المائدة
قبيل غروب يوم في رمضان دخل الحي شيخ هِم يدق الأرض بعصاه قد أم دارا في عنق الشارع وكانت هذه الدار لرجل عرف بتقواه واشتهر برعته وكان سخي اليد على فاقة فيه كريما جوادا حببت إليه الصدقة وفتح له باب الإنفاق فكان ينزع الطعام من فيِّ أطفاله ويضعها في فيِّ السائل وينزع عنه لباسه ليواري به غيره وكان لا يخاف في ذلك لوم لآئم ولا عذل عاذل فوجد اللذة وراحة البال وطيب النفس.
وقف الشيخ الهرم أمام باب الدار ترتعد أضلاعه من الصقيع فرمى بنفسه على عصاه ونادى يا صاحب الدار....يا صاحب الدار.... شيخ ترك خلفه أطفالا عراة إلا من غطاء السماء وحفاة إلا من وطاء الأرض يبكون من شدة الجوع صيامهم سرمد إلى أن يشاء الله زغبا أضعف من الطيور التي تغدو خماصا وتروح بطانا قد أُحل لهم ما حرّم نهارهم من الضيق ليل وعيشهم من الفاقة نكد.
فسمع الشيخ كلامه وهو متحلق مع زوجه وأطفاله على مائدة الإفطار الخالية من كل شيء إلا من بضع تمرات وكسرة خبزة(نسيت متى خرجت من التنور)(1) فما إن وقع كلام السائل في قلب الشيخ وعقله إلا نزع المائدة من بين يدي زوجه وأطفاله وجاد بها لسائلها!
فتلقته زوجه رافعة صوتها ويديها: أما تخشى الله أتتركنا بغير زاد أما لك قلب رحيم أو يهون عليك أن يطوي أطفالك ويبيتون خماصا ما أراك بعد فعلك هذا إلا مجنون قد رين على عقلك وقلبك ولا أظن ديننا أباح فعلتك!
ولم تترك له من قبيح القول وسافل المعنى إلا رمته به وهددته بأنها ستترك له البيت وتأخذ أطفالها.
فأطرق الشيخ وتركها تنفث ما في صدرها وتلفظ ما في قلبها حتى استيأست منه فسكتت!
فجلسا متقابلين أمام كوز من الماء إذ بالباب يُطرق مع صوت المؤذن وإذ بمائدة كبيرة يحملها خادمان مُلئت بصنوف المطعوم وضروب المشروب.
فعجب الشيخ وقال من أين هذه؟!
فقال أحدهم: هذه مائدة الأمير قد دعا إليها أعيان القرية وسُراتها فلم يجبه أحد منهم لصوارف عنّت ومشاغل اعترضت فخطرتَ بباله فأمر بحملها إليك.
فشكر الشيخ له ولهما الصنيع وأدخلها إلى زوجه وأطفاله فلما رأتها زوجه نكّست رأسها وكاد الندم والحياء يقتلانها فردد وهو باسم قول ****** - صلى الله عليه وسلم -: (قال الله أنفق يا ابن آدم أنفق عليك) (*).
تم رتل قوله - تعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة / 261، 262.
ــــــــــــــــــــ
(1) عجز بيت لشاعر الأمة أبي أسامة العشماوي - حفظه الله - تعالى -
(*) رواه البخاري (5073) ومسلم (993).
* هذه القصة رواها العلامة الطنطاوي - رحمه الله تعالى -(ت1420) عن شيخ من شيوخ دمشق فأخذتها وخلطتها بقلمي الضعيف.
MM hglhz]m MM !!!