الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 1 | المشاهدات | 6779 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
13 / 08 / 2009, 12 : 06 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح حديث: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي" ، رواية ودراية كتبه: أبو عبدالله عمر صبحي حسن قاسم وكان الفراغ منه في: 2/شوال/1428 هـ الموافق: 13/10/2007م هذا البحث إنما أضعه بين يدي إخواني في شبكة الانترنت تواصلاً مع طلبة العلم وحرصاً مني على الاستفادة منهم، وأنا كلي حرص إن شاء الله على أن يسعفنا بعض الإخوة المختصين في باب المخطوطات امتلاكا لها أو خبرة بها بتحرير الصواب من هذا الاختلاف في النسخ الخطية لصحيح البخاري ولحديث حبيب المعلم عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه والذي ذكرته في أول البحث، وقد اعتمدت على رموز الكتب الحديثية التي اعتمد عليها السيوطي في جامعه، وهي رموز معروفة متداولة لا تخفى على طلبة العلم لكثرة مرورهم عليها في صحيح وضعيف الجامع للشيخ الألباني رحمه الله، وبعضها أنبه عليها بما يزيل اللبس عنها . - قال البخاري رحمه الله في صحيحه/ "باب: حجِّ النساء": حدثنا عبدان أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية: ما منعك من الحج؟ قالت: أبوفلان -تعني زوجها- كان له ناضحان حجَّ على أحدهما والآخر يسقي أرضا لنا، قال: فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي . . هذه الزيادة :"حجة معي"، أي: بزيادة: "معي" على الجزم قد وقعت في المطبوع الذي بأيدينا من صحيح البخاري في باب حج النساء، في حديث حبيب المعلم به؛ من غير شك بل على الجزم، وكذا وقعت في فتح الباري الذي هو باعتناء ومقابلة الشيخ عبدالعزيز بن باز ومحب الدين الخطيب رحمهما الله/ الطبعة السلفية، وأصلها إنما هي الطبعة الأميرية المطبوعة ببولاق، إذ إنَّ كتاب الحج من فتح الباري من كتب الفتح التي لم يتم مقابلتها على نسخ خطية من الشيخ ابن باز رحمه الله،كما نبه في مقدمة الطبعة الأولى /1406هـ - 1986م، وهذه النسخة -من البخاري- اعتمدها الهيثمي في موارد الظمآن، والشيخ الألباني في مختصر البخاري، وعبيد الله المباركفوري في شرحه على المشكاة، وكلهم عزاها إلى البخاري من غير شك، وعزا الأخيران الشك لرواية مسلم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (26/291): ((وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سنان امرأة من الأنصار: "عمرة في رمضان تقضي حجة معي"))ا.ﻫ، وكان من قول الشيخ الألباني في مختصر البخاري: ((كذا في نسختنا من الصحيح -أي بالزيادة من غير شك-، وكذلك في غير ما نسخة، وفي نسخة(أوربا) "حجة أو حجة معي"، وبهذا اللفظ عزاه النووي في الرياض للمتفق عليه، وهي رواية الهروي للصحيح، وهي رواية لمسلم، والأخرى بلفظ: "تقضي حجة" دون شك، وما في النسخة -أي نسخة الشيخ الألباني- له طريق آخر عن ابن عباس رضي الله عنه ؛ صححه جمع منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن العربي، وهو مخرج في صحيح أبي داوود-ح 1737- وفي الإرواء-ح 1587- ))ا.ﻫ كلام الشيخ الألباني رحمه الله، ولم يذكر الشيخ الألباني أي النسخ أصح، وإنما رجَّح ذكر الزيادة في البخاري من غير شك استناداً إلى ورود الحديث من طريق آخر في السنن عن ابن عباس رضي الله عنه ، وهو طريق عامر الأحول عن بكر بن عبدالله عن ابن عباس رضي الله عنه -وسيأتي الكلام على ما فيه من نكارة-، وكذا عزا الشيخ ابن باز اللفظ للبخاري بالزيادة من غير شك في فتاويه . وقبل الشروع في مناقشة لفظ البخاري بالزيادة على الجزم، أحبُّ أن أنبه على أن عزو شيخ الإسلام ابن تيمية الحديث إلى الصحيحين بالزيادة من غير شك خطأ ظاهر ولم يقل به أحد من أهل العلم، فرواية مسلم بالزيادة على الشك حتماً لا اختلاف عند المحدثين والمخرِّجين، وابن تيمية عادة ما يتَّكِلُ على حفظه رحمه الله في التخريج والعزو إلى كتب السنة فيقع منه بعض الوهم في مثل هذا، بل في نفس الفصل -وسيأتي الكلام عنه- عزا حديثاً لأبي موسى رضي الله عنه إلى الصحيحين مع أنه حديث لا يرويه إلا البخاري في صحيحه وليس له ذكر في مسلم أبداً، ولذا فلا يمكن أن يُذكر ابن تيمية رحمه الله مع من في نسخته من البخاري ذكر الزيادة دون شك، إذ من المحتمل أن الزيادة عنده في نسخته من الصحيحين على الشك فنسي الشك رحمه الله وجزم بالزيادة عندهما على حد سواء، خصوصاً أن هذه الزيادة غير مؤثرة من الناحية الفقهية وليس فيها زيادة فضل عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذ هذه الزيادة عنده مختصة بالصحابة رضي الله عنهم فهي لبيان الحال والواقع آنذاك، وسيأتي كلامه عند الكلام في فقه المسألة . وأما ما وقع في نسخنا ومطبوعاتنا اليوم من صحيح البخاري على الجزم بهذه الزيادة؛ فهذه مسألة تحتاج إلى مزيد من التحرير ومتابعة النسخ الخطية أو متابعة من عنده اعتناء بهذا الفن ومعرفتي بالمخطوطات وما يتعلق بها ضعيف جداً، ولكن الذي يظهر لي حتى الآن والله أعلم، أن زيادة "معي" على الجزم لا تثبت في صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى، وذلك لأدلة وقرائن ومنها: 1. أن النسخ الخطية مختلفة في هذا كما نبه عليه الشيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على مختصر البخاري -وقد تقدم-، وذكر أن نسخة (أوربا)، ورواية الهروي وقعت فيها الزيادة على الشك، وإن ثبت أن هذه النسخ كلها معتمدة موثوق فيها؛ فحينئذ تكون نسخة (أوربا) فيها زيادة "أو حجة"، وهذه زيادة لاينبغي إهمالها أو التشكيك فيها، وحينئذ يكون ذكر المعية في الحديث إنما هو على الشكِّ لا الجزم . 2. أن هذا الحديث قد رواه مسلم في صحيحه عن شيخه أحمد بن عبدة الضبي عن يزيد بن زريع عن حبيب المعلم به ومع ذلك فقد وقعت فيه هذه الزيادة على الشك، وكذا رواه ابن عبدالبر في التمهيد(22/57) من طريق الحافظ أبوبكر البزار صاحب المسند المعروف عن شيخ مسلم أحمد بن عبدة الضبي عن يزيد بن زريع به، ومن غير ذكر الزيادة أبدا لا على الشك ولا على الجزم، فزيادة: "معي"، لاتدري من أين أتت؟ إن أردنا أن نجعل العهدة فيها على حبيب المعلم، فحبيب روى هذا الحديث عنه جعفر بن مهران السباك عند الطبراني في الكبير وليس لها ذكر في حديثه لا على الشك ولا على الجزم، وإن أردنا أن نجعل العهدة فيها على يزيد بن زريع؛ فيزيد أيضاً روى البزار عن الضبي -كما تقدم عند ابن عبدالبر- هذا الحديث عنه من غير ذكر الزيادة أصلاً، ولكن وجدت ابن الأثيرفي أسد الغابة قد أسند هذا الحديث عن أبي موسى المديني إجازة رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن يزيد بن زريع به مع الزيادة على الشك، وعلى هذا فالظاهر أن هذه الزيادة على الشك محفوظة من حديث يزيد بن زريع عن حبيب لاجتماع المقدمي والضبي -كما في رواية تلميذه مسلم- عليها، وهذا مما يقوي أن رواية عبدان عن يزيد بن زريع عند البخاري بالزيادة ولكن على الشك كرواية البقية، فلو كان لهذه الزيادة أصل في البخاري فإنما ستكون على سبيل الظن والشك لا الجزم؛ إذ مدار الحديث عندهما على يزيد بن زريع عن حبيب المعلم به . 3. هذا الحديث لما خرَّجه البخاري في صحيحه من حديث حبيب المعلم عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه ؛ قال بعد ذلك: ((رواه ابن جريج عن عطاء سمعت ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال عبيد الله عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم))، فهنا ذكر البخاري طرق الحديث وذكر اختلاف أصحاب عطاء عليه، ولم يذكر اختلاف اللفظ، فلو كان بين هذه الطرق اختلاف في اللفظ لذكره البخاري كما ذكر اختلاف السند، ونحن إذا رجعنا إلى لفظ ابن جريج عند البخاري ومسلم وغيرهما عن عطاء به؛ نجده أنه وقع من غير ذكر الزيادة أصلاً،ومثله لفظ جابر رضي الله عنه كما عند أحمد في مسنده وابن ماجه بسند صحيح -وسيأتي-. 4. قد تقدَّم في كلام الشيخ الألباني أن النووي في رياض الصالحين قد عزا الزيادة بالشك إلى المتفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنه ، قلت: وكذا في المجموع، ومثله أبو عبدالله الحميدي الأندلسي في الجمع بين الصحيحين وابن الأثير في جامع الأصول وابن الملقن في خلاصة البدر المنير وابن مفلح في الفروع والمبدع، وأما المزي في تحفة الأشراف فقد عزا الحديث إلى البخاري من رواية حبيب المعلم وذكر لفظه من غير ذكر الزيادة أصلا لا بالجزم ولا بالشك، ومثله ابن حجر ذكر طريق حبيب المعلم عند البخاري من غير الزيادة أصلاً، في تغليق التعليق (3/133) وفي التلخيص الحبير وفي الإصابة -ترجمة أبي سنان-، وكذا قد خرَّج جماعةٌ من أهل العلم هذا الحديث وعزوه للبخاري وذكروا لفظه من غير الزيادة، ثم تطرَّقوا للرواية الأخرى بالزيادة على الشكِّ وعزوها إلى مسلم وحده دون البخاري، وهذا التفصيل بعينه هو ما فعله المنذري في الترغيب والترهيب والحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء وابن الهمام في فتح القدير وابن عابدين في حاشيته، ووقع في كلام من خرج الأحاديث القولية عن النبي صلى الله عليه وسلم كالسيوطي في جامعه الكبير والمتقي الهندي في كنز العمال؛ أن ذكرا هذا الحديث من غير الزيادة أصلاً وعزياها إلى الصحيحين، ثم ذكراها مع الزيادة وعلى الجزم وعزياها لخارج الصحيحين من السنن والمسانيد ولم يذكراها للبخاري، ونجد أن جماعة من الشراح تعرضوا لشرح هذا الحديث عند البخاري إما من طريق حبيب المعلم بعينه أو على الإطلاق، ولم يتعرضوا مع هذا لشرح هذه الزيادة البتة أو تخريجها أوالكلام عليها البتة، وهذا ما كان من ابن بطال في شرحه وابن حجر في فتحه والعيني في عمدته والسندي في حاشيته والمناوي في فيض القدير، وليس هذا من عادة الشراح خاصة الحافظ ابن حجر رحمه الله . فتلخص لنا: أن ذكر هذه الزيادة من طريق حبيب المعلم في صحيح البخاري له ثلاث احتمالات: 1- أنها موجودة وعلى الجزم . 2- أنها موجودة لكن على الشك وهذا الاحتمال أقوى من الأول . 3- أنها غير مذكورة أصلا لاعلى الجزم ولا على الشك، وكذا ليس لها ذكر من رواية ابن جريج ولا من رواية حبيب المعلم في البخاري وهذا احتمال قوي أيضاً، ولولا مقالة الهيثمي في موارد الظمآن وذكره هذه الزيادة على الجزم في الصحيح، لجزمت بخطأ هذه الزيادة في البخاري وأنه لا أصل لها عنده على الجزم، وإنما وقع في النسخ الخطية المتأخرة سقط لكلمةأو حجة)، ثم تأملت كلام الهيثمي في موارد الظمآن/كتاب الحج/باب العمرة في رمضان، فذكر حديث ابن عباس رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سليم: "يا أم سليم إن عمرة في رمضان تعدل حجة معي"، ثم قال الهيثمي: "قلت: هو في الصحيح بنحوه من غير تسمية لأبي طلحة وابنه وأم سليم، وقولُه: تعدل حجة معي من غير شك" ا.ﻫ كلامه، فظهر لي أن المراد بقوله:"وقولُه: تعدل حجة معي من غير شك"، أي قوله هنا في ابن حبان؛ لأن هذا هو الواقع إذ جاءت عند ابن حبان في نسخة الهيثمي من غير شك، أما في الصحيح فهي على الشك هذا مراد الهيثمي والله أعلم، وبذا تستقيم النسخ الخطية للمتقدمين من العلماء ولا يظهر بينهم كبير فرق فهي عندهم إما من غير زيادة: "معي"، أو هي عندهم بالزيادة ولكن على الشك: "أو حجة معي"، وغاية الأمر إن وردت الزيادة عند البخاري أن تكون على الشك . وبعد هذا كله فإنه على فرض وجود الزيادة -على الجزم أو الشك- في رواية حبيب المعلم، فهل هي أصح أم رواية ابن جريج؟ لا شك أن الأصح هي رواية ابن جريج عند الشيخين و(ن في الكبرى،حب)؛ لأنه أوثق وأحفظ وأغلب روايات السنة معه كما سيأتي، وقد تابع جماعة ابن جريج على لفظه من غير الزيادة كابن أبي ليلى عند(حم،طب) وحجاج بن أرطأة عند(حم،شب،هـ،مسند أبي حنيفة)، ويعقوب بن عطاء عند (حب- الإحسان/شعيب-، طب ،طس) فرووا هذا الحديث عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه من غير شك، ومقتصرين على قول :"تقضي حجة" ، ومن غير زيادة: "معي"، وهذا إن قيل إنها خرجت من فيِّ حبيب وإلا فهذا محل نظر كما تقدم . وقد وقعت زيادة :"معي" أو ما يدل عليها من رواية جماعة، منهم: عامر الأحول عن بكر بن عبدالله المزني التابعي الجليل عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه وفيه قصة، كما عند (د،خز،طب،طس وقال: لم يرو هذا الحديث عن بكر إلا عامر؛ تفرد به عبد الوارث، ورواه الحاكم في المستدرك؛ وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه،هق) وصححه الشيخ الألباني وحسنه الشيخ مقبل في جامعه الصحيح، ومنهم:أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام؛ من حديث عمارة بن عمير التيمي الكوفي(ن كبرى،طب،الكنى للدولابي) وجامع بن شداد(ن، الكنى للدولابي) كلاهما عنه عن زوجها أبي معقل عند، ووقع اختلاف ظاهر في ألفاظ حديث أبي بكر بن عبدالرحمن كما سيأتي، ومنهم:إبراهيم بن سويد عن هلال بن يسار عن أنس رضي الله عنه عند الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل والعقيلي في الضعفاء وابن عبدالبر في التمهيد، ومنهم: معاذ بن المثنى عن مسدد عن أبي معاوية الضرير عن حجاج بن أرطأة عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً عند الطبراني في الكبير ، ومنهم: أبو شهاب الحناط عن ابن أبي ليلى عن عطاء به عند ابن سعد في الطبقات . والجواب عن هذه الزيادة عند من تقدم ذكره أن يقال: أما وقوعها في حديث عامر الأحول عن بكر بن عبدالله المزني؛ فهذا من خطأ الأحول وهو غير متقن وفي حفظه شيءٌ من الضعف، بل ضعفه الإمام أحمد رحمه الله فقال عنه مرة:ليس بالقوي، وقال مرة: ليس حديثه بشيء، ونقل أبوداوود وكذا العقيلي عن عبدالله بن الإمام أحمد كلاهما أن الإمام أحمد ضعفه، فروايته ليست تعدل شيئاً عند رواية عطاء رحمه الله، ثم إن هذا الحديث قد رواه أحمد بن منيع البغوي في مسنده كما ذكر ابن حجر في الفتح -وهو في المطالب العالية- بإسنادين صحيحين جليلين إلى سعيد بن جبير عن امرأة من الأنصار يقال لها أم سنان، أنها أرادت الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها: "اعتمري في رمضان، فإنها لك حجة"، ولعله مرسل بين أم سنان وابن جبير فينظر سماعه منها، ولو فُرض إرساله فغالب الأمر أنه أخذه عن ابن عباس رضي الله عنه فالحديث محفوظ من روايته، وقد وافقه عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه كما تقدم عند الشيخين،فالقرينة قائمة على صحة هذا المرسل، إضافة إلى أن مراسيل سعيد بن جبير أقوى من مراسيل مجاهد كما قال ابن المديني، مع أن مراسيل مجاهد قواها الحافظ الذهبي في الموقظة، فاجتمع هذان الإمامان على مخالفة رواية الأحول إضافة إلى ما سيأتي من الروايات، وهذا من أدل ما يكون على نكارتها وشذوذها، وأما وقوعها في حديث أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، فالجواب عنها: أنه قد اختلف في حديثه في ذكر الزيادة، ثم إن هذا الحديث وهذه القصة يرويها *الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن أم معقل الأسدية رضي الله عنها عند (إسحاق في مسنده، ن في الكبرى، الآحاد والمثاني،طب) **وإبراهيم بن المهاجر (حم، د، طيالسي،خز،ك) عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن رسول مروان عن أم معقل، ***وسمي مولى أبي بكر بن عبدالرحمن عن أبي بكر عن أم معقل(مالك في الموطأ،الآحاد والمثاني،طب)، وقال ابن عبد البر في التمهيد: "هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة للموطأ وهو مرسل في ظاهره إلا أنه قد صحَّ أن أبا بكر سمعه من تلك المرأة فصار مسندا بذلك والحديث صحيح مشهور من رواية أبي بكر وغيره"ا.ﻫ ، ****والأسودُ بن يزيد النخعي(حم،ت وقال:حسن غريب من هذا الوجه،هـ، الآحاد والمثاني،طب) عن أبي معقل الأسدي وفي بعض الروايات عن أبي معقل عن أم معقل رضي الله عنهم، ويرويها *****أبو سلمة بن عبدالرحمن(حم ،ن كبرى،طب،مسند الشاميين،هق) عن معقل بن أبي معقل الأسدي، وعند (ابن سعد في الطبقات،حم،الآحاد والمثاني) عن أمه أيضاً، ******وأبو زيد -رجل مجهول- عن معقل بن أبي معقل رضي الله عنه عند (حم، أبويعلى) وكلها ليس فيها زيادة: "معي"، وكذا وقع التصريح في رواية شعبة(حم، طيالسي،خز) وأبي عوانة(د،حم،طب)، والثوري(ابن عبدالبر في التمهيد) كلهم عن إبراهيم بن المهاجر عن أبي بكر بن عبدالرحمن في كونه ما أخذ هذا الحديث عن آل أبي معقل، وإنما أخذه عن رسول مروان بن الحكم وصححه ابن خزيمة، وهذا الرسول مجهول مبهم لم تبيِّنه الروايات، وإن كان من روى الحديث عن أبي بكر عن بعض آل أبي معقل من غير واسطة أحفظ وأكثر؛ وإبراهيم بن المهاجر فيه ضعف ظاهر، ووقع عند الطبراني في الكبير وابن عبدالبر في التمهيد من حديث الحارث بن أبي بكر بن عبدالرحمن عن أبيه أن صرَّح بدخوله على أم معقل وسماعه هذا الحديث منها مع مروان بن الحكم وإسناده صحيح إلى الحارث، على أنه يقال أيضاً في رواية جامع بن شداد وعمارة عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث ومثله في رواية الأحول عن بكر بن عبدالله المزني التي صححها جمع من أهل العلم وتقدم أن فيها شيء من النكارة، فيقال في هذه الروايات التي وردت في سياق القصة المتقدمة: إنه لم يقع فيهما التصريح اللفظي المطلق من قوله صلى الله عليه وسلم: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي"، وإنما وقع ذكر قصة هذه المرأة التي فاتها الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم فسُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم : أنها جعلت عليها حجة معك، فلم يتيسر لها ذلك فما يجزي عنها؟ قال: "عمرة في رمضان"، أو "عمرة في رمضان تعدل حجة معي"، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عمرة في رمضان" في سياق هذا السؤال؛ يجعل المراد من الحديث محتملاً، هل يراد منه أن العمرة في رمضان تعوضها عما فاتها من الحج، ولما كانت حجتها ستقع مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه عرص لها مانع فكان الجواب: "أن عمرة في رمضان تجزي عن حجة معي"؟ أو أن عمرة رمضان تعدل ثواب حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً ؟ والأول أظهر والله أعلم، وإنما ذكر المعية في سرد السائل للقصة إنما كان بياناً للواقع وذكرا لزمن هذه الحجة الفائتة، وقرنها حينئذ بالنبي صلى الله عليه وسلم ظاهر جداً؛ إذ كل النفوس تشوفت ورغبت في الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم للحج للتعلم منه ومتابعة مناسكه وحضور هذا المشهد العظيم -وسيأتي مزيد تقرير لهذا الاحتمال في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية-. وأما وقوعها في حديث أنس رضي الله عنه فهذا قد وقع اللفظ فيه صريحاً وهو عند الطبراني في الكبير، ومداره على هلال بن زيد بن يسار وهو متروك الحديث وعدَّ ابن عدي في الكامل والعقيلي في الضعفاء والذهبي في الميزان هذا الحديث من مناكيره، على أن هذه الزيادة لم ترد عند ابن عبدالبر في التمهيد، وأما وقوعها في حديث حجاج بن أرطأة عن عطاء به عند الطبراني في الكبير، فهذا النكارة تلوح فيه من بعيد من جهات عدة، الأولى: أن حجاج بن أرطأة ضعيف كثير الخطأ وهذا منها، إذ خالف ابن جريج وابن أبي ليلى وغيرهما. الثانية: أن حجاج بن أرطأة مضطرب الحديث، وقد اضطرب هنا فزاد: "معي"، والحديث رواه عنه عبدالله بن نمير (حم)، وأبوحنيفة(مسنده)، وعلي بن مسهر(طب) فلم يذكر أحد عنه هذه الزيادة وهذا يدل على اضطراب حجاج في رواية المتن، ووقع عند أبي الشيخ في (جزء ما رواه أبو الزبير عن غير جابر) اضطراب في السند من حجاج إذ جعله من رواية أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه ، ولكن في السند إلى حجاج السريَ بن عاصم وهو كذاب، الثالثة: أننا لو أردنا أن ننظر رواية الأكثر لوجدنا أن أكثر الرواة يروونه عن حجاج من غير زيادة "معي"، حتى قال الطبراني: "زاد أبو معاوية في حديثه (معي)"ا.ﻫ، فجعل هذا من زيادة أبي معاوية، والأظهر والله أعلم إما أن يقال: هذا من اضطراب حجاج لسوء حفظه وعدم ضبطه، أو: ممن فوق أبي معاوية، لأن الحديث يرويه ابن ماجه عن شيخه الحافظ الإمام علي بن محمد الطنافسي، ويرويه ابن أبي شيبة كلاهما من حديث أبي معاوية عن حجاج به وليس فيه هذه الزيادة، ولذا لو أردنا أن نذكر حديث حجاج بن أرطأة مع أحد اللفظين لكان هو أحق أن يلحق بمن لم يذكر هذه الزيادة، وهذا ما فعلته في صدر البحث، وهذا البحث بعينه يقال في هذه الزيادة في ورودها في حديث أبي شهاب الحناط -صدوق يهم- عن ابن أبي ليلى عن عطاء به عند ابن سعد في الطبقات، والصواب مع عبدالله بن نمير (حم)، وعلي بن مسهر (طب) عن ابن أبي ليلى من غير ذكرها . ثم إن مما يدل على ضعف هذه الزيادة وعدم الجزم بها أن هذا الحديث يرويه جمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عنه مرفوعا، من غير ذكر زيادة: "معي"، ومنهم: جابر بن عبدالله رضي الله عنه كما رواه عنه(حم،هـ، البخاري معلقاً) من حديث عبيدالله بن عمرو الرقي عن عبدالكريم الجزري عن عطاء عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه ، وإسناده صحيح وصححه الشيخ الألباني في مختصره على البخاري وغيره من كتبه، على أن ابن حجر رجح في الفتح شذوذ هذا السند وأن الخطأ فيه من عبدالكريم الجزري إذ جعله عن عطاء عن جابر رضي الله عنه والصواب ما رواه الأكثر عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه، وعلَّق ابن حجر في الفتح على تعليق البخاري لحديث جابر رضي الله عنه بقوله: "وصنيع البخاري يقتضي ترجيح رواية ابن جريج ويومئ إلى أن رواية عبد الكريم ليست مُطَّرَحة؛ لاحتمال أن يكون لعطاء فيه شيخان، ويؤيد ذلك أن رواية عبد الكريم خالية عن القصة مقتصرة على المتن وهو قوله: (عمرة في رمضان تعدل حجة)، كذلك وصله أحمد وابن ماجه من طريق عبيد الله بن عمرو" ا.ﻫ كلام ابن حجر، ومنهم: وهب بن خنبش رضي الله عنه، وقيل: هرم بن خنبش، ووهب أصح كما جزم به البخاري ونقله عنه البيهقي وأقره، وجزم به أبو عيسى الترمذي في سننه والمزي في تهذيب الكمال، وقال: "ومن قال: وهب؛ أكثر وأحفظ" ا.هـ، ورواه عنه (حم،ن كبرى،هـ،الآحاد والمثاني،طب،طس،هق،الكنى للدولابي،المحدث الفاصل) من حديث جماعة عن الشعبي عن وهب رضي الله عنه وإسناده صحيح أيضاً، وصححه البوصيري في زوائد ابن ماجه والشيخ الألباني والشيخ مقبل الوادعي في الجامع الصحيح وقال: صحيح على شرط الشيخين، وذكر أن الدارقطني ذكره في الإلزامات على البخاري ومسلم وألزمهما بذكره في الصحيح، ومنهم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند البزار وفي صحته نظر وقال عنه البزار:"وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد"ا.ﻫ، ومنهم: عروة البارقي عند(طب) وهو خطأ كما بينه الطبراني والصواب أنه حديث وهب بن خنبش، ومنهم: يوسف بن عبدالله بن سلام رضي الله عنه من حديث ابن عيينة عن ابن المنكدر عنه، كما رواه (حم،شب،ن كبرى)، والسند موصول صحيح على طريقة البخاري وابن حجر لأنهم يروْنَ أن يوسف بن عبدالله رضي الله عنه له رؤية وتمييز للنبي صلى الله عليه وسلم -كما في الإصابة-، واستدل ابن حجر على تمييزه بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ منه؛ بدليل ما رواه أبوداوود في سننه والترمذي في الشمائل من طريق يزيد الأعور عن يوسف بن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كِسْرةً من خُبْز الشعير فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه؛ وأكل"، ومداره على يزيد الأعور وهو مجهول ليس له غير هذا الحديث، وذكر ابن حجر في تهذيبه أن ابن حبان أشار إلى ضعف هذا الحديث، وكذا ضعفه العلامة الألباني في مختصر الشمائل، وللحديث طريق آخر متابع لحديث يزيد الأعور ولكن فيه يحيى بن العلاء البجلي كذبه أحمد وغيره، ولذا لعل ما ذهب إليه ابن أبي حاتم في تعقباته على البخاري -كما في الإصابة- وكذا الذهبي في السير من أن رواية يوسف عن النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل المرسل، ولكن مثل هذا غير مؤثر في صحة الحديث إذ هو مروي من طرق والغالب أن يوسف وغيره من صغار الصحابة أخذوا مثل هذه الأخبار عن كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع عند (شب مختصرا،دارمي،د،الآحاد والمثاني،طب مختصراً،هق،حجة الوداع لابن حزم) من طريق محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل عن يوسف بن عبدالله بن سلام عن جدته أم معقل -أي جدة عيسى- هذا الحديث، وفيه(د، الآحاد والمثاني،حجة ابن حزم): "فأما إذ فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمري في رمضان فإنها كحجة"، فكانت تقول(د، الآحاد والمثاني،هق): "الحج حجة والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري ألي خاصة؟"، وهذا فيه ابن إسحاق وقد عنعن ولم أجد تحديثه إلا عند ابن حزم في حجة الوداع، وعيسى مستور وقد وثقه ابن حبان، وهذا الطريق يبيِّن من أين أخذ يوسف رضي الله عنه هذا الحديث، وقد قال ابن عبدالبر في التمهيد عن حديث محمد بن إسحاق هذا: إنه أحسن الناس سياقة لهذا الحديث، وذكر في التمهيد لفظه المطول . فالخلاصة: أن هذا الحديث مشهور من طرق جماعة كثيرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في عامتها ذكر زيادة: "معي"،بل عدّ الكتاني في نظم المتناثر هذا الحديث من الأحاديث المتواترة، فقال: (عمرة في رمضان تعدل حجة) ثم عدَّ تسعة عشر نفساً من الصحابة ممن روى هذا الحديث، وكل هذه الروايات عن الصحابة إن انضمت إلى رواية الأكثر في حديث ابن عباس رضي الله عنه وحديث آل أبي معقل الأسدي، دلَّت على أن زيادة:"معي" زيادة منكرة ليس لها أصل صحيح في كتب السنة المعتمدة إلا على وجه الشك عند الشيخين أو عند مسلم فقط وهو الأظهر. ولعل هذا -إضافة إلى ما تقدم من وجودها في بعض نسخ البخاري على الجزم- هو سبب ذيوعها وانتشارها بين طلبة العلم فضلا عن الدعاة والوعاظ والخطباء، إضافة إلى ورود معناها في بعض الأحاديث في السنن، إضافة إلى كونها من فضائل الأعمال ولا يتعلق بها حكم شرعي، فلذا ما اعتنى الأئمة رحمهم الله عناية ظاهرة في بيان شذوذها. وعلى هذا ندرك خطأ كثير من حملات الحج والعمرة وكذا خطأ كثير من الدعاة والخطباء في الحثِّ على العمرة في شهر رمضان، في قولهم الجازم ودعاياتهم الظاهرة: (هل تريد أجر حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟)، فهنيئاً لك حجة مع نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم)، وهذا الأمر لا نجده في كلام العلماء السابقين، بل لو فتشت كتب أئمة الحديث فإنك لا تجد -فيما اطلعت عليه- أحداً يبوب على هذا الحديث - سواء منهم من روى الزيادة أو لم يروها - : ( عمرة في رمضان تعدل حجة معي أو حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم)، وإنما يترجمون على لفظين، الأولالعمرة في رمضان، أو:فضل العمرة في رمضان)، الثانيعمرة في رمضان حجة، أو: تعدل حجة)، فالذي ينبغي أن يتحرَّز الإنسان من هذا اللفظ طالما أنه لم تثبت هذه اللفظة بأسانيد صحيحة على وجه الجزم عن النبي صلى الله عليه وسلم . وسواء صحت هذه اللفظة أو لم تصح فقد اختلف العلماء اختلافاً ظاهراً في فقه هذا الحديث . أقوال العلماء في هذه المسألة: أجمع أهل العلم رحمهم الله تعالى أن المراد بهذا الفضل هو الثواب والأجر وليس الإجزاء، فالمعتمر في رمضان له أجر حجة ولكن عمرته في رمضان غير مجزئة عن حجته، قال إسحاق بن راهويه -كما نقله الترمذي في سننه- : "معنى هذا الحديث؛ مثل ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن" ا.هـ، ونبَّه على هذا أيضاً ابنُ خزيمة في صحيحه وأبوالوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ، وابن بطال في شرحه على البخاري، وابن العربي -كما في فتح ابن حجر-، وقال ابن حجر في الفتح: "فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض، للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض"ا.ﻫ ، ثم اختلف أهل العلم في هذا الحديث، هل هو على عمومه أم هو من العام الذي يراد به الخصوص، ولهم في هذا ثلاثة أقوال: 1. قول من قالإن هذا من خصائص هذه المرأة الأنصارية أو الأسدية)، وهذا القول أشارت إليه أم معقل رضي الله عنها فكانت تقول: "الحج حجة والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري ألي خاصة؟" كما في رواية يوسف بن عبدالله بن سلام رضي الله عنه -وتقدم تخريجها-، وقال به بعض أهل العلم المتقدمين كما هو ثابتٌ عن سعيد بن جبير رحمه الله بسند صحيح عند أبي داوود الطيالسي وابن منيع في مسنديهما، أنه خاص بتلك المرأة التي وقعت معها القصة . 2. قول من قال -على ظاهر الحديث- إن العمرة في رمضان تعدل حجة، أو العمرة في رمضان هي الحج الأصغر)، قد ثبت بإسناد صحيح عند ابن أبي شيبة وابن جرير في تفسيره عن الشعبي في أن الحج الأصغر هو العمرة، وقال الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه كما نقله الترمذي في سننه -وهو في مسائل الكوسج-: "قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن عمرةً في رمضان تعدل حجة، وقال الإمام أحمد رحمه الله -كما في طبقات الحنابلة/ ترجمة محمد بن أحمد بن واصل أبي العباس المصري-: "عمرة في شهر رمضان تعدل حجة، فإن أدرك يوماً من رمضان فقد أدرك عمرة في رمضان" ا.ﻫ، وقال ابن خزيمة في صحيحه: "باب فضل العمرة في رمضان ، والدليل على أنها تعدل بحجة" ا.ﻫ، وقال ابن حبان في صحيحه: "ذكر البيان بأن العمرة في رمضان تقوم مقام حجة لمعتمرها"ا.ﻫ ، وقال ابن عبد البر في التمهيد: "وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرة في رمضان تعدل حجة) من وجوهٍ كثيرة" ا.ﻫ، ثم ذكر أن أحسَنها إسناداً حديثُ ابن عباس رضي الله عنه ،وهذا القول أظهر من القول الأول وهو قول أكثر العلماء، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكنهم كما تقدم لا يقيدون هذا الفضل -وهو كحجة- بكونه مع النبي صلى الله عليه وسلم . 3. قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (26/292-294)، وخلاصته أن هذا الأجر من العام الذي أريد به الخصوص، فهو بخصوص بهذه المرأة ومن هو مثلها، فهو عند ابن تيمية لغير المكي الذي يخرج إلى الحل من أجل أن يرجع بعمرة، وكذا هذا الأجر إنما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لصحابة رضي الله عنهم فاتهم الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم لما حجَّ حجته المعروفة بحجة الوداع؛ لمانع أعجزهم وأقعدهم عن الحج معه، فابن تيمية رحمه الله جرى في معرض كلامه: أن قوله صلى الله عليه وسلم :"كحجة معي"، إنما هو لمن أراد الحج معه ممن يمكنه أن يحج معه وهم الصحابة رضي الله عنهم في زمنه فتعذر عليهم لمانع ما، وأما من كان بعد الصحابة رضي الله عنهم فهؤلاء غاية ما يحصل لهم من الأجر، "أجر حجة" -دون تقييدها بمعية النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الأجر غير حاصل في كلام ابن تيمية رحمه الله، إلا إن نوى مسلم الحج في عام من الأعوام فعجز عنه لمانع ما، ثم عوّض ذلك بالاعتمار في رمضان من العام القابل إن أمكنه فيه وإلا حيث أمكن من الأعوام المستقبلة واستمر مانع الحج، وكان من قول شيخ الإسلام(26/293): ((يُبيِّن هذا أن بعض طرقه في الصحيح أنه قال للمرأة: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي"، ومعلوم أن مراده أن عمرتك في رمضان تعدل حجة معي فإنها كانت قد أرادت الحج معه فتعذر ذلك عليها، فأخبرها بما يقوم مقام ذلك، وهكذا من كان بمنزلتها من الصحابة، ولا يقول عاقل ما يظنه بعض الجهال: أن عمرة الواحد منا من الميقات أو من مكة تعدل حجة معه، فإنه من المعلوم بالاضطرار أن الحج التام أفضل من عمرة رمضان، والواحد منا لو حجَّ الحج المفروض لم يكن كالحج معه فكيف بعمرة، وغاية ما يحصله الحديث: أن يكون عمرة أحدنا في رمضان من الميقات بمنزلة حجة، وقد يقال هذا لمن كان أراد الحج فعجز عنه فيصير بنية الحج مع عمرة رمضان كلاهما تعدل حجة لا أحدهما مجردا، وكذلك الإنسان إذا فعل ما يقدر عليه من العمل الكامل مع أنه لو قدر لفعله كله؛ فإنه يكون بمنزلة العامل من الأجر، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم")) ا.ﻫ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قلت: حديث :"إذا مرض العبد.." إنما يرويه البخاري دون مسلم، وهو من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه . وإذا تأمل الباحث كلام شيخ الإسلام وجده ظاهراً صحيحاً من جهة كلامه عن المعية النبوية الواردة في فضل العمرة في رمضان، وأن العمرة في رمضان إنما تعدل حجة لعامة المسلمين، ولكن من نواها مع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضي الله عنهم يوم أن حج حجة الوداع فمنعه مانع فهذا له أجر هذه الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم إن اعتمر في رمضان، لأن التي فاتته ليست أيُّ حجة، إنما هي حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا كله على فرض صحة هذه الزيادة وإلافالذي تطمئن إليه نفسي أنها زيادة غير صحيحة . وأما الجهة الأخرى في كلام شيخ الإسلام وهو الكلام على إطلاق هذا الفضل بغض النظر عن المعية، أي حصول أجر حجة لمن اعتمر في رمضان، فشيخ الإسلام لا يرى هذا الإطلاق، وإنما يرى هو ومثله ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داوود وزاد المعاد أن هذا ليس للمكيين الذين يخرجون إلى الحلِّ، وأن هذا إنما قاله صلى الله عليه وسلم لمن فاته الحج لعارض منعه، ويرون أن هذا الحديث إنما هو كقوله صلى الله عليه وسلم : "ليس من البر الصيام في السفر"، متفق عليه من حديث جابر رضي الله عنه ، إذ ليس فيه الرغبة عن الصيام في السفر وإنما فيه أنه من كان حاله كهذا الرجل الذي ظُلِّلَ عليه وأصابه ضعفٌ شديدٌ وإعياءٌ بسبب صيامه في السفر؛ فمثل هذا ليس من برِّه وطاعته لربه أن يُهْلِكَ نفسه أو يقارب الهلاك بصومه في سفره، ولذا قال ابن دقيق العيد رحمه الله في شرحه على حديث: "ليس من البر..." وفي معرض رده على المستدلين به على المنع من الصيام في السفر لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قال ابن دقيق: "ويجب أن تتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدالة على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب، ولا تجريهما -كذا بالياء- مجرى واحداً، فإن مجرد ورود العام على السبب لا يقتضي التخصيص به، كقوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"، بسبب سرقة رداء صفوان، وأنه لا يقتضي التخصيص به بالضرورة والإجماع، أما السياق والقرائن فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه، وهي المرشدة إلى بيان المجملات، وتعيين المحتملات، فاضبط هذه القاعدة، فإنها مفيدة في مواضع لا تحصى، وانظر في قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر الصيام في السفر"، مع حكاية هذه الحالة من أي القبيلتين هو؟ فنزِّلْه عليه" ا.ﻫ كلام ابن دقيق رحمه الله، وهذا التقرير منه ومن شيخ الإسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيم قوي ظاهر، ومع قوته وورود نظائره إلا أن قول من يرى من أهل العلم العمل بعموم اللفظ هنا وهم أكثر من تكلم عن هذا الحديث وشرحه أقوى وأظهر؛ إذ إنه لا إجمال في حديث العمرة في رمضان والاحتمالات بعيدة وهذا باب فضيلة وثواب وفضل الله تعالى واسع؛ وقد جرى عليه عمل السلف من أئمة المسلمين كأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث والشعبي وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء؛ بأسانيد صحيحة عنهم عند ابن أبي شيبة في مصنفه/ في (عمرة رمضان وما جاء فيها)، نعم؛ ما تركه السلف الصالح وأعرض عنه من العمل بهذا الحديث فإنه غير مراد من النبي صلى الله عليه وسلم كعمرة المكي من الحل، فهم حملة الشريعة وأعمق الناس علما وأحرصهم على الأجر والثواب . ملاحظات وفوائد متعلقة بهذا الحديث: 1. هذا البحث إنما أضعه بين يدي إخواني في شبكة الانترنت تواصلاً مع طلبة العلم وحرصاً مني على الاستفادة منهم، وأنا كلي حرص إن شاء الله على أن يسعفنا بعض الإخوة المختصين في باب المخطوطات امتلاكا لها أو خبرة بها بتحرير الصواب من هذا الاختلاف في النسخ الخطية في صحيح البخاري لحديث حبيب المعلم عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه والذي ذكرته في أول البحث . 2. معقل بن أبي معقل وأبوه وأمه كلهم من الصحابة رضي الله عنهم وحديثهم هذا له ألفاظ واختلافات كثيرة حتى قال ابن عبدالبر في الاستيعاب: "في إسناد حديثها اضطراب كثير" ا.ﻫ، وتخريجه بصورة دقيقة يحتاج إلى توسُّعٍ بالغ، وقد أعبِّر بقولي: (آل أبي معقل)، وأنا أريد أن الحديث عن واحد من هؤلاء الثلاثة وليس هذا المصطلح من الرواة إنما هو مني، ولما لم يكن تعيينه مؤثراً في صحة السند ويحصل فيه اختلاف كبير بين الرواة فما اعتنيت بذكره دائماً، وقد ذكرت مختصر هذه الطرق فيما يتعلق بلفظ العمرة في رمضان، وفيه مسائل متعددة، أشهرها هذه المسألة، وكذا مسألة: هل الحج من سبيل الله، فيجعل لمريده من الزكاة؟ . 3. قد وقع اختلاف ظاهر في اسم هذه المرأة التي وقعت معها القصة وجاءت روايات الصحيح والسنن مختلفة، ففي بعضها أنها أم سنان الأنصارية كما في رواية حبيب المعلم عن عطاء في الصحيحين، ووقع في السنن أنها أم معقل وقال ابن عبدالبر في التمهيد: "هكذا قال الزهري في اسم المرأة أم معقل وهو المشهور المعروف وقد تابعه على ذلك جماعة" ا.ﻫ، واختار هذا القول الخطيب في تاريخه، ووقع عند ابن حبان في صحيحه من حديث يعقوب بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنها أم سليم رضي الله عنها، ومن حديث ابن أبي ليلى عن عطاء به (طب) وكل هذا مبسوط في الفتح، والصواب أن القصص فيها تغاير فلا يبعد تكرر هذه القصة مع نساء متعددات كما استظهره ابن حجر في الفتح، وإن كان ذكر أم سليم منكر يرويه الضعفاء عن عطاء ، ولذا عدَّ ابن عدي في الكامل والذهبي في الميزان هذا الحديث من مناكير يعقوب بن عطاء كتبه ( أبوعبدالله عمر صبحي) p]de: "ulvm td vlqhk ju]g p[m lud" K v,hdm ,]vhdm | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
13 / 08 / 2009, 46 : 06 PM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018