11 / 09 / 2017, 27 : 02 AM | المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ملتقى ماسي | البيانات | التسجيل: | 21 / 01 / 2008 | العضوية: | 19 | المشاركات: | 30,241 [+] | بمعدل : | 4.92 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 0 | نقاط التقييم: | 295 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى : الملتقى العام أيام الشِّرَّة من طبيعة النفس البشرية أنها تَكِلُّ، ويصيبها الملل والفتور والسآمة بين الفينة والأخرى، وهذا ينطبق على كلِّ الأعمال حتى أعمال الآخرة؛ لذا فإن بقاءَ المرء في أداء عبادته على وتيرة واحدة من النشاط والإقبال عليها، والحرص والمسارعة، وحضور القلب - أمرٌ متعذِّر ومستحيل؛ وذلك لما يعتري القلبَ والنفس من ملذَّات ومنغصات، وسعادة وحزن وفرح، وألم ورضا وغضب؛ بسبب أحوال الدنيا، وتقلُّبات الأوضاع فيها، وعدم ثبوتها على حال، فإذا تقرَّر هذا، فإنه من الخطأ أن يطالَب الناسُ بأن يبقوا على حال واحدة من المثالية مرتفعة في عباداتهم، وخاصة ما نسمعه باستمرار بعد الأوقات والمواسم الفاضلة في العبادات من صيام رمضان، وحجِّ بيت الله الحرام، وبعض العبارات التي نسمعها من البعض، وخاصة بعد انقضاء شهر رمضان من مثل: (من علامة قَبول الحسنة الحسنةُ بعدها، ومن علامات عدم قبولها المعصية بعدها)، (من كان يعبد رمضان، فإن رمضان قد مضى، ومن كان يعبد الله، فإن الله حيٌّ لا يموت)....وغيرها من العبارات التي تبعث الإحباط لدى الناس وتقنِّطهم، وبعضها ليس لها سَنَد لا من كتاب ولا سُنَّة، ولا من طبيعةٍ بشريَّة، وحتى نتكلم بواقعية وليس بمثاليات، فإن الأجواء في رمضان مختلفة تمامًا عن الأجواء في غير رمضان؛ فأجواء رمضان كلُّها تدفعك نحو الطاعة، وتجذبك إلى المسارعة في الخيرات؛ فالبيئة من حولك كلُّها في حال من الطاعة والروحانية، والبيئة جاذبة، تلمس هذه الروحانية في كل مكان تتجه إليه في رمضان؛ في البيت، في المسجد، في الشارع؛ حتى في الأسواق، وأيضًا في رمضان أنت قد تخلصت من أكبر عدوٍّ لك، وهو الشيطان الذي يحرِّضك على المعاصي، ويزيِّن لك الشهوات، ويغويك عن فعل الطاعات، ويجري منك كما يجري الدم؛ ولكنه في رمضان محبوسٌ ومقيَّد، وفي رمضان تُفتح أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النار......وكل هذه محفِّزات للعمل. ولذا؛ بعد رمضان تكون هذه المحفزات وهذه الأجواء كلُّها غير موجودة، وبالتالي تصاب النفسُ بنوع من الفتور والخمول، بل يتعدَّى هذا الخمول حتى إلى الجسد نفسه، وهذا أمر طبيعيٌّ بعد حال من النشاط والجِدِّ. وهكذا تَعرِض للمرء أوقاتٌ طيبة يُقبل فيها على الله، ويجد فيها لذَّة العبادة وروحانية الطاعة، ويشعر بالقُرب من الله في أصفى حالاته، ولكن ما تلبث هذه الأوقات أن تذهب، وما تلبث النفس أن يصيبها الضعفُ، وقد وجد هذا أفضلُ القرون من صحابة النبيصلى الله عليه وسلم؛ فقد روى مسلم في صحيحه: عن حنظلة الأسيديرضي الله عنه، قال: لقيني أبو بكررضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافَقَ حنظلةُ، قال: سبحان الله، ما تقول؟! قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلميذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرَجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيعات، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنَّا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما ذاك؟!))، قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكِّرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فرُشِكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة، ثلاث مرات)). وديننا صريحٌ ليس فيه خفاء، وهو دين الفطرة؛ ولذا فقد بيَّن صلى الله عليه وسلم هذه الحال التي تقع فيها النفس، وبيَّن طبيعتها، وكيفية التعامل مع النفس في مثل هذه الأحوال، كما في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل عملٍ شِرَّةٌ، ولكل شِرَّة فترةٌ، فمن كانت فَترتُه إلى سُنتي، فقد أفلَح، ومن كانت إلى غير ذلك، فقد هلَك))؛ (مسند أحمد، وصححه الألباني)، والحديث من أعظم ما يبعد عن القنوط، ويبعث في النفوس الطمأنينةَ وحسن الرجاء،ويضع الحل العمليَّ لما يعتري النفسَ حال الضعف والفتور. يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا؛ فإذا أقبَلت فخُذوها بالنوافل، وإذا أدبَرت فألزموها الفرائض". وقال علي بن موسى: "إن للقلوب إقبالًا وإدبارًا، ونشاطًا وفتورًا؛ فإذا أقبلت أبصرَت وفهمت، وإذا انصرفت كلَّت وملَّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها". فمن الطبيعي التراجعُ عن الجِدِّ والقوة في الطَّاعة، ولكن لا يصل هذا التراجع والخمول إلى تضييع رأس المال، وهي الفرائض، ولا إلى ترك الحد الأدنى من النوافل، ولا الوقوع في المحرَّماتوالمعاصي. بل يكون هذا التراجع داخل الحدود لا يخرج عنها. فالفرائض لا تُترك ولا تُضيَّع، والمحرَّمات لا تُنتهك، والنوافل لا تُترك بالكلية، بل يجاهد المرء نفسَه على الاستمرار عليها، ولو بأدنى الكمال، أو بالحد الأدنى، فمن ذاق لذَّة القيام في رمضان، وحافَظ على صلاة الوِتر فيه كل يوم، فلا يترُك القيام بعد رمضان ولو بركعات قليلة، ولو بثلاث ركعات كأدنى الكمال، أو ركعة واحدة كحد أدنى، ومن تذوَّق حلاوة القرآن، وكان يقرأ في اليوم الأجزاء، فلا يهجُر القرآن، ولو بجزء في اليوم، أو نصف جزء، أو حزب، ولو بصفحة واحدة، ولكن لا يهجر القرآن. ومن عاش حلاوةَ المناجاة في سَحَر رمضان، وحين الإفطار، والقنوت وخَتْم القرآن، فلا يترك الدعاء؛ فالدعاء هو العبادة، ومن كان لسانه رطبًا من ذكر الله في رمضان، فلا يترك الذِّكر، ولو أن يحافظ على أذكارِ أدبارِ الصلوات، وأذكار الصباح والمساء. وهذا كلام قيِّم لابن القيم رحمه الله نختم به، يقول فيه: "فتخلُّل الفترات للسالكين أمرٌ لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تُخرجه من فرض، ولم تُدخله في مُحرَّم، رُجي له أن يعود خيرًا مما كان، مع أن العبادة المحبَّبة إلى الله سبحانه وتعالى هي ما داوم العبدُ عليه".
Hdhl hga~Av~Qm
|
| |