أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 

الإهداءات



ملتقى السيرة النبويه ملتقى خاص بسيرته ... سنته ... آل بيته ... أصحابه ... نصرته والدفاع عنه .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: اللغة العربية ويومها العالمي! (آخر رد :دكتور محمد فخر الدين الرمادي)       :: أفضل طريقة لتحويل ملفات pdf إلى word دون أخطاء (آخر رد :عادل محمد)       :: 161 تَسمية يَثْرِب طابة! (آخر رد :دكتور محمد فخر الدين الرمادي)       :: صلاة الفجر للشيخ أحمد بن طالب 8 جمادى الآخرة 1446هـ من المسجد النبوي الشريف (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ عبدالله القرافي 7 جمادى الآخرة 1446هـ من المسجد النبوي الشريف (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ محمد برهجي 7 جمادى الآخرة 1446هـ من المسجد النبوي الشريف (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ بدر التركي 8 جمادى الآخرة 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ عبدالرحمن السديس 7 جمادى الآخرة 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ الوليد الشمسان 7 جمادى الآخرة 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)       :: وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (آخر رد :عادل محمد)      

إضافة رد
كاتب الموضوع دكتور محمد فخر الدين الرمادي مشاركات 426 المشاهدات 115516  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 13 / 01 / 2022, 06 : 09 PM   المشاركة رقم: 411
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,359 [+]
بمعدل : 0.53 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 221
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 22 / 01 / 2022, 40 : 07 AM   المشاركة رقم: 412
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
جزاك الله خيرا









عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
قديم 23 / 01 / 2022, 33 : 11 PM   المشاركة رقم: 413
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,359 [+]
بمعدل : 0.53 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 221
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
(١٠٧) أَهْلُ يَثْرِبَ
قال جابرٌ -رضِيَ اللهُ عنه-: حتىٰ بَعَثَنا اللهُ -عزَّ وجلَّ- له مِن يَثرِبَ...[.(1).]؛ و هي المدينةُ النَّبويَّةُ، ويَثرِبُ اسْمُها قبْلَ الإسلامِ .." .
مسألةُ أهل : يَثْرِب قبل مقابلة ست شخصيات منهم للنبي
-عليه السلام- وقبل عرض النبي الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- الإسلام عليهم؛ ثم اعتناقهم الدين الجديد.. ومسألة اختيارها وحياً وأمراً من رب العزة المكان لتكون إليها الهجرة الشريفة وتكون بها نواة الكيان الأول التنفيذي للأحكام العملية المتعلقة بالعقيدة وأفعال وسلوك المسلم.. هما مسألتان تحتاجان إلىٰ إلقاء نظرة علمية وتفحص ودراسة وتبصر؛ وبحث صفات الشعوب؛ ومميزات القبائل وأحوال العشائر.. ومقومات وجود الأمم وفناءها؛ وهل يصح استخدام مصطلح :Mentalitaet؛ وتعلم مقومات كيفية بناء النفسية البشرية؛ ومقومات أسس العقلية الآدمية وفهم الذهنية الإنسانية؛ فعليهما -النفسية والعقلية بمفهوم الإسلام- ستبنىٰ خير أمة تريد البقاء هداية للناس ورحمة للكائنات؛ وهذا يعني الترجمة العملية لأتباع الرسول؛ الذي نزل في حقه : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين }[.(2).].. فالتأسي به -صلى الله عليه وآله وسلم- والسير علىٰ هداه والتقييد بسنته والتمسك بطريقته يصيبنا جزءاً من رحمة النبوة؛ خاصةً حين نُفعل مع مفهوم هذه الآية مفهوما آخر : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }[.(3).].. ومن هذا المنطلق يصح إلقاء ضوء علىٰ تلك المسألتين..
إذ أن دورهم الرائع والفذ قرب إنتهاء العهد المكي ثم ما حدث منهم -أهل النصرة والمنعة = الأنصار- وسيحدث في كامل العهد المدني يحتاج لفهم حقيقة هؤلاء!.. هذه واحدة!
أما

الثانية: وهي لا تقل أهمية عن الأولىٰ.. تلك البقعة مِن الأرض -مِن ناحية علم الجغرافية؛ والتي تهتم بــ :" دراسة مظاهر سطح الأرض والظواهر الطبيعية والبشرية عليها ودراسة التاثير والترابط الانعكاسي بينهما، وتقوم على أساس الموقع والموضع والامتداد. كما تعني الجغرافيا أيضا بدراسة أشكال الأنظمة الموجودة علىٰ سطح الأرض والعلاقات الرابطة بين الظواهر المختلفة "[.(4).].- والتي سوف يبنىٰ عليهما يَثْرِبَ؛ وأهلها مع المهاجرين.. الكيان الأول التنفيذي لمجموع أفكار الإسلام ومفاهيمه ومقاييسه وقناعاته وقيمه..
فـ الثابت المعلوم أن نبي الهدى ورسول الرحمة
-صلى الله عليه وآله وسلم- كما :" ذكر الواقدي أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مكث ثلاث سنين مستخفياً -من حيث التكتل وليس من حيث الدعوة-؛ ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلىٰ الإسلام عشر سنين، يوافي المواسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي المجاز، يدعوهم إلىٰ أن يمنعوه حتىٰ يبلغ رسالات ربه، فلا يجد أحداً ينصره ولا يجيبه، حتىٰ إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة، فيردون عليه أقبح الرد ويؤذونه، ويقولون: " قومك أعلم بك "، فكان ممن سُمي لنا من تلك القبائل: بنو عامر بن صعصعة؛ ومحارب؛ وفزارة؛ وغسان؛ ومرة؛ وحنيفة؛ وسليم؛ وعبس؛ وبنو نصر؛ والبكاء؛ وكندة؛ وكعب؛ والحارث بن كعب؛ وعذرة؛ والحضارمة، وذكر نحوه ابن إسحاق بأسانيد متفرقة "[.(5).]..
وقبيل نهاية المطاف.. مر علىٰ منازل ذُهْل وشيبان بن ثعلبة.. وكلمهم في الإسلام‏.‏ وقد دارت بين أبي بكر وبين رجل من ذُهْل أسئلة وردود طريفة، وأجاب بنو شيبان بأرجىٰ الأجوبة، غير أنهم توقفوا في قبول الإسلام‏..
ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقبة منى، فسمع أصوات رجال يتكلمون، فعمدهم حتىٰ لحقهم، وكانوا ستة : نسمات طيبة من أهل يَثْرِبَ[.(6).] .. ستة نفر من شباب يثرب كلهم من الخزرج ".
ومن المعلوم ايضاً أن :

" قريش كانت تستقبل القبائل والقادمين إلىٰ مكة بسبِّهم لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والاستهزاء به حتىٰ لا يقبلوا دعوته، وكان عمه أبولهب يتبعه ويلاحقه ويرد عليه ويصرف الناس عنه "..
و
في رواية آخرىٰ أبوجهل المخزومي..
و

نثبت ما يستحق منا إعادة النظر فيه :
* . ] فعن جابر بن عبدالله
-رضي الله عنه- قال: - أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم- لَبِثَ [مكث] [بمكة ] عَشْرَ سِنينَ يَتْبَعُ الحاجَّ [الناس] في مَنازِلِهم في المَوسِمِ وبِمِجَنَّةَ وبعُكاظَ، و [في المواسم] وبمَنازِلِهم بمِنًى يقولُ: »مَن يُؤْويني؟ مَن يَنصُرُني؟ حتىٰ أُبَلِّغَ رِسالاتِ [رسالة] ربِّي وله الجَنَّةُ؟«؛ فلا يَجِدُ أحَدًا يَنصُرُهُ ويُؤْويه، حتىٰ إنَّ الرَّجُلَ يَرْحَلُ مِن مُضَرَ، أو [ليخرج] مِن اليَمَنِ، إلىٰ ذي رَحِمِه، فيَأْتيه قَومُه، فيَقولون: احْذَرْ غُلامَ قُرَيشٍ لا يَفتِنُكَ، ويَمشي بَينَ رِحالِهم يَدعوهم إلىٰ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- [وهم] يُشيرون إليه بالأصابِعِ، حتىٰ بَعَثَنا [الحديث عن جابر بن عبدالله] اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- له مِن يَثرِبَ. [.(7).].
و
* . ] عن ربيعة بن عباد
-رضي الله عنه- قال:رأيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو يدعو الناس إلىٰ الإسلام بذي المجاز وخلفه رجل أحول يقول:" لا يغلبنكم هذا عن دينكم ودين آبائك"، قلت لأبي -وأنا غلام- :" مَن هذا الأحول، الذي يمشي خلفه؟"، قال: هذا عمه أبولهب .[.(8).].
و
* . ] عن جابر بن عبدالله
-رضي الله عنه- قال:كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يعرض نفسه علىٰ الناس في الموقف ويقول: » ألا رجل يعرض عليَّ قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي -عز وجل- ؟!«.[.(9).] .
و
* . ] عن عائشة
-رضي الله عنها- قالت:كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يعرض نفسه في كل سنة علىٰ قبائل من العرب، أن يؤووه إلىٰ قومهم حتىٰ يبلغ كلام الله ورسالاته، ولهم الجنة .[.(10).].
صَبْرٌ و فَتْح:
لقد اتسمت دعوةُ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- القبائلَ الوافدة إلىٰ مكة في المواسم والحج بالصبر علىٰ الأذىٰ، وبداية الفتوحات وانتشار للدعوة الإسلامية، فقد تعرض -صلى الله عليه وآله وسلم- فيها لأذىٰ شديد، ومعاناة كبيرة، والكثير من المواقف الأليمة، فكان أبوجهل وأبولهب يلاحقانه ويتناوبان علىٰ تكذيبه والسخرية منه وإيذائه عندما يدعو هذه القبائل، إضافة إلىٰ ما يلحقه من إعراض وأذىٰ المدعوين أنفسهم، الذي لم يقتصر علىٰ الإيذاء النفسي فحسب، بل واجه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- منهم ما هو أشد وأقسىٰ.
فقد روىٰ
[.(11).] عن مدرك بن منيب الأزدي -رضي الله عنه- عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في الجاهلية وهو يقول: » يا أيها الناس قولوا » لا إله إلا الله تفلحوا ««؛ فمنهم مَن تفل في وجهه، ومنهم مَن حثا عليه التراب، ومنهم مَن سبَّه، حتىٰ انتصف النهار، فأقبلت جارية بعس (قدح كبير) مِن ماءٍ فغسل وجهه ويديه، وقال: » يا بنية لا تخشي علىٰ أبيك غلبة ولا ذلة «؛ فقلت: " مَن هذه؟"، قالوا:" زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، وهي جارية وضئية (صغيرة جميلة).[.(11).] .
... هذا هو المناخ العام الذي كان يتعايش فيه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قبيل أن يتقابل مع وفد أهل يثرب.!
لذا وجب أن نلقي نظرة فاحصة علىٰ أهل يثرب؛ والمدينة التي استقبلت الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- إذ أنه خلال ما يزيد أو يقترب من عشر سنوات لم تتمكن دعوة القبائل والحجيج ومواسم التجارة من الإتيان بثمرة.. ولكن خلال عام تقبل سكان يثرب دعوة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-!
-**-
أعود إلى التاريخ :
- يُقال إنّ اسمَ يثرب عائدٌ إلى مَن سكنها؛ إذ إنّ أوّل مَن سكنها هو يثرب بن قانية ؛ من وَلَد إرم بن سام بن نوح؛ وقد ورد ذكر يثرب في القرآن الكريم في قوله
تعالى: (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ) [.(12).]،[٢].
ومن الجدير بالذكر أنّ اسم يثرب؛ في الإسلام يُعَدُّ مكروهاً، واسم المدينة هو الذي يليق بها؛ فقد نهىٰ سيّدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- عن تسميتها باسم يثرب ؛ وذلك لأنّ اسم يثرب هو من التثريب الذي يعني: الملامة، والتوبيخ، كما أنّ يثرب من الثرب؛ أي الفساد، وكلا المعنيَين يدلّان علىٰ القُبح، وقد كان نبيّنا الكريم يحبُّ الأسماء الحسنة، ويكره القبيحة.[٣].
وكانت المدينة (يثرب القديمة) منطقة محدودة تقع في سهل يمتد من الشّمال من جبل سلع وحتّى أطراف جبل أُحد من الغرب وحتّى وادي بطحان[.(13).].[١ :" أبت احمد الخالدي، المدن والآثار الإسلامية في العالم، عمان - الأردن: المنهل، صفحة 64-73. بتصرّف.".]
الطبري:" ويثرب: اسم أرض، فيقال: إن مدينة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في ناحية من يثرب.[.(14).] "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
2.] سورة الأحزاب، آية: 13.
3.]
أبمحمد شميم بن حمزة الملبياري، إرشاد الورى بأسماء مدينة خير الورى (ص) (دراسة عن أسماء المدينة المنورة)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 46-58. بتصرّف.
(*): " التفسير الاشتقاقي لجذر الكلمة"ثرب"
التثريب: التقريع والتقرير بالذنب. قال تعالى:{ لا تثريب عليكم اليوم}[.(15).] [يوسف/92]، و

رُوي: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولايثربها) (هذا جزء من حديث صحيح متفق على صحته، مروي عن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولايثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر). [.(16).]، ولا يعرف من لفظه إلا قولهم: الثرب، وهو شحمه رقيقة، وقوله تعالى:{ يا أهل يثرب }[.(17).]، أي: أهل المدينة، يصح أن يكون أصله من هذا الباب والياء تكون فيه زائدة.".
وينبغي القول -وهنا تأتي خصوصية المكان والسكان؛ أن : " اليهود أحد الجماعات التى تسكن يثرب وهم أهل كتاب وعلم- فأشعلوا فى يثرب أن نبياً فى العرب سيبعث، وحان وقت ظهوره، وأنهم سيتبعونه وينتصرون به علىٰ العرب (الأوس والخزرج)..
فلما عرض رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- نفسه عليهم وكانوا ستة تذكروا مقالة اليهود لهم؛ فقالوا:" والله انه للنبي الذى توعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه إلىٰ الإسلام، وواعدوه اللقاء العام القادم، ورجعوا الىٰ قومهم يدعونهم إلىٰ الإسلام فاتبعهم فريق منهم وسرعان ما انتشر الإسلام فى يثرب فلم تبق دار من دور الأنصار الا وفيها خبر عن الدعوة الإسلامية ورسولها ".
.....
ولم يكن الأنصار اسما لهم في الجاهلية حتىٰ سماهم الله به في الإسلام وهم بنو الأوس والخزرج[.(18).]،
و
الخزرج : الريح الباردة؛ وقال بعضهم وهي الجنوب خاصةً. ودخول الألف واللام في الأوس على حد دخولها في التيم جمع: تيمي وهو من باب رومي وروم، لأن الأوس هي العطية أو العوض ومثل هذا إذا كان علما لا يدخله الألف واللام.... ألا ترىٰ أن كل أوس في العرب غير هذا، فإنه بغير ألف ولام كــ أوس بن حارثة الطائي.. وغيره وكذلك أوس وأويس: الذئب[.(19).]..
قال الراجز:


يا ليت شعري عنه والأمر عمم ... ما فعل اليوم أويس بالغنم
وأبوهم حارثة بن ثعلبة [بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزدي]، وهو أيضا: والد خزاعة علىٰ أحد القولين.. وأمهم قيلة بنت كاهل بن عذرة قضاعية؛ ويقال هي بنت جفنة واسمه علبة بن عمرو بن عامر، وقيل بنت سيع بن الهون بن خزيمة بن مدركة؛ قاله الزبير بن أبي بكر في كتاب أخبار المدينة.
و الأنصار : جمع ناصر علىٰ غير قياس في جمع فاعل ولكن علىٰ تقدير حذف الألف من ناصر لأنها زائدة فالاسم على تقدير حذفها: ثلاثي ... والثلاثي يجمع على أفعال وقد قالوا في نحوه صاحب وأصحاب وشاهد وأشهاد.[.(20).]. ".
" وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان ".[.(21).].
" الحديث عن المصطلح القرآني :«„الأنصار”»؛ -رضي الله تعالىٰ عنهم-؛ استمع إلىٰ قوله -عزَّ وجلَّ- : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ } { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم }[.(22).].
وهو :"لقبٌ أُطلق علىٰ الذين نصروا الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وآووه مِن أهل : „ يثرب ”: (المدينة) مِن الأوس والخزرج تمييزاً لهم من المهاجرين من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، وتخليداً لدورهم وجهودهم في نصرة الدعوة الإسلامية، وقد وردَت في السّنَّة أحاديث تشيد بفضل الأنصار وتدعو لهم ولأعقابهم وأحفادهم بالخير والبركة. [.(23).] وسوف اتحدث عنها في موضعها من قابل البحوث ".
" كان بين الأوس والخزرج منذ استقروا في مدينة :„ يثرب صراع قوي علىٰ المجد المادي والأدبي، أوجدته العصبية الجاهلية التي كانت تمشي في أرجاء الجزيرة العربية كما يمشي الوباء. وتسري بين القبائل والبطون كما تسري النار في الهشيم [ وربما كانت بتحريض ومكائد من اليهود 1. وكثيرًا ما أدت هذه العصبية بين الأوس والخزرج إلىٰ حروب دامية لم تكن تهدأ حينًا إلا لتبدأ من جديد قوية عنيفة، وكان آخر هذه الأحداث ما وقع بين الفريقين في يوم بعاث2، وهو يوم مشهور في تاريخ الأوس والخزرج، هلك فيه قادتهم ورؤساؤهم، وتصدعت قوتهم، وتعرض مركزهم في يثرب للدمار والانهيار. وكان يجاورهم في يثرب جماعات من اليهود، وهم :
- بنو قينقاع، و
- بنو النضير، و
- بنو قريظة. وطالما كان هؤلاء اليهود يثيرون العداوة والبغضاء بين الأوس والخزرج حتى يأكل بعضهم بعضًا، وحينئذٍ يقيم اليهود على أنقاض هذا الضعف قوة لهم.[.(24).]
وقد أدرك الأوس والخزرج هذا الشعور من اليهود، فأخذوا يعضون بنان الندم، ويحسون بالخطر الداهم يحيط بهم، ويتطلعون ذات اليمين وذات الشمال إلى قائد وزعيم يوحِّد كلمتهم ويجمع شملهم. وكان يزيد من خوف الأوس والخزرج أن اليهود كانوا يتوعدونهم بين الحين والحين بظهور نبي من العرب يُبعث، قد قَرُب زمانه يعرفونه بأوصاف ذُكِرت في كتبهم، ويتمنون لقاءه والالتفاف حوله حتىٰ يقوي أمرهم ويطردوا الأوس والخزرج من المدينة.. وإلى هذا يشير قوله تعالىٰ: { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ }.. وقد أخرج أبونعيم في "الدلائل" عن ابن عباس قال: " كانت يهود بني قريظة والنضير من قَبل أن يُبعث محمد يستفتحون الله، ويدعون علىٰ الذين كفروا، ويقولون: إنا نستنصرك بحق النبي الأمي، ألا نصرتنا عليهم فينصرون { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } يعني محمد، { كَفَرُوا بِهِ } . وهناك أحاديث كثيرة في هذا ذكر أكثرها السيوطي في " الدر المنثور"..

وهذا الشعور الذي امتلأت به نفوس الأوس والخزرج هو الذي جعل قلوبهم مستعدة لقبول الإسلام، والخضوع لقيادة محمد عليه الصلاة والسلام. وقد شاء الله أن يلتقي جماعة من الخزرج بمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- في مكة، وكان ذلك في موسم الحج سنة 620م، فسألهم الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عن أحوالهم وعن علاقتهم باليهود، وحدثهم عن الدين الجديد، وبين لهم أصوله وتعاليمه، ودعاهم إلى الدخول فيه، وتلا عليهم بعض آيات من القرآن، فتأثروا إلى حدٍّ كبير بما سمعوا. . . ونظر بعضهم إلى بعض وقالوا: والله إنه النبي الذي تتحدث عنه اليهود وتهددنا به.. . فأسلم ستة منهم، ووعدوه بنشر الإسلام بين أهلهم2. [.(25).] [انظر : د. محمد الطيب النجار (المتوفى: 1411هـ)؛ القول المبين في سيرة سيد المرسلين]
__________
2 في مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب ذكر جماعة منهم معاذ بن عفراء، وأسد بن زرارة، ورافع بن مالك، وذكوان، وعبادة بن الصامت، وأبوعبدالرحمن بن ثعلبة وأبو الهيثم بن التيهان، وعويم بن ساعدة.
أسند ذلك البيهقي في "الدلائل" [2 /431-432] عنه ثم قال: وذكر ابن إسحاق ذلك عن شيوخه أتم مما رواه موسى عن ابن شهاب، وزعم أنه لقي نفرًا منهم أسعد بن = (1 /162)
[د. محمد الطيب النجار (المتوفى:1411هـ)؛ القول المبين في سيرة سيد المرسلين] ثم عاد هؤلاء الستة إلى المدينة -يثرب- وذكروا لقومهم أمر ملاقاتهم لمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وعرضه عليهم الإسلام، فصدقوا به وآمنوا برسالته، فسارع بعضهم إلى الدخول في هذا الدين قبل اليهود، ولم تبق دار من دورهم إلا وفيها ذكر محمد عليه الصلاة والسلام.

وفي تلك الأثناء كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة ينتظر أخبار هؤلاء الستة الذين وعدوه المجيء في الموسم القادم، ليرى أثر دعوتهم في المدينة.[.(26).] .
-*-*-
ثم
ابدءُ بحسن توفيقه وجميل عونه الحديث عن بيعتي العقبة؛
و
أذكر البيعة الأولىٰ ؛
و
يقدر الباحثون أن هذا اللقاء الأول قد تمَّ سنة 620 من الميلاد العجيب..
[.(27).].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
‏الأحد‏، 20‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~ ‏23‏ يناير‏، 2022م
-*-*
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 24 / 01 / 2022, 13 : 05 PM   المشاركة رقم: 414
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,359 [+]
بمعدل : 0.53 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 221
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
(١٠٨ ): [ الطريق إلىٰ البيعة ] .
(مدخل):
ليس المقصود مِن مدخل :«الطريق إلىٰ البيعة»؛ سرد أحداث سيرته العطرة -على ٰصاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام- بكاملها مرة ثانية؛ سواء منذ مولده المبارك وما رافق المولد الشريف مِن إرهاصات ومقدمات نبوة؛ أو مِن عرض مواقف مُنذ لحظة بزوغ شمس البعثة المحمدية وإلىٰ قرب لقاءه بوفد يثرب.. بقدر مقصودي مِن هذا المدخل وضع لبناتٍ فكرية أساسية لــ بناء ذهني متصور للعيان وليس خيالي عن أحداثٍ ترتبَ عليها إنتقال الدعوة مِن طور العرض {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحِجر:94] والمناظرة : {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين} [الشعراء:214] مع أمره سبحانه له : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} [الشعراء:215] ولن تقف الدعوة عند قوله : {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُون} [الشعراء:216] بل ستنتقل الدعوة إلىٰ طور التطبيق والتنفيذ والمنهج والتشريع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [محمد:33] وحماية لأركان مجتمع جديد أضيف : {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا}[النساء:59] ثم التقيد الكامل بالقيام بأوامره والابتعاد عن نواهيه؛ فنطق القرآن يقول : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْتَسْلِيمًا} [النساء:65] ثم يظهر للجميع بجلاء : {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} ويوضح: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}[المائدة:3]....
فــــــ
يتبين بوضوح كضوء الشمس في رابعة النهار: أن الإسلام ليس دين تعبدي -فقط- كهنوتي بالمفهوم السائد وقتذاك؛ أو اليوم مِن قصور التدين علىٰ محاسن الأخلاق وكفىٰ وعلاقة عبدٍ برب لحظة الحاجة والضيق وحلول المصيبة؛ أو لحظة الممارسة الطقوسية.. وهذه العلاقة تستغرق مِن سبحة النهار دقائق معدودات أو جزء مِن الساعة في يوم مِن الإسبوع.. ثم تنتهي؛ لتبدءالعلاقة التعبدية عند ابتلاءٍ جديد؛ فيتذكر العبد قوة خارقة لا يدركها.. فينادي يا الله(!)؛ أما بقية العلاقات والتي تربطه بالآخر فيسيرها الإنسان كيف شاء؛ وبطريقته الخاصة.
أما نظام الإسلام - وأزيد وليس فقط مصطلح :„دين”-.. فهو -نظام الإسلام- علاقة عبدٍ برب -علاقة مخلوق بخالق-؛ وهذا أولاً؛

و
ثانياً الإسلام هو: علاقة هذا العبد -الإنسان- بنفسه؛
و
ثالثاً: علاقة العبد الإنسان بغيره مِن المخلوقات.. وبهذا يزيد الإسلام عن أنه علاقة طقوس تعبدية بالمفهوم الكهنوتي.. أو ما يمارس اليوم في المعابد وبيوت العبادة.
قلتُ(الرَّمَادِيُ ا لْإِسْكَنْدَرَانِيُّ) سابقاً أن إسلام محمد؛ الرسول النبي -عليه السلام- تميّز عن بقية الأديان -السماوية(!) والوضعية- بأنه يربط الفكرة الإسلامية والتي أوحيت إليه لحظة عرضها -وحياً مِن الخالق بواسطة ملٰك التبليغ أمين السماء جبريل فيبلغها لأمين الأرض والسماء محمد -عليهما السلام- بكيفيتها التطبيقية وطريقتها التنفيذية؛ وهو ما يسمىٰ المنهاج والشريعة؛ لقوله تعالىٰ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة:48] فنص القرآن حين يقول : {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون} [البقرة:3] أو قوله : {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين} [البقرة:43] فلم يبين النص القرآن كيفية إقامتها ولا عدد ركعاتها أو تمام كيفية السجود.. فجاء رسول الهدىٰ بقوله :«صلوا كما رأيتموني اصلي»؛ ولم يقل :"صلوا كما أنا -الرسول محمد- اصلي". إذ بينهما فارق بين رؤيتنا له وإدراكنا إيها وفهمها فقياً وبين حقيقة صلاته.. كما أنه -عليه السلام- أظهر لنا في مسألة الزكاة: متىٰ تخرج -بعد مرور الحول (السنة القمرية)- وقيمتها ونصابها ونوع الزكاة ومستحقيها.. أقصد أزكاة مال أم زروع أو ماشية وتجارة ومصارفها الثمانية.. كما بينتُ سابقاً أن الإسلام ينظم علاقات: العبادة بأنواعها البدنية والمالية؛ والعبادة المجتمع فيها البدن والمال.. والمطاعم والمشروبات حلالها وحرامها؛ والملابس وحد العورة عند الذكر والأنثىٰ؛ وما يجب ستره؛ وعلاقة الإنسان بغيره من بني الإنسان بل بالجماد والحيوان؛ أي بقية المخلوقات كافة؛ كما وينظم شكل المجتمع من الناحية الاجتماعية -الزواج الطلاق الميراث- والناحية الإقتصادية والعقوبات والتعزير والحدود.. فهو -إذاً- طراز خاص مِن العيش وطريقة معينة في الحياة وكيفية بعينها في المعاملات!
فنركز علىٰ الحديث عن ارتباط أهل الأرض برافع السماء دون عمد نراها مِن خلال الوحي علىٰ اعتبار وجود خالق رازق محيي ومميت!؛
ثم ارتباط أهلها بنبي السماء مِن خلال التكاليف علىٰ اعتبار وجود رسول مبلغ؛
وأخيراً ارتباط أهل الأرض بأحكام السماء الشرعية العملية علىٰ اعتبار وجود خليفة؛ فإسلام محمد لم يخترع أو يبدع فكرة الخلافة؛ فقد ذُكرت كمصطلح شرعي منذ عهد آدم؛ أبي البشرية -عليه السلام- :
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة:30].
والواقع العملي والمتتبع لقصص الأنبياء وأحوال الرسل يثبت وجود ذلك {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى}[ص:26]{إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء} [الأعراف:69] { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون}[النمل:62] .



فالـــ
مدخلُ لمسألةِ البيعةِ مبنيٌ علىٰ:
«„ ١ ”» قاعدة وحي السماء -أوامر ونواه ومباحات-؛ لتنظيم علاقات الإنسان الثلاث -وهي مع ربه.. ثم مع نفسه.. فمع غيره- ويتم تبليغ الوحي عن طريق رسول نبي مِن البشر؛
فــ يبنىٰ عليها:
«„ ٢ ”» قبول الناس لما يوحىٰ وبالتالي حمله وتبليغه.. أو في المقابل : معارضته وبالتالي محاربته ومحاولة القضاء عليه؛
«„ ٣ ”» الفئة التي قبلت أحكام الوحي -تشريعاً ومنهاجاً؛ بمعنى آخر الفكرة الإسلامية وطريقتها في التنفيذ وكيفيتها في التطبيق- فــ فهمته فعقلته فأدركته واستوعبته.. ستتمكن مِن تنفيذه وتطبيقه وتبيانه.
.. لذا فسأسعىٰ إلىٰ عرض مقدمات تمهيدية لبلوغ الدعوة إلى مفصل «طلب النصرة والمنعة» مِن أهلها خلال أحداث العهد المكي.. مع إثبات أن النصر حُصرَ عند الله -تعالىٰ- ؛ لقوله
:{وَمَاالنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم} [آل عمران:126] مع توفر شرط : {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم} [محمد:7] بيد أنه لابد مِن الأخذ بالأسباب؛ لنص قوله -عليه السلام-:«أعقلها وتوكل»؛ وهذا ما فعله النبي الرسول مِن خروجه أولاً إلىٰ الطائف..
راجع؛ أيها القارئـ(ــة)الكريمـ(ــة):

﴿« „ ٩٧‟ »

الــمَسِيرُ إِلَىٰ الطَّائِفُ
-*
:"[ ٥ ] الْبَابُ الْخَامِسُ:".

https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=119091&page=40

و :[١٠١]" النُّصْرَةُ:" عَرْضُ نَفْسِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْقَبَائِلِ" .. عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: « „ هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي ” »
-**-
الطريق المؤدي إلىٰ بيعة رسول الإسلام؛ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين-صلى الله عليه وآله وسلم-؛ البيعة له مِن وفد يثرب سواء البيعة الأولىٰ.. والتي سميت بيعة النساء(*)؛ أو البيعة الثانية(**)..
.. هذا الطريق للوصول إلىٰ البيعة استغرق مِن عُمر النبوة ومِن زمن الرسالة ما يقرب مِن 13 ثلاثة عشرة عاماً.. ويصلح ويصح قبل الحديث عن بيعتي العقبة؛ ومِن ثم إنتقال النبي الأكرم ويرافقه -إثناء هجرته- صديق هذه الأمة- رضي الله تعالىٰ عنه- مِن مكةَ: مبدء الوحي ونقطة انطلاق بداية الدعوة الخاتمة لرسالة السماءإلىٰ يثرب -مدينته المنورة- نقطة التمركز وتشيد الكيان التنفيذي الأول لما جاء به -عليه السلام- للناس وحياً مِن ربه بشقيه القرآن الكريم والسنة النبوية العطرة؛ يصح قبل الحديث عن هذه النقلة.. والتي قلبت كل ما هو موجود علىٰ الأرض رأساً علىٰ عقب.. من حيث العلاقة التعبدية بين العبد وبين الرب أو علاقات الإنسان بأخيه الإنسان.. إذ أوجدت قوة جديدة في كل شيئ وفاعلة مؤثرة فيما حولها بما تحمل مِن مبادئ ومفاهيم إنسانية غير معهودة؛ ومقاييس بشرية غير معترف بها؛ وقيم وحقوق آدمية ومواثيق وعهود بين الناس؛ وقناعات مبلورة عن أفكار حياتية وايضاً آخروية.. هذه القوة الفاعلة المؤثرة الجديدة غيّرت موازين القوىٰ العالمية الموجودة آنذاك؛ ووضعت قدماً راسخاً بين أعظم وأكبر إمبراطوريات ذاك الزمان؛ فتحسّب لها الفرس والروم والصين والهند.. ومن غاب في ذاكرة التاريخ.. ويُعمل منذ أكثر مِن مائة عام علىٰ عدم إعادتها للحياة!..ويكتفي البعض باطروحات نظرية كــ مَن تقوَّل : „الإسلام هو الحل”؛ فلما حَلَّ علىٰ مقعد التطبيق لم يتمكن مِن فعل شئ.. أو الصورة النمطية المتبقية في أذهان مَن غفل عن حقيقة الإسلام في نص قوله تعالىٰ واصفاً نبيه -عليه السلام- :{وما أرسلناك إلارحمة للعالمين}؛ والعالمون جمع عالَم؛ أي بــ بعثته صار رحمة لجميع الكائنات والموجودات.. فيتكلمون بجهل عن نشر الإسلام بحمل السيف مع فساد هذه المقولة.. أو أمثال مَن جعل الطائرات المدنية لنقل الركاب قنبلة موقوتة إنتحارية؛ ومَن تولد مِن تلك الفرق! فيفعلون ذلك حين أصابهم اليأس وتملكهم الجهل!
.. هذا الوجود الجديد يصلح ويصح أن أتحدث عن كيفية الطريق المؤدي إلىٰ العهد المدني!.. فهذا الكيان التنفيذي الأول لم يولد كــ ثمرةٍ حين نَضَجَت علىٰ شجرتها سقطت في أيدٍ تلقفتها؛ أو كــ جنينٍ علمت أمه بحملها به فخرج من رحمها للساعة والتو؛ كما وأن الحديث عن هذا الكيان التنفيذي الأول ليس تاريخاً يسرد بل وقائع حياتية نحتاجها كأحكام شرعية عملية تطبيقية ليومنا هذا للخروج من هذا التيه؛ والصعود مِن بئر هذا المأزق الذي غرست فيه العقول قبل الأقدام!.
-**-
كان بدءُ نزول القرآن مناسبةً عظيمةَ الأهمية في تاريخ الإنسانية عمومًا، فهو ابتداءٌ لتلقي الإنسان آخِرَ وحي ينزل مِن السماء لهداية أهل الأرض جميعاً. وكان هذا البدءُ إشارةً إلىٰ أن الإنسانية ستظل تستمع إلىٰ هذا الوحي ما دامت الحياة قائمة؛ لأن الله
-تعالىٰ-لن يُنزل بعد القرآن وحيًّا، كما أنه لن يرسل بعد الرسولمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبيًّا.
لهذا كله اهتم الصحابة ومَن بعدهم مِن علماء المسلمين بتحديد موعد بدء نزول القرآن وما نزل فيه من الآيات، باعتبارها اللحظة الأولىٰ في شروق شمسهم علىٰ العالم، ولحظةَ البدء في ولادة أمة الإسلام ذات الوجود الأصيل في هذا العالم.[(1)]
ولعلي أجدُ في رواية جابر بن عبدالله- رضي الله تعالىٰ عنه- سنداً اتمثل به في هذا المقال؛ إذ أن - الحديثُ الذي يَحكي فيه جابرُ بنُ عبدِاللهِ -رضِيَ اللهُ عنهما- قِصَّةَ الدَّعوةَ مِن بِدايتِها في مكَّةَ حتىٰ الهِجرةِ إلىٰ المدينةِ؛[(2)] - يصح اعتماده ضوءَ إرشاد لما سأقوله.. بيد إني سأذكر محطات رئيسة كبرىٰ في سير الدعوة؛ وليس سردا تفصيلاً :
:«١ »: في اللحظةِ الأولىٰ والتي كُلف فيها محمد بن عبدالله بحمل الرسالة ومِن ثم تبليغها؛ جاء وحي السماء يبلغه كما جاء في رواية عائشة أم المؤمنين-رضي الله تعالى عنها- حَتَّىٰ فَجَأَهُ الْحَقُّ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ :„يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ”»؛ ومن بعد : «ثُمَّ أَتَانِي فَقَالَ :„يَامُحَمَّدُ،أَنَاجِبْرِيلُ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّه ”» . [(3)]
قال ابن شهاب الزهري: سمعت أباسلمة بن عبدالرحمن قال: أخبرني جابر بن عبدالله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي : « فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً فرفعتُ بصري قِبَل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء علىٰ كرسي بين السماء والأرض..فجئتُ حتىٰ هويتُ إلىٰ الأرض. فجئتُ أهلي فقلت : „زملوني.. زملوني.. فزملوني”»؛ فأنزل اللهتعالىٰ : {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ [***]}؛ إلىٰ قوله : { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْفهذا يبين أن : «المدثر» نزلت بعد تلك الفترة وأن ذلك كان بعد أنْ عاين الملك الذي جاءه بحراء أولاً. فكان قد رأى الملك مرتين ».
.. وهذه مقدمة ضرورية ليعلم محمد الإنسان أنه صار نبياً وأصبح رسولاً وأن محدثه -جبريل؛ ملٰك أمين السماء علىٰ وحي ربه- جاءه في المرة الأولىٰ وهو -عليه السلام- يتحنث في غار حراء في شهر رمضان؛حين بلغ الأربعين مِن عمره المجيد :«ثُمَّ قَالَ : „اقْرَأْ”؛ قُلْتُ :„مَا أَقْرَأُ ؟”؛ قَالَ : „فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، حَتَّىٰ بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ”؛ ثُمَّ قَالَ : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(4)]فَقَرَأْتُ»؛ وهذا النص عند الطبري[(5)] في تفسيره..
وفي الصحيحيين[(6)] من : حديث الزُهري عن عروة عن عائشة قالت : «حتىٰ جاءه الحق وهو في غار حراء. فجاءه الملٰك فقال :اقرأ”؛ قال :„ما أنا بقارئ”؛(يعني لست أعرف القراءة) قال : فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجَهد ثم أرسلني”؛ فقال :اقرأ”؛ فقلت :ما أنا بقارئ”؛ فأخذني فغطني الثالثة حتىٰ بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال :اقرأ”؛ فقلت :„ما أنا بقارئ”؛ فأخذني فغطني الثالثة حتىٰ بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}..
كتب صاحب التفسير المنير؛ د. الزحيلي يقول :"كان أول ما نزل مِن القرآن الكريم قول الله -تعالىٰ- مِن سورة العلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} {خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ} {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} {عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} [العلق 97/ 1- 5](7)]، وذلك يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، سنة إحدىٰ وأربعين(****)مِن ميلاده صلّى الله عليه وسلّم، في غارحراء، حين بدأ الوحي، بواسطة جبريل الأمين -عليهالسّلام-.[(الزحيلي)].[(8)]
.. يأمره -سبحانه وتعالى-؛ ومَن سيتبعه بأمر وتكليف؛ إذ أن „الدين” في عمومه: تصور لــ آِلهٍ.. يعتقد فيه ويؤمن به وإنه سوف يُعبد.. أما التكليف الأول في إسلام محمد خرج عن المألوف.. فــ „دينٌ سماوي” ينبغي أن يكون الحديث -في بدايته- عن العبودية والآُلهية والوحدانية؛ لكن الاتصال الأول بين جبريل الملٰك أمين السماء علىٰ وحي ربه وبين النبي المكلف -عليهما السلام- جاء بتكليف غير مألوف أو معتاد في ذلك الزمان؛
فــ
التكليف يقول: {اقْرَأْ}[العلق:1][(9)] نزلَ علىٰ قلب رجل أُميلا يحسن القراءة ولا يجيد الكتابة؛ كي لا يتسرب إلىٰ عقل أحد فيقول:" لــتعلمه -في صغره وصباه- وقراءاته -المتعددة- ولثقافته-الواسعة- نقل ما عند الآخرين؛ ونَسَبَهُ إلىٰ نفسه أو إلىٰ الدين الجديد الذي يدعو له".. فأغلق القرآن-كتاب الله -تعالىٰ- والذي نزل علىٰ قلب محمد باعتباره نبياً ورسولاً.. أغلق أمام مَن سيتخرص في أي زمان.. فيقول أنه نقل مِن ثقافات الآخرين أو مِن كتب السابقين أومِن كِتابيّ أهل الكتاب: التوراة والإنجيل.. ولتحقيق هذه الجزئية -وقد ابحثها فيقابل الأيام- كانت إجابة مَن اراد منه القراءة أن رد قائلاً: «ما أنا بقارئ»؛ كما جاء في الصحيحيين .
.. قال العسقلاني في شرحه علىٰ صحيح البخاري :" أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ
:{اقْرَأْبِاسْمِ رَبِّكَ} {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق}[العلق:1] [(10)].
ولي(الرَّمَادِيُ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ) مع أول ما نزل مِن القرآن الكريم تبليغاً وتكليفاً لمتمم المبتعثين وآخر المرسلين وخاتم الأنبياء؛ لي وقفة إذ أن المطلوب شرعاً وتكليفاً قراءة كتابين؛ وليس كتاباً واحداً -كما يظن البعض أو يَفهم-..
الأول منهما : القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين بنص قوله تعالىٰ : {اقْرَأ ْبِاسْمِ رَبِّكَ} فهذا هو الكتاب الأول؛ وهو ما يطلق عليه البسملة مضافاً إليها الإستعاذة -أحكام بداية القراءة والتلاوة-؛ وقد يكون هذا من حيث الخصوص.. ويوجد ما يفيد الزيادة علىٰ مجرد قراءة نص قرآني -آيات المصحف الشريف- سواء للتعبد أو للحفظ؛ وعند الزحيلي في تفسيره المنير : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}؛ {واقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} : إطناب بتكرار الفعل :{اقْرَأْ لمزيد الاهتمام بشأن القراءة والعلم. فيكون هناك كتاب زائد علىٰ الكتاب الأول لينسجم عقد الكلمات القرآنية بأعتبارها تشريعاً وليس كتاب مطالعة؛ أو كراسة إنشاد.. فتجد النص يتكلم عن :{الَّذِي خَلَق}[العلق:1]. ولم يتكلم عن الذي يجب أن يُعبد أو يُسجد له أو يُطاع.. ولكن النص القرآني ينبه عن خالق :{الَّذِي} خلق كل ما عداه مِن موجودات أو بتعبير أدق مخلوقات؛ ثم يأتي بمثال لتلك المخلوقات وعلىٰ رأسها الذي كُلف بقراءة الكتابين فنطق القرآن يقول : {خَلَقَ الإِنسَانَ} ويبين أنه : {مِنْ عَلَق}.. وعليه فكل العلوم المتعلقة بالإنسان مِن تعليم وصحة ودواء وغذاء وكساء وبناء يجب تعلمها في أمة محمد؛ وعليه باعتبار الإنسان مثالاً تأتي بقية الأمثلة مِن المخلوقات؛ فنتعلم علم الأحياء والزراعة وبقية علوم الكائنات!
-*
:" ورد عند القرطبي:"
قوله تعالى : "ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ،كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ، وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ، أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ"
(*) قوله تعالى: " أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً "
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال مرض أبوطالب فجاءت قريش إليه، وجاءالنبي
صلى الله عليه وآله وسلم ، وعند رأس أبي طالب مجلس رَجُل، فقام أبوجهل كي يمنعه ، قال : وشكوه إلى أبي طالب، فقال :„يا ابن أخي ما تريد من قومك ؟”؛ فقال:«„ يا عمِّ إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها الجزية العجم”»؛فقال :„وما هي ؟”؛ قال :«„لا إله إلا الله”»؛ قال : فقالوا :{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً قال : فنزل فيهم القرآن :{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ.بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ حتى بلغ:{إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ [خرجه الترمذي أيضا بمعناه. وقال :هذا حديث حسن صحيح].
(*)
وقيل : لما أسلم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شَقَّ على قريش إسلامه فاجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا :„اقض بيننا وبين ابن أخيك”؛ فأرسل أبوطالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال :„يابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء ، فلا تَمِل كُل المَيْل على قومك”؛قال :«„وماذا يسألونني”»؛ قالوا :„ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك”؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«„أتعطونني كلمة واحدة وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم”»؛ فقال أبوجهل :„لله أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها”؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«„قولوا لا إله إلا الله”»؛ فنفروا من ذلك وقاموا؛ فقالوا :„{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداًفكيف يسع الخلق كلهم إله واحد”؛ فأنزل الله فيهم هذه الآيات إلىٰ قوله :{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} ”.
يتبين مما سبق ذكره أن طريق الدعوة مثمر لمن وفقه الله تعالى للسير على خطى نبيه ويلتزم بهدي رسوله؛ ونقر بما شاهدناه في سابق البحوث من وجود العناء بل وألوان من العذاب {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون}[يوسف:21]

*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(*) بيعة النساء :" بيعة العقبة الأولى مُتَقَدِّمة علىٰ نُزُول الآية، التي نزلتْ - بلا خلاف - بعد فتْح مكة، قال ابن حجر: إنَّ التصريح بأن البيعة الأولىٰ في العقبة هي بيعة النساء، وهمٌ مِن بعضِ الرواة، وذكر عدة أدلَّة تثبت صحَّة قولِه؛ منها:
أنَّ هذه الآية نزلتْ - بلا خلاف - بعد قصة الحديبية، فكيف يقرؤها النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم في تلك البيعة؟!
ما أخرجه الإمام مسلم من طريق الأشعث، عن عبادة في هذا الحديث: "أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخذ علىٰ النساء".
فهذه أدلَّة ظاهِرة في أنَّ هذه البيعة إنَّما صدرتْ بعد نزول الآية؛ بل بعد صُدُور البيعة؛ بل بعد فتح مكة.
والراجح في نصِّ بيعة العقبة الأولىٰ التي بايع عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وفد المدينة، ما رواه البخاري عن عبادة بن الصامت - قال: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وألاَّ ننازع الأمرَ أهلَه، وأن نقوم - أو نقول - بالحق حيث كنا، ولا نخاف في الله لومة لائم".[ انظر: د. هدى بنت دليجان الدليجان؛ تفسير آية بيعة النساء في سورة الممتحنة (1/2)؛ المصدر: مجلة الدرعية، العددان التاسع والثلاثون والأربعون.] .
(**) بيعة الحرب :" قال ابن حَجَر في الرَّدِّ على ابن إسحاق في تسمية بيعة العقبة الثانيةِ بيعةَ الحرب: "والصواب أنَّ بيعة الحرب بعد بيعة العقبة؛ لأنَّ الحرب إنَّما شرعت بعد الهجرة، وهذه البيعة إنَّما كانت على عدم الفرار".
وبيعة الحرب إنَّما كانت في غزوة بدر عندما نزل قوله - تعالى -: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾.
"[ راجع: د. هدى بنت دليجان الدليجان؛ تفسير آية بيعة النساء في سورة الممتحنة (1/2)؛ المصدر: مجلة الدرعية، العددان التاسع والثلاثون والأربعون.] .
(***) :" .. ثم جاء الإنذار الثاني بقوله : {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين} [الشعراء:214]:" وبعد تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه، صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم علىٰ الصفا، فعلا أعلاها حجرًا، ثم هتف‏:‏ ‏(‏يا صباحاه‏)‏
وكانت كلمة إنذار تخبر عن هجوم جيش أو وقوع أمر عظيم‏.‏
ثم جعل ينادي بطون قريش، ويدعوهم قبائل قبائل‏:‏ ‏«‏يا بني فهر، يا بني عدي، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبدمناف، يا بني عبدالمطلب‏»‏‏.‏
فلما سمعوا قالوا‏ :‏من هذا الذي يهتف‏؟‏”؛ قالوا‏:محمد‏”؛‏ فأسرع الناس إليه، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبولهب وقريش‏.‏
فلما اجتمعوا قال‏:‏ «‏أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي بسَفْح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم.. أكنتم مُصَدِّقِيَّ‏؟»‏‏.‏
قالوا‏ :‏نعم،ما جربنا عليك كذبًا، ما جربنا عليك إلا صدقًا‏.‏
قال‏:‏ ‏«‏إنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العَدُوّ فانطلق يَرْبَأ أهله‏»؛‏‏(‏ أي يتطلع وينظر لهم من مكان مرتفع لئلا يدهمهم العدو‏)‏ «‏خشى أن يسبقوه فجعل ينادي‏:‏ „ياصباحاه”‏»؛‏ ثم دعاهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب الله، فخصوعمَّ فقال‏:‏ ‏«‏يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغني عنكم من الله شيئًا‏».‏
«يابني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا‏».‏
«يابني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار»‏ .
«يامعشر بني قصي، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا‏».‏
«يامعشر بني عبدمناف، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغني عنكم من الله شيئًا‏».
«يابني عبدشمس، أنقذوا أنفسكم من النار‏».‏
«يابني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار‏».‏
«يامعشر بني عبدالمطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا، ولا أغني عنكم من الله شيئًا،سلوني من مالي ماشئتم، لا أملك لكم من الله شيئًا‏».‏
«ياعباس بن عبدالمطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا‏».‏
«ياصفية بنت عبدالمطلب عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا‏».‏
«يافاطمة بنت محمد رسول الله، سليني ما شئت من مالي، أنقذِ نفسك من النار، فإني لا أملك لك ضرًا ولا نفعًا، ولاأغني عنك من الله شيئًا‏».‏
.. «غير أن لكم رحمًا سأبُلُّها بِبلاَلها‏»؛‏ أي أصلُها حسب حقها‏.‏
ولما تم هذا الإنذار انفض الناس وتفرقوا، ولا يذكر عنهم أي ردة فعل، سوى أن أبا لهب واجه النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء، وقال‏:‏تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا‏؟‏”؛فنزلت‏:‏ ‏{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}‏ ‏[‏سورةالمسد‏:‏1‏]‏‏.‏
كانت هذه الصيحـة العالية هي غاية البلاغ.
ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}‏‏[‏الحجر‏:‏94‏]‏، فقام رسول اللهصلى الله عليه وسلم يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركين ونواديهم، يتلو عليهم كتاب الله، ويقول لهم ما قالته الرسل لأقوامهم‏:‏ ‏{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏59‏]‏،وبدء يعبد الله تعالى أمامأعينهم، فكان يصلى بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رءوس الأشهاد‏.‏
اضيف ما اراه مفيدا بخصوص هذه المسألة:
رؤساء قريش يفاوضون رسول الله
صلى الله عليه وسلم



مَا دَارَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ، وَتَفْسِيرٌ لِسُورَةِ الْكَهْفِ
المكان: مكة
اجْتَمَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُوسُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالنَّضْرُ ابْن الْحَارِثِ (بْنِ كَلَدَةَ)، أَخُو بَنِي عَبْدِالدَّارِ، وَأَبُوالْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُوجَهْلِ ابْن هِشَامٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّانِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، أَوْ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ. قَالَ: اجْتَمِعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ :„ابْعَثُوا إلَىٰ مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّىٰ تُعْذِرُوا فِيهِ”؛ فَبَعَثُوا إلَيْهِ: إنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَأْتِهِمْ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنْ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِيمَا كَلَّمَهُمْ فِيهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبّ ُرُشْدَهُمْ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ ، حَتَّىٰ جَلَسَ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ:يَا مُحَمَّدُ، إنَّا قَدْ بَعَثْنَا إلَيْكَ لِنُكَلِّمَكَ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مِثْلَ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إلَّا قَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ” -أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ-
«وجاء من طرفهم»: „ فَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ :
«*»: تَطْلُبُ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا :
«*»: تَطْلُبُ بِهِ الشَّرَفَ فِينَا، فَنَحْنُ نُسَوِّدُكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ :
«*»: تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ :
«*»:
هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ- وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنْ الْجِنِّ رِئْيًا- فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا لَكَ أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعْذِرَ فِيكَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-« مَابِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ:
«*»: اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولًا،
«*»: وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا،
«*»: وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْر ِاللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، أَوْ كَمَا قَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فانتقلوا إلى نقطة أخرىٰ، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يسير عنهم الجبال، ويبسط لهم البلاد، ويفجر فيها الأنهار، ويحيى لهم الموتىٰ ـ ولا سيما قصي بن كلاب ـ فإن صدقوه يؤمنون به‏.‏
قَالُوا :„يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا شَيْئًا مِمَّا عَرَضْنَاهُ عَلَيْكَ فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَضْيَقَ بَلَدًا، وَلَا أَقَلَّ مَاءً، وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ، فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، وَلْيَبْسُطْ لَنَا بِلَادَنَا، وَلْيُفَجِّرْ لَنَا فِيهَا أَنَهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يُبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخَ صِدْقٍ، فَنَسْأَلَهُمْ عَمَّا تَقُولُ: أَحَقُّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ، فَإِنْ صَدَّقُوكَ وَصَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ صَدَّقْنَاكَ، وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ مِنْ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ رَسُولًا كَمَا تَقُولُ.
فَقَالَ لَهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ :«مَا بِهَذَا بُعِثْتُ إلَيْكُمْ، إنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ اللَّهِ بِمَا بَعَثَ نِيبِهِ، وَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ إلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا:فَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ هَذَا لَنَا، فَخُذْ لِنَفْسِكَ، سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ مَعَكَ مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ وَسَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَكَ جَنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ يُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ كَمَا نَقُومُ، وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُهُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَكَ وَمَنْزِلَتَكَ مِنْ رَبِّكَ إنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ”؛
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنَا بِفَاعِلِ، وَمَا أَنَا بِاَلَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْتُ إلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ»؛
فانتقلوا إلى نقطة رابعة، وطلبوا منه العذاب‏:‏
قَالُوا:فَأَسْقِطْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا كِسَفًا كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَا نُؤْمِنُ لَكَ إلَّا أَنْ تَفْعَلَ”؛
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَلِكَ إلَىٰ اللَّهِ، إنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكُمْ فَعَلَ»؛
قَالُوا:يَا مُحَمَّدُ، أَفَمَا عَلِمَ رَبُّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ وَنَسْأَلُكَ عَمَّا سَأَلْنَاكَ عَنْهُ، وَنَطْلُبُ مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمَ إلَيْكَ فَيُعَلِّمَكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ، وَيُخْبِرُكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا، إذْ لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتنَا بِهِ! إنَّهُ قَدْ بَلَغْنَا أَنَّكَ إنَّمَاي ُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ: الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، فَقَدْ أَعْذَرْنَا إلَيْكَ يَامُحَمَّدُ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا بَلَغْتَ منّا حَتَّى نملكك، أَوْ تُهْلِكَنَا”.
وَقَالَ قَائِلُهُمْ:نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهِيَ بَنَاتُ اللَّهِ”؛ وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَنْنُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَأْتِيَنَا باللَّه وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا”. أو كما قال‏.
فنطق القرآن يقول: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا}[الإسراء:90] {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا}[الإسراء:91] {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلا}[الإسراء:92] {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَ انَرَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولا}[الإسراء:93] .
(****)عند العمري:" بعث رسول الله وعمره أربعون سنة (1). وقد شذت رواية تفيد أن عمره ثلاث وأربعون (2). وقد سعى البيهقي للتوفيق بين القولين بالاعتماد على مرسل الشعبي: "نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته اسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل القرآن على لسانه عشرين [سنة] " (3). ولكن هذا المرسل لا يصح للاحتجاج به لإرساله، وتفرده، ومثل هذا الخبر لابد أن يشتهر ويعرف في جيل الصحابة، ثم إن مفاجأة الوحي للنبي تدل على خلافه، مما يؤيد رواية الصحيحين بأن البعثة المحمدية بدأت وعمره أربعون سنة. ".
[ السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيْحَةُ؛ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيْقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثيْنَ فِيْ نَقْدِ روَايَاتِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ؛ الدكتور أكرم ضياء العمري؛ الجزْء الأَوَّل؛ النَاشِر" مَكتَبة العُلوم وَالحِكْمَ؛ المدَينَة المُنَوَّرة ؛ ج: (1) ؛ ص: ( 124).]
قلت وعلىٰ هذا نجد ثلاثة اقوال تتحدث عن عمره وقت نزول الرسالة وزمن التبليغ :
1.] عمره أربعون سنة؛
2.] عمره واحد وأربعون سنة؛
3.] عمره ثلاث وأربعون سنة. وسيأتي -إن شاءالله تعالىٰ وبعونه وكرمه- في نهاية البحوث مسألة المراجعة!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
الإصدار الأول مِن منشورات «ملتقى أهل العلم»
من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم
بحوث:ما قبل الهجرة النبوية الشريفة؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل التبريكات وعظيم التنعيمات؛
مسألة:الأنصار
(٩) [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ ]

بحوث :البيعة :
[ ١٠٨ ] :[ الطريق إلىٰ :«البيعة»]
‏الإثنين‏، 21‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~ ‏24‏ يناير‏، 2022 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 27 / 01 / 2022, 24 : 02 PM   المشاركة رقم: 415
المعلومات
الكاتب:
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى
الرتبة


البيانات
التسجيل: 24 / 01 / 2021
العضوية: 54684
العمر: 38
المشاركات: 23 [+]
بمعدل : 0.02 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 50
نقاط التقييم: 12
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي is on a distinguished road
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 54684
عدد المشاركات : 23
بمعدل : 0.02 يوميا
عدد المواضيع : 0
عدد الردود : 23
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
( ١٠٩ ) ذكرُ العقبةِ الأولىٰ:
تمهِيدٌ:
.. ما زلنا ندرسُ بحوثَ العَهدِ المكي؛ وهو العَهدُ الأول مِنْ عَهدي الدعوة الإسلامية في زمن النبوة الخالد.. وهو -العهد المكي- الأساس المتين الذي سيبنىٰ عليه العهد الثاني -العهد المدني-.. وقد وصلنا إلىٰ أحداث ما قُبَيل البيعتين - حين لَقِيَّ وفد حجيج يثرب ( أنصار المصطفىٰ )
النبيَّ الأكرم- وشارفنا علىٰ ما سيحدث قَبْل الهجرة النبوية الشريفة مِن مَكةَ المكرمة - مسقط رأس نبي الهدىٰ والرحمة؛ ومبدء الرسالة الخاتمة - إلىٰ المدينة المنورة - أول كيان تنفيذي لمبادئ الإسلام الحنيف؛ وأول كيان تطبيقي لمجموعة المفاهيم والقيم وكتلة المقاييس وحزمة القناعات الإسلامية والتي جاءت عن طريق الوحي بواسطة أمين السماء جبريل نزل بها علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله -عليهما السلام- -.
و
[ * . ] عهدا الدعوة الإسلامية ومراحلهما:
يَصلح أن أقسم الرسالة الإسلاميّة الخاتمة في زمن النبوة؛ والدعوة المحمديّة والبعثة المصطفويّة -علىٰ صاحبها الصلاة والسلام والتحية- إلىٰ عهدين يمتاز أحدهما عن الآخر تمام الامتياز ويتغايران بالكلية.. وهما:
[ ١ . ] العهد المكي، ثلاث عشرة سنة تقريباً.
[ ٢ . ] العهد المدني، عشر سنوات كاملة.
مِن ثم يشتمل كل العهدين علىٰ مراحل ونقاط إلتقاء ومفاصل ربط؛ ولكل منها خصائص ومميزات تمتاز بها عن غيرها، ويظهر ذلك جلياً بعد النظر الدقيق في الظروف التي مرت بها الدعوة خلال العهدين.
ويمكن تقسيم العهد المكي إلىٰ ثلاث مراحل:

[ ١ . ] مرحلة سرية التكتل؛ وعلنية الدعوة، ثلاث سنين.
[ ٢ . ] مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة، مِن بداية السنة الرابعة مِن النبوة إلىٰ أواخر السنة العاشرة.
[ ٣ . ] مرحلة الدعوة خارج مكة، وفشوها فيهم، مِن أواخر السنة العاشرة مِن النبوة إلىٰ هجرته
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المباركة إلىٰ المدينة.
أما مراحل العهد المدني ومفاصل ربطه بعضه ببعض فسيجئ
-بإذنه عز وجل- تفصيلها في موضعه -إن شاء الله تعالى؛ وبحسن توفيقه ورعايته-.[(1)]
وعند الحديث عن البيعتين نستأنسُ -أساساً- بحديثٍ رواه الصحابي الجليل الأنصاري (جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ) يشرح لنا فيه مفاصل مرحلة مِنْ أهم مراحل العهد المكي ثم مِنْ بعد هذه المرحلة ستأتي الهجرة الشريفة إلىٰ يثرب = مدينته المنورة والتي طيب الله تعالىٰ ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه الصديق والفاروق -رضوان الله تعالىٰ عليهما وعلىٰ الآل وبقية الأصحاب- وسأستعين بعد الله- تبارك وتعالى - بدواوين السيرة والتي تقبلتها الأمة بالاستحسان والقبول؛ وسأسعىٰ بعون مِن الله -عزَّوجلَّ- وكرم وفضل ومنّةٍ في تفصيلها إلىٰ مفاصل مترابطة ومتتالية.
فقد خرَّج ابن حبان في صحيحه أنَّ النبي الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :
و

أُقَسِمُ حديثَ جابرٍ إلىٰ فقرات ليسهل فهم الحدث:
« ١ » مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ سَبْعَ (1) سِنِينَ يتتبَّع النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ؛ و يوافي كل موسم سوق[(2)]بعُكاظ ومُجَنَّةَ وسوق ذي المجاز.. وَالْمَوَاسِمِ بِمِنًى.. و.. يتبع القبائل في رحالها؛ ويغشاها في أنديتها.. يدعوهم إلىٰ أن :
« أ » يمنعوه
لــ
« ب» يبلغ رسالة ربه
فلا يجد أحدا
« ج » ينصره
[(3)]..
فكان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ، كُلَّمَا اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ بِالْمَوْسِمِ أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَىٰ الإِسْلامِ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ مِنَ الْهُدَىٰ وَالرَّحْمَةِ، لا يَسْمَعُ بِقَادِمٍ يَقْدَمُ مِنَ الْعَرَبِ، لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ إِلا تَصَدَّىٰ لَهُ فَدَعَاهُ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا عِنْدَهُ[(4)].
-*-
قلتُ(الرَّمَادِيُّ) :"وهذه السنَّةُ النبويَّة العطرة الطيبة غابت تماماً عن حملة الدعوة.. سواء في بلاد يسكنها أهل الإسلام حين يأتي مَن هُم مِن أهل الغرب لزيارتهم؛ وأشدُ منها مَن يسكن مِن المسلمين في بلاد الغرب بل يستوطنها بل ويحمل جنسيتها.. وهي من السنن النبوية الغائبة!".
-*-
ويكمل الصحابي الجليل جابر القول:
فــ

يَقُولُ -صَلَّى ٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :
« ١. ١ .» :« مَنْ يُؤْوِيني »
و
« ١. ٢ .» :« يَنْصُرُني »
و
﴿ الغرض والهدف مِن هذا الإيواء وتلك النصرة
« ١ . ٣ » :« حَتَّىٰ أُبَلِّغَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رِسَالَاتِ رَبِّي؟ »
وهنا تأتي إضافة بعد ما يَقُولُ : » مَنْ يُؤْوِينِي، وَيَنْصُرُنِي حَتَّىٰ أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي«..

إذ يَقُولُ : » وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ « .. فَلَا يَجِدُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا يَنْصُرُهُ وَلَا يُؤْوِيهِ.
ثم يبين لنا الصحابي جابر بن عبدالله ردود افعال الناس تجاه دعوة النبي فيقول :
« ٢ » حَتَّىٰ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ (لَيَرْحَلُ) مِنَ الْيَمَنِ أَوْ مِنْ مِصْرَ (إِلَىٰ ذِي رَحِمِهِ) فَيَأْتِيهُ قَوْمُهُ.. فيأتي منهم التنبيه إذ يَقُولُونَ:
« ٢ . ١ . » : احْذَرْ غُلامَ قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنْكَ
[(5)].؛
ومن ردود افعالهم:
وَيَمْشِي بَيْنَ رِحَالِهِمْ (يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ)
« ٣ . » وَهُمْ يُشيرون إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ؛
ثم تأتي اللحظة الفاصلة؛ إذ يقول الصحابي جابر :
« ٤ » حَتَّىٰ بَعَثَنَا اللَّهُ مِنْ يَثْرِبَ
[(6)].:
-*-
وهنا نبحث آحدىٰ أحداث سنة آحدىٰ عشرة من البعثة؛ بل أهمها علىٰ الإطلاق دون تقليل قيمة وشأن الأحداث الآخرىٰ
جاء في البدء والتاريخ للمقدسي:" حتىٰ كانت سنة إحدىٰ عشرة
من النبوة لقي ستة نفر من الأوس(**) عند العقبة فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىٰ الإسلام وعرض عليهم أن يمنعوه فعرفوه
و
قالوا:" هذا النبي الذي يوعدنا يهودنا به.. وهموا يقتلوننا قتل عاد وإرم"..
فــ
أمنوا به وصدقوه وهم:
- أسعد بن زرارة و
- قطبة بن عامر بن حديدة و
- معاذ بن عفراء و
- جابر بن عبدالله بن رئاب و
- عوف بن عفراء و
- عقبة بن عامر و
أول من أسلم فيهم :
- أسعد بن زرارة و
- قطبة بن عامر
و
كان يقول في الجاهلية :" لا إله إلا الله .."..
و
يقال بل أول من أسلم :
- أبوالهيثم بن التيهان .. و
كان لا يقرب في الجاهلية الأوثان.. فــ
انصرفوا إلىٰ المدينة وذكروا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم ناس وفشا فيهم الإسلام" [(7)].
-*-*-*-*--/-*/-*/-*/-*/-*/
[الرجاء:
مراجعة ترقيم ملتقى أهل العلم: [١٠٤ ] الْأَنْصَار
؛ المشاركة رقم [٤٠٤]
https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=119091&page=41
: [١٠٤] تحت عنوان: [ الْأَنْصَار]

-*/-*/-*/-*/-*/-*/-*/-*/-*/
ذكر العقبة الأولىٰ] :
ومن الحوادث في هذه السنة [إحدىٰ عشرة من النبوة ] :
خروج رسول الله
صلى الله عليه وسلم عامئذ إلى الموسم وقد قدم وفد من [أرض] الأنصار اثني عشر « ١٢ .» : رجلا ، فلقوه بالعقبة، وهم:
« ١. » :«أسعد بن زرارة»،

و
« ٢. و ٣ .» :«عوف ومعوذ [في ابن هشام: « معاذ »] ابنا الحارث بن رفاعة،

و
« ٤.» :«رافع بن مالك بن العجلان»،

و
« ٥. » :«ذكوان [قال ابن هشام:«ذكوان مهاجري أنصاري»] بن عبدقيس بن خلدة»،

و
« ٦.» :«عبادة بن الصامت»،

و
« ٧.» :«يزيد بن ثعلبة بن خزْمة»،

و
« ٨. » :«عباس بن عبادة بن نضلة»،

و
« ٩ .» :«قطبة بن عامر بن حديدة»،

و
« ١٠ .» :«أبوالهيثم بن التيهان» واسمه: مالك،

و
« ١١ .» :«عويم بن ساعدة».
و

«١٢ .» :«جابر بن عبدالله بن رئاب».
فبايعهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
فروى عبادة بن الصامت [كما ورد الخبر في:
- سيرة ابن هشام : ج: (1)؛ ص: (433)،
و
تاريخ الطبري : ج: (2)؛ ص: (356)،
و
دلائل النبوة : ج: (2)؛ ص: (436)،
و
ابن سعد : ج: (1)؛ ص: (220)]
قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولىٰ ونحن اثنا عشر رجلا أنا أحدهم، فبايعناه علىٰ بيعة النساء(!)، علىٰ أن :
« ١.» :«لا نشرك باللَّه شيئا»،
و
« ٢.» :«لا نسرق»،

و
« ٣.» :«لا نزني».

و
« ٤. » :«لا نقتل أولادنا»،

و
« ٥. » :«لا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا»،

و
« ٦.» :«لا نعصيه في معروف»-
وذلك قبل أن تفرض الحرب.
قال::«فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة، وإن غشيتم شيئا فأمركم إلى الله، إن شاء غفر، وإن شاء عذب[(8)].».
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
(1) وتأتي رواية توضح عدد السنين؛ بل تصححها فقد :
" (أ) أَخْبَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مَوْلَى ثَقِيفٍ، حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، حَدَّثَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتَتَبَّعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْمَوْسِمِ ".
(ب) جاءت الرواية :"
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتَتَبَّعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْمَوْسِمِ وَمَجَنَّةَ وَعُكَاظٍ، وَفِي مَنَازِلِهِمْ بِمِنًى " .
وعليه نعتمد هذه الرواية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
(٩) [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ]
[ ١٠٩ ]: البيعتان
«الْفَصْلُالْأَوَّلُ »: (العقبة الأولىٰ)
‏الخميس‏، 24‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~ ‏27‏ يناير‏، 2022م
-*-*
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيّ ُمِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-









عرض البوم صور الدكتور محمد فخرالدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 27 / 01 / 2022, 05 : 06 PM   المشاركة رقم: 416
المعلومات
الكاتب:
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى
الرتبة


البيانات
التسجيل: 24 / 01 / 2021
العضوية: 54684
العمر: 38
المشاركات: 23 [+]
بمعدل : 0.02 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 50
نقاط التقييم: 12
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي is on a distinguished road
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 54684
عدد المشاركات : 23
بمعدل : 0.02 يوميا
عدد المواضيع : 0
عدد الردود : 23
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
( ١١٠) قَارِئُ الْمَدِينَةِ
التَّمْهِيدُ لمسألة مُقْرىء المدينة:

مِن الشخصيات المحورية في السيرة النبوية المحمدية العطرة؛ وشخصية ذات أهمية قصوىٰ في سير الأحداث وتسلسل المواقف زمن النبوة الخالد؛ نحتاجها نحن اليوم لــ دراستها كي نعيد التقييد بالهدي النبوي؛ والتمسك به وتفعيله في الحياة اليومية؛ وتلك الشخصية والتي لعبت دوراً أساسياً جوهرياً في سير الدعوة؛ خاصةً إثناء مفصل الربط والإنتقال ما بين العهد المكي والعهد المدني في يثرب -مدينة المصطفى- وقبل خروج النبي الرسول-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مهاجراً مِن مكة المكرمة -مسقط رأسه الشريف؛ وبدء نزول الرسالة الخاتمة - إلىٰ مدينته المنورة -والتي طيب الله تعالى هواءها بقدومه إليها ثم طيَّب ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه-؛ وما قامت به تلك الشخصية بتهيئة الأجواء وإزالة العقبات من طريق الدعوة قُبيل قدوم نبي آخر الزمان..
.. تلك الشخصية هي -بلا شك- شخصية الصحابي الجليل -رضي الله تعالىٰ عنه- :
" مُصْعَبُ بْنَ عُمَيْرٍ "
وهو : شاب مـتألق؛ أشد التألق، وكان مضربَ المثلِ في تربيته ورعايته من قِبل والديه ووجاهته وحسن هندامه وتعطره ورفاهيته بين شباب قريش"[(1)]
ونحتاج لدراسة شخصيته دراسة عملية تطبيقية؛ بعد أن صارت الكثير من قضايا الإسلام تطرح علىٰ مسامع الشباب والشبيبة بصورة مملة تقليدية خالية من المضمون.. وتلقى على أذان الكبار والعجزة مكررة معادة لا تحرك ساكناً..
فــ حين أقوم(كاتب هذه السطور) بربط الأحداث بين السابق الشامخ من سيرته العطرة وسيرة صحابته العظام وافعالهم وتصرفاتهم وبين الحاضر الحالي المخزي؛ فأنت ترىٰ المسلم الذي يعيش في بلاد الغرب؛ خاصةً -سواء طالب علم من جامعات أورُبا.. أو باحث عن عمل؛ أو لاجئ أو مَنْ يعلو منبر مصلىٰ أو من يتولىٰ إدارة صفحة إلكترونية ينشر من خلالها ما يرضي رغبة جمهور متابعيها علىٰ الشبكة العنكبوتية -الإنترنت- دون فائدة علمية.. أو مسؤول أمام حكومات الغرب يقوم برعاية شؤون مَن يتولىٰ أمرهم؛ أو ممثل بعثة دبلوماسية لــ حكومة دولته-.. هؤلاء جميعاً.. لم يتمثل أحد منهم -إلا مَن رحم ربي؛ وهم قلة- شخصية هذا الشاب -رضي الله عنه- كقدوة بعد الإسوة الحسنة والقدوة الطيبة لـ رسول الإسلام -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في حمل الدعوة لــ سكان القارة الأورُبية أو الأمريكيتين أو أستراليا؛ أو في كيفية عرض أفكار وقيّم الإسلام ومفاهيمه وقناعاته ومقاييسه بإسلوب يتناسب مع مَن يخاطبهم بلغتهم الأم.. إلا في حالات نادرة كندرة الكبريت الأحمر؛ صحيح يوجد ما يزيد عن خمس ترجمات لمعاني القرآن العظيم باللغة الألمانية؛ ولكنها عسيرة الفهم لناطقي اللغة نفسها؛ وتحتاج لمن يشرح جمل الترجمة ويوضحها..
وقد تحول التواجد في الغرب إما إلىٰ :
- محاولة إندماج من طرف واحد داخل المجتمع
أو
- صراع لفظي
أو
- عراك مادي؛ وهذا الصراع أو العراك يعود لغياب المؤسسات الرسمية -داخل أو خارج دول الغرب- أو التجمعات الأهلية -في الغرب- العربية منها أو مَن تتجمع تحت مسمىٰ إسلامي..
أقول (الرَّمَادِيُ): غاب عن الجميع أو يكاد عرض الإسلام بشكل ملفت للنظر في حمل الدعوة وتبيان أحكامه العقائدية والعملية الحياتية؛ خاصةً المتعلقة بالناحية الإجتماعية -علاقة الرجل بالمرأة؛ وما يترتب عليها- أو تبيان علاقة المسلم بغير المسلم [الكافر بعقيدة التوحيد.. والكافر بنبوة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين] في مجتمع غير إسلامي تعلوه مسحة دينية كهنوتية..
والملاحظ أنه يمكن القول -على أفضل تقدير- أنه يتم تبيان الإسلام بشكل غير مدروس أو ممنهج وفق معايير الإسلام وقيمه؛ والمفارقة أن مَن أسلم من أهل الغرب كان نتيجة إطلاعاته على أساس الإسلام- القرآن الكريم وسنة النبي- وليس بناء على سلوكيات المسلمين؛ إلا في حالات الزواج المختلط(!)؛ فتؤمن الزوجة[النصرانية أو اليهودية] بإسلام زوجها نتيجة معاشرته بالمعروف معها؛ بناءً على الآية الكريمة والتي تقول :
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا :«„ لِّتَسْكُنُوا ”»؛ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم :«„ مَّوَدَّةً ”»؛ وَ :«„ رَحْمَةً ”»؛ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون } [الروم:21] وهي حالات أيضا نادرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَدْخَلٌ:


ومما يدعوني الى الكتابة عن أحد صحابة النبي الكرام؛ قول النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إنَّ اللهَ اختار أصحابي على العالمينَ؛ سِوَى النبيِّين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعةً - يعني - : أبابكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليًّا ،رحمَهُم اللهُ؛ فجعلهم أصحابي. وقال في أصحابي : كلُّهم خيرٌ. واختار أمتي على الأممِ، واختار [من] أمتي أربعةَ قرونٍ: القرنُ الأولُ، والثاني، والثالثُ، والرابعُ »(*) .
وبناءً على ما قاله نَّبيِّ الهدى -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: « لا تسبوا أصحابي .. فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » .
ولأن حبهم وتوقيرهم:" من أجل فضائلهم ومناقبهم.. لأن محبة الصحابة لكونهم صحبوا رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ونصروه وآمنوا به وعزروه و واسوه بالأنفس والأموال.. فمن أحبهم فإنما أحب النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فحب أصحاب النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ ورضوان الله تعالى عليهم أجمعين- عنوان محبته وبغضهم عنوان بغضه.. كما جاء في الحديث الصحيح : [ حب الأنصار من الإيمان وبغضهم من النفاق ] وما ذاك إلا لسابقتهم ومجاهدتهم أعداء الله بين يدي رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وإنما يعرف فضائل الصحابة -رضي الله عنهم- من تدبرأحوالهم وسيرهم وآثارهم في حياة رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وبعد موته من المسابقة إلى الإيمان والمجاهدة للكفار والمشركين ونشر الدين واظهار شعائر الإسلام وإعلاء كلمة الله ورسوله وتعليم فرائضه وسننه ولولاهم ما وصل إلينا من الدين أصل ولا فرع ولا علمنا من الفرائض والسنن سنة ولا فرضا ولا علمنا من الأحاديث والأخبار شيئا .
ويكفينا ما ذكره" الله -تعالى ذكره- في كتابه من ثنائه عليهم؛ وما لرسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من ثنائه عليهم وفضائلهم ومناقبهم وحبهم" . [(2)]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضَيفُنا هو:
" مُصْعَبُ بْنَ عُمَيْرٍ "
الذي :

«„ كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِ مِنْ أَنْعَمِ قُرَيْشٍ عَيْشًا وَأَعْطَرِهِمْ طيباً[(3)].. وَكَانَ أَبَوَاهُ يُحِبّانِهِ.. وَكَانَتْ أُمّهُ تَكْسُوهُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الثّيَابِ.. وَكَانَ أَعْطَرَ أَهْلِ مَكّةَ.. يَلْبَسُ الْحَضْرَمِيّ مِنْ النّعَالِ.. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُهُ فَيَقُولُ: "مَا رَأَيْت بِمَكّةَ أَحْسَنَ لَمّةً وَلَا أَرَقّ حُلّةً وَلَا أَنْعَمَ نِعْمَةً مِنْ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ" [ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ]. وَذَكَرَ أَيْضًا بِإِسْنَادِ لَهُ قَالَ كَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَتَى مَكّةَ شَبَابًا وَجَمَالًا وَسِنّا.. وَكَانَتْ أُمّهُ شَدِيدَةَ الْكَلَفِ بِهِ وَكَانَ يَبِيتُ وَقَعْبُ الْحَيْسِ[(4)] عِنْدَ رَأْسِهِ يَسْتَيْقِظُ فَيَأْكُلُ.. فَلَمّا أَسْلَمَ أَصَابَهُ مِنْ الشّدّةِ مَا غَيّرَ لَوْنَهُ وَأَذْهَبَ لَحْمَهُ وَنَهَكَتْ جِسْمَهُ حَتّى كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ فَرْوَةٌ قَدْ رَفَعَهَا، فَيَبْكِي[(!؟)] لِمَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ نِعْمَتِهِ[(5)]
قلت( الرَّمَادِيُ) : وهذا في سبيل حمل الدعوة وفق المنهاج المصطفوي والطريقة السُنية المحمدية.. والكيفية الرسولية النبوية وفق الشريعة الإسلامية.. وليس كما نرىٰ ونسمع ونشاهد كما يحدث مِن بعض الحركات والجماعات ذات الوشاح الإسلامي دون حقيقة الإسلام الحنيف؛ والذي جاء به نبي الهدى ورسول الرحمة.
.. ثم تأتي الضغوط النفسية والمعاناة السرية فَــ قد حَلَفَتْ أُمّهُ حِينَ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ أَلّا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ وَلَا تَسْتَظِلّ بِظِلّ حَتّى يَرْجِعَ إلَيْهَا، فَكَانَتْ تَقِفُ لِلشّمْسِ حَتّىٰ تَسْقُطَ مَغْشِيّا عَلَيْهَا، وَكَانَ بَنُوهَا يَحْشُونَ فَاهَا بِشِجَارِ وَهُوَ عُودٌ فَيَصُبّونَ فِيهِ الْحَسَاءَ لِئَلّا تَمُوتَ ”»[(6)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
[ 1. ] وضيفنا هو الشاب الذي تخرج مِن :«„ المدرسة ”» المصطفوية :«„ دار الأرقم بن أبي الأرقم ”» بالقرب مِن الصفا؛ ثم أتم تعليمه في :«„ الأكاديمية ”» المحمدية..
ثم هو :"[ أحد مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ]
فِرَارًا بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ[(7)] ..
فَــ
قَدْ تَقَدَّمَ - نُشر علىٰ موقع (ملتقى أهل العلم) - بحوث عن:"
-
الإيذاء على يد سفهاء المشركين؛
-
الإيذاء البدني لصاحب الدعوة !؛
-
الْأَذِيَّةُ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الأوائل؛
-
المستضعفون؛
-
أَبَو يَحْيَىٰ؛ صُهَيْبٌ بن سنان؛
-
عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَة؛
-
أَبُو فُكَيْهَةَ؛
-
جَارِيَةٌمِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ؛
-
صحابِيَّةٌرُومِيَّةٌ﴿زِنِّيرَةُ ﴾ ..
فقد"- ذِكْرُ أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا كَانُوا يُعَامِلُونَهُمْ بِهِ مِنَ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَالْإِهَانَةِ الْبَالِغَةِ، وَكَانَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ حَجَزَهُمْ عَنْ رَسُولِهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَنَعَهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ خُرُوجَهُمْ إِلَيْهَا - أَرْضِ الْحَبَشَةِ - فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْبِعْثَةِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَأَنَّهُمُ انْتَهَوْا إِلَى الْبَحْرِ مَا بَيْنَ مَاشٍ وَرَاكِبٍ، فَاسْتَأْجَرُوا سَفِينَةً بِنِصْفِ دِينَارٍ إِلَى الْحَبَشَةِ، منهُمْ :" ... ( مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ).. [(8)].

:" فَكَانَتْ أَوَّلَ هِجْرَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ ".
أتكلم (الرَّمَادِيُ) عن الدور الجوهري والأساسي الذي قام به :"
مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ". في يثرب؛ مدينة رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
تبدء الأحداث بُعيد" بَدْءِإِسْلَامِ الْأَنْصَارِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-:"
ولكي نربط الأحداث بعضها ببعض ..
فقد :" قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِظْهَارَ دِينِهِ وَاعِزَازَ نَبِيِّهِ، وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النَّفَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنَ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا".
[الرجاء : مراجعة الفقرات ترقيم خاص من 102 إلى 109].
فالحديث هنا عن :

" [(9)]:"بيعة العقبة الأولى: فقد
* .] كانت بيعة العقبة الأولى في السنة الثانية عشرة من مبعثه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وفي موسم الحج. ".
.. :" فَجَلَسُوا مَعَهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ.
قَالَ: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ -أهل يثرب- فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ، وَكَانُوا هُمْ أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانُوا قد غزوهم ببلادهم، فَكَانُوا إِذا كَانَ بَينهم شئ قَالُوا: إِنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثٌ الْآنَ قَدْ أَظَلَّ زَمَانَهُ نَتَّبِعُهُ، نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ.
فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أُولَئِكَ النَّفَرَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لبَعض:
" يَا قوم تعلمُونَ وَالله إِنَّه النَّبِي الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ، فَلَا يَسْبِقُنَّكُمْ إِلَيْهِ.."...
فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، بِأَنْ صَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ وَقَالُوا :" إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا .. وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ، وَعَسَىٰ أَنْ يَجْمَعَهُمُ اللَّهُ بِكَ، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إِلَىٰ أَمْرِكَ وَنَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَجَبْنَاكَ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمُ اللَّهُ عَلَيْكَ فَلَا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ.."..
فَأَسْلَمُوا وَوَاعَدُوهُ إِلَىٰ قَابِلٍ.
.. انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إِلَىٰ بِلَادِهِمْ قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا "..
إذاً فهم :
" رَجَعُوا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ،
ثُمَّ
" وَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- معَاذ بن عَفْرَاءَ.. وَرَافِعَ بْنَ مَالِكٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا يُفَقِّهُنَا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهنا مفصلية في سير الأحداث وذات أهمية قصوى في بلاد الغرب.. مِن تعلم أحكام الإسلام من عقائد وفقه؛ وخاصةً الجيل الثاني والثالث من ابناء التجمعات العربية والإسلامية غير ناطقة بعربية القرآن وعربية سنة رسول الإسلام؛ فمن يقوم بتعليمهم وتدريسهم!؟..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ فَنَزَلَ عَلَىٰ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ.
فــ

* .] الدعوة الأولىٰ في المدينة قبل الهجرة إليها بعث رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مصعب بن عمير لــ
*.] يقرئهم و
*.] يعلمهم الإسلام و
*.] يفقههم في الدين فــ
كان يسمىٰ (مقرىء المدينة) وكان منزله على أسعد بن زرارة.
إذاً فقد :
" قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُمْ
مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ عَبْدِالدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ،
وَ
أَمَرَهُ".
١ .] أَنْ يُقْرِئَهُمُ الْقُرْآنَ، وَ
٢ . ] يُعَلِّمَهُمُ الْإِسْلَامَ
٣ .] وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ.
". ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ إِسْحَاقَ:.. قَالُوا كُلُّهُمْ: فَنَزَلَ مُصْعَبٌ عَلَىٰ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ،[ بن عدس أبي أمامة.
".][(10)]فَكَانَ يُسَمَّىٰ بِالْمَدِينَةِ
الْمُقْرِئَ[(11)].
" قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَؤُمَّهُ بَعْضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. ".
" وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَتَبَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يَأْمُرُهُ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ(***) ، [وَفِي إِسْنَادِهِ غَرَابَةٌ ] .. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
ولكي لا أظلم (الرَّمَادِيُ)أحداً؛ فبعض من يعتلي المنبر في الغرب يقوم بهذه الأدوار الثلاثة؛ ولكن ما غاب عنهم جميعاً هو ..
... ومن هنا يبدء

دور رابع :
" قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبى بكر ابْن مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ وَدَارَ بَنِي ظَفَرٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ابْنَ خَالَةِ أسعد بن زُرَارَة، فَدخل حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ عَلَى بِئْر يُقَال لَهَا: بِئْرُ مَرَقٍ،

فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ.
وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بن الْحضير يَوْمَئِذٍ سَيِّدًا قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ، وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَىٰ دِينِ قَوْمِهِ[12)].
[قال الطبري:" وكان سعد بن معاذ بن النعمان ابن امرئ القيس، ابن خالة أسعد بن زرارة.]
فَلَمَّا سَمِعَا بِهِ قَالَ سَعْدٌ ابن معاذ لِأُسَيْدٍ بن حضير:
لَا أَبَا لَكَ! انْطَلِقْ إِلَىٰ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما أَنْ يَأْتِيَا دَارَيْنَا، فَإِنَّهُ لَوْلَا أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ مِنِّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ كَفَيْتُكَ ذَلِكَ، هُوَ ابْنُ خَالَتِي وَلَا أَجِدُ عَلَيْهِ مُقَدَّمًا.
قَالَ: فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِمَا،

فَلَمَّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَالَ لِمُصْعَبٍ: هَذَا سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَقَدْ جَاءَكَ، فَاصْدُقِ اللَّهَ فِيهِ.
قَالَ مُصْعَبٌ: إِنْ يَجْلِسْ أُكَلِّمْهُ.
قَالَ فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمًا فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمَا إِلَيْنَا تُسَفِّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟

اعْتَزِلَانَا إِنْ كَانَتْ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عقبَة: فَقَالَ لَهُ غُلَام: أَتَيْتنَا فِي دَارنَا بِهَذَا الرعيد الْغَرِيب الطريد ليتسفه ضُعَفَاءَنَا بِالْبَاطِلِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ. ".
" ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ:

أَوَ تَجْلِسُ فَتَسْمَعُ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ.
قَالَ: أَنْصَفْتَ.
قَالَ: ثُمَّ رَكَّزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إِلَيْهِمَا، فَكَلَّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ.
فَقَالَا فِيمَا يُذْكَرُ عَنْهُمَا: وَاللَّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي إِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ.
ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ! ..

كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدِّينِ؟
قَالَا لَهُ: تَغْتَسِلُ فَتَطَّهَّرُ وَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ، ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ ثمَّ تصلي.
__________
فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ وَتَشَهَّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: إِنَّ وَرَائِي رَجُلًا إِنِ اتَّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَسَأُرْسِلُهُ إِلَيْكُمَا الْآنَ، سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ.".
" ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إِلَىٰ سَعْدٍ وَقَوْمِهِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ، فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ سعد ابْن معَاذ مُقبلا

قَالَ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ.
فَلَمَّا وَقَفَ عَلَىٰ النَّادِي قَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا فعلت؟

قَالَ: كلمت الرجلَيْن، فوالله مَا رَأَيْتُ بِهِمَا بَأْسًا، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا فَقَالَا: نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ.
وَقَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ بَنِي حَارِثَة خَرَجُوا إِلَىٰ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ، وَذَلِكَ أَنهم عرفُوا أَنه ابْن خالتك ليحقروك.
[عند الطبري:"ليخفروك]
قَالَ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُغْضَبًا مُبَادِرًا تَخَوُّفًا لِلَّذِي ذُكِرَ لَهُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، وَأَخَذَ الْحَرْبَةَ فِي يَدِهِ
ثُمَّ
قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ أَغْنَيْتَ شَيْئًا.
ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمَا سعد، فَلَمَّا رآهما مُطْمَئِنين عرف أَن أسيدا إِنَّمَا أَرَادَ أَن يسمع مِنْهُمَا، فَوقف عليهما متشتما

ثمَّ
قَالَ لاسعد بن زُرَارَة: وَالله يَا أَبَا أُمَامَةَ وَاللَّهِ لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ مَا رُمْتَ هَذَا مِنِّي، أتغشانا فِي دَارنَا بِمَا نَكْرَهُ؟
قَالَ: وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ لِمُصْعَبٍ:

جَاءَك وَالله سيد من وَرَائه [من] قَوْمُهُ إِنْ يَتَّبِعْكَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْكَ مِنْهُمُ اثْنَانِ
قَالَ: فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: أَوَ تَقْعُدُ فَتسمع، فَإِن رضيت أمرا رغبت فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ عَزَلْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُ.
قَالَ سَعْدٌ: أَنْصَفْتَ،
ثُمَّ
رَكَّزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ.
وَذَكَرَ مُوسَىٰ بْنُ عُقْبَةَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الزُّخْرُفِ.
قَالَ: فَعَرَفْنَا وَاللَّهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فِي إِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَنْتُمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ.
قَالَا: تَغْتَسِلُ فَتَطَّهَّرُ وَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثمَّ تصلي رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ: فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ.
ثُمَّ
أَخَذَ حربته، فَأقبل عَائِدًا إِلَىٰ نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا .. قَالُوا: نَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَجَعَ إِلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ.
فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟
قَالُوا: سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً.
قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيَّ حرَام حَتَّىٰ تؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله.
قَالَ: فو الله مَا أَمْسَىٰ فِي دَارِ بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا أَوْ مُسْلِمَةً.
وَرجع سعد وَمصْعَب إِلَىٰ منزل أسعد بن زُرَارَة، فأقاما عِنْدَهُ يَدْعُوَانِ النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ، حَتَّىٰ لَمْ تَبْقَ دَارٌ - أَيْ مَحَلَّةٌ، مِنْ دُورِ الْمَدِينَة- مِنْ دَوْرِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ.
إِلَّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَخَطْمَةَ، وَوَائِلٍ، وَوَاقِفٍ، قَبِيلَةِ أَبِي قيس، ثبطهم عَن الاسلام". وَتِلْكَ أَوْسٌ، وَهُمْ مِنَ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ. ".
* . ] انتهاء المهمة الدعوية:
قبل حلول موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من البعثة عاد مصعب بن عمير إلى مكة ليبشر الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بنجاحمهمته بتوفيق من الله عز وجل. ".
قلت: وهذا الدور الرابع من افعال مصعب بن عمير غاب عن المسلمين!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
تتبقى بإذنه تعالى بحوث :" الشخصيات المحورية في الإسلام!"..
(*)رواه: جابر بن عبدالله؛ انظر: الألباني؛ في: السلسلة الضعيفة: (6123)؛ الحديث: ضعيف.
وبتتبع الأحاديث والتي جاءت بصيغة :"إن الله أختار اصحابي" . تبين أنها ضعيفة مثل :
*.) ما رواه جابر بن عبدالله؛ انظر : الذهبي؛ في : ميزان الاعتدال: (2 /442)؛ الحديث: فيه عبدالله بن صالح الجهني له مناكير ".
*.) :" إنَّ اللهَ اختارَ أصحابي على جميعِ العالمينَ... الحديثَ بطولِه. رواه أيضاً: جابر بن عبدالله؛ انظر: النسائي؛ في: تهذيب التهذيب: (5/258 )؛ الحديث: موضوع
*.) :" إنَّ اللهَ اختارني واختار لي أصحابي وأصهاري ، وسيأتي قومٌ يَسُبُّونَهُم ويُبْغِضُونَهم فلا تُجَالِسُوهُم ولا تُشَارِبُوهُم ولا تُوَاكِلُوهُم ولا تُنَاكِحُوهُم". رواه: عبدالله بن عباس؛ انظر: الألباني؛ في: ضعيف الجامع؛ (1537 )؛ الحديث:ضعيف".
*.) :" إنّ َاللهَ اختارني واختار لي أصحابي، فجعل لي منهم وُزَرَاءَ وأصهارًا وأنصارًا، فمَن سَبَّهُم فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ منه صَرْفًا ولا عَدْلًا". رواه: عويم بن ساعدة الأنصاري؛ انظر: الألباني؛ في : ضعيف الجامع: (1536)؛ الحديث: ضعيف ". وانظر: في: السلسلة الضعيفة: (3036) ؛ الحديث: ضعيف".
قلت: " وأعجبُ أن :" الذهبي؛ محمدبن عثمان؛ قد ذكر طائفة من هذه الأحاديث في كتابه:" الكبائر " ولم يعلق البته على درجة الصحة أو الضعف فيما استند إليه من أحاديث في باب : " الكبيرة السبعون : سب أحد من الصحابة -رضوان الله عليهم- ".!
(**) مخرج في الصحيحين.
(***) الحديث لا يصح أو إسناده فيه ضعف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
‏الخميس‏، 24‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~ ‏27‏ يناير‏، 2022م
-*-*
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيّ ُمِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-









عرض البوم صور الدكتور محمد فخرالدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 29 / 01 / 2022, 20 : 02 AM   المشاركة رقم: 417
المعلومات
الكاتب:
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى
الرتبة


البيانات
التسجيل: 24 / 01 / 2021
العضوية: 54684
العمر: 38
المشاركات: 23 [+]
بمعدل : 0.02 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 50
نقاط التقييم: 12
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي is on a distinguished road
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 54684
عدد المشاركات : 23
بمعدل : 0.02 يوميا
عدد المواضيع : 0
عدد الردود : 23
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
( ١١١ ) ﴿بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الثَّانية :
:" حدثت هذه البيعة: سنة 13 من البعثة المحمدية؛ وهي التي تعرف في السيرةالنبوية ببيعة العقبة الكبرىٰ ".
مَدْخَلٌ لــ قصص الأنبياء
- علّيهم السلام- وسَيَّر الصحابة[(1)]- رضوان الله عليهم- "
.. إسلامُ خاتمِ الأنبياء؛ وهَديُّ آخرِ المرسلين؛ وطريقةُ متممِ المبتعثين: محمد بن عبدالله
- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - النبي الأمين والرسول المختار الشفيع.. إسلامه لا يختلف عن طريق السادة العظماء الأنبياء وكبار السادة المرسلين -صَلَّوات اللَّهُ تعالى عَلَيْهِم وَتبريكاته وَسَلَّاَماته- الذين سبقوه في طريق عرض وحمل الدعوة من حيث مبدأ العقيدة وأساس الإيمان؛ و توحيد مسألة الآلهية وإثبات الحاكمية وصفات الربوبية واسماء الله الحسنىٰ.. ولكنها قد تختلف من حيث المنهج والتشريع والأحكام العملية السلوكية والفقهية اليومية، فقال -عزَّ وعلا وتقدس وسما-: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا }[المائدة:48]؛ وقد قَصَّ اللهُ -تعالى- علينا في كتابه الكريم ما يكفي من قَصص بعضهم؛ وذَكَرَهم بالاسم والصفة..
ما ألزمنا دراسة أحوالهم.. والعناية بسلوك أفرادهم كــ نبراس نستضئ به في حياتنا الدنيا؛ وقصص الأنبياء تماماً كــ سيَّر الصحابة والصحابيات-رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- لم تأتِ للتسلية وملئ فراغ الوقت.. ولكنها -القَصص والسيَّر- جاءت للتعليم والدراسة والفهم والادراك والاستيعاب والقدوة والاعتبار.. وقد جاءت قَصص الأنبياء والمرسلين بقدر معلوم شابها الكثير من روايات مَن سبقنا مِن الأمم؛ خاصةً روايات بني إسرائيل بما يسمىٰ إصطلاحاً بــ „ الإسرائيليات ”؛ ولنا سماح في روايتها أيضا بقدر معلوم..
أما السيرة النبوية وأحوال مَن كانوا مع / حول الرسول الكريم- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ ورضوان الله عليهم أجمعين فقد جاءت بالتفصيل باعتبارها الرسالة الخاتمة للبشر أجمعين كي تكون هي الطريقة العملية المعتمدة في العقيدة والإيمان والأحكام العملية اليومية السلوكية وحمل الدعوة لغير المسلمين بشكل ملفت للنظر(!)؛ خاصةً وبالتحديد ونحن قد وصلنا -في هذه البحوث- إلىٰ قرب نهاية العهد المكي.. وقبيل الإنتقال إلىٰ العهد المدني وإنشاء الكيان الإسلامي وما يتبعه من مَدٍّ له في شرق الارض المعمورة وغربها.. فشمالها.. وجنوبها.. مع ملاحظة بشكل خاص الدور الفذ الرائع الذي قام به :
« قَارِئُ الْمَدِينَةِ »[(2)]
الصحابي الجليل:
مصعب بن عمير
في تهيئة المناخ العام؛ وإصلاح البيئة في يثرب قُبيل إنتقال نبي الهدي ورسول الرحمة إلىٰ مدينته المنورة؛
و
قلتُ (الرَّمَادِيُّ) -أسفاً- أن دور الصحابي الجليل مصعب بن عمير وسيرته قد غابا ومنذ زمن عن حملة الدعوة سواء في داخل بلاد المسلمين [ولا أقول بلاد الإسلام؛ إذ اليوم المطبق من الإسلام -فقط- جزء من العبادات وليس كلها وبعض شعائره].
قلتُ (الرَّمَادِيُّ) : غابتْ دراسة سيرة هذا الصحابي الجليل في بلاد المسلمين والتي تسكنها أكثرية مسلمة أو أقلية أو في بلاد الغرب (مَن تجنس بجنسية غربية .. أمريكية أو أسترالية.. أو مقيم بحكم الدراسة أو العمل.. أو لاجئ).. دراسة عملية سلوكية..
وأتفق (الرَّمَادِيُّ) أن الكثير مِن المناطق يعاني المسلم الآمرين(!)؛ وخاصة المرأة المسلمة من سوء معاملة الآخرين لهم؛ ولكن هذا لا يتفق مع وجود منظمات إقليمية ومؤسسات رسمية وهيئات دولية عالمية تحمل الشارة الإسلامية وتتلحف بوشاح الإسلام اسماً فلا تحمل الدعوة بشكل ملفت للنظر(!) بل شجب واعتراض؛ وتوزيع كتيبات بلغات أجنبية أو مصحف مترجم يحتاج لمفسر.. الذي غاب هو التعامل الحي المؤثر مع الآخر (غير مسلم) وفق الكتاب الكريم وسنة النبي الرسول العظيم..-إلا من رحم ربي- وهذا يعود لعدم مساندة دول تدعي أنها إسلامية تتعدىٰ 57 كيانا [ما يقترب من ثلث دولة العالم].. تتجمع تحت غطاء منظمة التعاون الإسلامي.. أو هيئة إسلامية(الجماعة الإسلامية) -النمسا مثالاً- معترف بها في غالبية دول القارة الأورُبية (الاتحاد الأورُبي)؛ ولعل بحث هذا الإخفاق الظاهر يحتاج لدراسة تفصيلية أرحلها (الرَّمَادِيُّ) في بحوث قادمة(إذا أذن الرحمن -عز وجل- ووفقني العليم الخبير -صاحب الأمر والنهي- ويسر أمري.. ولم أُمنع مِن الكتابة والتفصيل(!)).
-/-*/-*/-*/-*/
.. قصدت مِن هذا المدخل أن دراسة قَصص الأنبياء كما ذُكرتْ في القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين يجب دراستها؛ وأيضاً دراسة سيَّر الصحابة الكرام الأكابر والصحابيات ذات الذيل الطاهر والقدر الرفيع العالي دراسة علمية فقهية سلوكية؛ إذ أننا يجب علينا :
١ . ]
قراءة القرآن الكريم قراءة منهجية تشريعية فقهية سلوكية وليس فقط قراءة تجويد وتحسين(وهذا بالطبع مطلوب)؛ وقلت (الرَّمَادِيُّ) : سابقاً أنه يكفي -أولاً- دراسة آيات الأحكام؛
كما
يجب :
٢ . ] قراءة أحاديث الرسول الكريم قراءة تطبيقية سلوكية ننزلها علىٰ الأحداث والوقائع لنطبقها في الحياة. ويكفي دراسة أحاديث الأحكام؛

و
الأمر الثالث :
٣ . ]
دراسة سيَّر السلف الصالح بدءاً من صحابة الرسول الكرام والصحابيات؛ فــ
دراسة سيَّر السادة التابعين لهم بإحسان؛ فــ
تابعي التابعين.. و
أضيف (الرَّمَادِيُّ) : السادة العلماء أصحاب القدم الراسخ في العقيدة والفقه!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
-*-*-
(التَّمْهِيدُ) :
مرتْ ما يقرب من :" ثلاث عشرة سنة من البعثة المحمدية وصل النبيّ الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع قريش إلىٰ طريق مسدود، فقد آمن من آمن منها، وبقي غيرهم علىٰ شركه وعناده، ولم يعد من المتوقّع أن يؤمن أحد آخر من أهلها، فلم يكن ثمّة جدوىٰ من الصبر علىٰ الأذىٰ والتحمّل، طالما أنّه لا يوجد أمل في إيمان آخرين من قريش.. فبدأت مرحلة فجر الدعوة المكّيّة بين المكيين(!) بالأفول، وأشرقت مرحلة الحفاظ علىٰ المكاسب الإيمانيّة التي حصلت، وتمّ إنقاذها من التدمير من قِبل قريش، فلا بدّ من البحث عن مكان آمن تنتقل إليه الدعوة الإسلاميّة .
فــ بعدما آمن سعد بن معاذ، وفشا ذكر الإسلام في المدينة، حتى لم يبقَ دارٌ من دور الأنصار، إلا وفيه مسلمون..

عاد مصعبُ بنُ عُمير رضي الله عنه إلى مكة المكرمة ليخبر النبيّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- و يُبشّره بأنّ يثرب لم تَعُد بيثرب، بل طابت بالإسلام والإيمان، ومظاهر التّقوىٰ والإحسان.. عاد ليُخبره بأنّ يثرب قد مُلِئت طرقاتها من حطام الأصنام، وأنّ أبواب أهلها أضْحت مشرّعة لاستقباله واستقبال دعوته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فقد حمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم خبر إسلام أهل القوة و المنعة في المدينة. فــلم يَبْقَ إلاّ أن يأتي وفد المدينة من الأوس والخزرج، ليُبرِمُوا البيعة الثّانية لـــنصرة النبيّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فترى الجميع في انتظار موسم الحجّ على أحرّ من الجمر..
وجاء الموسم الموعود..

حان موعد الحجّ، فتداعى الحجيج إلى البيت العتيق، وسالوا من كلّ فجّ عميق . .
و
الكعبة لا تنتظر إلاّ وفدا قادما من حرّة المدينة .. فهم لا يحملون إليها أصناما.. ولا يعلّقون بها تمائم .. إنّما سيحملون معهم توحيدا طاهرا يغسل ما علق بها من أدران الشّرك والوثنيّة ..
فإنّ الكعبة اشتاقت إلى عبادة خليل الرحمن مكسر الأصنام ومحطم الأوثان : إبراهيم... والذبيح الذي طاع ربه واباه إسماعيل
عليهما السّلام.. ".[(3)]
-*-*-
*.] :" بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ [الْبَرَكةِ] الثَّانيّة [ذو القعدة من العام 0 ق. ه. ~ يونيو من العام ٦٢٢ م. ]
زمنها :
السنة الثالثة عشر من النبوة - يونيو سنة 622 م-
في موسم الحج لــلــ عام الثالث عشر من النبوة
[(4)] وبعد مرور عام كامل علىٰ بيعة العقبة الأولىٰ حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفساً مِن المسلمين مِن أهل يثرب، جاؤوا ضمن حجاج قومهم مِن المشركين.
وقد تساءل هؤلاء المسلمون فيما بينهم - وهم لم يزالوا في يثرب أو كانوا في الطريق - :

حتىٰ متىٰ نترك رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟ .
ففي أواخر العهد المكي؛ كان حال النبي
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كما وصفه جابر بن عبدالله الأنصاري : (فــ يروي لنا -رضي الله عنه- عن ذلك فيقول:
« فَقُلْنَا حَتَّىٰ مَتَىٰ نَتْرُكُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ؟!) ..
.. هذه كانت حالة النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في نهاية المرحلة المكية؛ كما السواد القاتم الذي يسبق طلعة الفجر الساطع.
فلما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- اتصالات سرية[(5)] ويبدو [(!)] أنّ مصعباً قَبْل حضوره إلى مكّة، كان قد رتّب اجتماعاً بين الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وبين مسلمي يثرب بعد انتهاء موسم الحجّ.
هذه الاتصالات أدت إلى إتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق
[(6)] وواعدهم أن يجتمع بهم في العقبة في اليوم الثاني من أيّام التشريق ليلاً، وأمرهم بالحفاظ على سرِّيَّة الاجتماع..
في الشِعْب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولىٰ من منى،.
أي إلى أن يوافوه في الشِعب الأيمن إذا انحدروا من منى أسفل العقبة حيث المسجد اليوم، أي الذي يقال له مسجد البيعة
[(7)] وأن يتم هذا الإجتماع في سرية تامة في ظلام الليل..
فواعد الرسول ومسلمو يثرب اللقاء في العقبة في ليلة الثاني عشر من ذي الحجة علىٰ أن يكون سرا حتىٰ لا تعلم قريش أو مشركو يثرب به فيفسدوه، ولما حان الموعد بدأ المسلمون يتسللون تسلل القطا
[(8)] إلىٰ مكان الاجتماع وخرج إليهم الرسول ومعه عمه العباس وكان لا يزال مشركا ولكنه أراد أن يثبت لابن أخيه من أهل يثرب[(9)]....
...
ولنترك أحد قادة الأنصار يصف لنا هذا الإجتماع التاريخي، الذي حول مجرىٰ الأيام في صراع الوثنية والإسلام،
يقول كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه :(خرجنا إلىٰ الحج، وواعدنا رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالعقبة من أوسط أيام التشريق، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لها، ومعنا عبدالله بن عمرو بن حَرام[(10)]، سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا- وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا- فكلمناه،
و
قلنا له: يا أباجابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا، ثم دعوناه إلىٰ الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إيانا العقبة،
قال: فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا) .
قال كعب: (فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتىٰ إذا مضىٰ ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتىٰ اجتمعنا في الشِعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان[(11)] من نسائنا:
- نسيبة بنت كعب- أم عمارة- من بني مازن بن النجار،
و
- أسماء بنت عمرو - أم منيع- من بني سلمة)[(12)] ... ومعهم مصعب ليبايعوا رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وسُر الرسول بانتشار الإسلام بين أهل يثرب ووجد فيهم المنعة و النصرة و الحماية، و وجد المسلمون في يثرب الملجأ و الملاذ و المأوىٰ فتاقت إليها نفوسهم وهفت إليها أفئدتهم وتمنوا ساعة الخلاص[(13)] ... فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حتىٰ جاءنا، ومعه (عمه) العباس بن عبدالمطلب- وهو يومئذ علىٰ دين قومه- إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، و تَوَثَّق له، وكان أول متكلم[(14)].".
-*-*
*.] بداية المحادثة وتشريح العباس لخطورة المسؤولية :
فَقَالَ الْعَبَّاسُ عَمُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ أَخِي لَا أَدْرِي مَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاءُوكَ....... إِنِّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ فَلَمَّا نَظَرَ الْعَبَّاسُ فِي وُجُوهِنَا قَالَ : هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا نَعْرِفُهُمْ ، هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ ،[(15)] .
أقول (الرَّمَادِيُّ) : وهذا لا يخالف ما جاء أنه كان معه - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أيضا أبوبكر وعليّ.. لأن العباس أوقف عليا على فم الشِعب عينا له، وأوقف أبابكر على فم الطريق الآخر عينا، فلم يكن معه عندهم إلا العباس والله أعلم،
وبعد أن تكامل المجلس بدأت المحادثات لإبرام التحالف الديني والعسكري، وكان أول المتكلمين هو العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله[(16)] تكلم ليشرح لهم - بكل صراحة- خطورة المسؤولية التي ستلقىٰ علىٰ كواهلهم نتيجة هذا التحالف.
قال: ( يامعشر الخزرج - وكان العرب يسمون الأنصار خزرجا، خزرجها وأوسها كليهما- إن محمد امنا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه[(!)]، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الإنحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده[(!)]) .
و

في رواية أن العباس قال: قد أبى محمد الناس كلهم غيركم، فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم عن قوس واحدة فأروا رأيكم وائتمروا بينكم، ولا تفرقوا إلا عن ملأ منكم واجتماع، فإن أحسن الحديث أصدقه.
قال كعب: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت... فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت
[(17)] .
وفي رواية: خذ لنفسك ما شئت، واشترط لربك ما شئت
وهذا الجواب يدل على ما كانوا عليه من عزم وتصميم وشجاعة وإيمان وإخلاص في تحمل هذه المسؤولية العظيمة، وتحمل عواقبها الخطيرة.

وألقى رسول الله
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك بيانه، ثم تمت البيعة.
*.] بنود البيعة:
وقد روى ذلك الإمام أحمد [حديث رقم 14232 ] عن جابر مفصلا.
قال جابر: قلنا: يا رسول الله على ما نبايعك؟
(فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُبَايِعُكَ. )
قَالَ: تُبَايِعُونِي:
1. ] البند الأول: عَلَى السَّمْعِ.. وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ.. وَالْكَسَلِ، وَ
علىٰ
2. ] البندالثاني: النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ .. وَالْيُسْرِ، وَ
عَلَى :
3- البندالثالث: الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَ
4- البندالرابع : وعلىٰ أَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا تَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَ
5- البندالخامس:
[(18)]والأهم؛
عَلَىٰ أَنْ تَنْصُرُونِي فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ[(19)]، وَلَكُمْ الْجَنَّةُ.
قَالَ: فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ ...»[(20)] .
وفي رواية كعب- التي رواها ابن إسحاق- البند الأخير فقط من هذه البنود، ففيه قال كعب: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام، ثم قال:
« أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم » .
فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق (نبيا) لنمنعنك مما نمنع أزرنا[(21)] فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحرب وأهل الحلقة، ورثناها كابرا (عن كابر).
ولما أراد الأنصار أن يستوثقوا لأنفسهم أيضاً من الرسول..

قال: فاعترض القول- والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبوالهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ .
قال:
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم[(22)]
وفي لفظ بدل الدم «اللدم» وهو بالتحريك: الحرم من القرابات: أي حرمي حرمكم. تقول العرب: اللدم اللدم، إذا أراد تتأكيد المحالفة هدمي وهدمكم واحد، أي وإذا أهدرتم الدم أهدرته
« وذمتي ذمتكم، ورحلتي مع رحلتكم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم »
أي وعند ذلك قال لهم العباس
رضي الله تعالى عنه عليكم بما ذكرتم ذمة الله مع ذمتكم وعهد الله مع عهدكم في هذا الشهر الحرام والبلد الحرام، يد الله فوق أيديكم لتجدّن في نصرته ولتشدن من أزره،قالوا جميعا نعم، قال العباس: اللهم إنك سامع شاهد، وإن ابن أخي قد استرعاهم ذمته واستحفظهم نفسه، اللهم كن لابن أخي عليهم شهيدا.
*.] التأكيد من خطورة البيعة:
وبعد أن تمت المحادثة حول شروط البيعة، وأجمعوا على الشروع في عقدها قام رجلان من الرعيل الأول ممن أسلموا في مواسم سنتي 11، 12 من النبوة، قام أحدهما تلو الآخر، ليؤكدا للقوم خطورة المسؤولية، حتى لا يبايعوه إلا على جلية من الأمر، وليعرفا مدى استعداد القوم للتضحية ويتأكدا من ذلك.
قال ابن إسحاق: لما اجتمعوا للبيعة قال العباس بن عبادة بن نضلة: هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟

قالوا: نعم،
قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة.
قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف.....

فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك؟
قال:«الجنة».
قالوا: ابسط يدك. فبسط يده فبايعوه[(23)] .
وفي رواية جابر،
قال: فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ - وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ -إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ ، [أَكْبَادَ الْإِبِلِ] إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ وَأَنَّ يَعَضَّكُمُ السَّيْفُ [تَعَضَّكُمُ السيوف] فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَيْهَا إِذَا مَسَّتْكُمْ وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ وَمُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً ، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ وَإِمَّا أَنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ فَهُوَ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ[(24)] .
*.] عقد البيعة :
وبعد إقرار بنود البيعة، وبعد هذا التأكيد.. والتأكد بدأ عقد البيعة بالمصافحة، قال جابر- بعد أن حكى قول أسعد بن زرارة-:

فَقَالُوا: يَا أَسْعَدُ أَمِطْ عَنَّا يَدَكَ فَوَاللَّهِ لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ وَلَا نَسْتَقِيلُهَا[(25)]
و
حينئذ عرف أسعد مدى استعداد القوم للتضحية في هذا السبيل، وتأكد منه - وكان هو حامل الدعوة الكبير مع مصعب بن عمير، وبالطبع فكان هو الرئيس الديني على هؤلاء المبايعين - فكان هو السابق إلى هذه البيعة.
قال ابن إسحاق: فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يده
[(26)] . . .
وبعد ذلك بدأت البيعة العامة،
قَالَ جابر: فَقُمْنَا إِلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا فَأَخَذَ عَلَيْنَا [البيعة] لِيُعْطِيَنَا بِذَلِكَ الْجَنَّةَ، يعطينا بذلك الجنة[(27)] .
وأما بيعة المرأتين اللتين شهدتا الوقعة فكانت قولا... ما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أجنبية قط[(28)] .
*.] اثنا عشر نقيبا
وبعد أن تمت البيعة طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتخاب؛ اي أن يختاروا من بينهم اثني عشر (زعيما) يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسؤولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة.
قال كعب: وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
« أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبا، ليكونوا على قومهم بما فيهم».
فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس.
.. فتم انتخابهم في الحال، وكانوا تسعة في الخزرج وثلاثة من الأوس.
وهاك أسماؤهم:

نقباء الخزرج:
1- أسعد بن زرارة بن عدس.
2- سعد بن الربيع بن عمرو.
3- عبدالله بن رواحة بن ثعلبة.
4- رافع بن مالك بن العجلان.
5- البراء بن معرور بن صخر.
6- عبدالله بن عمرو بن حرام.
7- عبادة بن الصامت بن قيس.
8- سعد بن عبادة بن دليم.
9- المنذر بن عمرو بن خنيس.
نقباء الأوس:

1- أسيد بن حضير بن سماك.
2- سعد بن خيثمة بن الحارث.
3- رفاعة بن عبدالمنذر بن زبير
[(29)]..
وفي رواية «أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: إن موسى أخذ من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا، فلا يحدث أحد في نفسه أن يؤخذ غيره، فإنما يختار لي جبريل » أي لأنه عليه الصلاة والسلام حضر البيعة.
ولما تم انتخاب هؤلاء النقباء أخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقا آخر بصفتهم رؤساء مسؤولين.
قال لهم: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي- يعني المسلمين- قالوا: نعم[(30)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
وفي الصباح علمت قريش بأمر البيعة وأن أهل يثرب قد بايعوا محمدا ليخرج وخرجوا مسرعين إلى منازل أهل يثرب يسألوهم : إنا قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجوه من بين أظهرنا وتبايعوه على حربنا، وإنا والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم، فسكت المسملون وقام المشركون من أهل يثرب يحلفون لهم ما كان من هذا شيء، وما علمناه، وعاد أهل يثرب إلى بلدهم، ولكن قريشا تيقنت خبر البيعة فخرجوا عليهم يظفرون بأهل يثرب ولكنهم لم يدركوا منهم إلا سعد بن عبادة فكتفوه وعادوا به إلى مكة يضربونه ويجرونه من شعره ولم يخلصه من بين أيديهم إلا مطعم بن عدي الذي أجاره فعاد إلى يثرب[(31)]...
وبعد هذه البيعة، قام العباس بن عبادة بن نضلة فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: والله الذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلنَّ على أهل منى غدا بأسيافنا(!).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« لم نؤمر بذلك، ولكنا رجعوا إلى رحالكم» ،
فرجعوا وناموا حتى أصبحوا [(32)]..
وهكذا تمت بيعة العقبة الثانية[(33)] واصبحت هجرة الرسول والمسلمين إلى يثرب أمراً محققاً، ولكنها مسألة وقت فقط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
(٩) [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ] من سلسلة بحوث عن :

الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية -صلى الله عليه وآله وسلم-
بحوث :

ما قبل الهجرة النبوية الشريفة؛ على صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل التبريكات وعظيم التنعيمات؛
مسألة : بَدْءُ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-.
البيعتان
[ ١١٠] « بيعة العقبة الثانية... سنة 13من البعثة »
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
حُرِّرَ في يوم الجمعة 25‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443 هـ ـ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ~ الموافق‏ 28‏ يناير‏، 2022م من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.
-*-*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
الحواشي والمصادر:
[(1)] أهمية هذا المدخل بعنوانه... أن الذي هيأ المناخ العام والبيئة الصالحة لبناء الكيان الإسلامي الأول في يثرب والتي تحولت بعد هجرته الشريفه إلىٰ المدينة المنورة؛ ثم أنطلق المدُّ الإسلامي منها إلىٰ بقية أنحاء المعمورة..

أقول (الرَّمَادِيُّ) : أنَّ الذي قام بهذا الدور:
صحابي جليل وليس النبي الكريم نفسه.. مصعب بن عميروهذه إشارة واضحة آلهية ومِن ثم نبوية لدور المسلم في بناء المجتمع الإسلامي.. وهذه الجزئية مِن بحثي تحتاج لمزيد تفصيل؛ ابحثها -إن شاء الله تعالىٰ- في نهاية الكتاب في مجلد :" الشخصيات المحورية في سيرة النبي المختار.ً!.
[(2)]. انظر ملتقى (أهل العلم)
[(3)]عبدالحليم تومات؛ سلسلة السيرة النبوية؛ ومجلة الوعي بتصرف.
[(4)] رحيق مختوم؛ المباركفوري.
[(5)] المصدر السابق.
[(6)] المصدر السابق.
[(7)] إنسان العيون سيرة النبي المأمون.
[(8)] طائر معروف: بالخفة والحذر ..
[(9)] الأزهر .. بحث البيعة.
[(10)] كانت فاتحة خير؛ أن أسلم هذا الصنديد السيد، عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، الذي شهد بدرا، وقُتل في أحد، ذلك الذي قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحدث ولده جابر :
" أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ ؟ "
قَالَ جابر بن عبدالله : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ !
قَالَ : " مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ، إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ : يَاعَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ،

قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي؛ فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً، فَقَالَ الرَّبُّ -سُبْحَانَهُ- : إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يَرْجِعُونَ !
قَالَ : يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي "
قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ أخرجه ابن ماجه (186 )؛ وصححه الألباني].
[(11)] ومن الملاحظ أن عددَ أصحابِ العقبةِ زاد خلال السنواتِ الثلاثِ الأخيرةِ من ستٍ (*٦*) إلى اثني عشر (*١٢*) إلى سبعين(*٧٠*) ..
انتبه :

لا أتحدث عن المسلمين في المدينة ! إنما أشير إلىٰ حركة حملة الدعوة الفاعلين في المجتمع اليثربي الذين كَلفوا أنفسهم مشقة السفر وتحمل تبعة البيعة؛ هذا النجاح الكبير للدعوة الإسلامية في المدينة كان بفضل رجال حملة دعوة توفر فيهم الإيمان والإخلاص والحماسة والعمل . وهذا ما غاب اليوم عند البعض!!.
[(12)] منهم اثنان وستون رجلا من الخزرج وأحد عشر رجلاً من الأوس وامرأتان من الخزرج.....

و
يذكر اليعقوبي أن عدد من حضر العقبة الثانية سبعون رجلاً وامرأتين، [جـ2، ص 38 ]..
[(13)] الأزهر ؛ بحث : البيعة.
[(14)] السيرة لــ ابن هشام: ج: ( 1 ) ؛ ص: ( 440، 441).
[(15)] المستدرك :ج: (3) [ص: 531 ]
[(16)] ووجود العباس هنا له مغزىً مهم؛ ذلك لتعلمَ الأنصارُ أن الذين يدافعون عن محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ليس أتباعه فحسب ؛ إنما يَنقسمُ الذب عن محمدٍ، على المسلمين عامة، وعلىٰ آل محمد خاصة مسلمهم وكافرهم علىٰ حد سواء؛ وهؤلاء المشركون ممن هم من بني هاشم وبني عبدالمطلب هم الذين ساندوا النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في محنة الحصار؛ ودخلوا معه الشِعب بقيادة أبي طالب.
يشير العباس إلىٰ ذلك بقوله : " وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ".
أما قوله : " وَهُوَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ "، ففيه مبالغة. وموقفه هذا، وكلمته البليغة تيك؛ إنما يهدف بذلك كما قال سيدنا كعب : " أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ، وَيَتَوَثَّقُ لَهُ " .
وفي ذلك درسٌ لأبناء الدعوة الإسلامية؛ أن يستعينوا برجالات المجتمع المنصفين ممن يُحسبون في صف المخالفين للدعوة؛ فقد تجد نماذجَ محترمة، ومعادنَ طيبة في بعض القادة والساسة والكُتاب ممن لا يعملون للفكرة الإسلامية. وواجب الدعوة أن تستفيد من هذه الرموز المنصفة خير استفادة لمصلحة الدعوة؛ كأن نَدْعُوهم لعمل مشترك، أو نوجه أحدهم لباب من أبواب الخير للدين، أو نعقد ندوة أو محاضرة لكاتب من كتابهم؛ يشرح ويطرح ما يخدم الدعوة.
علىٰ أن بعض قادة الدعوة أحيانًا يقعون في خطإٍ؛ هو العمل علىٰ تلميع هذه الرموز التي لا نضمن ولاءها الكامل للدعوة الإسلامية، وفي نفس الوقت نرىٰ بعض هؤلاء الرجال ـ من أبناء الدعوة الإسلامية ـ من لا يُحسن تفعيل الكوادر الفكرية والتربوية التي تنضوي تحت لواء الدعوة الإسلامية؛ ممن يستطيعون أن يسدوا مسد غيرهم أو يسدوا شيئًا من مسدهم.
هذا جانب من فقه موقف العباس .
وجانب آخر؛

أن يُحسن الداعية التمترس بأهله وعائلته وعشيرته؛ وأن يتخير لدعوته منهم؛ من يُوجهه التوجيه السديد لخدمة الدعوة، وهذا بالضبط ما صنعه النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع العباس، ومع عمه أبي طالب من قبل..
[(17)] السيرة النبوية ابن هشام؛ ج: (1) ؛ ص: ( 441، 442).
[(18)] وهذه خماسيةٌ ؛ فوق سادسيةِ العام السالف، فتم للأنصارِ أحدَ عشرَ بندًا؛ هي نواة الدولة الإسلامية التي أوشكت على السطوع.
ومن الملاحظ أن بنود هذه البيعة أشد وأعلى من بنود السابقة.
أنت ترى " الإنفاق والقتال" في طيات هذه البيعة الكبرى.
إن الجهاد بالنفس والمال هو جوهر هذه البيعة العظيمة؛ فلا قوام لدعوة ولا دولة ولا خلافة دون تضحية بالنفس وبالمال . ..
[(19)] وهو الميثاق الغليظ الذي أخذه الله على الأمم السابقة؛ وقتما بُعث محمدٌ؛ لتؤمنن به ولتنصرنه :
{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا ْوَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81].
[(20)] رواه الإمام أحمد بإسناد حسن، وصححه الحاكم وابن حبان، انظر مختصر سيرة الرسول للشيخ عبدالله النجدي ص 155، وروى ابن إسحاق ما يشبه هذا عن عبادة بن الصامت، وفيه بن دزائد، وهو «ألا ننازع الأمر أهله» انظر ابن هشام : ( 1/ 454 ) ..
[(21)] العرب تكنىٰ عن المرأة بالإزار؛ وتكنىٰ أيضا بالإزار عن النفس.... فهي كناية عن أنفسهم ونسائهم .
[(22)] السيرة النبوية لـ ابن هشام: ج: (1)؛ ص: ( 442). وانظر أحمد في مسنده.
[(23)] السيرة النبوية لـ ابن هشام: ج: (1)؛ ص: ( 446).
[(24)] رواه الإمام أحمد من حديث جابر في مسند أحمد ابن حنبل؛ مسند جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-حديث رقم .: (14232..)...
[(25)] المستدرك: ج: (3)؛ ص:(531).
[(26)] قال ابن إسحاق: وبنو عبدالأشهل يقولون: بل أبوالهيثم بن التيهان،

و
قال كعب بن مالك: بل البراء بن معرور
[(انظر: ابن هشام؛ ج: (1)؛ ص: (447)] فــ: لعلهم حسبوا ما دار بينهما وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة، وإلا فأحرى الناس بالتقديم إذا ذاك هو أسعد بن زرارة. والله أعلم.
[(27)] مسند الإمام أحمد: حديث رقم : ( 14232) ؛ والمستدرك : ج: (3)؛ ص: (531)؛ وقال الحاكم :" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ جَامِعٌ لِبَيْعَةِ الْعَقَبَةِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
[(28)] الرحيق المختوم، بتصرف؛ أنظر صحيح مسلم؛ باب كيفية بيعة النساء: ج: (2)؛ ص: (131).
[(29)] زبير بالباء الموحدة، وقيل: بالنون. وقد قيل بدل رفاعة، أبوالهيثم بن التيهان.
[(30)] السيرة النبوية لــ ابن هشام؛ ج: (1) ؛ ص: ( 443، 444، 446).
[(31)] راجع في بيعة العقبة الأولىٰ والثانية:

- ابن هشام 2 /31 – 58،
- الطبري، جـ2، ص 360 – 394،
- ابن الأثير، جـ2، ص 68 – 70،
- اليعقوبي، ص 37 – 38،
- ابن كثير: البداية، جـ3، ص 360 –364 ..
[(32)] زاد المعاد: ج: (2)؛ ص: (51).
[(33)] تُعرف أيضاً بـــ :

- "بيعة الرجال"،
و
- بيعة :"الحرب"،
لأنها حققت بعد أن أذن الله للمسلمين بالجهاد كما تعرف أيضاً ببيعة :
- "العقبة الكبرى" تمييزاً لها من سابقتها الصغرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
- *(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏الجمعة‏، 25‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~‏ 28‏ يناير‏، 2022م









عرض البوم صور الدكتور محمد فخرالدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 05 / 02 / 2022, 58 : 07 AM   المشاركة رقم: 418
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
جزاك الله خيرا









عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
قديم 10 / 02 / 2022, 06 : 12 AM   المشاركة رقم: 419
المعلومات
الكاتب:
حياة العرب
اللقب:
عضو ملتقى مميز
الرتبة


البيانات
التسجيل: 30 / 09 / 2021
العضوية: 54739
المشاركات: 103 [+]
بمعدل : 0.09 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 50
نقاط التقييم: 12
حياة العرب is on a distinguished road
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 54739
عدد المشاركات : 103
بمعدل : 0.09 يوميا
عدد المواضيع : 0
عدد الردود : 103
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
حياة العرب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
جزاكم الله خيرا









عرض البوم صور حياة العرب   رد مع اقتباس
قديم 10 / 02 / 2022, 43 : 07 PM   المشاركة رقم: 420
المعلومات
الكاتب:
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى
الرتبة


البيانات
التسجيل: 24 / 01 / 2021
العضوية: 54684
العمر: 38
المشاركات: 23 [+]
بمعدل : 0.02 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 50
نقاط التقييم: 12
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي is on a distinguished road
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 54684
عدد المشاركات : 23
بمعدل : 0.02 يوميا
عدد المواضيع : 0
عدد الردود : 23
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
الدكتور محمد فخرالدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
(١١٢) ﴿أسبابُ الْهِجْرَةِ :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ١٠ الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ ]
بحوث : " دَارِ الْهِجْرَةِ .. وَدَارِ السُّنَّةِ ".
[ ١ . ] الْبَابُ الْأَوَّلُ : " اسْبَابُ الْهِجْرَةِ "

تقديم :
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسنِ تقويم(*)؛ فخلقنا -عزوجل- علىٰ الفطرة المستقيمة: { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ }(**) فأمنا به رباً واحداً.. فرداً صمداً.. لا صاحبةَ له ولا ولدَ.. فـ اعتقدنا أنه الخالق الرازق المحيي المميت؛ الذي بيده الخير وهو علىٰ كل شئ قدير؛ فالحمد لله علىٰ نعمة الخلق والايجاد؛ والتنشأة والتكوين في أحسنِ تقويم..
ثم
الحمد لله علىٰ نعمة العقل والإدراك والفهم والاستيعاب؛ فبإدراكنا الموجودات المصنوعة؛ ورؤية المخلوقات المتنوعة علمنا أن هناك موجداً أوجدها -جميعها- مِن عدم؛ وصنعها دون مثال سابق يحتذىٰ به؛ فابدعها مِن غير تقليد صورة مماثلة أو جثة شاخصة..
ثم
الحمد لله علىٰ نعمة الإيمان ومبادئ الإسلام وأركان العقيدة؛ فالحمد لله علىٰ بعثة خير الأنام؛ خير ولد آدم بالتمام رسول الرحمة والسلام البشير النذير الشفيع والسراج المنير، خاتم المرسلين ومتمم المبتعثين وآخر المصطفين مِن الخلق أجمعين: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فالحمد لله علىٰ تمام رسالته وكمال دينه؛ ورضاه -سبحانه- أن جعل لنا الإسلام منهاجاً وديناً ونظاماً وشريعة(***) بوحي أنزله أمين السماء جبرائيل علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد -عليهما السلام- ديناً حوىٰ آيات الكتاب الكريم؛ وسُنن نبوية تُبينُها بمنهاج قويم وشريعة للعقل السليم..
والحمد لله.. فــ بحسن توفيق منه
-عز وجل- وتمام هداية وكامل رعاية أنهيتُ تسعةَ [ 9 ] مجلدات.. وأبدءُ في المجلد العاشر [ 10 ] مِن السيرة المحمدية النبوية علىٰ صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وعظيم البركات وكامل التحيات وعلىٰ الآل والأصحاب والتابعين لهم بإحسان؛ فاللهم تمم بخير واعصمني من الخطأ والزلل.. والشكر الجزيل الموصول لــإدارة موقع ملتقىٰ أهل العلم لتفضلها بنشر بحوثي.. وللسادة والسيدات القراء والمتابعين.
.. وارجو مِن السميع العليم أن أكونَ قد وفقتُ في ما سبق مِن البحوث -وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم- وإن كان هناك بعض المسائل المعلقة سابحثها في الإستدراكات علىٰ الموضوعات في نهاية المجلدات!..

و
إن وقعتْ عينُ المراقب علىٰ خطأٍ مني ليس مقصود.. فلينبهني لــ اصححه.. ومِن الله -تعالى ذكره- العون ومنه السداد والهداية والتوفيق..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) استنادا لقوله -عز وجل-: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم } [التين:4] .
(**) تمام الآية الكريمة : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون } [الروم:30]
(***) اعتمادا علىٰ قوله {.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }[المائدة:3] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
.. المتتبع لخطوات سير رسول الهدىٰ ونبي الرحمة -صَلَّى ٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في حمل دعوة نظام الإسلام ومنهاج الرحمن وشريعة الديان وتبليغ رسالة الهدىٰ لــ عشيرته ومِن ثم لــ قومه.. ثم عرض نفسه الزكية علىٰ مَن توسم فيهم الخير ومِن رجالات القوم ووجهائهم ووفود القبائل في مواسم الحج؛ فقد :" كان يأتي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- القبائل في منازلها، وكانت مِنى والمزدلفة وعرفة أسواقاً مِن أسواق العرب، وكانت عرفة وذو المجاز وعكاظ علىٰ طريق اليمن، والقبائل تأتي إلىٰ عكاظ مِن الطائف، فمِنى كلها أسواق تجارية (ثقافية) للعرب تجتمع فيها، ويعلنون فيها انتاجهم الأدبي، فالشاعر ينشد قصيدته، والخطيب يلقي كلمته، والتاجر يبيع سلعته مِن الحيوانات أو غيرها مِن المبيعات، ويتبادل الناس السلع والأغراض في تلك الأسواق.[(1)]
فالمشاعر كانت أسواقاً في الجاهلية، وكانت أيضاً أماكن عبادة في الحج، فكان -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يعرض نفسه الزكية الآبية علىٰ القبائل في مواسم الحج، ويأتي القبائل في منازلها، ويقول لهم :
«„ أنا رسول الله، هل فيكم مَن يحميني حتىٰ أبلغ دعوة الله؟ »؛
.. مرةً قال له رجل :„ أنا أحميك! ؛ فــ :„ ماذا لي مَن بعدك؟ ؛ قال :«„ لك ما للمسلمين »؛ قال :„ لا؛ بل يكون لي الأمر من بعدك ؛ قال :«„ ما هي مساومة ولا ميراث »[(1)]..
والمتتبع لــ خروجه الكريم إلىٰ الطائف لمقابلة كبار أعيان ثقيف..
ثم
وفد الخزرج في المقابلة الأولىٰ قبل الهجرة النبوية بسنتين.. وذلك في العهد المكي(*) وربط كافة مفاصل هذا العهد بمراحل الإنتقال مِن مرحلة إلىٰ آخرىٰ..
أقول(الرَّمَادِيُّ) : يغلب علىٰ ظن -المتابع- صعوبة بل استحالة قيام كيان إسلامي في مكة بما يحمل هذا الإسلام -الدين الجديد / الرسالة الخاتمة- مِن افكار راقية جديدة ليست مِن فكر البشر بل وحياً مِن رب وخالق الناس والبشر..
.. هذه الأفكار الراقية تعارض ما هو موجود داخل المجتمع المكي -وقتذاك-؛
كما
و
يدعو إلىٰ قيم عالية مخالفة تماماً لما هو عند القوم؛ ويلزم أتباعه بــ مفاهيم مرتبطة بالسلوك و مقاييس ملاصقة إثناء القيام بأي عمل أو تصرف بالجواز أو المنع و قناعات عقلية ونفسية تناقض العادات الموروثة والتقاليد المتبعة والأعراف المعمول به؛ وما رسخ في عقول وتشبعته قلوب وما يحرك بعض مشاعر الناس؛ وإن كان أهل مكة وحجاج البيت الحرام مازالوا علىٰ بقايا دين الخليل إبراهيم عَلَيْهِ السَلَّامَ-..
أقول
(الرَّمَادِيُّ) : ولعل الإشكال -في سابق الزمان ولاحقه واليوم[رجب 1443/فبراير2022]- يكمن في مسألة :
- بقايا دين..
و
- بقايا عقيدة..
و
- تشويش في إيمان؛
و
- بقايا عبادات و شعائر خُلطت بالغريب عن أصل التشريع؛ و
البعيدة عن صحيح المنهاج؛ ومزجت بالعجيب والذي ليس له مرجع في صلب الدين المنزل من السماء؛ و
- بقايا مشاعر إسلامية اختلطت بالناحية الوطنية والقومية والعشائرية ثم الحزبية في نفوس الناس..
ثم غلبت المصلحة والمنفعة وحب الدنيا وسوء الطاعة مِن خلال تكتل في جماعة مسيسة أو صوفية -غلب هذا وأمور آخرىٰ- علىٰ ما جاء به الوحي المنيف بشقيه القرآن الكريم والسنة المحمدية العطرة..
.. ومن هنا جاءت أهمية دراسة السيرة المصطفوية النبوية العطرة بجزئيها؛ باعتبارها الطريقة العلمية والعملية التوضيحية والسلوكية لحياة أمة تريد أن تنهض مِن كبوتها وقد مر عليها حين من الزمان..
فــ

الجزء الأول منها -السيرةالمحمدية-: بدءَ منذ عهد آدم ومروراً بالأنبياء والرسل السابقين عليه -سلام الله تعالىٰ عليهم أجمعين-؛
أما
الثاني فمنذ بداية البعثة في مسقط رأسه الشريف بمكة المكرمة وحتىٰ إنتهاء الرسالة الخاتمة بإنتقاله إلىٰ الرفيق الأعلىٰ في مدينته المنورة..
بيد أنه يجب أن تدرس السيرة النبوية دراسة علمية تطبيقية سلوكية حياتية فقهية وليس دراسة تاريخ مضىٰ وأنتهىٰ واستحضاره في زمن مناسبات؛ واستذكاره يوم الهجرة -مثلاً- أو يوم مولده.. أو ليلة الإسراء.. وهي عند العامة من الناس والجهلة من الوعاظ في هذا الشهر الفضيل.. فنحن في رجب الأصم لعام 1443هـ~ ..
أقول
(الرَّمَادِيُّ) : دراسة السيرة النبوية في عهدها المكي تختلف تماماً عن دراستها في العهد المدني؛ فدراستها خلال سنوات العهد المكي غلب عليه الجانب التنظيري؛ والعرض الفكري التأسيسي؛ والجانب العقائدي المبدئي؛ والبناء العقلي والنفسي والمشاعري لمَن سيقوم علىٰ أكتافهم بناء الكيان التنفيذي في يثرب -مدينته عليه السلام المنورة- كل هذا غلب علىٰ الجانب العملي التطبيقي -ماعدا مسألة الصلاة-
و
انتبه [ 1 ] :
لرد الرسول الكريم حين قيل له :" إفلا نميل علىٰ أهل الوادي بسيوفنا!"؛
فــ
رد قائلاً: " لم أُؤْمر بعد!؟...
استمع لما قيل.. بعد بيعة العقبة الثانية؛ والتي عرضتها في الفصل السابق :
فــ
قد قال له العبَّاسُ بنُ عُبادةَ بنِ نَضْلةَ :„ [يا رسول الله] والذي بعَثَكَ بالحقِّ، [إن] لئنْ شِئْتَ لَنُمِيلَنَّ علىٰ أهلِ مِنًى غدًا بأسيافِنا؟ ؛ قال:
فــ
قال رسولُ اللهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:«„ لم أُؤمَرْ بذلك »..
و:
«„ لكن ارجعوا إلىٰ رحالكم ». [(2)].
تنبيه [ 2 ] :
لحظة مقالة العباس بن عبادة كانت لحظة مبايعة كاملة الأركان ووجد
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فيهم قوة ومنعة ومع ذلك لم يحرك ساكناً ضد كفار قريش!.. وهذا يبين الخطأ الجسيم الذي تقوم به بعض ممن ينتسب إلىٰ الإسلام -أفراداً أو جماعات- في غير ساحة معركة لحماية الوطن أو العرض أو المال مِن أعمال مادية -اعتداء لفظي أو مادي: كـ التخريب والتدمير والقتل- أو ما يسمىٰ بأعمال إرهابية؛ فهذا يخالف طريقته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ونتائج هذه الأفعال يراها الجميع!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمهيد :
منذ اللحظة الأولىٰ من البعثة المحمدية -الرسالة المتتمة لشرع ربنا -عز وجل- والخاتمة لمنهاجه-؛ ونزول أول آيات الذكر الحكيم؛ أول نزول آيات التبليغ؛ و "من أوَّل يومٍ في الدَّعوة الإسلاميَّة المبارَكة والرسولُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يعلَم أنَّه سيَخرُج مِن بلده مُهاجِرًا"[(3)]؛ فنسمع الحديث الذي جرىٰ بين القِس ابن عم السيدة خديجة زوج النبي -رضي الله تعالىٰ عنهما(*)- وبين النبي المرسل محمد بن عبدالله؛ فقد كان :" ورقة أحد الْجَمَاعَة الَّذين رَغِبُوا فِي الْجَاهِلِيَّة عَن عبَادَة الْأَوْثَان، وَسَأَلَ عَن الدّين الحنيف عُلَمَاء أهل الْأَدْيَان، وَكَانَ ينْتَظر خُرُوج رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ليتبعه..لِأَنَّهُ سمع أمرَه مِن أهلِ الْكتاب، ووقف علىٰ بعض صِفَاته عِنْدهم، وَكَانَت خَدِيجَة تخبره عَن أَحْوَال النَّبِي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من حِين أخْبرهَا غلامها ميسرَة الَّذِي وجهته مَعَ النَّبِي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَاجِرًا إِلَىٰ الشَّام، وَسمع مَا قالته فِيهِ الرهبان"[(4)].
فــ قال القِس له -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أربع مفاصل تربط مراحل البعثة بــ عهديَّها المكي ثم المدني .. فلنراجع معاً ما جرىٰ :

" فَلَمَّا قضىٰ رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- جواره وَانْصَرف صنع كَمَا كَانَ يصنع.. بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ فَطَافَ بهَا، فَــ
لَقِيَهُ ورقة بن نَوْفَل وَهُوَ يطوف بِالْكَعْبَةِ فَـ قَالَ وَرَقَةُلَهُ :
يَا بن أخي.. أَخْبرنِي بِمَا رَأَيْت وَسمعت؛ فَأخْبرهُ رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، فَقَالَ لَهُ ورقة :„ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَنَّك لنَبِيّ هَذِه الْأمة، وَلَقَد جَاءَك الناموس [جبرائيل] الْأَكْبَر الَّذِي جَاءَ مُوسَىٰ،
وَ

(١ .) لَتُكَذَّبَنَّهُ(**) ،
وَ
(٢ . ) لَتُؤْذَيَنَّهُ(**)
وَ
(٣ . ) لَتُخْرَجَنَّهُ(***)
وَ
(٤ . ) لَتُقَاتَلَنَّهُ[سبق تخريجه تحت رقم(145)]
قلت(الرَّمَادِيُّ) : ما قاله ليس رجماً بالغيب ولكنه تحصيل حاصل ما قام به الأنبياء والمرسلين -سلام الله تعالى عليهم أجمعين- وحياً من رب العزة والملكوت مع ملاحظة ردود وأفعال الناس عامة؛ وخاصةً اصحاب المصالح وأهل المنافع!.
ثم يكمل ورقة قوله :
وَلَئِن أَنا أدْركْت ذَلِك لأنصرن الله نصراً يُعلمهُ “؛ ثمَّ أدنىٰ رَأسه مِنْهُ فَقبل يَافُوخه، ثمَّ انْصَرف رَسُول الله
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَىٰ منزله وَقد زَاده ذَلِك من قَول ورقة ثباتاً، وخفف عَنهُ بعض مَا كَانَ فِيهِ من الْهم.". [(5)] ".
فــ القس ورقة بن نوفل؛ لقراءته وإطلاعه علىٰ كتب السابقين فقد [كَانَ ورقة قد تنصر، وَقَرَأَ الْكتب، وَسمع مِن أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل،][(5)] فــ ألَمَ بأحوالهم وعلم أخبارهم وماذا جرىٰ لهم..
فــ
بدء الحديث مع السيدة خديجةبقوله :" وَإنَّهُ لنَبِيّ لهَذِهِ الْأمة، فَقولِي لَهُ فليثبت،
"[(5)].
" فَرَجَعت خَدِيجَة إِلَىٰ رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فاخبرته بِمَا قَالَ ورقة، فكان رد فعل محمد أن: سهل ذَلِك عَنهُ بعض مَا كَانَ فِيهِ من الْهم بِمَا جَاءَهُ"[(6)].
:" ومن ساعَتِها عَلِمَ النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنَّ الطريقَ غير ممهَّد، وليس مَفرُوشًا بالورود، بل محفوفٌ بالمخاطر والمهالك، وأنَّه مُخرَجٌ من مكَّة حَتمًا لا مَحالة.[(7)]
-*-*-
أمَّا عن أهمِّ أسباب الهجرة مِن مكة المكرمة إلىٰ المدينة المنوَّرة فهي كما يلي:
١ .] " عدم تقبُّل مكَّة للإسلام ابتداءً ":
قضَى ٰرسولُ الله
-صَلَّى ٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ثلاثةَ عشر عامًا في مكَّة يدعو قومه إلىٰ عبادة الله الواحد الأحد، ونبذ عبادة الأوثان، والكفر بكلِّ ما علىٰ الأرض من طواغيت، واستَعمَل -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- معهم كلَّ أساليب الرِّفق في الدَّعوة إلىٰ الله - عزَّ وجلَّ - بشتَّىٰ صُوَرِها، وكانت وسيلته في الدعوة:
- الحكمة تارة، و
- الموعظة الحسنة تارة آخرى، و
- الجِدال الرَّفيق بالتي هي أحسن،
و
منهجه دائمًا هو: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
[(8)].. وإن كانت الآية الكريمة مدنية؛ إلا أن نسيج آيات القرآن الكريم واحد!.. فقد حرص النبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حرصًا شدَّيدا؛ بل اشدَّ الحِرص علىٰ هِدايَة قومِه ودخولهم دين التوحيد، وبالرغم مِن عدم إكتمال التشريع وعدم إكتمال تمام المنهاج؛ إلا أنهم رفضوا؛ لعلمهم السابق أن إذا كان هناك آمر فسيأمرهم بإتباع أوامره؛ وقد تخالف ما اعتادوا عليه؛ وإن كان هناك ناهٍ فسينهاهم عما ألفوه من افعال[(9)].
كان رسولنا -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يريد من المجتمع المكي أنْ يُخلي بينه وبين الدعوة إلىٰ الله، ولقد كان :
- عظيم الرِّفق،
- طويل الصبر في البَلاغ،
و
سلَك إلىٰ ذلك وسائل الإقناع الواضح الرشيد،
و
من أروع هذه الوسائل أنْ يقول ما علَّمه له ربُّه أنْ يقوله ممَّا أنزله عليه من الكتاب: ﴿...وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
[(10)]، وليس هو إلاَّ على الحق المبين، لكنَّه أدب المحاورة في أسمىٰ صوره.[(11)]
بل يعلِّمه أنْ يقول: ﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ[(12)] ؛ أي: إن كانت الدعوة إلىٰ تَخلِيصكم من عبادة البشر، والخضوع الذليل أمام الحجر جريمة - فليس عليكم شيءٌ من وِزر جريمة ( التوحيد ، التحريم )، فهل بعد هذا رِفقٌ في البَلاغ، وتواضعٌ في الخطاب؟[(13)]
لكنَّ الجاهليَّة المكيَّة لم تتقبَّل دعوةَ الإسلام بالكِبر الأعمىٰ، والكُفر الأصم، والعِناد الجاحد فقط، بل شنَّت عليها حربَ الإبادة فيتبجُّح مستهتر، وأبَتْ عليها حقَّ الحياة.[(14)]
" أما الذي أزعجهم؛ فقد صرحوا به واثبته القرآن بقولهم : { أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب } [ص:5] ؛ وما اعتادوا عليه تقبلوه؛ وخلافه رفضوه فأعلنوا : { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَق } [(15)] . بل وشككوا في الأمر كله فقالوا : { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَاب } [(15)]؛
و
محصلة هذا العناد :
أنَّ قريشًا أبَتْ إلاَّ أنْ تُحارِب الله ورسولَه، فبحَثَ النبيُّ عن مكانٍ آخَر يكون أكثر استِعدادًا لقبول دعوته، فكان عرض نفسه الزكية علىٰ :
- قبائل العرب في مواسمهم؛ و
- خروجه إلىٰ الطائف - سبق وبينتُ هذا الأمر- وأخيراً:
- كان هذا المكان هو يَثرِب (مدينته المنوَّرة
).[(16)].
لم ينتهي الأمر عند حد الرفض والتشكيك والشك فيما يقوله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بل تجاوزه إلىٰ الإيذاء المعنوي.. ما يطلق عليه الأن التصفية النفسية - والبدني والجسدي.. ما يسمى الأن التصفية الجسدية؛ بل إيذاه في بناته بتطليقهن..
٢ .] " تعرُّضه
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لــ صُنُوفٍ من الإيذاء:
لقد تعرَّض
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- للابتِلاء الشَّديد والمِحَن العَصِيبة والإختبار الأليم؛ فقد آذاه قومُه بكُلِّ أنواع الإيذاء، واستَخدَمُوا معه كلَّ ما استَطاعُوا لإخماد نور وحيِه، والقَضاء علىٰ سِراج دعوَتِه في مَهدِها، وتمثَّل هذا الإيذاء بنوعَيْه: بــ
- الكلام ؛
و
- الفعل.
فبالكلام قالوا عنه -والعياذ بالله تعالىٰ-:"ساحر و شاعر و مجنون"، ومنه: لَمَّا نزلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ
[(17)]، صَعِدَ النبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- علىٰ الصَّفا، فجعَل يُنادِي :«„ يا بني فِهر، يا بني عَدِيٍّ “»؛ - لبطون قُرَيش - حتىٰ اجتمَعُوا، فجعَل الرجل إذا لم يستَطِع أنْ يخرُج أرسَلَ رسولاً لينظُرَ ما هو، فجاء أبولهبٍ وقريش، فقال -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:«„ أرأيتَكُم لو أخبرتُكم أنَّ خَيْلاً بالوادي تُرِيد أنْ تُغِيرَ عليكم، أكنتم مُصدِّقيَّ؟ “»؛
قالوا :„ نعم؛ ما جرَّبنا عليك إلاَّ صدقًا
(*)»؛
قال :«„ فإنِّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ “»؛
فقال أبولهبٍ :„ تبًّا لك سائِرَ اليوم، ألهذا جمعتَنا؟ “؛ فنزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
[(18)] (**)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(*) انتبه لردهم عليه:" ما جربنا عليكَ إلا صدقاً ".
(**) صحيح البخاري" (6/ 111) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
و
" أمَّا بالفعل:
فقد روى البخاري من حديث عُروَة بن الزُّبير،قال: "سألتُ ابنَ عمرو بنِ العاص: أخبِرنِي بأشد شيءٍ صنَعَه المشركون بالنبيِّ
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال: بينا النبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُصلِّي في حِجرِ الكَعبة، إذ أقبلَ عُقبَةُ بن أبي مُعَيط، فوَضَع ثوبَه في عُنُقِه، فخَنقَه خنقًا شديدًا، فأقبل أبوبكرٍ حتىٰ أخَذ بمنكبه، ودفَعَه عن النبيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ...[(19)][(20)]
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أيضًا من حديث عمرو بن ميمون: "أنَّ عبدالله بن مسعود حدَّثَه أنَّ النبيَّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-كان يُصلِّي عند البيت، وأبوجهل وأصحابٌ له جُلُوسٌ، إذ قال بعضهم لبعض: أيُّكم يَجِيء بسَلَى جَزُورِ بني فلان، فيضعه علىٰ ظهْر محمدٍ إذا سجَد؟ ..
فانبَعَث أشقىٰ القومِ فجاءَ به، فنظَر حتىٰ سجَد النبيُّ
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فوضَعَه علىٰ ظَهرِه بين كتفَيْه، وأنا[ابن مسعود] أنظُر لا أُغنِي شيئًا، لو كان ليمَنعَة!؛ قال: فجعَلُوا يَضحَكُون ويُحِيل[يميل] بعضهم علىٰ بعض، ورسولُ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ساجدٌ لا يَرفَعُ رأسَه، حتىٰ جاءَتْه فاطمة، فطرحَتْ عن ظهره، فرفَع رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رأسَه ثم قال :«„ اللهمَّ عليكَ بقريش »؛ ثلاثَ [3] مرَّات، فشقَّ عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرَوْن أنَّ الدَّعوة في ذلك البلد مُستَجابة، ثم سَمَّىٰ :
«„ اللهم عليك بــ
- أبي جهل، وعليك بــ
- عُتبَةَ بن رَبِيعة، و
- شَيْبَةَ بن رَبِيعةَ، و
- الوَلِيد بن عُتبَة، و
- أميَّة بن خلف، و
- عُقبَة بن أبي مُعَيط “»؛ وعَدَّ السابع فلم يُحفَظ، قال: فوالذي نفسي بيَدِه، لقد رأيتُ الذين عَدَّ رسولُ الله
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- صَرعَىٰ، في القَلِيب قَلِيب بدرٍ"[(21)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن أواخِر المَكِيدات الفعليَّة في مكَّة اتِّفاقُهم علىٰ قَتلِه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في فِراشِه وهو ما حَكاه أهل السِّيَر؛ حيث اجتَمَع رجالٌ من قريش ذاتَ يومٍ وتشاكَوْا وتشاوَرُوا في أمر النبيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وانتَهَىٰ بهم الأمرُ إلىٰ قتْله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فاقتَرَح عليهم أشقىٰ القوم أبوجَهل بن هِشام أنْ يَأخُذوا من كلِّ قبيلةٍ شابًّا فتيًّا جليدًا نسيبًا، ثم يعطوا كلَّ شابٍّ منهم سيفًا فيَضرِبوه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ضَربةَ رجلٍ واحدٍ، فيتفرَّق دمُه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-[فداه أبي وأمي] بين القبائل فلا يقدر بنو عبدمَناف علىٰ حَربِهم جميعًا، فنَجَّاه الله منهم بمنِّه وكرَمِه[(22)]. ..
.. وستأتي هذه المسألة في قابل الصفحات -إن شاء الله تعالى- بالتفصيل؛
ولم يتوقف الأمر عن إيذاه نفسيا ومعنويا وبدنيا وجسديا بل أمتدت الأيدي لكل مَن أمن به وقدروا عليه
٢ .] " النَّكال وإيقاع العَذاب بكُلِّ مَن آمَن به
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ ورضوان الله تعالى عليهم أجمعين- : وقدروا عليه ولم يكن عنده منعة:
" ولم يكن إيذاء المشركين قاصرًا علىٰ الرسول
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وحدَه، بل لقد تعرَّض أكثر المؤمنين في مكَّة لألوانٍ من الفِتَن والمِحَن صبَّها عليهم المشركون صبًّا: فــ
- الكلمات البذيئة النابية، و
- الألفاظ الوقحة الجافية، و
- الصَّفع واللَّطم والرَّكل، و
- التقييد في السلاسل، و
- الحبس في الظُّلمات، و
- تعرية أجساد المؤمنين وطرحها على رمال الصحراء المتوقِّدة، و
- وَضْع الأحجار القاتلة على الصدور، و
- فَقء الأعين، و
- الكي بالحديد المحمَّى، و
- الرَّجم بالحجارة، و
- منع الطعام، وحبس الشَّراب عن السُّجَناء من المُجاهِدين في سبيل الله، و
- وضعهم للتعذيب في مُستَنقَعات المياه، و
- الجلد بالسِّياط، و
- التَّفرِيق بين الأزواج...
كلُّ ذلك وغيره ممَّا يندىٰ له جَبِينُ الإنسانيَّة، ويظلُّ عارُه يشين فاعِلِيه إلىٰيوم القيامة، وإنَّ نتَن ريحه ليُزكِم الأنوف، لكنَّهم أقدَمُوا عليه مُفاخِرين: نافَسوا الذِّئاب فكانوا أشرس منها، وتبارَوا مع السِّباع في التوحُّش والضراوة فكانت السِّباع أكرَم وأطهَر، وأعفَّ وأنبَل؛ لأنها لا تترصَّد للمؤمنين، ولا تختار فرائسها إلاَّ منهم كما فعل مع المشركين.[(23)].. والسباع لا تهجم إلا إذا كانت جائعة!!!...
كان العربي بقِيَمِه الموروثة يرىٰ الاستِئساد علىٰ المرأة نَذالة وحطَّة، ويرىٰ صيانتها والدفاع عنها شرفًا ومكرمة، لكنَّ الجاهليَّة المكيَّة حشدت أبطالها لحرب النِّساء والصِّبيان من الذين آمَنوا، واحتشدَتْ ذات يومٍ لمعركةٍ مع سُميَّة ».. أم عمار و زوجة ياسر، وخرَجت المرأة المؤمنة من المعركة ظافرة مُنتَصرة على كلِّ بطش قريش وإجرامها، وإنْ ظفرت منها قريش بجسدٍ من التراب جاء، وإلىٰ التراب قد عاد، نقول: إنَّ « سمية » قد انتصرت علىٰ قريش حين أرادت قريش أنْ تسلب هذه المرأة إيمانها، فما استطاعت - بكلِّ قوَّة كبرائها وصلف زُعَمائها - أنْ تَنال من يقين هذه المؤمنة المعتصمة بالله، وفي موكب غيبي باهر استَقبَلت الملائكة الكرام بالتجلية والترحاب روح سميَّة » لتزفَّها إلىٰ مكانها الموعود: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ[(24)][(25)].
واستمرَّت الجاهليَّة القرشيَّة في عتوِّها وصلَفِها وأثيم غُرورِها، حتىٰ تواصَلتْ بصحيفةٍ ظالمة علَّقتها علىٰ جدران الكَعبة، وبها فرضت:
- الحصار و
- المقاطعة و
- المَجاعة علىٰ المؤمنين في شِعب (حي
) بني هاشم واستمرَّت هذه المقاطعة الآثِمة ثلاثة أعوام حسومًا، حتىٰ أكَلت الأرضة صحيفةَ الظُّلم وهي معلَّقة.[(25)]
كل هذا وغيره كثيرٌ كان يُحتِّم على الدَّعوة أنْ يكون لها (محضن) في غير جوِّ مكَّة الخانق القاتل.[(26)]
" عاشَ المسلمون المؤمنون الفَترةَ التي قضَوْها في مكَّة في قلق نفسي؛ إذ كان البعض منهم مُعذَّبين مُضطهَدِين، وعُبَّاد الأوثان والركع لـ الأصنام -الكافرون- لا يَرقُبون فيهم إلاًّ ولا ذمَّة، وليس لهم من ظَهْرٍ يَحمِيهم، ولا جَيْشٌ يُدافِع عنهم، ولا مَن يَذُبُّ عن بيضَتِهم - وما أشبه اليوم بالبارحة؛ في كثير من مناطق العالم-، فكان لا بُدَّ مِن خَلاصٍ لهذا الاضطهاد المستمرِّ، وهذا النَّكال المُفظِع، وهذا القلق المانع للنوم .. فكانت الهِجرَة إلىٰ المدينة لإقامة المجتَمَع الآمِن لهؤلاء المؤمنين تُمثِّل لهم ضَرُورةً مُلِحَّةً حتىٰ يَعبُدوا ربَّهم في مَأمَنٍ من الكُفرِ وأهلِه.
فهذه عائلة "آل ياسر" قد سامَهم الكُفَّار سُوءَ العَذاب مِن الضَّرب والإهانة وشدَّة التَّعذِيب، حتىٰ إنَّ النبيَّ
-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مرَّ عليهم مرَّةً وهم يُعذَّبون فقال لهم -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :«„ صَبرًا آل ياسِر؛ فإنَّ مَوعِدَكم الجنَّة “»[(27)].
بل كانت سميَّة » أمُّ عمَّار- رضِي الله عنهما - أوَّل شهيدةٍ في سبيل الله في الإسلام.
وبلال الذي أُوذِي إيذاءً شديدًا عندما كانوا يكبُّوه
- رضِي الله عنه - علىٰ الرَّمضاء في نَهار صيف مكَّة القائظ ويضَعُون الحجر علىٰ ظَهرِه حتىٰ يَرجِع عن دينه، فلا يزيد إلاَّ أن يقول :„ أحَدٌ “؛ أحَدٌ؛ حتىٰ مَرَّ به أبوبكرٍ الصِّدِّيق يومًا وهم يصنَعُون به ذلك، وكانت دار أبي بكرٍ في بني جُمَح، فقال لأميَّة :„ ألاَ تتَّقِي الله في هذا المِسكِين؟ “؛ „ حتىٰ متىٰ؟ “؛ قال :"أنت أفسَدته فأنقِذه ممَّا تَرَىٰقال أبوبكرٍ :„ أفعَلُ، عندي غلامٌ أسوَدُ أجلَدُ منه وأقوىٰ علىٰ دِينِك، أعطيكه به؛ قال :" قد قبلتُ قال :„ هو لك؛ فأعطاه أبوبكرٍ غُلامَه ذلك، وأخَذ بلالاً فأعتَقَه، ثم أعتَقَ معه علىٰ الإسلام قبل أنْ يُهاجِر من مكَّة ستَّ [٦] رِقابٍ، بلالٌ- رضِي الله عنه - سابعهم [٧][(28)].
وكذا كان من كَيْدِهم أمرُ الصَّحيفة الظالمة والشِّعب؛ قال ابن سيِّد الناس :„ ثمإنَّ كفَّار قريش أجمَعُوا أمرَهم واتَّفَقَ رأيُهم علىٰ قتْل رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وقالوا :" قد أفسَدَ أبناءَنا ونساءَنا فقالوا لقومه :" خُذُوا مِنَّا ديَةً مُضاعَفة ويقتُلُه رجلٌ مِن غير قُرَيش وتُرِيحوننا وتُرِيحون أنفُسَكم فأبىٰ قومُه بنو هاشم مِن ذلك، فظاهرَهُم بنوالمطَّلب بن عبدمَناف، فأجمَعَ المشركون مِن قريش علىٰ مُنابَذتهم وإخراجهم مِن مكة إلىٰ الشِّعب، فلمَّا دخَلُوا إلىٰ الشِّعب أمَر رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَن كان بمكَّة مِن المؤمنين أنْ يَخرُجوا إلىٰ أرض الحبشة، وكان متجرًا لقريش، فكان يُثنِي علىٰ النجاشي بأنَّه لا يُظلَم عنده أحدٌ، فانطَلَق إليها عامَّة مَن آمَن بالله ورسوله، ودخَل بنوهاشم وبنوالمطَّلِب شِعبَهم، مؤمنهم وكافرهم؛ فالمؤمن دينًا والكافر حميَّة، فلمَّا عرفَتْ قريش أنَّ رسولَ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قد منَعَه قومُه أجمَعُوا علىٰ ألاَّ يُبايِعوهم، ولا يَدخُلوا إليهم شيئًا مِن الرِّفق، وقطَعُوا عنهم الأسواق، ولم يَترُكوا طَعامًا ولا إدامًا ولا بَيْعًا إلاَّ بادَرُوا إليه واشتروه دُونَهم، ولا يُناكِحوهم ولا يقبَلُوا منهم صُلحًا أبَدًا، ولا تأخُذُهم بهم رأفةٌ حتىٰ يُسلِموا رسولَ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- للقَتْل، وكتَبُوا بذلك صحيفةً وعلَّقُوها في الكعبة، وتمادَوْا علىٰ العمل بما فيها من ذلكثَلاث سِنين “»؛ فاشتدَّ البَلاءُ علىٰ بني هاشم في شِعبِهم وعلىٰ كلِّ مَن معهم، فلمَّا كان رأس ثلاث سِنين تَلاوَم قومٌ مِن قُصيٍّ ممَّن ولدَتْهم بنوهاشم ومِن سواهم، فأجمَعُوا أمرَهم علىٰ نقْض ما تعاهَدُوا عليه مِن الغدر والبَراءة، وبعَث الله علىٰ صَحِيفتهم :„ الأرَضَة؛ فأكَلتْ ولحسَتْ ما في الصَّحيفة من مِيثاق وعَهد[(29)] ".
-*-*-*-*-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) من أهل العلم (محمد بن صالح بن العثيمين) مَن جوَّز الترضي علىٰ ورقة بن نوفل؛ بل أعتبره أول الرجال إيماناً بالنبي الخاتم -عليه السلام- ومن بعد إذنه تعالىٰ سأتكلم عنه في مجلد شخصيات محورية في حياة النبي المصطفوية ».
(**) عندما اصطَحبَتْه زوجُه خديجة
- رضِي الله عنها - إلى ابن عمِّها، عندها قال له ورقة :„ هذا النامُوسُ الذي نزَّل الله علىٰ موسىٰ، يا ليتَنِي فيها جَذَعًا، ليتَنِي أكون حيًّا إذ يُخرِجك قومُك »؛ فقال رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:«„ أوَمُخرِجِيَّهم؟! »؛ قال :„ نعم، لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثْل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإنْ يُدرِكْني يومُك أنصُرْكَ نصرًا مُؤزَّرًا ؛ ثم لم ينشَبْ ورقةُ أنْ تُوفِّي" . [مسند أحمد (43/ 53)، صحيح البخاري(1/ 7)].
قَوْلهَا: " فَقَالَ رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :«„ أَومُخرجيَّ هم »؛ وَفِي رِوَايَة صَالح عَن الزُّهْرِيّ :«„ أَومخرجي قومِي؟ ». [(أبو شامة؛ المقتفى: (1/ 162)]
قَالَ السُّهيْلي :„ وَفِي حَدِيث ورقة أَنه قَالَ لرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لتكذبنه »؛ فَلم يقل لَهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - شَيْئا، ثمَّ قَالَ ولتؤذينه »؛ فَلم يقل النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -شَيْئا، ثمَّ قَالَولتخرجنه »؛ فَقَالَ :«„ أَومخرجيَّ هم؟ »؛
فَــ
فِي هَذَا دَلِيل علىٰ حب الوطن وَشدَّة مُفَارقَته علىٰ النَّفس، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حرم الله وَجوَار بَيته وبلد أَبِيه إِسْمَاعِيل، فَلذَلِك تحركت نَفسه عِنْد ذكر الْخُرُوج مِنْهُ مَا لم يَتَحَرَّك قبل ذَلِك فَقَالَ :«„ أَو مخرجيَّ هم؟ ». [المصدر السابق: ج: (1)؛ ص: (163)]
ومن المسائل التي غابت عند بعض الأمة مسألة التيقن والتثبت بما هم عليه من العقيدة والإيمان .. أسمع لما فعلته أم المؤمنين خديجة :" ثمَّ انْطَلَقت مَكَانهَا حَتَّىٰ أَتَت غُلَاما لعتبة بن ربيعَة بن عبدشمس نَصْرَانِيّا من أهل نِينَوَىٰ يُقَال لَهُ عداس فَقَالَت : يَا عداس، أذكرك بِاللَّه إِلَّا مَا أَخْبَرتنِي هَل عنْدك علم من جِبْرِيل؟
فَقَالَ عداس: قدوس قدوس مَا شَأْن جِبْرِيل يذكر بِهَذِهِ الأَرْض الَّتِي أَهلهَا أهل الْأَوْثَان؟
فَقَالَت: أَخْبرنِي بعلمك فِيهِ،

قَالَ: فَإِنَّهُ أَمِين الله بَينه وَبَين النَّبِيين وَهُوَ صَاحب مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام."..
و
لنتابع ذلك التثبت والتيقن من العاقلة خديجة في ما رواه لها محمد :" فَلَمَّا وصفت خَدِيجَة لورقة حِين جَاءَتْهُ شَأْن مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - وَذكرت لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُول الله- صلى الله عليه وسلم - من عِنْد الله عز وَجل قَالَ لَهَا ورقة: يَا ابْنة أخي، مَا أَدْرِي لَعَلَّ صَاحبك النَّبِي الَّذِي تنْتَظر أهل الْكتاب الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، وَأقسم بِاللَّه لَئِن كَانَ إِيَّاه ثمَّ أظهر دعاءه وَأَنا حَيّ لأبلين الله فِي طَاعَة رَسُوله وَحسن مؤازرته الصَّبْر والنصر، فَمَاتَ ورقة ".[( أبوشامة؛ المقتفى من مبعث المصطفى: ج: (1) ؛ ص: (153)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
بحوث السيرة النبوية الشريفة
[١٠ ] [الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ ]؛ بحوث : " دَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ السُّنَّةِ".
( ١ ] الْبَابُ الْأَوَّلُ: ١١٢" أسباب الْهِجْرَةِ"
حُرِّرَ في يوم الخميس ٩ رجب ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ~ الموافق ١٠ من شهر فبراير عام ٢٠٢٢ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.









عرض البوم صور الدكتور محمد فخرالدين الرمادي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد ملتقى السيرة النبويه


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 11 ( الأعضاء 0 والزوار 11)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018