الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 1 | المشاهدات | 815 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
08 / 01 / 2020, 49 : 11 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح خالد بن سعود البليهد الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد: فإن الإخلاص في الدين من أعظم المقامات القلبية التي يتعبد بها المؤمن والدين كله قائم على إخلاص العبادة لله وحده دون ما سواه قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء). وقال تعالى: (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ). وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ). وقد دلت السنة على هذا الأصل العظيم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) متفق عليه. وهذا الحديث يدل على أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له في الدنيا والآخرة. وقوله: (إنما الأعمال بالنيات) يقتضي الحصر والمعنى إنما الأعمال صالحة أو فاسدة أو مقبولة أو مردودة بالنيات فيكون خبرا عن حكم الأعمال الشرعية فلا تصح ولا تحصل إلا بالنية ومدارها على النية. وقوله (وإنما لكل امرئ ما نوى ) إخبار بأنه لا يحصل للعامل من عمله إلا مانواه به فإن نوى خيرا جوزي به وإن نوى شرا جوزي به وإن نوى مباحا لم يحصل له ثواب ولا عقاب. وليس هذا تكرير محض للجملة الأولى فإن الجملة الأولى دلت على صلاح العمل وفساده والثانية دلت على ثواب العامل وعقابه. والنية معناها في اللغة القصد والعزيمة. ومعناها في الاصطلاح قصد العمل تقربا إلى الله وطلبا لمرضاته وثوابه. وتطلق النية في كلام العلماء على معنيين: (1) نية المعمول له: أي تمييز المقصود بالعمل هل هو الله وحده لا شريك به أم غيره أم الله وغيره وهذا المعنى يتكلم فيه أهل العقائد والرقائق في كتبهم الذين يعتنون بالمقاصد والإيمانيات وهو المقصود غالبا في كلام الله بلفظ النية والإرادة قال الله تعالى: (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ). وكذلك هو المقصود غالبا في السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالا فله مانوى) رواه أحمد. وهذا المعنى كثير في كلام السلف قال الفاروق عمر رضي الله عنه: (لاعمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له). (2) نية العمل: أي تمييز العمل وهذا المعنى يتكلم فيه الفقهاء في مصنفاتهم. فلا تصح الطهارة بأنواعها ولا الصلاة والزكاة والصوم والحج وجميع العبادات إلا بقصدها ونيتها فينوي تلك العبادة المعينة. وإذا كانت العبادة تحتوي على أجناس وأنواع كالصلاة منها الفرض والنفل المعين والنفل المطلق فالمطلق منه يكفي فيه أن ينوي الصلاة وأما المعين من فرض ونفل فلا بد مع نية الصلاة أن ينوي ذلك المعين وهكذا بقية العبادات. ويدخل في نية العمل تمييز العبادة عن العادة فمثلا الاغتسال يقع نظافة أو تبردا ويقع عن الحدث الأكبر وعن غسل الميت وللجمعة ونحوها فلا بد أن ينوي العامل فيه رفع الحدث أو ذلك الغسل المستحب. وكذلك يخرج الإنسان الدراهم مثلا للزكاة أو الكفارة أو للنذر أو للصدقة المستحبة أو للهدية فالعبرة في ذلك كله على النية ، وكذلك صور ومسائل المعاملات العبرة فيها نية العامل وقصده لا ظاهر عمله ولفظه. ويدخل في ذلك جميع الوسائل التي يتوسل بها إلى مقاصدها فإن الوسائل لها أحكام المقاصد صالحة أو فاسدة والله يعلم المصلح من المفسد. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من هاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام حبا لله ورسوله ورغبة في إظهار دينه حيث كان يعجز عن إظهاره في دار الكفر فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقا. ومن كان مهاجرا لغرض إصابة الدنيا أو نكاح امرأة فهذا مهاجر لأجل الدنيا وليس لأجل الآخرة ولا يؤجر على ذلك. وفي قوله: (إلى ما هاجر إليه). تحقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به. وسائر الأعمال كالهجرة في هذا كالجهاد والحج وغيرها ففي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه: (أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله). وقد عرف ابن القيم الإخلاص بأنه: (إفراد الله تعالى بالقصد في الطاعة). وقال إبراهيم بن أدهم: (الإخلاص صدق النية مع الله تعالى). وحقيقة إخلاص العمل لله أن يقصد المؤمن من فعل الخير وبذل الإحسان وجه الله بحيث يحتسب الثواب من الله ويطلب رضا الله ونعيمه في الآخرة ولا يكون قصده نيل الشهرة والصيت أو نيل الدنيا من مال أو منفعة أو جاه أو منصب قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا). قال مجاهد: (أما إنهم ما تكلموا به ولكن علمه الله من قلوبهم فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب). فإن قصد شيئا من ذلك والتفت قلبه للمصلحة الدنيوية فقد الإخلاص وصار عمله لغير الله عياذا بالله من الخذلان. والإخلاص يشترط في العبادات فلا تصح إلا به أما العادات التي لا تشوبها العبادة فقد وسع بها الشارع ولم يشترط فيها الإخلاص ولا حرج على العبد أن يقصد بها الانتفاع من الدنيا بأي وجه من الوجوه وهذا من تيسير الله ولطفه بالعباد. وقد ورد الوعيد في السنة لمن قصد بعمل الآخرة عرضا من الدنيا مريدا به غير وجه الله تعالى فقد أخرج أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها). وكذلك من قصد بعلمه أو جهاده أو صدقته مراءاة الناس وطلب الشهرة متوعد بالنار كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال هو جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار). رواه مسلم. وينقسم العمل بالنسبة للرياء من حيث حكمه إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن يكون أصل العمل رياء خالصا بحيث لا يراد به إلا مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم قال تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا). وقال تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ). قال ابن عباس رضي الله عنه: (هم المنافقون كانوا يراءون الناس بصلاتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا). وهذا الرياء الخالص لا يصدر من المؤمن حقا إنما يصدر من المنافق وهذا العمل حابط وصاحبه مستحق للمقت والعقوبة. الثاني: أن يكون العمل لله ويشاركه الرياء في أصله فالنصوص الصريحة تدل على بطلانه وحبوطه أيضا ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه). ولا يعرف عن السلف خلاف بينهم في هذا القسم. الثالث: أن يكون أصل العمل لله ثم يطرأ عليه نية الرياء فإن كان خاطرا ودفعه فلا يضره بغير خلاف وإن استجاب له فهل يحبط عمله أم لا: الصحيح أن أصل عمله لا يبطل بهذا الرياء وأنه يجازى بنيته الأولى وإنما يبطل من عمله ما خالطه الرياء ورجحه الإمام أحمد والطبري. أما إذا خالط نية العمل نية مباحة غير الرياء مثل أخذ الأجرة للخدمة أو شيء من المعاوضة في الجهاد أو التجارة في الحج نقص بذلك الأجر ولم يبطل العمل قال الإمام أحمد: (التاجر والمستأجر والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزاتهم ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره.( وليس من الرياء فرح المؤمن بفضل الله ورحمته حين سماع ثناء الناس على عمله الصالح فإذا استبشر بذلك لم يضره لما روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير ويحمده الناس عليه فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن). رواه مسلم . والأعمال الصالحة تتفاضل ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الإيمان والإخلاص حتى إن صاحب النية الصادقة إذا عجز عن العمل يلتحق بالعامل في الأجر قال الله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا). وفي الصحيح مرفوعا: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما). وفيه أيضا (إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر). وإذا هم العبد بالخير ثم لم يقدر له العمل كتبت همته ونيته حسنة كاملة ففي سنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم ويصلي من الليل فغلبته عينه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه). والإخلاص يعظم ثواب العمل اليسير ويقلل ثواب العمل الكبير عند ضعفه أو فقده قال عبد الله بن المبارك: (رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية). فليست العبرة بكثرة العمل وعظمه إنما العبرة بحسن النية وتحري الإخلاص ولو كان العمل قليلا يسيرا قال رجل لتميم الداري رضي الله عنه: (ما صلاتك بالليل ؟ فغضب غضبا شديدا ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في سر أحب إلى من أن أصلي الليل كله ثم أقصه على الناس). والإخلاص له أثر عظيم في قبول العمل الصالح وبركته ونفعه للمؤمن واستمراره على الخير والبذل والإحسان واحتساب الأجر من المنان فمن كان مخلصا في عمله لم ينقطع عمله ولم يلتفت للخلق لأنه يتعامل مع الله فمن علم الله صدق نيته أعانه ووفقه وثبته بالحق وأيده بتأييده وشرح صدره لفعل الخيرات أما من كان ضعيف الإخلاص والاحتساب في أعمال البر فإنه غالبا ينقطع عن الخير ولا يستمر في البر لأنه برجو ما عند الخلق من الثناء والمكآفأة فإذا لم يحصل له ذلك ضعفت همته وقل عزمه وتوقف عن نفع المسلمين ونصيحتهم قال الربيع بن خثيم: (كل ما لا يبتغى به وجه الله يضمحل). والإخلاص هو ثمرة العمل الصالح والمقصود منه فالله يريد من العبد قصده وتعظيمه ومحبته ورجاءه والتأله له وصدقه في رغبته ورهبته والتجاءه وقد أدرك هذا المعنى السلف الصالح قال الفضيل بن عياض: (إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك). وقال أبو سليمان الداراني: (والله ما يريد منا أن تيبس جلودنا على عظامنا ولا يريد منا إلا صدق النية). وقال عون بن عبد الله: (فواتح التقوى حسن النية وخواتيمها التوفيق). والنية الصالحة تجري في المباحات والأمور الدنيوية ويؤجر عليها المؤمن وهذا من كمال فضل الله وجوده فمن نوى بكسبه وعمله الدنيوي الإستعانة بذلك على القيام بحق الله وحقوق الخلق واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه ونومه وجماعه انقلبت العادات في حقه إلى عبادات وبارك الله في عمله وفتح له من أبواب الخير والرزق أمورا لا يحتسبها ولا تخطر له على بال. ومن فاتته هذه النية لجهله أو تهاونه فقد حرم خيرا عظيما ففي الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك). وقال معاذ رضي الله عنه: (أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي). رواه البخاري. وقال زبيد اليامي: (يسرني أن يكون لي في كل شيء نية حتى في الأكل والنوم). وقال ابن القيم: (إن خواص المقربين هم الذين انقلبت المباحات في حقهم إلى طاعات وقربات بالنية فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين بل كل أعمالهم راجحة). وقد كان السلف الصالح يعتنون عناية شديدة في هذا الباب لخطورة الإخلاص وعظم جزائه وأهمية أثره على العمل قال سفيان الثوري: (ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي). وقال يحي بن أبي كثير: (تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل). وقال هشام الدستوائي: (والله ما أستطيع أن أقول: إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل). وقال مطرف بن عبدِ الله: (صلاح القلب بصلاح العمل وصلاح العمل بصلاح النية). وقد كان السلف حريصون جدا على إخفاء أعمالهم قال سفيان: (أخبرتني مرية الربيع بن خثيم قالت: كان عمل الربيع كله سرا إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه). وقال حماد بن زيد: (كان أيوب ربما حدث بالحديث فيرق فيلتفت فيتمخط ويقول: ما أشد الزكام ؟ يظهر أنه مزكوم لإخفاء البكاء). وقال ابن أبي عدي: (صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله وكان خرازا يحمل معه غذاءه من عندهم فيتصدق به في الطريق ويرجع عشيا فيفطر معهم). فالسلف الصالح اعتنوا بإصلاح الباطن وعمارته بالإخلاص والخلف اعتنوا بإصلاح الظاهر وكثرة العمل مع إهمال الباطن وعدم العناية بإخلاص القصد وحسن النية ولذلك ترى كثيرا من أعمالنا مهلهلة ضعيفة البركة قليلة النفع لا تدوم. فالإخلاص يحتاج من المؤمن مجاهدة ومصابرة ومراقبة لأنه يخالف هوى النفس ويخالف حظوظها ولأن القلب شديد التغير والتأثر بما يطرأ عليه من الفتن والمقاصد الفاسدة قيل لسهل: (أي شيء أشد على النفس ؟ فقال: (الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب). وينبغي للمؤمن قبل الشروع في العمل أن يستحضر نيته ويختبر قلبه ويستجمع إيمانه ويحقق إخلاصه فإن تمحض قصده لله مضى في عمله وإن كانت نيته لدنيا ترك العمل لله وإن اشتبه عليه الأمر جاهد نفسه وصفى نيته ثم مضى في عمله ولم يلتفت لما يفسد عليه قال الحسن: (كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت فإن كان لله مضى وإن خالطه شك أمسك). وقيل لنافع بن جبير بن مطعم: (ألا تشهد الجنازة ؟ فقال: كما أنت حتى أنوي ففكر هنيهة ثم قال: امض). وبعض أعمالنا التطوعية عند التحقق تفتقر إلى الإخلاص والصدق مع الله قد فعلناها إما مجاملة للناس أو طلبا للصيت الحسن أو تحقيق مصلحة شخصية أو غير ذلك من الأغراض الفاسدة والله المستعان. والإخلاص له أثر عظيم في حفظ الأمة ونصرتها وسعة رزقها وتيسير أمورها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم). رواه البخاري. وفي سنن النسائي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم). والإخلاص له ثمرات عظيمة وفوائد نفيسة: (1) قبول العمل الصالح قال تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا). قال الفضيل بن عياض: أي أخلصه وأصوبه. قيل: يا أبا علي، وما أخلصه وأصوبه ؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا. والخالص ما كان لله. والصواب ما كان على السنة). (2) مغفرة الذنوب كما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به). قال ابن تيمية: (فهذه سقط الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها وإلا فليس كل ما بغى سقت كلبا يغفر لها وكذلك هذا الذي نحى غصن الشوك عن الطريق فعله إذ ذاك بإيمان خالص وإخلاص قائم بقلبه فغفر له بذلك). (3) كثرة الثواب بالعمل اليسير فقد روى البراء رضي الله عنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد فقال يا رسول الله: أقاتل أو أسلم ؟ قال: أسلم ثم قاتل, فأسلم ثم قاتل فقتل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمل قليلا وأجر كثيرا). متفق عليه. (4) النية الخالصة تبلغ مبلغ العمل فإن صدقت نية المؤمن آتاه الله الثواب من غير عمل لما ورد في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه). (5) نجاة المؤمن من كيد الشيطان قال تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). (6) حفظ المؤمن من الفواحش قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ). (7) النصر على الأعداء قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (8) تفريج الشدائد كما في قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار فدعى كل واحد منهم ربه بصالح عمله وقال: (اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون). متفق عليه. (9) نيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه). رواه البخاري. (10) تطهير النفس من الغل والحقد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة أئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم). رواه الترمذي. (11) محبة الله قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي). رواه مسلم. (12) النجاة من النار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله). متفق عليه. ثمة أمور تعين المؤمن على تحري الإخلاص والاستمرار عليه: الأول: استحضار فضل الإخلاص وعظيم نفعه وبركته وأنه سبب لقبول العمل الصالح. الثاني: استحضار أن الإخلاص سبب عظيم لزيادة الثواب ورفعة الدرجات في الآخرة. الثالث: استحضار أن الإخلاص من أعظم أسباب الثبات على دين الله والاستمرار في فعل الصالحات والتطوع بوجوه البر. الرابع: استشعار عظمة الله وكمال قدرته وعلمه ومراقبته وأنه مطلع في سائر الأحوال على المقاصد والنيات لا يخفى عليه شيء في السر والعلن. الخامس: التفكر في خطورة الرياء وجرمه وأنه سبب لإحباط العمل وذهاب ثوابه. السادس: اليقين بأن العباد عاجزون لا ينفعون العبد ولا يضرونه إلا بأمر كتبه الله فالتعلق بهم من دون الله وإرادة نفعهم من أقبح الأمور التي تكون سببا في الهلاك. السابع: مدارسة حال النبي صلى الله عليه وسلم في اعتنائه بالإخلاص وتعلق قلبه بالله وصدقه مع الله وعدم تغير حاله في السر والعلن. الثامن: التأمل في سير الصحابة وأئمة السلف الصالح والنظر في أقوالهم وأفعالهم وتعظيمهم لمقام الإخلاص سئل الإمام أحمد بن حنبل عن الصدق والاخلاص؟ فقال: (بهذا ارتفع القوم). التاسع: سؤال الله ودعائه الإخلاص وحسن النية وطلب العون منه سبحانه فعن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: (يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل. فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه). رواه أحمد. العاشر: الزهد في الدنيا الفانية وحظوظ النفس والرغبة في نعيم الآخرة الباقية. الحادي عشر: صحبة الصالحين ومخالطتهم قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ). وثمة علامات تدل المؤمن على ضعف إخلاصه أو فقده: الأول: طلب الشهرة بالعمل الصالح بحيث لا ينشط العامل إلا في الأعمال المصاحبة للشهرة والذكر بين الناس أما الأعمال الخفية فلا يهتم لها وقد افتتن خلق في هذا الزمان بوسائل التواصل فصاروا لا يعملون عملا صالحا إلا وثقوه ونشروه. قال إبراهيم بن أدهم: (ما صدق الله عبد أحب الشهرة). الثاني: طلب الدنيا بالدعوة والتعليم وأعمال البر فإذا كان العمل فيه فائدة نشط واجتهد وإذا خلا من الفائدة لم يشتغل فيه ولم يحرص عليه والله المستعان. قال بشر الحافي: (لأن أطلب الدنيا بمزمار أحب إلى من أن أطلبها بالدين). الثالث: الغضب والانتقام للنفس إذا قوبل إحسانه بالإساءة ممن أحسن إليه أو لم يكافأ بمعروف أو لم يثن على عمله فإذا تحرك قلبه لهذه الأمور وصدر منه ردة فعل كان ذلك دليلا على ضعف إخلاصه. الرابع: نصرة الحزب وطلب رضا الناس بحيث يبذل الإحسان ويفعل المعروف ليستميل طائفة من الناس أو ينصر مذهبه وطريقته ويعود عليه بتحقيق مكاسب اجتماعية أو دينية فمن دعا إلى الله أو طلب العلم أو قام بعمل خيري لهذا الغرض لم تكن نيته خالصة لله ولم يخلص في عمله لأنه لم ينصر كلمة الله وإنما نصر عشيرته أو حزبه. الخامس: طلب الثناء والشكر من الناس قال سفيان الثوري: (بلغني أن العبد يعمل العمل سرا فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه فيكتب في العلانية ثم لا يزال به الشيطان حتى يحب أن يحمد عليه فينسخ من العلانية فيثبت في الرياء). فينبغي للمؤمن أن يعتني بالإخلاص في جميع أعماله الأخروية ويجدد نيته في كل عمل صالح ويجاهد نفسه في التخلص من جميع النوايا السيئة والأغراض الفاسدة ويصدق مع الله ويعظم رغبته في الآخرة قال أيوب السختياني: (تخليص النيات على العمال أشد عليهم من جميع الأعمال). وقال ميمون بن مهران: (إن أعمالكم قليلة فأخلصوا هذا القليل). فنسأل الله أن يعفو عنا ويهلمنا رشدنا ويصحح نياتنا ويطهر قلوبنا من الرياء وإرادة الدنيا ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. خالد بن سعود البليهد 1/5/1441 lrhl hgYoghw td hg]dk | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
13 / 05 / 2020, 25 : 02 PM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018