الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | دكتور محمد فخر الدين الرمادي | مشاركات | 6 | المشاهدات | 26418 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
28 / 02 / 2024, 14 : 11 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح تَمْهِيدٌ: الاعداد الفقهي بفهم النصوص.. العلم الصحيح بمسائل التشريع.. الاستعداد البدني.. القدرة الجسدية.. التهيئة النفسية.. الطمأنينة الروحية.. الهدوء القلبي! ـــــــــــــــــــــــــــــ بدءَ الإسلامُ الحنيف.. خاتم الرسالة السماوية للبشر أجمعين بعرض الفكرة أولاً.. سواء تعلقت هذه الفكرة بـ الرب.. المالك.. الإله.. الخالق.. المعبود.. الرازق.. أو تعلقت بالفعل من حيث القيام به أو الابتعاد عنه.. أو القول من حيث السماح به أو منعه.. أو التصرف من حيث صحته أو بطلانه.. أو الخُلق من حيث قبحه أو حسنه.. ثم تلي الفكرة في لحظتها كيفية تطبيق تلك الفكرة عملياً والعمل بها سلوكياً.. إذ أن الإسلام نظام حياة وطريقة معينة في العيش ونمط خاص حين يتعامل مع الإنسان.. فـ اثبت إسلام متمم المبتعثين وآخر المرسلين ورسول رب العالمين خاتم الأنبياء -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وجود خالق للأشياء.. والتي أوجدها من عدم.. وأثبت وجود مدبر للكون بكل ما فيه من موجودات ومنظم للحياة لكافة الكائنات.. وتنوعت وسائل إثبات وحدانية الإله: تارة بالعقل والفهم والنظر واستخدام التفكير.. وتارة بالإدراك الحسي بـ الموجود المحسوس الملموس والاستدلال بالآثر لما هو موجود ومشاهد.. وتلك الموجودات ناقصة عاجزة قاصرة فتحتاج لغيرها لذا احتاجت لمبدعها.. ثم أخذ الإله في الإسلام يتحدث عن ذاته العلية فيذكر لفظ الجلالة: « „ الله “ » وهو يخصه هو دون سواه.. ثم يُعدد اسماءَه أو ما أطلق عليه اسماء الله الحسنى.. ويبين صفاته ونعوته.. فهذا الإله.. الله.. هو -وحده- والوحيد الذي يدرك -تماماً- صفاته ويعلم -قطعاً- اسماءه ويدرك -دون غيره- نعوته.. ثم هذا الإله.. الله أخبر بنص قطعي الثبوت.. أخبر بما يكره وما يبغضه.. كما أخبر بما يحبه هو ويريده ويختاره ويرضيه.. وهذا أطلق عليه العبادات؛ إذ أن العبادة اسم جامع لكل ما يقوم به الإنسان من افعال وتصرفات وأقوال وأخلاق.. فالله أخبر بنوع العبادة.. فهي تنظم علاقة الإنسان بخالقه أي بـ ذات الله وتنظم علاقة الإنسان بغيره وتنظم علاقة الإنسان بنفسه.. كما أخبر الإله.. الله بـ كيفية ادائها وكيفية تنفيذها وتحقيقها ومقدارها وزمنها ووقتها ومدى صلاحيتها فتقبل وما يبطلها أو يفسدها فتعاد.. ولعلمه السابق بقدرات المخلوق أوجد بجوار العزيمة الرخصة.. وأفرد لذاته العلية عبادته وحده دون سواه فتنوعت العبادات بين ما هو بدني خالص أو مالي خالص أو مزج بين البدني والمالي.. فجاء الأمر بالصيام -مثلا- أي الآمتناع عن تناول مطعومات كانت حلالا في وقت آخر.. والتوقف عن شرابٍ كان حلالاً في زمن ما.. ونكاحا كان مسموحا في أي وقت تشاء.. جاء الصيام لعدة سويعات في النهار.. فـ أكرم مَن يؤمنون به بصيامٍ له في شهر أنزل فيه كتبه وصحفه على أنبياءه ورسله ! وقد اعتمد إسلام خاتم الأنبياء ودين آخر المرسلين وتشريع متمم المبتعثين -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .. أعتمد الاعداد الفقهي والفهمي لكل مسألة من مسائله وجعل العلم بتفاصيلها لحالة كل إنسان اساسا قبل تنفيذ هذه المسألة والقيام بها وليس إثناءها أو بعدها.. كما اعتمد الاستعداد البدني والتناسب الجسدي والقدرة الجسمانية فجعل التكليف بظهور علامات واضحة ظاهرة عند الأنثى والذكر.. ثم خفف التكليف عن صاحب المرض بغض الطرف عن درجته وشدته.. ثم حدد حالات آخرى.. وراعى الأنثى البالغة في مسائل تخصها وحدها دون الذكر فرفع عنها -تخفيفاً- بعض مسائل من التكليف العام لخصوصيتها.. وهيأ المناخ بما يسمى بـ التهيئة النفسية قبل القيام بالتكاليف الشرعية وإثناءها.. فجعل مدخل ومقدمات تخص كل عبادة بما يناسبها.. فاكتملت دائرة صالحة لتنفيذ كافة الأحكام الشرعية العملية المنبثقة من عقيدة سليمة وإيمان قوي.. تلك الأحكام المتعلقة بالحياة الدنيا: تبدء بـ : - فهمٍ وفقه بناء على اجتهاد صحيح من حيث اللغة والنصوص المتعلقة بالمسألة فيحدث : - علم فــ تتحقق : - قناعة عقلية ويتم : - قبول ذهني مع - وجود بدن سليم واستعداد مع قدرة جسمانية قدر الاستطاعة فـ : -تهيئة نفسية فـ : - هدوء قلبي فـ : - راحة وطمأنينة روحية! * (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) * الْمَجَالِسُ السَّنيَّةُ الْنَّدِيَّة فِي شَهْرِ الْصِيامِ والْلَيَالِي الْرَمَضَانِيّةِ 17 شعبان 1445~28 فبراير 2024م aiv hgwdhl aiv hgrvNk 1445 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
01 / 03 / 2024, 08 : 09 PM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح من أهم القضايا التي يجب أن يهتم بها الإنسان في حياته الدنيا على الإطلاق وأخطرها بل وأشدها وطأة على نفس الإنسان من حيث التقييد بها: قضية الإيمان بإله واحد.. أي قضية الاعتقاد بـ رب مالك لا شريك له.. له وحده يكون السمع والطاعة وله وحده تكون العبادة ومنه وحده تُطلب الاستعانة والمعونة والاستعاذة.. ودعاؤه لرفع البلاء و*** الرخاء.. إذ يترتب عليها -قضية العقيدة ومسائل الإيمان- التصديق بوحدانيته وربوبيته والتصديق الجازم بأنه المالك المتفرد في ملكه فيبنى على ذلك أنه الآمر لما يحبه ويرضاه والناهي عما يكرهه ويغضبه.. والأوامر التي وصلت إلينا بطريق قطعي الثبوت: (الوحي) تطلب منا القيام بأعمال على مدار اليوم أو مناسبات العام مع حسن آدائها وفق ما يريد الرب المالك الآمر ووفق ما يحبه الله ويرضيه.. كما ينهى عن أعمال فيطلب منا الامتناع عن تصرفات إذ أنها تغضبه ويكرهها.. وهنا يحدث تصادم بين آمرٍ -الله- لم نراه ولم نسمعه بل ثبت وجوده عن طريق العقل ثم جاءت أوامره ونواهيه عن طريق النقل وبين مأمورٍ -إنسان- بـ القيام بفعل وحسن آداءه أو الامتناع عن تصرف فـ يترك ولا نقترب من مقدماته.. والإنسان مركب من حاجات عضوية تستلزم الإشباع الحتمي والضروري وإلا هلك ومات.. كـ التنفس والنوم والإطعام والشراب وإخراج الفضلات.. وأيضا في تركيبته الأصلية يحمل بين جنبيه غرائز تتطلب إشباعا ليس حتمياً ولا ضرورياً كـ ميل الذكر إلى الأنثى والتملك وحب البقاء.. ... ويفهم من هذا أن العقيدة في اللغة تأتي بمعنيين الأول منهما: العقيدة بمعنى الاعتقاد، فهي التصديق والجزم دون شك أو ارتياب، أي الإيمان. والثاني: العقيدة بمعنى ما يجب الاعتقاد به. .وهذا ما يطلق على ما يؤمن به مسلمو أهل السنة والجماعة من أمور التوحيد وأصول الإيمان، وأهمية القضية هذه أنها تستلزم أن تعلم العقيدة فرض عين على كل مسلم فقد قال الله -عز وجل- في سورة الزمر: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آية : ٦٥]. أما العقيدة اصطلاحاً: فـ هي التصور الإسلامي الكلي اليقيني عن الله الخالق، وعن الكون والإنسان والحياة، وعما قبل الحياة الدنيا وعّما بعدها، وعن العلاقة بين ما قبلها وما بعدها.. فالعقيدة تتناول مباحث الإيمان والشريعة وأصول الدين والاعتقاديات.. وقضية الإيمان ذات شقين : الأول منهما : إخبار من خلال الوحي بأركان الإيمان وتعليم بـ مبادئ الإسلام وتشييد أعمدة بنيان الدين الصحيح: عقيدة الإسلام.. وهذه تتطلب إيمانا بها جازماً.. لا يتطرق إليه شك أو ارتياب.. وهذا قد يتطرق إلى بعض مفرداته خلل.. وأما الشق الثاني -ولعله الأصعب- الانقياد لأوامره والبعد عن ما نهى عنه.. والخلل في العقيدة وفساد الإيمان يأتي حين يتصور أو يظن المرء أن هذا الشئ يرضي المعبود.. فيصنع له تمثالاً وينحت صنماً ويصور فيجسد من مواد الطبيعة كـ الخشب صورة تقربه إلى الإله الواحد زلفى أو يستغيث بميت لا يملك لنفسه في قبره نفعا أو ضراً.. وتشتد الصعوبة لما يهواه الإنسان ويرغب فيه كـ شرب الخمر أو مجامعة المرأة التي لا تحل له.. فـ العقيدة الإسلامية: هي الإيمان الجازم بــ - ربوبية الله تعالى و - ألوهيته و - أسمائه و - صفاته، و - ملائكته، و - كتبه، و - رسله، و - اليوم الآخر، و - القدر خيره وشره، و - سائر ما ثبت من أمور الغيب، و - أصول الدين، وما - أجمع عليه السلف الصالح، و - التسليم التام لله تعالى في الأمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. والمعلوم المنظور بأن للإنسان لحظة سوف يموت؛ فماذا بعد إنتهاء الحياة في الدنيا!؟ .. وهذا أخطر ما في قضية الإيمان والتوحيد والعقيدة.. ما بعد الموت !.. * (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) * ــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ [2] الْمَجَالِسُ السَّنيَّةُ الْنَّدِيَّة فِي شَهْرِ الْصِيامِ والْلَيَالِي الْرَمَضَانِيّةِ 19 شعبان 1445 هـ ~ 01 مارس 2024 م. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
03 / 03 / 2024, 20 : 06 PM | المشاركة رقم: 3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ثبت بما لا يدع مجالا للشك عن طريق الإدراك المحسوس للأشياء والعقل الناظر فيما حول الإنسان أن مفردات هذه الأشياء في الكون والحياة.. أنها أوجدها واجد.. يملك قدرات مطلقة.. وأنه يجب أن يكون هذا الواجد مختلفا تماما عن الشئ الموجود.. كـ الآله وصانعها.. فهما مختلفان تمام الإختلاف.. وحين تحير عقل الإنسان أسند الأمر إلى الطبيعة.. أو الصدفة.. فجاء السؤال المحير -إذ لم تجد إجابة عند هؤلاء القوم- فمن أوجد الطبيعة.. إذاً.. وقالوا بنظريات تتهاوى واحدة تلو الآخرى في جدال عقيم فتتساقط كأوراق الشجر عند قدوم فصل الخريف عند أقل نسمة وأضعف ريح.. ثم جاء الرد المقنع الموافق للعقل والذي يطمئن القلب فتهدأ الروح وتستريح النفس البشرية من عناء البحث.. جاء الرد بوجود إله قادر خالق رازق مدبر.. منشأ الأشياء من عدم.. مبدع على غير مثال سابق.. ثم أختلف قوم حول طبيعة الإله فدعوا له ولد.. ثم بعد حين جعلوا للإله أماً.. أو جعلوا له بناتٍ: ملآئكة.. أو نحتوا له شبيه من ضعيف تصوراتهم.. أو تقربوا إليه فأوجدوا تقربا إليه زلفا صنما يسجدون له أو تمثالا يتمسحون به أو حيواناً يقدسونه أو قبرا يطوفون حوله.. ومن كان قبلهم حين خاف من قوى الطبيعة عبدها وتقرب إليها بالقرابين.. فـ .. عجز العقل عن إدراك ألوهية الله وكيفية عبادته: إن العقل عاجز عن الوصول إلى المعبود الحق ومعرفة أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، بل وكيفية عبادته وما يحب منها ويرضيه.. كما وأنه لا يجوز صرف العبادة لغير الله -جل وعلا-، ولذا تجد أن العقل يتخبط في هذا الجانب ويحتار، وهنا اختلفت العقول وتباينت معبوداتها، ولك أن تنظر في معبودات الناس قديماً وحديثاً.. ألست تجد اليوم من البشر من توجه إلى عبادة النار واعتقاد أنها الإله وجعل يتقرب إليها ويركع ويسجد أمامها ويعمل على إشعالها وعدم انطفائها. كما أنه لا يزال إلى اليوم من يعبد الأبقار ويعتقد أنها هي الإله. بل تعجب حينما تسمع زعيم الهند (غاندي) الذي قاوم الاستعمار الإنجليزي في الهند يصرح ويقول: "عندما أرى بقرةً لا أعدني أرى حيواناً لأني أعبد البقرة وسأدافع عن عبادتها أمام العالم أجمع".. بل وصل به الضلال أن فضل البقرة على أمه التي ولدته من رحمها وأرضعته من يدييها فقال: "وأمي البقرة تفضل أمي الحقيقية من عدة وجوه، فالأم الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين، وتطلب منا خدمات طوال العمر، ولكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائماً ولا تطلب منا شيئاً". بل يصرح ويقول: "إن حماية البقرة التي فرضتها الهندوسية هي هدية الهند إلى العالم وهي إحساس برباط الأخوة بين الإنسان وبين الحيوان.. والفكر الهندي يعتقد أن البقرة أم للإنسان وهي كذلك.. إن البقرة خير رفيق للمواطن الهندي وهي خير حماية للهند" .. أليست ألمانيا اليوم من كبار الدول الأوروبية وتمتاز بتطورها المادي والعسكري واكتشافاتها الحديثة، فلماذا لم يستطع ذلك العقل أن يعرف من الإله الحق الذي تصرف له العبادة، فتركت كثيراً من أبنائها يعبدون الشيطان ويتقربون له، رغم ما وصلت إليه عقولهم. أم أنها الحرية الدينية وحرية المعتقد التي تقود إلى عبادة الشيطان كما يزعمون.. ألا تنظر اليوم إلى الأرض رغم ما وصلت إليه البشرية من التطور العلمي الهائل والتقدم التكنولوجي العظيم، ومع ذلك فلا يزال كثير من سكان الأرض يعبدون غير الله -عز وجل-، فمنهم من لا يزال ينحث فيعبد التماثيل ويشكل من الأحجار اصناماً ومنهم من يعبد الأبقار والشيطان، بل عَبَدَ بعض الناس فروج النساء وتخبطت البشرية في هذا الجانب تخبطاً سحيقاً.. والخالق المدبر المنشأ المبدع المعيد لم يترك الإنسان في حيرة من أمره فارسل للبشر ولكل قوم واسطة منهم يتكلم بلغتهم وعاش معهم قبل نبوته رَدَحا من الزمان تعرفوا على كل أحواله وعرفوا أخلاقه وسلوكه.. وهذا الوسيط -أو ما أتفق على تسميته بـ نبي أو رسول- البشر في حاجة ضرورية ملحة له.. وهذا ما ثبت بالعقل الصحيح والفطرة السليمة ليتعرفوا عن طريق أقواله وكيفية افعاله وسلوكه وتصرفاته ما يُطلب منهم.. فالنبي ينبأهم بخبر السماء ويخبرهم بأوامر الخالق ويزجرهم عن نواهيه.. والرسول يأتي برسالة صالحة للبشر..فـ الرسل وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم بما ينفعهم وإبعادهم معا يضرهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، وبعثوا جميعاً بالدعوة إلى توحيد الإله وتعريف الطريق الموصل إليه بطاعته.. وبيان حالهم بعد الوصول إليه.. فالرسل -عليهم الصلاة والسلام- وسائط بين الله -تعالى- وبين خلقه في التقييد بـ أمره والابتعاد عن نهيه.. وهم السفراء بينه وبين عباده.. لذا تجد الرسل تخبر وتنبأ بـ أصول.. فـ : - الأصل الأول يتضمن إثبات الصفات والتوحيد والقدر، وذكر أيام الله في أوليائه وأعدائه، وهي القصص التي قصّها الله على عباده والأمثال التي ضربها لهم. - والأصل الثاني يتضمن تفصيل الشرائع والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويبغضه. - والأصل الثالث يتضمن الإيمان باليوم الآخر، والجنّة والنار والثواب والعقاب.. وعلى هذه الأصول الثلاثة مدار الخلق والأمر، والسعادة والفلاح موقوفة عليها.. ولا سبيل إلى معرفتها إلاّ من جهة الرسل.. فإنَّ العقل لا يهتدي إلى تفاصيلها ومعرفة حقائقها.. وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة.. كالمريض الذي يدرك وجه الحاجة إلى الطب والعلاج ومن يداويه.. ولا يهتدي إلى تفاصيل المرض أو كيفية التداوي.. وتنزيل الدواء عليه.. وأستطيع أن ألخص احتياج الإنسان إلى الرسالة فيما يلي : 1.] أنه إنسان مخلوق مربوب ولا بد أن يتعرف على خالقه ويعرف ماذا يريد منه ولماذا خلقه ولا يستقل الإنسان بمعرفة ذلك ولا سبيل إليه إلا من خلال معرفة الأنبياء والمرسلين ومعرفة ما جاءوا به من الهدى والنور . 2.] أن الإنسان مكون من جسد وروح.. وغذاء الجسد ما تيسر من مأكل ومشرب وغذاء الروح قرره لها الذي خلقها فأوجدها وهو الدين الصحيح والعمل الصالح والأنبياء والمرسلون جاءوا بالدين الصحيح الرشيد وأرشدوا إلى العمل الصالح النافع. 3.] أن الإنسان متدين بفطرته ولا بد له من دين يدين به وهذا الدين لا بد أن يكون صحيحاً ولا سبيل إلى الدين الصحيح إلا من خلال الإيمان بالأنبياء والمرسلين والإيمان بما جاءوا به . 4.] أنه محتاج إلى الطريق الذي يوصله إلى رضى الله في الدنيا وإلى جنته ونعيمه في الدار الآخرة وهذه طرق لا يرشد إليها ويدل عليها إلا الأنبياء والمرسلون . 5.] أن الإنسان ضعيف بنفسه ومتربص به أعداء كثر من شيطان يريد إغواءه ورفقة سوء تزين له القبيح ونفس أمارة بالسوء ولذا فهو محتاج إلى ما يحفظ به نفسه من كيد أعدائه والأنبياء والمرسلون أرشدوا إلى ذلك وبينوه غاية البيان. 6.] أن الإنسان مدني بطبعه واجتماعه بالخلق ومعاشرته لهم لا بد لها من شرع ليقوم الناس بالقسط والعدل وإلا كانت حياتهم أشبه بحياة الغابة ـ وهذا الشرع لا بد أن يحفظ لكل ذي حق حقه دون تفريط ولا إفراط ولا يأتي بالشرع الكامل إلا الأنبياء والمرسلون . 7.] أنه محتاج إلى ما يحقق به الطمأنينة والأمن النفسي والهدوء الروحي ويرشده إلى أسباب السعادة الحقيقية وهذا هو ما يرشد إليه الأنبياء والمرسلون إذاً : الرسل سفراء الله إلى عباده وهم حملة وحيه . ٢١ شعبان 1445 هـ ~ 03 مارس 2024 م. * (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) * ــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
06 / 03 / 2024, 15 : 09 PM | المشاركة رقم: 4 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ثبت باكتشافات علمية حديثة وبأجهزة تكنولوجية متقدمة بما لا يدع مجالا للشك أن للإنسان بداية.. سواء من نطفة رجل أو بويضة امرأة.. وبالتلاقح نكاحا صحيحا أو سفاحا فاسدا يبدء في إنشاء وتكوين وايجاد إنسان جديد إما أنثى وآخر ذكر.. ومن المشاهد المحسوس أن للإنسان نهاية حتمية!.. فيتساءل المرء: ما هي نقطة البداية لجنس الإنسان!؟.. وماذا بعد نهايته الحتمية!؟ و بالتسلسل في التراجع لـ إثبات وجود الإنسان الأول نجد إما أنه أوجدَ نفسَه بنفسِه.. وهذا محال!.. و إما أوجدته مكونات الطبيعة وعواملها.. فتفاعلت مع بعضها البعض فانتجت إنساناً.. وهذا محال أيضاً.. فيأتي سؤال ومن أين بدأت هذه الطبيعة.. أهي أوجدت نفسها بنفسها.. وهذا أيضا باطل.. فلابد -إذاً- مِن أن يوجدها واجد يكون خلافها.. وهذا الواجد -الخالق- بالقطع يختلف إختلافا جوهريا عن الطبيعة في خواصها وايضاً يغاير الإنسان جذرياً في صفاته وتكوينه ويخالف الكون في طبيعته.. وبما أن الإنسان سيموت فيجب أن يكون واجده حي لا يفنى ولا يموت.. وبما أن الإنسان محتاج لغيره منذ لحظة تكوينه الأولى في رحم أمه فوجب أن واجده غير محتاج لغيره؛ والخِلقة الأصلية تثبت فطرة الإنسان أي أن يكون متدينا ثم يحدث إنحراف فيكون التدين مشوباً بمخالفات في العقيدة وفساد في الإيمان.. ثم يتبع ذلك في العبادات فيُحدث عبادةً يظن أنها ترضي المعبود ويحبها.. كأن المعبود يحب رائحة لحم ودهن القربان المشوي فتقدم له قرابين مشوية على الفحم.. أو كأن المعبود له بنات من الملآئكة أختارها لنفسه.. أو كأن المعبود تجسد في صورة تمثال أو صنم أو وثن أو حيوان وإنسان.. لذا لم يترك المعبود الإنسان هكذا يميل إلى هواه في إيمانه أو يعتقد بما يشاء بظنه.. فأنزل كتبه على من اصطفاهم من رسله وبعث انبياءه ليخبروا الناس بما يحب -هو- ويرضى وما يكره ويغضب منه: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾.. وعليه قرر -هو- نوع العبادة التي يرضاها لخَلقه وشكلها وكيفيتها وطريقتها وزمنها ومقدارها لمَن يريد أن يعبده كما يحب هو.. ولحكمته شرع لعباده عبادته من خلال الإمساك عن أشياء والابتعاد عن افعال والمنع عن تصرفات؛ والغريب الملاحظ أن هذه الأشياء وتلك الأفعال والتصرفات كلها دون استثناء كانت مباحة ومسموحا بها فكانت حلالا.. و هذه العبادة هي الصيام في شهر في العام حسب رؤية الهلال.. يفهم المرء أن الآمر يأمر بالإمتناع عن أفعال وتصرفات يختبر بها العباد فتعتبر حراماً كـ شرب الخمر وإن قلَّ أو أكل لحم الخنزير ولو شريحة.. أما أن يكون الامتناع والإمساك لساعات تطول في الصيف وتقصر في الشتاء عن حلال ومباح فهذه تحتاج لوقفة.. الوقفة الأولى : أن كل العبادات دون استثناء لا تعلل بعلة.. فقط لها حكمة إلهية في تشريعها.. ولا يتمكن المرء من البحث عن إيجاد علة لها.. ولا يتمكن بعقله أن يصل لتلك الحكمة إن لم يشير -هو- إليها فيدركها الراسخ في العلم.. حيث أن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً.. فلا علة للصلاة.. إذ لو وجدت علة للصلاة لبطلت وتوقف المسلم عن آدائها.. وأخطأ مَن قال أن علة الصلاة تقوية عضلات الظهر والركبتين.. أو أن السجود بالجبهة على الأرض يفرغ الطاقات السلبية.. إذ لو كانت كذلك لذهب البعض إلى صالات التمرين البدني عوضاً عن المساجد.. أو أنها علاقة تأملية لذهب البعض إلى ممارسة اليوجا.. ولم تصرح الآية التي تقول عن علة الصلاة إذ نطق القرآن الكريم يقول: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾.. والنهي عن الفحشاء والمنكر محصلة نوع عبادة حيث بدأها المسلم بطهارة بدنية ومكانية وفي ملابسه وحدد لها زمن بعينه أو غُسل من جنابة مع أن المني طاهر ثم وضوء مع أن المسلم نظيف ثم إذان فاقامة فتكبير؛ ولو كان الوضوء أي غسل أعضاء بعينها للتنظيف ثم عُدم الماء فكيف تفسر التيمم بالصعيد الطيب -التراب-؛ ولنسمع لقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين قال :" لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخُفِّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد « رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظَاهر خُفَيْهِ».. يفهم من هذا الحديث أن :" الدِّينَ هو ما جاء به النَّبيُّ المصطفى والرسول المجتبى و****** المرتضى وخاتم المرسلين المحتبى -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مِنْ عندِ ربِّ العالَمينَ، وليس ما يَرَى النَّاسُ مِن آراءَ أو ما يَقولونَ بأفهامِهِمْ وعُقولِهِمُ القاصرةِ ".. وكذلك مناسك الحج ولمس الحجر الأسود وتقبيله في قول عمر بن الخطاب فـ : عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- «أنَّه جَاء إِلى الحَجَر الأَسوَدِ، فَقَبَّلَه، وقال:" إِنِّي لَأَعلَم أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ ولا تَنفَعُ، ولَولاَ أَنِّي رَأَيتُ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُقَبِّلُك مَا قَبَّلتُك»... إذاً.. العبادات كلها توقيفية من الشارع الحكيم.. فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله -عزَّ وجلَّ- وبلغه رسوله -عليه السلام-.. ومعنى هذا أن العبادات لا تكون بالرأي والاستحسان، وإنما تتلقى عن المُشرع، وهذه قاعدة عظيمة نافعة، تؤخذ من كلام المحدث الملهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-. وكذلك الصيام فليست علته إحساس الأغنياء بجوع الفقراء.. إذ لو شعروا بجوعتهم لتوقف الغني عن الصيام.. وليس من باب التخسيس للوزن الزائد.. والآية الكريمة التي تقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾.. كذلك لا تفيد التعليل.. والنص المحمدي الرائع الذي يقول :"أعبد الله كأنك تراه ".. أجاب عن السؤال.. وعليه أقول: إذا صحت العبادة عُمل بها ولو لم تُعلم حكمتها؛ لأنَّ امتثال الناس وطاعتهم في القيام بها من الحِكم المقصودة.. يصلح أن أكمل هذه الجزئية من البحث إذ أن جميع : - المطعومات على أنواعها و - المشروبات بأصنافها و - الملبوسات كذلك لا تعلل.. فلو سكن الخنزير في أرقى البيوت وعالجه أفضل أطباء العالم المتحضر المتقدم لبقى لحم الخنزير عند المسلمين حراماً؛ فليست العلة في طعامه أو شرابه.. كذلك الخمر بأنواعها حرمت ليست للإسكار إذ لو وازن البعض في شرابه قبل وصوله لدرجة الإسكار لكانت حلالا؛ ولكان قليل منها مباح والنص المحمدي يقول:" مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ".. والنص الواضح من :" الْكِتَابِ لَقَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ﴾ وَالرِّجْسُ : الْحَرَامُ لِعَيْنِهِ.. وَمن السُّنَّة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا ".. مع ما فيها من منافع!.. ولكان اللباس لبعض النساء يختلف عن بعضهن لو كان الأمر متعلق بالجمال والفتنة؛ والكل يعلم أن الجمال نسبي فما تحبه أنت قد يقبحه آخر.. وانظر لملابس الإحرام عند الرجال وعند النساء في عبادة الحج أو العمرة.. فلا تجد علة واضحة بل لا تجدها اصلاً.. وشعر الأم أقرب ما يكون لشعر وليدها الذكر.. وهذا الشعر يغطى وشعرة واحدة من الأنثى البالغة لا يصح أن تظهر بخلاف وليدها الرجل البالغ وإن تشابه الشعران!.. يفهم من ذلك :" أنَّ في الشَّرعِ ما هو تَعبُّدٌ مَحضٌ، وما هو مَعقولُ المَعنىٰ. ". تتبقى مسألة واجهت البعض منا.. خاصة مَن يعيش في دول الغرب أن بعض الزملاء يقولون:" يصلح أن تمتنع عن الطعام لمدة أكثر من 15 ساعة متواصلة وليس جيداً الإمتناع عن الشراب!".. والإجابة ستأتي من النص القرآني.. ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ * (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) * ٢٤ شعبان 1445 هـ ~ 06 مارس 2024 م. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
09 / 03 / 2024, 45 : 07 PM | المشاركة رقم: 5 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ما أنزل الخالق الرازق المبدع المصور فرضا كلف به الإنسان البالغ العاقل إلا وألحق به نافلة من جنسه.. فـ فرض الصلاة خمس مرات في اليوم جعل لها سُنة قبلية أو بعدية أو صلاة الضحى وقيام الليل.. و فرض الزكاة مرة في العام الهجري في أنواع معينة مما يتمول به المسلم فـ تصرف على ثمان أصناف خاصة فجعل لها -سُنة- صدقات على مدار العام.. و فرض الحج مرة في العمر وجعل له عمرة تؤدى في أي وقت.. و كذلك الصيام في شهر القرآن جعل له صيامَ تطوع: - عاشوراء و - ايام البيض الثلاث في وسط الشهر القمري أو - إثنين وخميس من كل إسبوع أو - غالب شهر بعينه حسب القدرة والاستطاعة.. فـ جعل العليم الخبير تلك السُنن والنوافل والمستحبات لحكمةٍ يعلمها المُشرع -سما في علاه وتقدست اسماؤه- وقد يصلح للراسخين في العلم البحث عن حكمتها!.. إذ أن العبادات كلها توقيفية لا تعلل.. و ينبغي قبل الإقدام على الصوم استحضار : - التهيئة والراحة النفسية و - وجود الطمأنينة القلبية و - معرفة الاستعداد البدني -دون عوارض مرض أو حيض أو سفر- و - المعرفة الفِقهية المتعلقة بأحكام الصيام لكل فرد من المسلمين.. فقد قال -تعالى-: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ أى: على علم، وقال النبي المصطفى-عليه السلام- :« „ مَن سلك طريقاً يلتمِسُ فيه عِلماً سَهَّلَ الله له طريقاً إلى الجنة ” » ؛ فلذلك ينبغي قبل رؤية هلال الشهر الفضيل بوقت كاف أنْ تتعلم الأحكام الفِقهيَّة للصيام حتى تعبُدَ اللهَ على بَصِيرة.. مع إدراك أحكام الرخص.. الواقع الملحوظ اليوم -إلا من رحم ربي- قد انحرف فهم قليل من الناس لحقيقة الصيام، فراحوا يجعلونه موسماً للأطعمة والأشربة والحلويات والسهرات والفضائيات، فاستعد هؤلاء بـ شراء الأطعمة، وتحضير الأشربة، وتخزينها والبحث في دليل القنوات الفضائية لمعرفة ما يشاهدون وما يتركون، فـ الكل يستعد لرمضان: - التجار يستعدون.. و - القنوات تستعد.. و - المقاهي تستعد.. وقد جهلوا - بحق - حقيقة الصيام في شهر رمضان، وسلخوا العبادة والتقوى عنه، وجعلوه لبطونهم وعيونهم.. وانتبه آخرون لحقيقة صيام شهر رمضان فراحوا يستعدون له من شعبان، بل بعضهم قبل ذلك.. الإعداد.. والاستعداد والتهيئة لشهر رمضان [ 1 . ] دعاء: اللهم سلمني لرمضان وسلم رمضان لي! ورد عن بعض السلف..فـ قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "قال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله -تعالى- ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان وتسلمه مني، متقبلا." . فيدعو المسلم ربَّه -تعالى- أن يبلِّغه شهر رمضان على خير في دينه وصحة في بدنه وثبات في عقيدته وطمأنينة في قلبه ثم يدعوه أن يعينه على حسن طاعته فيه، ويدعوه راجيا بخشوع أن يتقبل منه عمله. حديث.. عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم الصحابة -رضي الله عنهم- هذا الدعاء حين يقدم رمضان .. : « „ اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي مِنْ رَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لِي، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي مُتَقَبَّلًا ” » ؛.. ليس له إسناد صحيح إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. لكن رُوي عن جمع من السلف أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء.. تحقيق المسألة : .. روى الطبراني في "الدعاء" (912)، قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الصَّبَّاحِ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُنَا : « „ اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي مِنْ رَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لِي، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي مُتَقَبَّلًا ” » ؛ و جملة: « „ سَلِّمْنِي مِنْ رَمَضَانَ ” »؛ وردت بصيغة:« „ اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي لِرَمَضَانَ ” » ؛ كما عند الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (19 / 51)، ثم قال الذهبي -رحمه الله تعالىٰ-: "غريب، تفرّد به خلف.". وأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: هو عيسى بن ماهان؛ وهو متكلم في ضبطه وحفظه. قال الذهبي -رحمه الله تعالى-: "أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان. وقد أورد له الجوزقاني من طريق سلمة الأبرش عنه حديثا عن قتادة عن الحسن عن الاحنف عن العباس مرفوعا: (لو دليتم بحبل إلى الأرض السابعة...) الحديث. ثم قال: كان أبو جعفر ممن يتفرد بالمناكير عن المشاهير." انتهى من"المغني" (2 / 777) وقال:" أبو جعفر الرازي التميمي... قال أبو زرعة: يهم كثيرا، وقال النسائي: ليس بالقوي، و وثقه أبو حاتم." انتهى من"الكاشف" (2 / 416). و قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: " أبو جعفر الرازي التميمي... صدوق سيء الحفظ." انتهى من"تقريب التهذيب" (ص 629). و صالح بن كيسان لم يدرك عبادة بن الصامت. قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: "وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ لَمْ يُدْرِكْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، وَقَدْ أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ." انتهى من"سنن الترمذي" (5 / 271). و عبادة توفي قبل عقبة بزمن -رضي الله عنهما-. وقد روي عن الحسن البصري مرسلا، رواه أبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (185)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: « „ اللَّهُمَّ سَلِّمْهُ لَنَا، وَسَلِّمْهُ مِنَّا » ؛ وكذا ورد هذا المتن في جملة خبر طويل رواه ابن أبي الدنيا في "فضائل رمضان" (20)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ وَاقِدٍ، قال: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَهَلَّ هِلَالُ شَهْرِ رَمَضَانَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: « „ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ، وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالْعَافِيَةِ الْمُجَلِّلَةِ، وَرَفْعِ الْأَسْقَامِ، وَالْعَوْنِ عَلَى الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْهُ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ وَقَدْ غَفَرْتَ لَنَا، وَرَحِمْتَنَا، وَعَفَوْتَ عَنَّا... ” » ؛. و في سنده بِشْرُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، وبِشْرُ لم نقف له على ترجمة، و ورد عند ابن عساكر باسم آخر، حيث روى في "تاريخ دمشق" (51 / 186)؛ عن ضمرة عن بكر ابن إسحاق عن فيروز عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي. ولم نعرف من هو بكر بن إسحاق ولا فيروز. وجابر بن يزيد الذي يروي عن أبي جعفر، هما اثنان أحدهما ضعيف وهو جابر الجعفي، والآخر صدوق وهو جابر العجلي. كما أن الإسناد مرسل. فالحاصل؛ أن هذا الحديث ليس له إسناد صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم. لكن رُوي عن جمع من السلف أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء؛ ومن ذلك ما رواه الطبراني بإسناد ظاهره الحسن، عن مكحول؛ حيث روى في "الدعاء" (913) عن الْهَيْثَم بْن حُمَيْدٍ، حدثنا النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ: "أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ: « „ اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لِي، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي مُتَقَبَّلًا ” » ؛ والله أعلم.. -**- [ 3 . ] التوبة الصادقة وهي واجبة في كل وقت، لكن بما أنه سيقدم المسلم/المؤمن على شهرٍ عظيم مبارك يمتنع عن حلالٍ سُمح به في غير وقت الصوم فإن من الأحرى له أن يسارع بالتوبة مما بينه وبين ربه من ذنوب، ومما بينه وبين الناس من حقوق؛ ليدخل عليه الشهر المبارك فينشغل بالطاعات والعبادات بسلامة صدر، وطمأنينة قلب. قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ النور/ من الآية 31. وعَنْ الأَغَرَّ بن يسار -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: : « „ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ” » ؛ [رواه مسلم (2702)]. توضيح المسألة : شروط التوبة الصحيحة هي: 1.) الإقلاع عن الذنب فوراً. 2.) الندم على ما فات. 3.) العزم على عدم العودة إليه. وإذا كانت التوبة من مظالم العباد في مال أو عرض أو نفس، فتزيد شرطا رابعا، هو: 4.) التحلل من صاحب الحق، أو إعطاؤه حقه. بمعنى: إرجاع حقوق من ظلمهم، أو طلب البراءة منهم . وقد أمر الله -تعالى- عباده بالتوبة النصوح، فقال:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[التحريم/8] وقبل بداية الصوم أنبه إلى أضرار الذنوب والمعاصي.. منها : حرمان العلم - والوحشة في القلب - وتعسير الأمور - ووهن البدن - وحرمان الطاعة - ومحق البركة - وقلة التوفيق - وضيق الصدر - وتولد السيئات - واعتياد الذنوب - وهوان المذنب على الله - وهوانه على الناس - ولعنة البهائم له - ولباس الذل - والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة - ومنع إجابة الدعاء - والفساد في البر والبحر- وانعدام الغيرة - وذهاب الحياء - وزوال النعم - ونزول النقم - والرعب في قلب العاصي - والوقوع في أسر الشيطان - وسوء الخاتمة - وعذاب ". وبعض المسائل الفقهية تحتاج لمزيد بيان وصحيح شرح؛ فالرجاء العودة إلى المصادر المعتمدة أو سؤال مَن تطمئن إلى سليم عقيدته ودقة علمه.. -**- الموقع وكاتب هذه السطور يَدْعُوَا الله -تعالى- للصائمين صياما ميسورا وقياما مقبولا ودعاءً مستجابا وذنبا مغفوراً.. ونسأل الله -تعالى- أن يجعلنا ممن يصوم ويقوم شهر رمضان إيماناً واحتسابا، وأن يجعلنا من عتقائه من النار ومن الفائزين المقبولين ". ــــــــــــــــــــــــــ * (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) * [5] الْمَجَالِسُ السَّنيَّةُ الْنَّدِيَّة فِي شَهْرِ الْصِيامِ والْلَيَالِي الْرَمَضَانِيّةِ 27 شعبان 1445~09 مارس 2024م | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
23 / 03 / 2024, 50 : 05 PM | المشاركة رقم: 6 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح تَمْهِيدٌ: قَالَ الْجَاحِظُ : سَمَّىٰ اللَّهُ كِتَابَهُ اسْمًا مُخَالِفًا لِمَا سَمَّىٰ الْعَرَبُ كَلَامَهُمْ عَلَىٰ الْجَمْلِ وَالتَّفْصِيلِ، سَمَّىٰ جُمْلَتَهُ: قُرْآنًا، كَمَا سَمَّوْا: دِيوَانًا، وَبَعْضُهُ سُورَةٌ كَقَصِيدَةٍ، وَبَعْضُهَا آيَةٌ كَالْبَيْتِ، وَآخِرُهَا فَاصِلَةٌ كَقَافِيَّةٍ . فـ وردت للقُرْآنِ الكريمِ: - أسماءٌ و - صِفاتٌ كثيرةٌ في عَدَدٍ مِن : - الآياتِ و - الأحاديثِ النَّبَويَّةِ، ولـ كثرةِ هذه الأسماءِ والصِّفاتِ أفرَدَها بعضُ العُلَماءِ بمؤَلَّفاتٍ مُستَقِلَّةٍ. قال الفيروز آبادي : اعلَمْ أنَّ كَثرةَ الأسماءِ تدُلُّ علىٰ شَرَفِ المسَمَّىٰ أو كمالِه في أمرٍ مِن الأمورِ، أمَا ترىٰ أنَّ : - كثرةَ أسماءِ الأَسَدِ دَلَّت علىٰ كَمالِ قُوَّتِه، و - كثرةَ أسماءِ القيامةِ دَلَّت علىٰ كَمالِ شِدَّتِه وصُعوبتِه، و - كثرةَ أسماءِ الدَّاهِيةِ دَلَّت علىٰ شِدَّةِ نكايتِها؟!، و كذلك : - كثرةُ أسماءِ اللهِ -تعالىٰ- دَلَّت علىٰ كمالِ جَلالِ عَظَمتِه، و - كثرةُ أسماءِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- دَلَّت علىٰ عُلُوِّ رُتبتِه وسُمُوِّ دَرَجتِه، و كذلك : - كثرةُ أسماءِ القُرْآنِ دَلَّت علىٰ شَرَفِه وفَضيلتِه. قال بن عاشور : فَاسْمُ الْقُرْآنِ هُوَ الِاسْمُ الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَىٰ الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ يَسْبِقْ أَنْ أُطْلِقَ عَلَىٰ غَيْرِهِ قَبْلَهُ، وَهُوَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ وَأَكْثَرُهَا وُرُودًا فِي آيَاتِهِ وَأَشْهَرُهَا دَوَرَانًا عَلَىٰ أَلْسِنَةِ السَّلَفِ . وَلَهُ أَسْمَاءٌ أُخْرَىٰ هِيَ فِي الْأَصْلِ : - أَوْصَافٌ أَوْ - أَجْنَاسٌ أَنْهَاهَا فِي الْإِتْقَانِ إِلَىٰ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ. وَالَّذِي اشْتُهِرَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ مِنْهَا سِتَّةٌ: - التَّنْزِيلُ، وَ - الْكِتَابُ، وَ - الْفُرْقَانُ، وَ - الذِّكْرُ، وَ - الْوَحْيُ، وَ - كَلَامُ اللَّهِ: وَ قَالَ أَبُو الْمَعَانِي عُزَيْزِيُّ بْنُ عَبْدِالْمَلِكِ الْمَعْرُوفُ بِشَيْذَلَةَ - فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ : اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سَمَّىٰ الْقُرْآنَ بِخَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ اسْمًا : سَمَّاهُ كِتَابًا وَمُبِينًا فِي قَوْلِهِ : ﴿ حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [الدُّخَانِ : 1 - 2]. ذكر الزركشيُّ أن علي بن أحمد التجيبي الحرالي أنهىٰ أساميَه إلىٰ نَيِّفٍ وتسعين، وأورد الزركشي خمسةً وخمسين اسمًا نقلها عن أبي المعالي عُزيزي بن عبدالملك. وقد أوردها أيضًا السيوطي. وقال الفيروز آبادي :" ذكر اللهُ -تعالىٰ- للقُرآنِ مائةَ اسمٍ نَسوقُها علىٰ نَسَقٍ واحدٍ)، لكِنَّه أورد ثلاثة وتسعين اسمًا من القرآنِ للقرآنِ. وألَّف ابنُ القَيِّم ِكتابَ (شرح أسماء الكتاب العزيز). وصالح بن إبراهيم البليهي، ألَّف كتابَ: (الهدىٰ والبيان في أسماء القرآن) فذكَرَ سِتَّةً وأربعين اسمًا؛ لاعتقادِه أنَّ بَعْضَ هذا العددِ -إن لم يكُنْ أكثَرَه- أوصافٌ للقُرآنِ وليست بأسماءٍ، ومع هذا فإنَّه لم يستبعِدْ أن يكونَ بَعضُ ما ذكره هو من أوصافِ القُرآنِ وليس من أسمائِه.. فـ اعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ.. «١ .» أَحَدُهَا : الْكِتَابُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْقِيَامِ وَالصِّيَامِ، وَقِيلَ : فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ كَاللِّبَاسِ بِمَعْنَى الْمَلْبُوسِ، وَاتَّفَقُوا عَلَىٰ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكِتَابِ الْقُرْآنُ قَالَ : ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ﴾ [ص: 29] وَ الْكِتَابُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ عَلَىٰ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : الْفَرْضُ ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 178]، ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 182 ]، ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾[النِّسَاءِ : 103] . وَثَانِيهَا : الْحُجَّةُ وَالْبُرْهَانُ ﴿ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الصَّافَّاتِ : 157] أَيْ بُرْهَانِكُمْ . وَثَالِثُهَا : الْأَجَلُ ﴿ وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ ﴾ [الْحِجْرِ : 4] أَيْ أَجَلٌ . وَرَابِعُهَا : بِمَعْنَى مُكَاتَبَةِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ ﴿ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النُّورِ : 33] وَهَذَا الْمَصْدَرُ فِعَالٌ بِمَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ كَالْجِدَالِ وَالْخِصَامِ وَالْقِتَالِ بِمَعْنَى الْمُجَادَلَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ، وَاشْتِقَاقُ الْكُتُبِ مِنْ كَتَبْتُ الشَّيْءَ إِذَا جَمَعْتَهُ، وَسُمِّيَتِ الْكَتِيبَةُ لِاجْتِمَاعِهَا، فَسُمِّيَ الْكِتَابُ كِتَابًا لِأَنَّهُ كَالْكَتِيبَةِ عَلَىٰ عَسَاكِرِ الشُّبُهَاتِ، أَوْ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ جَمِيعُ الْعُلُومِ، أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَىٰ- أَلْزَمَ فِيهِ التَّكَالِيفَ عَلَىٰ الْخَلْقِ. فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ " كِتَابًا " : فَلِجَمْعِهِ أَنْوَاعَ الْعُلُومِ وَالْقِصَصِ وَالْأَخْبَارِ عَلَىٰ أَبْلَغِ وَجْهٍ ، وَالْكِتَابُ لُغَةً : الْجَمْعُ . وَ «٢ .» ثَانِيهَا : القُرْآن : ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ﴾ [الزخرف : 3]، ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن ﴾ [البقرة : 185]، ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ ﴾ [الْإِسْرَاءِ : 88]؛﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الْإِسْرَاءِ : 9] وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْقِرَاءَةَ وَاحِدٌ، كَالْخُسْرَانِ وَالْخَسَارَةِ وَاحِدٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [الْقِيَامَةِ : 18] أَيْ تِلَاوَتَهُ، أَيْ إِذَا تَلَوْنَاهُ عَلَيْكَ فَاتَّبِعْ تِلَاوَتَهُ . الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَرَأْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إِذَا جَمَعْتَهُ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ سُمِّيَ الْقُرْآنُ قُرْآنًا لِأَنَّ الْحُرُوفَ جُمِعَتْ فَصَارَتْ كَلِمَاتٍ، وَالْكَلِمَاتُ جُمِعَتْ فَصَارَتْ آيَاتٍ، وَالْآيَاتُ جُمِعَتْ فَصَارَتْ سُوَرًا، وَالسُّوَرُ جُمِعَتْ فَصَارَتْ قُرْآنًا، ثُمَّ جُمِعَ فِيهِ عُلُومُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. فَـ الْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِقَاقَ لَفْظِ الْقُرْآنِ إِمَّا مِنَ التِّلَاوَةِ أَوْ مِنَ الْجَمْعِيَّةِ . فَــ اخْتُلِفَ فِيهِ: ، فَــ قَالَ جَمَاعَةٌ: " الْقُرْآنُ " هُوَ اسْمُ عَلَمٍ غَيْرُ مُشْتَقٍّ، خَاصٌّ بِكَلَامِ اللَّهِ. فَهُوَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ، وَبِهِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَهْمِزُ قَرَأْتَ، وَلَا يَهْمِزُ الْقُرْآنَ وَيَقُولُ: الْقُرَانَ اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَهْمُوزٍ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ قِرَاءَةٍ وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِكِتَابِ اللَّهِ ، مِثْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ . وَ قَالَ قَوْمٌ ، مِنْهُمُ الْأَشْعَرِيُّ: هُوَ مُشْتَقٌّ مَنْ قَرَنْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ، إِذَا ضَمَمْتَ أَحَدَهُمَا إِلَىٰ الْآخَرِ، وَسُمِّيَ بِهِ، لِقِرَانِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ وَالْحُرُوفِ فِيهِ . وَ قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَرَائِنِ؛ لْأَنَّ الْآيَاتِ مِنْهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُشَابِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَهِيَ قَرَائِنُ . وَعَلَىٰ الْقَوْلَيْنِ بِلَا هَمْزٍ أَيْضًا، وَنُونُهُ أَصْلِيَّةٌ . وَ قَالَ الزَّجَّاجُ : هَذَا الْقَوْلُ سَهْوٌ وَالصَّحِيحُ: أَنَّ تَرْكَ الْهَمْزِ فِيهِ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ وَنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزِ إِلَىٰ السَّاكِنِ قَبْلَهَا . وَ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَهْمُوزٌ: فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ مَصْدَرٌ لَقَرَأْتُ، كَالرُّجْحَانِ وَالْغُفْرَانِ، سُمِّيَ بِهِ الْكِتَابُ الْمَقْرُوءُ، مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ . وَ قَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ: هُوَ وَصْفٌ عَلَى فُعْلَانٌ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَرْءِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَمِنْهُ قَرَأْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ، أَيْ : جَمَعْتُهُ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَسُمِّيَ بِذَلِكَ، لْأَنَّهُ جَمَعَ السُّوَرِ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ . وَ قَالَ الرَّاغِبُ: لَا يُقَالُ لِكُلِّ جَمْعٍ: قُرْآنٌ، وَلَا لِجَمْعِ كَلِّ كَلَامٍ: قُرْآنٌ . قَالَ : وَإِنَّمَا سُمِّيَ قُرْآنًا؛ لِكَوْنِهِ جَمْعٌ، ثَمَرَاتُ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ الْمُنَزَّلَةِ. وَقِيلَ : لْأَنَّهُ جَمَعَ أَنْوَاعَ الْعُلُومِ كُلَّهَا . وَ حَكَى قُطْرُبُ قَوْلًا : إِنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ قُرْآنًا؛ لْأَنَّ الْقَارِئَ يُظْهِرُهُ وَيُبَيِّنُهُ مِنْ فِيهِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ : مَا قَرَأَتِ النَّاقَةُ سَلًا قَطُّ، أَيْ : مَا رَمَتْ بِوَلَدٍ، أَيْ : مَا أَسْقَطَتْ وَلَدًا، أَيْ : مَا حَمَلَتْ قَطُّ، وَالْقُرْآنُ يَلْقُطُهُ الْقَارِئُ مِنْ فِيهِ وَيُلْقِيهِ، فَسُمِّيَ قُرْآنًا . قُال السيوطي [وهو شافعي المذهب] : وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. فـ الله.. إذاً.. هو الذي سمّىٰ كتابه الذي أنزله علىٰ محمد صلى الله عليه وسلم " القرآن " . قال -تعالىٰ- : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ البقرة / 185 وقال : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ النساء / 82 وقال : ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ الأعراف / 204 وقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ﴾ التوبة / 111 وقال : ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ يونس / 37 وقال : ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ يوسف / 2 وقال : ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ ﴾ سورة يوسف / 3 وقال : ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ الحِجْر / 87 وقال : ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ النحل / 98 وقال : ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ الإسراء / 9 وقال : ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا ﴾ الإسراء / 82 وقال : ﴿ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ الإسراء / 88 وقال : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) الإسراء / 106 وقال : ( مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) طه / 2 وقال : ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ طه / 114 وقال : ﴿ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ النمل / 1 وقال : ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ النمل / 6 وقال : ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ القصص / 85 وقال : ﴿ يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ (2) سورة يس وقال : ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ القمر / 40 وقال : ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ الواقعة / 77 وقال : ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ الحشر / 21 وقال : ﴿ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ المزمل / 4 وقال : ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴾ البروج / 21 وَ سَمَّاهُ فُرْقَانًا : ثَالِثُهَا : الْفُرْقَانُ ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ [الْفُرْقَانِ : 1]؛ ﴿ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [بالْبَقَرَةِ : 185]. وَ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ، فَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ نُزُولَهُ كَانَ مُتَفَرِّقًا أَنْزَلَهُ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ -تَعَالَىٰ- : ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ : 106] وَنَزَلَتْ سَائِرُ الْكُتُبِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَوَجْهُ الْحِكْمَةِ فِيهِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَىٰ- : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [الْفُرْقَانِ : 32]، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ، وَالْمُحْكَمِ وَالْمُؤَوَّلِ، وَقِيلَ: الْفُرْقَانُ هُوَ النَّجَاةُ، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَلْقَ فِي ظُلُمَاتِ الضَّلَالَاتِ فَبِالْقُرْآنِ وَجَدُوا النَّجَاةَ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْمُفَسِّرُونَ قَوْلَهُ : ﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 53]. فَـ الْفُرْقَانُ: فَلِأَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَجَّهَهُ بِذَلِكَ مُجَاهِدٌ، كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَ سَمَّاهُ ذِكْرًا وَمُبَارَكًا : وذكر ابن تيمية أيضا في فتاويه :" الذِّكْرَى " . وَسَمَّاهُ تَذْكِرَةً : " وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ " [الْحَاقَّةِ : 48] . و قد أورد ابن تيمية الآيات التالية :" تَذْكِرَةٌ " ، " إنَّهُ تَذْكِرَةٌ " ، " فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ "وَ: (.٤.): رَابِعُهَا : الذِّكْرُ ، وَالتَّذْكِرَةُ ، وَالذِّكْرَى ، أَمَّا الذِّكْرُ : ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ : 50] ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ﴾ [الْحِجْرِ : 9] . ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [الزُّخْرُفِ : 44] وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ ذِكْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَّرَ بِهِ عِبَادَهُ فَعَرَّفَهُمْ تَكَالِيفَهُ وَأَوَامِرَهُ . وَ الثَّانِي : أَنَّهُ ذِكْرٌ وَشَرَفٌ وَفَخْرٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ، وَأَنَّهُ شَرَفٌ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُمَّتِهِ ، وَ أَمَّا التَّذْكِرَةُ فَقَوْلُهُ : ﴿ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الْحَاقَّةِ : 48] وَ أَمَّا الذِّكْرَى فَقَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذَّارِيَاتِ : 55] . وَأَمَّا الذِّكْرُ : فَلِمَا فِيهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ ، وَالذِّكْرُ أَيْضًا الشَّرَفُ ، قَالَ تَعَالَى : " وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ "[ الزُّخْرُفِ : 44 ] أَيْ : شَرَفٌ ؛ لْأَنَّهُ بِلُغَتِهِمْ . وَ خَامِسُهَا : التَّنْزِيلُ ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ [الشُّعَرَاءِ : 192-193]؛ ذكر ابن تيمية من اسماء القرآن :" الْمُنَزَّلُ " . وَ سَمَّاهُ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ، وَمُتَشَابِهًا، وَمَثَانِيَ: وَسَادِسُهَا : الْحَدِيثُ ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا ﴾ [الزُّمَرِ : 23] سَمَّاهُ حَدِيثًا؛ لِأَنَّ وُصُولَهُ إِلَيْكَ حَدِيثٌ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَهُ بِمَا يُتَحَدَّثُ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَاطَبَ بِهِ الْمُكَلَّفِينَ. وَأَمَّا الْمَثَانِي: فَلْأَنَّ فِيهِ بَيَانُ قِصَصِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَهُوَ ثَانٍ لِمَا تَقَدَّمَهُ. وَقِيلَ : لِتَكْرَارِ الْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ فِيهِ . وَقِيلَ : لْأَنَّهُ نَزَلَ مَرَّةً بِالْمَعْنَى وَمَرَّةً بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى لِقَوْلِهِ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى الْأَعْلَى، حَكَاهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ . وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ : فَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْحُسْنِ وَالصِّدْقِ . وَ سَمَّاهُ مَوْعِظَةً : وَسَابِعُهَا : الْمَوْعِظَةُ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [يُونُسَ : 57] وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَوْعِظَةٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْآخِذُ جِبْرِيلُ ، وَالْمُسْتَمْلِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَيْفَ لَا تَقَعُ بِهِ الْمَوْعِظَةُ وَسَمَّاهُ حِكْمَةٌ وَحَكِيمًا : ذكر ابن تيمية في فتاويه :" الْعَلِيُّ الْحَكِيمُ " وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ": ثم ذكر ابن تيمية في فتاويه :" وَحُكْمًا فِي قَوْلِهِ : " أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا " . وَ ثَامِنُهَا : الْحُكْمُ ، وَالْحِكْمَةُ ، وَالْحَكِيمُ ، وَالْمُحْكَمُ ، أَمَّا الْحُكْمُ فَقَوْلُهُ : ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ﴾ [الرَّعْدِ : 37] وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فَقَوْلُهُ : ﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ﴾ [الْقَمَرِ : 5] ، ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [الْأَحْزَابِ : 34]، وَأَمَّا الْحَكِيمُ فَقَوْلُهُ : ﴿ يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ [يس : 1،2 ]؛ ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ [يُونُسَ : 1 ] . وَأَمَّا الْمُحْكَمُ فَقَوْلُهُ : ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾ [هُودٍ : 1 ] وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْحِكْمَةِ ، فَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِحْكَامِ وَالْإِلْزَامِ ، وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حِكْمَةِ اللِّجَامِ ؛ لِأَنَّهَا تَضْبِطُ الدَّابَّةِ ، وَالْحِكْمَةُ تَمْنَعُ مِنَ السَّفَهِ. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ : فَلْأَنَّهُ نَزَلَ عَلَى الْقَانُونِ الْمُعْتَبَرِ مِنْ وَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ ، أَوْ لْأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحِكْمَةِ . ذكر ابن تيمية في فتاويه :" حِكْمَةٌ فِي قَوْلِهِ : ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ﴾ ، وَأَمَّا الْحَكِيمُ : فَلْأَنَّهُ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ بِعَجِيبِ النَّظْمِ وَبَدِيعِ الْمَعَانِي ، وَأُحْكِمَتْ عَنْ تَطَرُّقِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّبَايُنِ . وَ سَمَّاهُ شِفَاءً : وَتَاسِعُهَا : الشِّفَاءُ ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْإِسْرَاءِ : 82 ]، وَقَوْلُهُ : ﴿ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يُونُسَ : 57] وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ مَرَضِ الْكُفْرِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْكُفْرَ وَالشَّكَّ بِالْمَرَضِ، فَقَالَ : ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 10] وَبِالْقُرْآنِ يَزُولُ كُلُّ شَكٍّ عَنِ الْقَلْبِ، فَصَحَّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ شِفَاءٌ. وَأَمَّا الشِّفَاءُ : فَلْأَنَّهُ يَشْفِي مِنَ الْأَمْرَاضِ الْقَلْبِيَّةِ كَالْكُفْرِ وَالْجَهْلِ وَالْغِلِّ ، وَالْبَدَنِيَّةِ أَيْضًا . وَسَمَّاهُ هَدْيًا : وَعَاشِرُهَا : الْهُدَى ، وَالْهَادِي : أَمَّا الْهُدَى فَلِقَوْلِهِ : ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 2]، ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 185] ﴿ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾يُونُسَ : 57] وَأَمَّا الْهَادِي ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ الْإِسْرَاءِ : 9 ] وَقَالَتِ الْجِنُّ : ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾ [الْجِنِّ : 1] . وَسَمَّاهُ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا : الْحَادِيَ عَشَرَ : الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهِ : إِنَّهُ الْقُرْآنُ ، وَقَالَ : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ﴾ [الْأَنْعَامِ : 153]، وَأَمَّا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ : فَلْأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ ، قَوِيمٌ لَا عِوَجَ فِيهِ . وَسَمَّاهُ حَبْلًا والعِصْمَة : وَالثَّانِيَ عَشَرَ : الْحَبْلُ : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ [آلِ عِمْرَانَ : 103]، فِي التَّفْسِيرِ : إِنَّهُ الْقُرْآنُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَصِمَ بِهِ فِي أُمُورِ دِينِهِ يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ عُقُوبَةِ الْآخِرَةِ وَنَكَالِ الدُّنْيَا، كَمَا أَنَّ الْمُتَمَسِّكَ بِالْحَبْلِ يَنْجُو مِنَ الْغَرَقِ وَالْمَهَالِكِ، وَمِنْ ذَلِكَ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِصْمَةً فَقَالَ : " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ عِصْمَةٌ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ" لِأَنَّهُ يَعْصِمُ النَّاسَ مِنَ الْمَعَاصِي. وَأَمَّا الْحَبْلُ : فَلْأَنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَصَلَ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ الْهُدَى وَالْحَبَلُ : السَّبَبُ . الثَّالِثَ عَشَرَ : الرَّحْمَةُ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْإِسْرَاءِ : 82] وَأَيُّ رَحْمَةٍ فَوْقَ التَّخْلِيصِ مِنَ الْجَهَالَاتِ وَالضَّلَالَاتِ . وَسَمَّاهُ رُوحًا الرَّابِعَ عَشَرَ : الرُّوحُ ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ﴾ [الشُّورَى : 52]؛ ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ﴾ [النَّحْلِ : 2]؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الْأَرْوَاحِ، وَسُمِّيَ جِبْرِيلُ بِالرُّوحِ ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾ [مَرْيَمَ : 17] وَعِيسَى بِالرُّوحِ ﴿ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ﴾ [النِّسَاءِ : 171]. وَأَمَّا الرُّوحُ : فَلْأَنَّهُ تَحْيَا بِهِ الْقُلُوبُ وَالْأَنْفُسُ . وَسَمَّاهُ قَصَصًا: الْخَامِسَ عَشَرَ : الْقَصَصُ ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ [يُوسُفَ : 3] سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ [الْقَصَصِ : 11] أَيِ اتَّبِعِي أَثَرَهُ ؛ أَوْ لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَتَتَبَّعُ قَصَصَ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ : 62]. ذكر ابن تيمية في فتاويه :" أَحْسَنَ الْحَدِيثِ أَحْسَنَ الْقَصَصِ " وَسَمَّاهُ بَيَانًا : السَّادِسَ عَشَرَ : الْبَيَانُ ، وَالتِّبْيَانُ ، وَالْمُبِينُ : أَمَّا الْبَيَانُ فَقَوْلُهُ : ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ : 138]، وَالتِّبْيَانُ فَهُوَ قَوْلُهُ : ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النَّحْلِ : 89]، وَأَمَّا الْمُبِينُ فَقَوْلُهُ : ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [يُوسُفَ : 1] . وَ " الْمُبِينَ : لْأَنَّهُ أَبَانَ ، أَيْ : أَظْهَرَ الْحَقَّ مَنِ الْبَاطِلِ . وَسَمَّاهُ بَصَائِرَ : السَّابِعَ عَشَرَ : الْبَصَائِرُ ﴿ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الْأَعْرَافِ : 203] أَيْ هِيَ أَدِلَّةٌ يُبْصَرُ بِهَا الْحَقُّ تَشْبِيهًا بِالْبَصَرِ الَّذِي يَرَى طَرِيقَ الْخَلَاصِ . وَسَمَّاهُ الفَصْلَ: الثَّامِنَ عَشَرَ : الْفَصْلُ ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴾ [الطَّارِقِ : 13-14]؛ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ الْقَضَاءُ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْضِي بِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ قِيلَ لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْدِي قَوْمًا إِلَى الْجَنَّةِ وَيَسُوقُ آخَرِينَ إِلَى النَّارِ ، فَمَنْ جَعَلَهُ إِمَامَهُ فِي الدُّنْيَا قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَنْ جَعَلَهُ وَرَاءَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ . والنُّجُوم ، التَّاسِعَ عَشَرَ : النُّجُومُ ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ [الْوَاقِعَةِ : 75] ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ [النَّجْمِ : 1] لِأَنَّهُ نَزَلَ نَجْمًا نَجْمًا . والمَثَاني ، الْعِشْرُونَ : الْمَثَانِي: ﴿ مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ [الزُّمَرِ : 23] قِيلَ لِأَنَّهُ ثَنَّى فِيهِ الْقَصَصَ وَالْأَخْبَارَ . الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ : النِّعْمَةُ : ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضُّحَى : 11] ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْنِي بِهِ الْقُرْآنَ . والبُرْهَان ، الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ : الْبُرْهَانُ ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ ]النِّسَاءِ : 174] وَكَيْفَ لَا يَكُونُ بُرْهَانًا وَقَدْ عَجَزَتِ الْفُصَحَاءُ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ . ذكر ابن تيمية في فتاويه :" الْبُرْهَانُ " قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا " ، عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ . الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: الْبَشِيرُ وَالنَّذِيرُ ، وَبِهَذَا الِاسْمِ وَقَعَتِ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ الرُّسُلِ : ( مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 213] وَقَالَ فِي صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الْفَتْحِ : 8] " وَنَذِيرٌ عَلَى قَوْلٍ " هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى " ، وَقَالَ فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ فِي حم السَّجْدَةِ ﴿ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ ﴾ [فُصِّلَتْ : 4] يَعْنِي مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَ وَبِالنَّارِ مُنْذِرًا لِمَنْ عَصَى ، وَمِنْ هَهُنَا نَذْكُرُ الْأَسْمَاءَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْقُرْآنِ . وَسَمَّاهُ قَيِّمًا : الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْقَيِّمُ ﴿ قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا ﴾ [الْكَهْفِ : 2] وَالدِّينُ أَيْضًا قَيِّمٌ ﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [التَّوْبَةِ : 36] وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْقَيُّومُ ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 255] وَإِنَّمَا سُمِّيَ قَيِّمًا لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِذَاتِهِ فِي الْبَيَانِ وَالْإِفَادَةِ . ذكر ابن تيمية في فتاويه :" الْقَيِّمُ " يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً " ؛ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ " . وَسَمَّاهُ مُهَيْمِنًا : الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: الْمُهَيْمِنُ ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [الْمَائِدَةِ : 48] وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَمِينِ ، وَإِنَّمَا وُصِفَ بِهِ لِأَنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْقُرْآنِ أَمِنَ الضَّرَرَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالرَّبُّ الْمُهَيْمِنُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الْمُهَيْمِنَ عَلَى النَّبِيِّ الْأَمِينِ لِأَجْلِ قَوْمٍ هُمْ أُمَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ كَمَا قَالَ : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 143]. وَأَمَّا الْمُهَيْمِنُ : فَلْأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ وَالْأُمَمِ السَّالِفَةِ . السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ : الْهَادِي ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الْإِسْرَاءِ : 9] وَقَالَ : ﴿ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾ [الْجِنِّ : 2] وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْهَادِي لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْخَبَرِ " النُّورُ الْهَادِي " . وَسَمَّاهُ نُورًا وَأَمَّا النُّورُ : فَلِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ غَوَامِضُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ . السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ : النُّورُ ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [النُّورِ : 35] وَفِي الْقُرْآنِ ﴿ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ﴾ [الْأَعْرَافِ : 157] : ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النِّسَاءِ : 174] : يَعْنِي الْقُرْآنَ وَسُمِّيَ الرَّسُولُ نُورًا ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [الْمَائِدَةِ : 15] يَعْنِي مُحَمَّدًا وَسُمِّيَ دِينُهُ نُورًا ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [الصَّفِّ : 8] وَسُمِّيَ بَيَانُهُ نُورًا ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزُّمَرِ : 22] وَسُمِّيَ التَّوْرَاةُ نُورًا ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ﴾ [الْمَائِدَةِ : 44] وَسُمِّيَ الْإِنْجِيلُ نُورًا ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾ [الْمَائِدَةِ : 46] وَسَمَّى الْإِيمَانَ نُورًا ﴿ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الْحَدِيدِ : 12]. وَسَمَّاهُ حَقًّا : الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ : الْحَقُّ : وَرَدَ فِي الْأَسْمَاءِ " الْبَاعِثُ الشَّهِيدُ الْحَقُّ " وَالْقُرْآنُ حَقٌّ ﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ﴾ [الْحَاقَّةِ : 51] فَسَمَّاهُ اللَّهُ حَقًّا ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْبَاطِلِ فَيُزِيلُ الْبَاطِلَ كَمَا قَالَ : ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ : 18] أَيْ ذَاهِبٌ زَائِلٌ ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ : 62] وذكر ابن تيمية في فتاويه :" الْحَقُّ" ، " قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ " . التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ : الْعَزِيزُ ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشُّعَرَاءِ : 9] ، وَفِي صِفَةِ الْقُرْآنِ ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ [فُصِّلَتْ : 41]؛ وَالنَّبِيُّ عَزِيزٌ ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ﴾، وَالْأُمَّةُ عَزِيزَةٌ ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْمُنَافِقُونَ : 8]؛ فَرُبَّ عَزِيزٍ أَنْزَلَ كِتَابًا عَزِيزًا عَلَى نَبِيٍّ عَزِيزٍ لِأُمَّةٍ عَزِيزَةٍ، وَلِلْعَزِيزِ مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا : الْقَاهِرُ ، وَالْقُرْآنُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَهَرَ الْأَعْدَاءَ وَامْتَنَعَ عَلَى مَنْ أَرَادَ مُعَارَضَتَهُ . وَالثَّانِي : أَنْ لَا يُوجَدَ مِثْلُهُ . وسَمَّاهُ " قُرْآنًا وَكَرِيمًا: الثَّلَاثُونَ : الْكَرِيمُ: فِي قَوْلِهِ :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴾ [الْوَاقِعَةِ : 77] . وَاعْلَمْ أَنَّهُ -تَعَالَى- سَمَّى سَبْعَةَ أَشْيَاءَ بِالْكَرِيمِ ﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الِانْفِطَارِ : 60] إِذْ لَا جَوَادَ أَجْوَدُ مِنْهُ، وَالْقُرْآنُ بِالْكَرِيمِ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ كِتَابٍ مِنَ الْحِكَمِ وَالْعُلُومِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ، وَسَمَّى مُوسَى كَرِيمًا ﴿ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾ [الدُّخَانِ : 17] وَسَمَّى ثَوَابَ الْأَعْمَالِ كَرِيمًا ﴿ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [يس : 11] وَسَمَّى عَرْشَهُ كَرِيمًا ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [النَّمْلِ : 26] لِأَنَّهُ مَنْزِلُ الرَّحْمَةِ، وَسَمَّى جِبْرِيلَ كَرِيمًا ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [الْحَاقَّةِ : 40] وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَزِيزٌ ، وَسَمَّى كِتَابَ سُلَيْمَانَ كَرِيمًا ﴿ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾ [النَّمْلِ : 29] فَهُوَ كِتَابٌ كَرِيمٌ مِنْ رَبٍّ كَرِيمٍ نَزَلَ بِهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ عَلَى نَبِيٍّ كَرِيمٍ لِأَجْلِ أُمَّةٍ كَرِيمَةٍ، فَإِذَا تَمَسَّكُوا بِهِ نَالُوا ثَوَابًا كَرِيمًا . الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ : الْعَظِيمُ : فِي قَوْلِهِ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الْحِجْرِ : 87]، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ عَظِيمًا فَقَالَ : ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 255] وَعَرْشَهُ عَظِيمًا ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التَّوْبَةِ : 129] وَكِتَابَهُ عَظِيمًا ﴿ وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الْحِجْرِ : 87] وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ عَظِيمًا ﴿ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْمُطَفِّفِينَ : 5-6] وَالزَّلْزَلَةَ عَظِيمَةً ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾[الْحَجِّ : 1] وَخُلُقَ الرَّسُولِ عَظِيمًا ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [الْقَلَمِ : 4]، وَالْعِلْمَ عَظِيمًا ﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النِّسَاءِ : 113] وَكَيْدَ النِّسَاءِ عَظِيمًا ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ [يُوسُفَ : 28] وَسِحْرَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ عَظِيمًا ﴿ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الْأَعْرَافِ : 116] وَسَمَّى نَفْسَ الثَّوَابِ عَظِيمًا ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الْفَتْحِ : 29] وَسَمَّى عِقَابَ الْمُنَافِقِينَ عَظِيمًا ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ : 176] . الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: الْمُبَارَكُ : فِي قَوْلِهِ :﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ : 50] وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَشْيَاءَ، فَسَمَّى الْمَوْضِعَ الَّذِي كَلَّمَ فِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُبَارَكًا ﴿ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الْقَصَصِ : 30] وَسَمَّى شَجَرَةَ الزَّيْتُونِ مُبَارَكَةً ﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ [التَّوْبَةِ : 35] لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا ، وَسَمَّى عِيسَى مُبَارَكًا ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ﴾ [مَرْيَمَ : 31] وَسَمَّى الْمَطَرَ مُبَارَكًا ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا ﴾ [ق : 9] لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ ، وَسَمَّى لَيْلَةَ الْقَدْرِ مُبَارَكَةً ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدُّخَانِ : 3] فَالْقُرْآنُ ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلَهُ مَلَكٌ مُبَارَكٌ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ عَلَى نَبِيٍّ مُبَارَكٍ لِأُمَّةٍ مُبَارَكَةٍ . و ذكروا له أسماء أُخَر منها : فـَسَمَّاهُ كَلَامًا :﴿ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التَّوْبَةِ : 6]. وَأَمَّا الْكَلَامُ: فَمُشْتَقٌّ مِنَ الْكَلِمِ بِمَعْنَى التَّأْثِيرِ؛ لْأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ فَائِدَةً لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ . وَسَمَّاهُ قَوْلًا وَفَصْلًا :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾ [الطَّارِقِ : 13] . ذكر ابن تيمية في فتاويه :" مُحْكَمٌ الْمُفَصَّلُ " وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا " ، وَسَمَّاهُ عَلِيًّا : ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الزُّخْرُفِ : 4] . وَسَمَّاهُ ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ وسَمَّاهُ ﴿ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ، وَسَمَّاهُ صِدْقًا : ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ﴾ [الزُّمَرِ : 33] . وَسَمَّاهُ ﴿ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ،ذكر ابن تيمية في فتاويه :﴿ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ ، وَسَمَّاهُ نَبَأً عَظِيمًا : ﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾ [النَّبَأِ : 1 - 2 ] . وَوَحْيًا :﴿ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ : 45] . ذكر ابن تيمية في فتاويه :" وَحَيٌّ فِي قَوْلِهِ : ﴿ إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ ، وَسَمَّاهُ عَرَبِيًّا : ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [يُوسُفَ : 2] . ذكر ابن تيمية في فتاويه :﴿ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ . وَسَمَّاهُ عِلْمًا : ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ [الْبَقَرَةِ : 145] . وَعَجَبًا : ﴿ قُرْآنًا عَجَبًا ﴾ [الْجِنِّ] . وَسَمَّاهُ الْعُرْوَةَ الْوُثْقَى : ﴿ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ [الْبَقَرَةِ : 256] . وَسَمَّاهُ عَدْلًا : ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ [الْأَنْعَامِ : 115] . وَسَمَّاهُ أَمْرًا : ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ﴾ [الطَّلَاقِ : 5] . وَسَمَّاهُ مُنَادِيًا : ﴿ سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ : 193] . وَسَمَّاهُ بُشْرَى : ﴿ هُدًى وَبُشْرَى ﴾ [النَّمْلِ : 3] . سَمَّاهُ مَجِيدًا : ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴾ [الْبُرُوجِ : 21] . وَأَمَّا الْمَجِيدُ : فَلِشَرَفِهِ . وَسَمَّاهُ زَبُورًا : ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ : 105] . وَسَمَّاهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا : ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [فُصِّلَتْ : 3 - 4] . ذكر ابن تيمية في فتاويه :" وَنَذِيرٌ " عَلَى قَوْلٍ " هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى " وَسَمَّاهُ عَزِيزًا : ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ [فُصِّلَتْ : 41] . وَأَمَّا الْعَزِيزُ : فَلْأَنَّهُ يَعِزُّ عَلَى مَنْ يَرُومُ مُعَارَضَتَهُ . وَسَمَّاهُ بَلَاغًا : ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ : 52] . وَأَمَّا الْبَلَاغُ : فَلْأَنَّهُ أُبْلِغَ بِهِ النَّاسُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ بَلَاغَةً وَكِفَايَةً عَنْ غَيْرِهِ . قَالَ السِّلَفِيُّ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهِ : سَمِعْتُ أَبَا الْكَرَمِ النَّحْوِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ التَّنُوخِيَّ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرُّمَّانِيَّ سُئِلَ : كُلُّ كِتَابٍ لَهُ تَرْجَمَةٌ، فَمَا تَرْجَمَةُ كِتَابِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ [إِبْرَاهِيمَ : 52 ] . وَقد سَمَّاهُ أَرْبَعَةَ أَسْمَاءٍ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ :﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ﴾[عَبَسَ :14 ] . وَأَمَّا وَصْفُهُ بِأَنَّهُ يَقُصُّ وَيَنْطِقُ وَيَحْكُمُ وَيُفْتِي وَيُبَشِّرُ وَيَهْدِي فَقَالَ :﴿ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ﴾، ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ ﴾، ﴿ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ﴾ أَيْ يُفْتِيكُمْ أَيْضًا ﴿ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ ﴾ وَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131] إِنَّهُ الْقُرْآنُ . فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى شَافِعًا مُشَفَّعًا وَشَاهِدًا مُصَدِّقًا وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « „ حُجَّةٌ لَك أَوْ عَلَيْك ” » ؛ العِصْمَة: فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ : « „ عِصْمَةٌ لِمَنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ ” » . آحدىٰ مقدمات ڪتابي : « التفسير والتأويل لما جاء في محكم التنزيل » .. ارجو من السميع العليم حُسن القراءة وصحة الفهم وسلامة النقل عن السادة العلماء والتوفيق في البحث ودقة الڪتابة! * (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) * 13 رمضان 1445 هـ . | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
31 / 03 / 2024, 41 : 06 PM | المشاركة رقم: 7 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ».. إنها الليلة المباركة ، وأفضل ليالي الدهر ، وخير ساعات العمر ، فلو قُدِّر للعبد أن يجتهد ويواصل عبادة ربه قرابة أربعة وثمانين عامًا ليس فيها ليلة القدر ؛ لكان قيامه ليلة القدر وحدها خيرًا من هذه الأعوام الطوال السنين الكثر ، وهذا من عظيم فضل الله وإنعامه على هذه الأُمَّة ، وفتح السبيل للمنافسة وسلوك الطرق السريعة المحصِّلة للكثير من الخير ، بالقليل من الجهد مع الثقة بالله وحُسْن الظَّنِّ به. فــ قد أكرمت أمة الإسلام التي أمنت بآله واحداً لا ثان له ولا ثالث ولا ولد له ولا معين أو وزير فأمنت بمن أرسله خاتم أنبياءه وآخر رسله وطبقت في حياتها العملية آخر كتبه المنزلة من لدن حكيم عليم من خلال تبيان سُنة متمم المبتعثين.. أكرمت هذه الأمة تفضلاً من خالقها ورازقها فاعتمدها ربها ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ وأظهر سبحانه سبب التكريم وعلة التفخيم ومناط التعظيم بأنكم ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ﴾وَ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾وَ﴿ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ ثم تتالى الإكرام في جميع أزمنة عمرها وترادف التعظيم في كافة اماكن تطأها بدءً من المسجد الحرام بـ مكة المكرمة مرورا بالحرم الشريف النبوي وصولا إلى بيت المقدس.. ثم جعل الأرض كلها مسجدا وطهوراً فَضْلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ فِي زَمَانٍ بِعَيْنِهِ يَقْتَضِي فَضْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ لِلْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ وَمِمَّا تَضَمَّنَتْهُ السُّورَةُ مِنْ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ تَنَزُّلُ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا .. فـ لَيلةُ القَدْرِ مِن لَيالي رَمضانَ الكريم ، لَيلةٌ عَظيمةٌ مُباركةٌ ، أخبَرَ اللهُ تعالَى بنُزولِ القُرآنِ فيها ، وفَخَّم شَأنَها ، وعَظَّم قَدْرَها ، فشأنُها جَليلٌ ، وأثَرُها عظيمٌ ، وهي تُعادِلُ في فَضْلِها ألْفَ شَهرٍ عبادة واجتهاد في طاعة ، وهي لَيلةٌ يَكثُرُ نُزولُ الملائكةِ فيها ، كثيرةُ الخيراتِ والبرَكاتِ ، سالِمةٌ مِن الشُّرورِ والآفاتِ. فما الْمُرَادُ بِالْقَدْرِ الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ تلك اللَّيْلَةُ.. فَــ قِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا ذَاتُ قَدْرٍ لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهَا ، أَوْ لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ ، وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَكْثَرُ فِي الْأَرْضِ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى ".. أَوْ لِمَا يَنْزِلُ فِيهَا مِنَ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، أَوْ أَنَّ الَّذِي يُحْيِيهَا يَصِيرُ ذَا قَدْرٍ.. وَقِيلَ : الْقَدْرُ هُنَا التَّضْيِيقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ وَمَعْنَى التَّضْيِيقِ فِيهَا إِخْفَاؤُهَا عَنِ الْعِلْمِ بِتَعْيِينِهَا ، أَوْ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَضِيقُ فِيهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ . وَقِيلَ : الْقَدْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْقَدَرِ -بِفَتْحِ الدَّالِ- الَّذِي هُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا أَحْكَامُ تِلْكَ السَّنَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ وَبِهِ صَدَّرَ النَّوَوِيُّ كَلَامَهُ فَقَالَ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِمَا تَكْتُبُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ مِنَ الْأَقْدَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ و اعتماداً على رواية صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « „ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ “ » .. الْتِمَاسُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ : عَنْ عبدِاللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « „ أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ “ » ؛. فقه الحديث : قَوْلُهُ : " مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ نَافِلَةٌ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَلَكِنَّهَا فَضْلٌ. وَيَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ عَلَى أَنَّ الْأَغْلَبَ فِيهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.. تعينها : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى مَذَاهِبَ كَثِيرَةٍ.. وَتَحَصَّلَ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا ، كَمَا وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي سَاعَةِ الْجُمْعَةِ ، وَقَدِ اشْتَرَكَتَا فِي إِخْفَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِيَقَعَ الْجِدُّ فِي طَلَبِهِمَا.. ( أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : قال صاحب الباري في شرحه على صحيح البخاري" لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ "... فــ قِيلَ : لَهُمْ فِي الْمَنَامِ : إِنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَوَاخِرُ الشَّهْرِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ السَّبْعُ الَّتِي أَوَّلُهَا لَيْلَةُ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ وَآخِرُهَا لَيْلَةُ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَا ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ ، وَعَلَى الثَّانِي تَدْخُلُ الثَّانِيَةُ فَقَطْ وَلَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ ، .. فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: « „ أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوافَقَت على أنَّها السَّبْعِ الأَوَاخِرِ “ » ؛ فمَنْ كانَ مُتَحَرِّيَها وطالبًا لها ، وقاصِدًا إيَّاها بـ الصَّلاةِ والقرآنِ ، والدُّعاءِ والاجتِهادِ بالعِبادةِ ؛ فلْيَلتمِسْها في السَّبعِ الأَواخِرِ.. وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ : إِنَّ نَاسًا أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ ، وَإِنَّ نَاسًا أُرُوا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « „ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ “ » ؛ وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَظَرَ إِلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَأَمَرَ بِهِ ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ : « „ رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ كَذَا وَكَذَا “ » ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « „ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ مِنْهَا “ » ؛ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا : « „ إِنْ غُلِبْتُمْ فَلَا تُغْلَبُوا فِي السَّبْعِ الْبَوَاقِي “ » ؛ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ : « „ مَنْ كَانَ مُلْتَمِسَهَا فَلْيَلْتَمِسْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ “ » ؛ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ : « „ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي “ » ؛ وَهَذَا السِّيَاقُ يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ مِنْ تَفْسِيرِ السَّبْعِ . ومِن حِكمةِ اللهِ تعالَى أنَّه أَخْفاها عنِ النَّاسِ ؛ لكي يَجتَهِدوا في الْتِماسِها في اللَّيالي، فيُكثِروا مِن العِبادةِ التي تَعودُ عليهمْ بالنَّفعِ والرضى والمغفرة.. وَمِنْ طَرِيقِ الضِّحَاكِ " يَقْبَلُ اللَّهُ التَّوْبَةَ فِيهَا مِنْ كُلِّ تَائِبٍ ، وَتُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَهِيَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِهَا ".. قَالَ " إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا أَوْ نُسِّيتُهَا ".. الْمُرَادُ أَنَّهُ أُنْسِيَ عِلْمَ تَعْيِينِهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ.. وَأَنَّ النِّسْيَانَ جَائِزٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي تَبْلِيغِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالتَّشْرِيعِ كَمَا فِي السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ ، أَوْ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ؛ لِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَوْ عُيِّنَتْ فِي لَيْلَةٍ بِعَيْنِهَا حَصَلَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا فَفَاتَتِ الْعِبَادَةُ فِي غَيْرِهَا ، وَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : " عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ".. إِشَارَةٌ إِلَى رُجْحَانِ كَوْنِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُنْحَصِرَةً فِي رَمَضَانَ ، ثُمَّ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ ، ثُمَّ فِي أَوْتَارِهِ لَا فِي لَيْلَةٍ مِنْهُ بِعَيْنِهَا ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا . وَقَدْ وَرَدَ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَامَاتٌ أَكْثَرُهَا لَا تَظْهَرُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ.. يتبقى: ما روي عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ : لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يُطِيقُ الْقِيَامَ إِلَّا أَقَامَهُ.. وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ إِنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ :إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسَ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارُ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ مِثْلَمَا بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" .. ثم قال ابن عبدالبر :" لَا أَعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، وَلَا أَعْرِفُهُ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا ، وَلَا مُسْنَدًا ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ ، وَلَكِنَّهَا رَغَائِبٌ ، وَفَضَائِلٌ ، وَلَيْسَتْ أَحْكَامًا ، وَلَا بَنَى عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ ، وَلَا فِي مُوَطَّئِهِ حُكْمًا ".. خصائص ليلة القدر وقد خص الله تعالى هذه الليلة بخصائص منها: 1.] أنه نزل فيها القرآن، قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله ﷺ. 2.] وصْفها بأنها خير من ألف شهر في قوله: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ 3.] ووصفها بأنها مباركة في قوله: ﴿إنا أنزلناه في ليلة مباركة ﴾ 4.] أنها تنزل فيها الملائكة ، والروح ، أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها ، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة ، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ، ويحيطون بحِلَق الذِّكْر ، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيماً له ، والروح هو جبريل عليه السلام وقد خصَّه بالذكر لشرفه. 5.] ووصفها بأنها سلام ، أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى كما قاله مجاهد ، وتكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب بما يقوم العبد من طاعة الله عز وجل. 6.] ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق ، وما يكون فيها إلى آخرها ، كل أمر محكم لا يبدل ولا يغير وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وكتابته له ، ولكن يُظهر للملائكة ما سيكون فيها ويأمرهم بفعل ما هو وظيفتهم . 7.] أن الله تعالى يغفر لمن قامها إيماناً واحتساباً ما تقدم من ذنبه، كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- السابق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « „.. ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه “ » ؛ وقوله: (إيماناً واحتساباً) أي تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه وطلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه. [8] الْمَجَالِسُ السَّنيَّةُ الْنَّدِيَّة فِي شَهْرِ الْصِيامِ والْلَيَالِي الْرَمَضَانِيّةِ 21 رمضان 1445 هـ . * (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) * | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018