السلام عليكم ورحمه الله
احبتي في الله
(
باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - )
وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه
هذا الباب فيه حديث ابن عباس وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم . فأما حديث ابن عباس ففي البخاري أيضا . وأما حديث أبي سعيد ففي مسلم خاصة .
قوله في الرواية الأولى : ( حدثنا حماد بن زيد عن أبي جمرة قال : سمعت ابن عباس رضي الله عنهما ) وقوله في الرواية الثانية ( أخبرنا عباد بن عباد عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما ) قد يتوهم من لا يعاني هذا الفن أن هذا تطويل لا حاجة إليه ، وأنه خلاف عادته وعادة الحفاظ ; فإن عادتهم في مثل هذا أن يقولوا عن حماد وعباد عن أبي جمرة عن ابن عباس . وهذا التوهم يدل على شدة غباوة صاحبه . وعدم مؤانسته بشيء من هذا الفن ; فإن ذلك إنما يفعلونه فيما استوى فيه لفظ الرواة ، وهنا اختلف لفظهم ; ففي رواية حماد عن أبي جمرة : سمعت ابن عباس . وفي رواية عباد عن أبي جمرة : عن ابن عباس . وهذا التنبيه الذي ذكرته ينبغي أن يتفطن لمثله ، وقد نبهت على مثله بأبسط من هذه العبارة في الحديث الأول من كتاب الإيمان ، ونبهت عليه أيضا في الفصول ، وسأنبه على مواضع منه أيضا مفرقة في مواضع من الكتاب إن شاء الله تعالى . والمقصود أن تعرف هذه الدقيقة ويتيقظ الطالب لما جاء منها فيعرفه وإن لم أنص عليه اتكالا على فهمه بما تكرر التنبيه به ، وليستدل - ص 149 - أيضا بذلك على عظم إتقان مسلم رحمه الله وجلالته وورعه ودقة نظره وحذقه . والله أعلم .
وأما ( أبو جمرة ) وهو بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران بن عصام وقيل : ابن عاصم الضبعي بضم الضاد المعجمة البصري . قال صاحب المطالع : ليس في الصحيحين والموطأ أبو جمرة ، ولا جمرة بالجيم إلا هو . قلت : وقد ذكر الحاكم أبو أحمد الحافظ الكبير شيخ الحاكم أبي عبد الله في كتابه الأسماء والكنى أبا جمرة نصر بن عمران هذا في الأفراد فليس عنده في المحدثين من يكنى أبا جمرة بالجيم سواه ويروي عن ابن عباس حديثا واحدا ذكر فيه معاوية بن أبي سفيان وإرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه ابن عباس وتأخره واعتذاره . رواه مسلم في الصحيح . وحكى الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في كتابه علوم الحديث والقطعة التي شرحها في أول مسلم عن بعض الحفاظ أنه قال : إن شعبة بن الحجاج روى عن سبعة رجال يروون كلهم عن ابن عباس كلهم يقال له أبو حمزة بالحاء والزاي إلا أبا جمرة نصر بن عمران فبالجيم والراء قال : والفرق بينهم يدرك بأن شعبة إذا أطلق وقال : عن أبي جمرة عن ابن عباس فهو بالجيم . وهو نصر بن عمران . وإذا روى عن غيره ممن هو بالحاء والزاي فهو يذكر اسمه أو نسبه . والله أعلم .
قوله : ( قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) قال صاحب التحرير : الوفد الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقي العظماء والمصير إليهم في المهمات واحدهم وافد . قال : ووفد عبد القيس هؤلاء تقدموا قبائل عبد القيس للمهاجرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانوا أربعة عشر راكبا : الأشج العصري رئيسهم ، ومزيدة بن مالك المحاربي ، وعبيدة بن همام المحاربي ، وصحار بن العباس المري ، وعمرو بن مرجوم العصري ، والحارث بن شعيب العصري ، والحارث بن جندب من بني عايش . ولم نعثر بعد طول التتبع على أكثر من أسماء هؤلاء . قال : وكان سبب وفودهم أن منقذ بن حيان أحد بني غنم بن وديعة كان متجره إلى يثرب في الجاهلية ، فشخص إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - . فبينا منقذ بن حيان قاعد إذ مر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فنهض منقذ إليه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أمنقذ بن حيان كيف جميع هيئتك وقومك ؟ " ثم سأله عن أشرافهم رجل رجل يسميهم لأسمائهم . فأسلم منقذ وتعلم سورة الفاتحة واقرأ باسم ربك . ثم رحل قبل هجر . فكتب النبي - صلى الله عليه وسلم - معه إلى جماعة عبد القيس كتابا فذهب به وكتمه أياما ، ثم اطلعت عليه امرأته وهي بنت المنذر بن عائذ بالذال المعجمة ابن حارث والمنذر هو الأشج سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به لأثر كان في وجهه ، وكان منقذ - رضي الله عنه - يصلي ويقرأ ، فنكرت امرأته ذلك فذكرته لأبيها المنذر فقالت : أنكرت بعلي منذ قدم من يثرب : إنه يغسل أطرافه ، ويستقبل الجهة تعني القبلة ، فيحني ظهره مرة ويضع جبينه مرة ، ذلك ديدنه منذ قدم ، فتلاقيا فتجاريا ذلك فوقع الإسلام في قلبه . ثم ثار الأشج إلى قومه عصر ومحارب بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقرأه عليهم ، فوقع الإسلام في قلوبهم ، وأجمعوا على السير إلى - ص 150 - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسار الوفد ، فلما دنوا من المدينة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجلسائه : أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق وفيهم الأشج العصري غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين إذ لم يسلم قوم حتى وتروا .
قال : وقولهم : ( إنا هذا الحي من ربيعة ) لأنه عبد القيس بن أفصى يعني بفتح الهمزة وبالفاء والصاد المهملة المفتوحة ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار وكانوا ينزلون البحرين الخط وأعنابها وسرة القطيف والظهران إلى الرمل إلى الأجرع ما بين هجر إلى قصر وبينونة ثم الجوف والعيون والأحساء إلى حد أطراف وسائر بلادها . هذا ما ذكره صاحب التحرير . قولهم : ( إنا هذا الحي ) فالحي منصوب على التخصيص . قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح الذي نختاره نصب ( الحي ) على التخصيص ويكون الخبر في قولهم من ربيعة ومعناه إنا هذا الحي حي من ربيعة . وقد جاء بعد هذا في الرواية الأخرى : ( إنا حي من ربيعة ) . وأما معنى الحي فقال صاحب المطالع : الحي اسم لمنزل القبيلة ، ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض .
قولهم : ( وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر ) سببه أن كفار مضر كانوا بينهم وبين المدينة ، فلا يمكنهم الوصول إلى المدينة إلا عليهم .
قولهم : ( ولا نخلص إليك إلا في شهر الحرام ) معنى نخلص : نصل ، ومعنى كلامهم : أنا لا نقدر على الوصول إليك خوفا من أعدائنا الكفار إلا في الشهر الحرام ، فإنهم لا يتعرضون لنا ، كما كانت عادة العرب من تعظيم الأشهر الحرام ، وامتناعهم من القتال فيها . وقولهم : ( شهر الحرام ) كذا هو في الأصول كلها بإضافة شهر إلى الحرام ، وفي الرواية الأخرى أشهر الحرم . والقول فيه كالقول في نظائره من قولهم : مسجد الجامع ، وصلاة الأولى . ومنه قول الله تعالى : بجانب الغربي ولدار الآخرة فعلى مذهب النحويين الكوفيين هو من إضافة الموصوف إلى صفته ، وهو جائز عندهم . وعلى مذهب البصريين لا تجوز هذه الإضافة ولكن هذا كله عندهم على حذف في الكلام للعلم به فتقديره : شهر الوقت الحرام ، وأشهر الأوقات الحرم ، ومسجد المكان الجامع ، ودار الحياة الآخرة ، وجانب المكان الغربي ، ونحو ذلك . والله أعلم .
ثم إن قولهم : ( شهر الحرام ) المراد به جنس الأشهر الحرم وهي أربعة أشهر حرم كما نص عليه القرآن العزيز ، وتدل عليه الرواية الأخرى بعد هذه ( إلا في أشهر الحرم ) . والأشهر الحرم هي ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب . هذه الأربعة هي الأشهر الحرم بإجماع العلماء من أصحاب الفنون . ولكن اختلفوا في الأدب المستحسن في كيفية عدها على قولين حكاهما الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال : ذهب الكوفيون إلى أنه يقال : المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة . قال : والكتاب يميلون إلى هذا القول ليأتوا بهن من سنة واحدة قال : وأهل المدينة يقولون ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب . وقوم ينكرون هذا ويقولون جاءوا بهن من سنتين . قال أبو جعفر : وهذا غلط بين وجهل باللغة لأنه قد علم المراد ، وأن المقصود ذكرها ، - ص 151 - وأنها في كل سنة ; فكيف يتوهم أنها من سنتين . قال : والأولى والاختيار ما قاله أهل المدينة لأن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قالوا من رواية ابن عمر وأبي هريرة وأبي بكرة رضي الله عنهم قال : وهذا أيضا قول أكثر أهل التأويل . قال النحاس : وأدخلت الألف واللام في المحرم دون غيره من الشهور . قال : وجاء من الشهور ثلاثة مضافات شهر رمضان وشهرا ربيع . يعني والباقي غير مضافات . وسمي الشهر شهرا لشهرته وظهوره . والله أعلم .
قوله : - صلى الله عليه وسلم - : ( آمركم بأربع ، وأنهاكم عن أربع : الإيمان بالله ، ثم فسرها لهم فقال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم ) . وفي رواية : ( شهادة أن لا إله إلا الله وعقد واحدة ) وفي الطريق الأخرى : ( قال : وأمرهم بأربع ، ونهاهم عن أربع . قال : أمرهم بالإيمان بالله وحده . قال : وهل تدرون ما الإيمان بالله ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تؤدوا خمسا من المغنم ) . وفي الرواية الأخرى قال : ( آمركم بأربع ، وأنهاكم عن أربع : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وصوموا رمضان ، وأعطوا الخمس من الغنائم ) . هذه ألفاظه هنا وقد ذكر البخاري هذا الحديث في مواضع كثيرة من صحيحه وقال فيه في بعضها " شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وذكره في باب إجازة خبر الواحد ، وذكره في باب بعد باب نسبة اليمن إلى إسماعيل - صلى الله عليه وسلم - في آخر ذكر الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - ، وقال فيه : آمركم بأربع ، وأنهاكم عن أربع : الإيمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، بزيادة واو . وكذلك قال فيه في أول كتاب الزكاة : الإيمان بالله ، وشهادة أن لا إله إلا الله " بزيادة واو أيضا . ولم يذكر فيها الصيام . وذكر في باب حديث وفد عبد القيس : الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله . فهذه ألفاظ هذه القطعة في الصحيحين ، وهذه الألفاظ مما يعد من المشكل وليست مشكلة عند أصحاب التحقيق . والإشكال في كونه - صلى الله عليه وسلم - قال : " آمركم بأربع " . والمذكور في أكثر الروايات خمس . واختلف العلماء في الجواب عن هذا على أقوال أظهرها : ما قاله الإمام ابن بطال رحمه الله تعالى في شرح صحيح البخاري قال : أمرهم بالأربع التي وعدهم بها ، ثم زادهم خامسة ، يعني أداء الخمس ، لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر ، فكانوا أهل جهاد وغنائم . وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح نحو هذا فقال قوله : أمرهم بالإيمان بالله أعاده لذكر الأربع ووصفه لها بأنها إيمان ثم فسرها بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم فهذا موافق لحديث بني الإسلام على خمس ولتفسير الإسلام بخمس في حديث جبريل - صلى الله عليه وسلم - وقد سبق أن ما يسمى إسلاما يسمى إيمانا وأن الإسلام والإيمان يجتمعان ويفترقان . - ص 152 - وقد قيل إنما لم يذكر الحج في هذا الحديث لكونه لم يكن نزل فرضه .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : وأن تؤدوا خمسا من المغنم فليس عطفا على قوله شهادة أن لا إله إلا الله فإنه يلزم منه أن يكون الأربع خمسا ، وإنما هو عطف على قوله بأربع فيكون مضافا إلى الأربع لا واحدا منها ; وإن كان واحدا من مطلق شعب الإيمان . قال : وأما عدم ذكر الصوم في الرواية الأولى فهو إغفال من الراوي وليس من الاختلاف الصادر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل من اختلاف الرواة الصادر من تفاوتهم في الضبط والحفظ على ما تقدم بيانه . فافهم ذلك وتدبره تجده إن شاء الله تعالى مما هدانا الله سبحانه وتعالى لحله من العقد . هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو . وقيل في معناه غير ما قالاه مما ليس بظاهر فتركناه . والله أعلم .
وأما قول الشيخ إن ترك الصوم في بعض الروايات إغفال من الراوي وكذا قاله القاضي عياض وغيره وهو ظاهر لا شك فيه قال القاضي عياض رحمه الله : وكانت وفادة عبد القيس عام الفتح قبل خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونزلت فريضة الحج سنة تسع بعدها على الأشهر . والله أعلم .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وأن تؤدوا خمس ما غنمتم ) ففيه إيجاب الخمس من الغنائم وإن لم يكن الإمام في السرية الغازية وفي هذا تفصيل وفروع سننبه عليها في بابها إن وصلناه إن شاء الله تعالى . ويقال : ( خمس ) بضم الميم وإسكانها . وكذلك الثلث والربع والسدس والسبع والثمن والتسع والعشر بضم ثانيها ويسكن والله أعلم .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير ) وفي رواية : ( المزفت ) بدل المقير فنضبطه ثم نتكلم على معناه إن شاء الله تعالى . فالدباء بضم الدال وبالمد وهو القرع اليابس أي الوعاء منه .
وأما ( الحنتم ) فبحاء مهملة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة ثم ميم الواحدة حنتمة .
وأما ( النقير ) فبالنون المفتوحة والقاف .
وأما ( المقير ) فبفتح القاف والياء .
فأما ( الدباء ) فقد ذكرناه .
وأما ( الحنتم ) فاختلف فيها فأصح الأقوال وأقواها : أنها جرار خضر ، وهذا التفسير ثابت في كتاب الأشربة من صحيح مسلم عن أبي هريرة وهو قول عبد الله بن مغفل الصحابي رضي الله عنه ، وبه قال الأكثرون أو كثيرون من أهل اللغة وغريب الحديث والمحدثين والفقهاء . والثاني : أنها الجرار كلها قاله عبد الله بن عمر ، وسعيد بن جبير وأبو سلمة .
والثالث : أنها جرار يؤتى بها من مصر مقيرات الأجواف ، وروي ذلك عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - . ونحوه عن ابن أبي ليلى وزاد أنها حمر . والرابع : عن عائشة - رضي الله عنها - جرار حمر أعناقها في جنوبها ي*** فيها الخمر من مصر . والخامس : عن ابن أبي ليلى أيضا أفواهها في جنوبها ي*** فيها الخمر من الطائف . وكان ناس ينتبذون فيها يضاهون به الخمر . والسادس عن عطاء : جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم .
وأما ( النقير ) : فقد جاء في تفسيره في الرواية الأخيرة أنه : جذع ينقر وسطه .
وأما ( المقير ) فهو المزفت وهو المطلي بالقار وهو الزفت . وقيل : الزفت نوع من القار . والصحيح الأول فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : المزفت هو المقير .
وأما معنى النهي عن هذه الأربع فهو أنه نهى عن الانتباذ فيها وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب . وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليه الإسكار فيها فيصير حراما نجسا ويبطل ماليته فنهى عنه لما فيه من إتلاف المال ؛ ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه .
- ص 153 - ولم ينه عن الانتباذ في أسقية الأدم بل أذن فيها لأنها لرقتها لا يخفى فيها المسكر . بل إذا صار مسكرا شقها غالبا . ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر ثم نسخ بحديث بريدة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا . رواه مسلم في الصحيح . هذا الذي ذكرناه من كونه منسوخا هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء . قال الخطابي : القول بالنسخ هو أصح الأقاويل .
قال : وقال قوم : التحريم باق ، وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية . ذهب إليه مالك وأحمد وإسحاق وهو مروي عن ابن عمر وعباس - رضي الله عنهم - . والله أعلم .
,k.gj tvdqm hgp[ skm jsu