الإهداءات | |
ملتقى السيرة النبويه ملتقى خاص بسيرته ... سنته ... آل بيته ... أصحابه ... نصرته والدفاع عنه . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | دكتور محمد فخر الدين الرمادي | مشاركات | 426 | المشاهدات | 116492 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
13 / 11 / 2021, 58 : 01 AM | المشاركة رقم: 391 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه [ ٥ ] الْبَابُ الْخَامِسُ: الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفُ‟ التَّمْهِيدُ: قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ }[(1)] يُرِيدُ أَهْلَ مَكَّةَ. وَ الِابْتِلَاءُ الِاخْتِبَارُ .. وَ الْمَعْنَىٰ أَعْطَيْنَاهُمْ أَمْوَالًا لِيَشْكُرُوا لَا لِيَبْطَرُوا؛ فَلَمَّا بَطِرُوا وَعَادَوْا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتَلَيْنَاهُمْ بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ كَمَا بَلَوْنَا أَهْلَ الْجَنَّةِ الْمَعْرُوفِ خَبَرُهَا عِنْدَهُمْ. وَ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ عَلَىٰ فَرَاسِخَ [الفرسخ الواحد يعادل: 079 ,5 كيلومتر] مِنْ صَنْعَاءَ- وَ يُقَالُ بِفَرْسَخَيْنِ - وَ كَانَتْ لِرَجُلٍ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ -تَعَالَى- مِنْهَا؛ فَلَمَّا مَاتَ صَارَتْ إِلَىٰ وَلَدِهِ، فَمَنَعُوا النَّاسَ خَيْرَهَا وَبَخِلُوا بِحَقِّ اللَّهِ فِيهَا؛ فَأَهْلَكَهَا اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُمْ دَفْعُ مَا حَلَّ بِهَا. قَالَ الْكَلْبِيُّ:„كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَنْعَاءَ فَرْسَخَانِ ؛ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِأَنْ أَحْرَقَ جَنَّتَهُمْ‟. وَ قِيلَ : هِيَ جَنَّةٌ بِــ„ضَوْرَانَ‟ ، وَ „ضَوْرَانُ‟ عَلَىٰ فَرْسَخٍ مِنْ صَنْعَاءَ ، وَكَانَ أَصْحَابُ هَذِهِ الْجَنَّةِ بَعْدَ رَفْعِ „عِيسَىٰ‟ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِيَسِيرٍ - وَكَانُوا بُخَلَاءَ - فَكَانُوا يَجُدُّونَ التَّمْرَ لَيْلًا مِنْ أَجْلِ الْمَسَاكِينِ، وَكَانُوا أَرَادُوا حَصَادَ زَرْعِهَا وَقَالُوا: لَا يَدْخُلُهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ، فَغَدَوْا عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدِ اقْتُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ؛ أَيْ كَاللَّيْلِ. وَ يُقَالُ أَيْضًا لِلنَّهَارِ صَرِيمٌ. فَإِنْ كَانَ أَرَادَ اللَّيْلَ فَلِا سْوِادِ مَوْضِعِهَا. وَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا مَوْضِعَهَا حَمْأَةً. وَ إِنْ كَانَ أَرَادَ بِالصَّرِيمِ النَّهَارَ فَلِذَهَابِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَنَقَاءِ الْأَرْضِ مِنْهُ. وَ كَانَ „الطَّائِفُ‟ الَّذِي طَافَ عَلَيْهَا „جِبْرِيلُ‟-عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَاقْتَلَعَهَا. فَيُقَالُ : إِنَّهُ طَافَ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ ثُمَّ وَضَعَهَا حَيْثُ مَدِينَةَ „الطَّائِفِ‟ الْيَوْمَ؛ وَ لِذَلِكَ سُمِّيَتِالطَّائِفُ . وَ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ بَلْدَةٌ فِيهَا الشَّجَرُ وَالْأَعْنَابُ وَالْمَاءُ غَيْرَهَا. وَ قَالَ الْبَكْرِيُّ فِي الْمُعْجَمِ:„سُمِّيَتِ الطَّائِفُ لِأَنَّ رَجُلًا مِنَ الصَّدِفِ يُقَالُ لَهُ الدَّمُونُ، بَنَى حَائِطًا وَقَالَ:„قَدْ بَنَيْتُ لَكُمْ طَائِفًا حَوْلَ بَلَدِكُمْ‟؛ فَسُمِّيَتِ الطَّائِفُ‟. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .[(2)] *-*-*-* أبدءُ مع حضراتكم تمهيد بحوث خروج نبي آخر الزمان مِن مكة -مسقط رأسه وموطنه- المكرمة مهاجراً.. أحداث ما قبل الهجرة النبوية؛ و تحقيق ما قاله القس ورقة بن نوفل في اللحظات الأولىٰ من بعثته -عليه السلام- فَقد: " قَالَ وَرَقَةُ[(3)] „هَذَا –عن أول خمس آيات نزلت علىٰ قلب محمد في غار حراء من سورة العلق.. فقال : - النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَىٰ مُوسَىٰ .. يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ „يُخْرِجُكَ‟ قَوْمُكَ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- „أَوَمُخْرِجِيَّ‟هُمْ!؟.. فَقَالَ وَرَقَةُ„نَعَمْ..لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ.. وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا[(4)]‟ ". [هذه رواية الإمام البخاري في صحيحه؛ كتاب التعبير »؛ باب أول ما بدئ به رسول الله-صَلَّىٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-من الوحي الرؤيا الصالحة ؛ جزء: (6)؛ صفحة: (2561)؛ من رواية أم المؤمنين أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنهما] [ ٥ . ١ . ] سنة الخروج : لم يتفق علماء السيرة علىٰ تحديد بدقة خُرُوج النَّبِي -صلىٰ الله عَلَيْهِ وَسلم- إِلَىٰ الطَّائِف؛ فمنهم مَن قال : [ ١ . ] القول الأول : قبل الهجرة بقليل - 0 ق. هـ.~ 621 م. سنة عشر مِن النُّبُوَّة[(5)] [ ٢ . ] القول الثاني : ومنهم مَن قال في العام الثالث قبل الهجرة [ 3 ق. هـ.]؛ وهنا يمكن القول عن الشهر القمري: أنه شوال؛ ما يقابل العام الميلادي: 620 م[(6)] ويتفق الجميع علىٰ الخروج إلىٰ الطائف كان بعد موت عمه وزوجه خديجة-رضي الله تعالى عنها-: [ ٣ . ] القول الثالث:" وَخُرُوجُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَىٰ الطَّائِفِ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ عَمِّهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ ، كَمَا قَرَّرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ [وَاللَّهُ أَعْلَمُ][(7)] [ ٥ . ٢ . ] سبب الخروج: [خَبَرُ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَىٰ الطَّائِفِ وَدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- .. [ ١ . ] السبب العام الأول : عَرْض نَفْسَهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الزكيةعَلَىٰ الْقَبَائِلِ[(8)] [ ٢ . ] يَلْتَمِسُ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، بَعْدَ مَوْتِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، والمنعة بهم مِن قومه، ورجاءَ أن يقبلوا منه ما جاءهم به مِن اللهّٰ -تعالى-.[(9)] وذلك بعد : [ أ . ] اشْتِدَادِ الْأَذَىٰ عَلَيْهِ؛ وَ [ ب . ] عَلَىٰ الْمُسْلِمِينَ فِي مَكَّةَ[(10)]... لما مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَزَوجته خَدِيجَة وذوت مِن شَجَرَة إعانتهما لَهُ أوراقها البهيجة.. لزم الْبَيْت.. وَأَقل الْخُرُوج.. وأسف عَلَيْهِمَا أسفاً يضطرب بحره ويموج.. ونالت مِنْهُ قُرَيْش وقابلوه بالخفة والطيش[(11)]. فــ «لَمَّا رَأَى عَلِيْهِ -الصَّلاَةُ وَالسّلامُ- اِسْتِهانَةَ قُرَيْشٍ بِهِ؛ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَىٰ ثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ يَرْجُو مِنْهُمْ: [ أ . ] نُصْرَتَهُ عَلَىٰ قَوْمِهِ وَ [ ب . ] مُسَاعَدَتَهُ حَتَّىٰ يُتَمِّمَ أَمْرَ رَبِّهِ، لِأَنَّهُمْ أقْرَبُ النَّاسِ إِلَىٰ مَكَّةَ، وَلَهُ فِيهِمْ خُؤُولَةٌ. فَــ لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ وَمَعَهُ مَوْلَاهُ زَيْدٌ بْنُ حارِثَةَ، قَابَلَ رُؤَسَاءَهُمْ وَكَانُوا ثَلاثَةً.. فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نُصْرَتَهُ حَتَّىٰ يُؤَدِّيَ دَعْوَتَهُ. فَرَدُّوا عَلَيْهِ رَدَّا قَبِيحًا، وَلَمْ يَرَ مِنْهُمْ خَيْرًا[(12)]. [ ٥ . ٣ . ] تعرضه -الصَّلاَةُ وَالسّلامُ- لإيذائهم[(13)] فقام رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم فيما ذكر:“ إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي“.[(14)] وكرهَ رسولُ اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن يبلغ قومه عنه، فيذئرِهُم ذلك عليه، فلم يفعلوا[(15)]، وَحِينَذاكَ طَلَبَ مِنْهُمْ أَلَّا يُشِيعُوا ذَلِكَ عَنْه، كَيْلَا تَعْلَمَ قُرَيْشٌ فَيَشْتَدَّ أَذَاهُمْ،لِأَنَّهُ اِسْتَعَانَ عَلَيهِمْ بِأَعْدَائِهِمْ. فَــ لَمْ تَفْعَلْ ثَقِيفُ مَا رَجَاهُ مِنْهُمْ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسّلامُ-، بَلْ أَرْسَلُوا سُفَهَاءَهُمْ وَغِلْمَانَهُمْ [وعبيدهم] يسبونه و يصيحون به، حتىٰ اجتمع عليه الناس[(16)]، يَقِفُونَ فِي وَجْهِهِ فِي الطَّرِيقِ وَيَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّىٰ أَدْمَوْا عَقِبَهُ »[(17)]. [ ٥ . ٣ . ]رميه بالحجارة[(18)] قال موسى بن عقبة: قعدوا له صفين علىٰ طريقه، فلما مر رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتىٰ أدموا رجليه... زاد سليمان التيمي: أنه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-كان إذا أذلقته الحجارة، قعد إلىٰ الأرض فيأخذون بعضديه فيقيمونه، فإذا مشىٰ رجموه وهم يضحكون.[(19)] [ ٥ . ٤ . ] تفصيل الحادثة : عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوطَالِبٍ خَرَجَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَىٰ الطَّائِفِ مَاشِيًاعَلَىٰ قَدَمَيْهِ، يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ، فَخرج مَعَه زيد بن حَارِثَة إِلَىٰ الطَّائِف وصدع بالدعوة غير وَجل وَلَا خَائِف فَلم يجبهُ مِنْهُم أحد[(20)].. والطَّائفِ تَبعُد عن مكَّة نحوَ سِتِّينَ مِيلًا [ ٥٥٨ ,٩٦ كيلومترا]، سارها ماشِيًا علىٰ قَدميهِ جِيئةً وذِهابًا، ومعه مولاهُ زيدُ بنُ حارثةَ، وكان كُلَّما مَرَّ علىٰ قَبيلةٍ في الطَّريقِ دعاهُم إلىٰ الإسلامِ، فلمْ تُجبْ إليهِ واحدةٌ منها، فلمَّا انتهىٰ إلىٰ الطَّائفِ عَمَدَ إلىٰ رُؤسائِها فــدعاهُم فلمْ يَستجيبوا له، [ ٥ . ٥ . ] لقائه بكبراء ثقيف[(21)] فلما انتهىٰ إلىٰ الطائف عمد إلىٰ نفر من ثقيف وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم أخوة ثلاثة: - عبد ياليل ، و - مسعود ، و - حبيب، بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول اللهّٰ- -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وكلمهم ما جاءهم له من نصرته علىٰ الإسلام والقيام معه علىٰ من خالف من قومه[(22)]. [ ٥ . ٦ . ] ردهم عليه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-[(23)] فقال له أحدهم وهو يمرط ثياب الكعبة: " إن كان اللهّٰ أرسلك"[(24)]، و قال الآخر: "أما وجد اللهّٰ أحدًا يرسله غيرك؟"[(25)] و قال الثالث: " واللهّٰ لا أكلمك أبدًا، لئن كنت رسولًا مِن اللهّٰ كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام(!)، ولئن كنت تكذب علىٰ اللهّٰ ما ينبغي أن أكلمك(!)"[(26)]. [ ٥ . ٧ . ] المرأة مِن قريش مِن بني جمح! وَعَنْرَقِيقَةَ قَالَتْ : لَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَغِي النَّصْرَ بِالطَّائِفِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَمَرَتْ لَهُ بِشَرَابٍ مِنْ سَوِيقٍ ، فَشَرِبَ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :„لَا تَعْبُدِي طَاغِيَتَهُمْ ، وَلَا تَصَلِّي إِلَيْهَا‟. قُلْتُ : " إِذًا يَقْتُلُونِي "! قَالَ : „فَإِذَا قَالُوا لَكِ ذَلِكَ ، فَقُولِي : " [رَبِّي] رَبُّ هَذِهِ الطَّاغِيَةِ ، فَإِذَا صَلَّيْتِ فَوَلِّيهَا ظَهْرَكِ‟ . ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مِنْ عِنْدِهِمْ ، قَالَتْ بِنْتُ رَقِيقَةَ : " فَأَخْبَرَنِي أَخَوَايَ سُفْيَانُ وَ وَهَبُ ابْنَيْ قَيْسِ بْنِ أَبَانَ ، قَالَا : لَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ خَرَجْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَــ قَالَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: „مَا فَعَلَتْ أُمُّكُمَا‟؟ . قُلْنَا: " هَلَكَتْ عَلَىٰ الْحَالِ الَّتِي تَرَكْتَهَا، قَالَ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : " لَقَدْ أَسْلَمَتْ أُمُّكُمَا إِذًا " [(27)]. [التاريخ الكبير للبخاري؛ وهب بن قيس بن ابان .. والحديث : ضعيفٌ] فأقام بين أهلِ الطَّائفِ عشرةَ أيَّامٍ، لا يَدَعُ أحدًا مِنْ أشرافهِم إلا جاءهُ وكَلَّمهُ، فقالوا: „اخرُجْ مِن بلادِنا”[(28)]. وأَغْرَوْا به سُفهاءَهُم[(29)]، و تشاءموا بقدوم طَائِره الميمون، فلمَّا أراد الخُروجَ تَبِعَهُ سُفهاؤهُم وعَبيدهُم يُسِبُّونَهُ ويُصيحونَ بهِ، حتَّىٰ اجتمع عَليهِ النَّاسُ، فوقَفوا له سِمَاطَيْنِ [أي صَفَّيْنِ] وجعلوا يَرمونهُ بالحِجارةِ، وبكِلماتٍ مِنَ السَّفَهِ، ورَجموا عَراقيبَهُ، حتَّىٰ اخْتَضَبَ نَعلاهُ بالدِّماءِ. [ ٥ . ٨ . ] تحمل زيد بن حارثة[(30)] وقال ابن سعد: وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتىٰ لقد شج في رأسه شجاجًا. وكان زيدُ بنُ حارثةَ يَقِيهِ بِنفسهِ حتَّىٰ أصابهُ شِجَاجٌ في رَأسهِ، ولم يزلْ بهِ السُّفهاءُ كذلك حتَّىٰ أَلجأوهُ إلىٰ حائطٍ [ بستان ] لــ:„عُتبةَ”؛ و :„شَيبةَ ابنيْ رَبيعةَ” علىٰ ثلاثةِ أميالٍ [ ٨٢٧٩, ٤ كيلومتر] مِنَ الطَّائفِ[(31)]. [ ٥ . ٩ . ] استناده إلىٰ بستان[(32)] قال ابن عقبة: فخلص منهم ورِجْلَاهُ تسيلان دمًا، فعمد إلىٰ حائط من حوائطهم، فاستظل في ظل حَبلَة منه وهو مكروب موجع. [ ٥ . ١٠ . ] صاحبا البستان[(33)] وإذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما للهّٰ ورسوله. [ ٥ . ١١ . ] إفادته بقطف عنب[(34)] فلما رآه ابنا ربيعة وما لقي تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانياً يقال له: عداس، فقالا له: "خذ قطفًا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلىٰ ذلك الرجل فقل له يأكل منه"، ففعل عداس. [ ٥ . ١٢ . ] إقبال عداس بالقطف[(35)] ثم أقبل به حتىٰ وضعه بين يدي رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-ثم قال له: " كل"، فــ لما وضع رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يده قال: “بسم اللهّٰ“، ثم أكل. [ ٥ . ١٣ . ] استغراب عداس[(36)] فنظر عداس في وجهه، ثم قال: "واللهّٰ (!).. إن هذا لكلام ما يقوله أهل هذه البلاد". [ ٥ . ١٤ . ] محادثة الرسول لعداس[(37)] فقال له رسول اللهّٰ--صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:„ومن أي البلاد أنت يا عداس، وما دينك؟‟، قال: " نصراني، وأنا من أهل نينوى"، فقال له رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :„من أهل قرية الرجل الصالح يونس بن متىٰ‟، قال له عداس: " وما يدريك ما يونس بن متىٰ؟! " قال رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : „ذاك أخي كان نبيًاّ، وأنا نبي‟. [ ٥ . ١٥ . ] تقبيل عداس للنبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- [(38)] فأكب عداس على رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يقبل رأسه ويديه وقدميه. [ ٥ . ١٦ . ] محادثة عداس مع صاحبا البستان[(39)] فلما جاءهما عداس، قالا له: " ويلك (!).. مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه!؟"، قال:" يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي"، قالا:" ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه". [ ٥ . ١٧ . ] رحمته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بهم[(40)] ورجع رسولُ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في طريقِ مكَّة بعدَ خُروجهِ مِنَ الحائطِ كَئيبًا مَحزونًا، كَسيرَ القلبِ، فلمَّا بلغ قَرْنَ المنازلِ بعث الله إليه جبريلَ ومعه مَلَكُ الجبالِ، يَسْتَأْمِرُهُ أنْ يُطْبِقَ الأَخْشَبَيْنِ علىٰ أهلِ مكَّة، فقال النَّبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «„بل أرجو أنْ يُخرجَ الله- عزَّوجلَّ - من أصلابهِم مَنْ يَعبدُ الله- عزَّ وجلَّ - وحدَه لا يُشركُ بهِ شيئًا” ». وفي هذا الجوابِ الذي أَدلىٰ بهِ الرَّسولُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَتجلَّىٰ شَخصيَّتُه الفَذَّةُ، وما كان عَليهِ من خُلُقٍ عَظيمٍ. وجاء في الصحيح من حديث عائشة -رضي اللهّٰ عنها-، أنها قالت للنبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : " هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ "، فقال -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : „لقد لقيت من قومك .. وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي علىٰ ابن عبد ياَليِل بن عبد كلال فلم يجبني إلىٰ ما أردت،فانطلقت علىٰ وجهي وأنا مهموم، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني‟، فقال: إن اللهّٰ قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي، فقال: يا محمد ذلك لك فما شئت، وإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:„بل أرجو أن يخرج اللهّٰ من أصلابهم من يعبد اللهّٰ لا يشرك به شيئاً‟.[(41)]، .. فَلَمْ يُجِيبُوهُ ، فَانْصَرَفَ فَأَتَىٰ ظِلَّ شَجَرَةٍ فَصَلَّىٰ رَكْعَتَيْنِ بعد رَدِّ ثَقِيفٍ لَهُ رَدًّا قَبِيحًا، وَإِغْرَائِهِمُ السُّفَهَاءَ وَالْأَطْفَالَ بِهِ، حَتَّىٰ أَدْمَوْا قَدَمَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحِجَارَةِ. فَتَوَجَّهَ إِلَىٰ رَبِّهِ بِذَلِكَ الِابْتِهَالِ الْمُؤَثِّرِ الْعَمِيقِ الْكَرِيمِ: " * . ]" الدُّعَاءُ الْحَسَنُ[(42)] ". [وَمِنْ دُعَائِهِ يَوْمَ الطَّائِفِ: „أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‟] . ثُمَّ قَالَ :„اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي ، وَقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ ، أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَنْتَ ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي. أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي إِلَى عَدُوٍّ [ بِعِيدٍ ] يَتَجَهَّمُنِي ؟ أَمْ إِلَى قَرِيبٍ [عَدُوٍّ] مَلَّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانَ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي ، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي ، أُعُوذُ [بِنُورِ ] بِوَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ أَوْ يَحِلَّ [ عَلَيَّ ] بِي سَخَطُكَ ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [بِكَ ]‟. قَالَ عِنْد مَا لَقِي من أهل الطَّائِف من شدَّة الْبلَاء وَالْكرب مَا لَقِي: رب إِن لم يكن بك غضب على فَلَا أبالى. إِلَى آخر الدُّعَاء، فَكَانَ مَطْلُوبَة رضَا ربه، وَبِه كَانَت تهون عَلَيْهِ الشدائد ». [ ٥ . ١٨ . ] إجارة الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ[(43)]، وذكر ابن هشام أن رسول اللهّٰ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-لما انصرف عن أهل الطائف ولم يجيبوه لما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلىٰ حراء، ثم بعث إلىٰ الأخنس بن شر يق لــ يجيره، فقال: أنا حليف، والحليف لا يجير، فــ بعث إلىٰ سهيل بن عمرو فقال: إن بني عامر لا تجير علىٰ بني كعب، فــ بعث إلىٰ المطعم بن عدي فأجابه إلىٰ ذلك، ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتىٰ أتوا المسجد، ثم بعث إلىٰ رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن ادخل،فدخل رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فطاف بالبيت وصلىٰ عنده، ثم انصرف إلىٰ منزله. ولأجل هذه السابقة التي سلفت للمطعم بن عدي، قال رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أسارى بدر: „لو كان المطعم بن عدي حيًاّ ثم كلمني في هؤلاء النتنىٰ لتركتهم له‟.[(44)]، حِينَ رَجَعَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الطَّائِفِ وَدَخَلَ فِي جِوَارِ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فِي ذَلِكَ مَبْسُوطَةً ، وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهَا الْفَاكِهِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مُرْسَلٍ وَفِيهِ " أَنَّ الْمُطْعِمَ أَمَرَ أَرْبَعَةً مِنْ أَوْلَادِهِ فَلَبِسُوا السِّلَاحَ ، وَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِنْدَ رُكْنٍ مِنَ الْكَعْبَةِ . فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَقَالُوا لَهُ : أَنْتَ الرَّجُلُ الَّذِي لَا تُخْفَرُ ذِمَّتُكَ".« وَأَقَامَ الرسول--صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بِنَخْلَةٍ أَيَّامًا، فَــ قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ - يَعْنِي قُرَيْشًا -وَهُمْ أَخْرَجُوكَ؟ فَــ قَالَ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: « يَا زَيْدُ إِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ ». ثُمَّ انْتَهَىٰ إِلَى حِرَاءَ فَأَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ إِلَىٰ مُطْعِمٍ بْنِ عَدِيٍّ: « أَدْخُلُ فِي جِوَارِكَ؟ » ، فَقَالَ: نَعَمْ، وَدَعَا بَنِيهِ وَقَوْمَهُ فَقَالَ: تَلَبَّسُوا السِّلَاحَ، وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ فَإِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ». :"وَفِي مطعم يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات أجرت رَسُول الله مِنْهُم فَأَصْبحُوا *عبيدك مَا لبّى مهل وأحرما فَلَو كَانَ مجدا يخلد الدَّهْر وَاحِدًا * مِن النَّاس أبقى مجده الدَّهْر مطعما[(45)] بُحُوثٌ ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء؛ وإدراك مع فهم أحاديث الأحكام لسيد ولد آدم وآخر المرسلين ومتمم الأنبياء﴾ [٧] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ... أحداث العهد المكي! قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا: د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى- غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. »ذكر بعثة النبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - والدعوة في مكة« المرحلة المكية: أحداث السَنَةَ الثَالِث قبل الهجرة. [٥] الْبَابُ الْخَامِسُ: الــ مَسِيرُ إِلَىٰ الطَّائِفِ... خُروجُ رسولِ الله -صلَّى الله عَليهِ وسلَّم- إلىٰ الطَّائفِ . حُرِّرَ في يوم الجمعة: ٧ من الربيع الثاني ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق: ١٢ من شهر نوفمبر عام ٢٠٢١ من الميلاد العجيب للسيد المسيح؛ الرسول ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام -.الذي بشر بمبعث النبي والرسول أحمد. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
16 / 11 / 2021, 27 : 01 PM | المشاركة رقم: 392 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه ﴿ « „ ٩٨‟ » ﴾ الْمُقَدِّمَة:ما أطلقَ عليه : „ عَامُ الْحُزْنِ ” [ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ: أحداثٌ فِي عَهْدِ النُّبُوَّةِ؛ الْعَهْدُ الْمَكِّيِّ. السنة العاشرة مِن البعثة ! [ ٧ ] الْبَابُ السَّابِعُ : العام: „ ٣ قبل الهـجرة الشريفة ~ 619 بعد الميلاد العجيب: « „ عَامُ الْحُزْنِ ” » : ــــــــــــــ الترتيب الزمني وتتابع سير الأحداث يلزماني.. ووحدة الموضوع حين التحدث عن تسلسل أحداث السيرة النبوية العطرة أن يكون الحديث عن ما سُميَّ عام الحزن أن يسبق الكلام عن: الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفِ” إذ جعلتُه الباب الخامس مِن المجلد السابع الذي نقرأه الأن؛ ويعود هذا إلىٰ أنني أريد التركيز علىٰ مفاصل سيرة نبي وطريقة شرعية عملية للرسول دون سردها فقط متتالية.. لذا وجب التنبيه!.. إذ أن التحقيق؛ والرجوع إلىٰ كتب السيرة المعتبرة يبين أنه :" لما تُوفي أبوطالب؛ خرج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلىٰ الطائف؛ ماشياً علىٰ قدميه يدعوهم إلىٰ الإسلام؛ يبتغي عندهم: « „النصر” »[(1)].. فيكون المسير إلىٰ الطائف تم بعد موت أبي طالب وليس قبله.. ومن خلال أحداث الهجرة الأولىٰ والثانية للحبشة تخرج خطوات سير الدعوة مِن ضيق المكان -مبدء الرسالة ومنشؤها: مكة المكرمة- لتدخل مسيرة الدعوة إلىٰ فضاء تفاعلي جديد أوسع وأرحب.. مما يدعونا إلىٰ التأمل بعمق وإعادة النظر بوعي في العلاقات ليس فقط بين كيان إسلامي جديد ضعيف هَش لم تتماسك أركانه بعد ولم تتشكل صورته الكاملة وحياً مِن خالق الإنسان إلى كل إنسان علىٰ ظهر الأرض .. وبين كيان راسخ قائم بذاته يحمل مقومات البقاء والحياة : « „حكم النجاشي ونظامه” » -النصراني؛ وفق أدبيات الإسلام؛ والمسيحي وفق أدبيات بولس الرسول مؤسس المسيحية الحديثة- و: « „قساوسته” ».. بل والتأمل بعمق وإعادة النظر بوعي في العلاقات بين الأفراد مِن كلا الكيانين.. فقد قَالَ -عليه السلام- لَهُمْ -رضوان الله تعالىٰ عليهم- : « „لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ” » .. وهذا خروج من ضيق مكة وضيق افق رجالها... ومن خلال المسير إلى الطائف تمر أحداث السيرة؛ بل الدقة : الرسالة لإيجادها علىٰ أرض الواقع.. علىٰ أرض صلبة.. تمر بمفصلٍ جوهري -وهو الذي غاب عن الحركات والجماعات ذات الوشاح الإسلامي وليس المبدأ-؛ وهذا المفصل الجوهري هو طلب النصرة مِن أهل القوة والمنعة.. فَيَقُولُ: « „أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ لِأُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي” » . وهذا خروج آخر.. .. وما فاتني حين الحديث عن المسير إلىٰ الطائف في الباب الخامس مِن هذا المجلد السابع؛ [نشره موقع «ملتقى أهل العلم»] أن أثبتَ :" عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ؛ وَهُوَ الْعَدْوَانِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَبْصَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مشرق ثقيف، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا حِينَ أَتَاهُمْ، يبتغي عندهم : « „النصر” ».. قَالَ : فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، السورة.. حتىٰ ختمها.. فَوَعَيْتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا مُشْرِكٌ، ثُمَّ قَرَأْتُهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَدَعَتْنِي ثَقِيفُ !؟، فَقَالُوا: "مَا سَمِعْتَ مِنَ هَذَا الرَّجُلِ!"، فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ: "نَحْنُ أَعْلَمُ بِصَاحِبِنَا، لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا يَقُولُ حَقٌّ لَتَابَعْنَاهُ"[(2)] -*-*- التَّمْهِيدُ : نحن مازلنا نتعايش مع العهد المكي؛ بمراحله ومفاصله.. إذ علىٰ أعمدته الراسخة علىٰ أرضية الإيمان.. وباسقة وعالية في سماء الأحكام العملية الشرعية المنبثقة مِن مبدأ الإسلام سينتقل نبي الإسلام ورسول السلام إلىٰ العهد المدني بسلاسة ويسر وسيبنىٰ الكيان المحمدي الجديد.. الذي ليس له مثيل من قبله ولا يشبهه كيان آخر من بعده.. فَفِي طَوَالِ الْعَهْدِ الْمَكِّيِّ لَمْ يَتَنَزَّلْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ تَنْفِيذِيٌّ -وَإِنْ تَنَزَّلَتِ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي عَنْ أَشْيَاءَ وَأَعْمَالٍ- وَلَكِنَّ الْأَحْكَامَ التَّنْفِيذِيَّةَ كَالْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَالْكَفَّارَاتِ لَمْ تَتَنَزَّلْ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الدَّوْلَةِ الْمُسْلِمَةِ [الأولىٰ] الَّتِي تَتَوَلَّىٰ تَنْفِيذَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ[(3)].. و غياب التأسي بأفعاله -والتأسي حكم شرعي في حقنا؛ سواء مِن باب الواجب والفرض أو المندوب والمستحب-؛ خاصة افعاله التنظيمية الحركية الدعوية التكتلية والانتقال مِن مرحلة إلىٰ آخرىٰ ومن عهد إلىٰ آخر.. مع مراعاة نقاط الإلتقاء ومفاصل الإنتقال.. أقول : غياب هذا أوقع الكثير مِن الحركات الإسلامية والجماعات في خطأ فادح بإرتكاب افعال مِن عند أنفسهم لا دليل شرعي علمي نبوي رسولي عليها والقيام بتصرفات لا تتفق مع المرحلة بمفاصلها؛ أو بتعبير أدق ليست مِن سُنته -صلى الله عليه وآله وسلم- وبالتالي فليست مِن سيرته وطريقته ولا من اسلوبه ولا مِن هديه؛ وما اصاب تلك الحركات والجماعات في مَقتلٍ هو خروجهم عن التقييد بالسيرة المحمدية والخطوات العملية الشرعية والكيفية الرسولية واستحداث نماذج غريبة عن الطريقة الرسولية الشرعية العملية والتي سار عليها نبي الهدى والرحمة -صلوات الله تعالىٰ وسلامه وبركاته ورحماته وإنعامه عليه وآله واتباعه-.. ولعل -خاصةً- أحداث العشرين سَنة الماضية تثبت صحة ما ذهبتُ إليه مِن القول! -*-*-* الْمُقَدِّمَة : أتحدث عن تلك الفترة الزمنيَّة العصيبة المؤلمة الموجعة المقلقة -لولا ثبات إيمان نبي الهدى والرحمة -عليه اسلام- وعقيدة رجال ونساء معه؛ رضوان الله تعالى عليهم- والتي بدأت بالحصار في شِّعْب أبي طالب، واستغرق الحصار ثلاث سنوات.. ثم المحاولات الكثيفة والمفاوضات السخيفة البائسة مِن قريش لإغراء النبي لوقف الدعوة، ثم وفاة أبي طالب عم الرسول ومناصره في مكة، ثم كانت تلك المصيبة مِن الصدمات التي لم يَنسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طَوَال حياته، ألا وهي مصيبة موت زوجته الوفيَّة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها! [(4)] .. مما يجعل المرء يتساءل : أين نساء اليوم منها -عليها الرضوان-!!؟.. فــ " عَامُ الْحُزْنِ : هو الْعَامُ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ خَدِيجَةُ(*)- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، وَأَبُو طَالِبٍ(*) فَسَمَّاهُ(!؟) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُزْنِ(!!!).. حَكَىٰ ذَلِكَ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ : " وَمَاتَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ "[(5)] وهذا ما اثبته صاحب لسان العرب في موسوعته. وقبل مخرج النبي إلىٰ (يثرب) مدينته؛ والتي طيَّب الله تعالىٰ ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه بثلاث سنين- أي بعد البعثة بعشر سنوات- توفيت خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-[(8)].. وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ آمَنَتْ بِهِ[(9)].. فــ:" عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ.. وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ »[(10)]. و روى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه : لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين» وهو حديث حسن الإسناد[(11)]؛ و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- ، قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ وَقَالَ : « أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ » . فَقَالُوا :" اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : « أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ » وَأَحْسَبُهُ قَالَ : « وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ »[(12)] و جاء برواية عَنْ عُرْوَةَ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ لِفَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : أَلَا أُبَشِّرُكِ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ : « سَيِّدَاتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعٌ : مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَآسِيَةُ » ... و.. يتبقي مِن ولد خديجة أربع بنات وهن : - رقية؛ وكانت تحت عتبة بن أبي لهب.. فطلقها ؛ فتزوجها عثمان بن عفان؛ و - زينب وتزوجها أبو العاص بن الربيع من بني عبدشمس من بني أمية فأحسن مصاهرته. و - أم كلثوم و - فاطمة[(13)].. أما مسألة زواج النبي بعد وفاة خديجة فسأذكرها في موضعها؛ وارجوه - سبحانه وتعالى - أن يعصمني مِن الغفلة أو النسيان.. أما مسألة مرض ابي طالب ووفاته ومصيره في الآخرة[(14)] .. فمن المسائل الشائكة ذات شجون ! تفصيل المسـألة: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ إنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَتَتَابَعَتْ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَصَائِبُ بِهُلْكِ خَدِيجَةَ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ، يَشْكُو إلَيْهَا.. وَبِهُلْكِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ لَهُ عَضُدًا وَحِرْزًا فِي أَمْرِهِ، وَمَنَعَةً وَنَاصِرًا عَلَىٰ قَوْمِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ[(15)]. [ الْمُشْرِكُونَ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا ثَقُلَ بِهِ الْمَرَضُ، يَطْلُبُونَ عَهْدًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا اشْتَكَىٰ أَبُو طَالِبٍ، وَبَلَغَ قُرَيْشًا ثِقَلُهُ.. قَالَتْ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا لِبَعْضِ: " إنَّ حَمْزَةَ وَعُمَرَ قَدْ أَسْلَمَا، وَقَدْ فَشَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ فِي قَبَائِلِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، فَانْطَلِقُوا بِنَا إلَى أَبِي طَالِبٍ، فَلْيَأْخُذْ لَنَا عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، وَلْيُعْطِهِ مِنَّا، وَاَللَّهِ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَبْتَزُّونَا أَمْرَنَا ". قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ ( بْنِ عَبَّاسٍ ) عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : " مَشَوْا إلَى أَبِي طَالِبٍ فَكَلَّمُوهُ؟ وَهُمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِ: - عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَ - شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَ - أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَ - أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ،وَ - أَبُوسُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ"، فَقَالُوا :" يَا أَبَا طَالِبٍ، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى، وَتَخَوَّفْنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ عَلِمْتَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَادْعُهُ، فَخُذْ لَهُ مِنَّا، وَخُذْ لَنَا مِنْهُ، لِيَكُفَّ عَنَّا، وَنَكُفَّ عَنْهُ، وَلِيَدَعَنَا وَدِينَنَا، وَنَدَعَهُ وَدِينَهُ".. فَبَعَثَ إلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، فَجَاءَهُ. فَقَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي: هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِكَ، قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ، لِيُعْطُوكَ، وَلِيَأْخُذُوا مِنْكَ. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « نَعَمْ ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ ». قَالَ : فَقَالَ أَبُوجَهْلٍ :" نَعَمْ وَأَبِيكَ، وَعَشْرَ كَلِمَاتٍ "، قَالَ : « تَقُولُونَ : « „ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ” » ، وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ ». قَالَ : فَصَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ؛ ثُمَّ قَالُوا : " أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا، إنَّ أَمْرَكَ لَعَجَبٌ "، ( قَالَ ) : ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: " إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَى دِينِ آبَائِكُمْ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ " . قَالَ : ثُمَّ تَفَرَّقُوا[(16)]. [طَمَعُ الرَّسُولِ فِي إسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ، وَحَدِيثُ ذَلِكَ ] فَقَالَ أَبُوطَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " وَاَللَّهِ يَا ابْنَ أَخِي، مَا رَأَيْتُكَ سَأَلْتَهُمْ شَطَطًا"، قَالَ : فَلَمَّا قَالَهَا أَبُوطَالِبٍ طَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي إسْلَامِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ: « أَيْ عَمِّ، فَأَنْتَ فَقُلْهَا أَسْتَحِلَّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». قَالَ : فَلَمَّا رَأَى حِرْصَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ، قَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ السُّبَّةِ عَلَيْكَ وَعَلَى بَنِي أَبِيكَ مِنْ بَعْدِي، وَأَنْ تَظُنَّ قُرَيْشٌ أَنِّي إنَّمَا قُلْتهَا جَزَعًا مِنْ الْمَوْتِ لَقُلْتهَا لَا أَقُولُهَا إلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا" . قَالَ : فَلَمَّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ قَالَ : نَظَرَ الْعَبَّاسُ إلَيْهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، قَالَ : فَأَصْغَى إلَيْهِ بِأُذُنِهِ، قَالَ : فَقَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي. وَاَللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الَّتِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا "، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « لَمْ أَسْمَعْ ». [ مَا نَزَلَ فِيمَنْ طَلَبُوا الْعَهْدَ عَلَى الرَّسُولِ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ ] قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّهْطِ الَّذِينَ كَانُوا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا رَدُّوا: { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْر } * { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاق }[(17)] إلَىٰ قَوْلِهِ تَعَالَىٰ: { أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب } * { وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَاد }* { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَق }[(18)]. ثُمَّ هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ ".[(19)]. فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّىٰ اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَنَثَرَ عَلَىٰ رَأْسِهِ تُرَابًا.. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ : " لَمَّا نَثَرَ ذَلِكَ السَّفِيهُ عَلَىٰ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ التُّرَابَ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَىٰ رَأْسِهِ، فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَىٰ بَنَاتِهِ، فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التُّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لَهَا : « لَا تَبْكِي يَا بُنَيَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكَ ». قَالَ : وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ : « مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّىٰ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ »[(20)]. اقول(الرمادي):" وحال رسول الله المؤيد من السماء يشبه حال أمته اليوم؛ ويفهم من الحديث أنه ما قام بعمل مادي.. من قتل أحد أو الإنتقام من الأبرياء ردا على ما فعله السفهاء به -عليه السلام- وهذا ما أردت تبيانه من مقدمة هذا الباب.. لذا فكل ما يحدث من افعال مادية وتصرفات عدوانية خطأ يخالف طريقته وسنته وهديه زمن العهد المكي؛ ونحن جميعاً اشبه ما نكون في هذه المرحلة! ثُمَّ تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُون }[(21)].. أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ.. وَ نَزَلَ فِيهِ : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[(22)] . قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ }[(23)] قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَنْأَى عَنْهُ . وَقَالَ مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: « „ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَاللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « [أَيْ] يَا عَمُّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [ كلمةً] أُحَاجُّ[(24)] لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ » . فَقَالَا [أَبُوجَهْلٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ.] :" أَيْ [يَا] أَبَاطَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ! ".. قَالَ : [ فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ ].. فَكَانَ آخَرَ كَلِمَةٍ أَنْ قَالَ : "عَلَى مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ [عَنْهُ] »، فَنَزَلَتْ: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم }[(25)] الْآيَتَيْنِ ، وَنَزَلَتْ : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[(26)] رواية مسلم .. وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ . و أبوطالب.. عمه كان السند الاجتماعي المهم.. والسند السياسي لرسول الله[(27)] وعليه فإن أباطالب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مات كافراً، لا يوجد في ذلك خلاف معتبر بين أهل العلم، وقد روى البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه[(28)] ما أثبته. و تتبقىٰ مسألة: .. زوجته « فاطمة بنت أسد » مِن أوائل الداخلين في الإسلام، وكيف سمح الرسول -صلى الله عليه وسلم- ببقائها علىٰ ذمته لحين وفاته؟". والإجابة عن هذه المسألة : أما سَمَاحُه -صلى الله عليه وسلم- ببقاء «فاطمة بنت أسد» في عصمة أبي طالب، فإن ذلك كان قبل تحريم بقاء المؤمنات تحت الكفار، لأن أباطالب مات عام الحزن(!)، وهو قبل الهجرة بثلاث سنين، وتحريم بقاء المؤمنات في عصم الكفار نزل في صلح الحديبية عام ستة من الهجرة. أخرج الشيخان عن المسور ومروان بن الحكم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءت نساء من المؤمنات، فأنزل الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ }... إلىٰ قوله تعالىٰ: { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }[(29)] وأخرج الواحدي عن ابن عباس قال: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية علىٰ أن مَن أتاه مِن أهل مكة رده إليهم.. ومَن أتىٰ مِن أهل مكة مِن أصحابه فهو لهم، وكتبوا بذلك كتاباً وختموه، فجاءت : « „سبيعة بنت الحارث الأسلمية” » بعد الفراغ من الكتاب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية، فأقبل زوجها وكان كافراً، فقال: "يا محمد رد علي امرأتي، فإنك قد شرطت علينا أن ترد علينا مَن أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد"، فأنزل الله هذه الآية... ومن بعد إذنه تعالىٰ سابحث صُلح الحديبية في قابل الأيام.. إن شاء الله! فوفاةُ أبي طالب، ونزول تحريم بقاء المؤمنات في عصم الكفار بينهما تسع سنين. والله أعلم.".[(30)] وَقَدْ حَكَى عَنْ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُمَنَافٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَاطَالِبٍ، قَالَ :" كُنْتُ بِذِي الْمَجَازِ مَعَ ابْنِ أَخِي، فَعَطِشْتُ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَأَهْوَىٰ بِعَقِبِهِ إِلَىٰ الْأَرْضِ ، فَنَبَعَ الْمَاءُ فَشَرِبْتُ ". وَعَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، قَالَ: " لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَسُودُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا بِمَالٍ، إِلَّا: - أَبُوطَالِبٍ وَ - عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ". وَلِأَبِي طَالِبٍ شِعْرٌ جَيِّدٌ مُدَوَّنٌ فِي السِّيرَةِ وَغَيْرِهَا . وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ ، قَالَ : " رَأَيْتُ عَلِيًّا ضَحِكَ عَلَىٰ الْمِنْبَرِ حَتَّىٰ بَدَتْ نَوَاجِذُهُ "، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ: " ظَهَرَ عَلَيْنَا أَبُوطَالِبٍ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُصَلِّي بِبَطْنِ نَخْلَةَ .. فَقَالَ : "مَاذَا تَصْنَعَانِ يَا ابْنَ أَخِي ؟ "، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ: "مَا بِالَّذِي تَصْنَعَانِ مِنْ بَأْسٍ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَعْلُونِي اسْتِي أَبَدًا"، فَضَحِكْتُ تَعَجُّبًا مِنْ قَوْلِ أَبِي. وَرَوَى مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قُرَيْشًا أَظْهَرُوا لِبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ الْعَدَاوَةَ وَالشَّتْمَ، فَجَمَعَ أَبُوطَالِبٍ رَهْطَهُ، فَقَامُوا بَيْنَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ يَدْعُونَ اللَّهَ عَلَىٰ مَنْ ظَلَمَهُمْ، وَقَالَ أَبُوطَالِبٍ: " إِنْ أَبَى قَوْمُنَا إِلَّا الْبَغْيَ عَلَيْنَا فَعَجِّلْ نَصْرَنَا، وَحُلْ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الَّذِي يُرِيدُونَ مِنْ قَتْلِ ابْنِ أَخِي، ثُمَّ دَخَلَ بِآلِهِ الشِّعْبَ" . عَنِ الْعَبَّاسِ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" مَا تَرْجُو لِأَبِي طَالِبٍ ؟ ". قَالَ :« كُلَّ الْخَيْرِ مِنْ رَبِّي » . قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةٌ عَنِّي حَتَّى مَاتَ عَمِّي » . ــــــــــــــــــــــــ كَاعَّةٌ : جَمْعٌ كَائِعٍ، وَهُوَ الْجَبَانُ، يُقَالُ : كَعَّ : إِذَا جَبُنَ وَانْقَبَضَ . ــــــــــــــــــــــــ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: « „ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمِّهِ : « قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ » فَقَالَ :" لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ، يَقُولُونَ : إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[(32)]. عَنِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: « „ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَاطَالِبٍ بِشَيْءٍ (!؟)، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ ؟ ". قَالَ : « نَعَمْ . هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ »[(33)] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : يَقُولُ: وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُوطَالِبٍ فَقَالَ: « لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَجُعِلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ »[(34)]. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « „ أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُوطَالِبٍ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ” » [(35)]. وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: « „ لَمَّا مَاتَ أَبُوطَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ : " إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ ". قَالَ : « اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي » . فَأَتَيْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ ، ثُمَّ دَعَا لِي بِدَعَوَاتٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهِنَّ مَا عَلَىٰ الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ ” »[(36)] .. عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَزَادَ بَعْدَ اذْهَبْ فَوَارِهِ : فَقُلْتُ : إِنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا . قَالَ : « اذْهَبْ فَوَارِهِ »، وَفِي حَدِيثِ تَصْرِيحِ السَّمَاعِ مِنْ نَاجِيَةَ قَالَ : شَهِدْتُ عَلِيًّا يَقُولُ . وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ . وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ : لَمَّا مَاتَ أَبُوطَالِبٍ عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَفِيهٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا ، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ ، فَأَتَتْ بِنْتُهُ تَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ وَتَبْكِي فَجَعَلَ يَقُولُ : " أَيْ بُنَيَّةُ لَا تَبْكِينَ ، فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكِ " ، وَيَقُولُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ : " مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُوطَالِبٍ . [(37)]غَرِيبٌ مُرْسَلٌ . وَرُوِيَ عَنِابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَارَضَ جِنَازَةَ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ : " وَصَلَتْكَ رَحِمٌ يَا عَمِّ وَجُزِيتَ خَيْرًا " . تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْخُوَارِزْمِيُّ. وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ يَرْوِي عَنْهُ عِيسَى غُنْجَارٌ، وَالْفَضْلُ السِّينَانِيُّ . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : ثُمَّ إِنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَبَا طَالِبٍ مَاتَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَصَائِبُ بِهَلَاكِهِمَا . وَكَانَتْ خَدِيجَةُ وَزِيرَةُ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ ، كَانَ يَسْكُنُ إِلَيْهَا . وكانت :" السند العاطفي والقلبي المهم جدًّا لرسول الله ".. ؛ بل المالي له؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ[(38)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ حمراء الشِّدق: الشدق جانب الفم ممَّا تحت الخد؛ والمعنى: أنها عجوز كبيرة جدًّا حتى قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبقَ لشدقها بياض شيء من الأسنان إنما بقي فيه حمرة لثاتها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ .. ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ -عز وجل- بِهَا خَيْرًا مِنْهَا. قَالَ: « مَا أَبْدَلَنِي اللهُ -عز وجل- خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ : 1.] آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَ 2.] صَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَ 3.] وَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَ 4.] رَزَقَنِي اللهُ -عَزَّ وجلَّ- وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ»[(39)] وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَنَّهُمَا تُوُفِّيَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَتُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَبِي طَالِبٍ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا . روى البخاري عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ -رحمه الله- قال: ( تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ رضي الله عنها قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ )[(40)] وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْحَاكِمُ أَنَّ مَوْتَهَا كَانَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامِ ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ . وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ الْأَسْدِيَةُ . قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ : كَانَتْ تُدْعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الطَّاهِرَةَ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ الْعَامِرِيَّةُ. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ تَحْتَ أَبِي هَالَةَ بْنِ زُرَارَةَ التَّمِيمِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي هَالَةَ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَهُ عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، ثُمَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : بَلْ تَزَوَّجَهَا أَبُوهَالَةَ بَعْدَ عَتِيقٍ . وَكَانَتْ وَزِيرَةَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ . وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ : كَانَ مَوْتُهَا فِي رَمَضَانَ، وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ، وَقِيلَ : إِنَّهَا عَاشَتْ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً . وَقَالَ الزُّبَيْرُ : تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَقَامَتْ مَعَهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً . قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا، وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا، فَذَكَرَهَا يَوْمًا، فَاحْتَمَلَتْنِي الْغَيْرَةُ، فَقُلْتُ : لَقَدْ عَوَّضَكَ اللَّهُ مِنْ كَبِيرَةِ السِّنِّ، فَرَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَبًا أَسْقَطْتُ فِي خَلَدِي، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ أَذْهَبْتَ غَضَبَ رَسُولِكَ عَنِّي لَمْ أَعُدْ إِلَى ذِكْرِهَا بِسُوءٍ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَقِيتُ قَالَ : « كَيْفَ قُلْتِ، وَاللَّهِ لَقَدْ : 1.] آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ، وَ 2.] آوَتْنِي إِذْ رَفَضَنِي النَّاسُ، وَ 3.] صَدَقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَ 4.] رُزِقْتُ مِنْهَا الْوَلَدُ، وَحُرِمْتُمُوهُ مِنِّي»، قَالَتْ : فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْرًا . عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا، وَمَا تَزَوَّجَنِي إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ[(41)] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ . وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: « „ أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ : " هَذِهِ خَدِيجَةُ، أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامُ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ ” »[(42)] وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ : سَمِعْتُ عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: « „ خَيْرُ نِسَائِهَا : خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ” »[(43)]. ومن الدقة العلمية في كتابة السيرة؛ ومن حسن وإحسان عرضها؛ فقد أخطأتُ في سرد أحدثها-كما سبق ونوهت- إذ بعد هلاك أبي طالب؛ عبدمناف بن عبدالمطلب كان ينبغي أن أتحدث عن : :" سَعْيُ الرَّسُولِ إلَىٰ ثَقِيفٍ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا هَلَكَ أَبُوطَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ الطَّائِفِ، يَلْتَمِسُ النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَالْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَرَجَاءَ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ " ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ (*) شرح الغريب:" قَوْلُهُ : (أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْغَرْغَرَةِ قَوْلُهُ : ( أُحَاجُّ ) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَأَصْلُهُ أُحَاجِجُ، وفِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ جاء بِلَفْظِ:" أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ". وَكَأَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهِمَ مِنَ امْتِنَاعِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الشَّهَادَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ لِوُقُوعِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَلِذَلِكَ ذَكَرَ لَهُ الْمُحَاجَجَةَ. وَأَمَّا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ إِذْ لَمْ يَحْضُرْهُ حِينَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَيَّبَ قَلْبَهُ بِأَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهَا فَيَنْفَعَهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ : فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : " لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ ... يَقُولُونَ : " مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إِلَّا جَزَعُ الْمَوْتِ".. لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ " وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ . قَوْلُهُ : فَنَزَلَتْ : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم } . وَنَزَلَتْ { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } أَمَّا نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَوَاضِحٌ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ ، وَ أَمَّا نُزُولُ الَّتِي قَبْلَهَا فَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْآيَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالِاسْتِغْفَارِ نَزَلَتْ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ بِمُدَّةٍ، وَهِيَ عَامَّةٌ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ بِلَفْظِ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ..} الْآيَةَ . وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِبٍ{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ " قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } وَ هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَيُضَعِّفُ مَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمَسْعُودِيِّ [ الْمَسْعُودِيُّ الْمُؤَرِّخُ شِيعِيٌّ قُحٌّ مِنْ دُعَاتِهِمْ] أَنَّهُ أَسْلَمَ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ . ". :" ولقد اختلف المؤرِّخون في تحديد الذي مات أولًا؛ هل هو أبو طالب، أم خديجة -رضي الله عنها-؟ فمنهم مَنْ قدَّم موت أبي طالب لأنَّه حدث بعد الخروج من الشِّعْب بستَّة أشهر؛ أي أنَّه حدث في رجب من السنة العاشرة، ثمَّ كانت وفاة خديجة رضي الله عنها؛ لأنَّه اشتُهر أنَّه حدث في رمضان من السنة العاشرة للنبوَّة. ومنهم مَنْ قدَّم وفاة خديجة -رضي الله عنها-، وجعل موت أبي طالب في شوال بعد خديجة بخمسة وثلاثين يومًا كما جاء في بعض الروايات، والمسألة فيها تفصيل وبحوث وإن كانت لا تهمُّ كثيرًا؛ لأنَّ المصيبتين حدثتا في وقتٍ قريبٍ جدًّا من بعضهما البعض، وكانت آثارهما مشتركة. والموت بصفةٍ عامَّةٍ مصيبةٌ كما سمَّاه الله -عزَّ وجلَّ- في كتابه العزيز؛ حيث نطق القرآن الكريم فقال: ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ﴾ ولكن إن كان الموت بصفة عامة مصيبة فموت السيدة خديجة وأبي طالب كان مصيبة كبيرة جدًّا، وخاصة لقربهما -زمنياً- مِن بعضهما البعض، مما جعل(!؟) رسول الله -وهو الذي اشتهر بالتفاؤل والتخفيف عن أصحابه- يطلق علىٰ هذا العام الذي مات فيه أبو طالب والسيدة خديجة وهو العام العاشر مِن النبوة، يطلق عليه عام الحزن(!!).[(7)] ولكن موت هذين السندين الكبيرين جعل المصيبة أعظم؛ خاصَّةً لقرب موتهما من بعضهما البعض؛ ممَّا جعل المؤرخين يُطلقون على العام العاشر من النبوَّة: «عامَ الحزن»، وذكر بعضهم؛ قال ثعلب: «مات أبو طالب وخديجة في عامٍ واحد وهو عام الهجرة، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن». وقال ابن سيده: «وعام الحزن: العام الذي ماتت فيه خديجة وأبو طالب فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن حكى ذلك ثعلب عن ابن الأعرابي». وقال القسطلاني: «وكان صلى الله عليه وسلم يُسمِّي ذلك العام عام الحزن، فيما ذكر صاعد». أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أطلق هذه التسمية، ولكنِّي لم أجد دليلًا بسندٍ صحيحٍ يُؤَكِّد ذلك.". فإنّ تسمية هذا العام بـ( عام الحزن ) إنّما هي تسمية أهل العلم له، ولم ترِد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ولا وجود لها في شيء من مصادر السنّة الموثوقة، فلا يجوز نسبتها إليه كما فعله كثير من المصنِّفين. والمصدر الوحيد الّذي ذكر أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أطلق على هذا العام بأنّه عام الحزن هو " المواهب اللّدنيّة " للقسطلاني -رحمه الله-، وحين روى ذلك لم يزد على أن قال:" فيما ذكره صاعد "! وصاعد هذا هو ابن عبيد البجليّ - كما قال الزّرقاني -رحمه الله- في "شرحه" عليه (1 /244) -، وهو مجهول لا يُعرف، ولم يوثّقه أحد، ولو سلّمنا أنّه ثقة حافظ - وهو ليس كذلك - فيكون الإسناد معضلا. فلماذا أطلق أهل العلم هذه التّسمية على هذا العام ؟ كان ذلك في السّنة العاشرة من البعثة .. إنّه العام الّذي تُوُفِّيت فيه خديجة -رضي الله عنها-، وأبو طالب، وكان بين وفاة خديجة وأبي طالب شهر وخمسة أيّام[(44)]. ". (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ (*) يتفق الجميع -سُنة وشيعة.. مسلمون ومستشرقون- على أن في سيرة نبي آخر الزمان والرسول الخاتم للمرسلين ومتمم الأنبياء وفي حياة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم شخصيات محورية لعبت دوراً هاماً وجوهرياً.. مفصلياً محورياً.. مما يستلزم مني تخصيص في نهاية البحوث مقالات عن تلك الشخصيات المحورية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ بُحُوثٌ ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء؛ وإدراك مع فهم أحاديث الأحكام لسيد ولد آدم وآخر المرسلين ومتمم الأنبياء والمبتعثين ﴾ [ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ... أحداثُ » بعثة النبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - والدعوة في مكة« : [عَهْدِ النُّبُوَّةِ: الْعَهْدُ الْمَكِّيِّ] [ ٧ ] الْبَابُ السَّابِعُ : „ ما أطلق عليه: عَامُ الْحُزْنِ ” . قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا: د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ - غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. حُرِّرَ في يوم الثلاثاء : ١١ ربيع الثاني ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ~ الموافق : ١٦ من شهر نوفمبر عام ٢٠٦١ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
18 / 11 / 2021, 26 : 12 AM | المشاركة رقم: 393 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
20 / 11 / 2021, 55 : 04 PM | المشاركة رقم: 394 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
22 / 11 / 2021, 33 : 11 PM | المشاركة رقم: 395 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه مِن كرم رب العباد ورعاية مَن لا تأخذه سنة ولا نوم ورحمة من ارحم الراحمين-سبحانه وتعالى-.. فقد مَنَّ الرزاق الكريم عليَّ -وإثناء بحثي- بمطالعة موضوع مكمل لهذه الجزئية من البحث ... مسألة ما أطلق عليه عام الحزن .. وإليك البحث المكمل... :" تحقيق تسمية عام الحزن: مِن التسميات المشهورة في كتب السيرة، إطلاق تسمية عام الحزن حيث عُرف العام العاشر من البعثة عند المتأخرين بــ عام الحزن، ذلك أن هذا العام قد شهد وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- وأبي طالب عمّ النبي محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان بين وفاتيهما أيام يسيرة، وذكروا أنه -صلى الله عليه وسلم- لشدة حزنه سَمى هذا العام عام الحزن.[(1)] فهل صح ذلك؟ ومن السادة أهل العلم مَن قال بأن النبي هو من سماه بــ عام الحزن أذكر على سبيل المثال ما : 1.] جاء في السيرة الحلبية :" باب : ذكر وفاة عمه أبي طالب، وزوجته (ص)([*)]. خديجة (ر)([*)]؛الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 490 ) قوله:" وكأن رسول الله (ص)([*)] يسمي ذلك العام عام الحزن ، ولزم بيته وأقل الخروج، وكانت مدة اقامتها معه (ص)([*)] خمسا وعشرين سنة على الصحيح." . ثم جاء في :"الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 521) -.... وفي السنة العاشرة من النبوة : مات أبوطالب وماتت خديجة (ر)([*)] وكان (ص)([*)] يسمى ذلك العام عام الحزن.". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ ([*)] لستُ ممن يرتاح لمثل هذه المختصرات؛ وقد أوردتها وفقا لما هو موجود في المصدر الذي رجعتُ إليه!.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ولعل إشكال النقل من المصادر القديمة دون التحقيق أوقع 2.] د. السرجاني في هذا الإشكال.. فقال : 1.]:" والموت مصيبة كما سماه الله U في كتابه حيث قال: { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106]. ولكن إن كان الموت بصفة عامة مصيبة فموت السيدة خديجة وأبي طالب كان مصيبة كبيرة جدًّا، وخاصة لقربهما من بعضهما البعض، مما جعل رسول الله r - وهو الذي اشتهر بالتفاؤل والتخفيف عن أصحابه- يطلق على هذا العام الذي مات فيه أبوطالب والسيدة خديجة وهو العام العاشر من النبوة، يطلق عليه عام الحزن. وايضاً 2.] أبو زهرة في تفسيره :" زهرة التفاسير". -*-*-*- ومن السادة أهل العلم مَن قال بعدم تسميه -عليه السلام – هذا العام بعام الحزن: بحث د. العوشن في المسألة فكتب يقول : " لم تَردْ هذه التسمية في شيء من الأحاديث الصحيحة، بل و لا الضعيفة، ولا في شيء من كتب السيرة وشروحها، كــ - سيرة ابن إسحاق و - شرحها للسهيلي، ولم يذكر هذا اللفظ -فيما أعلم- أحد ممّن كتب في السيرة كــ - ابن القيم و - الذهبي و - ابن كثير، و لا غيرهم من شرّاح الأحاديث كــ - النووي و - ابن حجر -رحمهم الله-... قال الشيخ الساعاتي -رحمه الله- في الفتح الرباني: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُسمي ذلك العام عام الحزن .. كذا في المواهب اللدنية .([انظر: الفتح الرباني (20/ 226).)]. وقال الشيخ الألباني في تعقيبه على البوطي في قوله: ( ولقد أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا العام (عام الحزن) لشدة ما كابد فيه من الشدائد في سبيل الدعوة ) .. قال الألباني -رحمه الله-: " مِن أي مصدر ٍ من المصادر الموثوقة أخذ الدكتور (البوطي) هذا الخبر؟ .. وهل إسناده -إن كان له إسناد- مما تقوم به الحجة؟ .. فإني [الألباني] بعد مزيد البحث لم أقف عليه ... والمصدر الوحيد الذي رأيته قد أورده إنما هو القَسطَلاّني في المواهب اللدنية فلم يزد على قوله: (فيما ذكره صاعد) وصاعد هذا هو ابن عبيد البجلي كما قال الزرقاني في شرحه عليه .. فما حال صاعد هذا؟ .. إنه مجهول لا يُعرف، ولم يوثقه أحد، بل أشار الحافظ (*)[ ابن حجر، حيث قال في التقريب عن صاعد: "مقبول". وقد نص في مقدمة التقريب على أن من وصفه بأنه مقبول فذلك حيث يتابع وإلا فليّن الحديث. (1/ 5).] .. أشار الحافظ إلى أنه ليّن الحديث إذا لم يتابع، كما هو حاله في هذا الخبر. على أن قول القسطلاني: (فيما ذكره صاعد) يُشعر أنه ذكره معلقًا بدون إسناد فيكون معضلًا، فيكون الخبر ضعيفًا لا يصح، حتى ولو كان صاعد معروفًا بالثقة والحفظ، وهيهات هيهات ([ دفاع عن الحديث والسيرة ص 18.)]". ا. هـ كلام الألباني. المنجد في جواب سؤال كتب يقول :" لم يثبت أن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أو أحدا من أصحابه ، بل ولا من التابعين ، ومتقدمي الأئمة : أنه سَمى هذا العام بعام الحزن؛ ولم يُرو ذلك مسندا من وجه ، وغاية ما في الأمر أنها تسمية من العلماء . قال العيني رحمه الله في"عمدة القاري" (8/ 180): " توفّي أبوطَالب هُوَ وَ خَدِيجَة فِي أَيَّام ثَلَاثَة ، قَالَ صاعد فِي (كتاب الفصُوص) : فَكَانَ النَّبِي -صَلَّى ٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُسَمِّي ذَلِك الْعَام عَام الْحزن ، وَكَانَ ذَلِك وَقد أَتَى للنَّبِي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَأحد عشر يَوْمًا " انتهى. و صاعد هذا : هو صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي البغدادي اللُغوي ، ولم يكن صدوقا ، قال ابن بشكوال في "الصلة"(ص233) : " كان صاعد هذا يتهم بالكذب وقلة الصدق فيما يورده -عفى الله عنه- " انتهى . وقال الذهبي رحمه الله :"جمَع الفصوص عَلَى نحو "أمالي القالي " للمنصور، فأثابه عَليْهِ خمسة آلاف دينار. وكان متَّهَمًا في النَّقل ، فلهذا هجروا كتابه، وقد تخرَّج بِهِ جماعة مِن فُضلاء الأندلس ، لمّا ظهر كذبِه للمنصور رمى بكتابه في النّهر، ثمّ خرج مِن الأندلس في الفتنة وقصد صقلّية ، فمات بها " انتهى من "تاريخ الإسلام" (28/ 246) . وقال ابن سيده رحمه الله :" عام الحزَنِ : الْعَام الَّذِي مَاتَت فِيهِ خَدِيجَة وَ أَبُوطَالب ، فَسَماهُ رَسُول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَام الحزَنِ ، حكى ذَلِك ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي ، قَالَ: وَمَاتَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين " . انتهى من"المحكم" (3/ 225) . ومات ابن الأعرابي في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، كما في "سير أعلام النبلاء" (9/ 75) ، وهو أعلى من نسب تسمية هذا العام بعام الحزن إلى النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.". قال د. العوشن:" ومن ناحية المتن فيبعد أن يسميه الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه بذلك، وقد مّر عليه صلى الله عليه وسلم والمسلمون من المحن والشدائد الكثير، قبل الهجرة وبعدها، فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: " هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟.. قال: " لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب .. " الحديث[( البخاري، كتاب الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين (6/ 312 فتح)، مسلم (12/ 154 نووي).)]. وفي قصة بعثه صلى الله عليه وسلم سبعين رجلًا من أصحابه يُسَمَّون بالقرّاء إلى أحياء من سُليم فقتلوهم، قال أنس رضي الله عنه" فما رأيته وَجَد على أحدٍ ما وجد عليهم [( البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب دعاء الإِمام على من نكث عهدًا (6/ 272 فتح).)] ، حتى كان من شدة حزنه صلى الله عليه وسلم عليهم أنه مكث شهرًا كاملًا يدعو على قاتليهم، قال أنس رضي الله عنه "دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قَتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحًا حين يدعو على رِعْل ولحيان وعُصيّة عصت الله ورسوله [( البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل وذكوان، وبئر معونة .. (7/ 389 فتح). )] ". وكانت هذه الحادثة المؤلمة التي قُتل فيها سبعون رجلًا، من الصحابة من قرّائهم قد وقعت في أوائل العام الرابع للهجرة، وسبقها بفترة قصيرة حادثة أخرى تُعرف بماء الرجيع لعشرة من الصحابة منهم: خبيب بن عدي و عاصم بن ثابت و زيد بن الدثنة و مرثد بن أبي مرثد وغيرهم رضي الله عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد أصيبوا في شوال من العام الثالث للهجرة (غزوة أحد) باستشهاد سبعين رجلًا كان منهم: حمزة بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، و مصعب بن عمير و أنس بن النضر، و عبدالله بن عمرو بن حرام (والد جابر)، و اليمان (والد حذيفة)، و عبدالله بن جبير أمير الرماة يومها، وغيرهم رضي الله عنهم بل شُجّ رأسه صلى الله عليه وسلم وكُسِرت رَباعيته ودمي وجهه الشريف [( مسلم، كتاب الجهاد والسيرة، غزوة أحد (12/ 148 نووي).)] . كل تلك الحوادث وقعت في أقل من ستة أشهر، واستُشهد خلالها ما يقارب من مائة وخمسين صحابيًا رضي الله عنهم ولم يُنقل أنه صلى الله عليه وسلم على شدة حزنه سمّاه بأي اسم يدل على الحزن أو نحوه. " انظر : *. ] د. محمد عبدالله العوشن؛ ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية؛[ . (67-69).] .. ونُشر أيضاً على صفحة د. السرجاني تحت عنوان عريض :"التاريخ الإسلامي ؛ صحح تاريخك : عام الحزن". *.] استشهد المنجد بما بحثه د. العوشن ] . و بحث :" عبدالحليم توميات في :" -السّيرة النّبويّة (32) عـام الحـزن.. وقال :" تسمية هذا العام بـ( عام الحزن ) إنّما هي تسمية أهل العلم له، ولم ترِد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا وجود لها في شيء من مصادر السنّة الموثوقة، فلا يجوز نسبتها إليه كما فعله كثير من المصنِّفين. والمصدر الوحيد الّذي ذكر أنّ النبيّصلّى الله عليه وسلّم أطلق على هذا العام بأنّه عام الحزن هو " المواهب اللّدنيّة " للقسطلاني رحمه الله، وحين روى ذلك لم يزد على أن قال:" فيما ذكره صاعد "! وصاعد هذا هو ابن عبيد البجليّ - كما قال الزّرقاني رحمه الله في"شرحه" عليه ( 1 /244) -، وهو مجهول لا يُعرف، ولم يوثّقه أحد، ولو سلّمنا أنّه ثقة حافظ - وهو ليس كذلك - فيكون الإسناد معضلا. فــ لماذا أطلق أهل العلم هذه التّسمية على هذا العام ؟ كان ذلك في السّنة العاشرة من البعثة .. إنّه العام الّذي تُوُفِّيت فيه خديجة رضي الله عنها، وأبو طالب، وكان بين وفاة خديجة وأبي طالب شهر وخمسة أيّام. [نُشر : الاثنين 04 ربيع الأول 1432 هـ الموافق لـ: 07 فيفري 2011؛ السّيرة النّبويّة (32) عـام الحـزن؛ عبدالحليم توميات ] وهناك مَن سلم مِن وقوفه في آحدى الصفين فتوقف عن أن ينسبه إلى أحد مثل صاحب :" الرحيق المختوم". فــ قال : :" ولأجل توالي مثل هذه الآلام في هذا العام سُمِّى بــ عام الحزن، وعُرف به في السيرة والتاريخ ». *-* *(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)* الإثنين، 17 ربيع الثاني، 1443هــ ~ 22 نوفمبر 2021م | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
27 / 11 / 2021, 00 : 07 PM | المشاركة رقم: 396 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه ﴿ « „ ٩٩‟» ﴾ [ ٨ ] سَعْيُ الرَّسُولِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ * . ] اسْتِدْرَاكٌ : .. وقفتُ في نهاية الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ [ ٧ ] عند عام الحزن [نَشَرَهُ موقع ملتقى أهل العلم مشكورا ومأجوراً]؛ وما يجب عليَّ إثباته هنا :" إنّ تسمية هذا العام بـ : « عام الحزن » إنّما هي تسمية أهل العلم له، ولم ترِدعن النبيّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ولا وجود لها في شيء مِن مصادر السنّة الموثوقة، فلا يجوز نسبتها إليه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، كما فعله كثير من المصنِّفين. والمصدر الوحيد الّذي ذكر أنّ النبيّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أطلق علىٰ هذا العام بأنّه :„عام الحزن‟هو " المواهب اللّدنيّة" للقسطلاني رحمه الله، وحين روىٰ ذلك لم يزد علىٰ أن قال:" فيما ذكره صاعد "!... وصاعدٌ هذا هو ابن عبيد البجليّ - كما قال الزّرقانيرحمه الله في"شرحه" عليه (1 /244) -، وهو مجهول لا يُعرف، ولم يوثّقه أحد، ولو سلّمنا أنّه ثقة حافظ - وهو ليس كذلك - فيكون الإسناد معضلا. * . ] فلماذا أطلق أهل العلم هذه التّسمية علىٰ هذا العام؟[(1)] كان ذلك في السّنة العاشرة مِن البعثة .. إنّه العام الّذي تُوُفِّيت فيه خديجة رضي الله عنها، وهلك عمه أبوطالب، وكان بين وفاة خديجة وأبي طالب شهر وخمسة أيّام[(2)]. وكانا يقفان بجواره-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ومساندته ونصرته.. وبغيابهما عن المشهد القائم المعاش -وقتذاك- والأحداث الجارية المتتالية-في زمانها- في مكة فقدَ رسولُ الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الناصر الإجتماعي و المؤيد الفعلي في مواجهة صناديد وكفار وعابدي أصنام.. وهو الذي يدعو إلى وحدانية الآله الخالق الرازق المحي المميت الذي بيده الخير وهو على كل شئ قدير.. وترك ما يعبدون من دون الله -تعالى- وعمه كان الحامي الخارجي و فقدَ الأنيس الداخلي و الناصر المعنوي و الصدر الدافئ حين عودته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلى بيته ليستريح قليلا مِن عناء المهاجمة والصدود والجفاء الخارجي.. وهنا الحديث عن محمد بن عبدالله الإنسان؛ فهو بشر من بني آدم.. صحيح أنه عليه السلام سيد ولد آدم لكن بداخله مشاعر إنسان وعواطف بشر وأحاسيس.. والذي أعانه على ذلك المصاب الأليم الشديد هو يقينه الجازم بأنه رسول الله تعالى وأنه المصطفى لتبيلغ آخر رسالات السماء وأنه المجتبى من الخلق أجمعين لتعلو راية التوحيد... لذا فقد اجتهد البعض بوصف الحالة النفسية التي مر بها الرسول الإنسان محمد بن عبدالله فتم عنونة هذه السنة بأنها :« عام الحزن ». -***- وأبدءُ مِن بعد إذنه -تعالى في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه – ومن بعد هدايته وتوفيقه: [الْمُجَلَّدُ : (٨)؛ الْبَابُ : (١): ﴿«„سَعْيُ الرَّسُولِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ‟ »﴾ . تَّمْهِيدٌ: عَرْضُ الرَّسُولِ[صلى الله عليه وآله وسلم]نَفْسَهُ الزَّكِيَّةُ عَلَىٰ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ: أدقُ مفصلٍ حيوي يربط بين آحدىٰ مراحل سنوات العهد المكي وآخرىٰ مِن السيرة النبوية المحمدية العطرة-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً-. أدقُ مفصل جوهري وأساسٍ هو وبلا آدنىٰ شكٍ واقل ارتياب : «„ عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ الزَّكِيَّةُ عَلَىٰ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ ‟» فقد اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. وتجمد المجتمع المكي وتصلب أمام الدعوة الجديدة منذ أن أعلنَ -عليه السلام- مبدأَ التوحيد وتكلم عن الربوبية الحقة وشرحَ حقيقة الآلوهية؛ وأخبرَ بعقيدة الإسلام الحنيف وبيَّن صحة الإيمان؛ ووجه العبادة لوجه الله-جل وعلا- وحده لا شريك ولا ند له لا مثيل له.. فلا صاحبة له ولا ولد، بدءاً مِن داخل البلد الحرام مسقط رأس خاتم الأنبياء؛ ومِن أمام :{.. أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِين}[(3)].. بلد آخر المرسلين؛ ومبدء دعوة إسلام متمم المبتعثين.. ومنشأ التوحيد .. وصرف العبادة فقط لرب البيت العتيق بــ مكةَ المكرمة التي تشرفت كأطهر بقعة علىٰ الأرض بوجود البيت الحرام العتيق منذ بداية وجود الأرض كــ مخلوقة لله-تعالىٰ في سماه و تقدست اسماه-؛ ومِن ثم زيارة أبي البشر أجمعين آدم -عليه السلام- للكعبة المشرفة.. ثم زيارات بقية السادة المرسلين ولفيف النبلاء مِن الأنبياء إلىٰ أن ترك الخليل إبراهيم -جد محمد الأعلىٰ- أبنَه الأكبر مع أمه ذات الأصول المِصرية هاجر وطفلها -الجد الأكبر- لمحمدٍ إسماعيلَ بن إبراهيم.. وبناء الكعبة المشرفة على القواعد: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ }[(4)]..ثم تشرفت أخيراً وتزينت بمولد النبي الرسول المصطفىٰ المرتضىٰ المحتبىٰ المجتبىٰ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب.. .. اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. علىٰ أوائل المسلمين.. -ومعهم الرسول العظيم-؛ وهي مِن سنن الله -تعالى- في خلقه.. الذين أمنوا بالدين الجديد فخرجوا بعد العذاب المهين مِن وسط كفار قريش ومشركي مكة.. خرجوا إلىٰ شعب أبي طالب.. .. اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. فجاء مسير المصطفىٰ الهادي إلىٰ الطائف.. وبدءاً مِن هنا يبدءُ مفصل جوهري وانتقال حيوي إلىٰ تحرك جديد دعوي ؛ كأنه يخبر عن قرب انتهاء العهد المكي بمراحله ومفاصله لـتأسيس الدعوة الجديدة وبناء شخصية التكتل حول الرسول الأول؛ وهو -العهد المكي- العهد الأول في سير الخطوات العملية؛ ونستفيد نحن منها أنها السُنَّة التطبيقية والطريقة العملية في سير السيرة المحمدية النبوية والمنهجية الأحمدية الرسولية في البداية الفعلية والمنطقية في سير الدعوة؛ إذ بدأت بين : - أهله و - قومه و - عشيرته و - قبيلته.. ولاقى ما هو معروف منهم..فأمنت به قلة واتبعته ثلة.. وبقرب انتهاء هذا المفصل -يقترب مِن ثلاث سنوات-مِن العهد الأول المكي.. سيبدء ببطئ شديد يحتاج إلىٰ يقظة وإعمال فكر ووعي وبصيرة الخطوات الأولىٰ العملية للإنتقال إلىٰ العهد الثاني من عهدي النبوة : «„العهدالمدني‟ ».. .. الحديثُ هنا والبحثُ عن أدقُ مفصلٍ يربط بين آحدىٰ مراحل سنوات العهد المكي -العهد الأول- وآخرىٰ مِن السيرة النبوية المحمدية العطرة-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثيراً-.. وهذا المفصل هو ﴿«„ عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ الزَّكِيَّةُ عَلَىٰ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ‟».. .. وهو المقدمة الحتمية والتمهيد الأيديولوجي الفكري والاستراتيجي لما سيترتب عليه مِن بعد ذلك..أي قيام كيان لمجموعة الأفكار والقناعات لتفعيلها في المجتمع ولتنفيذها.. وكيان عملي لحزمة المبادئ وكتلة القيَّم والمقاييس لتطبيقها والتي أوحىٰ الله -تعالى- بها لخاتم رسله ومتمم مبتعثيه وآخر أنبياءه.. و هنا ينبغي علىٰ "حامل دعوة - ولا استخدم لفظة الداعية- الإسلام" -أفرادا أو أحزابا.. جماعات أو تكتلات يجب فهم كيفية الانتقال ما بين مرحلة وآخرىٰ.. وكيفية الربط ما بين مفاصل وروابط كل مرحلة بعينها.. ولعل غياب هذا الفهم الدقيق والربط الواعي المستنير للسيرة النبوية أوقع -اليوم- جماعات تدثرت بقشور إسلام وأحزاب تلبست وشاحه.. أوقعها في مسألة التزواج بين مبدأ الإسلام ومبادئ وضعية بشرية ومنذ أكثر مِن 90 عاما تخفق فيما تدعو إليه.. والتجربة المِصرية التي استغرقت ثوان مِن عمر الدهر؛ والتونسية التي تترنح كلما قامت.. خير دليل علىٰ صحة ما ذهبتُ إليه.. قلتُ(الرمادي) : في التمهيد لهذا البحث أنه اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. وتجمد المجتمع المكي وتصلب أمام دعوة الإسلام المحمدية وعلى سبيل المثال؛ وبإذنه -تعالى- سأفردُ فصلاً كاملاً عن: بدايات الأذىٰ مِن المشركين: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ النَّفَرُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ : 1.] أَبَا لَهَبٍ ، وَ 2.] الْحَكَمَ بْنَ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَ 3.] عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَ 4.] عَدِيَّ بْنَ حَمْرَاءَ الثَّقَفِيَّ ، وَ 5.] ابْنَ الْأَصْدَاءِ الْهُذَلِيَّ ؛ وَ كَانُواجِيرَانَهُ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ -فِيمَا ذَكِرَ ابن إسحاق- يَطْرَحُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِمَ الشَّاةِ وَهُوَ يُصَلِّي ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَطْرَحُهَا فِي بُرْمَتِهِ إذَا نُصِبَتْ لَهُ ، حَتَّى اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِجْرًا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنْهُمْ إذَا صَلَّى ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَرَحُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْأَذَى ، كَمَا حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، يَخْرُجُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعُودِ ، فَيَقِفُ بِهِ عَلَى بَابِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : «„يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ، أَيُّ جِوَارٍ هَذَا‟»: ثُمَّ يُلْقِيهِ فِي الطَّرِيقِ ".[(5)] [ طَمَعُ الْمُشْرِكِينَ فِي الرَّسُولِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ وَخَدِيجَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ إنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَاطَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ ، فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿„الْمَصَائِبُ‟﴾: بِــ - هُلْكِ خَدِيجَةَ ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ ، يَشْكُو إلَيْهَا ؛ وَبِــ - هُلْكِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَانَ لَهُ عَضُدًا وَحِرْزًا فِي أَمْرِهِ ، وَمَنَعَةً وَنَاصِرًا عَلَىٰ قَوْمِهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ: ﴿٣﴾ سِنِينَ . فَلَمَّا هَلَكَ أَبُوطَالِبٍ ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ ، حَتَّىٰ اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ ، فَنَثَرَ عَلَىٰ رَأْسِهِ تُرَابًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ :«„ لَمَّا نَثَرَ ذَلِكَ السَّفِيهُ عَلَىٰ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ التُّرَابَ ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَىٰ رَأْسِهِ ، فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَىٰ بَنَاتِهِ ، فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التُّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا :«„ لَا تَبْكِي يَا بُنَيَّةِ(!) فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكَ‟ ». قَالَ : وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ:« „مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّىٰ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ” » ... .. وهذه المعاناة في سبيل حمل الدعوة تحتاج مني إلىٰ إعادة نظر ومِن ثم تفصيل.. ولعل إذا شاءت إرادة السماء يكون لي عودة حميدة طيبة في بحث هذا الموضوع.. والله-تعالىٰ- المستعان! ومما يلزمني إعادة النظر فيه مع التذكير والتنبيه .. ذلك الموقف الذي حدث في حالة مرض أبي طالب -الأخ الشقيق لعبدالله بن عبدالمطلب- والد محمد : ولعل هذا ما غاب عن مسلمي اليوم.. وفطن إليه أحد الذين كانوا يحاربون الله -تعالى- ويعادون رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ أن الموقف كما رواه ابن اسحاق واعتمده مِن بعده كافة أهل السير والتراجم .. أنتبه واسمع : * . ] بَعَثَ إلَيْهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أَبُو طَالِبٍ ، فَجَاءَهُ . فَــقَالَ أَبُوطَالِبٍ : „يَا ابْنَ أَخِي : هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِكَ ، قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ ، لِيُعْطُوكَ ، وَلِيَأْخُذُوا مِنْكَ‟. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ﴿„ نَعَمْ..«„كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ‟ »تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ‟﴾. أقول(الرمادي): يجب الانتباه أن قبيلة قريش في مكة والمناطق المحيطة بها أهل تجارة ورجال مواسم إذ يرون قوافل التجارة قادمة إليها وراحلة عنها؛ ويثبت القرآن الكريم والذكر الحكيم هذا المشهد لأن به دلالة قوية لما أريد أن اثبته ولتراجع كتب التفسير ومصادر التأويل؛ إذ نطق القرآن يقول :{ لإِيلاَفِ قُرَيْش }[*]{ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف}[(6)] فهم يملكون المال ولديهم السلطة علىٰ العبيد ولديهم السيطرة علىٰ بيت الله -تعالىٰ- العتيق في المواسم.. فإذا زاد المُلك ملكاً وتوسعت السلطة والسيطرة وزاد المال فهذا ما يسعىٰ إليه كل متملك ومالك.. فكانت الإجابة الفورية أن..قَالَ : فَــ قَالَ أَبُو جَهْلٍ :„نَعَمْ وَأَبِيكَ ، وَعَشْرَ كَلِمَاتٍ‟، قَالَ -صلى الله عليه وآله وسلم-: تَقُولُونَ : [ أ . ] ﴿„لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ‟﴾ ، وَ [ ب . ] ﴿„تَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ‟﴾ . .. فهذه الثنائية : أ . ] آله واحد.. يعبد ويطاع أمره؛ ويبتعد عن نهيه؛ و: ب . ] خلع ما دونه.. وهذه هي مشكلة المشاكل عند البشر.. فالهوىٰ والميل والرغبة وتحقيق الغرائز وإشباعها وتركها علىٰ عناتها دون قيد أو شرط أو رقيب.. وحقيقتها انها آلهة من دونه فكان ردهم مباشرة الرفض.. ماذا فعلوا : قَالَ :"„ فَصَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ ‟؛ ثُمَّ قَالُوا :„ أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا ، إنَّ أَمْرَكَ لَعَجَبٌ ‟ ( قَالَ ) : ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ :„ إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَىٰ دِينِ آبَائِكُمْ ، حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ . قَالَ : ثُمَّ تَفَرَّقُوا‟. فمسألة توحيد الآله؛ ويندرج تحتها السمع لأوامره -هو فقط- والطاعة له -وحده دون سواه- رُفضت منذ اللحظة الأولىٰ من العرض النبوي! .. ثم تأتي مسألة آخرىٰ -تكاد تكون- حامية الوطيس بين أهل السنة ومَن يتبعهم وبين أهل الشيعة ومَن يتشيع معهم حول قضية لا تفيد وهي مسألة ما بعد الموت والحساب والعقاب؛ وهي مسألة: „ إيمان أبي طالب.. عم النبي.. مِن عدمها‟.. وفي حقيقة الأمر لا يترتب علىٰ بحثها أي فائدة سواء من حيث أحكام شرعية تكليفية عملية لنا؛ كما أنها لا تدخل في مسائل العقيدة عند المؤمنين والإيمان عند المسلمين ؛ والأصل في بحثها ونتائجها لا يترتب عليها قضية إيمان أو كفر لأحد منا أو منهم؛ وهي مسألة إيمان شخص واحد مِن عدمه وعقيدة أبي طالب -العم الحامي لنبي الله- وهي مسألة نفسية.. مسألة شجون وعواطف.. قد تُجرح مشاعر البعض ويتأذىٰ منها البعض.. فكيف بمَن قام بهذا الأفعال الجيدة والمواقف المحمودة مع ابن أخيه ثم يكون مصيره عذاب! لذا فهناك بحث : [ طَمَعُ الرَّسُولِ فِي إسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ ، وَحَدِيثُ ذَلِكَ ] فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :„ وَاَللَّهِ يَا ابْنَ أَخِي ، مَا رَأَيْتُكَ سَأَلْتَهُمْ شَطَطًا‟، قَالَ: فَلَمَّا قَالَهَا أَبُوطَالِبٍ طَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إسْلَامِهِ ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ :«„أَيْ عَمِّ ، فَأَنْتَ ... فَقُلْهَا أَسْتَحِلَّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‟ » . قَالَ : فَلَمَّا رَأَى حِرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، قَالَ :„يَا ابْنَ أَخِي ، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ : „السُّبَّةِ‟ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ بَنِي أَبِيكَ مِنْ بَعْدِي ، وَأَنْ تَظُنَّ قُرَيْشٌ أَنِّي إنَّمَا قُلْتهَا جَزَعًا مِنْ الْمَوْتِ لَقُلْتهَا ... لَا أَقُولُهَا إلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا‟. قَالَ : فَلَمَّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ .. قَالَ : نَظَرَ الْعَبَّاسُ إلَيْهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ ، قَالَ : فَأَصْغَىٰ إلَيْهِ بِأُذُنِهِ ، قَالَ فَقَالَ :„ يَا ابْنَ أَخِي وَاَللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الَّتِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا‟، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«„لَمْ أَسْمَعْ‟(!!!)» . [(7)] -**- منذ قليل تحدثتُ عن اليسير مِن بحث :" المسير إلىٰ الطائف " ثم تكلمتُ عن ما أطلق عليه :"عام الحزن".. ومِن هنا يبدء بحث جديد عميق أساسي وجوهري في خط سير السيرة المصطفوية والهدي المحمدي هي مسألة: ﴿«„النُّصرة‟»﴾؛ ما تسمىٰ بــ مسألة : ﴿«„طلب النُّصرة مِن أهل المنعة والقوة‟»﴾؛ وإليك البيان : 1.] عَنوَّنَ ابن هشام في سيرته :« „ سَعْيُ الرَّسُولِ إلَىٰ ثَقِيفٍ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ‟ ». فقد قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :"وَلَمَّا هَلَكَ أَبُوطَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَىٰ الطَّائِفِ "[(8)]، .. فما سبب خروجه -عليه السلام- !؟. يكمل ابن اسحاق القول فيثبت لنا : 1. ] يَلْتَمِسُ النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ ، وَ 2. ] الْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَ رَجَاءَ أَنْ : 3. ] يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ "[(8)].. توجد مسألة تحتاج إلىٰ إلقاء أضواء عليها وهي : ﴿«„ نثبت -سبحانه وتعالىٰ- فؤادك -عليه السلام-‟»﴾.. ..وهذه متعلقة بقَصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين؛ ثم تأتي مسألة نزول القرآن منجماً علىٰ مدار ثلاث وعشرين سنة : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }[(10)] ثم تأتي مسألة آخرىٰ: ألا وهي مسألة الغيب؛ وهو ما لا يتمكن الإنسان بقدراته الذاتية أن يدركه بقواه العقلية المحدودة أو يراه بحاسة النظر والبصر أو يخاطبه فيكلمه ويسمعه.. كقضية محادثة الشيطان -دون مسألة وسوسته- والتأثير علىٰ الجن.. أو قضية مَن سبقنا من الأمم والشعوب وعلىٰ وجه الخصوص وبالتحديد مَن سبقه -عليه السلام- فهي غيب مطلق لنا نحن البشر؛ والحديث عنها مرتبط بما هو يقيني مِن النصوص -قطعية الثبوت أنها وحي مِن عند الله.. وقطعية الدلالة مِن حيث معناها و ما يفهم منها- وليست روايات وحكايات.. فتجد في قوله :{ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا }[(11)] وتجد :{ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون}[(12)] لماذا أراد الخالق -الذي أرسل محمدا رسولا ونبيا- أن يزيد مِن ثبات قلبه!؟.. ففي لحظة المحنة واثناء خروجه منها وقبيل دخوله مكة حدث أمر لحقه ثان كي تتحقق مسألة :«„ نثبت فؤادك ‟» فتجد قصة ملك الجبال والأخشبين -وهذا غيب- وتجد قصة الجن يستمعون القرآن ويؤمنون به -وهذا أيضاً غيب- ولولا أنه ذكر القرآن الكريم والذكر الحكيم هذه المسألة الأخيرة ما قلتُ بها. وتجد مقدمة لتهيئة نفسه -عليه السلام- في قصة عدَّاس النصراني وما فعله فقد قال ابن اسحاق: فَــقد أَنكَبَّ عَدَّاسٌ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ : 1.] - ﴿„ رَأْسَهُ ‟﴾ . وَ 2.] - ﴿„ يَدَيْهِ ‟﴾ . وَ 3.] - ﴿„ قَدَمَيْهِ ‟﴾ . [(13)] وهذه لا يحكمها قانون المصادفة؛ بل ترتيب مِن خبير عليم!. ثم نكمل القصة إذ :" قَالَ: يَقُولُ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : أَمَّا غُلَامُكَ فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْكَ . فَلَمَّا جَاءَهُمَا عَدَّاسٌ ، قَالَا لَهُ :"„وَيْلَكَ يَاعَدَّاسُ مَالَكَ تُقَبِّلُ رَأْسَ هَذَا الرَّجُلِ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ ؟ ‟ . قَالَ : يَا سَيِّدِي مَا فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ هَذَا ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِأَمْرِ مَا يَعْلَمُهُ إلَّا نَبِيٌّ ، قَالَا لَهُ : وَيْحَكَ يَا عَدَّاسُ ، لَا ، يَصْرِفَنَّكَ عَنْ دِينِكَ ، فَإِنَّ دِينَكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ".[(14)] ثم يأتي ما يثبت الله-تعالىٰ- به فؤاده؛ وليس مِن باب المصادفة ؛ وأقصدُ : [ أَمْرُ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَآمَنُوا بِهِ ] قَالَ : ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ الطَّائِفِ رَاجِعًا إلَىٰ مَكَّةَ ، حِينَ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ ، حَتَّىٰ إذَا كَانَ بِنَخْلَةَ قَامَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يُصَلِّي ، فَمَرَّ بِهِ النَّفَرُ مِنْ الْجِنِّ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَهُمْ - فِيمَا ذَكِرَ ابن اسحاق - سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ جِنِّ أَهْلِ نَصِيبِينَ فَاسْتَمَعُوا لَهُ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَّوْا إلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ، قَدْ آمَنُوا وَأَجَابُوا إلَىٰ مَا سَمِعُوا . فَقَصَّ اللَّهُ خَبَرَهُمْ عَلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ اللَّهُ-عَزَّوَجَلَّ- :{ وَ إِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ } إلَىٰ قَوْلِهِ-تَعَالَى-:{ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }[(15)]، وَقَالَ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-:{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ } [(16)]إلَىٰ آخِرِ الْقِصَّةِ مِنْ خَبَرِهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ .[(17)].. ومسألة الجن حتىٰ لا نذهب بعيداً غيب لم يطلع عليه إلا أنبياء ورسل خالق الإنسان والجن؛ وهي مسألة لا يبحث فيها بقدراتنا العقلية المحدودة ويكفينا ما ينبهنا إليه القرآن الكريم والذكر الحكيم علىٰ لسان :{ سُلَيْمَانَ } فــ { قَالَ .. وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب}[(18)] -***- أعود لمسألة البحث ؛ أقصد طلب النُّصرة مِن أهل القوة و رجال المنعة؛ فبالإضافة إلى ما ذكره ابن اسحاق - بعد مضي سنوات من دعوة الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لأهل مكة وملاقاته منهم العنت والصدود ، وصبره علىٰ مواقفهم السلبية وأذاهم له، صبراً لا تتحمله الجبال الراسيات، أراد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نقل الدعوة إلىٰ القبائل خارج مكة لعله يجد بينهم آذاناً صاغية وقلوباً واعية ، فيؤمن به بعض وجهاء القبائل ، فينشر هدايته ،ويضمن ملاذاً لأتباعه من المستضعفين والمساكين ، لذلك ركَّز الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في دعوته علىٰ القبائل ورؤسائها [(19)]. - وفي العام [6 ق . هـ ~ 615 م]؛ عرض رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نفسه علىٰ القبائل مِن العرب أن يحموه ويناصروه علىٰ ماجاء به من الحق] ولأنه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أخفىٰ رسالته(!)ثلاث سنين، ثم أعلن بها في الرابعة علىٰ ما تقدم، ودعا إلىٰ الإسلام عشر سنين يوافي الموسم كل عام، يتبع الحجاج في منازلهم -أي بمنىٰ والموقف- يسأل عن القبائل قبيلة قبيلة، ويسأل عن منازلهم ويأتي إليهم في أسواق المواسم، وهي: * . ] - عكاظ، و * . ] - مجنة، و * . ] - ذو المجاز، فقد كانت العرب إذا حجت تقيم بعكاظ شهر شوّال، ثم تجيء إلىٰ سوق مجنة تقيم فيه عشرين يوما، ثم تجيء سوق ذي المجاز فتقيم به إلىٰ أيام الحج يدعوهم إلىٰ أن يمنعوه حتىٰ يبلغ رسالات ربه. فعن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال كان النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يعرض نفسه علىٰ الناس في الموقف ويقول: « ألا رجل يعرض عليّ قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ».. و عن بعضهم رأيت رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يهاجر إلىٰ المدينة يطوف علىٰ الناس في منازلهم -أي بمنىٰ- يقول: « يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا»، و وراءه رجل يقول:" يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم"، فسألت مَن هذا الرجل؟ فقيل أبو لهب يعني عمه. و في رواية عن أبي طارق -رضي الله تعالى عنه-قال: رأيت رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بسوق ذي المجاز ي عرض نفسه علىٰ قبائل العرب يقول: « يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وخلفه رجل له غديرتان» أي ذؤابتان « يرجمه بالحجارة حتىٰ أدمي كعبه يقول:" يا أيها الناس لا تسمعوا منه فإنه كذاب"، فسألت عنه، فقيل إنه غلام عبدالمطلب، فقلت ومَن الرجل الذي يرجمه؟ فقيل هو عمه عبدالعزى يعني أبا لهب» [(20)]. وفي السيرة الهشامية عن بعضهم قال: إني لغلام شاب مع أبي بمنى ورسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يقف في منازل القبائل من العرب فيقول : « „يابني فلان إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا به وتصدقوني، وتمنعوني حتىٰ أبين عن الله عز وجل ما بعثني به‟ »، قال: وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان، عليه حلة عدنية، فإذا فرغ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من قوله قال ذلك الرجل: "يا بني فلان إن هذا الرجل إنما يدعوكم إلىٰ أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم إلىٰ ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه"، فقلت لأبي: مَن هذا الرجل الذي يتبعه يرد عليه ما يقول؟ قال: هذا عمه عبدالعزى بن عبدالمطلب[(21)]. - يقول د. السرجاني[(22)] :"اتخذ الرسول الكريم طريقةً جديدة للحوار مع القبائل الزائرة لمكة، فأصبح يدعوهم إلىٰ نصرته واستضافته في قبائلهم، وبسؤال عام مفتوح نبدء البحث: فــ * . ] ماذا فعل رسول الله؟ ؛ و * . ] ماذا عن رد القبائل؟[(22)] أما د. الصلابي[(23)] وتحت عنوان عريض :" طواف النبي -صلى الله عليه وسلم- علىٰ القبائل طلباً للنُّصرة " فكتب يقول :" بعد رجوعه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن الطَّائف بدأ يعرض نفسه علىٰ القبائل في المواسم: * . ] يشرح لهم الإسلام، و * . ] يطلب منهم الإيواء، و * . ] النُّصرة، قلتُ(الرمادي): وغاية ذلك : * . ]حتَّىٰ يبلِّغ كلام الله - عزَّوجلَّ - .. وكان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يتحرَّك في: * . ] المواسم التِّجارية، و * . ] مواسم الحجِّ.. الَّتي تجتمع فيها القبائل وَفْق خطَّةٍ سياسيَّةٍ دعويَّةٍ واضحة المعالم، ومحدَّدة الأهداف، وكان يصاحبه أبوبكر الصِّدِّيق؛ الرَّجل الَّذي تخصَّص في معرفة أنساب العرب، وتاريخها، وكانا يقصدان «غُرَر النَّاس، ووجوه القبائل، وكان أبوبكر رضي الله عنه، يسأل وجوه القبائل، ويقول لهم: * . ] كيف العدد فيكم؟ و * . ] كيف المنعة فيكم؟ و * . ] كيف الحرب فيكم؟ .. وذلك قبل أن يتحدَّث رسولُ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ويعرض دعوته»... .. ألتقطُ طرف الخيط مما كتبه د. السرجاني إذ يقول :" دعوة القبائل.. الإجراءات والمنهج: بدأ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -بناءً علىٰ ما سبق- في تغيير طريقته في الدعوة تغييرًا خطيرًا؛ فهو لن يكتفي الآن بدعوة الناس إلىٰ الإسلام فقط كما كان يفعل من قبل؛ بل سيدعوهم كذلك إلىٰ النُّصرة ضدَّ قريش، وبشكل صريح! ولنراجع الروايتين اللتين تتعلَّقان بهذه المرحلة، وقد جاءت الروايتان عن طريق جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-، وهو -كما هو معروف- من أهل يثرب الذين لم يظهروا في الصورة إلا مؤخرًا؛ وذلك عندما أسلم سويد بن الصامت وإياس بن معاذ-رضي الله عنهما-؛ ولعلَّ جابرًا -رضي الله عنه-قد شاهد هذين الموقفين بنفسه، أو أن أحد أهل يثرب قد حكاهما له -شكٌ من السرجاني-، وقد حدَّد موعدهما في العام الحادي عشر من البعثة لأن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يطلب من أحدٍ النصرة قبل هذا العام لــ: - وجود أبي طالب معه؛ ثم إنه - لن يطلبها في الفترة المتبقية في العهد المكي لأنه سيجد نصرةً من أهل يثرب -أو المدينة- في هذا العام، كما سنتبيَّن في هذا الفصل بإذن الله؛ ومن ثَمَّ لن يكون هناك حاجة لطلبها من غيرهم، ثم إن الرواية الثانية فيها تحديد صريح حيث ذكر جابر - رضي الله عنه- ما يدلُّ على حدوث الموقف الأخير في العام الحادي عشر كما سيأتي. يقول جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَوْقِفِ[(24)][أي الموسم؛ وفي رواية النسائي وابن ماجه: «يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ». والمقصود موسم الحج، فقد كانوا يحجون في الجاهلية] فَقَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ فَإِنَّ قريشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي»[(25)] ويقول كذلك: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: «هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ ... فَإِنَّ قريشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي -عزوجل-؟» فَــ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: «مِمَّنْ أَنْتَ؟» فَـت قَالَ الرَّجُلُ: مِنْ هَمْدَانَ. قَالَ:«فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ؟» قَالَ: نَعَمْ. ثمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَحْقِرَهُ قَوْمُهُ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -فَقَالَ: آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ ثمَّ آتِيكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ. قَالَ: «نَعَمْ». فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ[(26)] لقد أتىٰ وفد الأنصار -كما تقول الرواية- بعد انطلاق الرجل الهمداني، وكان هذا في شهر رجب، ومن المعروف أن أول قدومٍ لوفدالأنصار كان في العام الحادي عشر من البعثة؛ ولذلك تمَّ تحديد توقيت بداية هذه السياسة(!) النبوية الجديدة في دعوة الناس. يذهب د. السرجاني إلىٰ : إن هذا الذي يفعله رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُعدُّ في الواقع بمنزلة إعلان الحرب علىٰ مكة، فقد تقبل قبيلة قوية بالإسلام، وبالنصرة لرسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ثم تصطدم هذه القبيلة بعد ذلك مع أهل مكة المكذبين له، فتكون حربًا خطيرة، وكان رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - يعلم خطورة هذا الأمر؛ ومن ثَمَّ فإنه أراد أن يتكلم مع القبائل والأفراد دون أن تعلم قريش بهذا الحديث، وهذا أمر صعب؛ لأن قريشًا كانت تَتَتَبَّع رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أثناء قدوم الحجيج والمعتمرين، وتُكَذِّبه في كل موطن، وكان الذي يقوم بهذا الأمر في معظم الأحيان عمُّه أبو لهب، ومن هنا فإن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -قرَّر أن يُغَيِّر نسبيًّا من طريقته في الدعوة مع القبائل الغريبة عن مكة. لقد كان من عادته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قبل ذلك أن يتحدَّث حديثًا عامًّا مع الناس جميعًا، فيتحدَّث في أمر الإسلام وسط الأسواق أو نحوها، ويسمعه الناس من كل القبائل؛ أما الآن فهو يُريد أن يتحدَّث بشكل خاصٍّ مع كل فرد أو قبيلة، ولا يتوجَّه بحديثه إلىٰ قبائل متعدِّدة في آنٍ واحد؛ حتىٰ لا يخرج أمره إلىٰ أهل مكة قدر المستطاع؛ خاصة أنه سيطلب النُّصرة، وقد تكون هناك مفاوضات سياسية أو عسكرية لا يستطيع البوح ببنودها أمام الناس جميعًا، وهذا دفع رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ سرية الحديث مع الناس في هذه المرحلة. وقد تطلَّب هذا الأمر أن يقوم رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ببعض الإجراءات التي تضمن تأمين مثل هذه اللقاءات، وتوفير أفضل فرص النجاح لها؛ وكان من هذه الأمور ما يلي: 1 .] أولًا: كان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يذهب إلىٰ هذه القبائل ليلًا[(27)] فــ عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى. وقَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الْحَجِّ، وَكَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَهَا... قَالَ: فَنِمْنَا تَلِكَ اللَّيْلَةَمَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتَّىٰ إذَا مَضَىٰ ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، نَتَسَلَّلُ تَسَلُّلَ الْقَطَا [طائر خفيف الحركة] مُسْتَخْفِينَ، حَتَّىٰ اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ. وقال أبوحاتم: فلما كان الموسم جعل النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يتبع القبائل يدعوهم إلىٰ الله، فاجتمع عنده بالليل اثنا عشر نقيبًا مِن الأنصار. ومرور رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -وأبي بكر الصديق-رضي الله عنه- في طرق مكة بعد أن نامت قريش في قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه. .. وهذا كله.. حتىٰ لا يلفت أنظار القرشيين، أو أحيانًا يأتيهم في وقت الظهيرة، وهو وقت شديد الحرارة، وتقلُّ فيه حركة الأقدام في مكة. 2 .] ثانيًا: كان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يأتي القبائل في منازلهم..[(28)] فــ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ، وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ: «مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّىٰ أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، وَلَهُ الْجَنَّةُ؟». يأتيهم في منازلهم.. بعيدًا عن الكعبة، فإنه لكثرة القبائل كانت كل قبيلة تقيم مخيَّمًا خارج مكة ليتسع البلد الحرام لكل الزائرين، فكان رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - لا ينتظر أن يدخلوا إلى البيت الحرام ثمَّ يدعوهم؛ بل كان يذهب إليهم خارج مكة بعيدًا عن أعين المراقبين. 3 .] ثالثًا: وهذه نقطة مهمَّة للغاية، كان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يصطحب معه : [ أ . ] أبابكر الصديق رضي الله عنه، وأحيانًا : [ ب . ] علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وذلك لإشعار القوم أنه ليس وحيدًا في مكة من ناحية، ومن ناحية أخرى أهمَّ وهي أن أبابكر الصديق كان يعرف أنساب القبائل، فكان يستطيع أن يُمَيِّز بين القبيلة القوية الشريفة والقبيلة الضعيفة القليلة، وهذا أمر في غاية الأهمية، فإن رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -سوف يطلب منهم النُّصرة، فإن ادَّعَوا القوة وهم ليسوا بأقوياء بَنَى رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حساباته علىٰ معلومات غير موثَّقة، فكان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يسألهم سؤالًا مباشرًا عن عددهم وقوَّتهم، وأبو بكر يُؤَكِّد إجابتهم أو ينفيها، فإن وَجَد منهم رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قوةً عَرَضَ عليهم الإسلام وطلب منهم النُّصرة، وإن وجد فيهم ضعفًا، عرض عليهم الإسلام ولم يطلب منهم النُّصرة، فهو يُريد أن يصل بدعوته إلىٰ كل إنسان؛ لكنه في الوقت نفسه يُقَدِّر الموقف السياسي العصيب الذي يمرُّ به، ويحسب لكل موقف حسابه المناسب. وهكذا بدأ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- جولاته من جديد، في نشاط وخِفَّة وحميَّة، وكأنَّ الأمور علىٰ خير ما يرام، وكأنه لم تكن هناك أحزان تلو أحزان، وكم نرىٰ من المسلمين مَنْ يعتذر عن العمل الصحيح الموافق لما أمر الله به وقام به رسوله لأن «ظروفه(!)» صعبة، وأحواله متعسرة! لكن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يعرف شيئًا عن هذا الاعتذار؛ بل يعمل بكل نشاط مهما كانت الظروف. بدأ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نشاطه تقريبًا في شهر رجب من العام الحادي عشر من البعثة أو قبل ذلك بقليل، وقد أخذنا [الحديث مازال لــ د. السرجاني] ذلك التوقيت من إحدى روايتي جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، وقد ذكر فيها أن وفد الأنصار -أي الخزرج- جاء في رجب، وكان هذا بعد أن تواصل رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع بعض القبائل، ثم كانت خاتمة اللقاءات مع قبيلة الخزرج كما سنشرح بعد قليل، وكانت القبائل العربية تتوافد علىٰ زيارة البيت الحرام طوال العام؛ ولكن يكثر قدومهم للعمرة في شهر رجب؛ لكونه من الأشهر الحرم، وهذا يُوَفِّر لهم أمانًا في السفر حيث تُعَظِّمه معظم القبائل، وتُحَرِّم فيه القتال، كما كانوا يتوافدون بكثافة كذلك في موسم الحج في ذي القعدة وذي الحجة. لقد تكلَّم رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أمر الإسلام والنُّصرة في هذا الموسم مع عدد كبير من القبائل، فلم يكل ولم يمل -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ولقد رفضوه جميعًا إلا أفرادًا قلائل من قبيلة واحدة! ومع ذلك فقد غيَّر هؤلاء الأفراد من مسار الأحداث، لا أقول [د. السرجاني] في الجزيرة العربية وحدها؛ بل في العالم أجمع! وكان هؤلاء الأفراد من قبيلة الخزرج اليثربية! فكان الإيمان الذي مهَّد لقيام الدولة الإسلامية. والواقع أنه ليست بين أيدينا تفصيلات كثيرة عن معظم هذه اللقاءات المهمَّة، ومع ذلك فما توافر لدينا من روايات يعطينا فوائد لا حصر لها، وسنقف وقفة مع كل قبيلة دعاها رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ثم نختم الحديث بشرح موقفه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع الخزرج في البحوث التالية بإذن الله[(29)]. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [٨] الْمُجَلَّدُ الثَّامِنُ : مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ... أحداثُ « بعثةالنبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ - [عَهْدِ النُّبُوَّةِ]؛ الدعوة في مَكةَ» : سَعْيُ الرَّسُولِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ؛ الْبَابُ الْأَوَّلُ : تَّمْهِيدٌ للْمُجَلَّدُ الثَّامِنُ وَمَدْخَلٌ لَه! [بحوث الْعَهْدُ الْمَكِّيِّ] قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا: د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ - غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. حُرِّرَ في يوم السبت: 22 مِن شهر ربيع الثانيٰ (الشهر الرابع) السنة 1443 مِن هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق 27 مِن شهر نوفمبر (الشهر الحادي عشر) العام 2021 مِن الميلاد العجيب للسيد :«المسيح عيسى؛ الرسول ابن مريم » العذراء الزهراء البتول - عليهما السلام - والذي بشر بمبعث النبي والرسول :« „أحمد‟ ». | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
28 / 11 / 2021, 09 : 12 AM | المشاركة رقم: 397 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه ﴿ « „ ١٠٠‟» ﴾ (٨) [ الْمُجَلَّدُ الثَّامِنَ ] ( ٢ . ) الْبَابُ الثَّانِي: القسم الأول: [ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ ] . نطق القرآن يقول : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }[فصلت:33] ... عني بها نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم(2). (١٠٠ ) [(1)] التَّمْهِيدُ: خلال زمن النبوة المحمدية ؛ وطوال عهد الرسالة الأحمدية[(2)] كان المصدر الوحيد والمنفرد والأوحد في تبليغ الدين الجديد ؛ رسالة الإسلام هو : وحي السماء في كل ما ينطق[(3)] به أو يقوله رسول رب العالمين [ﷺ] للبشر أجمعين.. ومِن ثم لكل زمان وحِين مِن بعده ومكان .. بغض النظر في أي قارة مِن قارات الأرض إلىٰ أن يرث الله -تعالى- الأرض ومَن عليها ، و أيضاً كل ما يفعله[ﷺ]؛ فقوله وفعله وتقريره المتعلق بأفعال العباد في الحياة الدنيا وتصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم وأقوالهم : وحي مِن عند الله -تعالى- ، أي : - آيات القرآن الحكيم ؛ ونص الذكر الكريم ؛ وألفاظ الفرقان المبين العظيم ؛ وهذا أولاً ؛ ثم - السُنَّة المحمدية القولية والفعلية والتقريرية ؛ أي النصوص الشرعية المثبتة والصحيحة؛ أي كل ما تتضمنته وتحويه رسالة الإسلام ، أي أحكام التبليغ ؛ بمعنىٰ كل ما يأتيه مِن الربِّ المالك الحاكم الآمر الناهي إلىٰ البشر الذين يرغبون في عبادته ، سواء تعلق الأمر بالعقائد والإيمان أو تعلق بالعبادات أو تعلق بالمعاملات والأحكام ؛ أو تعلق بالتعزير والعقوبات والحدود .. وكافة أنظمة الحياة : الإجتماعية والإقتصادية ... وكان الواسطة في تبليغ الرسالة أمين السماء الملك جبريل -عليه السلام- ينزل علىٰ قلب أمين الأرض والسماء محمد بن عبدالله[ﷺ]، هذا الوحي[(4)] كان يأتيه مِن السماء.. وعهد الرسالة المحمدية وزمن النبوة الأحمدية ينقسم إلىٰ : عهدين واضحين المعالم : أ . ] الأول منهما: العهد - الفترة(*)/ المرحلة(*)- المكي ، ــــــــــــــــــــــــــــــ (*) عند بعض السادة أهل العلم استخدامات -مصطلحات ولا مساحة في استخدام مصطلح عن آخر.. ولكن الدقة عندي استخدام مصطلح : " العهد ..".. ـــــــــــــــــــــــــــــ و ب . ] الثاني: العهد - الفترة/ المرحلة- المدني ؛ فيتخللهما - العهدان: المكي والمدني-.. وبينهما مقدمات وارهاصات وأحداث وتقسيمات.. وروابط ومفاصل ونقاط إلتقاء ونقاط إنتقال ؛ وتلعب شخصيات محورية دورها المنوط بها ، وهذه كلها طريق ومنهج وشريعة وكيفية إسلامية خالصة.. وهذه كله ينبغي بل يجب دراستها دراسة مستفيضة علمية وعملية كي نتمكن بيسر من استنباط أحكام عملية لأحسان تطبيقها! « ذِكْرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ».(3). في العهد - الفترة/المرحلة- المكي تجد أعباء الرسالة بأكملها يقوم بها ويدعو إليها ويبشر بها رسول الإسلام ونبي المرحمة محمد بن عبدالله[ﷺ].. قَالَ: الزُّهْرِيُّ :« دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِلَى الْإِسْلَامِ سِرًّا وَجَهْرًا فَاسْتَجَابَ لِلَّهِ مَنْ شَاءَ مِنْ أَحْدَاثِ الرِّجَالِ وَضُعَفَاءِ النَّاسِ(!) حَتَّى كَثُرَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ غَيْرُ مُنْكِرِينَ لِمَا يَقُولُ، فَكَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ أَنَّ غُلَامَ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ لَيُكَلَّمُ مِنَ السَّمَاءِ.... فَكَانَ ذَلِكَ حَتَّى عَابَ اللَّهُ آلِهَتَهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا دُونَهُ، وَذَكَرَ هَلَاكَ آبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ فَشَنِفُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ وَعَادَوْهُ ».(4) قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا فَقَالَ: « يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ».. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مُحَمَّدٌ عَلَى الصَّفَا يَهْتِفُ، فَأَقْبَلُوا وَاجْتَمَعُوا، فَـــ قَالُوا: مَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: « أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ ... أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟ » قَالُوا: نَعَمْ،أَنْتَ عِنْدَنَا غَيْرُ مُتَّهَمٍ، وَمَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا قَطُّ، قَالَ:" فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ، يَا بَنِي زُهْرَةَ حَتَّى عَدَّدَ الْأَفْخَاذَ مِنْ قُرَيْشٍ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الْأَقْرَبِينَ، وَ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَنْفَعَةً وَلَا مِنَ الْآخِرَةِ نَصِيبًا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " قَالَ: يَقُولُ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }[المسد:1] السُّورَةَ كُلَّهَا"(5). وبعد حين يسير مِن الزمان يدخل بجواره ويزامله عبدالله بن أبي قحافة[(5)] -رضي الله تعالى عنه- : أبو بكر الصديق في الدعوة إلىٰ الدين الجديد : إسلام محمد[ﷺ]، فكان محمد[ﷺ] يدعو إلىٰ الدين الجديد في مكة وبجواره ايضاً صديقه عبدالله بن أبي قحافة ، و -حسب علمي؛ وما اطلعت عليه مِن مصادر- لم تذكر كتب السيرة أن قام أحد مِن المسلمين الأوائل -في العهد المكي- بما قام به عبدالله بن أبي قحافة في عرض الإيمان -الإسلام- علىٰ أحد من الناس[(6)] ؛ ولعل حادثة إيمان عُمر بن الخطاب قد تقترب مِن هذا المجال ولكن بتجوز يسير وأحداث مغايره ؛ فهي لم تكن بصريح الدعوة بل الحادثة تبين أنها كانت موقف حرج له إذ أن زوج أخت عُمر وزوجته -أخت عُمر- قد أسلما فذهب ليتأكد مِن الخبر!. ولعل لنا وقفة ومراجعة في المجلد المتعلق بالشخصيات المحورية في الإسلام!.. ثم تبين لي خطأ قولي هذا وضعف علمي ؛ إذ أنه بعد المراجعة والمطالعة ظهر لي بوضوح أنه : « لمَّا أَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ وَمَنْ مَعَهُ وَفَشَا أَمْرُهُ بِمَكَّةَ وَدَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَكَانَ : - أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو نَاحِيَةً سِرًّا، وَكَانَ : - سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ : - عُثْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ : - عُمَرُ يَدْعُو عَلَانِيَةً وَ: - حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ وَ: - أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ... فَـــ غَضِبَتْ قُرَيْشٌ مِنْ ذَلِكَ، وَظَهَرَ مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم الْحَسَدُ وَالْبَغْيُ، وَأَشْخَصَ بِهِ مِنْهُمْ رِجَالٌ فَبَادَوْهُ، وَتَسَتَّرَ آخَرُونَ».(6). عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَنْ يَصْدَعَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنْ يُنَادِيَ النَّاسَ بِأَمْرِهِ وَأَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، فَكَانَ يَدْعُو مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَخْفِيًا إِلَى أَنْ أُمِرَ بِظُهُورِالدُّعَاءِ"(7). عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ، قَالُوا: لَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ ظُهُورَ الْإِسْلَامِ وَجُلُوسَ الْمُسْلِمِينَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ سَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ ... فَــ مَشُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ، فَــ قَالُوا: أَنْتَ سَيُّدُنَا وَأَفْضَلُنَا فِي أَنْفُسِنَا، وَقَدْ رَأَيْتَ هَذَا الَّذِي فَعَلَ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءُ مَعَ ابْنِ أَخِيكَ مِنْ تَرْكِهِمْ آلِهَتَنَا وَطَعْنِهِمْ عَلَيْنَا وَتَسْفِيهِهِمْ أَحْلَامَنَا ... وَ جَاءُوا بِــ عُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ .. فَــ قَالُوا: قَدْ جِئْنَاكَ بِفَتَى قُرَيْشٍ جَمَالًا وَنَسَبًا وَنَهَادَةً وَشِعْرًا نَدْفَعُهُ إِلَيْكَ، فَيَكُونُ لَكَ نَصَرُهُ وَمِيرَاثُهُ، وَتَدْفَعُ إِلَيْنَا ابْنَ أَخِيكَ فَنَقْتُلُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ لِلْعَشِيرَةِ وَأَفْضَلُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ مَغَبَّةً، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَاللَّهِ مَا أَنْصَفْتُمُونِي.. تُعْطُوُنَنِي ابْنَكُمْ أَغْذُوهُ لَكُمْ .. وَأُعْطِيكُمُ ابْنَ أَخِي تَقْتُلُونَهُ، مَا هَذَا بِالنَّصَفِ تَسُومُونَنِي سَوْمَ الْعَرِيرِ الذَّلِيلِ، قَالُوا: فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ فَلْنُعْطِهِ النَّصَفَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُوطَالِبٍ .. فَــ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ عُمُومَتُكَ وَأَشْرَافُ قَوْمِكَ، وَقَدْ أَرَادُوا يُنْصِفُونَكَ، فَــ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: « قُولُوا أَسْمَعْ ».. قَالُوا: تَدَعَنَا وَآلِهَتَنَا وَنَدَعُكَ وَإِلَهَكَ، قَالَ أَبُوطَالِبٍ: قَدْ أَنْصَفَكَ الْقَوْمُ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَــ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: « أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ هَذِهِ هَلْ أَنْتُمْ مُعْطِيَّ كَلِمَةً إِنْ أَنْتُمْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَا مَلَكْتُمْ بِهَا الْعَرَبَ وَدَانَتْ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ؟ ».. فَــ قَالَ أَبُوجَهْلٍ: إِنَّ هَذِهِ لَكَلِمَةٌ مُرْبِحَةٌ، نَعَمْ وَأَبِيكَ لَنَقُولَنَّهَا وَعَشَرَ أَمْثَالِهَا، قَالَ:" قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ".. فَــ اشْمَأَزُّوا وَنَفَرُوا مِنْهَا وَغَضِبُوا وَقَامُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: اصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ يُرَادُ، وَ يُقَالُ: الْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَ قَالُوا: لَا نَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا، وَمَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُغْتَالَ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فُقِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، وَجَاءَ أَبُو طَالِبٍ وَعُمُومَتُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَــ جَمَعَ فِتْيَانًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ثُمَّ قَالَ لِيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حَدِيدَةً صَارِمَةً ثُمَّ لِيَتَّبِعُنِي إِذَا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَنْظُرْ كُلُّ فَتًى(8) مِنْكُمْ فَلْيَجْلِسْ إِلَى عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَائِهِمْ فِيهِمُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِبْ عَنْ شَرٍّ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ الْفِتْيَانُ: نَفْعَلُ، فَجَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَوَجَدَ أَبَاطَالِبٍ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَالَ: يَا زَيْدُ أَحْسَسْتَ ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ مَعَهُ آنِفًا، فَقَالَ أَبُوطَالِبٍ: لَا أَدْخُلُ بَيْتِي أَبَدًا حَتَّى أَرَاهُ .. فَخَرَجَ زَيْدٌ سَرِيعًا حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَالصَّفَا وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ يَتَحَدَّثُونَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَيْنَ كُنْتَ؟ أَكُنْتَ فِي خَيْرٍ؟ قَالَ:« نَعَم ْ» ، قَالَ: ادْخُلْ بَيْتَكَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُوطَالِبٍ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَوَقَفَ بِهِ عَلَى أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ وَمَعَهُ الْفِتْيَانُ الْهَاشِمِيُّونَ وَالْمُطَّلِبِيُّونَ، فَــ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ تَدْرُونَ مَا هَمَمْتُ بِهِ؟ قَالُوا: لَا، فَــ أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، وَقَالَ لِلْفِتْيَانِ: اكْشِفُوا عَمَّا فِي أَيْدِيكُمْ فَكَشَفُوا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَعَهُ حَدِيدَةٌ صَارِمَةٌ، فَــ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُمُوهُ مَا بَقِّيْتُ مِنْكُمْ أَحَدًا حَتَّى نَتَفَانَى نَحْنُ وَأَنْتُمْ، فَانْكَسَرَ الْقَوْمُ وَكَانَ أَشَدَّهُمُ انْكِسَارًا أَبُوجَهْلٍ"(9) .. أقول(الرَّمَادِيُ) : كانت الأفكار والمفاهيم والقيّم والقناعات والمقاييس والأسس والمبادئ التي يدعو لها نبي الإسلام -في مهدها؛ وعلى قلتها وبمجموعها؛ وكان بها اليسير من آيات الأحكام والقليل من أحاديث الأحكام- كلها لا تحتاج إلى مزيد عناء فكر في فهمها أو جمعها ورصها بجوار بعضها البعض ؛ أو تأصيلها أو إفراد كل فكرة أو مفهوم أو قيمة أو مقياس أو قناعة أو أساس عقدي أو مبدأ أيديولوجي بكتاب.. ... أقول(الرَّمَادِيُ) : لا تحتاج كل مفردة مِن هذه إلى تأصيلها وتخريجها في بحث بعينه مستقل ؛ كما حدث بعد ذلك ـ فنسمع بأن صاحب العلم يذهب إلى هذا الرأي أو القول .. والعالم الآخر ذهب لقول آخر.. فنجد مَن كتب عن موضوع بعينه كالعقيدة أو آحدى مفاصلها أو جزئياتها ، أو العبادة وتفصيلاتها فنقرأ لمن كتب عن الطهارة أو الصلاة أو الزكاة أو الحج. إذ أن الأساس الأول والمتين هو -وما زال-: توحيد الإله والعبودية له وحده وربوبيته لكل مَن سواه مِن خلقه ، ثم فُهم مِن هذا كله حاكميته ، وهي ما يطلق عليها أوامر ونواه : الحلال والحرام.. الحسن والقبيح..الصواب والخطأ.. لذا فالأوائل مثل أبوجهل : عمرو بن هشام ، أو عبدالعزى بن عبدالمطلب : أبولهب وأمثالهم رفضوا الفكرة مِن أصلها[(7)] ووقفوا ضدها مِن اساسها بدليل نص القرآن الكريم ؛ والذكر الحكيم ؛ والفرقان العظيم المبين: { وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّاب} [ص:4] {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب} [ص:5] {وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَاد} [ص:6] {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَق} [ص:7] {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَاب} [ص:8]". بدليل :« أنَّ أَبُاطَالِبٍ قال للرسول :„يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ يَشْكُونَكَ : يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ، وَتَقُولُ وَتَقُولُ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ‟؛ فَقَالَ : «„يَا عَمِّ، إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ‟»؛ فما طلب منهم إلا كلمة واحدة فقط!! .. فــ قَالُوا :„وَمَا هِيَ؟؛ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا [أي عشر كلمات وليس كلمة واحدة فقط]، قَالَ :«„لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ‟»؛ قَالَ: فَقَامُوا وَهُمْ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ :„أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ‟. هذا الأثر ذكره بأبسط مِن هذا ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ : لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُوجَهْلٍ فَقَالُوا : „إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُ وَيَقُولُ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ‟؛ فَــ بَعَثَ إِلَيْهِ فَجَاءَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْن َأَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رجل، قال فخشي أبوجهل لعنه الله إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ. فَــ قَالَ لَهُ أَبُوطَالِبٍ :„أَيِ ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ؟‟ ؛ قَالَ وَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ وَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَــ قَالَ :«„يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ‟»؛ فــ فزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم :„كَلِمَةًوَاحِدَةً ... نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا .. فَقَالُوا وَمَا هِيَ؟‟ وَ قَالَ أَبُو طَالِبٍ :„وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يا ابن أخي؟‟ ؛ قال-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :«„لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‟»؛ فَــ قَامُوا فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ : „أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ‟ ؛ قَالَ وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى قوله : ". 《بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ》. وقال ابن كثير في تفسيره عقب سياقه ما عبارته: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ: - أَحْمَدُ وَ - النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبَّادٍ غَيْرِ مَنْسُوبٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ - التِّرْمِذِيُّ وَ - النَّسَائِيُّ وَ - ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَ - ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا كُلُّهُمْ فِي تَفَاسِيرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْكُوفِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. انتهى. (وقد رواه الحاكمأيضا وصححه وأقره الذهبي. وقد ضعف الألباني الحديث في ضعيف الترمذي والسلسلة الضعيفة). ". و بدليل أنه كان يطلب من الناس كلمة واحدة إذ يَقُولُ : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، تُفْلِحُوا"(10). فالعرض من قِبل رسول الإسلام أن يقولوا :«كلمة »؛ و رفضهم أن يقولوها نابع مِن تبعاتها وليس مجرد النطق بها.. ونعود لبدايات الدعوة وأول الرسالة فقد جاء في صحيح مسلم : قَالَ: ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُوسَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَاهُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] « يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، [وجاءت برواية :" أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً "(11). وفي كل المواضع] اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا،[رواية :"يَا [مَعْشَرَ؛ وفي باقي المواضع(12)]بَنِي عَبْدِمَنَافٍ! اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الله لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئاً "(13).] يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَاعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَاصَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَافَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي [مِنْ مَالِي(14)]بِمَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا»،".(15). وجاءت رواية :" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء:214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَــ هَتَفَ:«يَا صَبَاحَاهْ»،[(يا صباحاه) كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له] فَــ قَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَــ قَالَ: «يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ»، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَــ قَالَ:« أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ:« فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»، قَالَ: فَقَالَ أَبُولَهَبٍ: تَبًّا لَكَ!... أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ :{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ }، كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ"(16): (ورهطك منهم المخلصين) قال الإمام النووي:" الظاهر أن هذا كان قرآنا أنزل ، ثم نسخت تلاوته ولم تقع هذه الزيادة في روايات البخاري" (بسفح) سفح الجبل هو أسفله وقيل عرضه (تبت يدا أبي لهب) قال الراغب التب والتباب الاستمرار في الخسران وتبت يدا أبي لهب أي استمرت في خسرانه (تب) قال النووي :"معنى تب خسر (كذا قرأ الأعمش) معناه أن الأعمش زاد لفظه قد بخلاف القراءة المشهورة. ثم بعد حين ينبهعليه السلام لقضية هامة إذ يقول :" يَامَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ! (17)". والدعوة إلى الدين الجديد بواسطة نبي الإسلام في المحيط المكي لم تكن سرية بل السرية كانت في التكتل أي الأفراد الذين أمنوا بهذه الفكرة الجديدة على المجتمع المكي بما يحمل من افكار تعدد الألة .. لذلك علم عن البعض أنهم أمنوا بالدين الجديد فتم الوقوف ضدهم وصدهم عن تغير دين الأجداد وتقاليد الأباء وعرف الأجيال . ــــــــــــــــــــــــــــ السبت : 22 ربيع الثاني 1443 هــ ~ 27 نوفمبر 2021م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البحث المتمم للمائة الأولى؛ وفق فهرسة موقع ملتقى أهل العلم! (2) بناءً على النص القرآني الذي نطق به القرآن الكريم{..وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..} وتمام الآية في سورة الصف تقول:" { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين } [الصف:6]. (3) اعتماداً على النص القرآني الذي يقول : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }[النجم:3] { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } [النجم:4] { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [النجم:3-5]. (4) { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا } [النساء:163] + { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُون } [يوسف:109] . (5)انظر : ابتعاث: 《آخر رسالات السماء》[76] ترقيم ملتقى أهل العلم. مشاركة : ( 352) . (6) انظر المصدر السابق ؛ الفقرة [7.] :" ذِكْرُ مَن ْأَسْلَمَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِدَعْوَةِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-] إصدار موقع ملتقى أهل العلم! (7) انظر قُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا؛ ترقيم ملتقى أهل العلم [[78] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
28 / 11 / 2021, 25 : 01 AM | المشاركة رقم: 398 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه [ ١٠١ ] التَّمْهِيدُ: الاخفاقُ الظاهر للعيان والذي مُنيت به تلك الجماعات ذات الوشاح الإسلامي؛ وذلك الفشل الذريع الذي اصاب العديد مِن تكتلاتٍ ترتدي الــجــلــبابَ الإسلامي خلال القرن الفائت على اختلاف توجهاتها وتعدد انتمائتها ؛ لإظهار الدين الحق وتبيان حقيقة الإسلام وحتى كتابة هذه السطور يعود هذا الاخفاق وذلك الفشل في أساسه لعدم التقييد الكامل بالسُنَّة النبوية العطرة الفعلية والقولية - على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات وعظيم التحيات - وإن كنتَ تسمع منهم أنهم يتمسكون بها ؛ اضف عدم التوفيق الواعي والمستنير بين خط سير الجماعة أو التكتل وبين خطوات سيرته -صلى الله عليه وآله وسلم- وهديّه ؛ يتوازىٰ مع هذا استحداث أو خلط أو مزج ما ليس منها عندهم وطريقته- عليه السلام - المعتمدة مِن مصادرها الموثقة للوصول إلىٰ أهداف اعلنوا من قبل عنها.. والتجربة المِصرية الآخيرة والتخبط في تونس الخضراء وضياع اتجاه البوصلة في إيران تجاورها باكستان وأفغانستان ليثبت صحة ما ذهبت إليه.. هذا بالنسبة للكتل والجماعات والأحزاب ذات الوشاح الإسلامي ؛ والعباءة الإسلامية ناهيك عن افراد الأمة.. فهم - مسلمو اليوم - يؤخذون بقشور المنهج ويعتمدون المواسم والمناسبات في حياتهم اليومية!! تحت شعار إحياء الإسلام ؛ مع حالة الضعف الشديد الذي طرأ على الذهان في فهم الإسلام.. وبناءً على حال تلك الكتل والأفراد فقد فسد المناخ العام للمسلمين وتبقت مسميات خالية من المضمون وهياكل فارغة من الموضوع.. إلا عند مَن رحم ربي وهم ثلة متبعثرون وقلة تشبه الأوائل من المسلمين في صدر الإسلام وفجره.. وهذه الثلة وتلك القلة هي التي تعمل لإيجاد إسلام النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- واستئناف الحياة المنهجية وفق الذكر الحكيم وفهماً للهدي النبوي الرسولي العظيم.. ومن هنا - قد - يبزغ نور فجر جديد! ... فبتسلسل أحداث ومواقف وتصرفات النبي الرسول محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- يتبين بوضوح تام عدم اقتصار الدعوة وعرضها علىٰ أهل مكة.. بل خرج وذهب -صلى الله عليه وآله وسلم - للطائف وتعمد -صلى الله عليه وآله وسلم- مقابلة ومخاطبة وفود الحج والعمرة القادمة من خارج مكة عارضاً -صلى الله عليه وآله وسلم-مبدأ الإسلام - التوحيد .. ونبوته - عليهم فقبلها مَن قبل وأهملها مَن أهمل.. ومن هنا يُفهم عالمية رسالته وأنها جاءت للعجم والعرب ولكل مَن يسكن المعمورة.. كما وأنها جاءت لاتباع الأنبياء السابقين عليه -صلى الله عليه وآله وسلم- دون استثناء .. وتعتمد طريقته وتلتزم كيفيته -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ أن الطريقة المحمدية كيفية ثابتة لأنها وحي مِن عند الله تعالىٰ .. أما الوسائل والأساليب فهي متغيرة وفق الزمان وتعود لتغير المكان.. فالحديث عن الإسلام في مكة المكرمة أو القاهرة يختلف عنه في طهران أو أنقرة.. كما يختلف بالضرورة عند الحديث عنه في برلين أو باريس أو أدنبرة .. ولعل هذا ما غاب عن حملة الدعوة .. ومَن يعتلي المنابر.. فأوقعنا في المأزق الذي نحن فيه الأن! .. فموقفه وحديثه -صلى الله عليه وآله وسلم- في مكة المكرمة في بيت عمه الشقيق لأبيه عبدالله بن عبدالمطلب أبي طالب؛ عبدمناف بن عبدالمطلب مع / أمام صناديد قريش وكبار رجال مكة.. اثناء مرض موته.. حين قال: « „ إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَىٰ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ” » وتدين بمعنىٰ :„خضع وذلّ وانقاد له” »[(1)].. والكلمة التي قصدها الرسول الأعظم-صلى الله عليه وآله وسلم- هي:„ التوحيد .. والنبوة”.. ويتضح الأمر أكثر كما قال ابن كثير: وفي رواية ابن جرير قال -صلى الله عليه وسلم-:«„ ياعم! إني أريدهم علىٰ كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية” »، ففزعوا لكلمته ولقوله ، فــ قال القوم: " كلمة واحدة! .. نعم وأبيك عشرا! " .. فــ قالوا: " وما هي؟ " ؛ و قال أبوطالب: " وأي كلمة هي يا ابن أخي؟ " قال -صلى الله عليه وسلم- :« „لا إله إلا الله” » .. فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم و هم يقولون:"أجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب ". قال ابن كثير: ورواه أحمد والنسائي والترمذي، وقال الترمذي: حسن [(2)].. والشاهد مِن الحديث قوله- صلى الله عليه وسلم - لمشيخة قومه : [ 1. ]« „لا إله إلا الله” » ، [2 . ] «„كلمةتدين لكم بها العرب، وتملكون بها العجم” » ، أو:« „تؤدي لكم بها العجم الجزية”».. يعني أن العرب إنما تدين بالسمع والطاعة لأهل التوحيد، وبالتوحيد يكون العرب أئمة وملوكاً، وهذا هو ما يشهد به الواقع التاريخي! . فلقد كانت العرب تأنف أن يعطي بعضها بعضاً طاعة الإمارة ، كما قال الشافعي-رحمه الله- :„كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة ، وكانت تأنف أن يعطيَ بعضُها بعضاً طاعةَ الإمارة”[(3)] ."فلما دانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالطاعة، لم تكن ترىٰ ذلك يصلح لغير الرسول-صلى الله عليه وسلم- فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر، الذين أمَّرهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، لا طاعة مطلقة، بل طاعة مستثناةً، فيما لهم وعليهم "[(4)].فقال الله -تعالىٰ-: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَىٰ اللَّهِ وَالرَّسُولِ}.. يعني - والله أعلم - إلىٰ ما قال الله والرسول ، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاءٌ نصاً فيهما ولا في واحد منهما ، رُدوه قياساً علىٰ أحدهما [(5)]. وقبيل الهجرة المباركة وقيام الكيان الأول التنفيذي في المدينة المنورة والتي طيَّب الله -تعالىٰ- ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه الصديق والفاروق -رضي الله تعالى عنهما- تمت صلاته -صلى الله عليه وآله وسلم- إماماً للأنبياء جميعاً في ليلة الإسراء عند المسجد الأقصىٰ خارج مكة في أرض فلسطين -مهبط الديانات التوحيدية السابقة - ومنبع الأنبياء ومعدن الرسل.. وهذه إشارة واضحة وعلامة فارقة في وضعيته بين الأنبياء - إماماً لهم جميعاً - وأتباعهم - يسيرون خلفه ويتبعونه - .. ثم مروره في رحلة المعراج - عروجه إلىٰ سدرة المنتهى - على ٰبعض السادة الأنبياء والمرسلين ومنادته بــ :„العبدالصالح”.. و يرافق هذه المناداة القول :„أوقد بعث!؟”.. ثُمَّ عُرِجَ [به] في كل سَّمَاءِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ:" مَنْ هَذَا؟ "، فَقَالَ: " جِبْرِيلُ " . قِيلَ: "وَمِنْ مَعَكَ؟ " ، قَالَ: " مُحَمَّدٌ ". قِيلَ:„أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟” ، قَالَ:"نعم ". قَالَ: " مَرْحَبًا بِهِ، وَإِنَّهُ لَنِعْمَ الْمَجِيءُ ". فَفُتِحَ لَنَا.[ أي السماء ] . ".[(6)] .. اقول(الرمادي) : هذه وأمثالها إضاءات في السيرة تثبت أهمية اعتبار أن إسلام محمد بن عبدالله-صلىالله عليه وآله وسلم- دين البشرية العالمي.. ثم إن الآيات القرآنية ونصوص السنة النبوية تتكاتف لتظهر هذه الرسالة بعالميتها للبشر أجمعين.. وهذا يستلزم صنف خاص من حملة الدعوة ، وطراز معين من رجال حمل الدعوة سوف يجيئون مِن بعده -صلى الله عليه وآله وسلم-يحسنون فهم الإسلام وصحة ودقة عرضه ويتمكنون من إبراز خصائصه بالمجادلة بالتي هي أحسن ، فيحملون مسؤولية هذه الرسالة لتبليغها بيضاء نقية لا شائبة فيها.. وهذا الصنف وذلك الطراز من الرجال ليسوا بأنبياء ولكنهم يحملونها بالكيفية الفهمية الإدراكية الاستيعابية التي أظهرها نبي الرسالة وطريقته والتي وضحها رسول خاتم النبوة -صلى الله عليه وآله وسلم- .. .. فحين أوجد-صلى الله عليه وآله وسلم- الكيان الإسلامي الأول التنفيذي لمجموعة القيّم ولكتلة المقاييس ولحزمة المفاهيم ومجموع القناعات والأفكار كَتَبَ وأعلنَ وثيقةَ المدينة.. وهي ليست خاصة - فقط - بالمسلمين بل لكل من يسكن يثرب التي اصحبت مدينة الرسول؛ -نقطة إنطلاق الدعوة- ثم بدء -صلى الله عليه وآله وسلم- في إرسال الرسائل لملوك الأرض ويخاطب حكامها عن الوضع الجديد.. وهذا دليل عملي بعد النظري - القولي - اللفظي- علىٰ كيفية حمل الرسالة وعلىٰ كيفية تبيِّنها وإخبار الآخرين بها.. .. وهذا - حمل الدعوة بشكل ملفت للنظر وتبيّان صحتها وإبراز خصائصها بالمجادلة بالتي هي أحسن - .. هذا مما أخفق فيه الكثير مِن مؤسسات تحمل شارة إسلامية وتتبع - انتماءً أو تمويلاً- دولاً ضمن منطقة جغرافية كان يُطلق عليها :„إسلامية ”. منذ عهد قريب.. .. .. بحثي هذا : « سَعْيُ الرَّسُولِ-صلى الله عليه وآله وسلم- يَطْلُبُ النُّصْرَةَ » بعرض نفسه الزكيّة السنيّة البهيّة العليّة علىٰ قبائل العرب في مواسمهم.. ويذهب إلىٰ خيامهم.. ومرابض إبلهم وأماكنهم.. وتعمد الذهاب إليهم وتلك الكثرة مِن مقابلاته لــ بطون العرب كما ذُكرت بين دفتي كُتب السيرة ومقابلتهم والحديث معهم لتؤكد مرة ثالثة - ونحن في الباب الثالث مِن المجلد الثامن - لتؤكد شرعيّة وسنيّة هذا المطلب؛ وأنه من طريقته المثلىٰ في حق مَن جاءوا مِن بعده -صلى الله عليه وآله وسلم-كمفصل أساسي وجوهري مِن مفاصل الدعوة وربط عضوي في هذه المرحلة - العهد المكي - في طلب النصرة مِن أهلها وأخذ الحماية - من رجالها - مِن مَن يصلح لتوصيل مبادئ هذه الرسالة الخاتمة للناس .. للعبور إلى العهد الثاني المدني وهي إضافة نبويّة سنيّة في سير خطوات سيرته بعد أن إنغلق المجتمع المكي أمام الدعوة.. فاستحداثها تنم عن عبقرية(!) الوحي -إذا جاز لي استخدام هذا التعبير دون أن يُفهم خطأ- .. لذا فدراسة السيرة المحمديّة النبويّة الرسوليّة دراسة إدراكية فهمية استيعابية - وليس فقط سردها كتاريخ جامد مغلق كأحداث مرت وانتهت يتذكرها التراثيون في مواسمها ويجترها الغافلون في مناسباتها -هذه الدراسة الإدراكية الفهمية الفقهية لسيرته - عليه السلام - تفتح ابواب العلم الشرعي الفقهي العملي في كيفية حمل الدعوة بين الناس جميعاً... والله -تعالى في سماه وتقدست اسماؤه- المستعان وعليه التوكل ومنه العون والتوفيق! .. ثم إن هذه الإضافة في خط سير الدعوة في العهد المكي شاركه فيها: أبوبكر الصديق؛ وعلي بن أبي طالب -رضي الله تعالىٰ عنهما-.. وكذلك مَن خرج معه في ذهابه إلىٰ الطائف.. وهي بالطبع خارج - مكة - .. .. وعليه يتبين لكاتب هذه السطور ومَن يتتبع خطوات السير من خلال منهج الكاتب في كيفية عرض السيرة النبوية الشريفة العطرة- على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم- أن طلب النصرة كما عنونها كُتّاب السيرة النبوية وأخذ العهد بالحماية لدعوته- صلى الله عليه وآله وسلم -من أهل الحماية والمنعة أنها مفصل اساسي وجوهري في سير الدعوة المحمديّة وتسلسل اراه منطقي بعد ان أنغلق مجتمع مكة عليه -صلى الله عليه وآله وسلم - في الخطوات العملية للوصول إلىٰ غاية تبليغ الدعوة الإسلامية الوليدة للناس.. .. وبناءً عليه فليس من السنة العمليّة وليس مِن السيرة الفعليّة النبويّة الاعتماد - فقط - علىٰ القوىٰ الذاتية لجماعة أو حزب أو تكتل إسلامي وهذا يظهر بوضوح في عهده النيّر وايضا ما يليه مِن أزمنة وعهود .. بل يجب طلب النصرة مِن أهلها وأخذ الحماية مِن رجالها .. وهي قوىٰ فاعلة مؤثرة في المجتمع أو الأمة تؤمن بفكر الجماعة أو الحزب وتعمل تحت أمرته ومعه للوصول لما يريد ... -**- .. أنه قد ١ . ] انغلق قلب وعقل المجتمع المكي - أول مكان لمهبط الوحي السماوي الآخير بالتكاليف الشرعية العقائدية والعملية لخاتمة الرسالات الآلهية للبشر أجمعين - انغلق أمام سماع أو فهم أو إدراك دعوة النبي الرسول محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- فآمن به قلة من البشر وثلة من الأوائل من بينهم : - ضعيف الحال لا يقام له في المجتمع وزنا .. أو - قوي الشكيمة يهاب جانبه ويخشىٰ ؛ لكنهم ظلوا ثلة مستضعفة لا يقدرون - بقدراتهم الذاتية المحدودة - الوقوف أمام صناديد مكة ورجال قريش .. .. ولكي يخرجوهم من ملتهم ويضيقوا عليهم قاموا بــ : ٢ . ] حصارهم في شِعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات متتاليات مَنعوا عنهم الطعام ولا يخالطوهم ولا يجالسوهم ولا يعاملوهم.. .. واستمرت الدعوة وسارت الرسالة.. في طريقها.. وقبل ذلك : ٣ . ] ضُيق عليهم الخناق فعُذِب الضعفاء منهم .. بل وقُتِلتْ أول شهيدة في الإسلام السيدة :" سمية ".. وتوالت الأحداث .. فــ : ٤ . ] هلك السند الخارجي لنبي الهدىٰ والرحمة .. عبدمناف بن عبدالمطلب ؛ أبو طالب ؛ الأخ الشقيق لــ عبدالله بن عبدالمطلب.. .. .. وهناك إشكال - بين الشيعة والسنة - في إيمانه بنبوة ابن أخيه ورسالته ؛ سابحثها - إذا شاء الله العلي القدير؛ ومن بعد إذنه وبتوفيقه وهدايته وإرشاده - في نهاية المجلدات .. في جزء ضمن بحوث الشخصيات المحورية في عهد النبوة وفي بحوث الشبهات.. و : ٥ . ] في نفس العام مات السند الداخلي: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله تعالى عنها وأرضاها-؛ وهو العام الذي أَطلق عليه بعض العلماء :" عام الحزن " .. ثم.. ٦ . ] خرج النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ والــحــبــيــب المرتضىٰ والأحمد المحتبىٰ للطائف .. .. وبدءً مِن هذا المنعطف ستضاف إلىٰ خطوات الدعوة السابقة وسير حمل الرسالة في العهد المكي خطوة أساسية وعمل مبدع(!) جوهري وسير جديد سيترتب عليه بناء أول كيان تنفيذي لأفكار ومبادئ وقيّم وقناعات ومقاييس وأسس الدعوة الوليدة - رسالة إسلام للنبي الرسول محمد بن عبدالله - ألا وهي «„ طلب النصرة » من أهل القوة والمنعة و«„أخذ العهد ” » من رجال يحمون الدعوة! ٧ . ] عَنْون كُتَّاب السيرة النبويّة هذا المفصل الحيوي بين مراحل الدعوة تحت مسمىٰ : « عَرْضُ نَفْسِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ٰالْقَبَائِلِ »[(8)]. أو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: « أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ-صلى الله عليه وآله وسلم- أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ »[(9)] قال الإمام ابن حبان في كتابه „الثقات” : « إن الله (أمر رسوله-صلى الله عليه وآله وسلم- أن يعرض نفسه علىٰ قبائل العرب يدعوهم إلىٰ الله وحده، وأن لا يشركوا به شيئا، وينصروه، ويصدقوه؛ فكان يمر علىٰ مجالس العرب ومنازلهم؛ فإذا رأى قوماً وقف عليهم، وقال: [ ١ . ] « „ إني رسول الله إليكم ” »، [ ٢ . ] « „ يأمركم أن تعبدوا الله ” »، [ ٣ . ] « „ ولا تشركوا به شيئا ” »، [ ٤ . ] « „ وتصدقوني ” » .. وخلفه «عبدالعزى»=«أبو لهب بن عبدالمطلب» يقول لهم:" يا قوم!؛ لا تقبلوامنه؛ فإنه كذاب ... » [(10)]. عَرْضُ نَفْسِهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَلَى الْقَبَائِلِ[(11)]: عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ:« „هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي” »[(12)]. العام الرابع قبل الهجرة النبوية: [(13)]. فأتاه رجلٌ فقال-صلى الله عليه وآله وسلم- له:«„من أنت” »؟ قال:" من همدان "، قال :« „فهل عند قومك من منعةٍ” » ؟ قال:"نعم".. ثم إنَّ الرجل خشىٰ أن يُخفره قومه فقال:" آتيهم فأخبرهم، ثم آتيك من قابلٍ "، قال:« „نعم” »، فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب[(14)]. -**- روىٰ البيهقي بسنده عن عروه بن الزبير قال: لما أفسد الله،-عَزَّ وجَلَّ-، صحيفة مكرهم خرج النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه فعاشوا وخالطوا الناس، ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في تلك السنين يعرض نفسه علىٰ قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه،[(15)]: " وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تِلْكَ السِّنِينِ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ، وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفِ قَوْمٍ، لَا يَسْأَلُهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُؤْوُوهُ وَيَمْنَعُوهُ، وَيَقُولُ: لَا أُكره أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ، مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ فَذَاكَ [وفي رواية:"قبله"[(15)] ، ومن كره [وفي رواية :"كرهه"(15)] لم أكرهه، إنّما أُرِيدُ أَنْ تُحْرِزُونِي[(16)] ؛ :" في دلائل النبوّة للبيهقي، أي "تحفظوني"، وفي نسخة دار الكتب المصرية «تجيروني» . [وفي رواية :"تحوزوني"[(15)] مِمَّا يُرَادُبِي مِنَ الْقَتْلِ [في حاشية الأصل «الفتك» .،[فتحوزوني:[(15)] حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَحَتَّىٰ يَقْضِيَ اللَّهُ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ [منهم؛ ولا أتى على أحد من القبائل إلا قالوا:" قوم الرجل " [(15)] وَيَقُولُونَ: قَوْمُهُ أَعْلَمُ بِهِ، أَتَرَوْنَ [وفي رواية :" أفترىٰ"[(15)] أَنَّ رَجُلًا يُصْلِحُنَا وَقَدْ أَفْسَدَ قَوْمَهُ، وَلَفَظُوهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا ذَخَّرَ[4] [وفي رواية :"ادخر"[(15)] [(17)]اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ[(17)]. "وفي رواية:"ادخر الله-عَزَّ وجَلَّ-، للأنصار من البركة ".[(17)] [(15)]. -*-*- وَتُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ، وَابْتُلِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ مَا كَانَ، فَعَمَدَ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ، رَجَاءَ أَنْ يُؤْوُوهُ.[(8)]راجع :"[٥]الْبَابُ الْخَامِسُ: الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفُ‟"اصدارات: ملتقى أهل العلم].. -**- ومن هذه الإنطلاقة النبوية في سيرته يبدء بحثي: *.]:" قَال حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ عَبَّادٍ يُحَدِّثُ أَبِي قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ شَابٌّ مَعَ أَبِي بِمِنًى، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقِفُ عَلَى الْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ، يَقُولُ: يَا بَنِي فُلَانٍ : [ ١ . ] «„إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ” »، [ ٢ . ] «„يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ” » [ ٣ . ] «„لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ” »، وَ [ ٤ . ] «„أَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ” »، وَ [ ٥ . ] «„أَنْ تُؤْمِنُوا” » وَ [ ٦ . ] «„تُصَدِّقُونِي” » وَ [ ٧ . ] «„تَمْنَعُونِي ” » حَتَّىٰ [ ٨ . ] «„أُبَيِّنَ عَنِ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ” ».. قَالَ:" وَخَلْفَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ وَضِيءٌ، لَهُ غَدِيرَتَانِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ عَدَنِيَّةٌ، فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قَوْلِهِ قَالَ: " يَا بَنِي فُلَانٍ إِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَدْعُوكُمْ إِلَىٰ أَنْ تَسْلَخُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَحُلَفَاءَكُمْ من الحيّ من بني مالك بن أُقَيْشٍ، إِلَىٰ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، فَلَا تُطِيعُوهُ وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُ " ، فَقُلْتُ لِأَبِي: " مَنْ هَذَا؟ " ؛ قَالَ: " هَذَا عَمُّهُ عَبْدُالْعُزَّى أَبُو لَهَبٍ".[(18)]. [ * . ] وَقال ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَتَى كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَفِيهِمْ سَيِّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ[(17)] [وفي رواية اسمه:«فليح» [(17)]، فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ[(18)]. [ * . ] وَقال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّهُ أَتَى كَلْبًا فِي مَنَازِلِهِمْ، إِلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ بَنُو عَبْدِاللَّهِ ، فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، حَتَّىٰ إِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ اسْمَ أَبِيكُمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ فَلَمْ يَقْبَلُوا[(19)]. [ * . ] وَقال البَعْضُ أَنَّهُ أَتَى بَنِي حَنِيفَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَقْبَحَ رَدًّا مِنْهُمْ[(20)]. [ * . ] وَقال الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ أَتَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ بَيْحَرَةُ[(17)]؛ [وفي رواية:«سحرة» ]، [وفي آخرى: «صخرة» ]، والتصحيح من عند الذهبي في تاريخه؛ وتاريخ الطبري ونهاية الأرب للنويري] بْنُ فِرَاسٍ قالَ: " وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي أَخَذْتُ هَذَا الْفَتَىٰ مِنْ قُرَيْشٍ لَأَكَلْتُ بِهِ الْعَرَبَ "، ثُمَّ قَالَ لَهُ: " أَرَأَيْتَ إِنْ تَابَعْنَاكَ عَلَىٰ أَمْرِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَىٰ مَنْ خَالَفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ ". قَالَ:« „الْأَمْرُ إِلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ” »، قَالَ: أَفَتُهْدَفُ[(21)] نُحُورُنَا لِلْعَرَبِ دُونَكَ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا، لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ[(22)]. قلت(الرمادي) : من استقراء هذه الحادثة الآخيرة يتبين ما ذهبتُ إليه من أن الفكرة الإسلامية لن تظل حبيسة في مكانها بل ستتسع! *.]حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِت: [قدوم سويد بن صامت للحج؛[(15)] وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حدثني عاصم بن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ [الأنصاري، ثم الظفري [(15)] ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا: قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَكَانَ سُوَيْدٌ [إنما: [(15)] يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمُ "الْكَامِلَ" لِسِنِّهِ وَجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ[ وفي رواية: وشرفه ونسبه:[(15)]، فَتَصَدَّى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [حين سمع به: [(15)]وَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ [ وإلى الإسلام:"[(15)] ، فَقَالَ سُوَيْدٌ: فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و َسَلَّمَ:« „وَمَا الَّذِي مَعَكَ” »؟ ، قَالَ: "مِجَلَّةُ لُقْمَانَ "، يَعْنِي حِكْمَةَ لُقْمَانَ، قَالَ:« „اعْرِضْهَا” »[عليَّ: [(15)] "، فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ:«„إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ حَسَنٌ، وَالَّذِي مَعِي أَفْضَلُ مِنْهُ، قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ [تعالى] عَلَيَّ[ هو هدى ونور :[(15)]” »، فَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ، وَقَالَ: " إِنَّ هَذَا لَقَوْلٌ حَسَنٌ "، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ قَوْمِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَجُ، فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُونَ:"إِنَّا لَنَرَىٰ أَنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ"، وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ بُعَاثٍ[(23)]. وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَسُوَيْدٌ الَّذِي يَقُولُ: أَلَا رُبَّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَىٰ * مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي مَقَالَتُهُ كَالشَّهْدِ مَا كان شاهدًا * وبالغيب مأثور علىٰ يغرة النَّحْرِ يَسُرُّكَ بَادِيهِ وَتَحْتَ أَدِيمِهِ * تَمِيمَةُ غِشٍّ تَبْتَرِي عَقَبَ الظَّهْرِ[(24)] تُبَيِّنُ لَكَ الْعَيْنَانِ مَا هُوَ كَاتِمٌ * مِنَ الْغِلِّ وَالْبَغْضَاءِ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ[(25)] فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طَالَمَا قَدْ بَرَيْتَنِي * وَخَيْرُ الْمَوَالِي يريش ولا يبري[(26)] حَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثٍ: قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُصَيْنِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ - أخي بني عبدالأشهل - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْحَيْسَرِ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ [وفي رواية: نافعٍ: [(27)].[الأشهلي:[(15)]مَكَّةَ، وَمَعَهُ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ، فِيهِمْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ، يَلْتَمِسُونَ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَىٰ قَوْمِهِمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ:«„هَلْ لَكُمْ إِلَىٰ خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ[إليه:[(27)]]؟” »قَالُوا:" وَمَا ذَاكَ؟"، قَالَ: [ ١ . ]«„أَنَا رَسُولُ اللَّهِ” » [ ٢ . ] «„بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى الْعِبَادِ” »، [ ٣ . ] «„[أدعوهم إلىٰ أن” » [ ٤ . ] «„يعبدوه” » [ ٥ . ] «„ولا يشركوا به شيئًا” » [ ٦ . ] «„وأنزل عليَّ كتابًا” »،:[(27)]. ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ إِيَاسٌ، وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: " يَا قَوْمُ [وفي رواية: أي قومي[(27)]. هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ [إليه:[(27)]"، فَيَأْخُذُ أَبُو الْحَيْسَرِ حِفْنَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ [البطحاء]، فَيَضْرِبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسٍ، وَقَالَ:"دَعْنَا مِنْكَ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا"، فَسَكَتَ، وَقَامَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُمْ وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ. قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِي أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَهُ يُهَلِّلُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُسَبِّحُهُ حَتَّى مَاتَ، وَكَانُوا لَا يَشُكُّونَ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا. وَقَدْ كَانَ اسْتُشْعِرَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، حِينَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا سَمِعَ[(28)]. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ- لِرَسُولِهِ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، وقد افترق ملؤهم وَقُتِلَتْ سَرَاتُهُمْ -يَعْنِي وَجُرِّحُوا- قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ في دخولهم في الإسلام[(29)]. أخرجه البخاري. -**- . ٨ . ] روى ابن سعد بأسانيده المتعددة قالوا: أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله فذكر الحديث وفيه: حتى أراد الله إظهار دينه ونصر نبيه وإنجاز ما وعده، فساقه إلى هذا الحي من الأنصار لما أراد الله به من الكرامة، فانتهى إلى نفر منهم وهم يحلقون رؤوسهم، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فاستجابوا لله ولرسوله فأسرعوا وآمنوا وصدقوا وآووا ونصروا وواسوا، وكانوا والله أطول الناس ألسنة وأحدهم سيوفا ويقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة فمر علىٰ نفر من أهل يثرب نزول بمنىٰ ثمانية نفر، منهم: من بني النجار معاذ ابن عفراء، وأسعد بن زرارة، فعرض عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الإسلام فأسلموا وقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:« „تمنعون لي ظهري حتى أبلغ رسالة ربي؟” » فقالوا: يا رسول الله نحن مجتهدون لله ولرسوله، نحن، فاعلم، أعداء متباغضون، وإنما كانت وقعة بعاث، عام الأول، يوم من أيامنا اقتتلنا فيه، فإن تقدم ونحن كذا لا يكون لنا عليك اجتماع فدعنا حتى نرجع إلى عشائرنا لعل الله يصلح ذات بيننا، وموعدك الموسم العام المقبل.[(30)]. ٩ . ] عن عمر بن الخطاب قال: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على قبائل العرب قبيلة قبيلة في الموسم، ما يجد أحدا يجيبه، حتى جاء الله بهذا الحي من الأنصار[(15)]. (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ بحوث السيرة النبوية الشريفة (٨) [الْمُجَلَّدُ الثَّامِنَ] : [دُعَاءِ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ] (٣) الْبَابُ الثَّالِثُ : سَعْيُ الرَّسُولِ-صلى الله عليه وآله وسلم- يَطْلُبُ النُّصْرَةَ (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
28 / 11 / 2021, 08 : 03 PM | المشاركة رقم: 399 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه [الْمُجَلَّدُالتَّاسِعُ] -*- بحث مسألة : «„تطبيق النظرية‟ » [١٠٢] [ أ . ] التَّمْهِيدُ: لا توجد نظرية -اطروحة- يتحدث عنها القرآن الكريم.. أو يتكلم عنها الذكر الحكيم.. أو نخبر عنها في السنة الشريفة المحمدية النبوية.. أو يتم الإخبار عنها في إسلام محمد -بعثة السماء الآخيرة إلىٰ أهل الأرض ومَن عليها- إلا ولها طريقة معينة في إيجادها علىٰ أرض الواقع المعاش؛ ولها كيفية خاصة في تحقيقها في الحياة؛ مع ملاحظة تغير الزمان واختلاف المكان وخصوصية الناس إثناء الفتوىٰ أو السير في طريق الدعوة وملاحظة تعدد الوسائل من عصر إلىٰ عصر آخر؛ واختلاف الأساليب من بقعة في الأرض إلى غيرها؛ كما تجد لهذه النظرية طريقة في تطبيقها وكيفية في تنفيذها.. إذ أن الإسلام -خاتم الرسالات السماوية؛ أو قل إن شئت متمم الرسالة التامة الكاملة لبني الإنسان- .. هذا الإسلام يتكون من : « أ» فكر [يعني: يتكون مِن مجموعة أفكار عن الآله والحياة والكون والإنسان] .. هذا الفكر منبثق عن عقيدة التوحيد؛ وأساسه مبني علىٰ مبدأ الوحدانية؛ التي تعني توحيد الإله فتترسخ عقيدة الربوبية [تعني : الرب.. المالك للحياة والكون والإنسان] فتسطع في الأفق بجلاء عقيدة الحاكمية لله الواحد الأحد؛ فــ يرافق هذه العقيدة [الإيمان] المتينة : « ب» طريقة عملية وكيفية تطبيقية وإخراج تنفيذي وأحكام تشريعية مِن جنس هذه الفكرة الأساسية؛ أي نظرية متماسكة الأطراف متينة الجوانب يصاحبها تطبيق جيد الإخراج مِن نوعها.. بــ معنىٰ طرح نظرية -سواء متعلقة بالعلاقة بين العبد وبين ربه [الآله] (العبادة بكافة اشكالها: سواءالروحية أو البدنية أو المالية) أو العلاقة المتعلقة بين الناس فيما بينهم بعضهم ببعض (العقود والمعاملات والتصرفات والحدود والعقوبات والتعزير)- أو العلاقة بين الإنسان وبين نفسه [ وتشمل الأخلاق والمطعومات والمشروبات والملبوسات ] أو العلاقة بين الإنسان وبين محيطه وبيئته ووسطه.. نظرية يصاحبها -يرافقها- تطبيق.. بــ معنىٰ طرح نظرية علىٰ الذهن البشري؛ قابلة للفهم بسهولة ويسر دون تعنت أو صعوبة إدراك ومشقة استيعاب.. اطروحة يسهل تعقلها وفهمها في كيفية تصور القول المنصوص في الكتاب الكريم؛ كــ مصدر أول ، أو الفعل أو التصرف يصاحبها مباشرة ويجاورها حالا طريقة عملية في إيجاد هذه النظرية وتفعيل تطبيقها.. السنة النبوية كــ مصدر ثان أو الفعل أوالتصرف مِن كليهما -أي النص القرآني أو النص النبوي- فيتمكن الإنسان العادي من ادراكها إدراكاً فهمياً استيعابياً.. يصاحبها؛ أي الفكرة أو النظرية -حتماً- مباشرة ويجاورها -حالا- طريقة تطبيقية عملية تنفيذية في إيجاد هذه النظرية -الفكرة- وتفعيل تطبيقها.. في واقع الحياة وفق متطلبات الإنسان؛ بغض الطرف عن مكانه وبيئته ومحيطه ووسطه وزمانه وعصره وقدراته البدنية [الرخص وأهل الأعذار] أو الادراكية الاستيعابية.. .. ولعل هذا الفهم لنظام الإسلام -النظرية والتطبيق- في عقول حامليه إذا غاب عن الادراك الآدمي إثناء القيام بعرض النظرية أو تطبيقها ؛ ولم يستوعبه الذهن البشري غابت النظرية -افكار الإسلام: أو اطروحات الإسلام لمعالجة مشاكل الإنسان والناس والناجمة عن التعامل أو التواجد أو مشاكل البيئة ومسائل تحيط بالإنسان- فــ بغياب النظرية -أطروحات الإسلام- تسقط الطريقة الفعلية والكيفية العملية؛ فتضيع فكرة الإسلام وطريقة إيجادها معاً ؛ وبالتالي يُفقد نظام الإسلام بأكمله.. فيظهر على السطح قشور وترى من بعيد أوراق شجر لا جذر لها ولا أصول ؛ مع بقاء مَن يدينون به اسمياً أو مَن يتمسكون بشعائره ومناسباته فيأخذون بجانب منه -يروق لهم- ويتركون جوانب عدة؛ فيبقىٰ ما اسميه : « إسلام المعابد »، « إسلام الكهنوت »، « إسلام المناسبات ». ــــــــــــــــــــــــــ - صَوَامِعُ: أماكن العبادة للرهبان؛ وَ - بِيَعٌ: للنصارى عامّة؛ وَ - صَلَوَاتٌ: أماكن العبادة لليهود وَ - مَسَاجِدُ للمسلمين.. وهي أماكن العبادة للرهبان، والنصارى، واليهود، والمسلمين! [(2)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ فالإسلام معالجات عملية واطروحات عقلية فهمية لما يتطلبه بدن الإنسان وما يحتاجه جسده وما يرغبه جسمه مِن احتياجات ورغبات وما تستلزمه روحه .. فإذا أُشبعت تلك الرغبات وتحصل الإنسان على تلك الاحتياجات بالقدر الكافي وفق نظام الإسلام بأكمله نتج عن ذلك هدوء النفس البشرية واطمئنان القلب الإنساني وسمت الروح الآدمية. ولتوضيح هذه القضية؛ اقول(الرَّمَادِيُّ) : طلب اللهُ-تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- حُسن عبادته؛ فأنزل بواسطة أمين السماء -جبرائيل- علىٰ قلب نبيه أمين السماء والأرض -عليهما السلام- قوله -تعالىٰ-: { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ .. } [البقرة:43] فيأتي الرسول فيقول: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»[(*)]. فتقترن نظرية -فكرة/اطروحة- العبادة لله الواحد الأحد وتتجاور مع كيفيتها العملية التطبيقية مِن خلال اقواله وأفعاله وتصرفاته -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-؛ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ [(*)] أخرجه : أ.] البخاري في صحيحه (605) 1: 226 ؛ كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة. عن مالك بن الحويرث. و ب.] أخرج مسلم حديث مالك في صحيحه (674) 1: 465 ؛ كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة. ولكن بدون ذكر هذه الجملة: «صلوا كما رأيتموني أصلي». ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ فــ فعله أنه : «„صلى‟» أمامهم كما علمه أمين السماء جبريل.. ومن ثم قوله هذا «..رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»فقرن بين ما عرضه من طلب العبادة [الفكرة] وبين كيفية العبادة [الطريقة/الكيفية] وبين الطلب من الله تعالى بعبادته.. و في مسألة : „الوضوء‟ قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَن توضأ نحو وضوئي هذا» .. فيتبين أن هناك قول يرافقه كيفية في تنفيذ هذا القول.. وهذا في مسألة عبادة الصلاة بكافة اركانها.. [مسألة واحدة من مسائل العبادات] و نظيره في عبادة آخرى (ثانية) قوله -عليه الصلاة والسلام- بعد أن بيّن الحج المأمور بفعله -عليه الصلاة والسلام-: «خذوا عني مناسككم» فما داوم عليه النبي-عليه الصلاة والسلام- ولم يتركه فهو واجب؛ لأنه بيان للواجب، وما تركه دل علىٰ أنه ليس بواجب، وأنه تركه لبيان الجواز جواز الترك والقيام بالفعل. وهكذا بقية المسائل.. .. فالإسلام -خاتم الرسالات السماوية للبشر كافة- إظهر فكرة -نظرية- أطروحة العبادة للناس وبيّنها ؛ ولمَن تكون العبادة الخالصة ؛ ونفي ما عداها؛ ولم يسكت؛ بل بيّن كيفية إخراج هذه العبادة مِن خلال افعال رسول الإسلام -عليه السلام-.. وهكذا بقية أعمال وتصرفات ومعاملات وأقوال الإنسان؛ ذلك الإنسان الذي يريد عن قناعة تامة ودون أدنىٰ اكراه أو إرغام أن يدخل في هذا الدين ويتمسك بهذا النظام العام؛ ويعتقد في صحته.. *-*-*-*-* تنبيه : بدأتُ كتابة هذا المدخل لما سوف يترتب عليه مِن تصرفات وأفعال يتأتىٰ منها قيام « كيان » جديد يبنىٰ علىٰ عقيدة الإسلام.. سيكون نقطة بدايته « يثرب » وستتحول إلى مدينته المنورة والتي طيّب الله تعالى ثراها بمرقده وبجواره صاحبيه ووزيريه الصديق والفاروق -رضي الله عنهما- ولا ينبغي لمَن لا يتفق معي في هذا الطرح أو كيفيته أن ينزعج أو يخشاه؛ فتوجد قاعدة عريضة اساسية في الإسلام وهي: «„لا إكراه في الدين‟ » و صحيح أن هناك نماذج عدة -سيئة- تجعل في قلب مَن هو خارج هذا الإطار الذي اتحدث عنه أو أعرضه حالة من الخوف والترقب.. ولكن عرض أطروحة الإسلام بالتي هي أحسن وبكيفية تتناسب مع السامع ثم من بعد ذلك عرض كيفية تطبيق إسلام محمد - خاتم الرسل وآخر الأنبياء ومتمم المبتعثين - تطبيقاً حقيقياً صحيحاً بفهم سيرته العطرة فهماً إدراكياً واعياً سوف يزيل كل لبس أو خوف أو قلق عند الجميع! -**- نعود لبحث هذا المجلد..[الْمُجَلَّدُالتَّاسِعُ] .. النقلة النوعية في خطاب خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -عليه السلام-.. هذه النقلة النوعية في خطابه للناس بعد إنتقاله مِن مخاطبته لــ - عشيرته ولــ - قومه -خاصة أهل مكة- وبــ - خروجه للطائف؛ ومخاطبتهم؛ ثم العودة في حماية رجل ليس مِن المسلمين [المطعم بن عدي].. وتعمده خطاب وفود الحجيج في أماكن مساكنهم ومواضع نصب خيامهم؛ و يلاحظ هنا تنوع الخطاب بشكل جذري.. فنتابع معاً كيفية العرض من قِبل النبي المصطفىٰ لمَن قابلهم : فــ حين كان يلتقي بوفدٍ أو شخص؛ نقرأ عند الزُّهْرِيِّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تِلْكَ السِّنِينَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ ، وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفِ قَوْمٍ ، لَا يَسْأَلُهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ: - يُؤْوُوهُ وَ - يَمْنَعُوهُ[(3)].. فــ يُعَرِف نفسه الزكية البهية العلية بوضوح تام فيقول: [ ١ . ] « „أَنَا رَسُولُ اللَّهِ‟» . وفي رواية أكثر دقة : [ ١ . ] « „إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ‟» . ثم يبين ما هو الواجب المنوط به؛ وما هو التكليف الذي كُلف به بعد اصطفائه واجتبائه واحتبائه واختياره مِن قِبل ربه رسول اللعالمين.. فيقول : [ ٢ . ] « „بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَىٰ الْعِبَادِ‟» . ويحدد هذا الدور.. وهذا الواجب.. وهذا التكليف فيقول: [ ٣ . ] « „أدعوهم إلىٰ أنْ‟ » [ ٤ . ] « „يعبدوه‟ » . وفي رواية : [٤.] « „يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ‟» . وفي رواية أكثر وضوحاً : [ ٤ . ] « „أَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ‟ » ، ثم يضيف كي لا تختلط الأمور والمسائل: وَ [ ٥ . ] « „لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا‟» وفي رواية : [ ٥ . ] « „ولا يشركوا به شيئًا‟» . وهذه الرواية مرجعها إلىٰ فقرة رقم [ ٢ . ]« „بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَىٰ الْعِبَادِ‟» . فيكون ترتيب الرواية : « „بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَىٰ الْعِبَادِ ولا يشركوا به شيئًا‟» . أما في حديثه مع كِنْدَةَ؛ فقد كان أوضح؛ فَــ قَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْأَجْلَحِ ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ الْعَبَّاسِ [عم النبي]، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « „لَا أَرَى لِي عِنْدَكَ وَلَا عِنْدَ أَخِيكَ مَنَعَةً ، فَهَلْ أَنْتَ مُخْرِجِي إِلَى السُّوقِ غَدًا ، حَتَّى تُعَرِّفَنِي مَنَازِلَ قَبَائِلِ النَّاسِ ؟‟ » - وَكَانَتْ مَجْمَعَ الْعَرَبِ - قَالَ : فَقُلْتُ :„هَذِهِ كِنْدَةُ وَلَفُّهَا ، وَهِيَ أَفْضَلُ مَنْ يَحُجُّ الْبَيْتَ مِنَ الْيَمَنِ ، وَهَذِهِ مَنَازِلُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، وَهَذِهِ مَنَازِلُ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ‟. قَالَ: فَبَدَأَ بِكِنْدَةَ فَأَتَاهُمْ ، فَقَالَ: « „مِمَّنِ الْقَوْمُ ؟‟ » . قَالُوا:„مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ‟ قَالَ:« „مِنْ أَيِّ الْيَمَنِ‟» قَالُوا:„مِنْ كِنْدَةَ‟ قَالَ: « „مِنْ أَيِّ كِنْدَةَ‟» قَالُوا:„مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ‟ قَالَ: «„فَهَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْرٍ ؟‟» قَالُوا:„وَمَا هُوَ ؟‟ .. قَالَ... [(4)] ثم يفصل الرد عليهم فــ يقول : [ ٦ . ] « „تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‟ » . [ ٦ . ] « „أَنْ تُؤْمِنُوا‟» . وَ [ ٧ . ] « „تُصَدِّقُونِي‟ » . ثم تأتي متطلبات المرحلة الجديدة والتي نحن بصدد بحثها -الأن- ودراستها مع تبيانها؛ واستخلاص الدروس والعبر منها لتفعيلها وتطبيقها والسير وفق هداها؛ وإن كان ينزعج البعض منها؛ كما اسلفتُ؛ إذ أن السيرة النبوية-على صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل البركات- يحتاج فهمها إلىٰ دراسة واعية وبعمق ليحسن تطبيقها؛ فهي -السيرة المحمدية يجاورها ويرافقها السنة النبوية ليستا تاريخ مضىٰ وانتهىٰ بل هدي؛ وافعاله لنا إسوة؛ وطريقته لنا قدوة- فــ يبدء بالقول: [ ٨ . ] « „تَمْنَعُونِي‟ » . حَتَّىٰ [ ٩ . ] « „أُبَيِّنَ عَنِ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ‟» . ثم تأتي إضافة جوهرية مع وفد كِندة؛ إذ عرض عليهم ؛ [ ١٠ . ] « „وَتُقِيمُونَ الصَّلَاةَ‟ » ، ثم يخبرهم بــ [ ١١ . ] « „وأنزل عليَّ كتابًا‟ » ، [ ١١. ] « „وَتُؤْمِنُونَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‟» ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ: [ ١٢. ] الْإِسْلَامَ ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ،:. يتبين مِن الخطوات النبوية السابقة طريقته-عليه السلام- أو كيفيته في مرحلة جديدة أو مفصل يربط بين مرحلة بعينها ومرحلة آخرى تليها . فهو - „صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ ”.- يعرض: «„١‟» الإسلام و : «„٢‟» يحتاج إلىٰ الإيواء ويريد ويطلب : «„٣‟» النصرة، وذلك قبل الهجرة.. " ليلة العقبة ": وهي التي بايع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلَّمَا اجْتَمَعَ النَّاسُ بِالْمَوْسِمِ ، أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ ، وَ لَا يَسْمَعُ بِقَادِمٍ يَقْدَمُ مَكَّةَ مِنَ الْعَرَبِ لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ إِلَّا تَصَدَّىٰ لَهُ ، وَدَعَاهُ إِلَىٰ اللَّهِ تَعَالَىٰ ، [(5)] وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا عِنْدَهُ . قَالَ أَبُوزَرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " : بَابُ إِسْلَامِ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ ، وَمُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ هَانِئٍ الشَّجَرِيُّ ، ثَنَا أَبِي ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّهُ خَرَجَ هُوَ وَابْنُ خَالَتِهِ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ، حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ ، فَلَمَّا هَبَطَا مِنَ الثَّنِيَّةِ ، رَأَيَا رَجُلًا تَحْتَ شَجَرَةٍ . قَالَ : وَهَذَا قَبْلَ «خُرُوجِ السِّتَّةِ مِنَ الْأَنْصَارِ» قَالَ: „فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ كَلَّمْنَاهُ ، قُلْنَا : نَأْتِي هَذَا الرَّجُلَ نَسْتَوْدِعُهُ رَاحِلَتَيْنَا حَتَّى نَطُوفَ بِالْبَيْتِ.‟ فَجِئْنَا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ تَسْلِيمَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَرَدَّ عَلَيْنَا تَسْلِيمَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ سَمِعْتُ بِالنَّبِيِّ . قَالَ: فَأَنْكَرْنَا . فَقُلْنَا: „ مَنْ أَنْتَ ؟ ‟ قَالَ: « „ انْزِلُوا ‟» . فَنَزَلُوا فَقُلْنَا :„أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي يَدَّعِي مَا يَدَّعِي ، وَيَقُولُ مَا يَقُولُ ؟ ‟ قَالَ:« „أَنَا هُوَ ‟ » . قُلْنَا :„ فَاعْرِضْ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ ‟. فَعَرَضَ ، وَ قَالَ : « „مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ ؟ ‟» قُلْنَا :„خَلَقَهُنَّ اللَّهُ ‟. قَالَ : « „مَنْ خَلَقَكُمْ ؟ ‟ » قُلْنَا :„اللَّهُ‟. قَالَ : « „فَمِنْ عَمَلِ هَذِهِ الْأَصْنَامَ التِي تَعْبُدُونَ ؟ ‟» قُلْنَا :„نَحْنُ ‟. قَالَ : « „الْخَالِقُ أَحَقُّ بِالْعِبَادَةِ أَوِ الْمَخْلُوقُ ؟ ‟» قُلْنَا :„الْخَالِقُ ‟. قَالَ : « „فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنَّ تَعْبُدَكُمْ ، وَأَنْتُمْ عَمِلْتُمُوهَا ، وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَعْبُدُوهُ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْتُمُوهُ ، وَ أَنَا أَدْعُو إِلَى : - عِبَادَةِ اللَّهِ ، وَ - شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَ - أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَ - صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَ - تَرْكِ الْعُدْوَانِ ، وَإِنْ غَضِبَ النَّاسُ ‟ » . فَقَالَا :„وَاللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ بَاطِلًا ، لَكَانَ مِنْ مَعَالِي الْأُمُورِ ، وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ ، فَأَمْسِكْ رَاحِلَتَيْنَا حَتَّى نَأْتِيَ الْبَيْتَ ‟ ». فَجَلَسَ عِنْدَهُ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ. قَالَ رَافِعٌ :„وَجِئْتَ الْبَيْتَ فَطُفْتُ ، وَأَخْرَجْتُ سَبْعَةَ قِدَاحٍ ، وَجَعَلْتُ لَهُ مِنْهَا قَدَحًا ، فَاسْتَقْبَلْتُ الْبَيْتَ ‟، فَقُلْتُ :„ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَأَخْرِجْ قِدْحَهُ . سَبْعَ مَرَّاتٍ ‟، فَضَرَبْتُ بِهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَــ صِحْتُ :„أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ‟. فَــ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ ، وَ قَالُوا :„ مَجْنُونٌ ، رَجُلٌ صَبَأَ ‟. فَقُلْتُ :„ بَلْ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ ‟. ثُمَّ جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَكَّةَ ، فَلَمَّا رَآنِي مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ، قَالَ :„ لَقَدْ جِئْتَ بِوَجْهٍ مَا ذَهَبْتَ بِهِ ، رَافِعُ ‟. فَجِئْتُ وَآمَنْتُ ، وَعَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : - سُورَةَ " يُوسُفَ " وَ - " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" ، ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كُنَّا بِالْعَقِيقِ ، قَالَ مُعَاذٌ: „إِنِّي لَمْ أَطْرُقْ لَيْلًا قَطُّ ، فَبِتْ بِنَا حَتَّى نُصْبِحَ ‟. فَقُلْتُ : « „أَبِيتُ وَمَعِي مَا مَعِي مِنَ الْخَيْرِ؟! مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ‟. وَ كَانَ رَافِعٌ إِذَا خَرَجَ سَفَرًا ثُمَّ قَدِمَ عَرَّضَ قَوْمَهُ [إِسْنَادٌ وَسِيَاقٌ حَسَنٌ] .". [(6)] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) بحوث السيرة النبوية الشريفة (٩) [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ]: [دُعَاءِ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ] (١٠٢): [ أ . ] بحث : تطبيق النظرية (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) -*- | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
03 / 01 / 2022, 59 : 12 PM | المشاركة رقم: 400 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه [ ٩ ] [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ] استدراك: في الْبَابِ الثَّالِثِ؛ وتحت عنوان : « سَعْيُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وآله وسلم- يَطْلُبُ النُّصْرَةَ.. مِن الْمُجَلَّدِ الثَّامِن : دُعَاءِ رسولُ الله -صلى الله عليه وآلهوسلم- النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ»؛ [اصدارات: ملتقىٰ أهل العلم: (السبت، ٢٢ ربيع الثاني، ١٤٤٣هــ ~ ٢٧ نوفمبر ٢٠٢١م)]. . . ذكرتُ :" .. خرج رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- في الموسم، فعرض نفسه علىٰ قبائل العرب كما كان يصنع في كلّ موسم. وكانت البداية برجل من هَمدان .. جاء في مسند الإمام أحمد؛ وسنن أبي داود؛ وسنن التّرمذي عن جابرِ بنِ عبدِاللهِ -رضي الله عنه- قال: كَانَ النَّبِيُّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ، فَيَقُولُ: « „ هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ!؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي عزّ وجلّ‟ » . فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ، فقالَ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: « „ مِمَّنْ أَنْتَ ؟‟ » . فَقَالَ الرَّجُلُ: „ مِنْ هَمْدَانَ ‟ قَالَ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: « „ فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ !؟‟ » . قَالَ: „ نَعَمْ ‟. ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَحْقِرَهُ [ يخفره: الخفر: هو ألا يَفُوا بما وعد به ؛ ولا يسعَى بذمّته] قَوْمُهُ، فَأَتَى رَسُولَ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- فَقَالَ :„ آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ، ثُمَّ آتِيكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ‟، قال-صلّى الله عليه وآله وسلّم-: « „ نَعَمْ‟ » فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ ". -*- وهنا انبه إلىٰ وقفتين: 1 . ] - الوقفة الأولىٰ: وجوب خروج حامل الدعوة الإسلامية إلىٰ النّاس. فــ نرىٰ النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- لم يأمر بأن تُنصَب له خيمة بمِنًى، أو بسوق عُكاظ، يجلس فيها ثم ينتظر النّاس يأتونه! بل إنّه -صلّى الله عليه وآله وسلّم- كان يذهب إلىٰ منازلهم بمنًى، وينزل عليهم في خيامهم يعرِض نفسه عليهم. والعَجَبُ مِن بعض مَن يرتقون المنابر -خاصة في القارة الأورُبية والأمريكيّتين - ولعل المانع أنهم لا يحسنون لغة القوم الذين يعيشون بين أظهرهم-، لا يخرجون إلىٰ النّاس، يدعونهم إلىٰ الخير، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، حتّىٰ إذا هدىٰ الله -عزّ وجلّ- كثيرا من الضُلاّل إلىٰ الحقّ بإذنه، وجاءوهم إلىٰ مساجدهم، ما وجدوا لهم أثرا، وما سمعوا لهم خبرا ! 2 . ] - الوقفة الثّانية: ربط النّاس من أوّل يوم بالله-سبحانه- وحده. تأمّل قوله: «„ الأَمْرُ إِلَى اللهِ، يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ‟».. إنّه خطاب لمن لم يؤمن بعدُ برسالته .. ولمن لم يُقِرّ بعدُ بتوحيد الله سبحانه وتعالى! إنّه -صلوات الله تعالىٰ عليه وآله وسلامه- يريد أن يربطهم مِن أوّل يوم بمن لا يحُول ولا يزول.. لا يريد أن يربطهم بوعود كاذبة، وزخارف زائفة .. كحال كثير من الدّاعين إلىٰ أنفسهم !".[(1)] -*-*-*- مدخل للمجلد التاسع : ما قام به نبيُّ الهدىٰ وحامل لواء التوحيد المبعوث رحمة للعالمين -صلوات الله تعالىٰ عليه وآله وسلامه- مِن افعال وتصرفات وتحركات وخروج لمقابلة وفد حجيج قادم إلىٰ مكةَ أو الحديث إلىٰ رجل شريف في قومه اثناء العهد المكي -خاصةً- إلا أنه كان يبحث عن آذانٍ صاغية، وقلوب واعية، وعقول مستنيرة وافهام ذكية وأيدٍ حانية تحمل هذا الدّين لتقدّمه إلىٰ التّائهين والحائرين .. .. توجد مواقف أو تصرفات اثناء سير الأحداث تغير الواقع تغييراً جذرياً.. -*- * (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)* (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ) الإثنين، 30 جمادى الأولى، 1443هــ ~ 03 يناير 2022م -*-* | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
--> |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018