ بَيْنَ إِصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اَلرَّحْمَنِ. وَأَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - عَلَى اَلْعَرْشِ. وَلِلْعَرْشِ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ اَلرَّحْلِ اَلْجَدِيدِ . وَأَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - أَخَذَ اَلذُّرِّيَّةَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِيَدِهِ اَلْيُمْنَى وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ, فَقَالَ هَذِهِ لِهَذِهِ وَلَا أُبَالِي . وَلَا يُقَبَّحُ اَلْوَجْهُ فَإِنَّ اَللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. وَقَالَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَيْتُ رَبِّي فِي صُورَةِ كَذَا. قَدْ رَوَى هَذِهِ اَلْأَحَادِيثَ اَلثِّقَاتُ مِنْ اَلصَّحَابَةِ وَالسَّادَاتُ مِنْ اَلْعُلَمَاءِ مِنْ بَعْدِهِمْ مِثْلُ اِبْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ. وَأَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ اَلدُّنْيَا. لَا يُقَالُ لِهَذَا كُلِّهِ كَيْفَ وَلَا لِمَ بَلْ تَسْلِيمُهَا لِلْقُدْرَةِ وَإِيمَانًا بِالْغَيْبِ كُلَّمَا عَجَزَتْ اَلْعُقُولُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ فَالْعِلْمُ بِهِ وَعَيْنُ اَلْهِدَايَةِ فِيهِ اَلْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ وَتَصْدِيقُ رَسُولِ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا قَالَهُ هُوَ أَصْلُ اَلْعِلْمِ وَعَيْنُ اَلْهِدَايَةِ لَا تُضْرَبُ لِهَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ وَمَا شَاكَلَهَا اَلْمَقَايِيسُ وَلَا تُعَارَضُ بِالْأَمْثَالِ وَالنَّظَائِرِ" ا.هـ انظر إلى قوله : " إِلَّا مَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْأُمَّةِ مِمَّنْ قَوْلُهُ شِفَاءٌ وَحُجَّةٌ " وقال ابن بطة العكبري في الإبانة : " فقيل للحلولية لم أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش وقال الله تعالى الرحمن على العرش استوى وقال ثم استوى على العرش الرحمن فسأل به خبيرا فهذا خبر الله أخبر به عن نفسه وأنه على العرش " ا.هـ وقال ابن بطة : " ومن ذلك قول النبي عجب ربك من شاب ليس له صبوة أي إن الله محب له راض عنه عظيم قدره عنده " وقال : " باب الإيمان بالتعجب وقالت الجهمية إن الله لا يعجب ثم قال : والتعجب على وجهين : أحدهما : المحبة بتعظيم قدر الطاعة والسخط بتعظيم قدر الذنب ومن ذلك قول النبي عجب ربك من شاب ليس له صبوة أي إن الله محب له راض عنه عظيم قدره عنده . والثاني : التعجب على معنى الاستنكار للشيء وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لأن المتعجب من الشيء على معنى الاستنكار هو الجاهل به الذي لم يكن يعرفه فلما عرفه ورآه استنكره وعجب منه وجل الله أن يوصف بذلك ا.هـ والأول في هذا الشرح بمعنى الإعجاب ، وأما الآخر فبمعنى التعجب وتحقيق المعنى في كلامه ظاهر ـ الإمام علي بن عمر الدارقطني ت385 هـ قال رحمه الله : " حديث الشفاعة في أحمد .. إلى أحمد المصطفى نسنده . فأما حديث إقعاده .. على العرش فلا نجحده . أمروا الحديث على وجهه .. و لا تدخلوا فيه ما يفسده . و لا تنكروا أنه قاعد .. و لا تجحدوا أنه يقعده " ا.هـ روى هذه الأبيات عنه أبو محمد الدشتي في " إثبات الحد " محمد بن علي الحربي : أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله : ... فذكرها وراها الذهبي في العلو فقال : أنبأني أحمد بن سلامة عن يحيى بن يونس أنبأنا ابن كادش أنشدنا أبو طالب العشاري أنشدنا الدارقطني رحمه الله تعالى ... ومدار هاتين الروايتين على ابن كادش وفيه كلام ولا يصح اتهامه بالوضع فقد ذكر حديثا واحدا واعترف به وتاب لكن جاءت من غير طريقه فقد ذكر الأبيات القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات و قال : " وقد أنشد أبوطالب العشاري هذه الأبيات عن الدارقطني ..." والعشاري الذي عليه مدار هذه الأبيات هو تلميذ الإمام الدارقطني إمام ثقة مكثر . قال عنه الخطيب كما في تاريخ بغداد وهو تلميذ العشاري وأعرف به من غيره قال عنه : " كتبت عنه، وكان ثقةً صالحاً " . وقال ابن أبي يعلي في طبقات الحنابلة : " كان العشارى من الزهاد " وقال السمعاني : " كان صالحا سديد السيرة مكثرا من الحديث " ا.هـ ووثقه ابن الجوزي فقال : " وكان ثقة دينا صالحا " وقال الذهبي : " كان فقيها عالما زاهدا خيّرا مكثرا " وقال عنه : " الشيخ الجليل، الأمين " وقال ابن كثير : " وكان ثقة دينا صالحا " ووثقه الحافظ ابن ناصرالدين الدمشقي وكذا وثقه السيوطي وقال ابن العماد عنه : " الصالح ... كان فقيها حنبليا .. وكان خيرا عالما زاهدا " وترجم له الصفدي وذكر صلاحه عن الخطيب ولم يجرحه ومن صلاحه أنه كان يُستسقى به في صلاة الاستسقاء فرجل يُعدّل كل هذا التعديل هو ثقة حجة . وقد تكلم فيه الإمام الذهبي بمحض الظن وبما لم يسبق به وبما يعارض كلام كل من سبقه فقال كما في الميزان : " شيخ صدوق معروف، لكن أدخلوا عليه أشياء فحدث بها بسلامة باطن، منها حديث موضوع في فضل ليلة عاشوراء ومنها عقيدة للشافعي " ا.هـ ثم ذكر الذهبي حديثا آخر كمثال على ما أدخل على العشاري فقال : " ومنها: قال: حدثنا ابن شاهين، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا شاذان، حدثنا سعد بن الصلت، حدثنا هارون بن الجهم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن على، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة فأمر عليا أن يضرب أعناقهم، فهبط جبرائيل فقال: لا تضرب عنق هذا. قال: لم ؟ قال: لانه حسن الخلق سمح الكف. قال: يا جبرائيل، أشئ عنك أو عن ربك ؟ قال: بل ربى أمرنى بذلك. هارون أيضا ليس بمعتمد " ا.هـ ثم ساق الذهبي حديث فضل عاشوراء الذي ظن أنه أدخل على العشاري ثم قال : قلت : " ليس بحجة " ا.هـ وهذا من الذهبي اجتهاد خاطئ ومجرد ظنون لا تستند على أي برهان ولا يوافقه عليه باحث متخصص بعد معرفة ما سأذكره فأما حديث فضل عاشوراء فقد ذكره الذهبي نفسه في الموضوعات ولم يتهم به العشاري كما في تلخيصه وقال الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي في رسالته اللفظ المكرم في فضل عاشوراء المحرم عن الحديث نفسه : " قال أبو طالب محمد بن علي العشاري : ثنا أبو بكر أحمد بن منصور النوشري ثنا أحمد بن سلمان الحنبلي ثنا إبراهيم الحربي ثنا شريح بن النعمان ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً : إن الله - عز وجل - افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة وهو يوم عاشوراء ، وهو اليوم العاشر من المحرم فصوموه ووسعوا على أهليكم فيه وذكر الحديث مطولاً ... ثم قال الإمام ابن ناصر الدين : " وهذا حديث موضوع قبح الله من وضعه وافتراه فلقد تبوأ بيتاً في جهنم يصير مأواه . ولا تحل روايته إلا لهتك حاله وإظهار المتهم من بين رجاله ، ورجال الحديث ثقات إلا النوشري المذكور وهو أحمد بن منصور بن محمد بن حاتم فإني أتهمه به والله تعالى أعلم " ا.هـ فمع أن النوشري وثقه الخطيب والسمعاني ومع ذلك اتهمه الإمام ابن ناصرالدين به ولم ينزهه من تبعة الوضع باعتبار أنه أدخل عليه وإنما اتهمه به ولم يتهم الإمام العشاري بل برأه ووثقه ضمن بقية رجال السند وأيضا السيوطي في اللآلئ ساقه من طريق العشاري ثم قال : " ورجاله ثقات والظاهر أن بعض المتأخرين وضعه وركبه على هذا الإسناد " فبرأ الإمام العشاري واتهم به غير رجال السند وفي هذا مبالغة في التبرئة وفي تنزيه الشريعة لابن عراق بعد نقله لكلام الذهبي من الميزان قال : " وفي سنده أبو بكر النجاد وقد عمى بأخرة وجوز الخطيب أن يكون أدخل عليه شيء فيحتمل أن يكون هذا مما أدخل عليه والله أعلم " وهذا أخذه ابن عراق عن ابن حجر فقد قال في اللسان : " قلت وقد تقدم في ترجمة النجاد أنه عمي بآخره وأن الخطيب جوز ان يكون ادخل عليه شيء وهذا التجويز محتمل في حق العشاري أيضا وهو في حق ابن أبي الزناد بعيد فقد وثقه مالك وعلق له البخاري بالجزم والعلم عند الله تعالى " ا.هـ فلماذا جعل الحافظ ابن حجر الوضع من جهة العشاري مجرد احتمال ومن باب أنه أدخل عليه لا أنه مقطوع به كاحتمال أن يكون أدخل على النجاد ؟ لماذا هذا التنزيه للعشاري حتى في هذا المقام ؟ مع أن ابن حجر ذكر هذا الاحتمال في حق العشاري تأثرا بالذهبي عند تعليقه على الميزان هذا دليل على أنه يرى براءته من أي اتهام ويرى أن إدخال شيء عليه ليس أمرا طبيعيا وأنه ثقة معتبر . بالله عليكم لو كان العشاري متهما أو محل ريب وشك أو هو مظنة إلصاق الموضوعات وإدخالها من جهته هل يجوز مع هذا الشك في غيره كالشك في إدخالها من جهة الإمام النجاد كما احتمل ابن حجر وابن عراق ؟!! .. أو الشك بل الجزم في إدخالها من جهة أحمد بن منصور النوشري كما جزم الحافظ ابن ناصر الدين أو الشك في أنه مركب من قبل بعض المتأخرين دون أن يكون للعشاري فيه دخل كما رجح السيوطي وأيضا لم يلق ابن الجوزي بتبعة الوضع على العشاري مع جزمه بوضع الرواية فبالله عليكم هل هذا المثال يصلح للطعن به في مرويات رجل كالعشاري وثق كل ذلك التوثيق ؟! وأما الحديث الآخر السابق عن حسن الخلق الذي ذكره الذهبي على أنه قد يكون أدخل على العشاري فقد أبان الذهبي في نفس المقام أن إدخال هذه الرواية من قبل أحد الوضاعين على العشاري هو مجرد ظن واحتمال من الذهبي وذلك عندما ذكر أن راويه هارون بن الجهم " ليس بمعتمد " مشيرا إلا أن تبعة الوضع قد تناط به وهذا يمثل تذبذبا من الذهبي في إلقائه التبعة على العشاري وما بمثل هذه التذبذبات ترد توثيقات الأئمة لمثل العشاري الإمام والمحدث المكثر وقد أورد نفس الرواية الإمام ابن الجوزي في العلل المتناهية من طريق العشاري أبي طالب العشاري قال اخبرنا ابن شاهين قال نا عبد الله بن سليمان قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم شاذان قال حدثنا سعد بن الصلت قال نا هارون بن الجهم عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي بن ابي طالب قال : أُتي رسول الله ( ص ) بسبعة من الاسارى فأمر عليا ان يضرب اعناقهم قال فهبط جبريل فقال يا محمد اضرب اعناق هؤلاء الستة ولا تضرب عنق هذا قال يا جبريل لم قال لانه كان حسن الخلق سمح الكف مطعما للطعام قال يا جبريل اشيء عنك او عن ربك قال ربي امرني بذلك ثم قال ابن الجوزي : " هذا حديث لا يصح وسعد وهارون مجهولان " فنزه بهذا الإعلال الإمامَ العشاري وأبعده عن تبعة دخول الوضع من جهته . وهارون بن الجهم لا يبعد أن يكون شيعيا فله رواية في كتبهم وهو بالإضافة إلا أنه غير معروف الحال فهو يخالف ويروي المنكرات ذكره العقيلي في الضفاء وذكر أنه يخالف في حديثه وكذا الذهبي أورده في كتابه : " المغني في الضعفاء " والناظر في رواياته لا يجد حرجا في اتهامه بهذا الحديث أما سعد فهو قاض معروف لكنه لم يوثق في الرواية إلا من قبل ابن حبان وذكر أنه " ربما أغرب " لكنه لا يتهم وعلى كل حال فالعشاري ثقة إمام لا يقارن بهارون ولا بسعد فلا وجه لاحتمال الذهبي وأما جزء الاعتقاد الذي رواه فهو لم يتفرد به برمته واعتمد غير واحد من السلف ما هو مثبت في هذه العقيدة كالموفق ابن قدامة في كتاب صفة العلو ص124 أو ذم التأويل , وابن أبي يعلى في الطبقات 1/283 , وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص165 , والذهبي نفسه في السير 10/79 وقرئت على الإمام الحافظ ابن نصر الدمشقي كما نقله أحد الباحثين وذكر جملة منها أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الكرجي فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْفُصُولُ فِي الْأُصُولِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ إلْزَامًا لِذَوِي الْبِدَعِ وَالْفُضُولِ " وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ ... قَالَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْمُعْتَقَدَ بِالدَّلَائِلِ فَقَالَ " لِلَّهِ أَسْمَاءٌ وَصَفَاتٌ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ ؛ وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ أُمَّتَهُ ؛ لَا يَسَعُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ رَدُّهَا - إلَى أَنْ قَالَ - نَحْوَ إخْبَارِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إيَّانَا أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ لِقَوْلِهِ : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } وَأَنَّ لَهُ يَمِينًا بِقَوْلِهِ : { وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا لِقَوْلِهِ : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ } وَقَوْلُهُ : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } وَأَنَّ لَهُ قَدَمًا لِقَوْلِهِ : { حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ فِيهَا قَدَمَهُ } يَعْنِي جَهَنَّمَ . وَأَنَّهُ يَضْحَكُ مِنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : إنَّهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ يَضْحَكُ إلَيْهِ } وَأَنَّهُ يَهْبِطُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْوَرَ { لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ : إنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ } وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَأَنَّ لَهُ إصْبَعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ قَلْبٍ إلَّا وَهُوَ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ } . قَالَ : " وَسِوَى مَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ أَحَادِيثُ جَاءَتْ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِيدِ وَتَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ عن مجموع الفتاوى ونقل طرفا منها مختصرا عن ابن أبي حاتم الإمام ابن القيم في الاجتماع وطرف منها مقارب جاء من طريق الهكاري ما أظن صادقا يطلع على كل هذا العرض لكلام الأئمة ثم يجعل من هذه الرواية مصدر طعن على العشاري الذي تتابع الأئمة على توثيقه وخاصة من تلميذه الآخذ عنه والمعاصر له والأعلم من بين كل من تكلم عن حاله وهو الخطيب فسامح الله الذهبي لم يتكلم بحجة وله في هذه الناحية أخطاء فهو يشكك في صحة بعض الكتب بنحو هذه الاحتمالات التي لم يسبق إليها ولا يوافقه عليها غيره ولا يقبلها باحث مؤصل منصف ومن هذا ما ذكره في السير عن كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد فإنه قد عنه : " ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد الله (1)، فإن الرجل كان تقيا ورعا لايتفوه بمثل ذلك ، ولعله قاله " فانظر كيف جزم بوضع الكتاب وفي آخر العبارة نفسها نقض هذا الجزم وقال بإمكانية صحة الكتاب عندما قال : ولعله قاله ثم في نفس الكتاب ( السير ) نقل عن ابن الجوزي أن أحمد كتب الكتاب وأقره بعدم اعتراضه بل في كتابه تاريخ الإسلام عند ترجمته للامام احمد بن حنبل نقل طرفا من كتاب الرد على الجهمية معتمدا له ونقَل نقْل المحتج ومثال آخر : محمد بن علي بن سهل اتهمه الذهبي بوضع حديث ثم في نفس المقام احتمل أنه أدخل عليه مع أن في نفس إسناد الحديث الذي اتهمه به رجل متهم بالوضع وآخر متروك وهو أصبغ بينما محمد بن علي بن سهل فيه بعض الضعف وهو وهو شيخ ابن عدي قال عنه ابن عدي " وله غير هذا من الحديث ما كتبناه عنه مستقيمة وسألت عنه بمرو فأثنوا عليه خيرا وأرجو أن لا بأس به " فصنيع الإمام الذهبي لايستقيم في أصول هذا الباب وفي حق راو آخر نقل الذهبي عن ابن النجار اتهامه بالوضع وبين الحافظ خطأ الذهبي في العبارة وأنه نقل ما نقله دون أن يقف على كلام ابن النجار وكل هذا بصراحة يوجب عدم اعتبار ما يذكره الذهبي مما لم يسبق إليه في مثل هذه المسائل وخاصة عندما يكون كلامه مخالفا لمن سبقه فضلا عن أنه لم يسبق إليه وفي الرواية السابقة ذكر الإمام الذهبي بمجرد الظن ما خالف به من سبقه بما لم يسبق إليه وعليه فالعشاري ثقة إمام بلا إشكال مع أننا لو سلمنا ببعض ما قاله الذهبي في العشاري من أنه أدخل عليه حديث أو اثنان فهذا لا يمنع من قبول رواياته في الأصل فكم من إمام وُصف ببعض هذا ولم يكن ذلك مانعا من قبول رواياته فهذا الحافظ ابن أبي عمر العدني صاحب المسند قال أبو حاتم عن زيادة رواها : «وكان بشر بن السري ثبتاً، فليته أن لا يكون أُدخِل على ابن أبي عمر» ومع أنه كان فيه نوع غفلة ومع هذا لم ترد رواياته وكذا أحمد بن المفضل ، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب وعبد العزيز بن معاوية ، ومحمد بن عبد الله بن المثنى ، وأحمد بن سعيد الهمداني وأحمد بن محمد بن السندي، وأبو الفوارس بن الصابونى المصرى . فكيف والعشاري لم يثبت أنه أدخلت من جهته روايات موضوعة ثم الذين يحاولون استغلال كلام الذهبي الخاطئ ويضعفون بسببه بعض مرويات العشاري العقدية التي تخالف عقائدهم هم قد فتحوا بابا خطيرا على أنفسهم فهو نفسه الإمام العشاري قد روى كتبا علمية كثيرة يعتمدها هذا المخالف نفسه فهو قد روى : ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم للدارقطني ، والترغيب لابن شاهين والإلزامات والتتبع للدارقطني ، وجزء من حدث ونسي للدارقطني والعيدين لابن أبي الدنيا ، والعزاء لابن أبي الدنيا وفضل الصدقة بل جملة كبيرة من كتب ابن أبي الدنيا والعرش لابن أبي شيبة والأحاديث التي خولف فيها مالك ، وجملة من المصنفات الأخرى فاربعوا على أنفسكم ياقوم وما هكذا تورد الإبل !! والغريب أن الجزء الذي رواه عن الشافعي في الاعتقاد خصومنا أنفسهم في روايات مماثلة لكلام الشافعي في بعض الكتب الثابتة لا نجدهم يستنكرون الكلام لأنه ثابت واستنكارهم يكشف حقيقتهم فيقولون مخاصمة لنا نحن لا ننكره والمراد منه التفويض بينما هنا والكلام نحوه يصفونه بالتجسيم و يسبون لأجله العشاري ويضللونه فسبحان الخلاق العليم !!! ومن كل ما تقدم يتبين لك صحة الأبيات عن الدارقطني وقد عزا القول بمقتضاها للدارقطني الشّهاب الخفاجيّ في حاشيته على «الشّفا» وقد ذكر قول الدارقطني هذا كثير من المفسّرين عند قوله ـ تعالى ـ : ?عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا?؛ فممّن ذكره في تفسيره: الإمام أبو جعفر ابن جرير الطّبريّ في تفسيره «جامع البيان»، ومنهم: الإمام الشّيخ علي البغداديّ ـ المعروف بالخازن ـ ، ومنهم: الإمام الحافظ جلال الدّين السّيوطيّ في تفسيره «الدّر المنثور في التّفسير بالمأثور»، ـ الإمام يحيى بن عمار السجزي رحمه اللّه تعالى قال في رسالته التي في السنة : " بل نقول هو بذاته على العرش، وعلمه محيط بكل شيء، وسمعه وبصره وقدرته مدركة لكل شيء، وهو معنى قول اللّه تعالى: " وهو معكم " ا.هـ قال ابن القيم : " ورسالته موجودة مشهورة " نقله عن يحيى الإمام التيمي في الحجة في بيان المحجة ج2/ص109 وابن القيم في اجتماع الجيوش ص (279) وهذا إثبات صريح للمعنى ـ ع الإمام الخطابي قال البيهقي رحمه الله : " قال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه : الحنان معناه ذو الرحمة والعطف ، والحنان مخففا الرحمة " ا.هـ وقال البيهقي شارحا أسماء الله : " وَمِنْهَا الْجَمِيلُ. ... وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْجَمِيلُ هُوَ الْمُجَمِّلُ الْمُحَسِّنُ ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَعِّلٍ ، وَقَدْ يَكُونُ الْجَمِيلُ مَعْنَاهُ ذُو النُّورِ وَالْبَهْجَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ " ا.هـ مع أن البيهقي حاول أن يؤول عبارة الخطابي بما يوافق مذهبه !! بالله ألم يقل النبي عن الله : " جميل " في مقام الجواب عمن سأل عن الحسن والجمال المعروف ؟ ألا يكون لوصفه بهذا في سياق كهذا أي معنى ؟ وهل فهم الصحابي جواب النبي ؟ وإذا علمت أن الجهمية الذين كانوا يعذبون الإمام أحمد كانوا ينكرون صفة الجمال كما سأبينه في فرصة لاحقة تبين لك أن إثبات الجمال وتحقيق معناه بالبهجة والنور هو من الإثبات الصريح للمعنى وإن كان الخطابي صاحب اضطراب في الصفات لكني ذكرت كلامه من باب الاعتراف وهكذا من أذكرهم ممن يحسبون على الأشاعرة أذكر كلامهم من باب اعترافهم ـ ع الإمام الثعلبي قال الإمام الثعلبي في تفسيره المسمى بالكشف والبيان : " وتعلقت الجهمية والمعتزلة بهذه الآية ، استدلوا منها على إن الله بكل مكان ، قالوا : لمّا قال ( وَهُوَ مَعَهُمْ ) ثبت إنه بكل مكان لأنه قد اثبت كونه معهم وقال لهم حق قوله وهو معهم إنه يعلم ما يقولون ولا يخفى عليه فعلهم لأنه العالم بما يظهره الخلق وبما يستره ، وليس في قوله وهو معهم ما يوجب إنه بكل مكان لأنه قال ( أأمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ ) ولم يرد قوله إنه في السماء يَعني غير الذات لأن القول : أنّ زيداً في موضع كذا من غير أن يعتد بذكر فعل أو شيء من الأشياء لايكون إلاّ بالذات ، وقال تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقال : ) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ( فأخبر أنه ( يرفع ) الأشياء من السماء ولا يجوز أن يكون معهم بذاته ثم يدبر الأمر من السماء وإليه يصعد الكلم الطيب " ا.هـ ولم يثبت الثعلبي في مواطن أخرى من كتابه على هذا القول ، لكن هذا الكلام منه يمثل اعترافا مهما باعتباره متأثرا بالأشاعرة . ـ الإمام أبو نصر الوائلي السجزي ت 444 هـ قال رحمه الله في كتابه الإبانة : " وأئمتنا كالثوري. ومالك. وابن عيينة. وحماد بن زيد. والفضيل وأحمد. وإسحاق متفقون على أن اللّه فوق العرش بذاته، وأن علمه بكل مكان " ا.هـ وقوله : بذاته كافٍ في إثبات المراد وعن كتابه الإبانة نقله الذهبي في العلو 248 ، وابن القيم في اجتماع الجيوش . ـ الإمام الحافظ أبو عمرو ابن عبد البر رحمه الله ت 463 هـ قال في كتابه التمهيد بعد ذكره لحديث الجارية : " معاني هذا الحديث واضحة يستغنى عن الكلام فيها ، وأما قوله : " أين الله ؟ فقالت في السماء " فعلى هذا أهل الحق لقول الله عز و جل : ( آمنتم من في السماء ) ولقوله : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) ولقوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) ومثل هذا في القرآن كثير قد أتينا عليه في باب ابن شهاب في حديث النزول . وفيه رد على المعتزلة وبيان لتأويل قول الله عز و جل : ( الرحمان على العرش استوى ) ولم يزل المسلمون في كل زمان إذا دهمهم أمر وكربهم غم يرفعون وجوههم وأيديهم إلى السماء رغبة إلى الله عز و جل في الكف عنهم " ا.هـ وبنحوه في الاستذكار وقال ابن عبد البر في الاستذكار عن حديث النزول : " وفي هذا الحديث دليل على أن الله عز و جل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات وعلمه في كل مكان كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر وحجتهم ظواهر القرآن في قوله ( الرحمن على العرش استوى ) كما قال ( لتستوا على ظهوره ) وقوله ( واستوت على الجودى ) و ( استويت أنت ومن معك على الفلك ) قال الله عز و جل ( ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ) وقال ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) ( فأوردتهم ماء بفيفاء قفره ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى ) وقال عز و جل ( ءأمنتم من في السماء ) على السماء كما قال ( في جذوع النخل ) أي عليها وقال ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه ) وقال ( ذى المعارج ) والعروج الصعود وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وقد أوضحنا فساد ما ادعوه من المجاز فيها في التمهيد وذكرنا الحجة عليهم بما حضرنا من الأثر من وجوه النظر هناك بباب فيه كتاب مفرد والحمد لله . ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبها إذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء ومن الحجة فيما ذهبت إليه الجماعة أن الموحدين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو دهمهم غمر أو نزلت بهم شدة رفعوا أيديهم إلى السماء يستغيثون ربهم ليكشف ما نزل بهم ولا يشيرون بشيء من ذلك إلى الأرض ولولا أن موسى ( عليه السلام ) قال لهم إلهي في السماء ما قال فرعون ( يهمن بن لى صرحا لعلى أبلغ الأسبب أسبب السموت فأطلع إلى إله موسى ) " ا.هـ وقال ابن عبد البر عن التجلي وهو صفة لله : " وفي قول الله عز و جل : ( فلما تجلى ربه للجبل ) دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التنزيل ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عز و جل فلما تجلى ربه للجبل فلينظر في تفسير بقي بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق " ا.هـ وقال في التمهيد : " وأما احتجاجهم لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق !! فشيء لا يلزم ولا معنى له لأنه عز و جل ليس كمثله شيء من خلقه ولا يقاس بشيء من بريته لا يدرك بقياس ولا يقاس بالناس لا إله إلا هو كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسموات والأرض وما بينهما وهو الباقي بعد كل شيء وخالق كل شيء لا شريك له وقد قال المسلمون وكل ذي عقل أنه لا يعقل كائن لا في مكان منا وما ليس في مكان فهو عدم " ا.هـ ثم قال : " فإن قيل : فهل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان قيل له أما الإنتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا وكذلك نقله لا يوجب مكانا وليس في ذلك كالخلق لأن كون ما كونه يوجب مكانا من الخلق ونقلته توجب مكانا ويصير منتقلا من مكان إلى مكان والله عز و جل ليس كذلك لأنه في الأزل غير كائن في مكان وكذلك نقلته لا توجب مكانا وهذا ما لا تقدر العقول على دفعه ولكنا نقول استوى من لا مكان إلى مكان ولا نقول انتقل وإن كان المعنى في ذلك واحدا ألا ترى أنا نقول له العرش ولا نقول له سرير ومعناهما واحد ونقول هو الحكيم ولا نقول هو العاقل ونقول خليل إبراهيم ولا نقول صديق إبراهيم وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن " ا.هـ ـ الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة قال في كتاب الرد على الجهمية : " ذكر ما يستدل به من كلام النبي صلى الله عليه و سلم على أن الله جل وعز خلق آدم عليه السلام بيدين حقيقة " ا.هـ وإثبات اليدين على الحقيقة يضاد التفويض وقال رحمه الله في الرد على الجهمية : " ومعنى وجه الله عز و جل ها هنا على وجهين : أحدهما وجه حقيقة والآخر بمعنى الثواب . فأما الذي هو بمعنى الوجه في الحقيقة ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم في حديث أبي موسى وصهيب وغيرهم مما ذكروا فيه الوجه وسؤال النبي صلى الله عليه و سلم بوجهه جل وعز واستعاذته بوجه الله وسؤاله النظر إلى وجهه جل وعز وقوله صلى الله عليه و سلم لا يسأل بوجه الله وقوله أضاءت السماوات بنور وجه الله وإذا رضي عز و جل عن قوم أقبل عليهم بوجهه جل وعز وكذلك قول الله جل وعز إلى ربها ناظرة القيامة وقول الأئمة بمعنى إلى الوجه حقيقة الذي وعد الله جل وعز ورسوله الأولياء وبشر به المؤمنين بأن ينظروا إلى وجه ربهم عز و جل واما الذي هو بمعنى الثواب فكقول الله عز و جل إنما نطعمكم لوجه الله الإنسان وقوله جل وعز ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الأنعام وما أشبه ذلك في القرآن وقول النبي صلى الله عليه و سلم ما قائل يلتمس وجه الله وما أشبه ذلك مما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم فهو على معنى الثواب " ا.هـ فالوجه من الصفات الخبرية وقد أثبته الإمام على الحقيقة وقال ابن مندة في التوحيد : " ومن أسمائه الرحيم قال أهل التأويل معناه : البالغ في الرحمة أرحم الراحمين ، الرفيق الرقيق " ا.هـ شرح الرحمة بالرفق والرقة هو من إثبات المعنى وسواء أصاب ابن مندة في تعبيره عن معنى الرحمة أم لا فهو بما ذكره قد بين أنه يثبت معاني الصفات الخبرية ولا يفوضها لأن الرحمة من الصفات الخبرية وقال : " معنى الودود : [ ذو ] الحب الشديد لأوليائه " ا.هـ فهذا إثبات صريح للمعنى . الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن شاقلا البزار ت 369 هـ قال الإمام أبو إسحاق ابن شاقلا البزار في مناظرته مع أحد الأشاعرة والتي حكاها بنفسه فقال فيها : " ثم قلت له : هذه الأحاديث [ يعني أحاديث الصفات التي تؤولها الأشاعرة ] تلقاها العلماء بالقبول ، فليس لأحد أن يمنعها ولا يتأولها ولا يسقطها ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان لها معنى عنده غير ظاهرها لبينه ولكان الصحابة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن معنى غير ظاهرها ، فلما سكتوا وجب علينا أن نسكت حيث سكتوا ونقبل طوعاً ما قبلوا. فقال لي : أنتم المشبهة !! فقلت : حاشا لله ، المشبه الذي يقول : وجه كوجهي ويد كيدي فأما نحن فنقول : له وجه كما أثبت لنفسه وجها وله يد كما أثبت لنفسه يداً وليس كمثله شئ وهو السميع البصير ومن قال هذا فقد سلم " ا.هـ فكلامه صريح بأن لها معنى مثبت وهو ظاهرها ، وتفسيره لمفهوم التشبيه موضح لمراده أيضا . وباقي مناظرته دالة على هذا بوضوح نقلها ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة قال : " قرأت بخط الوالد السعيد قال: نقلت من خط أبي بكر بن [ شكا أو شكاثا ] قال: أخبرنا أبو إسحاق بن شاقلا قراءة عليه قال : ... " ا.هـ ـ الإمام أبو نعيم الأصبهاني -صاحب "الحلية"- ت 430 هـ قال أبو نعيم في عقيدته : " وإن اللّه استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، فالإستواء معقول، والكيف مجهول، وأنه سبحانه بائن من خلقه وخلقه بائنون منه بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة، لأنه البائن الفرد من الخلق، والواحد الغني عن الخلق " ا.هـ من رسالته في العقيدة نقله الذهبي في العلو له ص243 وكذا نقله غيره . لو أراد علو المرتبة لما احتاج أن يقول من غير تكييف ولا أن يقول بائن من خلقه ولا أن يقول دون أرضه وخلقه فمراده ظاهر وواضح وقوله عن الاستواء " معقول " دل على أنه أراد أن معناه معروف غير مجهول ـ الإمام القاضي أبو يعلى وقد فسر القاضي حديث إن الله جميل يحب الجمال فقال : " غير ممتنع وصفه بالجمال ، وإن ذلك صفة راجعة إلى الذات ، لأن الجمال في معنى الحسن ، قال : وقد تقدم قوله : رأيت ربي في أحسن صورة " ا.هـ فانظر إلى هذا الإثبات فقد بين معنى الجمال وأنه الحسْن وأثبت أنه ذاتي وكل هذا تنفيه الأشاعرة ، بل عند الأشاعرة ومن وافقهم هو من التشبيه وعن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يدني عبده المؤمن فيضع عليه كنفه ويقول أتعرف ذنب كذا " . قال القاضي أبو يعلى : " يدنيه من ذاته " وقال عن المقام المحمود : " يقعد نبيه على عرشه بمعنى يدنيه من ذاته ويقربه منها " نقلهما ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه وله كلام في الإثبات معروف والرجل عنده اضطراب ـ الإمام أبو عمرو عثمان بن أبي الحسن بن الحسين السهروردي الشافعي وهو من أقران البيهقي وأبي عثمان الصابوني وطبقتهما قال في كتاب له في أصول الدين : " وَدعاني إلى جمع هذا المختصر في اعتقاد السنة على مذهب الشافعي وأصحاب الحديث، إذ هم أمراء العلم، وأئمة الإسلام قول النبي صلى الله عليه وسلم تكون البدع في آخر الزمان محنة، فإذا كان كذلك فمن كان عنده علم فليظهره، فإن: كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم " ثم ساق الكلام في الصفات إلى أن قال: " فصل : من صفاته تبارك وتعالى فوقيته واستواؤه على عرشه بذاته، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله لله صلى الله عليه وسلم بلا كيف. ودليله قوله تعالى: " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى " سورة طه " ا.هـ وساق آيات العلو نقله من كتابه ابن القيم في الاجتماع ـ الإمام الكبير أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي ت 485 هـ قال في كتاب الصفات له : " باب إثبات إستواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائنا من خلقه من الكتاب والسنة ... فساق حجته من الآيات والحديث ثم قال : " وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه وهو ينظر كيف تعملون " ا.هـ وهو صاحب كتاب منازل السائرين، والفاروق. وذم الكلام. وغيره صرّح في كتابه بلفظ الذات في العلو، وأنه استوى بذاته على عرشه قال : ولم تزل أئمة السلف تصرح بذلك . وقال الهروي في الأربعين : " باب إثبات الجهات لله عز و جل : ... عمرو بن دينار قال أخبرني عمرو بن أوس أنه سمع عبدالله بن عمرو رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن عز و جل وكلتا يديه يمين وقال في كتابه المنازل : " الدرجة الثانية : إجراء الخبر على ظاهره وهو أن تبقى أعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها ولا يتحمل البحث عنها تعسفا ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها تمثيلا ولا يدعي عليها إدراكا أو توهما " ا.هـ ع ـ الحسين بن أحمد الأشعري المتكلم صاحب الجامع الكبير، والصغير في أصول الدين . قال في جامعه الصغير : " فإن قيل: ما الدليل على أن اللّه تعالى على العرش بذاته؟ قلنا: قوله تعالى: " ثمّ اسْتَوى على العَرْش الرّحمن " سورة الفرقان " ا.هـ نقله ابن القيم في الاجتماع ص (303) ـ إمام الشافعية في وقته سعد بن علي الزنجاني صرّح بفوقية بالذات وهو إمام في السنة له قصيدة معروفة أولها : تمَسّكْ بحبْل اللَّهِ واتَّبِع الأثَرَ ... ودَعْ عَنكَ رأياً لا يلائمه خبَر وقال في شرح هذه القصيدة: " والصواب عند أهل الحق أن الله تعالى خلق السموات والأرض، وكان عرشه على الماء مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض على ما ورد به النص، ونطق به القرآن، وليس معنى استوائه أنه مَلَكه واستولى عليه، لأنه كان مستولياً عليه قبل ذلك، ... ولكنه مستو بذاته على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه. وقد أجمع المسلمون على أن الله هو العلي الأعلى، ونطق بذلك القرآن بقوله تعالى: " سبِّح اسْمَ ربِّك الأعلى " سورة الأعلى آية 1. وأن لله علو الغلبة، والعلو الأعلى من سائر وجوه العلو، لأن العلو صفة مدح عند كل عاقل، فثبت بذلك أن للّه علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القهر والغلبة " ا.هـ نقله الإمام التيمي في كتابه الحجة وتقدم عزوه ــ الإمام إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني 537 هـ قال رحمه الله وقد سئل عن صفات الرب فقال : " مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره قال الأصبهاني : أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا.هـ وذكر التيمي الأصبهاني حديث جابر ( كفاحا ) ثم قال كما في كتابه الحجة في بيان المحجة : " قال أهل اللغة : كفاحاً ، أي مواجهة ليس بين وبينه الحجاب فكلمه كفاحاً ، فقال له عبدي تمن علي ، فقال : تردني إلى الدنيا فأقاتل في سبيلك فأقتل مرة أخرى ، فقال : إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون ' . قال أهل اللغة : كفاحاً أي مقابلة . قال صاحب الغربيين : كفاحاً أي مواجهة ، ليس بينه الحجاب . الحجة وقال الإمام التيمي الأصبهاني في كتابه الحجة ج2/ص117 : " وعند المسلمين أن لله عز وجل علو الغلبة والعلو من سائر وجوه العلو لأن العلو صفة مدح فثبت أن لله تعالى علو الذات وعلو الصفات وعلو القهر والغلبة " ا.هـ فهذا منه صريح في إثبات علو الذات وكان يثبت النزول لله على أنه نزول بذاته قال ابن رجب في ترجمة أبي القاسم عبد الرحمن بن مندة مدافعا عنه : " وهذا ليس بقادح- إن صح- فإن الأنصاري والتيمي وأَمثالهما يقدحون بأدنى شيء ينكرونه من مواضع النزاع، كما هجر التيميُّ عبدَ الجليل الحافظَ كُوتاه على قوله: "ينزل بالذات" وهو في الحقيقة يُوافقه على اعتقاده، لكن أنكر إطلاقَ اللفظ لعدم الأثر به " ا.هـ ذيل طبقات الحنابلة وقال الحافظ ابن رجب في الفتح عن طائفة من أهل الحديث المثبتين لنزول الله : " وهؤلاء ؛ منهم من يقول : ينزل بذاته ، كابن حامد من أصحابنا . وقد كان الحافظ إسماعيل من التميمي الأصبهاني الشافعي يقول بذلك ، وجرى بينه وبين طائفة من أهل الحديث بسببه فتنة وخصام . قال الحافظ أبو موسى المديني : كان من اعتقاد الإمام إسماعيل أن نزول الله تعالى بالذات ، وهو مشهور من مذهبه ؛ لكنه تكلم في حديث نعيم بن حماد الذي رواه بإسناده في النزول بالذات . قالَ : وهو إسناد مدخول ، وفيه مقال ، وفي بعض رواته مطعن ، ولا تقع بمثله الحجة ، فلا يجوز نسبة قوله إلى رسول الله " وقال الإمام إسماعيل عن حديث يضع عليه كنفه : " لم أر أحداً فسَّرَه ؛ إلا إن كان معناه : يستره من الخلق ، وقيل في رواية : يستره بيده. وكنفا الإنسان : ناحيتاه ، ومن الطائر : جناحاه " نقله أبو موسى المديني في " المجموع المغيث " (3/78) ـ عبد الجليل كوتاه وقد سبق أنه كان يقول بنزول الذات ـ الإمام عبد القادر الجيلاني قال في الغنية له : " وهو بجهة العلو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط علمه بالأشياء، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} ، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ...وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل ... وأنه استواء الذات على العرش، وكونه سبحانه وتعالى على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف" ا.هـ الغنية له ص 54 ـ 57 طبعة الحلبي ونقله عن الجيلاني جمع من أهل العلم فهو قد عبر بالجهة وبين الاستواء بالذات وهذا إثبات صريح المعنى قال عبد القادر الجيلاني في كتابه تحفة المتقين وسبيل العارفين : " باب اختلاف المذاهب في صفات اللّه عز وجل، وفي ذكر اختلاف الناس في الوقف عند قوله: " وما يعْلمُ تأويلُه إلاَّ اللَّهُ " سورة آل عمران آية 7. قال : واللّه تعالى بذاته على العرش علمه محيط بكل مكان، والوقف عند أهل الحق على قوله: " إلا الله " . وقد روي ذلك عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الوقف حسن لمن اعتقد أن الله بذاته على العرش، ويعلم ما في السموات والأرض. إلى أن قال: ووقف جماعة من منكري استواء الرب عز وجل على قوله: " الرَّحْمنُ على العرش " سورة طه آية5 . وابتدأوا بقوله: " استوى له ما في السموات وما في الأرض " يريدون بذلك نفي الاستواء الذي وصف به نفسه، وهذا خطأ منهم، لأن الله تعالى استوى على العرش بذاته " ا.هـ نقله ابن القيم وغيره ـ سيبويه عمر بن قنبر قال سيبويه : " ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع الناس على أن يقولوا: القرآن كلام الله، ولا يقال: القرآن قول الله، وذلك أن هذا موضع ضيق متحجر، لا يمكن تحريفه، ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه ، فعبر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أصواتاً تامة مفيدة، ا.هـ نقله عن سيبويه جماعة من اللغويين في معاجمهم . وهذا إثبات للصوت من معنى النصوص لا منطوقها . - ع الإمام المفسر القرطبي : قال في تفسيره : " وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة . وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا. وقال القرطبي في كتابه الأسنى شرح " وأظهر هذه الأقوال -وإن كنت لا أقول به ولا أختاره- (!!!!) ما تظاهرت به الآي والأخبار إن الله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات حسب ماتقدم " ا.هـ ونقله عنه العلامة مرعي الحنبلي وتعجب من اعترافه وعدم أخذه به وقال القرطبي : " ثم قال (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) وتجلى معناه ظاهر، من قولك: جلوت العروس أي أبرزتها. وجلوت السيف أبرزته من الصدإ، جلاء فيهما. وتجلى الشي انكشف. وقيل: تجلى أمره وقدرته، قاله قطرب وغيره " ا.هـ فانظر إلى إثباته صفة التجلي وهي صفة خبرية ولا يثبتها بمعناها الحقيقي عامة الأشاعرة وممن نص على تأويلها الباقلاني ويزعمون أنه يلزم منها التجسيم فهنا القرطبي أثبتها بالصريح " وتجلى معناه ظاهر، من قولك: جلوت العروس أي أبرزتها ، وجلوت السيف أبرزته من الصدإ، جلاء فيهما ، وتجلى الشي انكشف " هل هذا تفويض ؟!! وفي تفسير القرطبي : " وقال جمهور المفسرين : الحنان الشفقة والرحمة والمحبة، وهو فعل من أفعال النفس " ـ العلامة أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي قال في عقيدته الشهيرة أولها : محاسن جسمي بدلت بالمعائب ... وشيب فَوْدي شوب وصل الحبائب وأفضل زاد للمعاد عقيدة ... على منهج في الصدق والصبر لاجب عقيدة أصحاب الحديث فقد سمت ... بأرباب دين الله أسنى المراتب عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب وأن استواء الرب يعقل كونه ... ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب وهذه القصيدة طويلة أزيد من مائتي بيت وكان ناظمها الكرجي من كبار الفقهاء الشافعية مات سنة إثنين وثلاثين وخمسمائة وعلى هذه القصيدة مكتوب بخط العلامة تقي الدين ابن الصلاح : " هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث " ا.هـ وتُسمى عروس القصائد وشموس العقائد قال ابن السمعاني : "وله قصيدة بائية في السنة شرح فيها اعتقاده واعتقاد السلف تزيد على مائتي بيت قرأتها عليه في داره بالكرج " ا.هـ ونقلها من خط ابن الصلاح الإمام الذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية وفيها البيت الذي هو محل الشاهد والقصيدة مشهورة والإمام ابن الصلاح ثقة كبير وحافظ معروف . ـ الامام الحافظ، أبو أحمد، محمد بن علي بن محمد القصاب الغازي المجاهد ت بعد سنة 360 هـ قال رحمه الله في كتاب السنة له : " كل صفة وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسوله، فليست صفة مجاز، ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها، ولقيل: معنى البصر كذا، ومعنى السمع كذا، ولفسرت بغير السابق إلى الافهام، فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل، علم أنها غير محمولة على المجاز، وإنما هي حق بين " ا.هـ فالسابق للأفهام هو المراد في الصفات وهو حقيقتها لا مجازها نقله الذهبي في السير ثم قال ناقلا ثناء الإمام أبي الحسن الكرجي : وفي الكرج الغراء أوحد عصره * أبو أحمد [ القصاب ] غير مغالب تصانيفه تبدي فنون علومه * فلست ترى علما له غير شارب ـ الإمام أبو موسى المديني قال المديني في " المجموع المغيث " (2/400) : " وفي حديث أبيٍّ في ذكر موسى حين سئل : أي الناس أعلم؟ قال : أنا " فعتب الله عليه " العتبُ : أدنى الغضب " ا.هـ . وهذا منه رحمه الله إثباتٌ لهذه الصفة بمعناها ، وهو أدنى الغضب . ـ الإمام الموفق ابن قدامة المقدسي قال رحمه الله في معرض رده على ابن عقيل : " فصل وأما قوله في مسألة القرآن فالكلام فيها في فصلين أحدهما في الصوت الذي بدأ بإنكاره فنقول ثبت أن موسى سمع كلام الله تبارك وتعالى منه بغير واسطة فإنه لو سمعه من شجرة أو حجر أو ملك لكان بنو إسرائيل أفضل منه في ذلك لأنهم سمعوه من موسى نبي الله وهو أفضل من الشجرة والحجر فلم سمي موسى إذا كليم الرحمن ولم قال الله تعالى يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وقال تعالى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك ولا يقول له هذا إلا الله تعالى وإذا ثبت هذا فالصوت ما سمع وما يتأتى سماعه وقد جاء ذكر الصوت مصرحا به في الأخبار الواردة قال عبد الله بن الإمام أحمد قلت لأبي يا أبه إن الجهمية يزعمون أن الله تعالى لا يتكلم بصوت ؟ فقال : كذبوا إنما يدورون على التعطيل ثم قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء قال السجزي : وما في رواة هذا الحديث إلا إمام مقبول وقد روي مرفوعا إلى رسول الله وفي حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أن الله تعالى يناديهم يوم القيامه بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان وهو حديث مشهور ا.هـ ثم قال : " ثم نقول بل الصوت هو ما يتأتى سماعه ، وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف ، فإن الصوت أبدا يوصف بالسماع فتعلق السماع بالصوت كتعلق الرؤية بالمرئيات ثم ثبت بالخبر الصحيح إضافة الصوت إلى الله تبارك وتعالى والنبي أعلم بالله تبارك وتعالى وأصدق من المتكلمين الذين لا علم لهم ولا دين ولا دينا ولا آخرة ، وإنما هم شر الخليقة الغالب عليهم الزندقة ، وقد ألقى الله تعالى مقتهم في قلوب عباده وبغضهم إليهم ثم لو ثبت أن الصوت في المشاهدات يكون من اصطكاك الأجرام فلم يكون كذلك في صفات الله سبحانه وتعالى " ا.هـ فانظر إلى هذا الإمام وقد أثبت الصوت بمعناه المعروف كما هو صريح قوله : " ثم نقول بل الصوت هو ما يتأتى سماعه ، وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف " فجعل للصوت المثبت حدا معروفا ويريد معنى معينا ، لا الحد الذي هو بمعنى الكيف وهذا ما لا يصدر من مفوض ولابن قدامة ورع في هذا الباب ونظرة يظن من لمسها عنه أنها تدل على تفويض وفي مراجعة لاحقة سأفصل في موقفه بعض التفصيل فقد ضاق بي الوقت وأنا الآن على سفر ـ حسّان السنّة في وقته الإمام يحيى بن يوسف الصرصري الأنصاري ت656 هـ قال عنه ابن القيم : " المتفق على قبوله، والذي سار شعره مسيرة الشمس في الآفاق، واتفق على قبوله الخاصُّ والعامُّ أيّ اتفاق، ولم يزل ينشد في المجامع العظام ولا ينكر عليه أحد من أهل الإسلام " قال يحيى بن يوسف الأنصاري الصرصري ت656 هـ " ومذهبُه في الاستواء كمالكٍ ... وكالسلف الأبرار أهل التفضلِ ومستوياً بالذات من فوق عرشه ولا تقل استولى، فمَن قال يبطلِ فذلك زنديقٌ يقابل قسوة لذي خطْلٍ راوي لعيب معطلِ نقله ابن القيم في اجتماع الجيوش ص (316) ـ العلامة ابن قيم الجوزية قال ابن القيم في المدارج : " فصل قال صاحب المنازل : الدرجة الثانية : إجراء الخبر على ظاهره وهو أن تبقى أعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها ولا يتحمل البحث عنها تعسفا ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها... قال العلامة ابن القيم : يشير الشيخ رحمه الله وقدس روحه بذلك إلى أن حفظ حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أذهان العامة ولا يعني بالعامة الجهال بل عامة الأمة كما قال مالك رحمه الله وقد سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى طه : 5 كيف استوى فأطرق مالك حتى علاه الرحضاء ثم قال : الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ففرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة وبين الكيف الذي لا يعقله البشر وهذا الجواب من مالك رضي الله عنه شاف عام في جميع مسائل الصفات فمن سأل عن قوله : إنني معكما أسمع وأرى طه : 46 كيف يسمع ويرى أجيب بهذا الجواب بعينه فقيل له : السمع والبصر معلوم والكيف غير معقول وكذلك من سأل عن العلم والحياة والقدرة والإرادة والنزول والغضب والرضى والرحمة والضحك وغير ذلك فمعانيها كلها مفهومة وأما كيفيتها : فغير معقولة إذ تعقل الكيفية فرع العلم بكيفية الذات وكنهها فإذا كان ذلك غير معقول للبشر فكيف يعقل لهم كيفية الصفات والعصمة النافعة في هذا الباب : أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل بل تثبت له الأسماء والصفات وتنفى عنه مشابهة المخلوقات فيكون إثباتك منزها عن التشبيه ونفيك منزها عن التعطيل فمن نفى حقيقة الاستواء فهو معطل ومن شبهه باستواء المخلوق على المخلوق فهو ممثل ومن قال : استواء ليس كمثله شيء فهو الموحد المنزه وهكذا الكلام في السمع والبصر والحياة والإرادة والقدرة واليد والوجه والرضى والغضب والنزول والضحك وسائر ما وصف الله به نفسه " ا.هـ ـ الإمام ابن أبي العز الحنفي قال في شرحه للطحاوية : " ... التصريح بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى سفل " ا.هـ وقال في شرحه للطحاوية أيضا : " ومن سمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام السلف، وجد منه في إثبات الفوقية ما لا ينحصر ... ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات ، مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم ، لكان متصفا بضد ذلك ، لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده ، وضد الفوقية السفول ، وهو مذموم على الإطلاق ، لأنه مستقر إبليس وأتباعه وجنوده " وقال : " التصريح بالفوقية مقرونا بأداة"من"المعينة للفوقية بالذات، كقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} " وقال الإمام ابن أبي العز : " فله سبحانه وتعالى فوقية القهر ، وفوقية القدر ، وفوقية الذات ومن أثبت البعض ونفى البعض فقد تنقص ، وعلوه تعالى مطلق من كل الوجوه " ا.هـ ـ العلامة قاسم بن عيسى بْنُ نَاجِي المالكي قال عن قول ابن أبي زيد بفوقية الذات : " لَيْسَ هَذَا مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ إطْلَاقِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ " كما في الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني ـ وقال الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني الشافعي من علماء القرن السادس في كتابه الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار ج2/ص607 : " - فصل قد ذكرنا في أول الكتاب أن عند أصحاب الحديث والسنة أن الله سبحانه بذاته بائن عن خلقه على العرش استوى " ا.هـ ـ العلامة الحافظ عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن رجب ت قال في كتابه فتح الباري : " وقد دل القرآن على ما دل عليه هذا الحديث في مواضع ، كقوله : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ ( [ البقرة : 210 ] . وقال : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ( [ الأنعام : تأمل قوله : " ولا أخرجوه عن مدلوله " فلهذا النصوص مدلول نثبته ، ثم بين أن الذي روي عن السلف يدل على تقرير هذا المدلول وهل المدلول إلا المعنى ذاته إلى أن قال : " وزعموا أن ظاهر ما يدل عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال ، واشتقوا من ذلك لمن آمن بما أنزل الله على رسوله اسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، بل هي افتراء على الله ، ينفرون بها عن الإيمان بالله ورسوله . وزعموا أن ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وأنتشاره - من باب التوسع والتجوز ، وأنه يحمل على مجازات اللغة المستبعدة ، وهذا من أعظم أبواب القدح في الشريعة المحكمة المطهرة ، وهو من جنس حمل الباطنية نصوص الإخبار عن الغيوب كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة ، وحملهم نصوص الامروالنهي على مثل ذلك ، وهذا كله مروق عن دين الإسلام . ولم ينه علماء السلف الصالح وأئمة الإسلام كالشافعي وأحمد وغيرهما عن الكلام وحذروا عنه ، إلا خوفاً من الوقوع في مثل ذلك ، ولو علم هؤلاء الأئمة أن حمل النصوص على ظاهرها كفر لوجب عليهم تبيين ذلك وتحذير الأمة منه ؛ فإن ذلك من تمام نصيحة المسلمين ، فكيف كان ينصحون الأمة فيما يتعلق بالاحكام العملية ويدعون نصيحتمهم فيما يتعلق بأصول الاعتقادات ، هذا من أبطل الباطل " ا.هـ فبين أن الظاهر الذي تدل عليه النصوص هو الذي نثبته ولا نؤوله وأن النصوص في هذا الباب على الحقيقة دون المجاز ونفى بشدة إلغاء هذه الظواهر بل اعتبره من أعظم أبواب القدح في الدين وكل هذا منطوق كلامه فهل من الصدق في شيء بعد هذا أن يأتي أحد فيزعم أن ابن رجب لا يثبت المعاني الظاهرة ؟!! وقال رحمه الله : " وقد صح عن ابن عباس أنه أنكر على من أستنكر شيئاً من هذه النصوص ، وزعم أن الله منزه عما تدل عليه : فروى عبد الرزاق في ( ( كتابه ) ) عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سمعت رجلاً يحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة : ( ( تحاجت الجنة والنار ) ) ، وفيه : ( ( فلا تمتلي حتى يضع رجله ) ) - أو قال : ( ( قدمه - فيها ) ) . قال : فقام رجل فانتفض ، فقال ابن عباس : ما فرق هؤلاء ، يجدون رقة عند محكمة ، ويهلكون عند متشابهه . وخَّرجه إسحاق بن راهويه في ( ( مسنده ) ) عن عبد الرزاق ." تأمل إنكاره على من يزعم أن الله منزه عما تدل عليه النصوص من المعاني ، فهو يدعو إلى إثبات المعاني التي تدل عليها هذه النصوص وهذا مناقض للتفويض وقال أيضا في الفتح : " ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها ، وتمر كما جاءت عندهم : قوله تعالى : ( وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ ) [الفجر :22] ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة . وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما . وعندهما : أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره . وكذلك قاله الفضيل بن عياض وغيره من مشايخ الصوفية أهل المعرفة . وقد ذكر حرب الكرماني أنه أدرك على هذا القول كل من أخذ عنه العلم في البلدان ، سمى منهم : أحمد وإسحاق والحميدي وسعيد بن منصور . وكذلك ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه المسمى بـ - الإبانة - ، وهو من أجل كتبه ، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه " ا.هـ فإثباته المجيء والإتيان على أنه من أفعال الله التي تحصل بالمشيئة والاختيار هو من إثبات الصفة بمعناها الإمام أبو الفداء إسماعيل ابن كثير صاحب التفسير قال رحمه الله عن كتابات المأمون التي يستحث فيها القضاة على امتحان الناس بالقول بخلق القرآن : " ومضمونها الاحتجاج على أن القرآن محدث وكل محدث مخلوق، وهذا احتجاج لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين فضلا عن المحدثين، فإن القائلين بأن الله تعالى تقوم به الافعال الاختيارية لا يقولون بأن فعله تعالى القائم بذاته المقدسة مخلوق، بل لم يكن مخلوقا، بل يقولون هو محدث وليس بمخلوق ، بل هو كلام الله القائم بذاته المقدسة، وما كان قائما بذاته لا يكون مخلوقا، وقد قال الله تعالى (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) وقال تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) فالأمر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم، فالكلام القائم بالذات ليس مخلوقا، وهذا له موضع آخر . وقد صنف البخاري كتابا في هذا المعنى سماه خلق أفعال العباد " ا.هـ تأمل هذا المعنى الذي أثبته الإمام ابن كثير وانتصر له وتأمل قوله : " فالأمر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم " وكذا الاستدلالات القرآنية الأخرى منه رحمه الله وهذا المعنى من إثبات كون أفعاله تعالى هي منه غير مخلوقة وأنها قائمة به خلافا للأشاعرة الذي يحكمون على أفعال الله بأنها مخلوقة على أنها هي نفسها مفعولاته تعالى الله عما يقولون وما أدري كيف عقلوا أن الفعل هو المفعول ؟!! وهذا المعنى الذي أثبته ابن كثير من كون هذه الأفعال القائمة بذاته إنما تحصل باختياره ومشيئته فليست كلها قديمة وهي صفات له كل هذا هو تحقيق لمعاني الصفات الفعلية وهذا تنكره عامة الأشاعرة وهو مناقض للتفويض . وقال الإمام ابن كثير في تفسيره : " ( وَجَاءَ رَبُّكَ ) يعني: لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعد ما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدًا بعد واحد، فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم، حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها، أنا لها". فيذهب فيشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله في ذلك، وهي أول الشفاعات، وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة "سبحان" فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا " ا.هـ وقال في تفسيره : " وأما قوله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يُسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى:11 ] بل الأمر كما قال الأئمة -منهم نُعَيْم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري -: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر". وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى " ا.هـ فقوله : " والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله " صريح في أن الظاهر المتبادر إلى أذهان غير المشبهين من أئمة السلف والسنة هو مثبت لله وهذا إثبات صريح لمعاني الصفات . ومن باب أولى الظاهر المتبادر إلى أذهان الكل كحال أكثر النصوص مما يعترف به حتى المعطلة بأنه ظاهر متبادر ثم يزعمون أنه منفي ، فهو عند الإمام ابن كثير مثبت ومراد فلما علق الإمام ابن كثير إثبات المتبادر إلى الذهن من الصفة وهو المعنى الظاهر لها لما علقه بحال الناظر ولم يبطله من أصله دل على أن المعنى المتبادر في حقيقة الأمر هو ثابت عنده وإنما المنفي هو ما يلصقه المشبه بالنص . وخصومنا بحمد الله يعترفون بأن ما ينفونه تأويلا أو تفويضا ونثبته نحن دونهم هو المتبادر إلى أذهان الجميع لكنهم يزعمون خلافا لابن كثير أنه تشبيه مطلقا ومما يجلي لك موقف الإمام ابن كثير في الصفات موقفه من أهل الإثبات المشهورين به الذين يثبتون الصفات بمعانيها والذين تنفر منهم الأشاعرة ويصفهم بعضهم بالتشبيه والتجسيم كالإمام ابن أبي عاصم صاحب كتاب السنة فقد قال في ترجمة ابن أبي عاصم : " أبو بكر بن أبي عاصم صاحب السنة والمصنفات وهو: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك ابن النبيل، له مصنفات في الحديث كثيرة، منها كتاب السنة في أحاديث الصفات على طريق السلف " ا.هـ وقال ابن كثير عن الإمام ابن بطة الذي يصفه الأشاعرة بأقذع الأوصاف : " أحد علماء الحنابلة وله التصانيف الكثيرة الحافلة في فنون من العلوم ... وأثنى عليه غير واحد من الأئمة وكان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد رأى بعضهم رسول الله فقال يا رسول الله ( ص ) قد اختلفت علي المذاهب فقال عليك بابي عبدالله بن بطة ... " ثم ذكر ملخص ما أجاب به ابن الجوزي عن الطعون التي وجهت لابن بطة . وانظر أيضا ترجمته لأبي يعلى الذي يتهمه عامة الأشاعرة بالتجسيم وترجمته للإمام الدارمي بل قال عن كتابه الذي يصفه الأشاعرة بالتجسيم قال : " وعثمان بن سعيد الدارمي مصنف الرد على بشر المريسي فيما ابتدعه من التأويل لمذهب الجهمية وقد ذكرناه في طبقات الشافعية " فاعتبر الأقوال والتأويلات الذي نقضها الدارمي تمثل مذهب الجهمية وجلها تأويلات الأشاعرة . ويكفي أنه عندما ترجم لوفاة شيخه ابن تيمية وجنازته استدل بعبارة الإمام أحمد : " قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز " فجعل جنازة ابن تيمية امتحانا لخصوم السنة ثم ذكر تفاصيل جنازته فقال : " فصرخ صارخ وصاح صائح هكذا تكون جنائز أئمة السنة فتباكى الناس وضجوا عند سماع هذا الصارخ " ا.هـ بل كان يعرض مناظرات ابن تيمية مع خصومه من الأشاعرة مظهرا انحيازه إلى صف ابن تيمية ومن هذا قوله : " وبحثوا في "الحموية" وناقشوه في أماكن منها ، فأجاب عنها بما أسكتهم بعد كلام كثير " . ويقول عن مناظرة شيخ الإسلام لهم في الواسطية: " وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين "الواسطية" ..وحضر الشيخ صفي الدين الهندي ، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاماً كثيرا ، لكن ساقيته لاطمت بحرا " وقوله عن أحد المجالس التي عقدت لشيخ الإسلام لإخراجه من البلد وامتنع ابن تيمية من حضورها فقال ابن كثير في ذلك : " فصمم [ ابن تيمية ] على عدم الحضور، ولم يلتفت إليهم ولم يعدهم شيئا، فطال عليهم المجلس فتفرقوا وانصرفوا غير مأجورين " ا.هـ تأمل نفي الأجر عنهم فهو أمر خطير لا يكون إلا مع اعتقاده بطلان ما هم عليه مما خاصموه فيه وغيرها من العبارات ـ الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي قال في كتابه العلو : " قلت : المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم بها قالوا هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تأول مع إعتقاد أن ظاهرها غير مراد فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران أحدهما أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف الإستواء معلوم وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف وهذا هو مذهب السلف مع إتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته الثاني أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة كما يتشكل في الذهن من وصف البشر فهذا غير مراد " ا.هـ وقال في سير أعلام النبلاء : " قَدْ صَارَ الظَّاهِرُ اليَوْم ظَاهِرَيْنِ : أَحَدُهُمَا حقّ، وَالثَّانِي بَاطِل، فَالحَقّ أَنْ يَقُوْلَ : إِنَّهُ سمِيْع بَصِيْر، مُرِيْدٌ متكلّم، حَيٌّ عَلِيْم، كُلّ شَيْء هَالك إِلاَّ وَجهَهُ، خلق آدَمَ بِيَدِهِ، وَكلَّم مُوْسَى تَكليماً، وَاتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، وَأَمثَال ذَلِكَ، فَنُمِرُّه عَلَى مَا جَاءَ، وَنَفهَمُ مِنْهُ دلاَلَةَ الخِطَابِ كَمَا يَليق بِهِ تَعَالَى، وَلاَ نَقُوْلُ : لَهُ تَأْويلٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ الآخر وَهُوَ البَاطِل، وَالضَّلاَل : أَنْ تَعتَقِدَ قيَاس الغَائِب عَلَى الشَّاهد، وَتُمَثِّلَ البَارِئ بِخلقه، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ، بَلْ صفَاتُهُ كَذَاته، فَلاَ عِدْلَ لَهُ، وَلاَ ضِدَّ لَهُ، وَلاَ نَظيرَ لَهُ، وَلاَ مِثْل لَهُ، وَلاَ شبيهَ لَهُ، وَلَيْسَ كَمثله شَيْء، لاَ فِي ذَاته، وَلاَ فِي صفَاته، وَهَذَا أَمرٌ يَسْتَوِي فِيْهِ الفَقِيْهُ وَالعَامِيُّ-وَاللهُ أَعْلَمُ " ا.هـ وقال مقررا أن كيفية الصفات تجهل ولا تُنفى والمعنى المنفي هو المعنى اللازم فقال في العلو له : " وهو قول أهل السنة قاطبة ، أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها ، وأن استواءه معلوم ، كما أخبر في كتابه ، وأنه كما يليق به ، لا نتعمق ولا نتحذلق ، لا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولا إثباتاً ، بل نسكت ونقف ، كما وقف السلف ، ونعلم أنه لو كان له تأويل ، لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون ، ولما وسعهم إقراره وإمراره ، والسكوت عنه ، ونعلم يقيناً مع ذلك أن الله جل جلاله ، لا مثل له في صفاته ، ولا في استوائه ، ولا في نزوله ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً " ا.هـ ـ الإمام أبو الحسين محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي الشافعي قال الملطي الشافعي رحمه الله : " ومما يدل على أن الله تبارك وتعالى ينزل كيف يشاء إذا شاء ، صعودُه إلى السماء واستواؤُه على العرش ، فزعمت الجهمية وقالت من يخلفه إذا نزل ؟؟ قيل لهم : فمن خلفه في الأرض حين صعد ؟! علمه بما في الأرض كعلمه بما في السماء ، وعلمه بما في السماء كعلمه بما في الأرض سواء لا يختلف ومما يدل على ذلك قوله عز و جل : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ) وقوله : ( وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) وقوله : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) وقوله : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) إلى أن قال : " وإنما تحيرت الجهمية وضلت عقولهم حين قالوا إن الله لا يخلو منه شيء ، ولا يزول عن موضعه ، فأسرع إلى الجهال قولهم وكذلك ربنا جل وعز ولكن ليس بمنزلة الخلق في نزوله وليس أحد من الخلق يصير عن مكانه وموضع كان فيه إلى مكان غيره إلا وهو زائل عن موضعه ومكانه الأول لنفسه وعلمه لجهله بما يحدث بعده على مكانه وموضعه الأول وإن الله تبارك وتعالى لما استوى من الأرض إلى السماء أو نزل من سماء إلى سماء أو إلى الأرض لا يعزب عن علمه شيء في السموات ولا في الأرض ، علمه بما فيهن بعد الاستواء وبعد النزول كعلمه بهن قبل ذلك لم ينقص الاستواء في النزول من علمه ولا زاد تركه في علمه فمن كان هذا حاله فليس بزائل عن خلقه ولا خلقه بخال من علمه تبارك الله رب العالمين " ا.هـ ـ الإمام محمد بن عبد الوهاب قال في كتابه " المسائل التي خالف النبي ص أهل الجاهلية " : " وخصوم السلفيين يرمونهم بهذا الاسم [ يعني الحشوية ], تنفيرا للناس عن اتباعهم والأخذ بأقوالهم, حيث يقولون في المتشابه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}. وقد أخطأت استهم الحفرة , فالسلف لا يقولون بورود ما لا معنى له لا في الكتاب ولا في السنة, بل يقولون في الاستواء مثلا: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان, والجحود به كفر"2 وقد أطال الكلام في هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه ، ولخص ذلك في كتابه " جواب أهل الإيمان في التفاضل بين آيات القرآن " ا.هـ هذا من الشيخ قاطع للنزاع فهو قد أنكر بمنطوق كلامه مذهب المفوضة ونزه السلف عن طريقتهم واعتبرهم خصوم مذهب السلف فكيف ينسب له التفويض وهل الذي عزاه لشيخ الإسلام في كثير من كتبه هو التفويض ؟!! وفي معرض رده على أحدهم يقول في رسائله : " وقوله في الكتاب ومذهب أهل السنة إثبات من غير تعطيل ولا تجسيم ولا كيف ولا أين إلى آخره وهذا من أبين الأدلة على أنه لم يفهم عقيدة الحنابلة ولم يميز بينها وبين عقيدة المبتدعة وذلك أن إنكار الأين من عقائد أهل الباطل وأهل السنة يثبتونه اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أنه قال للجارية أين الله ؟ فزعم هذا الرجل أن إثباتها مذهب المبتدعة وأن إنكارها مذهب أهل السنة ... وقوله أيضاً ويثبتون ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم من السمع والبصر والحياة والقدرة والإرادة والعلم والكلام إلى آخره، وهذا أيضاً من أعجب جهله وذلك أن هذا مذهب طائفه من المبتدعة يثبتون الصفات السبع وينفون ما عداها ولو كان في كتاب الله ويؤولونه. وأما أهل السنة فكل ما جاء عن الله ورسوله أثبتوه وذلك صفات كثيرة " ا.هـ حتى قال الشيخ محمد رشيد رضا مدافعا عنه ضد بعض خصومه مبينا مجانبته للتفويض : " إن ما ذكره من العقائد التي زعم أن ابن تيمية وابن عبد الوهاب وأمثالهم أباحوا بها حمى التوحيد، وهتكوا ستوره بإثباتهم لله تعالى صفة العلو والاستواء على العرش.. إلخ، وإنما أثبتوا بها كسائر أهل السنة ما أثبته الله تعالى في كتابه المعصوم وفي سنة خاتم أنبيائه المعصوم المبيّنة له. فهم يثبتون تلك النصوص بمعانيها الحقيقية بدون تأويل، ولكن مع إثبات التنزيه فهم متبعون في ذلك لسلف الأمة الصالح غير مبتدعين له، وإنما ابتدع التأويل الجهمية والمعتزلة وأتباعهم من الروافض بشبهة تنزيه الله تعالى عن التجسيم والتشبيه. وأما شبهة المبتدعة المتأولين فهي تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه التي يعبرون عنها في تأويل بعض الصفات بالتجسيم والتحيز وغيرهما من لوازم الأجسام، فبهذه الشبهة عطلوا أكثر صفات الله حتى صارت عندهم في حكم العدم. والسلف الصالح أعلم منهم بمعاني النصوص، وبما يجب الإيمان به، وأشد منهم تنزيها للرب - إلى أن قال-: والقاعدة في ذلك أن تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه قد ثبت بدليل العقل والنصوص القطعية من النقل كقوله تعالى: { ليس كمثله شيء } وأن السلف يجمعون بين الأمرين: تنزيه الرب سبحانه ووصفه بما وصف به نفسه من الرحمة والمحبة والرضا والغضب وغير ذلك، وعدم التحكم في التفرقة بين هذه الصفات وصفات العلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام " ا.هـ وكان الإمام محمد بن عبد الوهاب يلهج بمجانبة الأشاعرة والتحذير منهم ، وكتبه مليئة بهذا ، ولو كان مفوضا لاستثنى طريقتهم في التفويض فدل على أنه ينكر عامة مذهبهم وهو صريح عباراته ومن إثباته الحقيقي للصفات حتى اتهمه بالتجسيم جماعة من خصومه لا يحصون تجد ذكرهم في كتاب " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب " فانظر إلى ظلم المخالفين لمذهب السلف بعضهم يتهمه بالتجسيم والآخر ينسب له التفويض تشويشا ومشاكسة وكلا الفريقين بعيد كل البعد في هذا عن مراقبة الله والإعداد ليوم الحساب ( وسيعلم الذين ظلموا ) أو شوشوا وشغبوا ( أي منقلب ينقلبون ) الإمام محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي ت قال رحمه الله في كتابه لوامع الأنوار البهية : " ومذهب السلف من الفرقة الناجية بين التعطيل وبين التمثيل ، فلا يمثلون صفات الله - تعالى - بصفات خلقه ، كما لا يمثلون ذاته بذوات خلقه ، ولا ينفون ما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، فيعطلون أسماءه الحسنى وصفاته العلى ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، ويلحدون في أسماء الله - تعالى - وآياته ، وليس في العقل الصريح ، ولا في النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا ، فالنبي المعصوم - صلوات الله عليه وسلامه - مع كمال علمه ، وقدرته وإرادته ، وشدة حرصه على هداية أمته ، وبلاغ نصحه وشفقته عليهم أرشدهم إلى هذا السبيل ، وكذا الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، فالسلف في إثبات الصفات كالذات على الاستقامة . وأما المنحرفون عن طريقهم ، فثلاث طوائف : أهل التخييل ، وأهل التأويل ، وأهل التجهيل ... ( وأهل التأويل ) هم الذين يقولون : إن النصوص الواردة في الصفات ، لم يقصد بها الرسول أن يعتقد الناس الباطل ، ولكن قصد بها معاني ، ولم يبين لهم ذلك ، ولا دلهم عليها ، ولكن أراد أن ينظروا ، فيعرفوا الحق بعقولهم ، ثم يجتهدوا في صرف تلك النصوص عن مدلولها ، ومقصوده امتحانهم وتكليفهم وإتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوه عن مدلوله ومقتضاه ، ويعرفوا الحق في غيره وسواه . وهذا قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة ، ومن نحا منحاهم . ولا يخفى ما في ضمن كلام هؤلاء من قصد الإضلال ، وعدم النصح ، ومناقضة ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وما وصفه الله به من الرأفة والرحمة ، وقد تظاهر هؤلاء بنصر السنة ، وهم في الحقيقة لا للإسلام نصروا ، ولا للفلاسفة كسروا ، بل فتحوا لأهل الإلحاد الباب ، وسلطوا القرامطة الباطنية من ذوي الفساد على الإلحاد في السنة والكتاب . ( وأهل التجهيل ) هم الذين يقولون : إن الرسول لم يعرف معاني ما أنزل عليه من آيات الصفات ، ولا جبريل يعرف معاني الآيات ، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك ، وكذلك قولهم في أحاديث الصفات ، وأن الرسول تكلم بكلام لا يعرف معناه ، وهذا قول كثير من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف ، فيقولون في آيات الصفات وأحاديثها : لا يعلم معرفتها إلا الله ، ويستدلون بقوله - تعالى : ( { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } ) ، ويقولون : تجرى على ظاهرها ، وظاهرها مراد مع قولهم : إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله " ا.هـ فجعل الإمام السفاريني بنص كلامه المفوضة من أهل التجهيل ونص على أنهم منحرفون عن طريق السلف مشاركون في هذا الانحراف للفلاسفة والمعتزلة ومن سار على طريقهم ومن كلامه الدال على مجانبته للمفوضة في كتابه اللوامع قوله : " ( قد استوى ) على عرشه من فوق سبع سماواته استواء يليق بذاته ( كما ورد ) في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والنصوص السلفية ، مما لا يحصى ويتعذر أن يستقصى ، فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره ، وسنة رسول الله من أولها إلى آخرها ثم عامة كلام الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين لهم بإحسان - رحمهم الله تعالى - ثم كلام سائر أئمة الدين ممن تلوى على كلامهم الخناصر ، ولا ينازع فيه إلا كل معاند ومكابر بأن الله تعالى مستو على عرشه بائن من خلقه " ا.هـ فصرح هنا بمعنى الاستواء وأنه استواء الذات ثم أطال في إثبات العلو بكلام شيخ الاسلام وأعقبه السفاريني نفسه بقوله : " وهذا كلام متين لا مخلص لأحد عنه " وقرر من خلال أقوال العلماء عبارة استواء الذات وعبارة الجهة انظر (1/196 ـ 197) حتى قال (1/198 ـ 199) " إذا علمت هذا فاعلم أن كثيرا من الناس يظنون أن القائل بالجهة أو الاستواء هو من المجسمة ، لأنهم يتوهمون أن من لازم ذلك التجسيم ، وهذا وهم فاسد ، وظن كاذب ، وحدس حائد " ونقل مقرا : " وإذا ثبت أن موسى - عليه السلام - إنما سمع من الله - عز وجل - لم يجز أن يكون الكلام الذي سمعه إلا صوتا وحرفا ، فإنه لو كان معنى في النفس وفكرة ورؤية ، لم يكن ذلك تكليما لموسى ولا هو شيء يسمع ، والفكر لا يسمى مناداة ، فإن قالوا : نحن لا نسميه صوتا مع كونه مسموعا ، قلنا : هذا مخالفة في اللفظ مع الموافقة في المعنى ، فإنه لا يعنى بالصوت إلا ما كان مسموعا ثم إن لفظ الصوت قد صحت به الأخبار " وقال : " والحاصل أن مذهب الحنابلة كسائر السلف أن الله - تعالى - يتكلم بحرف وصوت وقال : " واحتج بها البخاري وغيره من أئمة الحديث على أن الحق - جل شأنه - يتكلم بحرف وصوت ، وقد صححوا هذا الأصل واعتقدوه ، واعتمدوا على ذلك منزهين الله - تعالى - عما لا يليق بجلاله من شبهات الحدوث وسمات النقص ، كما قالوا في سائر الصفات ، فإذا رأينا أحدا من الناس مما لا يقدر عشر معشار هؤلاء يقول : لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث واحد أنه تكلم بحرف وصوت ، ورأيت هؤلاء الأئمة قد دونوا هذه الأخبار وعملوا بها ، ودانوا الله - سبحانه وتعالى - بها ، وصرحوا بأن الله - تعالى - تكلم بحرف وصوت لا يشبهان صوت مخلوق ولا حرفه بوجه ألبتة ، معتمدين على ما صح عندهم عن صاحب الشريعة المعصوم في أقواله وأفعاله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، مع اعتقادهم الجازم الذي لا يعتريه شك ولا وهم ولا خيال - نفي التشبيه والتمثيل ، والتحريف والتعطيل ، بل يقولون في صفة الكلام كما يقولون في سائر الصفات ، إثبات بلا تمثيل ، وتنزيه بلا تعطيل ، كما عليه سلف الأمة وفحول الأئمة ، فهو حق اليقين بلا محال ، وهل بعد الحق إلا الضلال " . وقال السفاريني -رحمه الله-: " وقد أكثر العلماء من التصنيف، وأ***وا بخيلهم ورَجِلِهم من التأليف، في ثبوت العلوّ والاستواء ونبّهوا على ذلك بالآيات والحديث وما حوى، فمنهم الراوي الأخبارَ بالأسانيد، ومنهم الحاذفُ لها وأتى بكلِّ لفظٍ مفيدٍ، ومنهم المُطَوِّل المُسهِب، ومنهم المُختصِر والمتوسِّط والمهذِّب، فمن ذلك (( مسألة العلوّ )) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و(( العلوّ )) للإمام الموفق صاحب التصانيف السنيّة، و(( الجيوش الإسلاميّة )) للإمام المحقق ابن قيِّم الجوزية، و(( كتاب العرش )) للحافظ شمس الدين الذهبي صاحب الأنفاس العليّة، وما لا أُحصي عدّهم إلاّ بكُلْفة، والله تعالى الموفِّق " ا.هـ بل الإمام السفاريني في كتابه لوامع الأنوار البهية لايكاد يقرر صفة من الصفات إلا من خلال كلام ابن تيمية حتى أنه نقل عنه في أكثر من مائة وثمانين موطنا (180) في كتابه الذي لم يجاوز أربعمائة وسبعين صفحة ولا أقول ورقة (470) فهل يقال إنه مفوض مع كل هذا الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني ت هـ قال الإمام الشوكاني في رسالته " التحف " وهو كتيب خاص بمسائل الصفات : " ومن جملة الصفات التي أمرها السلف على ظاهرها وأجروها على ما جاء به القرآن والسنة من دون تكلف ولا تأويل صفة الاستواء التي ذكرها السائل يقولون نحن نثبت ما أثبته الله لنفسه من استوائه على عرشه على هيئة لا يعلمها إلا هو وكيفية لا يدري بها سواه ولا نكلف أنفسنا غير هذا فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا تحيط عباده به علما وهكذا يقولون في مسألة الجهة التي ذكرها السائل وأشار إلى بعض ما فيه دليل عليها والأدلة في ذلك طويلة كثيرة في الكتاب والسنة وقد جمع أهل العلم منها لا سيما أهل الحديث مباحث طولوها بذكر آيات قرآنية وأحاديث صحيحة وقد وقفت من ذلك على مؤلف بسيط في مجلد جمعه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي رحمه الله استوفى فيه كل ما فيه دلالة على الجهة من كتاب أو سنة أو قول صاحب مذهب والمسألة أوضح من أن تلتبس على عارف وأبين من أن يحتاج فيها إلى التطويل " ا.هـ فماذا بعد هذا الإثبات الصريح وقال أيضا : " والحق هو ما عرفناك من مذهب السلف الصالح فالاستواء على العرش والكون في تلك الجهة قد صرح به القرآن الكريم في مواطن يكثر حصرها ويطول نشرها وكذلك صرح به رسول الله صلى الله عليه و سلم في غير حديث بل هذا مما يجده كل فرد من أفراد الناس في نفسه وتحسه في فطرته وتجذبه إليه طبيعته كما نراه في كل من استغاث بالله سبحانه وتعالى والتجأ إليه ووجه أدعيته إلى جنابه الرفيع وعزه المنيع فإنه يشير عند ذلك بكفه أو يرمي إلى السماء بطرفه " ا.هـ ــ ع العلامة محمد أنور شاه ابن معظم شاه الكشميري قال رحمه الله : " ودل ماروينا على رغم أنف من قال بأن أبا حنيفة جهمي عياذاً بالله ، فإن أبا حنيفة قائل بما قال السلف الصالحون ، فالحاصل أن نزول الباري إلى سماء الدنيا نزول حقيقة يحمل على ظاهره ويفوض تفصيله وتكييفه إلى الباري عز برهانه ، وهو مذهب الأئمة الأربعة والسلف الصالحين " ا.هـ ـــ ماذا نسمي هذا ؟ هل هو تأويل ؟ أم تفويض ؟ وإن لم يكن فما هو وماذا نسميه ؟! هذا اعتراف من هذا العالم الماتريدي الحنفي بما كان عليه أبو حنيفة والسلف من إثبات الصفات الخبرية كالنزول إثباتا حقيقيا والاقتصار في التفويض على تفويض المعنى التفصيلي الذي هو نوع من التكييف أما أصل المعنى وهو حقيقة الصفة فهو مثبت وقال الكشميري : " وأما تفويض السلف فيحتمل المعنيين : أحدهما : تفويض الأمر إلى الله وعدم الإنكار على من تأول كيف ما تأول بسبب إقرارهم بعدم العلم . ثانيهما : تفويض التفصيل والتكييف إلى الله تعالى والإنكار على من تأول برأيه وعقله ومرادهم هو الاحتمال الثاني لا الأول " ا.هـ ـــ العلامة ناصر بن عبد الرحمن السعدي قال في تفسيره عن صفة النور : " النور الحسي والمعنوي وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وبه استنار العرش والكرسي والشمس والقمر، وبه استنارت الجنة وكذلك المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات؛ ولهذا كل محل يفقد نوره فَثَمَّ الظلمة والحصر " ا.هـ وقال : " لفظ "استوى" في القرآن على ثلاثة أوجه: إن عدي بـ "على" كان معناه العلو والارتفاع، { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } " وقال : "العلي الأعلى" وهو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر. فهو الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى " ا.هـ وقال : { وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } العلي في ذاته، فهو عال على جميع المخلوقات وفي قدره، فهو كامل الصفات، وفي قهره لجميع المخلوقات، الكبير في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، الذي من عظمته وكبريائه، أن الأرض قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، ومن كبريائه، أن كرسيه وسع السماوات والأرض ذكر قوله تعالى ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ) ثم قال : " وفي هذه الآية دليل على علو الله تعالى واستوائه على عرشه حقيقة، كما دلت على ذلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تلقاها أهل السنة بالقبول والإيمان والتسليم " وقال : وينزل الباري [تبارك] تعالى: { فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ } ليفصل بين عباده بالقضاء العدل. فتوضع الموازين، وتنشر الدواوين، وتبيض وجوه أهل السعادة وتسود وجوه أهل الشقاوة، ويتميز أهل الخير من أهل الشر، وكل يجازى بعمله، فهنالك يعض الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه. وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، المثبتين للصفات الاختيارية، كالاستواء، والنزول، والمجيء، ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى، عن نفسه، أو أخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته، من غير تشبيه ولا تحريف، خلافا للمعطلة على اختلاف أنواعهم، من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية ونحوهم، ممن ينفي هذه الصفات، ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان، بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله، والزعم بأن كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب، فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي، بل ولا دليل عقلي، أما النقلي فقد اعترفوا أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة، ظاهرها بل صريحها، دال على مذهب أهل السنة والجماعة، وأنها تحتاج لدلالتها على مذهبهم الباطل، أن تخرج عن ظاهرها ويزاد فيها وينقص، وهذا كما ترى لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان. وقال : { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ } أي: الأيمن من موسى في وقت.مسيره، أو الأيمن: أي: الأبرك من اليمن والبركة. ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: { أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } والفرق بين النداء والنجاء، أن النداء هو الصوت الرفيع، والنجاء ما دون ذلك، وفي هذه إثبات الكلام لله تعالى وأنواعه، من النداء، والنجاء، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا لمن أنكر ذلك، من الجهمية، والمعتزلة، ومن نحا نحوهم . وقد ذكرت كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ السعدي لوجود أحد المشوشين ممن زعم أنهما يفوضان وإلا فإنني قد كسلت عن ذكر كثير من أهل العلم المعروفين بالإثبات فصل في الكيف في الصفات وبيان مذهب السلف فيه من المسائل المتممة لمبحث التفويض والمهمة في تحقيق التصور السليم والتام لهذا الباب هو مسألة الكيف في الصفات وقبل بيان المراد من هذا الفصل أبين باختصار تعريف التكييف والفرق بينه وبين التمثيل والتشبيه : فالتكييف وصف دقيق أو مفصل أو تام للصفة والتشبيه وصف للموصوف بصفة الغير إجمالا والتمثيل وصف للموصوف بصفة الغير تفصيلا فكل ممثل مكيف مشبه وكل مشبه مكيف وليس كل مكيف ممثل فلم يختلف أهل السنة قاطبة وكذا ( من جهة نظرية ) المعطلة الجهمية ومن سار على خطاهم لم يختلفوا في أن تكييف صفات الله أمر محرم لا يجوز الولوج فيه فضلا عن الخوض لكن ليس المهم هو الاتفاق لفظيا ونظريا على غرار الشعارات ثم الاختلاف في حقيقة الأمر ومخالفة النصوص تسترا وراء ذلك الشعار وإنما المهم هو فهم التكييف فهما صحيحا ثم موافقة النصوص وما كان عليه السلف في ذلك . فبالنظر إلى النصوص الشرعية وما كان عليه سلفنا الصالح وجدنا التالي بما لا مجال للشك فيه : أ ـ أن هناك كيفا منفيا عن الله مطلقا وهو تكييف الصفات بكيفية صفات الخلق ، مصداقا لقوله تعالى : ( ولا يحيطون به علما ) . ب ـ وهناك كيف منفي من جهة علمنا به وهو غير منفي في أصله وهو المتعلق بكنه الصفات وحقائقها . فالأول تكييف وهذا كيف . ج ـ ووجدنا باستقراء كلام السلف أن الكيفية ليست هي إثبات معاني الصفات الظاهرة فأصل معنى الصفة شيء والكيفية التي تتعلق بمعانيها التفصيلية شيء آخر . ففرق بين المعنى الظاهر وبين الكيف أي ( بين المعنى المجمل والمعنى المفصل ) فالمعنى الظاهر للصفة والمجمل هو غير المعنى المفصل الذي يشترك في كثير من صوره مع الكيف وإليك هذا المثال الواضح الذي جاء فيه الكيف معبَّرا عنه بلفظ المعنى والمراد منه في المثال باتفاق المعنى التفصيلي : روى الإمام الأصبهاني قوام السنة بسنده في كتابه الحجة حديث الرؤية : "إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر " وفيه : " فقال رجل في مجلس يزيد بن هارون الواسطي: يا أبا خالد ، ما معنى هذا الحديث ؟ فغضب وحرد وقال: ما أشبهك بصبيغ وأحوجك إلى مثل ما فعل به ، ويلك ، من يدري كيف هذا ؟ " ا.هـ وكون المسؤول عنه وهو الرؤية وأنه معلوم المعنى فهذا باتفاقنا وأكثر مخالفينا وهو يبين بجلاء أن المراد بالمعنى المنفي هو المعنى التفصيلي الذي هو ولوج في الكيفية وإلا فلا أحد منهم يقول بأن الرؤية لا يُعلم معناها ، بل هم يصرحون بأنها رؤية العباد لربهم بأبصارهم حقيقة وأن التشبيه في الحديث برؤية القمر هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي فهناك فرق بين أصل معنى الصفة وبين كيفيتها وحتى تتضح الصورة ونحسم الإشكال نسأل المخالف سؤالا صريحا وواضحا : أنت تزعم أنك تثبت لله صفة السمع والبصر والقدرة ونحوها مما تسمونه الصفات العقلية وتثبتون معانيها وتحتجون بهذا على أنكم مجانبون للجهمية والمعتزلة الذين يؤولونها فيا ترى بإثباتك لها هل أنت مكيف لها أم تفرق بين إثباتك لمعاني هذه الصفات وبين تكييفها ؟!! لا يخلو جوابك من أحد أمرين : ـ إما أن تعترف بأن هناك فرقا بين إثبات المعنى وإثبات الكيف فلا يكون من أثبت المعنى قد كيّف وبهذا يسقط اعتراضك من أصله ـ وإما أن تصر على دعوى أنه لا فرق ومن أثبت المعنى فقد كيّف وعلى هذا فأنت قد كيفت السمع والبصر والقدرة .. وعليه فما جاز لك في هذه الصفات جاز لنا في غيرها ولا نوافقك على أنه تكييف فسمه أنت ما شئت ثم إن كان عندك إثبات صفة السمع بمعنى الإدراك الحقيقي لنفس الأصوات إن كان هذا تكييفا فماذا نسمي إثبات المعاني التفصيلية للسمع القائمة على إثبات كيفيات لحصوله أليس هذا هو التكييف ؟ أم أننا سنجمع بين المتفرقات ونسمي الجميع تكييفا ؟!! لعل هذا الخلط ناشئ عن الخلط السابق وما سبق بيانه مني سأدلل عليه بأقوال لأئمة السلف ومن سار على نهجهم من أئمة أهل السنة الموثوق بهم أما الفقرة الأولى فهي محل اتفاق ولا خلاف فيها كمبدإ وإنما الخلاف في التطبيق وهو ما سنبينه في الفقرة (ج) ومع هذا سأكتفي ببعض عبارات الأئمة لجلاء تلك الفقرة أعني (أ) قال الإمام اللالكائي في كتابه شرح الاعتقاد : " وسئل محمد بن جعفر عن قول الله تعالى الرحمن على العرش استوى قال من زعم أن الله استوى على العرش استواء مخلوق على مخلوق فقد كفر ومن اعتقد أن الله استوى على العرش استواء خالق على مخلوق فهو مؤمن والذي يكفي في هذا أن يقول إن الله استوى على العرش من غير تكييف " ا.هـ وقال الإمام الدارمي في نقضه : " فكما نحن لا نكيف هذه الصفات لا نكذب بها كتكذيبكم ولا نفسرها كباطل تفسيركم " ا.هـ وقال الإمام الأشعري : " وندين الله عز و جل بأنه يقلب القلوب بين أصبعين من أصابعه وأنه سبحانه يضع السماوات على أصبع والأرضين على ( 1 / 27 ) أصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير تكييف " ا.هـ وقال الإمام إسماعيل الأصبهاني في " الحجة " له : " ولا نكيف صفات الله عز وجل ، ولا نفسرها تفسير أهل التكييف و التشبيه ، و لا نضرب لها الأمثال ، بل نتلقاها بحسن القبول تصديقاً " ا.هـ فلا يجوز التكييف مطلقا وليس لأحد أن يكيف أي صفة لا خبرية ولا عقلية لأنه قائم على القياس في حق من لا نظير له ولا شبيه وهذا يمثل أصلا كليا في هذا الباب لا ينخرم لكن نفي التكييف من قِبَلنا لا يلزم منه نفي الكيف في حقيقة الصفة وعليه فما سيأتي عن أئمة السلف والسنة من اعتقاد وجود كيف للصفات في حقائقها وكنهها لكن لا نعلمه لا يعارض نفي التكييف لأن ترك التكييف سببه عدم العلم بالكيف لا انعدام الكيف قال الإمام ابن أبي زمنين المالكي : " فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ، | ووصفه بها نبيه ، وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير | فسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . لم تره العيون فتحده | كيف هو كينونيته ، لكن رأته القلوب في حقائق الإيمان به . " فالسبب في عدم التكييف هو عدم العلم به برؤية أو نحوها لا لأنه لا كيف له أصلا وروى الأثرم في السنة وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة وأبو عمرو الطلمنكي وغيرهم بإسناد صحيح عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون أنه قال : " فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو . وكيف يُعرف قدر من لم يبدأ ومن لا يموت ولا يبلى ؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى - يعرفه عارف أو يحد قدره واصف ؟ - على أنه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شيء أبين منه " ا.هـ فهنا بين أن له كيفا ولكنه غير معلوم لدينا قال العقيلي في " الضعفاء " والخلال في " السُّنَّة " كلاهما : أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا أحمد بن محمد المقدمي ، حدثنا سليمان بن حرب، قال: سأل بشر بن السري حماد بن زيد، فقال: يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء: (( ينزل الله إلى السماء الدنيا )) يتحول من مكان إلى مكان؟ فسكت حماد، ثم قال: (( هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف شاء ) وهذا إسناد صحيح ورواه ابن بطة في كتاب [ الإبانة ] فقال : حدثني أبو القاسم حفص بن عمر الأردبيلي، حدثنا أبو حاتم الرازي , حدثنا سليمان بن حرب، قال : سأل بشر بن السري ...فذكره بمثله قال الإمام أحمد بن حنبل : يضحك الله تعالى ولا يعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول وتثبيت القرآن " رواه الخلال والأصبهاني التيمي في الحجة وابن بطة أثبت أن الكيف لا يعلم لا أنه منعدم وقال الخلال في كتاب السنة : أخبرني عبيد اللّه بن حنبل، أخبرني أبي حنبل ابن أبي إسحق قال: قال عمي يعني أحمد بن حنبل : نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى كيف شاء وكما يشاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصفون، أو يحدها أحد، وصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب. فالكيف ثابت في نفس الصفة ولكننا نجهله وهو في الصفات الفعلية الاختيارية راجع للمشيئة . وقال أبو بكر الخلال في كتاب السنة ( أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - قيل له : أهل الجنة ينظرون إلى ربهم عز و جل ويكلمونه ويكلمهم ؟ قال : نعم ينظر وينظرون إليه ويكلمهم ويكلمونه كيف شاء وإذا شاء ) قال : ( وأخبرني عبد الله بن حنبل قال : أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال : قال عمي : نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فصفات الله له ومنه وهو كما وصف نفسه . قلت لأبي عبد الله : ( الله عز و جل يكلم عبد ه يوم القيامة ؟ قال : نعم فمن يقضي بين الخلائق إلا الله عز و جل ؟ يكلم عبده ويسأله الله متكلم لم يزل الله يأمر بما يشاء ويحكم وليس به عدل ولا مثل كيف شاء وأنى شاء ) وقال الصابوني : حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل، حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي، حدثني أبو بكر بن أحمد بن محبوب، حدثنا أحمد بن حمويه حدثنا أبو عبد الرحمن العباسي، حدثنا محمد بن سلام، سألت عبدالله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبدالله: يا ضعيف ليلة النصف! ينزل في كل ليلة، فقال الرجل يا أبا عبدالله! كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبدالله: ينزل كيف يشاء " ا.هـ هناك كيفية لنزوله لا يعلمها إلا هو تعالى . وقال الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن هارون الخلال في كتاب "السنة" حدثنا أبو بكر الأثرم حدثنا إبراهيم بن الحارث -يعني العبادي- حدثنا الليث بن يحيى قال سمعت إبراهيم بن الأشعث قال أبو بكر -هو صاحب الفضيل- قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف هو، لأن الله تعالى وصف نفسه فأبلغ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه، وكل هذا النزول والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطلع، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، فإذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه فقل: بل أؤمن برب يفعل ما يشاء " ا.هـ ونقل هذا عن الفضيل جماعة منهم البخاري في كتابه خلق أفعال العباد. فأثبت للنزول والضحك والمباهاة كيفيات لكن نحن لا نعلمها ولا ينبغي لنا أن نتوهمها وقال الإمام البخاري في كتابه خلق أفعال العباد : " ومن الدليل على أن الله يتكلم كيف شاء ... " ا.هـ فأثبت لتكلم الله كيفية لكنه لم يتعرض لبيان الكيفية لأنه محظور وقال الإمام الصابوني : " وقرأت لأبي عبد الله ابن أبي البخاري وكان شيخ بخاري في عصره بلا مدافعة وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني قال أبو عبد الله أعني ابن أبي حفص هذا سمعت عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول قال حماد بن أبي حنيفة قلنا لهؤلاء أرأيتم قول الله عز و جل وجاء ربك والملك صفا صفا قالوا أما الملائكة فيجيئون صفا صفا وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك ولا ندري كيفية مجيئه فقلت لهم إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه أرأيتم إن أنكر أن الملائكة تجيء صفاً صفاً ماهو عندكم ؟ قالوا: كافر مكذب. قلت: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب راوه أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وإسناده صحيح فالكيف ثابت في حقيقة الأمر لكنه مجهول عندنا وقال الإمام ابن أبي زمنين في كتابه في السنة : "ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل خلق العرش | واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ، ثم استوى عليه كيف | شاء ، كما أخبر عن نفسه " ا.هـ فأثبت للاستواء كيفية وعَزا هذا لأهل السنة . وقال الإمام زكريا بن يحي الساجي رحمه الله (307هـ) قال: "القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث، إن الله تعالى على عرشه، في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء" ا.هـ فهنا أيضا نقل الساجي إثبات الكيف للقرب نقله عن أهل الحديث وقال الإمام الأشعري كما نقله ابن عساكر في تبيين كذب المفتري نقلا من الإبانة : " ونقول أن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا وأن الله تعالى يقرب من عباده كيف يشاء كما قال ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وكما قال ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى " ا.هـ وقال أبو الحسن الأشعري في كتابه المقالات لما ذكر مقالة أهل السنة وأهل الحديث فقال : ( ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه و سلم [ إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر ؟ ] كما جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } ( النساء : 59 ) ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين وأن لا يحدثوا في دينهم ما لم يأذن الله ويقرون بأن الله يجيء يوم القيامة كما قال : { وجاء ربك والملك صفا صفا } ( الفجر : 22 ) وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ( ق : 16 ) قال الأشعري : ( وبكل ما ذكرنا من أقوالهم نقول وإليه نذهب ) فأثبت للقرب كيفية وهذا الإمام الأشعري أيضا قد أثبت لقربه كيفية راجعة لمشيئته لكنا لا نعلمها . وقال الإمام أبو عثمان الصابوني في رسالته في الاعتقاد : " قرأت فى رسالة أبى بكر الإسماعيلى الى أهل جيلان : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن النبى ، وقد قال عز وجل : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام ) وقال : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) نؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف ، فلو شاء سبحانه أن يبين كيف ذلك فَعَلَ ، فانتهينا إلى ما أحكمه وكففنا عن الذى يتشابه إذ كنا قد أمرنا به فى قوله : ( هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ) " ا.هـ كيف نزل وكيف جاء وكيف يأتي ؟ لو شاء الله لبين كل هذا الكيف الذي هو قائم بهذه الصفات ويعلمه الله وحده فهؤلاء أئمة الإسلام المتفق عليهم يثبتون أن هناك كيفا لكن الله لم يبينه لنا وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي في رسالته في الاعتقاد : " ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسني وموصوف بصفاته التي سمي ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه و سلم خلق آدم بيده ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف وأنه عز و جل استوى على العرش بلا كيف فإن الله تعالى انتهى من ذلك إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه " ا.هـ " بلا اعتقاد كيف " و " بلا كيف " نعلمه ونتعرض له ثم قرر أن الله تعالى لم يذكر كيف كان استواؤه ، إذًا هو قائم به لكنه لم يذكره . وسئل أبو علي الحسين بن الفضل البجلي عن الاستواء وقيل له : كيف استوى على عرشه ؟، فقال: " أنا لا أعرف من أنباء الغيب إلاَّ مقدار ما كُشف لنا، وقد أعلمنا جلّ ذكره انَّه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيف استوى " رواه الصابوني في عقيدة السلف ص:40 وظاهر عدم التكييف راجع لعدم العلم به لا لانعدامه قال الحافظ أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي : " أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله {وهو معكم أينما كنتم } ، ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء " ا.هـ وقال العلامة أبو أحمد الكرجي ، في عقيدته التي ألفها فكتبها الخليفة القادر بالله ، وجمع الناس عليها وأمر ، وذلك في صدر المائة الخامسة وفي آخر أيام الإمام أبي حامد الإسفرائيني شيخ الشافعية ببغداد ، وأمر بإستتابة من خرج عنها من معتزلي ورافضي وخارجي ، فمما قال في تلك العقيدة : " كان ربنا عزوجل وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه فخلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجة إليه فاستوى عليه إستواء إستقرار كيف شاء وأراد لا إستقرار راحة " ا.هـ وقرأت لبعض أهل العلم أنه عد ما في هذا المعتقد إجماعا وقال الإمام معمر بن زياد الأصبهاني : " وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والإستواء معقول والكيف مجهول وأنه بائن من خلقه والخلق بائنون منه فلا حلول ولا ممازجة ولا ملاصقة وأنه سميع بصير عليم خبير يتكلم ويرضى ويسخط ويعجب ويضحك ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بلا كيف ولا تأويل كيف شاء فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال " ا.هـ فأثبت للنزول وللاستواء كيفا لكنه مجهول لدينا . وتأمل نفيه للكيف في الأول ثم إثباته للكيف فهو يبين لك ما أردت إيصاله إليك ـ " بلا كيف " أي نعلمه أو نتعرض له ـ و " كيف شاء " مما هو عليه تعالى ويعلمه وقال الإمام عبدالباقي المواهبي الحنبلي في كتابه العين والأثر : " والكلام حقيقة الأصوات والحروف وإن سمي به المعنى النفسي وهو نسبة بين مفردين قائمة بالمتكلم فمجاز ... فلم يزل الله متكلما كيف شاء إذا شاء بلا كيف " وقال العلامة الملطي الشافعي في كتابه التنبيه والرد : " ومما يدل على أن الله تبارك وتعالى ينزل كيف يشاء إذا شاء صعوده إلى السماء واستواؤه على العرش " ا.هـ قال الشوكاني : " ولم يحط بفائدة هذه الآية ويقف عندها ويقتطف من ثمراتها إلا الممرون الصفات على ظاهرها المريحون أنفسهم من التكلفات والتعسفات والتأويلات والتحريفات وهم السلف الصالح كما عرفت فهم الذين اعترفوا بالإحاطة وأوقفوا أنفسهم حيث أوقفها الله وقالوا الله أعلم بكيفية ذاته وما هية صفاته " ا.هـ فيه إثبات الكيف مع تفويض العلم بهذا الكيف ومما اشتهر وكان كلمة اتفاق قول العلماء عن كثير من الصفات : " والكيف مجهول " ولو كان الكيف عدما لما كان مناسبا وصفه في هذا المقام الدقيق بما يفهم منه أنه ليس بعدم بل موجود لكنه مجهول لدينا فقط كل هذه الأقوال وغيرها دالة على المراد من أن لصفات الله كيفيات ما لكن لا نعلمها فلذلك لانكيفها ولا ننفيها وهذا شيء ينبغي أن يكون مسلّما ولا يحتاج منا إلى كل هذه النقول فالصفات باعتبارها صفات قائمة حقيقية فلا بد أن يكون لها كنه وحقيقة ولا يمكن أن يكون هناك كنه وحقيقة دون كيفية فما لا كيفية له فليس له كنه ولا حقيقة ، وما كان كذلك فليس بشيء وليس بموجود وبهذا نكون قد دللنا على الفقرة (أ) و (ب) بكلام السلف وغيرهم من أهل السنة كما وعدنا وبقيت الفقرة الثالثة (ج) وهي في التفريق بين إثبات المعنى الظاهر وبين التكييف ، فقد سبق أن صفة السمع والبصر ثابتتان بمعناهما المعروف و مع اعتقادنا لمعناهما لا نكيفهما وهذا الموقف منا في صفة السمع والبصر ونحوهما لم يستشكله المخالفون لنا من أهل التعطيل وقبلوا تفريقنا بين إثبات المعنى ونفي التكييف لكنهم أو كثير منهم نصبوا لنا الإشكال في هذا التفريق عند إثباتنا للصفات الخبرية كاليدين والنزول ونحوهما وهذا منهم تناقض يكشف ما لديهم من خلط في هذه المسائل فإليك تطبيقات العلماء وأقوالهم لتنكشف لك الرؤية أكثر قال الإمام أبو الحسن الأشعري : " وأن له عينين بلا كيف " ذكر هذا في كتابه مقالات الإسلاميين وفي الإبانة وتثنية العينين لم تثبت في لفظ فهذا دليل على إثباته المعنى وأنه عنده غير الكيف قال الإمام ابن خزيمة : " باب أخبار ثابتة السند صحيحة القوام رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفيه نزول خالقنا إلى سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل. والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم. فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الاخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفيه النزول. وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا أنه ينزل إليه إذ محال في لغة العرب أن يقول نزل من أسفل إلى أعلى ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل " ا.هـ فأثبت معنى النزول وفرق بينه وبين الكيفية ففوض هذا الكيف . قال العلامة أبو بكر بن موهب المالكي : " قال الشيخ أبو محمد : إنه فوق عرشه المجيد بذاته، ثم بيّن أن علوه على عرشه إِنما هو بذاته لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف " ا.هـ وكذا الإمام أبو نصر السجزى فقد قال في رسالته المشهورة إلى أهل زبيد : " واعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه فوق العرش بذاته من غير مماسة وأن الكرامية ومن تابعهم على قول المماسة ضلال ، وقد أقر الأشعري بحديث النزول ثم قال : [ النزول فعل له يحدثه في السماء ] وقال بعض أصحابه [ المراد به نزول أمره ] ونزول الأمر عندهم لا يصح وعند أهل الحق الذات بلا كيفية …وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته فوق العرش بلا كيفية بحيث لا مكان وقد أثبت الذي في موطأ مالك بن أنس رحمه الله وفي غيره من كتب العلماء : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية التي أراد عتقها من عليه رقبة مؤمنة : ( أين الله ؟ قالت : في السماء فقال : من أنا ؟ قالت : رسول الله ، قال : اعتقها فإنها مؤمنة " ا.هـ فأثبت فوقية الذات ونزول الذات وهذا إثبات للمعنى ، ونفى في نفس الوقت الكيف . فإثبات المعنى غير التكييف وقال الإمام الزنجاني : " ولكنه مستو بذاته على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه " ا.هـ هنا أيضا إثبات المعنى ونفي الكيف الشهرزوري فصل من صفاته تبارك وتعالى فوقيته واستواؤه على عرشه بذاته، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله لله صلى الله عليه وسلم بلا كيف. فانظر إلى إثبات معنى الاستواء وأنه استواء الذات وفي نفس الوقت نفي الكيف أي نفي التعرض له والعلم به ويقول الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي في قصيدته في السنة: وأن استواء الرب يعقل كونه ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب وقد سبق أنه نقل قصيدته الإمام ابن الصلاح ونقلها من خط ابن الصلاح غير واحد منهم الإمام الذهبي . ومن تطبيقات العلماء للأخذ بمعاني النصوص والتفريق بينها وبين الكيف قول الإمام عبد القادر الجيلاني : " وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، ثم. قال: وكونه عز وجل على العرش مذكور في كل كتاب انزل على كل نبي أرسل بلا كيف ، فالاستواء من صفات الذات بعد ما أخبرنا به وأكده في سبع آيات من كتابه والسنة الماثورة به ، وهو صفة لازمة له ولائقة به كاليد والوجه والعين والسمع والبصر والحياة والقدرة ، وكونه خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً ، موصوف بها ، ولا نخرج من الكتاب والسنة ، نقرأ الآية والخبر ونؤمن بما فيهما ، ونكل الكيفية في الصفات إلى علم الله عز وجل " ا.هـ فتأمل إثبات كيفيات موكول علمها إلى الله وقبلها أثبت معنى الاستواء والفوقية ونفى الكيف . وقال شمس الأئمة أبو العباس السرخسي الحنفي : ( وأهل السنة والجماعة ، أثبتوا ماهو الأصل ، معلوم المعنى بالنص _أي بالآيات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فيما هو متشابه وهو الكيفية ، ولم يجوزوا الاشتغال في طلب ذلك) (شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري ص 93) فالمعنى شيء مثبت أما الكيف فهو شيء آخر مفوض . قال الإمام أحمد بن إبراهيم الواسطي ت 711 هـ : " فكذلك نقول نحن حياته معلومة وليست مكيفة وعلمه معلوم وليس مكيفا وكذلك سمعه وبصره معلومان وليس جميع ذلك أعراضا بل هو كما يليق به ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به واستواؤه على عرشه معلوم ثابت كثبوت السمع والبصر غير مكيف " ا.هـ وقال الإمام المفسر القرطبي : " وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة . وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا. فأثبت المعنى بالصريح ونسبه للسلف وللإمام مالك وفرق بينه وبين الكيف وجعله مجهولا مفوضا وهذا اعتراف هام وما أصرحه : " الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول " فهناك فرق بينهما وفيه دلالة على أن الكيف غير منفي في علم الله وقال الملاَّ علىُّ القاري بعد ذكره قول الإمام مالك: "الاستواء معلوم والكيف مجهول…" قال : " اختاره إمامنا الأعظم - أي أبو حنيفة - وكذا كل ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهات من ذكر اليد والعين والوجه ونحوها من الصفات. فمعاني الصفات كلها معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة؛ إذْ تَعقُّل الكيف فرع العلم لكيفية الذات وكنهها. فإذا كان ذلك غير معلوم؛ فكيف يعقل لهم كيفية الصفات " ا.هـ تأمل أخي الكريم كلامه : المعاني معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة وقال العلامة محمد أنور الكشميري في العرف الشذي : " واعلم أن المشابهات مثل نُزول الله إلى السماء الدنيا ، واستواءه على العرش ، فرأى السلف فيها الإيمان على ظاهره ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل وتكييف ، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى " ا.هـ فالمعنى الظاهر عند السلف شيء وهو مثبت ، والتكييف شيء آخر وهو مفوض ، وهذا يقوله الكشميري معترفا لأنه أشعري ماتريدي وقال الكشميري : " ودل ماروينا على رغم أنف من قال بأن أبا حنيفة جهمي عياذاً بالله ، فإن أبا حنيفة قائل بما قال السلف الصالحون ، فالحاصل أن نزول الباري إلى سماء الدنيا نزول حقيقة يحمل على ظاهره ويفوض تفصيله وتكييفه إلى الباري عز برهانه ، وهو مذهب الأئمة الأربعة والسلف الصالحين " ا.هـ تأمل فالتكييف عنده هو تفصيل المعنى وفيه أن إثبات النزول على حقيقته كما هو ظاهر معناه شيء والتكييف شيء آخر ومع هذا فالكيف يعلمه الله وليس هو بعدم ـــ ماذا نسمي هذا الذي نقله هذا العالم الأشعري الماتريدي معترفا وعزاه للسلف بما فيهم الأئمة الأربعة ؟ هل هو تأويل ؟ أم تفويض ؟ وإن لم يكن ، فما هو وماذا نسميه ؟! وهابية أم تيمية وعليه فالأئمة الأربعة وهابيون تيميون !! ماذا يريد المخالف أكثر من هذه الاعترافات !! وقال الإمام الذهبي معقبا على أثر مالك في الاستواء : " وهو قول أهل السنة قاطبة ، أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها ، وأن استواءه معلوم ، كما أخبر في كتابه ، وأنه كما يليق به ، لا نتعمق ولا نتحذلق ، لا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولا إثباتاً ، بل نسكت ونقف ، كما وقف السلف " ا.هـ فالكيفية تجهل لا تنفى مع أن المعنى معلوم ، فالمعنى غير الكيف. وعلّق الإمام الذهبيُّ على أثر الإمام أبي جعفر الترمذي في إثباته النزول بقوله : " صدق فقيهُ بغداد وعالمُها في زمانه ؛ إذ السؤال عن النزول ما هو؟ عيٌّ؛ لأنَّه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلاّ فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليّةٌ واضحةٌ للسامع، فإذا اتّصف بها من ليس كمثله شيء، فالصفة تابعةٌ للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر، وكان هذا الترمذي من بحور العلم ومن العباد الورعين " ا.هـ ففرق بين المعنى المثبت وبين الكيف المجهول عندنا نحن البشر لا عند الله صاحب هذه الصفات وقال الإمام الشوكاني : " ومن جملة الصفات التي أمرها السلف على ظاهرها وأجروها على ما جاء به القرآن والسنة من دون تكلف ولا تأويل صفة الاستواء التي ذكرها السائل ، يقولون : نحن نثبت ما أثبته الله لنفسه من استوائه على عرشه على هيئة لا يعلمها إلا هو وكيفية لا يدري بها سواه ، ولا نكلف أنفسنا غير هذا فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ، ولا تحيط عباده به علما ، وهكذا يقولون في مسألة الجهة التي ذكرها السائل وأشار إلى بعض ما فيه دليل عليها والأدلة في ذلك طويلة كثيرة في الكتاب والسنة وقد جمع أهل العلم منها لا سيما أهل الحديث مباحث طولوها بذكر آيات قرآنية وأحاديث صحيحة . وقد وقفت من ذلك على مؤلف بسيط في مجلد جمعه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي رحمه الله ، استوفى فيه كل ما فيه دلالة على الجهة من كتاب أو سنة أو قول صاحب مذهب والمسألة أوضح من أن تلتبس على عارف وأبين من أن يحتاج فيها إلى التطويل " ا.هـ فأثبت بالصريح معنى الاستواء وفوض كيفيته مثبتا أنها معلومة عند الله وهذا تفريق منه صريح بين المعنى والكيف . إذا علمت كل ما تقدم تبين لك أن الخلط وعدم التفريق بين إثبات أصل الكيف وبين تفويض العلم بكنهه وحقيقته هو الذي ورط المخالفين وأوقعهم في الاضطراب والخلط في التعامل مع نصوص السلف وسبق أن ذكرت المعطلين لصفات الله من المؤولة والمفوضة بأنهم يوافقوننا في نفي التكييف نظريا ولفظيا بينما هم يكيفون الصفات تحت مسمى التنزيه عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : كنت أنا وأبي عابرين في المسجد ، فسمع قاصاً يقص بحديث النزول ، فقال : إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا ، بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال . فارتعد أبي ـ رحمه الله ـ ، واصفر لونه ، ولزم يدي ، وأمسكته حتى سكن ، ثم قال : قف بنا على هذا المتخوض ، فلما حاذاه قال : يا هذا ، رسول الله صلى الله عليه وسلم أغير على ربه عز وجل منك ، قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . وانصرف " فالتفصيل في النفي نوع من الخوض في الكيفية والتكييف غير قاصر على المتجاوزين في الإثبات من المشبهة بل التفصيل في النفي والذي يلهج به طوائف التعطيل هو في أكثره من الخوض في الكيف قال الإمام الآجري في كتابه الشريعة : " باب : الإيمان والتصديق بأن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله : الإيمان بهذا واجب ، ولا يسع المسلم العاقل أن يقول : كيف ينزل ؟ ولا يردد هذا إلا المعتزلة . وأما أهل الحق فيقولون : الإيمان به واجب بلا كيف ، لأن الأخبار قد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله عز وجل ، ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ، والذين نقلوا إلينا هذه الأخبار هم الذين نقلوا إلينا الأحكام من الحلال والحرام ، وعلم الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد وكما قبل العلماء منهم ذلك ، كذلك قبلوا منهم هذه السنن ، وقالوا : من ردها فهو ضال خبيث ، يحذرونه ويحذرون منه " ا.هـ فطلب الكيف عزاه هنا الإمام الآجري للمعتزلة أحد أبرز طوائف التعطيل طبعا المعتزلة لا يقولون كيف إثباتا وإنما نفيا تماما كما تفعل طوائف التعطيل وإن كان مراده هنا طلبهم الكيف تعجيزا لأهل الإثبات كما يفعله اليوم معنا كثير من الأشاعرة عندما نجيبهم بمعاني الصفات فيطلبون منا التفصيل في إثبات المعاني تعجيزا ونقل الإمام الذهبي عن محمد بن الحسن المصري القيرواني قوله في الاستواء : " وهذا هو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة قال الذهبي : " قلت سلب هذه الأشياء وإثباتها مداره على النقل فلو ورد شيء بذلك نطقنا به وإلا فالسكوت والكف أشبه بشمائل السلف إذ التعرض لذلك نوع من الكيف وهو مجهول وكذلك نعوذ بالله أن نثبت إستواءه بمماسة أو تمكن بلا توقيف ولا أثر بل نعلم من حيث الجملة أنه فوق عرشه كما ورد النص " ا.هـ والعاقل يعلم صحة هذا الكلام فكل أحد يفصل في وصف شيء لم يره سواء بالنفي أو الإثبات ويغرق في هذا التفصيل دون مستند خاص في هذه الأوصاف فهو خائض فيما لا ينبغي له سواء نفى أم أثبت ومن هذا تعلم انحراف أهل التعطيل الذين فتحوا باب الخوض بالنفي على مصراعيه فجوزا نفي ما لم ينفه الله عن نفسه ولا نفاه عنه رسوله ولا سلفنا الصالح ولو كانوا صادقين في حرصهم على كمال الله وتنزيهه لما فتحوا الباب على مصراعيه للنفاة ولو من غير دليل وأغلقوه على المثبتين ولو بالدليل أو على الأقل لو كانوا صادقين لأغلقوا الباب على الفريقين من باب أن القوم قد احتاطوا بزيادة أما أن يفتح الباب للنفي والتعطيل دون التقيد بالنصوص ويغلق باب الإثبات ولو مع توافر الأدلة فهذه هي ثالثة الأثافي وهذا وحده يكشف لك أن غرضهم هو التعطيل ليس إلا والناظر في كتب من أسرفوا في التعطيل يعلم أن النفي الغير منضبط بالدليل قد ملأ طروحاتهم في هذا الباب فعلى سبيل المثال تجدهم يلهجون بوصف الله سبحانه وتعالى بقولهم : ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر ولا عرض ولا طويل ولا عريض ولا مركب ولا مؤلف ولا يقبل الانقسام ولا يشغل الأمكنة ولا يصح عليه الحركة ولا السكون ولا الانتقال ولا الحالية ولا المحلية وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار ولا تحويه جهة من الجهات الست وليس في جهة ولا حيز ولا هو متصل بالعالم ولا هو منفصل عنه ولا هو داخل فيه ولا خارج عنه وأن سائر الجهات فارغة منه وليس شاغلا لواحد منها فلا داخل العالم به مشغول ولا خارج العالم عنه مشغول تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن يحده زمان ولا يدركه الإحساس ويوجد عنهم ما هو أشنع من هذا ما ورد في الحد ومعناه وعلاقته بالكيف قال العلامة ابن منظور : " الحد الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر وجمعه حدود وفصل ما بين كل شيئين حد بينهما ومنتهى كل شيء حده ... وحد الشيء من غيره يحده حدا وحدده ميزه ... وأصل الحد المنع والفصل بين الشيئين " وذكر اشتقاقا قال عنه : " من الحد الذي هو الحيز والناحية " [ والحد الكف عن الشيء ] والحد الصرف عن الشيء وفي المعجم الوسيط : " والشيء من غيره مازه منه " وقال الجرجاني في التعريفات : " الحد قول دال على ماهية الشيء " قال السيوطي في معجم المقاليد : " الحد : هو القول الدال على ماهية الشيء ، وقيل : إنه قول دال على ما به الشيء هو هو ، وقيل : هو قول يقوم مقام الاسم في الدلالة على الماهية " . ومع تحفظي على لفظ الحد فلا إشكال في الإخبار عن الله بأنه منفصل عن الخلق ومتميز عنهم وأنه في جهة العلو وأن له تعالى في حق ذاته وصفاته ماهيةً وحقيقةً وكنهًا . وكل هذه المعاني ثابتة لله وكلها يطلق عليها لفظ الحد وأنا لا أطلقه في حق الله تحفظا واقتصارا على المنصوص عليه ، لكن جماعة من أهل العلم يطلقونه يريدون به بعض هذه المعاني . كما أنه ينفى عنه عندما يكون بمعنى ممنوع في حق الله كالتكييف والتشبيه . وإليك بعض التطبيقات عن أهل العلم في هذا : أ ـ الحد بمعنى التكييف وربما التشبيه : روى الخلال من طريق حنبل عن أحمد قوله : " وهو خالق كل شئ وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير قول إبراهيم لأبيه لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث " وبقريب من هذا اللفظ رواه ابن قدامة في تحريم النظر بمحل الشاهد وكذا ابن بطة فالحد المنفي ليس هو مجرد معنى الصفة بدليل تمثيله بالسمع والبصر اللذين لا خلاف بيننا وبين مخالفينا في إثبات معانيهما وإنما الحد هنا بمعنى التحديد الذي هو التكييف وجاء في رواية حنبل كما في السنة للخلال : قلت له أحمد : والمشبهة ما يقولون ؟ قال : من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد شبه الله بخلقه وهذا يحده وهذا كلام سوء " وهنا أيضا نفي الحد وتفسيره هنا بمعنى التشبيه والتكييف وقال الخلال في كتاب السنة : أخبرني عبيد اللّه بن حنبل، أخبرني أبي حنبل ابن أبي إسحق قال: قال عمي يعني أحمد بن حنبل : نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى كيف شاء وكما يشاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصفون، أو يحدها أحد، وصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب " ا.هـ ونقل الخلال ( كما في اجتماع الجيوش ) : عن حنبل عن أحمد : " وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه قال : فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير " ا.هـ ولا فرق بين الحد المنفي في صفة السمع والبصر والمنفي في صفة اليد والنزول فكلاهما المراد به نفي التكييف فكما لا يلزم من نفي الحد في السمع نفي المعنى ولا يعتبر من أثبت معنى السمع قد حدد فكذلك لا يلزم من نفي الحد في اليد والنزول نفي المعنى ولا يعتبر من أثبت معنى اليد أو النزول قد حدد أما دعوى المخالف فلا مستند لها إلا المزاج !! فتراه يثبت معنى السمع والبصر والقدرة ولا يعتبر نفسه قد حدد وإنما يسوغ لنفسه عندها التفريق بين الحد وبين إثبات المعنى والويل لك ثم الويل إن أثبتَّ معنى لأي صفة لا يرى هو إثباتها فأنت عندها محدد للصفات وواقع في هذا المحذور ويصبح هنا إثبات المعنى هو التحديد بعدما كان بينهما فرق هناك !! وقال أبو عبد الله محمد بن عبدالله ابن أبي زمنين الإمام المشهور من أئمة المالكية في كتابه الذي صنفه في أصول السنة في باب الإيمان بالنزول قال: ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى سماء الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حداً، وذكر الحديث من طريق مالك وغيره -إلى أن قال-: وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن الزهري عن ابن عباد قال: وممن أدركت من المشايخ مالك وسفيان وفضيل بن عياض، وعيسى بن المبارك ، ووكيع كانوا يقولون: إن النزول حق. قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي عن النزول قال: نعم أومن به ولا أحد فيه حداً. وسألت عنه ابن معين فقال: نعم أؤمن به ولا أحد فيه حداً اهـ. وذكر ابن أبي زمنين آيات الصفات وأحاديثها ثم قال بعدها: " فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " ا.هـ " لم تره العيون فتحده كيف هو " فيه أن الكيف ثابت في نفسه لكن المنفي هو إدراكنا له والتعليل واضح في إثبات هذا وقال الإمام ابن شاهين : " وأن الله ينزل | إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه بلا حد ولا صفة " ا.هـ المعنى لا يحتاج إلى شرح ، أيْ ولا صفة تفصيلية لأن ابن شاهين جرى في كتابه على الإثبات وليس بجهمي معتزلي حتى ينفي جنس الصفة وهذا يقرب لك معنى الحد هنا وأنه الكيف فهو المعنى التفصيلي والمقام مقام إنكار التوسع والتفصيل في الإثبات وقال ابن شاهين : " وأشهد أن جميع الصفات التي وصفها الله عز وجل في القرآن حق سميع | بصير بلا حد محدود ولا مثال مضروب عز جل أن يضرب له الأمثال " ا.هـ ونفي التحديد في السمع يفيد أن إثبات المعنى ليس بتحديد قال الأزهري اللغوي " والسَمِيعُ من صفات الله وأسمائه . وهو الذي وسِعَ سَمْعُهُ كلّ شيء ؛ كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الله تبارك وتعالى : ( ) ( المجادلة : 1 ) وقال في موضع آخر : ( مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ ) ( الزخرف : 80 ) قلت : والعَجَب من قوم فسَّروا السَمِيع بمعنى المُسْمِع ، فراراً من وصف الله بأن له سَمْعاً . وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه . فهو سَمِيعٌ : ذو سَمْعٍ بلا تكييف ولا تشبيه بالسميع من خَلْقه ، ولا سَمْعُه كسمع خَلْقه ، ونحن نَصِفُهُ بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف . ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السَّمِيعُ سَامِعاً ، ويكون مُسمِعاً . وقد قال عمرو بن مَعْدِي كَرِبَ : أمِنْ ريحانة الداعي السَّمِيعُ يؤرِّقني وأصحابي هجوعُ وهو في هذا البيت بمعنى المُسْمِع ، وهو شاذّ ؛ والظاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السميع بمعنى السامع ، مثل عليم وعالم وقدير وقادر " ا.هـ قال الإمام أبو بكر محمد بن الحسن المصري القيرواني المتكلم صاحب رسالة الإيماء إلى مسألة الإستواء فساق فيها قول أبي جعفر محمد بن جرير وأبي محمد بن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الفقه والحديث أن الله سبحانه مستو على العرش بذاته قال : وأطلقوا في بعض الأماكن أنه فوق عرشه ثم قال : " وهذا هو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة " ا.هـ قال الذهبي معلقا : " قلت سلب هذه الأشياء وإثباتها مداره على النقل فلو ورد شيء بذلك نطقنا به وإلا فالسكوت والكف أشبه بشمائل السلف إذ التعرض لذلك نوع من الكيف وهو مجهول وكذلك نعوذ بالله أن نثبت إستواءه بمماسة أو تمكن بلا توقيف ولا أثر بل نعلم من حيث الجملة أنه فوق عرشه كما ورد النص " ا.هـ وإذا كان الحد هنا بمعنى الكيف والتحديد بمعنى التكييف فإنه يأخذ أحكام الكيف السابقة فالتكييف منفي عن الله مطلقا أما الكيف فالمنفي هو علمنا به وأما أصله فهو ثابت في كل صفة فكل صفة لها كيفية لكن لا نعلمها نحن قال القاضي أبو يعلى : " رأيت بخط أبي إسحاق حدثنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء سمعت أبا بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال لله تعالى حد فقال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تبارك وتعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش يقول محدقين " ا.هـ وسبق قول الإمام ابن أبي زمنين : " فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " ا.هـ " لم تره العيون فتحده كيف هو " فيه أن أصل الحد عنده والذي بمعنى الكيف ثابت في نفسه لكن المنفي هو إدراكنا له والتعليل واضح في إثبات هذا وإن كنت لا أرى التعبير بالحد مطلقا لإجماله ولعدم ثبوته في النصوص المرفوعة ولعدم اشتهاره بين السلف ولاستخدام المتكلمين له استخدامات مشتبهة ولكني بينت المراد منه لدى أصحابه وعبارة الحد بمعنى التكييف والتشبيه قد يساء استعمالها في غير محلها كما هو الحال اليوم فإن المعطلة يتهمون كل مثبت للصفات بأنه قد حدد وشبه وهم إنما ينظرون بحدقة التعطيل التي تُصوّر لهم الأمور بناء على ذاك المبدإ . كمن يلبس نظارة سوداء وينظر بها إلى أرض خضراء مفروشة بالعشب ثم إذا قيل له هذه خضراء ، عارضَ وأنكر وزعم أنها يباب فأنى له أن يعترف بخضارها والسواد يغطي عينيه قال المروذي سمعت أبا عبد الله قيل له أي شيء أنكر على بشر بن السري ، وأي شيء كانت قصته بمكة ؟ قال : تكلم بشيء من كلام الجهمية فقال إن قوما يحدون ، قيل له التشبيه ؟ فأومأ برأسه نعم قال : فقام به مؤمل حتى جلس فتكلم ابن عيينة في أمره حتى أخرج ، وأراه كان صاحب كلام نقله الثقة النبيل والمؤتمن الصدوق الإمام العدل الورع بقية السلف أحمد ابن تيمية في كتابه نقض التأسيس ب ـ الحد بمعنى الإثبات البيِّن . وقال الخلال : " وقال حنبل في موضع آخر، عن أحمد : ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه. قد أجمل الله الصفة فحدَّ لنفسه صفة ليس يشبهه شيء " ا.هـ نقلا عن اجتماع الجيوش لابن القيم وهذا التعبير بالحد على هذا المعنى غير مشتهر في استعمال العلماء وهو هنا مثبت عند الإمام أحمد وليس بمنفي ج ـ الحد بمعنى البينونة . روى الخلال في كتاب السنة : أخبرنا أبوبكر المروذي قال : سمعت أبا عبدالله قيل له : روي عن علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له : كيف نعرف الله عز و جل ؟ قال على العرش بحد . قال [ أحمد ] : " قد بلغني ذلك عنه " وأعجبه ، ثم قال أبو عبدالله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) ثم قال : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) وقال الخلال : وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال : قلت لأحمد بن حنبل : يحكى عن ابن المبارك - وقيل له : كيف تعرف ربنا ؟ - قال : في السماء السابعة على عرشه بحد . فقال أحمد : هكذا هو عندنا وأخبرني حرب بن إسماعيل قال : قلت لإسحاق - يعني ابن راهويه - : هو على العرش بحد ؟ قال : نعم بحد وقال الدارمي : وسئل عبدالله بن المبارك بم نعرف ربنا ؟ قال : بأنه على عرشه بائن من خلقه قيل : بحد ؟ قال : بحد حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن على بن الحسين بن شقيق عن ابن المبارك به وانظر العلو للذهبي وقال ابن بطة : حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شهاب قال ثنا أبي أحمد بن عبد الله قال ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم قال حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال قلت لأحمد بن حنبل ... قال وحدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء قال ثنا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قال ثنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبد الله وقيل له روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك ... وفيه إقرار أحمد وإسحاق لقوله بحد وهو في السنة لعبد الله أيضا وفي التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7 / 142 ) " قال أبو داود وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن موسى وعلي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش قيل له بحد ذلك قال نعم هو على العرش فوق سبع سموات " ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي بن الحسن فقول ابن المبارك : " على عرشه بحد " نص على أنه أثبت علو الذات فإن معنى قوله هذا أنه تعالى مباين بهذه الفوقية ومنفصل عن كل خلقه وهذا يعني أن هناك حدا فاصلا بينه وبين خلقه وهذا يستحيل حمله على غير الذات قال الدارمي : " ومما يبين ذلك قوله تعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}. ففي هذه الآية بيان لتحقيق ما ادعينا للحد، فإنه فوق العرش بائن من خلقه، ولإبطال دعوى الذين ادعوا أن الله في كل مكان..." ا.هـ وقال أيضاً : " لأن الكلمة قد اتفقت من الخلق كلهم أن الشيء لا يكون إلا بحد وصفة " ا.هـ انظر الرد على الجهمية وهو قول أحمد وإسحاق كما في هذه الآثار د ـ الحد بمعنى الجهة . ذهب بعض أهل العلم إلى أن الحد الذي أثبته الأئمة ابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه هو بمعنى الجهة وسياق الآثار يحتمله بل منها ما يجعله وجيها حسب عبارة صاحبها والله أعلم والحد كمصطلح لم يرد لفظه في النصوص وإنما جاء في اصطلاحات أهل العلم وله عدة معاني فمن عبر به وأراد معنى جاء به النص قبلنا منه مراده ولا تلزمنا عبارته ولا مشاحة في الاصطلاح ومن أراد به معنى باطلا رددنا لفظه ومعناه وأنكرنا عليه . أبرز ما تعلق به المفوضة في إلصاق مذهبهم بمذهب السلف لقد أثبتنا لك أخي الكريم تقرير السلف الصالح وأئمة السنة إثباتَ الصفات الخبرية بمعانيها الظاهرة دون تفويض لمعانيها ولا تأويل ، وذلك من خلال صريح عباراتهم وتطبيقاتهم الثابتة المتضافرة عبر آثارهم وأقوالهم بصورة لا تدع مجالا للشك بما اجتمعت عليه من إثباتٍ لهذا الأصل . وأظن أن هذا كاف لحسم هذه القضية وتبرئة السلف مما نسب إليهم من مذهب التفويض الذي هو مذهب نفاة الصفات من متكلمي الأشاعرة . كيف لا والسلف الصالح بشحومهم ولحومهم قد نقضوا هذه الدعوى ونفوها عن أنفسهم عندما أثبتوا معاني الصفات . وإذا علمنا أن إلصاق مذهب التفويض بالسلف مع كونه مجرد دعوى عارية عن أي دليل فهي إضافة إلى هذا إنما صدرت من جهة مشبوهة لم تُعرف يوما ما باتباع السلف ولا بتقيُّدها بما كانوا عليه لا في هذا الباب ولا غيره من أبواب العقيدة ، بل هي جهة معروفة باتباع النقيض لمذهب السلف ألا وهو مذهب أهل الكلام الذي كان عامة السلف يحذرون منه وينفرون الناس عنه وعن أهله وهذه الجهة التي أعنيها هي الأشاعرة . وقارن على سبيل المثال مذهبهم في باب الإيمان ومسائله ، وخبر الآحاد ، وباب القدر ومسائله ، وقضية خلق القرآن ، والأفعال الاختيارية ، ومعنى الإله ، ومسألة أول واجب على العبد ، والتشكيك في إيمان عامة الأمة بدعوى إبطال إيمان المقلد . قارنه بمذهب السلف لتعرف قدر السلف عند هؤلاء ومقدار تقيدهم بهم وكيف أنهم في واد والسلف رحمهم الله في واد آخر ، بل يفصل بين الواديين جبال عظيمة ومفازات مهلكة ! فكيف يقبل بعد هذا أن يكون خصوم مذهب السلف هم أولى الناس به وأتبع الناس له ؟!! ومما يؤكد أن هؤلاء المشبوهين الذين هم من أتباع المتكلمين ليسوا محل ثقة في النقل عن السلف أنهم لا يعرضون التفويض على أنه مذهب للسلف إلا على طاولة واحدة مع التأويل الذي لهج السلف بالنكير عليه وعلى أهله !! يعرضونهما على أنهما خطان متقاربان بل يصبان في مكان واحد !! بل في كثير من الأحيان ينقل هؤلاء المشبوهون في الصفة الواحدة نفس التأويل الذي أنكره السلف بعينه كتأويل اليد بالقدرة أو الاستواء بالاستيلاء أو الوجه بالذات فينقله المشبوهون مقررين لذلك ويرفقون به الوجه الآخر وهو التفويض وينسبونه للسلف ويدعون أن القولين لا يتعارضان فالأول تأويل مفصل والثاني تأويل مجمل أنا والله وبالله وتالله لم أر استخفافا بالعقول كهذا ! كيف يزعم هؤلاء بكل هذه الجرأة أن الذي كان ينكره السلف من تأويلات الجهمية هو مذهب يسير بمحاذاة مذهب السلف وأنه لا خلاف حقيقي بينه وبين مذهب السلف هذا استخفاف له قرنان إذًا دعوى أن السلف كانوا يفوضون الصفات بمعنى أنهم كانوا ينفون معانيها الظاهرة ويعتقدون أن ظاهرها غير مراد ولا يثبتون في المقابل معنى آخر لها معينا ! هذه الدعوى مع عدم قيام أي دليل على صحتها عنهم فهي إنما صدرت من مشبوه فلا يمكن أن يقبلها منصف ! وإضافة إلى هذا فهي دعوى تصادم واقع السلف مع النصوص مما يؤكد أنها ملفقة ضدهم . فهاهي نصوص الصفات الخبرية قد بلغت مبلغا عظيما في العدد حتى اعترف بهذا هؤلاء المشبوهون أنفسهم فأين في موطن واحد عن واحد من السلف أنه ينكر هذه الظواهر أو ينادي بإلغائها ؟! مع أن هذا لو كان قولهم لاشتهر عنهم للحاجة الملحة إليه أمام كثرة النصوص ووفرتها فلما لم يؤثر عنهم شيء من هذا علم أنهم يقرون بهذه الظواهر ولا يرفضونها وهذا نقوله تنـزلا وإلا فقد ورد عنهم مما لا يحصى الحث على الأخذ بهذه الظواهر والتصريح بأنهم لا ينكرون شيئا منها . وسأنقل لك نماذج من كلامهم تبين لك أنهم لم يكونوا يستنكرون ظواهر الصفات وأنهم كانوا يقرون النصوص دون أدنى اعتراض على ما اشتملت عليه من ظواهر للصفات وهي والله غيض من فيض قال الإمام أحمد : أدركت الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة ، يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين " ا.هـ وعن أبي بكر المروذي قال : " سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والأسماء والرؤية وقصة العرش ؟ فصححها وقال : تلقتها العلماء بالقبول ، تسلم الأخبار كما جاءت "ا.هـ وفي رواية أبي طالب للمسائل عن أحمد : " قلب العبد بين أصبعين ، وخلق أدم بيده ، وكل ما جاء الحديث مثل هذا قلنا به " ا.هـ وإليك على سبيل المثال طرفا من موقفهم من صفتين بشكل خاص روى الطبري في تفسيره : حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: هو غير السحاب (1) لم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتاده:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: يأتيهم الله وتأتيهم الملائكة عند الموت. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: طاقات من الغمام، والملائكة حوله= قال ابن جريج، وقال غيره: والملائكةُ بالموت وقال الطبري في تفسير قوله ( بأعيننا ووحينا ) " يقول: بعين الله ووحيه كما يأمرك " ثم ذكر من ذلك حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباسواصنع الفلك بأعيننا ووحينا) ، قال: بعين الله، حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة في قولهبأعيننا ووحينا) ، قال: بعين الله ووحيه. وروى ابن أبي حاتم قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا " قَالَ:"بِعَيْنِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ". وعند عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة ، في قوله تعالى : ( بأعيننا ووحينا (1) ) ، قال : « بعين الله تعالى ووحيه » وعن معتمر بن سليمان عن ابيه عن ابي عمران الجوني ولتصنع على عيني قال يربى بعين الله فلم يذكروا في هاتين الصفتين أمام النصوص إلا ما يدل على إقرار الظاهر قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها نقله الذهبي وقال رواها أبو حاتم عن أحمد ونقله عن أحمد ابن قدامة في تحريم النظر وقال عبد الله بن أحمد : حدثني أبي نا وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال إذا جلس الرب عز و جل على الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الاعمش وسفيان يحدثون بهذه الاحاديث لا ينكرونها وعن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال : حديث عبدالله : إن الله عز و جل يجعل السماء على أصبع وحديث إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ، وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق ، وأنه عز و جل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث ؟ فقال : هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف تأمل : " نقر بها " وروى محمد بن المثنى قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : أما سمعت ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وقال صلى الله عليه وسلم: قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الله عز وجل . ثم قال بشر بن الحارث : هؤلاء الجهمية يتعاظمون هذا " ا.هـ تأمل فالذين ينفرون من ظاهرها هم المعطلة وليس السلف وعن حديث الصورة قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله : " هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها ، ولا يقال فيها : كيف ؟ ولم ؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق ، وترك النظر، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين " ا.هـ تأمل قوله : " ترك النظر " ويعني به الرأي والعقل الذي يتستر به المعطلة . وعن إسحاق بن منصور الكوسج قال : " قلت لأحمد- يعني ابن حنبل - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث ؟ ويراه أهل الجنة ، يعني ربهم عز وجل ؟ ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته و اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه و إن موسى لطلم ملك الموت ، قال أحمد : كل هذا صحيح ، قال إسحاق : هذا صحيح ، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي " ا.هـ وقال ابن الماجشون : " وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تمتليء النار حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها الى بعض وقال لثابت بن قيس بن شماس لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة وقال فيما بلغنا ان الله ليضحك من ازلكم وقنوطكم وسرعة اجابتكم فقال له رجل من العرب ان ربنا ليضحك قال نعم قال لا نعدم من رب يضحك خيرا في اشباه لهذا مما لم نحصيه وقال الله تعالى وهو السميع البصير واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا وقال ولتصنع على عيني وقال ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي وقال والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون فوالله ما دلهم على عظم ما وصف به نفسه وما تحيط به قبضته الا صغر نظيرها منهم عندهم ان ذلك الذي القى في روعهم وخلق على معرفته قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف " ا.هـ وعن أحمد بن الحسين الخفاف يقول: سمعت الشيخ الجليل أبا محمد المزني يقول: حديث النزول قد صح، والايمان به واجب، ولكن ينبغي أن يعرف أنه كما لا كيف لذاته لا كيف لصفاته. نقله السمعاني وعن أبي زرعة الرازي أنه لما سئل عن تفسير قوله : { الرحمن على العرش استوى } فقال : تفسيره كما يقرأ هو على العرش وعلمه في كل مكان ; ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله . وقال أحمد كما عند اللالكائي وفي الطبقات : والحديث عندنا على ظاهره كماجاء عن النبي صلى الله عليه و سلم والكلام فيه بدعة ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا تناظر فيه أحدا وبوب أبو عوانة فقال : بَيَانُ ضَحِكِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ عَبْدِهِ وَإِلَى عَبِيْدِهِ وقال الحافظ الإمام قاضي أصبهان وصاحب التصانيف أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني : " جميع ما في كتابنا كتاب السنة الكبير الذي فيه الأبواب من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم فنحن نؤمن بها لصحتها وعدالة ناقليها ويجب التسليم لها على ظاهرها وترك تكلف الكلام في كيفيتها " فذكر من ذلك النزول إلى السماء الدنيا والإستواء على العرش ومما قال : باب ما ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه عاصم باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يضع السموات على أصبع ويطوي السموات والأرض بيده باب ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ومطلعه إلى خلقه عاصم باب ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك باب ذكر قول جهنم هل من مزيد حتى يضع ربنا تبارك وتعالى قدمه فيها باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يضع السموات على أصبع ويطوي السموات والأرض بيده باب ما ذكر من ضحك ربنا عز وجل باب في تعجب ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه وقَالَ أَبُو بَكْرٍ ابن أبي عاصم : قُلْتُ لأَبِي الرَّبِيعِ فَضَحِكَ تَصْدِيقًا قَالَ نَعَمْ " ا.هـ وقال اللالكائي : سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في نزول الرب تبارك وتعالى " وروى أبو بكرالمروذي رحمه الله قال سألت أبا عبدالله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والأسراء وقصة العرش فصححها أبو عبدالله وقال قد تلقتها العلماء بالقبول نسلم الأخبار كما جاءت قال فقلت له إن رجلا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت فقال يجفا وقال ما اعتراضه في هذا الموضع يسلم الأخبار كما جاءت وجاء في رسالة مسدد : قال : " لما أشكل على مسدد بن مسرهد أمر الفتنة يعني في القول بخلق القرآن وما وقع فيه الناس من الاختلاف في القدر والرفض والاعتزال وخلق القرآن والإرجاء كتب إلى أحمد بن حنبل أن أكتب إلي سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم .. وأوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ولزوم السنة والجماعة فقد علمتم ما حل بمن خالفها وما جاء فيمن اتبعها فإنه بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إن الله ليدخل العبد الجنة بالسنة يتمسك بها ... ثم من بعد كتاب الله سنة نبيه صلى الله عليه و سلم والحديث عنه وعن المهديين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم والتابعين من بعدهم والتصديق بما جاءت به الرسل وابتاع السنة نجاة وهي التي نقلها أهل العلم كابرا عن كابر واحذروا رأي جهم فإنه صاحب رأي وكلام وخصومات ... وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ... وصفوا الله بما وصف به نفسه وانفوا عن الله ما نفاه عن نفسه واحذروا الجدال مع أصحاب الأهواء " ا.هـ فتأمل حثه على لزوم ما اشتملت عليه النصوص من صفات حتى في مقام ورود الشبهات التي يتذرع بها عادة المعطلة على أنها سبب تأويلهم وأيضا مما يؤكد ما ذكرت من عدم رفض السلف للظواهر تبويبات الأئمة للصفات من خلال ظواهر النصوص وقد سبقت تبويبات الإمام ابن أبي عاصم يقول الإمام الآجري : باب الإيمان بأن قلوب الخلائق بين إصبعين من أصابع الرب عز وجل بلا كيف باب الإيمان بأن الله عز وجل يمسك السموات على إصبع والأرضين على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، والخلائق كلها على إصبع آجري باب ما روي أن الله عز وجل يقبض الأرض بيده ، ويطوي السموات بيمينه باب الإيمان بأن الله عز وجل يأخذ الصدقات بيمينه ، فيربيها للمؤمن باب الإيمان بأن لله عز وجل يدين ، وكلتا يديه يمين باب الإيمان بأن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام بيده ، وخط التوراة لموسى عليه السلام بيده ، وخلق جنة عدن بيده ، وقد قيل : العرش والقلم ، وقال لسائر الخلق : كن فكان ، فسبحانه ا.هـ وقال الإمام أبو الشيخ في العظمة مبوبا " ذكر عرش الرب تبارك وتعالى وكرسيه وعظم خلقهما وعلو الرب تبارك وتعالى فوق عرشه ا.هـ وقال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه "أصول السنة": واعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علماً، والعجز عن ما لم يدع إليه إيماناً، وأنهم ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه على لسان نبيه، انتهى. وقال الأشعري : فإن قال قائل : إذا ذكر الله عز و جل الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة ؟ قيل له : ذكر تعالى أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يدا واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر . وقال الإمام الإسماعيلي " وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بلا كيف ولا تأويل كيف شاء فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال " كل هذا وغيره كثير مما يعسر حصره قد ورد عن السلف دالا دلالة قاطعة على الإقرار بظواهر هذه النصوص ، تارة بالمنطوق وتارة بالمفهوم . وكل هذا غير ما تقدم عنهم من تقريرهم لإثبات المعنى ومجرد عرض السلف لنصوص الصفات في مقام الحث على لزوم ما دلت عليه ، والحرص على زرع الثقة والطمائنينة بظواهرها ، والتحذير من جحد ما دلت عليه ، والاكتفاء في المقابل بالحض على ترك مالم تأت به هذه النصوص ، وترك التجاوز لدلالاتها ، كل هذا يبين لك أن واقعهم يرفض رفضا تاما دعوى : " أنهم ينفون ظاهرها ويرفضونه وينكرون كونه مرادا " كما يزعم المفوضة فهذا والله كذب صراح سنخاصمهم عليه عند رب العالمين يوم لن يجد المتدثرون بعلم الكلام شيئا مما نسجوه سوى أوهام متلاشية تورث لهم الندم والحسرة على ما لفقوه في حق السلف وسيتبين عندها من هو الحشوي ومن هم النوابت ومن هم المجسمة وسيلقى كل أحد ربه بما قدم وبما قال ويقول ستعلم يا خَصوم إذا التقينا وعند الله تجتمع الخصوم إذا علمت كل ما تقدم من استحالة أن يكون السلف على ما عليه المتكلمون من رفض ظواهر نصوص الصفات وذلك بناء على المعطيات المذكورة الثابتة والواضحة بقي الجواب عن جملة من العبارات حاول دعاة التفويض من خلالها إلصاق هذا المذهب بالسلف زورا ويمكن أن نقسم العبارات المستغلة لإلصاق التفويض بالسلف إلى قسمين : وكقول الإمام أبي عبيد : " هذِهِ الأَحَادِيثُ فِي الرِّوَايَةِ هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ ، حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، غَيْرَ أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِهَا لا نُفَسِّرُهَا وَمَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهَا ونحو هذه العبارات التي بهذا المعنى ، وسيأتي ذكر ما ورد منها على وجه التفصيل . فاستدل بهذه العبارات مَن نَسَب التفويض إلى السلف وزعم أن قوله : " وما أدركنا أحدا يفسرها " ونحوها إنما يدل على أن السلف كانوا لا يثبتون أي معنى للصفات ، وأنهم إنما يثبتون ألفاظ الصفات فقط ويفوضون معانيها ، وعليه فمئات النصوص التي اشتملت على ذكر الصفات الخبرية كلها مجهولة المعنى لا يُدرَى ما المراد منها ومن اعتقد بما دلت عليه النصوص فهو ضال مشبه فلا يجوز إثبات شيء من معاني تلك النصوص !! طبعا هذا المفوض الذي ينسب تفويضه للسلف من خلال هذه العبارات قد فهم ما فهمه بناء على أن لفظ التفسير عنده يراد به مجرد ذكر أي معنى للكلمة فمن ذكر أي معنى للصفة فقد فسرها ولو كان هذا المعنى مجرد المعنى الظاهر وعليه فنفي تفسير الصفات يساوي عنده نفي أي معنى لها سواء المعنى الظاهر المجمل أو المعنى المفصل ، وهو أيضا فهِم ما فهمه دون أن يجمع ألفاظ وروايات تلك الآثار التي تُبيّن له مرادهم من خلال الألفاظ كاملة . بالإضافة إلى أن هذه الآثار ليس فيها ما يدل لا من قريب ولا بعيد على أن السلف كانوا يؤولون الظاهر تأويلا مجملا كما تزعم المفوضة مع أن هذا معنى أساسي للتفويض عندهم ، وللشروع في الجواب أذكر ما يلي : أمثال هذه العبارات هي كغيرها من عبارات أهل العلم في المسائل العلمية لا تخرج في فهمها عن أصول العلم ولا عن ضوابطه فهناك منهجية ثابتة لا يمكن العدول عنها . من أهمها عدم حمل أي جملة على مفهوم ما مع الجهل بمعانى بعض ألفاظها وخاصة إن كان اللفظ المجهول هو المقصود بتلك الجملة ولا فرق بين الجهل بمعنى اللفظ من أصله وبين جهل استعمالاته التي يختلف معنى اللفظ فيها بحسب الاستعمال فلفظة : " التفسير " استعملها أهل العلم في هذا الباب نفسه استعمالات عدة سأذكرها لأبين من خلالها المراد في تلك العبارات ولكن قبل هذا أذكّر بالمعنى اللغوي لهذه اللفظة لشدة ارتباطه بجل هذه الاستعمالات ولا أقول كلها . جاء في المعجم الوسيط : " ( فسر ) الشيء فسرا وضحه ... و ( التفسير ) : الشرح والبيان ، وتفسير القرآن يقصد منه توضيح معاني القرآن الكريم ، وما انطوت عليه آياته من عقائد وأسرار وحكم وأحكام " ا.هـ وقال الخليل : الفَسْرُ التفسير وهو بيان وتفصيل للكِتاب وفَسَره يفسره فَسْراً وفَسَّرَه تفسيراً ا.هـ وقال الصاحب بن عباد : التَفْسِيْرُ ؛ وهو بَيَانٌ ؛ وتَفْصِيْلُ الكُتُبِ ا.هـ إذًا هو المعنى التفصيلي والمفصّل وأيضا المعنى العميق الذي يغوص في الأسرار . وفي اللسان : الفسر كشف المغطى والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل . وهو قول ثعلب وابن الأعرابي والفيروز آبادي وهذا تأكيد للعمق في المعنى والتفصيل فيه قال المناوي في كتابه التوقيف : " بيان التفسير ما فيه خفاء من المشترك أو المشكل أو المجمل أو الخفي " فهو تفصيل للمجمل وشرح وإبانة للمشكل والمشترك وقال ابن الجوزي : التفسير إخراج الشيء من معلوم الخفاء إلى مقام التجلي " ا.هـ وهذا يؤكد معنى العمق في تلك الكلمة . إذًا ليس مجرد ذكر المعنى الظاهر للكلمة الذي هو أشبه بالترجمة الظاهرة يسمى تفسيرا في اللغة ، ليس هذا هو التفسير لغة وعندما نظرنا في استعمالات العلماء في هذا الباب للفظة التفسير وجدنا كثيرا من منها قد استُعمل بالمعنى اللغوي ولا أقول كلها ، فمن تقيد منهم بالمعنى اللغوي ولم يستعمل التفسير إلا فيما كان فيه تفصيل لم يستعمل لفظ التفسير إلا منفيا سواء كان التفصيل بالإثبات كالتكييف أو التفصيل بالنفي كالتأويل فكلاهما تركه السلف وكلاهما نفاه السلف وكلاهما تفسير محظور . ومن تجوّز في استعمال لفظ التفسير ولم يتقيد بمعناه اللغوي نجده يفرق بين التفسير القائم على التفصيل إثباتا ونفيا فينفيه وينهى عنه ، وبين التفسير الغير مشتمل على تفصيل فيثبته ، وكلامنا كله هنا عن الصفات الثبوتية . وعليه فنجد التفسير في استعمالهم منه ما هو منفي ومنه ما هو مثبت وعلى ضوء هذا المعنى لو نظرنا في تلك الأقوال التي تَنقُل عن جمع من السلف عُدولَهم عن تفسير الصفات وتركَهم تفسيرَها لوجدنا أن المعنى الذي يفهم من تلك العبارات منسجم جدا مع بقية ما ورد عن السلف في الصفات بل نجد هذه العبارات التي تنفي التفسير تشابه الكثير من عبارات الأئمة في نفس هذه المسائل وعليه فقوله : كانوا يُحَدِّثُونَ بِأحاديث الصفات وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا المراد : لا يُفصّلون في معاني الصفات وأنهم يتركون المعنى التفصيلي للصفة أوْ بعبارة أخرى لا يتعمّقون في معاني الصفات لأن التفصيل أو التعمق هو من الولوج في التكييف إن كان إثباتا وهو محظور أو في التأويل إن كان نفيا وهو محظور أيضا وكلاهما هو المعنى اللغوي للفظ التفسير ( التعمق والتفصيل ) إذًا السلف لا يفصّلون في إثبات المعاني حتى لا يقعوا في التكييف وأما مجرد المعنى الظاهر المتبادر من الصفات فلم تنفه هذه العبارت التي تنفي التفسير ولا يدل شيء منها على نفيه ، ولم ينفه السلف قط في أي عبارة عنهم وإن كان مسمى الإجمال والتفصيل أمر نسبي غير أن من المعنى ما هو مجمل لا خلاف في إجماله كالمعنى الذي هو من قبيل الترجمة ومنه ما هو مفصل لا خلاف في تفصيله كالتكييف ، وما بينهما من معاني فما قارب المجمل فله حكمه وما قارب المفصل أخذ حكمه وما اشتبه فترك التعرض له هو الواجب ومما تقدم تعلم أنه يمكن تقسيم التفسير إلى تفسير منفي وهو التكييف والتأويل وتفسير مثبت وهو المعنى الظاهر المتبادر من اللفظ وعندما تتبعنا استعمالات العلماء وجدنا عين ما ذكرناه ، فإليك ما وقفت عليه منها : أـ استعمال التفسير بمعنى التفصيل في الإثبات وهو التكييف أو التشبيه فقد جاء عن أبي عبيد نفسه الذي يتعلق به المفوض ما رواه الدارقطني بعلو ومن طريقه ابن البنا في كتابه المختار في أصول الدين : قال : أخبرنا عُبَيْدُ الله بن أحمد الأزهري, قال: أخبرنا الدارقطني, قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد, قال: حدثنا عباس بن محمد الدوري, قال: سمعت أبا عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّام، وذكر الباب الذي يُرْوَى في الرؤيا, والكرسي, وموضع القدمين, وضحك ربنا من قنوط عباده, وقربه من عبده, وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء؟ وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك - عز وجل - قدمه فيها, فتقول: قط قط, وأشباه هذه الأحاديث؛ فقال : " هذه الأحاديث صِحَاح ، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض , وهي عندنا حق لا نَشُكُّ فيها , ولكن إذا قيل : كيف وضع قدمه ؟ وكيف ضَحِكَ ؟ قلنا : لا نفسر هذا , ولا سمعنا أحدًا يُفَسِّرُهُ ". فظهر أن مراده بنص كلامه هو تفسير الكيفية : " كيف وضع قدمه ، وكيف ضحك ؟ قلنا : لا يفسر هذا " فالتكييف هو التفسير المنفي هنا وعليه فأبو عبيد لم ينف عن الصفات معناها الظاهر ومما يؤكد هذا ما ذكره الإمام الأزهري تلميذ تلاميذ الشافعي فهو قد روى أثر أبي عبيدة فقال : وأخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن العباس الدُّورِيّ أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال : هذه أحاديثُ رواها لنا الثِّقاتُ عن الثّقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام ؛ وما رأينا أحداً يفسِّرها ، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسِّرها . تأمل قوله : " على ما جاءت " قال الأزهري : أراد أنها تُترك على ظاهرها كما جاءت . كذا في كتابه تهذيب اللغة إذًا المعنى الظاهر لا ينفيه أبو عبيد ولم يُرِده بقوله : " ما رأينا أحدا يفسرها " فأين ما يشغب به المخالف وأين التفويض ؟! ومما يؤكد أنهم يستعملون التفسير ويريدون بذلك الكيف ما ذكره الإمام إسماعيل الأصبهاني في " الحجة " له حيث قال : " ولا نكيف صفات الله عز وجل ، ولا نفسرها تفسير أهل التكييف والتشبيه ، ولا نضرب لها الأمثال ، بل نتلقاها بحسن القبول تصديقاً " وكلامه واضح يصيح بالمراد وروى البيهقي في الاعتقاد قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزار يقول سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل ما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه " . قال البيهقي : " وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث " ا.هـ فانظر إلى معنى التفسير عند البيهقي وكيف هو في الأصل عنده بمعنى التفصيل الذي يؤدي إلى التكييف مع أن سفيان إنما عبر بالتفسير إثباتا لا نفيا ولكن البيهقي نبه على أصل التفسير عندهم ونبه إلى أن مراد سفيان هو دعوة من يَتُوق إلى التفسير الذي هو بمعنى التفصيل المؤدي إلى التكييف دعوة هؤلاء إلى الاكتفاء بما يفهم من القراءة فقط ( وهو المعنى الظاهر ) فكأنه يقول لهم ـ محاكاة ـ : هذا هو تفسيرنا . كمن يطلب منك حلوى فتعطيه تمرة وتقول له هذه حلوانا تريد صرفه مثلا عن السكريات الغير طبيعية أو لأي سبب آخر وعلى كل حال فكلام البيهقي نص في أن الأصل في لفظ التفسير هو التفصيل المؤدي إلى الكيف بل ما فهمه الإمام البيهقي هو مقتضى إحدى روايات سفيان : فقد روى اللالكائي فقال : أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا بن عثمان قال نا عيسى بن موسى بن إسحاق الأنصاري قال سمعت أبي يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : " كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل " ا.هـ فتأمل : " لا كيف ولا مثل " أي ولا التفسير الذي يؤدي إلى الكيف والمثل . ومن أمثلة هذا أيضا أنه في بعض الروايات لبعض مرويات السلف جاءت كلمة (الكيف) مكان كلمة (التفسير) فمن ذلك : قال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي ومالك والثوري والليث عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا : " أمروها كما جاءت بلا تفسير " وفي رواية : " بلا كيف " لتعلم أن نفي التفسير يأتي بمعنى نفي الكيف وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن ابي سلمة الماجشون احد ائمة المدينة المشاهير قال في كلامه المشهور عنه وقد سئل فيما جحدته الجهمية : " أما بعد فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت فيه الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلّت الألسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره ، وردت عظمتَه العقولُ فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة فانما امروا بالنظر والتفكير فيما خلق بالتقدير وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذي يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فانه لا يعلم كيف هو الا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ولا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شيء منه حد او منتهى يعرفه عارف او يحد قدره واصف " ا.هـ فهنا نفى التفسير بقوله : كلت الألسن عن تفسير صفته ثم علل قائلا : " وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان " فدل على مراده بالتفسير وأنه التكييف والسياق واضح في هذا وقال الإمام الترمذي في سننه : " وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم " ا.هـ فقرن التفسير بالكيف وانظر كيف بيّن معنى الحديث ومعنى تعريفه بنفسه وأنه تعريف حقيقي عن طريق التجلي مع أنه نفى تفسيره ! لتعلم أن مجرد المعنى الظاهر هو مثبت عندهم وغير منفي . قال إمام الشافعية وكبيرهم الإمام ابن سريج في جوابه في الاعتقاد عن صفات الله : " ... ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، ولا نفسرها ولا نكيفها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح، بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسّر ما فسّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عن ما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهرة تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سنة، وابتغاء تأويلها بدعة.. فنفى رحمه الله تفسير الصفات وقرنه بالكيف مبينا مراده من التفسير هنا ، وأثبت الترجمة عن معاني الصفات بلغة العرب وأقرها ، ففرّق بين تفسير الكيف وبين الترجمة عن معاني الصفات . فترجمة الصفة ترجمةً قائمةً على مجرد أصل المعنى هو غير تفسيرها المنفي الذي بمعنى التكييف ثم قرر أن تفسير الصفات على ضوء تفسير الصحابة والتابعين وأئمة السلف هو السنة المتبعة ، وبين بما أعقبه أنه تفسير مقيد بالمعنى الظاهر للنصوص وهذا النوع من التفسير المثبت مقابل للنوع الأول من التفسير المنفي . ثم نزهه من تأويلات المعتزلة والأشاعرة والجهمية فتبين من كلامه هذا معنى التفسير المنفي والتفسير المثبت حتى لا يخلط مخلّط بينهما . وبنحو هذا المعنى الذي دندنا عليه هنا بعيدا عن مصطلح التفسير ما نقله العلامة محمد أنور الكشميري ، في كتابه : " العرف الشذي " حيث قال : " واعلم أن المشابهات مثل نُزول الله إلى السماء الدنيا ، واستواءه على العرش ، فرأى السلف فيها الإيمان على ظاهره ، ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل وتكييف ، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى ،ويتوهم من جامع الفصولين وهو من معتبراتنا النهي عن الترجمة اللغوية أيضاً للمتشابهات ، لكنّ ( قريحتي ) يحكم أن النهيَ عنه تفسيرُها لا ترجمتها تحت الألفاظ من الحقوق واليد والوجه وغيرهما " ا.هـ فنقل التفريق بين التفسير [ الذي هو تفصيل مقارب للتكييف ] وبين الترجمة المراعية للألفاظ وهو عين ما ذكره الإمام ابن سريج لكنه عند ابن سريج بصورة أوضح ثم أعقب العلامة الكشميري هذا الكلام بشرحه لتفويض السلف ومرجحا أنه مرادهم بالتفويض قائلا عنه : " تفويض التفصيل والتكييف إلى الله تعالى والإنكار على من تأول برأيه وعقله " ا.هـ فأثبت بهذا ما ذكرناه من التفريق بين التفصيل في المعنى وهو نوع من التفسير فهو المنفي والمفوض في عبارات السلف ، وبين المعنى المجمل الذي يمثل المعنى الظاهر الذي هو من قبيل الترجمة وهو نوع من التفسير فهو المثبت ب ـ استعمال التفسير بمعنى التفصيل في النفي وهو التأويل فعن الأثرم قال : قلت لأبي عبد الله : حدث محدث وأنا عنده بحديث : " يضع الرحمن فيها قدمه " وعنده غلام ، فأقبل عليَّ الغلام فقال : إن لهذا تفسيرا فقال أبو عبد الله : انظر كما تقول الجهمية سواء . نقله الإمام الذهبي في العلو عن الأثرم ، ورواه ابن بطة قال : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء ثنا أحمد بن عبد الله بن شهاب ثنا الأثرم فذكره فالأثر صريح في أن الإمام أحمد سمى تأويل الجهمية تفسيرا وهو موافق للمعنى اللغوي لأن التأويل في حقيقته تفصيل في النفي وهذا باعتراف المفوضة ، والتفصيل هو معنى التفسير . وكذا قال الإمام الحميدي في رسالته : " وما نطق به القرآن والحديث مثل قوله تعالى: " وقالَتِ اليَهُودُ يدُ اللَّه مَغْلُولةً غلّت أيْديهم ولُعِنُوا بما قَالُوا بَلْ يَدَاه مَبْسُوطتان " سورة المائدة آية 64. ومثل قوله تعالى: " والسّمواتُ مَطْوياتٌ بيَمينه " سورة الزمر آية 67. وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسّره، ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول: " الرحمنُ على العرش استوى " ، ومن زعم غير هذا فهوِ مُبْطِلٌ جهميٌّ . تأمل يريد تفسير الجهمية الذي هو التأويل بدليل قوله : " ولا نفسره ... ومن زعم غير هذا فهو مبطل جهمي " ا.هـ والتفسير الذي عليه الجهمية هو التأويل بلا خلاف ، ولا شك أن عامة تأويلات الجهمية قائمة على التفصيل في النفي وروى الإمام اللالكائي فقال أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص قال ثنا محمد بن أحمد بن سلمة قال ثنا أبو محمد سهل بن عثمان بن سعيد بن حكيم السلمي قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي بن يونس يقول سمعت أبا سليمان داود بن طلحة سمعت عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي يقول : سمعت محمد بن الحسن يقول : " اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفة الرب عز و جل من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شيء " ا.هـ تأمل قوله : " فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا .. فمن قال بقول جهم ... لأنه قد وصفه بصفة لاشيء " ا.هـ فقول جهم والوصف بلا شيء هو من التفصيل في النفي الذي هو التأويل فالتفسير هنا هو التأويل ثم ما بال المفوض تمسك بقوله " لم يفسروا " ولم يلتفت إلى قوله " لم يصفوا " فعلى مبدإ استدلاله ينبغي أن يتهم محمد بن الحسن بأنه ينسب مذهب الجهمية إلى السلف فالجهمية هم الذين لم يصفوا ولم يثبتوا الصفات !! ونحن نعلم مراد محمد بن الحسن منها لكننا نطالب المخالف بأن يكون مرنا في فهم بقية الأثر كما كان مرنا في فهم هذه العبارة وهذا لتعلم أن المخالف لا يتعامل مع كلام الأئمة بعدل ، فكما أنه لم يفهم من قوله في الأثر " لم يصفوا " نفي الصفات كما هي عقيدة الجهمية فكذلك ينبغي أن يفهم نفي التفسير على وجهه وكما دل عليه سياق الأثر نفسه وقد كان مشتهرا بين أهل العلم إطلاق لفظ التفسير على تأويل الصفات بناء على أنها قائمة على التفصيل في النفي وقد ملأ الإمام عثمان بن سعيد الدارمي كتابيه بوصف تأويلات الجهمية على أنها تفسيرات ضالة حتى لهج بوصف كل تأويل للمريسي على أنه تفسير باطل ومن أمثلة ذلك قوله في باب النزول : " ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ورسول رب العزة إذ فسر نزوله مشروحاً منصوصاً ..." وهي أكثر من أن تحصى في هذا المقام فالتأويل تفسير ممنوع ومنفي . وقال الإمام ابن قدامة في كتابه : " تحريم النظر " وهو يرد على كلام لابن عقيل ينعى فيه التأويل : " فإن قال : تركتم تأويل الآيات والأخبار الواردة في الصفات ، وادّعى أن السلف تأولوها وفسروها فقد أفِك وافترى وجاء بالطامة الكبرى . فإنه لا خلاف في أن مذهب السلف الإقرار والتسليم وترك التعرض للتأويل والتمثيل ثم إن الأصل عدم تأويلهم فمن ادعى أنهم تأولوها فليأت ببرهان على قوله ، وهذا لا سبيل إلى معرفته إلا بالنقل والرواية فلينقل لنا ذلك عن رسول الله أو عن صحابته أو عن أحد من التابعين أو الأئمة المرضيين . ثم المدعي لذلك من أهل الكلام وهم أجهل الناس بالآثار وأقلهم علما بالأخبار وأتركهم للنقل فمن أين لهم علم بهذه " ا.هـ هذا كلام صريح صراح . وتأمل قوله عن المؤول ابن عقيل : " وادّعى أن السلف تأولوها وفسروها " ا.هـ فالتفسير بمعنى التأويل مشهور عند أهل العلم ونفي التفسير في عبارات كثير من السلف يراد به في مواطن منها كثيرة نفي التأويل لأنه تفصيل في النفي . وسئل أبو عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة وهو ثعلب عن قول النبي ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره فقال الحديث معروف وروايته سنة والاعتراض بالطعن عليه بدعة وتفسير الضحك تكلف وإلحاد أما قوله وقرب غيره فسرعة رحمته لكم وتغيير ما بكم من ضر " ا.هـ فالسياق واضح ، فقد شرع بوصف صاحب تفسير الضحك بأنه يعترض ويطعن في الرواية بذلك التفسير ووصف تفسيره بالإلحاد والتكلف وهذا ما دل على أنه أراد تفسير التأويل لأن من يفسر تكييفا وتشبيها يبالغ في قبول الروايات مستغلا لها في حملها على التكييف بينما الاعتراض والطعن في الروايات هو من صنيع المؤولة وقوله : " إلحاد " ظاهر في أن التفسير قائم على الجحد وهو لا يصدق إلا على تفسير التأويل وإليك في الختام نموذجا لتأويل من تأويلات المعطلة والذي يتضح فيه معنى التفسير الذي عناه السلف في قولهم دون تفسير ذكر البيهقي حديث رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ ، وَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ " ثم قال : " فَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي حَاتِمٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَبَرِ ، قِيلَ : مَعْنَاهُ تَحْتَ قَدْرَتِهِ وَمُلْكِهِ ، وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْقُلُوبَ مَحِلا لِلْخَوَاطِرِ وَالإِيرَادَاتِ وَالْعُزُومِ وَالنِّيَّاتِ ، وَهِيَ مُقَدِّمَاتُ الأَفْعَالِ ، ثُمَّ جَعَلَ سَائِرَ الْجَوَارِحِ تَابَعَةٌ لَهَا فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ ، وَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالا مَقْدُورَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةٌ ، لا يَقَعُ شَيْءٌ دُونَ إِرَادَتِهِ ، وَمَثَّلَ لأَصْحَابِهِ قُدْرَتَهُ الْقَدِيمَةَ بِأَوْضَحِ مَا يَعْقِلُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، لأَنَّ الْمَرْءَ لا يَكُونُ أَقْدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بَيْنَ نِعْمَتَيِ النَّفْعِ وَالدَّفْعِ ، أَوْ بَيْنَ أَثَرَيْهِ فِي الْفَضْلِ وَالْعَدْلِ ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ هَذِهِ الأَخْبَارِ : إِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي وَإِنَّمَا ثَنَّى لَفْظَ الإِصْبَعَيْنِ وَالْقُدْرَةُ وَاحِدَةٌ لأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ لَفْظِ الْمَثَلِ وَزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي تَأْكِيدِ التَّأْوِيلِ الأَوَّلِ بِقَوْلِهِمْ : مَا فُلانٌ إِلاَّ فِي يَدِي ، وَمَا فُلانٌ إِلاَّ فِي كَفِّي ، وَمَا فُلانٌ إِلاَّ فِي خِنْصَرِي ، يُرِيدُ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ، لا أَنَّ خِنْصَرَهُ يَحْوِي فُلانًا ، وَكَيْفَ يَحْوِيهِ وَهِيَ بَعْضٌ مِنْ جَسَدِهِ ؟ وَقَدْ يَكُونُ فُلانٌ أَشَدَّ بَطْشًا وَأَعْظَمَ مِنْهُ جِسْمًا " فبالله تأمل هذا التفصيل في النفي ثم احكم . ج ـ التفسير المثبت وهو كل معنى لا يقوم على تفصيل وإنما يقتصر على ظاهر الصفة قد جاء في عبارات السلف إثبات نوع من التفسير للصفات قال محمد بن إبراهيم الأصفهاني سمعت أبا زرعة الرازي وسئل عن تفسير {الرحمن على العرش استوى} فغضب ، وقال تفسيرها كما تقرأ هو على عرشه وعلمه في كل مكان " رواه ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية كما نقل ابن القيم ورواه الحافظ الهروي في ذم الكلام بإسناد ثابت ،فيه جد الحافظ القراب قد روى عنه جمع من الحفاظ وكان معروفا وباقي رجاله أئمة حفاظ فهنا أثبت أبو زرعة المعنى الظاهر للآية فقال مقرا للظاهر " هو على عرشه " وسماه تفسيرا ، وواضح من سياقه ومن غضبه أنه سمى هذا المعنى تفسيرا تجوّزا ، وأن التفسير في الأصل هو للتفصيل الذي أغضب أبا زرعة . وقال الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الطلحي الأصبهاني مصنف الترغيب والترهيب ، وقد سئل عن صفات الرب فقال : " مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره قال الأصبهاني : أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا.هـ فبين الإمام الأصبهاني مراد ابن عيينة ، وأن المعنى الظاهر للصفة هو تفسيرها عند السلف لا تفسير أكثر من هذا الظاهر ، وهذا هو التفسير المثبت . وواضح من السياق أنه إنما سُمّي تفسيرا تجوزا وقال الإمام الذهبي : " وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف وهذا هو مذهب السلف مع إتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه ، إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته " ا.هـ هذه استعمالات العلماء لمسمى التفسير في الصفات قد شرحتها لك مع بيان المعنى اللغوي للفظ التفسير وقد تبين من خلال كل هذا أن من نسب تفويض الصفات إلى السلف من خلال بعض العبارات عنهم والتي تنفي تفسير الصفات قد أبعد بذلك أيما إبعاد وأنه إنما سلك مبدأ منافيا للعلم في ذلك فلا هو راعى معنى التفسير لغة ولا هو راعى استعمالات العلماء ولا هو تتبع عباراتهم وأعمل كل ألفاظهم ولا راعي الثابت عنهم في باب الصفات عموما والله حسيبه في كل هذا وستكتب شهادتهم ويسألون وإليك الآن أخي الكريم تلك الروايات عن السلف بأسانيدها وألفاظها والتي قد تناولناها بالشرح لعلك تقارن لتتأكد مما ذكرنا والله الموفق قال ابن بطة : قال أبو عبيد القاسم بن سلام وذكر عنده هذه الأحاديث التي في الرؤيا فقال : هذه عندنا حق رواها الثقات عند الثقات إلى أن صارت إلينا إلا أنا إذا قيل لنا فسروها قلنا لا نفسر منها شيئا ولكن نمضها كما جاءت وقال الآجري في الشريعة : حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان حدثنا العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية فقال هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض // إسناده صحيح قال الإمام الأزهري وأخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن العباس الدُّورِيّ أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال : هذه أحاديثُ رواها لنا الثِّقاتُ عن الثّقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام ؛ وما رأينا أحداً يفسِّرها ، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسِّرها . قال الأزهري : أراد أنها تُترك على ظاهرها كما جاءت . تهذيب اللغة وفي السنة للخلال حدثنا أبو بكرقال ثنا أبو الفضل عباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول هذه الأحاديث حق لا يشك فيها نقلها الثقات بعضهم عن بعض حتى صارت إلينا نصدق بها ونؤمن بها على ما جاءت قال الدارقطني في كتاب الصفات : حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر الباب الذى يروى فيه حديث الرؤية والكرسى وموضع القدمين وضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء وأن جهنم لا تمتلىء حتى يضع ربك عز و جل قدمه فيها فتقول قط قط وأشباه هذه الأحاديث فقال هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض وهى عندنا حق لا شك فيها ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه وكيف ضحك قلنا لا يفسر هذا ولا سمعنا أحدا يفسره وأخبرنا عُبَيْدُ الله بن أحمد الأزهري, قال: أخبرنا الدارقطني, قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد, قال: حدثنا عباس بن محمد الدوري, قال: سمعت أبا عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّام، وذكر الباب الذي يُرْوَى في الرؤيا, والكرسي, وموضع القدمين, وضحك ربنا من قنوط عباده, وقربه من عبده, وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء؟ وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك - عز وجل - قدمه فيها, فتقول: قط قط, وأشباه هذه الأحاديث؛ فقال: هذه الأحاديث صِحَاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض, وهي عندنا حق لا نَشُكُّ فيها, ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضَحِكَ؟ قلنا: لا نفسر هذا, ولا سمعنا أحدًا يُفَسِّرُهُ. قال الإمام اللالكائي : أخبرنا أحمد بن محمد بن الجراح ومحمد بن مخلد قالا ثنا عباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر عنده هذه الأحاديث ضحك ربنا عز و جل من قنوط عباده وقرب غيره والكرسي موضع القدمين وأن جهنم لتمتلىء فيضع ربك قدمه فيها وأشباه هذه الأحاديث فقال أبو عبيد : هذه الأحاديث عندنا حق يرويها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسيرها قلنا ما أدركنا أحدا يفسر منها شيئا ونحن لا نفسر منها شيئا نصدق بها ونسكت وقال البيهقي : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ الأَصْبَهَانِيُّ ، فِيمَا أَجَازَ لَهُ جَدُّهُ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ ، يَقُولُ : هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا : ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غَيْرِهِ ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رَبُّكَ قَدَمَهُ فِيهَا ، وَالْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ فِي الرِّوَايَةِ هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ ، حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، غَيْرَ أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِهَا لا نُفَسِّرُهَا وَمَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهَا وقال الإمام الذهبي في السير : أخبرنا أبو محمد بن علوان، أخبرنا عبدالرحمن بن إبراهيم، أخبرنا عبدالمغيث بن زهير، حدثنا أحمد بن عبيدالله، حدثنا محمد بن علي العشاري، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني، أخبرنا محمد بن مخلد، أخبرنا العباس الدوري، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام - وذكر الباب الذي يروى فيه الرؤية، والكرسي موضع القدمين (2)، وضحك ربنا، وأين كان ربنا (3) - فقال: هذه أحاديث صحاح (4)، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف يضحك ؟ وكيف وضع قدمه ؟ قلنا: لا نفسر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسره " وهذا إسناد جيد في الشواهد فابن كادش الذي اعتمد بعض المتأخرين اتهامه بالوضع هو بريء من هذا وغايته أنه اعترف بوضع حديث وتاب منه وليس هذا محل البيان وأما العشاري فهو إمام ثقة ومن اتهمه بالوضع فقد كذب على هذا الإمام وسأبين في فرصة مناسبة تزوير الجهمية لحقائق العلم فيما يخص هذين الراويين قال الإمام الآجري : حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد قال : حدثنا أبو حفص عمر بن مدرك القاضي قال : حدثنا الهيثم بن خارجة قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سألت الأوزاعي و الثوري و مالك بن أنس ، و الليث بن سعد : عن الأحاديث التي فيها الصفات ؟ فكلهم قال : " أمروها كما جاءت بلا تفسير " . وقال الإمام اللالكائي : أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القزويني قال ثنا محمد بن أحمد بن منصور القطان قال ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال ثنا إسماعيل بن أبي الحارث قال ثنا الهيثم بن خارجة قال سمعت الوليد بن مسلم يقول سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا : " أمروها بلا كيف " وفي السنة للخلال : حدثنا أبو بكر قال ثنا الفضل بن سليمان قال ثنا الهيثم بن خارجة قال ثنا الوليد بن مسلم قال سألت سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا نمرها كما جاءت وقال الإمام ابن بطة : حدثنا القافلائي قال ثنا محمد بن إسحاق قال ثنا الهيثم بن خارجة قال ثنا الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي والثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن الأحاديث التي في الصفات وكلهم قال : " أمروها كما جاءت بلا تفسير " قال الإمام اللالكائي : أخبرنا أحمد أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان قال ثنا أبو علي الحسن بن يوسف بن يعقوب قال ثنا أبو محمد أحمد بن علي بن زيد الغجدواني قال ثنا أبو عبد الله محمد بن أبي عمرو الطواويسي قال ثنا عمرو بن وهب يقول سمعت شداد بن حكيم يذكر عن محمد بن الحسن في الأحاديث التي جاءت أن الله يهبط إلى سماء الدنيا ونحو هذا من الأحاديث إن هذه الأحاديث قد روتها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها وروى اللالكائي قال أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص قال ثنا محمد بن أحمد بن سلمة قال ثنا أبو محمد سهل بن عثمان بن سعيد بن حكيم السلمي قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي بن يونس يقول سمعت أبا سليمان داود بن طلحة سمعت عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي يقول سمعت محمد بن الحسن يقول اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفة الرب عز و جل من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شيء قال الإمام البيهقي : وأخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدهان ، حَدَّثَنَا أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه ، حَدَّثَنَا أبو يحيى زكريا بن يحيى البزاز ، حَدَّثَنَا أبو عبد الله محمد بن الموفق ، حَدَّثَنَا إسحاق بن موسى الأنصاري ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : ما وصف الله تبارك وتعالى به نفسه في كتابه فقراءته تفسيره ، ليس لأحد أن يفسره بالعربية ولا بالفارسية وفي إسناده من لم يوثق وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن حمش ، سمعت أبا العباس الأزهري ، سمعت سعيد بن يعقوب الطالقاني ، سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني محمد بن يزيد ، سمعت أبا يحيى البزاز ، يقول : سمعت العباس بن حمزة ، يقول : سمعت أحمد بن أبي الحواري ، يقول : سمعت سفيان بن عيينة ، يقول : كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته ، والسكوت عليه . ثم قال البيهقي : " وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث " وقال البيهقي : أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أَخْبَرَنَا أبو محمد بن حيان ، حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، حَدَّثَنَا أبو حاتم ، حَدَّثَنَا إسحاق بن موسى ، قال : سمعت ابن عيينة ، يقول : ما وصف الله تعالى به نفسه فتفسيره قراءته ، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تبارك وتعالى ، أو رسله صلوات الله عليهم وروى اللالكائي فقال : أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا بن عثمان قال نا عيسى بن موسى بن إسحاق الأنصاري قال سمعت أبي يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل وقال ابن عبد البر في التمهيد : أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبدالله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال : حديث عبدالله إن الله عز و جل يجعل السماء على أصبع وحديث إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق وأنه عز و جل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث ؟ فقال : " هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف " تأمل " نقر بها كما جاءت " وقال الإمام ابن بطة : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسعدة الأصبهاني قال سمعت محمد بن أيوب الرازي يقول : أخبرنا إسحاق بن موسى قال : قال سفيان بن عيينة : " ما وصف الله نفسه فقراءته تفسيره ليس لأحد أن يفسره إلا الله عز و جل " وعن حديث الصورة حدثني أبي سمعت الحميدي وحدثنا سفيان بهذا الحديث ويقول هذا حق ويتكلم وابن عيينة ساكت قال أبي رحمه الله ما ينكر ابن عيينة قوله سنة ع حدثنا محمد بن سليمان بن حبيب لوين سمعت ابن عيينة غير مرة يقول الايمان قول وعمل قال ابن عيينة اخذناه ممن قبلنا قول وعمل وأنه لايكون قول إلا بعمل قيل لابن عيينة يزيد وينقص قال فأيش إذًا قيل لابن عيينة : هذه الاحاديث التي ترويها في الرؤية قال حق على ما سمعناها // إسناده صحيح جواب عمن يستدل بابن عيينة حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي حدثنا محمد بن سليمان لوين قال قيل لسفيان بن عينية هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية فقال حق على ما سمعناها مما نثق به // رجاله ثقات وقال الدارقطني في الصفات : حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدورى قال سمعت يحيى بن معين يقول شهدت زكريا بن عدى يسأل وكيعا فقال يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعنى مثل الكرسى موضع القدمين ونحو هذا فقال وكيع أدركنا اسماعيل بن أبى خالد وسفيان وسليمان يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا وقال البيهقي : قال أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ، يَقُولُ : شَهِدْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ ، سَأَلَ وَكِيعًا ، فَقَالَ : يَا أَبَا سُفْيَانَ ، هَذِهِ الأَحَادِيثُ يَعْنِي مِثْلَ : الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَنَحْوَ هَذَا ؟ فَقَالَ وَكِيعٌ : أَدْرَكْنَا إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ ، وَسُفْيَانَ ، وَمِسْعَرًا يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا لكن روى الدولابي في الكنى عن الدوري قال : قال : سمعت يحيى يقول : » شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعا ، فقال : يا أبا سفيان هذه الأحاديث ، يعني مثل : حديث الكرسي ، موضع القدمين ، ونحوها فقال وكيع : « أدركنا إسماعيل بن أبي خالد ، وسفيان ، ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ، ولا يفسرون بشيء » . وهو في تاريخ الدوري كما روى الدولابي والعبد لله يفهم من لفظ الدوري الذي في تاريخه أن التفسير هنا يراد به التأويل لأنه عداه بحرف الباء وهو على هذا موافق لاستعمالات السلف السابقة والتي عبرت عن التأويل بالتفسير ويؤيد هذا التوجيه ما روي عن وكيع نفسه وبسياق مقارب قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها نقله الذهبي وقال رواها أبو حاتم عن أحمد ونقله عن أحمد ابن قدامة في تحريم النظر وقال عبد الله بن أحمد : حدثني أبي نا وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال إذا جلس الرب عز و جل على الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الاحاديث لا ينكرونها فهذا قاض للنزاع ودال بصراحة على أن المنقول عنهم هو ترك التفسير الذي هو التأويل فهم لا ينكرون الأحاديث لا يؤولونها لا يفسرونها بالتأويل لأن التأويل هو إنكار لظاهر الأحاديث وهم لا ينكرون شيئا من أحاديث الصفات وهذا آخر ما تيسر من هذا المبحث والله الموفق وكتبه العبد الفقير إلى توفيق الله ومرضاته محمد بن خليفة الرباح 158] ، وقال : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ } [الفجر :22] . 4037 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة" الآية، قال: ذلك يوم القيامة، تأتيهم الملائكة في ظلل من الغمام. قال: الملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والرب تعالى يجيء فيما شاء. 144 / 1 - 2 ) كما نقله العلامة الألباني من المخطوط من طريق أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش : أنشدنا أبو طالب 158 ] ، وقال : ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ (ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئاً من ذلك ، ولا أخرجوه عن مدلوله ، بل روي عنهم [ ما ] يدل على تقريره والإيمان به وامراره كما جاء " ا.هـ 1 ـ قسم يتكلم عن إعراض السلف عن الاشتغال بتفسير الصفات كتلك التي تنقل عن جماعة من الأئمة بأنهم كانوا يُحَدِّثُونَ بِأحاديث الصفات وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا 1ـ أثر أبي عبيد القاسم بن سلام 2ــ قول جماعة من السلف : " أمروها كما جاءت بلا تفسير " 3 ـ أثر محمد بن الحسن الشيباني . 4 ــ أثر سفيان بن عيينة " قراءته تفسيره " 5 ـ أثر وكيع بن الجراح . hgjt,dq td hgwthj ,prdrm l`if hgsgt ( hg[.x hgH,g : hglfpe hgjHwdgd ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
02 / 01 / 2010, 17 : 08 PM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح اكرمكم الله وجزاكم الله خيرا | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
02 / 01 / 2010, 19 : 08 PM | المشاركة رقم: 3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح موضوع قيم وجهد مشكور جزاك الله خيرا وأثابك الجنة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
04 / 01 / 2010, 36 : 08 AM | المشاركة رقم: 4 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح يستحق التثبيت للاستفادة القيمة جزاك الله خير اخى الفاضل على جهودك الطيبة نسال الله ان يتقبل منا ومنك صالح الاعمال | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
27 / 01 / 2010, 59 : 05 PM | المشاركة رقم: 5 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح جزاكم الله خيرا أخي الفاضل على ما أضفتم بارك الله فيكم ...وأثابكم الفردوس الأعلى من الجنة شكرا لكم أخي | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018