د. علي بن عمر بادحدح *
كارثة السيول والأمطار في جدة ليست الأولى ولكن هل تكون الأخيرة؟ في نظري هذا هو السؤال المهم، وقبل الإجابة عليه لابد من وقفات لا يمكن تجاوزها حتى يأتي الحديث عن لب الموضوع في سياقه الصحيح، ولكي يكون أكثر وضوحاً وأسهل فهماً.
الوقفة الأولى: الكارثة كبيرة ومؤلمة، ويكفي أنها حصدت الأرواح بأعداد كبيرة وما زالت قابلة للزيادة، فكيف إذا أضفنا إلى ذلك تهجير الآلاف من مساكنهم، وزد عليه ما تلف من ممتلكاتهم وسياراتهم، وما عُدم من وثائقهم، وما انقطع عنهم من خدمات الكهرباء والماء والاتصال، كل ذلك يرسم صورة مأساوية حزينة يتضاعف أثرها بسبب وقوعها في أيام الأعياد، وبسبب استمرار الحالة بل ووجود تهديدات أخرى ليست بعيدة زماناً ولا مكاناً، وهنا أتوجه لجميع المتضررين بالتعزية فيمن فقدوا، والمواساة فيما أصيبوا به، وأسأل الله أن يرحم موتاهم، ويجبر كسرهم، ويكشف كربهم، ويعجل فرجهم، وأن يعيننا جميعاً على الوقوف معهم معنوياً ومادياً قولاً وعملاً، والكتابة في هذا المجال مطلوبة ولها أثرها في المواساة والمؤاخاة.
الوقفة الثانية: الكارثة أظهرت للسطح كوارث أخرى ربما تكون أعظم خطراً وأشد ضرراً؛ لأنها سبب مباشر في هذه الكارثة، وأساس قائم لتكرار أمثالها إنها كارثة الفساد الإداري والمالي، إنها خيانة الأمانة، إنها موت الضمير، إنها انعدام الشفافية، إنها التفريط في المسؤولية، إنها غياب المحاسبة، إنها قبل ذلك ومعه وبعده ضعف الإيمان وعدم مراقبة الله، والكتابة في هذه القضية بشفافية وموضوعية في غاية الأهمية والإسهام فيها يؤسس لوعي مجتمعي فاعل في المطالبة والمساءلة ويحدث توجها وثقافة عامة تجعل الفساد أمراً تحت الرقابة المجتمعية الرافضة له والعاملة على استئصاله.
الوقفة الثالثة: بيان خادم الحرمين وما اشتمل عليه من المعاني وما تضمنه من القرارات بشأن المتضررين وكشف ومحاسبة المسؤولين جاء مسكناً للنفوس ومرضياً للخواطر ومواسيا للمتضررين ؛ لأنه جاء من أعلى مسؤول في الدولة ليعطي للكارثة حجمها الحقيقي ومن الملفت للنظر عدة قضايا مهمة:
أولها: صراحة البيان غير المسبوقة دون التماس الأعذار أو الاحتجاج بالأقدار " وإنه ليحز في النفس ويؤلمها أن هذه الفاجعة لم تأت تبعاً لكارثة غير معتادة على نحوما نتابعه ونشاهده كالأعاصير والفيضانات الخارجة وتداعياتها عن نطاق الإرادةوالسيطرة في حين أن هذه الفاجعة نتجت عن أمطار لا يمكن وصفها بالكارثية،وإن من المؤسف له أن مثل هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبهيومي على العديد من الدول المتقدمة وغيرها ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانات والقدرات ولا ينتج عنها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شهدناه في محافظة جدة وهو ماآلمنا أشد الألم".
ثانيها: البيان صدر بالاطلاع على عدة قرارات وأنظمة للفت النظر إلى الأهمية الكبرى للموضوع إذ له صلة بالنظام الأساسي ونظام مجلس الوزراء وحسبك بهذا أهمية، ثم الإشارة إلى أنظمة أعتقد أن أكثر الناس لم يسمع بها ولا يعرف بوجود ها مثل (نظام تأديب الموظفين الصادر بمرسوم ملكي منذ عام /1391هـ، و نظام حماية المرافق العامةالصادر بمرسوم عام/1405هـ، ونظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادر بمرسوم ملكي عام 1427هـ)، فالأنظمة موجودة ومعتمدة وصادرة من أعلى جهة منذ وقت طويل فأين تطبيقها والعمل بها؟!
وثالثها: الصياغة الإنسانية في المشاركة الوجدانية والمواساة العاطفية مع تتويج ذلك بقرارات التعويض المادي الذي يأتي مكملاً لما سبقه للدلالة على أنه ليس هو الأساس أو بمعنى آخر ليس العلاج هو صرف الأموال وكفى.
وآخرها: الأمر بتشكيل لجنة التحقيق وإعطائها دعماً معنوياً وتنفيذياً ليس بعده مزيد "على اللجنة أيضاً الرفع لنا - فوراً - عن أي جهة حكومية لا تلتزم بذلك ، وللجنةكذلك استدعاء أي شخص أو مسؤول كائناً من كان بطلب إفادته ، أو مسائلته عندالاقتضاء " .
الكتابة عما سبق مطلوبة ومفيدة ولكني هنا أنظر للمستقبل وأتوجه إلى خادم الحرمين الشريفين بهذا النداء:
أما آن الأوان أن يكون لجدة هيئة عليا دائمة لتطوير جدة على غرار هيئة تطوير الرياض العاصمة، وهيئة تطوير مكة العاصمة المقدسة، لأن تشكيل هيئة عليا يحقق الأساس الصحيح لحل المشكلات ومنع تكرارها إذ تتشكل من كبار المسئولين في الوزارات الخدمية المختلفة وبالتالي تكون صلاحيات اتخاذ القرار أقوى وأسرع، كما أنها تتيح الفرصة للتنسيق الكامل والدائم بما يحقق عدم التعارض، إضافةً إلى كونها تحصل على اعتمادات مالية إضافية لقوة الهيئة وأعضائها وصلاحياتها ومرجعياتها مع الجهات العليا مباشرةً، واعتقد أن جدة (بوابة الحرمين) وعاصمة المملكة السياحية والتجارية تستحق ذلك وخاصة بعد هذه الكارثة التي ليس لها مثيل في المملكة وبعد الشكوى الممتدة على مدى عدة عقود من المشكلات الخطيرة التي لم يحسم حلها حتى الآن، واعتقد أن قوة قرار خادم الحرمين في تشكيل لجنة التحقيق هو نموذج للعناية الكبيرة بالمشكلة والحل ويمكن أن يكون بمثابة تمهيد للأمل الذي نرفعه لخادم الحرمين لكي يصدر قراره بتشكيل لجنة عليا دائمة لتطوير جدة حتى تكتمل مبادرتهم الكريمة تجاه جدة وأهلها من المواطنين والمقيمين.
وأخيراً حتى تكون جدة غير فإنني أرى أن تكون هذه الهيئة متميزة بوجود مشاركة في عضويتها من قبل القطاع الأهلي والمجتمع المدني سواءً على مستوى المؤسسات والجمعيات أو الشخصيات الاجتماعية الفاعلة من أهالي جدة، ولذا أقول إنه آن الأوان أن تكون جدة غير بحق وحقيقة.
----------
* المشرف العام على موقع إسلاميات وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز
Hlh Nk hgH,hk Hk j;,k «[]m ydv» >>> ] > ugd fk ulv fh]p]p