الإهداءات | |
الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين . |
« آخـــر الــمــواضــيــع » |
كاتب الموضوع | طويلب علم مبتدئ | مشاركات | 7 | المشاهدات | 1813 | | | | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
23 / 02 / 2008, 41 : 04 PM | المشاركة رقم: 1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح المؤلف : د. محمد السعيد جمال الدين مقدمة عنيت الموسوعات العالمية بمختلف أنواعها - العامة منها والمتخصصة - بالقرآن الكريم ، فأفرد له بعضها مقالات ومواد مستقلة جرى الحديث فيها عن مصدر القرآن، وكيف جمع، والقراءات المختلفة ، وأجزائه وسوره وآياته، وأسلوبه، وموضوعاته، وترجماته إلى اللغات الحية.. إلخ. وتحظى هذه الموسوعات بقبول واسع في دوائر المثقفين والباحثين، كما تتميز بالتأثير البالغ في توجيه أفكار الناشئة والشباب، غير أنها تحفل بالكثير من الشبهات والأخطاء حول القرآن الكريم وكذلك حول الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر دعائم الدين الحنيف؛ مما يسهم في تقديم صورة مغلوطة ومشوهة عن الإسلام. ولما كان لا بد من تتبع هذه الموسوعات للرد على ما ورد بها من شبهات وتصحيح ما اشتملت عليه من أغلاط بشأن القرآن الكريم ، فقد رأينا الاقتصار على موسوعتين إحداهما متخصصة والأخرى عامة، كل واحدة منهما تعد علمًا في مجالها ونموذجًا لهذا المجال : (1) فأما الموسوعة المتخصصة فهي دائرة المعارف الإسلامية - الطبعة الجديدة - The Encyclopaedia of Islam - New Edition ، وهي من الموسوعات التي لا غنى عنها للمشتغلين بالدراسات الإسلامية والشرقية. (1/1) ________________________________________ (2) وأما الموسوعة العامة فهي دائرة المعارف البريطانية Encyclopaedia Britannica، وهي تتمتع بانتشار واسع في دوائر المثقفين في سائر أرجاء العالم. وينقسم هذا المقال إلى : تعريف بخصائص الموسوعات العالمية وبيان أهميتها وخطرها، مع التركيز على الموسوعتين المذكورتين، واستخلاص المنهج الذي اعتمده المستشرقون في دراستهم للقرآن الكريم مما ورد في الموسوعتين، وبيان للشبهات الواردة فيهما والرد عليها بمنهج المستشرقين أنفسهم . وينتهي المقال بخاتمة تتضمن جماع النتائج التي توصل إليها البحث. والله الموفق،،، (1/2 الموسوعات: تعريف وتوضيح تنطوي الموسوعات على أهمية بالغة للباحثين والمثقفين، ويطلق اسم الموسوعات أو دوائر المعارف Encyclopaedia على الكتاب الذي يشتمل على مجموع المعارف الإنسانية في مجالات الثقافة والفنون والعلوم، ويتضمن نبذة مختصرة ومبسطة تتناول معلومات في مختلف المجالات، وينقسم إلى مواد منفصلة يراعى في إيرادها الترتيب الأبجدي" وهي تحاول أن تقدم كل شيء لكل الناس ، والأثر الطبيعي الذي تحدثه بنفس القارئ هو تذكيره بمدى قلة ما يعرفه مما هو محيط به ، فربما دفعه هذا الشعور إلى مزيد من التعلم" (1) . وتحقق الموسوعات فائدة مزدوجة لكل من القراء الراغبين في المعرفة والباحثين، فهي تقدم للقارئ معلومات مجملة عن النقاط الثانوية في الموضوع، والتواريخ، وأسماء الأماكن وغيرها، لكن أحكامها في القضايا الرئيسة لا بد أن تكون موثقة (2) . _________ (1) انظر مادة Encyclopaedia في دائرة المعارف البريطانية ، طبعة 1974م. (2) J. Barzun and H. Graff; The Modern Researcher , New York , P. 80. (1/3) ________________________________________ وتذيّل كل مادة من مواد الموسوعة بثبت بأسماء المصادر والمراجع المهمة في الموضوع ، ومن ثم فإن أول ما ينصح به الباحث المبتدئ هو أن تكون المواد المكتوبة في الموسوعات حول موضوعه هي أول ما يرجع إليه للاستعانة بها في اكتشاف أبعاد هذا الموضوع، والتعرف على جهود السابقين في دراسته والمصادر والمراجع المتاحة. وفي كل مرة يعاد فيها طبع الموسوعة تعاد كتابة موادها لتشتمل على أحدث ما توصل إليه العلم والمعرفة في كل مادة من هذه المواد، وإضافة مواد جديدة لم تشتمل عليها الطبعات السابقة. ويمكننا أن نميز بين نوعين من الموسوعات : موسوعات عامة ، وأخرى متخصصة، فأما العامة فتتجه إلى القارئ العادي غير المتخصص أكثر من اتجاهها إلى الباحث المتخصص فتكون أقل تفصيلًا من الموسوعات المتخصصة، ومن ثم فإن موادّها تناسب القارئ المتعجل الذي يريد أن يلمّ بأطراف الموضوع ويحصل فيه على نوع من المعرفة المتميزة دون التعمق فيه (1) . وأما الموسوعة المتخصصة فتقتصر على مجال محدد تتناوله من مختلف جوانبه وفروعه دون غيره، كدائرة المعارف الإسلامية التي تعنى بكل ما يتعلق بالإسلام من علوم ومعارف . _________ (1) المرجع السابق : J. Barzun and H. Graff وقد عرف العالم الإسلامي تدوين الموسوعات منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) منذ ألف ابن النديم كتابه : الفهرست، ثم تبعه الفارابي فألف " إحصاء العلوم ط وما لبث التأليف الموسوعي أن ذاع وانتشر بفضل الموسوعات الكبرى التي ألفت في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) مثل كتاب نهاية الأدب للنويري، و" صبح الأعشى" للقلقشندي و" مسالك الأبصار" لابن فضل الله العمري . وفي القرن الماضي ألفت موسوعتان كبيرتان بالعربية هما: " دائرة معارف البستاني " في أحد عشر مجلدًا، و " دائرة معارف القرن العشرين" لمحمد فريد وجدي في عشرة مجلدات. ومنذ القرن الثامن عشر الميلادي عني الأوربيون عناية كبيرة بتأليف الموسوعات الضخمة التي تبلغ كل منها ما يزيد على مائة مجلد كدائرة المعارف الفرنسية الكبرى التي أشرف على نشرها " الأمبر Alambert والتي بلغ تعداد مجلداتها 166 مجلدًا فضلًا عن 40 أطلسا وخريطة، ودائرة دي لاردنر deLardner الإنجليزية والتي تشتمل على 132 مجلدًا وقد صدرت أجزاؤها تباعًا منذ سنة 1829 حتى سنة م1846. (1/5) ________________________________________ وتعد الموسوعة البريطانية (دائرة المعارف البريطانية) أشهر الموسوعات العامة على الإطلاق ، كما تعد أفضل موسوعة كتبت باللغة الإنجليزية (1) ، وهي توزّع على نطاق واسع في كل القارات ، ويتباهى بتملكها المثقفون في كل أنحاء العالم . وكانت قد طبعت لأول مرة في بريطانيا سنة 1771ه في ثلاثة أجزاء بإشراف عدد من كبار العلماء البريطانيين في ذلك الوقت، ثم طبعت بعد ذلك عدة طبعات وصدرت طبعتها الرابعة عشرة في شيكاغو (أمريكا) سنة 1929م في 24 مجلدًا. وكانت دائر المعارف البريطانية قد خلت من مادة مستقلة عن " القرآن" في طبعاتها القديمة التي أحيل فيها إلى الرجوع تارة إلى مادة " محمد " وتارة إلى مادة " الأدب العربي " (انظر طبعتي 1890و1926م) حتى أفردت في طبعه سنة 1929للقرآن مادة مستقلة تشتمل على ترجمة لكتاب ألماني بعنوان" موجزات شرقية" نشره المستشرق الألماني تيودور نولدكه (توفي سنة 1930) في برلين سنة 1892 (2) . أما طبعة سنة 1974، وهي الطبعة الخامسة عشرة، والتي بين أيدينا الآن فقد كتب مادة القرآن فيها باللغة الإنجليزية H. R (كذا دون تعريف كاف). وتقع هذه المادة في المجلد الخامس عشر ، في نحو خمس صفحات على عمودين كاملين. يتبع hgafihj hgl.u,lm p,g hgrvhk hg;vdl | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
23 / 02 / 2008, 43 : 04 PM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح (2) وقد كان نولدكه (الذي كتب مادة القرآن في تلك الطبعة ) كما وصفه المستشرق السويسري ستيفان فيلد Stefan Vild أجهل علماء عصره وأشدهم عداوة للإسلام . (انظر : ثابت عيد: الإسلام في عيون السويسريين، بافاريا ، ألمانيا ، 1420ه - 1999م. ص218. (1/6) ________________________________________ أما دائرة المعارف الإسلامية (1) وهي موسوعة متخصصة فقد قرر مجلس إدارتها أن يضرب صفحًا عن طبعتها الأولى ويعيد كتابة موادها من جديد، فصدرت الدائرة في طبعتها الجديدة بالاسم نفسه وأضيفت إليها عبارة الطبعة الثانية Encyclopaedia of Islam second Edition . وقام بكتابة مواد هذه الطبعة المستشرقون المحدثون وعدد من كتاب الطبعة السابقة ممن ظلوا على قيد الحياة لكي تتضمن خلاصة ما توصل إليه الفكر الاستشراقي الحديث من آراء ونتائج في مختلف الموضوعات الإسلامية . وبدأت مجلداتها تصدر تباعًا من مطبعة بريل، بمدينة ليدن بهولندا منذ سنة 1960م. ثم أعيد طبع هذه الطبعة نفسها مرة أخرى بعد ذلك في سنة 1979. ويبدو لي أن بعض دوائر المعارف المتخصصة ، وبخاصة دائرة المعارف الإسلامية ، تتوسع في مقالاتها توسعًا يكاد يخرجها عن كونها مجرد إشارات سريعة تتيح أمام الباحث المبتدئ مساحة كافية تعينه على تكوين رأي خاص في الموضوع، بل توشك هذه المقالات أن تكون تقارير شبه كاملة تتضمن الكثير من التقرير والحسم، قلما يجد الباحث فرصة كافية لكي ينفك من تأثيراتها الغالبة وآرائها شبه النهائية ويكون لنفسه رأيًا خاصًا في موضوعاتها. _________ (1) صدرت طبعتها الأولى في أربعة أجزاء تباعًا من سنة 1911 إلى 1938 كما صدر لها ملحقان. طبعة لندن - لوزان. (1/7) ________________________________________ وإذا نظرنا إلى مادة " القرآن " التي كتبها باللغة الإنجليزية A.T.Welch في الطبعة الثانية المشار إليها، والتي اعتمدنا عليها في كتابة هذا المقال ، نجد أنها تقع في 33 صفحة من القطع الكبير ، ببنط صغير وعلى عمودين كاملين في كل صفحة، مما يساوي كتابًا بأكمله في الموضوع. وقد حشد الكاتب المادة بآراء كبار المستشرقين - القدماء منهم والمحدثين في كل جزئية من جزئيات المقال، الأمر الذي يجعل الباحث المبتدئ لا يملك - في الغالب الأعم - إلا أن يتبنى الخط العام الذي يوحي به المقال | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
23 / 02 / 2008, 45 : 04 PM | المشاركة رقم: 3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح (1) لا بد للباحث أن يستخدم قاعدة الشك المنهجي ، فلا يجزم بشيء يتعلق بالراوي إلا بعد التثبت من ذلك بأسباب قوية. (2) فيما يتعلق بالراوي لا بد من الإجابة عن هذه الأسئلة. من الراوي، وما سيرته وأخلاقه، وما غايته؟ متى كتب كتابه ، وفي أي وقت ، ولمن كتب؟ مدى تحقق شروط العدالة الأخلاقية والضبط العلمي فيه، فإن وجد نقص في أيهما انتفت الصحة من الرواية. (1) دراسة البيئات السياسية والاجتماعية والأحداث التاريخية والصراعات العقدية ، ومدى انعكاسها على الكاتب وبالتالي على النص. (2) كيف جمع النص أولًا وما الأيدي التي تناولته ، وما النسخ التي اشتمل عليها؟ (1/9) ________________________________________ ثانيًا: النقد الأدنى ( ويشبه النقد الداخلي في مناهج الدراسة الأدبية): (1) وجوب دراسة لغة ما يسمى الكتاب المقدس ( العبرية) لفهم المعنى المقصود دون تدخل من المترجمين. (2) لا يؤخذ النص ككل بل يحلل إلى أجزاء ويدرك كل جزء على حدة. (3) تجمع العبارات في أقسام رئيسة وتفرز العبارات الواضحة من العبارات المبهمة والمعارضة لفظيًّا، مع تطبيق قاعدة الحقيقة والمجاز اللفظي لا المعنوي في شأن هذه العبارات. (4) التحليل الداخلي الدقيق للنص للعثور على الأخطاء والاختلافات والتناقضات مثل: أ- الأخطاء الطبيعية والرياضية. ب- أن يذكر الحديث في أكثر من موضع بشكل مختلف من حيث تحديد الزمان والمكان والعناصر زيادة كانت أو نقصًا. ج- إثبات شيء في موضع ونفيه في موضع آخر. د- ذكر قاعدة شرعية في موضع ونفيها في موضع آخر. ه- ورود لفظ لا يمكن أن يكون قد استعمل بهذه الدلالة إلا في عصور لاحقة. و- تباين الأسلوب الأدبي بين أجزاء النص. (1) ملاحظة تطور الفكر العقدي من عصر إلى آخر ، لاكتشاف اختلاف تواريخ كتابة أجزاء النص. (1/10) ________________________________________ القرآن وقواعد النقد الأعلى والأدنى: وكانت أول محاولة لتطبيق قواعد النقد الأعلى والأدنى على القرآن الكريم هي ما قام به المستشرقون في شأن ترتيبه حسب النزول . وقد توسع المستشرق الألماني تيودور نولدكه في دراسة النص القرآني لترتيبه زمانيًّا حسب نزوله، فاتجه إلى تقسيم السور المكية من القرآن الكريم إلى ثلاث فترات يتميز أسلوب النص القرآني في كل منها عن الآخر، كما يزعم. (1/11) ________________________________________ ولا شك أن نولدكه متأثر في ذلك بمنهج نقد ما يسمى الكتاب المقدس، والذي كتبت أسفاره - كما تبين بالدراسة الفاحصة - على فترات متباعدة تفصل بينها أحيانًا عشرات بل مئات السنين. يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي معلقًا على صنيع نولدكه : " فيما يخص الأسلوب، فلو كان مفيدًا في التمييز بين الفترات الطويلة فلن يفيد فيما يتعلق بالتمييز بين التتابع التاريخي للسور في فترة قصيرة في الواقع أن كل الفترة المكية لا توفّي إلا 12 سنة من 610 -622م، فبأي حق ندعي إذًا التمييز بين أسلوب كاتب خلال 12 سنة فقط؟ ناهيك عن استطاعتنا التمييز في تلك الفترة بين ثلاث فترات قصيرة" ويختم بدوي قوله : " إنه من الشطط - إن لم يكن من الكذب - أن نزعم استطاعتنا ترتيب السور تاريخيًّا في الفترة المكية حسب الأسلوب (1) . وقد أدرك عدد من كبار المستشرقين عدم جدوى تطبيق قواعد النقد الأعلى والأدنى على النص القرآني . يقول المستشرق الإنجليزي آربري في ذلك: _________ (1) دفاع عن القرآن ، ص 107-108، وللدكتور بدوي آراء أخرى في نقد نولدكه ، انظر ص 107. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
23 / 02 / 2008, 46 : 04 PM | المشاركة رقم: 4 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح إن منطق الوحي ليس منطقًا مدرسيًّا ، فليس هناك " قبل" وبعد" في رسالة النبي، عند ما تكون هذه الرسالة صادقة فإن الحقيقة الدائمة لا يمكن أن تحصر داخل إطار زمني أو مكاني، ولكن كل لحظة تعرض نفسها بشكل كلي مطلق" (1) . وإلى هذا الرأي نفسه يذهب المستشرق السويدي" تور أندريه " صاحب كتاب: " محمد : حياته وعقيدته " ، فقد عارض هذا المنهج العقيم الذي سلكه بعض المستشرقين في البحث، مبينًا أن جوهر النبوة لا يمكن تحليله إلى مجموعة من آلاف العناصر الجزئية. ومهمة الباحث - في رأيه - أن يدرك في نظرة موضوعية كيف تتألف من العناصر والمؤثرات المختلفة وحدة جديدة أصيلة تنبض بالحياة (2) . _________ (1) من مقدمة أربري لترجمة القرآن الإنجليزية ، الطبعة الأولى ، 1955، انظر: أحمد سمايلوفيتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، طبع مصر 1980م ، ص 173 - 174. (2) نقلًا عن الدكتور التهامي نقرة: القرآن والمستشرقون ، مقال في كتاب : مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الأول ص 21-57، مكتب التربية العربي لدول الخليج ، 1405ه (1985م). (1/13) ________________________________________ لقد ألمح كل من آربري وتورأندريه ، فيما نقلناه عنهما بالفقرتين السابقتين ، إلى عيوب تطبيق منهج النقد الأعلى والأدنى على دراسة النص القرآني ، وحصرا تلك العيوب في طريقة تحليل النص إلى أجزاء صغيرة وفق أصول الكم الرياضي والكيف المنطقي والترتيب الزماني، وتنبّها إلى أن النص القرآني يعلو على هذه المعايير كلها، وهذا كله حق بلا جدال. لكن الملاحظ أن أحدًا من هذين المستشرقين الكبيرين لم يشأ أن يعترف صراحة بالحقيقة الجوهرية والنقطة المبدئية في الأمر كله ، وهي أن تطبيق هذا المنهج على القرآن الكريم فاسد من كل الوجوه، لأنهم يدرسونه لا باعتباره وحيًا إلهيًّا وكتابًا منزلًا من عند الله بل باعتباره نصًّا تاريخيًّا من صنع بشر، ومن تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، فمنهج النقد الأعلى والأدنى إن صح تطبيقه في دراسة العهدين القديم والحديث مما يسمى الكتاب المقدس ، بل وفي سائر النصوص التاريخية التي هي نصوص بشرية، فلا يصح تطبيق معاييره على نص ينتمي إلى مجال آخر وميدان مختلف غير المجال البشري المحدود. ومن هنا يتبين لنا فساد المنهج الذي يطبقه المستشرقون في دراساتهم القرآنية من حيث المبدأ. (1/14) ________________________________________ ولا يمكننا - بطبيعة الحال - أن ننتظر من المستشرقين خلاف ذلك لأنهم إن سلموا بأنه منزل من عند الله لوجب عليهم التصديق به والإذعان له، ولزمهم اتباعه ، ولأنهم لن يفعلوا وتأبى قلوبهم فكان لا بد لهم من الحكم سلفًا بأن مصدر القرآن بشرى لكي يطبقوا عليه منهجًا يصلح للتطبيق على النصوص البشرية. وفي هذا العار كل العار للعلم والمعرفة ، لأن مقتضى النظر العلمي ألا يدخل الإنسان على الموضوع بفكرة سابقة وإلا فسد مخرجه بفساد مدخله ، وفسدت نتائجه بفساد مقدماته وهو آفة العلم الكبرى التي لا علاج لها. لقد ناسب هذا المنهج حالتهم وراقهم لأن من شأنه أن يعفيهم من الحرج - أمام مواطنيهم من الغربيين على الأقل ، ويحقق لهم - باسم العلم والموضوعية - أغراضهم في الطعن على الإسلام ورسوله، والتنفيس عن هذا العداء للإسلام والحقد على رسوله مما ورثوه ورضعوه منذ طفولتهم، وسيطر على عقولهم وتسبب في عمى بصيرتهم. (1/15) ________________________________________ ولست أشك في أن إصرارهم على نفي صفة " كلام الله " عن القرآن الكريم من حيث المبدأ هو الأمر الذي أوقعهم في سلسلة الأخطاء التي ارتكبوها في سائر كتاباتهم والتي حاول المتأخرون منهم التماس الأعذار فيها للمتقدمين (1) ، والمآزق العلمية والمنهجية التي أوقعوا أنفسهم فيها ولم يجدوا منها مخرجًا (2) ، والجرأة والتبجح والتعالم بالتقول على أسلوب القرآن حتى قال أحد الباحثين العرب (3) : فمن أين لأعجمي ادعاء أن القرآن فيه ركاكة في اللغة... هذا القرآن الذي أصبح فيما بعد مقياس اللغة العربية... إلى أن يرث الله الأرض من وعليها ، فلو أني اتهمت أسلوب جوته الشاعر الألماني بالركاكة لسخر الناس مني، رغم إلمامي باللغة الألمانية ، وإجادتي لها لدرجة التأليف بها، فكيف بمستشرق يفهم العربية باستعمال القواميس..إلخ؟ _________ (1) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ، مادة القرآن ، القسم الخاص بحروف المقطعات. (2) أيضًا، القسم الخاص بالقصص القرآني ، انظر في الموضع نفسه تفسيرهم لوجود تفاصيل في القصص القرآني لم ترد في التوراة والإنجيل ، ويعدهما المستشرقون مصدرًا لهذا القصص. (3) أعنى به الدكتور السيد محمد الشاهد، في كتابه : التوحيد والنبوة والقرآن في حوار المسيحية والإسلام ، نقلًا عن الدكتور ثابت عيد ، الإسلام في عيون السويسريين ، ص 198. (1/16) ________________________________________ ولو أنهم ردوا القرآن الكريم إلى مصدره الإلهي الحق، واتصفوا بروح التواضع والإنصاف (الذي يلبسون مسوحه ويتظاهرون به أمام الناس خداعًا ومخاتلة) ولم يدخلوا على البحث بفكرة سابقة وإصرار أكيد لكانوا قد سلموا من ذلك كله، ولكن كيف يمكنهم ذلك؟ هل يخشون أنهم لو دخلوا على البحث بروح محايدة فافترضوا ضمن فروضهم - كما يقتضيه النظر العلمي - أن القرآن وحي من الله سيقودهم ذلك إلى التسليم به؟ واضح أنهم فعلوا ذلك لأنهم نفوا هذا الفرض تمامًا ونحوه بعيدًا، فلم يشيروا إليه من قريب أو بعيد إلا على سبيل التوهين والاستهزاء، لكن هذا الفرض ظل حاضرًا في أذهانهم دائمًا لأن كل جهدهم (العلمي!!) كان منصرفًا إلى البرهنة على نقيضه، ومباركة كل محاولة تبذل للزعم بأنه من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم. وتتوالى سلسلة الفساد التي بدأت من تلك المقدمة الفاسدة المتعسّفة - كما ذكرنا - لتضرب كل قاعدة اتخذوها أساسًا لنقدهم، فقد ألزمهم نفي كون القرآن كلام الله اتباع ما يلي: (1/17) ________________________________________ (1) الشك في الراوي: محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يؤكد أن القرآن وحي أوحي إليه من الله تعالى وما دام الأمر ليس كذلك( كما يقرره المنهج وكما يزعمون) فلا بد من اختلاق الأكاذيب حول سيرته وأخلاقه وغايته، وجمع كل المفتريات في القديم والحديث وحشدها للقدح في ذلك كله، وبذر بذور الشك في نبوته صلى الله عليه وسلم. (2) طالما أن النص من صنع بشر - كما يزعمون - فلا بد من حصره في حدود الطاقات والتصورات البشرية، وما يخرج فيه عن دائرة قدرة العقل البشري والمدركات الحسية يدخل في نطاق الأسطورة ويصبح من حق الباحث - اعتمادًا على عقله وحواسه وعلى أصول المنطق والمعرفة المتراكمة التاريخية والعلمية - أن يرفض أي حقائق تتجاوز الواقع المادي المحسوس ، كالغيبيات والعقائد، ويبدو كل ما يتجاوز الواقع المادي خرافة غير قابلة للتصديق. وهذا يعني الطعن في ما ورد بالقرآن من غيب كالمسائل : الألوهية (1) والوحي والملائكة واليوم الآخر والجنة والنار ، وما يخرج عن نطاق التاريخ الإنساني المدون..إلخ. _________ (1) انظر ما ورد في دائرة المعارف الإسلامية ، مادة القرآن ، ص 425 عن آية الكرسي، وقول كاتب المادة إن لفظي العرش والكرسي ينطويان على « دلالات أسطورية» ، كما يزعم ، وانظر أيضًا ص 423 كلامه على الشهب المرسلة ونفخ الصور يوم القيامة ، وطوفان نوح. (1/18) ________________________________________ (3) محاولة إبراز أثر البيئة والزعم بتأثير ما راج بين العرب قبل عصر النبوة من مقولات يهودية ونصرانية ووثنية على النص والتدليل على ذلك بأكاذيب شتى واضحة البطلان - كما سنذكر فيما بعد - والتماس المشابهات بين ما ورد بالنص القرآني وكل من التوراة والإنجيل من ألفاظ وقصص. وحين يعييهم البحث عن أي تشابه في الألفاظ يشتطون في الكذب والاختلاق، أما القصص فحين انتابهم اليأس من العثور على أصول لقصص عاد وثمود في العهد القديم (1) شك بعضهم في هذه الأقوام أصلًا، بينما ردّها آخرون إلى أثر المرويات الشفوية التي كانت رائجة في البيئة العربية قبل عصر النبوة، ولا دليل لهم عليه. (4) النظر إلى الآيات الشريفة بحسبانها مرتبطة بزمان معين ومشدودة الوثاق بظروف البيئة والعصر الذي نزلت فيه، لا باعتبارها أحكامًا نهائية مطلقة خارجة عن إسار الزمان والمكان قد اكتسبت صفة الديمومة والخلود ( كما لاحظ المستشرق آربري في تصريحه السابق في ص 10-11) وقد أدت بهم هذه النظرة إلى الفشل الذريع الذي منيت به محاولاتهم المتكررة لتقييد النص القرآني بقيود تاريخية وترتيبه حسب الزمان (2) . _________ (1) فسر الأستاذ عباس العقاد سكوت العهد القديم عن عاد وثمود بأنه محاولة منهم للتعفية على كل رسالة إلهية في أبناء إسماعيل . ( العقاد : إبراهيم أبو الأنبياء ، ص 119). (2) وربما كان هذا هو الأساس في زعمهم أن الإسلام « كان حدثًا تاريخيًّا في حينه لم يكتب له الامتداد في التطبيق الواقعي، أو لم يعد صالحًا للتطبيق » ، محمد قطب : المستشرقون والإسلام ، طبع مصر 1420ه (1999م) ، ص 60. (1/19) ________________________________________ (5) التحوّط من كل الروايات التي قالها المسلمون والأحكام التي استخلصها علماؤهم، والقدح فيها باعتبارها أقوالًا وأحكامًا منحازة غير محايدة في الموضوع فضلًا عن أنه لا دليل عقليًّا عليها. وإنما يقتصر منها على أجزاء ما بها من أقوال وأحكام تسند ما يذهبون إليه حتى ولو كانت ظاهرة البطلان، ولكن يعتدّ بها لأنها إنما صدرت عن المؤمنين بالقرآن أنفسهم ومؤيّديه. (6) تشبثهم بالمفاهيم الغربية في النقد الأدبي كاشتراط " وحدة الموضوع" في كل سورة من السور وتمسكهم المتعسف بضرورة أن يكون موضوع كل سورة موضوعًا موحدًا، وبالتالي دراسة البناء الداخلي لكل واحدة من السور بمعزل عن غيرها (1) . وقد سلّم بعض المستشرقين بعدم جدوى أية محاولة تجري في الحاضر أو المستقبل في هذا الاتجاه (2) . والملاحظ هنا أن ما يتشبث به المستشرقون من "وحدة الموضوع" في السور لا يتصل من قريب أو بعيد بمسألة " النظم " القرآني وترتيب الآيات ترتيبًا توقيفيًّا لا شبهة فيه (3) . فهذا الترتيب يعد من أبرز دلائل الإعجاز في القرآن الكريم ، وهو " من عمل الوحي يقينًا" (4) . _________ (1) يقول كاتب مادة القرآن بدائرة المعارف البريطانية : «قلما نجد فكرة واحدة نوقشت مناقشة كاملة في سورة واحدة». (2) يقول رودي باريت: « ولا يصح أن يظن أن من الممكن مع مرور الأيام توضيح نشأة جميع السور وفهم بنائها الداخلي على أنها وحدة مترابطة الأجزاء » ( البحوث القرآنية ، مقال من كتاب ألمانيا والعالم العربي، ترجمة مصطفى ماهر وكمال رضوان ، بيروت: 1974 ، ص 347-357). (3) انظر : جلال الدين السيوطي : الإتقان في علوم القرآن ، طبع مصر 1967م، 1 :104 . (4) عدنان زرزور، علوم القرآن ، طبع بيروت 1404ه ، ص 106. (1/20) ________________________________________ (7) لا بد لمن يطبق هذا المنهج أن يتحلّى بمعرفة واسعة بأساليب اللغة العربية وبالتالي التعامل بالقدر اللازم من الفهم والوعي مع النص القرآني. ولما كان المستشرقون يفتقرون إلى مثل هذه المعرفة العميقة فقد وقعوا في أخطاء فاحشة عند التطبيق سيتبين لنا جانب منها بالدراسة الفاحصة لما ورد في بعض أعمالهم بعد قليل. (8) محاولتهم وضع نماذج وأطر معيارية لصيغ القرآن وأساليبه الإنشائية والخبرية، وهي المحاولة التي باءت بالفشل وعبّر عنها كاتب مقال القرآن بدائرة المعارف الإسلامية بقوله: إن طبيعة القرآن وترتيبه تجعل من الصعب تصنيف صيغه الأدبية أو تنظيم موضوعاته الرئيسة، وأية محاولة لتصنيف أجزاء القرآن وفق النماذج الأدبية المعيارية تصاب بالانهيار على الفور. (1/21) ________________________________________ (9) وطالما أنه نص من صنع بشر - كما يزعمون - والبشر لا بد له أن يستقي أفكاره وتصوراته من مصادر بعينها، فإنه لا بد من رد هذه التصورات التي أطلقوا عليها " غرائب تثير الدهشة" و " أساطير" مما ليس له وجود في التوراة والإنجيل والبيئة العربية قبل نزول القرآن إلى روايات من قصص تقليدية توجد في ثقافات الشرق الأدنى، وقد عدّلت لتتطابق مع النظرة العالمية وتعاليم القرآن (1) . ويضربون لذلك أمثلة لا يمكن إن لم يكن من المستحيل - التأكد بأن لها أصولًا في ثقافات الشرق القديم ، لأن البحث في تلك الثقافات لم يرق إلى درجة اليقين بما كانت تشتمل عليه من تصورات وأفكار. _________ (1) دائرة المعارف الإسلامية ، مادة : القرآن ، البحث الخاص بالقصص القرآني. (1/22) ________________________________________ (10) وإذا ورد في النص القرآني ما يثبت العلم الحديث حقيقة وقوعه ويقع في دائرة المعطيات الحسية لا بد من المبادرة إلى التشكيك فيه حتى لا يترك للقارئ - أو حتى للباحث المبتدئ - مجرد فرصة التفكير في تطابق الحقائق العلمية مع ما ورد بالقرآن الكريم مما يجعله مختلفًا عن التوراة في هذا المجال. فقد رأينا كاتب مادة " القرآن " في دائرة المعارف الإسلامية حين عرض لقصة نوح - عليه السلام وأشار إلى الطوفان الذي وردت قصته في سورة هود (الآيات 36-48) وأثبت البحث في علوم طبقات الأرض حدوثه - رأينا الكاتب يسارع إلى القول: " وعلى أي حال فهو ليس الطوفان الذي عمّ العالم بأسره، ونسأله : أي طوفان يكون إذًا طوفان نوح ؟ فلا يحير جوابًا بعد هذه العبارة ولا يقدم دليلًا. وأكتفي في هذه العجالة بهذا القدر من بيان الأخطاء التي كان لا بد أن يقع فيها المستشرقون بسبب اعتمادهم على منهج النقد الأعلى والأدنى في دراساتهم للقرآن الكريم. (1/23) ________________________________________ أصل الكلمة ومرادفاتها: يعرض الكاتب أول ما يعرض لكلمة " القرآن" والتي ترددت في القرآن نفسه - كما يشير الكاتب - أكثر من سبعين مرة بمعان مختلفة. ويقول: إن المستشرقين قبلوا النظرية التي قال بها شفالي في كتابه ( تاريخ القرآن) أن "القرآن" قد اشتق من كلمة " قرياءنا" السريانية، ( ومعناها القراءة المقدسة، والدرس). أما النظرة الغالبة لدى الدوائر الإسلامية فهي أن الكلمة اسم من قرأ . ويشير الكاتب إلى أن كلا الرأيين يجد لنفسه سندًا من القرآن، حيث يظهر فعل " قرأ" ولكن ليس كما يتكرر بمعنى القراءة أو التلاوة . ثم يقول : "ولعل أنسب النتائج وأقربها قبولًا هي أن مصطلح القرآن قد أصّل في القرآن نفسه لكي يمثّل كلمة " قيريانا السريانية " ولكنه أسس على مصدر عربي بصيغة " فعلان" من قرأ". | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
23 / 02 / 2008, 48 : 04 PM | المشاركة رقم: 5 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ولا شك أن الكاتب يهدف بتصدير المقال بهذا المبحث اللغوي المتعسف إلى أن يبين أن هناك اتصالًا وثيقًا بين القرآن الكريم والمصادر المذكورة ، وأن هذا الاتصال إنما يبدأ بكلمة "القرآن" نفسها التي ليست في الواقع إلا كلمة مأخوذة من السريانية، كل ذلك لكي يسهل على القارئ أن يتقبل ما سوف يرد من آراء في هذا السياق. (1/25) ________________________________________ ويمضي كاتب المقال قائلًا: " ولا يمكن لمعنى كلمة القرآن ومصدر الكتاب المقدس للمسلمين أن يتضحا تمامًا دون أن نضع في الاعتبار استخدام عدد آخر من المصطلحات الوثيقة الصلة بالموضوع ، ولا يقتصر الأمر هنا على "آية" و"كتاب" فحسب، بل يشمل أيضًا " سورة " و "ذكر" و" مثاني"، و "حكمة" وغيرها. ثم يقول " إن المعنى الأصلي للفظ "آية" كالكلمة الشبيهة في العبرية "أوث" ، والسريانية "آثا" ، هي العلامة والدليل وتأتي كرمز لحقيقة غير مرئية" ولكنه يستدرك قائلًا " غير أن اشتقاقها ليس مؤكدًا". وبعد ذلك يعرض لكلمة " سورة" فينقل عن شفالي قوله: إنها تبدو مشتقة من " صورطا" أو " سورثا" السريانية : ومعناها الكتاب المقدس . كما يعرض للفظ" مثاني" فينقل ما قاله بعض المستشرقين من أنها مشتقة من " مشنا" العبرية، وبعضهم الآخر من " ماثنيتكا" السريانية أو الآرامية، لكن اللفظ كما يؤكد كاتب المقال - لا بد أن يكون متأثرًا ب "ثنى" العربية، بمعنى أعاد وكرر. (1/26) ________________________________________ ثم يأتي الكاتب إلى كلمة " حكمة" فيقول إنها ربما جاءت من الكلمة الآرامية "حخما" فالكاتب بقدر ما ينفي أن بعض هذه الكلمات ترجع إلى أصول عبرية أو سريانية أو آرامية فإنه يشير إلى صحة اشتقاق بعضها من هذه الأصول . وهو يتتبع كل كلمة من الكلمات السابق ذكرها فيعرض لمعانيها الواردة في المكي ثم المدني من القرآن الكريم متبعًا في ذلك منهج النقد الأدنى، كما سبق أن أشرنا. وإذا تأملنا النتائج التي توصل إليها المستشرقون في هذا البحث - وفقًا لما عرضه كاتب المقال - نجد أنها لم تأت بجديد، فهي قد أقرت بما أعلنه المسلمون من أن ألفاظ : قرآن، آية، سورة، كتاب إنما تمثل وحدات من التنزيل ، وأن الكتاب يعني كتاب الله.. إلخ ومن ثم لا يشتمل هذا المبحث إلا على ما أثاره بعض المستشرقين من شبهات حول اشتقاق بعض ألفاظ القرآن الكريم وردها إلى أصول عبرية أو سريانية، وبمعنى آخر ردّها إلى أصول يهودية أو نصرانية. (1/27) ________________________________________ ولا شك أن الهدف من وراء هذا التشكيك في أصالة المصطلحات الرئيسة في القرآن الكريم وردّها إلى أصول عبرية أو سامية أو آرامية إنما هو استدراج للقارئ وتمهيد لإقناعه بأن القرآن هو من اختراع محمد وتأليفه، وأنه قد تعلم هذه الألفاظ من اليهود والنصارى. ويناقش الدكتور عبد الرحمن بدوي مزاعم المستشرقين في هذا الصدد قائلًا: " ولكي نفترض صحة هذا الزعم فلا بد أن محمدًا كان يعرف العبرية والسريانية واليونانية، ولا بد أنه كان لديه مكتبة عظيمة اشتملت على كل الأدب التلمودي والأناجيل المسيحية ومختلف كتب الصلوات وقرارات المجامع الكنسية وكذلك بعض أعمال الآباء اليونانيين وكتب مختلف الكنائس : الملل والنحل المسيحية". ويعلق عبد الرحمن بدوي على هذا بقوله : " هل يمكن أن يعقل هذا الكلام الشاذ لهؤلاء الكتاب، وهو كلام لا برهان عليه. إن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل ظهور رسالته وبعدها معروفة للجميع... ولا أحد قديمًا أو حديثًا يمكنه أن يؤكد أن النبي كان يعرف غير العربية، إذًا كيف يمكن أن يستفيد من هذه المصادر كما يدَّعون" (1) . _________ (1) دفاع عن القرآن ، ص 28 . (1/28) ________________________________________ على أن اللغات العربية والعبرية والسريانية تنتمي إلى سلالة لغوية واحدة هي سلالة اللغات السامية، ولا بد من أجل ذلك أن يكون بينها الكثير من التشابه والتماثل. ومن ثم فإن القول بأن إحدى اللغات قد استعارت ألفاظًا بعينها من أخواتها هو ضرب من التعسف ، ما لم يقم عليه دليل. ويمكن أن تكون هذه الألفاظ قد وجدت في العربية قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم بوقت طويل واستقرت في اللغة العربية حتى أصبحت جزءًا منها وصارت من مفرداتها التي يروج استخدامها بين العرب. كما أن من المستحيل الآن بسبب غموض تاريخ اللغات السامية أن نحدد من اقتبس هذه الألفاظ المشتركة من الآخر: العربية أم العبرية (1) ؟ وهذا كاف في الدلالة على إثبات تفاهة حجج من توسع من المستشرقين في باب الاشتقاق من اللغات السامية (2) . _________ (1) عبد الرحمن بدوي: دفاع عن القرآن ، ص 44. (2) راجع تعليقات إبراهيم عوض في كتابه : دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية : أضاليل وأباطيل ، وهو الكتاب الذي ألفه في نقد ما كتب في الطبعة الأولى من الدائرة المذكورة ، ص 187 وما بعدها حول آراء المستشرقين في المسائل اللغوية وما أثبته من وجود عدد كبير من هذه الألفاظ في الشعر الجاهلي قبل نزول القرآن الكريم. (1/29) ________________________________________ (2) محمد والقرآن : يبدأ كاتب المقال هذا الفصل بقوله إن كتاب الإسلام المقدس وتجربة محمد النبوية ترتبطان ارتباطًا وثيقًا بحيث لا يمكن فهم أيهما فهمًا كاملًا دون الآخر. ثم يشير إلى ما استقر عليه الرأي من أن الله في القرآن هو المتكلم دائمًا، وأن محمدًا هو المتلقي وأن جبريل هو وسيط الوحي ويضيف: ولكن تحليل النص يبين أن الموقف أشد تعقيدًا من هذا. ويبدأ الكاتب في عرض نصوص من القرآن الكريم لبيان العلاقة التي تربط بين أطراف القضية الثلاثة: المتكلم، والوسيط، والمتلقي، استنادًا إلى منهج " النقد الأعلى والأدنى" الذي يعمد إلى تحليل هذه النصوص وربط بعضها ببعض ربطًا تاريخيًّا، وسوف نتتبع الكاتب في هذا العرض ونتقصَّى ما ذهب إليه، فإن كان مشتملًا على حقائق علمية ثابتة أيدناها ووافقناها، خدمة للكتاب العزيز، وإن جاء متضمنًا غير ذلك بينًا وجه الخطأ فيه، وحاولنا قدر استطاعتنا الإبانة عن الحق والصواب بالبينة والبرهان. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
23 / 02 / 2008, 49 : 04 PM | المشاركة رقم: 6 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح (1/30) ________________________________________ يقول : " فيما يبدو أن الأجزاء الأقدم من القرآن ، لا يتبين المتكلم أو مصدر الوحي، ففي بعض السور ( يشير إلى آيات في سور الشمس، والقارعة، والتكاثر، والعصر) لا نجد حتى مجرد إشارة بأن الرسالة تأتي من الإله. والكاتب يتجاهل هنا الآيات الأولى التي نزلت من القرآن ، في سورة العلق (1) ، { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } ، فالرسالة قد أنزلت من الخالق ، والنبي مكلف بالبلاغ .كما يتجاهل الكاتب - هو ومن نقل عنه من المستشرقين (2) - ما ورد في سورة الشمس نفسها التي استشهد بها من قول الله تعالى { وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا }{ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا }{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } فهذه وغيرها كلها إشارات إلى الخالق المعبود وصنعه في الكون وفي النفس البشرية. ثم يقول الكاتب : إن السور المبكرة التي يشار فيها إلى إله محمد لا ترد فيها إشارة إلى اسم الإله، إنما هو لفظ الشخص الثالث، إذ ترد في العبارة " ربي" و" ربك" ويضرب الكاتب على ذلك مثلًا بما ورد في سورة : الذاريات، والطور ، والمدثر ...إلخ. _________ (1) ترد السورة في ترتيب « نولدكه» الزماني للقرآن ، وهو الترتيب الذي يعتمده المستشرقون، برقم 1 (انظر: دائرة المعارف الإسلامية ، مادة القرآن في الفقرة 3 تاريخ القرآن ). (2) أعني المستشرق موير Muri في كتابه « إله محمد ». (1/31) ________________________________________ ولا يمكن من يزعم أنه يتبع منهجًا تحليليًّا لنص من النصوص - وفقًا لمنهج النقد الأدنى - أن ينتقي منه ما يشاء ويغفل عن بقيته، إلا إذا كان يبغي التضليل، فهو قد غفل عن اسم إله محمد الذي ورد في السورة الأولى : العلق: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } (14:1) ، كما ورد في السورة الثانية : المدثر : { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ } (31:2) . بل ورد في السورة التي استشهد بها الكاتب كالذاريات: { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ } .. { وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } (51:50). وفي هذا - وغيره كثير - دلالة على أن اسم إله محمد (الله) قد ورد في السور المبكرة، على عكس ما يزعم الكاتب. كما ورد في سورة المدثر - التي يستشهد بها الكاتب - بصيغة المتكلم أيضًا لا المفرد الغائب فقط - " ذرني ومن خلقتُ ... وجعلتُ .. ومهّدتُ... سأرهقه... سأصليه. (26:11). وواضح أن كاتب المقال - ومن اعتمد عليه من المستشرقين - يحاول أن يشكك في ماهية الطرف الأول من أطراف القضية ( المتكلم : الله تعالى) فيزعم أن هذا الطرف كان غامضًا في الفترة المكية المبكرة، لأن السور التي تنتمي لتلك الفترة لم تحدده أو تعينه بوضوح. (1/32) ________________________________________ والكاتب يرمي إلى الإيحاء بأن اسم هذا الإله ما تحدد بوضوح إلا في الفترة المدنية بعد أن اتصل محمد باليهود الذين تعلم منهم كما يزعم الكاتب. ثم ما لبث الكاتب أن ناقض نفسه فقال " ورد في القرآن أن محمدًا (الذي زعم الكاتب لتوه أنه لم يكن يعرف ربه تمامًا) قد رأى الله مرات عديدة Muhammed had Visions of God كما ورد في سورة النجم 10 (لعله يعني الآية 11) : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } وفي سورة التكوير 23 : { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } وعلى الأقل في الفترة المكية كان صوت الله نفسه، وليس أي وسيط ، ما سمعه محمد ". (1/33) ________________________________________ ونقول إن النص في كلا الموضوعين لا يسمح بأن تكون الإشارة إلى الله تعالى، وإنما الضمير عائد في الآية الأولى إلى { شَدِيدُ الْقُوَى } يعني جبريل عليه السلام ، الذي علم النبي صلى الله عليه وسلم : فقد رآه النبي على صورته التي خلقه الله عليها كما قال العلماء: وفي الآية الثانية يعود الضمير إلى رسول كريم، وهو أيضًا جبريل عليه السلام الذي يمهد الكاتب لإنكاره دوره بزعمه أن الشواهد تقول: إن محمدًا قد تلقى الوحي في الفترة المكية من الله مباشرة، إذ لم تكن ثمة حاجة إلى وسيط بينه وبين محمد . والكاتب يريد بهذا التلبيس أن يعد قارئه لقبول النتيجة التي يسوقها في الفقرة التالية. ب- الوسيط: (1/34) ________________________________________ يقول: وفي السور المبكرة ومن أجل تحديد مصدر الوحي، فإن الله هو المتكلم، وهو المصدر المباشر، مثلًا { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا } (1) . ( المزمل 5) و { سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى } ( الأعلى 6) ، وعدد آخر من السور المكية المتأخرة والمدنية المبكرة يتحدث عن آيات القرآن والكتاب لمحمد ( يشير إلى قوله تعالى: { تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ } ( البقرة: 252)، وآل عمران 108 وكلاهما مدنية، والجاثية 6 مكية ). لكن في خلال الفترة نفسها نجد مجموعة من السور تقول بتعالي الله عن الإيحاء المباشر. وقد جاء هذا بطريقتين: أن تقال الرسالة لكي تنزّل عن طريق وسطاء معينين. وأن تتصل بشكل ما ب " الكتاب" وكلتا الظاهرتين تتضح في سورة الشورى 51 حيث ينكر القرآن بصراحة أن يتكلم الله مباشرة مع محمد : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } .. { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } . _________ (1) لاحظ أن ضمير المتكلم هنا يناقض ما قاله الكاتب من قبل عن عدم ظهور هذا الضمير في السور المبكرة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
23 / 02 / 2008, 50 : 04 PM | المشاركة رقم: 7 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ومن ثم فليس هناك تناقض ولا تعارض بين الآيات المبكرة والمتأخرة كما يزعم الكاتب، الذي يحاول هنا أن يشكك في دور جبريل عليه السلام ، الطرف الثاني من القضية. وينتقل الكاتب بعد ذلك ليقول " في أول سورة مدنية مبكرة - وهي سورة البقرة ( الآية 97)- يشار إلى وسيط الوحي لأول مرة في القرآن على أنه جبريل . وبناء على هذه الآية وعدد من الأحاديث النبوية فإن المفسرين حددوا الروح في الأجزاء المبكرة بأنه جبريل ، ووضعوه منذ بداية منصب محمد كوسيط للتنزيل". وكما أن جبريل ، وعلى عكس المعتقد السائد، لم يعرف أبدًا في القرآن على أنه واحد من الملائكة ، كما لم يذكر أن الملائكة وسطاء للتنزيل ، والسورة 16 آية 2 هي الأقرب في هذا الصدد". (1/36) ________________________________________ ونقول: لقد ذكرت صفات الملك الذي يبلغ الوحي في ما نزل في الفترة المكية الأولى { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }{ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ }{ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } ( التكوير 19-21)، { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }{ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى } (النجم: 5،6) إلى غير ذلك من الآيات التي تبين شخصية هذا الملك ذي القوة العلوية العالمة التي توحي إلى النبي علمًا، وتبلغه رسالة ربه. والنبي يعرفه ويراه : { فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى }{ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } (النجم: 10،11) ن ويناديه باسمه جبريل كما ورد في حديث الإسراء والمعراج، فلم تكن بالنبي والمسلمين حاجة إلى النص على هذا الاسم في القرآن . وما نزلت الآية التي يشير إليها كاتب المقال من سورة البقرة (97) : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ } ... الآية . إلا حين سأل اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي قال:جبريل. قالوا: فإنه عدو لنا ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال، فنزلت الآية . (1/37) ________________________________________ فكون الاسم لم يرد في القرآن إلا في أوائل الفترة المدنية لا يعني أن الله تعالى هو الذي كان يوحي إلى النبي مباشرة كما زعم الكاتب . على أن الاسم لم يرد في القرآن إلا في مناسبتين فقط. هذه المناسبة التي رد فيها على اليهود ، ومرة أخرى في سورة التحريم الآية 4 في موضع المحبة للنبي والاستعداد لتأييده ونصرته حتى في مواجهة أقرب الأقربين إليه وهن زوجاته (1) . ومن ثم فإن الملك الذي أبلغ الوحي كان معروفًا للنبي قريبًا منه ، ويصبح التعلل بتأخير ورود اسمه في التنزيل أمر لا طائل وراءه. أما ما قاله الكاتب من أن القرآن لم يذكر أن الملائكة وسطاء للوحي، فيكفي أن نستشهد بالآية الأولى من سورة فاطر المكية : { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا } وبالآية (75) من سورة الحج (مدنية) : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ } وللدلالة على أن جبريل من الملائكة ما جاء في وصفه بالآية (19) من سورة التكوير { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } فهو إذن رسول من الملائكة الذين يصطفيهم الله. _________ (1) ... وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير «. (1/38) ________________________________________ ثم إن الآية التي يشير إليها الكاتب : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ } إنما هي تصريح بأن جبريل نزل بالقرآن كله مكية ومدنية. ج- المتلقي: وبعد أن فرغ الكاتب من الحديث عن طرف القضية الثاني، وحاول أن يلغى دوره أو يشكك فيه ينتقل إلى الطرف الأخير في القضية. محمد صلى الله عليه وسلم. يقول: يتحدث القرآن أيضًا لأول مرة عن معلم محمد من البشر في سياق مجموعة الاتهامات التي وجهها له معارضوه : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } .. { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } ( الفرقان 4 وما بعدها). (1/39) ________________________________________ ويعقب الكاتب بقوله : " وفيما عدا عنصر الإفك فإن القرآن ينكر ما سجّل في هذه الآيات" والحق أن ما يقوله الكاتب هو الكذب والافتراء بعينه، فكما أن الآية الأولى المتعلقة بالإفك قد أكملت ب { فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا } ، فقد اكتملت الآية الثانية بقوله تعالى : { قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فأين الأساطير القديمة من علم الله المحيط بسر السماوات والأرض . ومثلما رد القرآن على هذين الافتراءين اللذين ساقهما كفار مكة رد على ما سجله بعدهما في السورة نفسها بقوله : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا } (الفرقان 9)، فهو إذًا قد رد على كل الاتهامات لا على اتهام واحد كما يزعم الكاتب. (1/40) ________________________________________ ثم يقول : " ويأتي الرد على اتهام مشابه يسلّم بأن محمدًا كان له معلم أجنبي في سورة النحل 103 { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } وتبدو التهمة هنا أيضًا غير منكورة . وهنا إصرار على أن الصياغة الحقيقية للقرآن لا تأتي من المعلم. والكاتب يشير هنا إلى ما زعمه كفار قريش من أن رجلًا أعجميًّا كان بين أظهرهم يبيع عند الصفا ، وربما كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء وكان أعجمي اللسان لا يعرف العربية ، أو كان لا يعرف منها إلا القدر اليسير ، فزعموا أنه يعلم النبي، فأنزل الله هذه الآية التي تبين أن الكفار يعرفون قيمة القرآن وإعجازه، فكيف يمكنهم أن يزعموا أن أعجميًّا يعلم محمدًا هذا الكتاب؟ فإن كان قادرًا عليه فليظهرن به لنفسه. (1/41) ________________________________________ يقول الأستاذ سيد قطب في " ظلال القرآن" " وحتى الماديون الملحدون في روسيا الشيوعية، عند ما أرادوا أن يطعنوا في هذا الدين في مؤتمر المستشرقين عام 1954 كانت دعواهم أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من عمل فرد واحد - هو محمد - بل من عمل جماعة كبيرة . وأنه لا يمكن أن يكون قد كتب في الجزيرة العربية بل إن بعض أجزائه كتب خارجها .. فكيف كان يمكن - وهذا رأي جماعة من العلماء في القرن العشرين - أن يعلمه بشر لسانه أعجمي عبد لبني فلان في الجزيرة؟ (1) ونحن بدورنا نقول للكاتب ولغيره ممن يزعم هذا الزعم : قل لنا ما اسم هذا المعلم؟ ومن الذي رآه وسمعه ؟ وماذا سمع منه؟ ومتى كان ذلك؟ وأين كان؟ (2) . ثم يقول كاتب المقال : " وهناك سور مدنية تعطى انطباعًا بأن محمدًا جهد في الحصول على معلومات من الكتاب المقدس عند اليهود، حيث جرى اتهامهم بأنهم يخفون كتابهم عنه. وقد عرضت بعض النسخ المكتوبة على محمد أو أتباعه ، انظر: مثلًا : الأنعام 91 : .. { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا } ". _________ (1) سيد قطب ، في ظلال القرآن ، طبع دار الشروق سنة 1397 ، 4 :2195. (2) راجع مناقشة هذه المسألة بتوسع عند: الدكتور محمد عبد الله دراز: النبأ العظيم ، طبع مصر 1416، ص 62 وما بعدها. (1/42) ________________________________________ ولا أدري من أين أتى الكاتب بهذه القصة الملفقة التي أراد أن يستشهد عليها بالآية الكريمة من سورة الأنعام ، وهي سورة عدها الطبري - الذي يرجع إليه الكاتب كثيرًا - مكية وليست بمدنية ، كما اختار الطبري قول ابن عباس ومجاهد في أن الآية نزلت في قريش (1) واستحسن قراءة" يجعلونه " بدلا من "تجعلونه" ومن ثم يكون تفسير الآية : قل لهم يا محمد : من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس ، مما يجعله اليهود صحائف يخفون بعضها ويظهرون بعضها قضاء للباناتهم من وراء هذا التلاعب الكريه" (2) . وقد اختار ابن كثير ما اختاره الطبري لأن " الآية مكية واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء، وقريش والعرب قاطبة كانوا ينكرون إرسال محمد صلى الله عليه وسلم لأنه من البشر" (3) . بل إن المستشرق تيودر نولدكه في كتابه " تاريخ القرآن" والذي يتمسك كاتب المقال بأقواله ويعده عمدة في ترتيب النزول - يجعل السورة مكية وليست مدنية (4) ، كما يقول كاتب المقال . ومن ثم فالخطاب هنا لقريش، لا لليهود الذين وصفتهم الآية بأنهم يخفون بعض أجزاء التوراة لغرض في نفوسهم ، وليس لإبعادها عن عين محمد صلى الله عليه وسلم كي لا يقتبس منها، كما يزعم الكاتب. _________ (1) انظر : مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، دار القرآن الكريم ، بيروت : 1402 ، 1:598. (2) سيد قطب : الظلال ، 2 :1364. (3) مختصر ابن كثير : 598:1. (4) انظر: المقال نفسه في دائرة المعارف الإسلامية. (1/43) ________________________________________ حتى ولو كان الخطاب موجهًا إلى اليهود - كما اختاره بعض العلماء والمفسرين - فالمعنى هو هو، ولا يحتمل غيره . ولقد ورد الخطاب بالمعنى نفسه إلى اليهود في سورة مدنية هي المائدة 15 { يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ } .. وفي سورة البقرة 174: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ } ، وفي المائدة أيضًا 61 { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ } ، ويبين القرآن في الآية الواردة في سورة البقرة 174 نفسها هدف اليهود من إخفاء جانب كبير من " الكتاب" { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } فهذا هو هدفهم على نحو ما حدده القرآن نفسه، وما كان ينبغي لكاتب المقال وقد ألزم نفسه باتباع منهج النقد الأدنى بالتعمق في دراسة النص وكشف غموضه عن طريق مقارنة المعاني والألفاظ بعضها ببعض أن يصرف النظر ويتغاضى عن هذه النصوص التي تعين الباحث عن الحق على الوصول إليه من أقرب طريق ولا سيما وأنه قد قرأ هذه النصوص نفسها ويستشهد بها بعد قليل. (1/44) ________________________________________ ولا شك أن الكاتب قد خرج على المنهج الذي اعتمده بنفسه لهدف يسعى إليه، بل خرج على كل منهج علمي معترف به في الدراسة حين زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جهد للحصول على معلومات من التوراة، وهذا ما لم يرد في أي مصدر من المصادر، وقد عجز الكاتب عن ذكر مصدر يستند إليه في نقل هذا الخبر المكذوب، فتركه دون سند. وأخيرًا ها هو ذا يعلن عن النتيجة التي ظل يضمرها ويتحايل بكل حيلة كانت غير معقولة ولا مقبولة ويلبس لها مسوحًا زائفة من العلم والدراسة النقدية يدلس لها على الناس ويفتري بها على الدين وعلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقد قدم لتلك النتيجة مستشهدًا بآيات لم يذكرها وإنما أشار إلى موضعها فحسب لكي يوهم بأنه إنما يتقدم بخطى علمية واثقة نحو الحقيقة التي اطمأن إليها؛ مع أن النتيجة لا تتصل بالمقدمة من قريب أو بعيد. (1/45) ________________________________________ يقول: وهناك أجزاء (سور) تتهم اليهود بأنهم يكتبون أجزاء بأنفسهم ويقولون : هذا من عند الله" . انظر أيضًا البقرة 77،140،174، آل عمران 71، المائدة 15. (1) وفي تلك الأجزاء ( السور ) لا نجد صعوبة في أن نرى محمدًا يتلقى قصصًا ومعلومات أخرى من معلمين مختلفين ، بمن فيهم اليهود والنصارى، ثم إنه في لحظات الوحي ينقح المادة، ويحيلها على صيغتها القرآنية. ومثل هذا الرأي ، مع أنه يخالف المعتقد المألوف اليوم لا يتضارب مع بعض الأخبار الموجودة في مجموعات " الحديث" وغيرها من المصادر الإسلامية المبكرة". _________ (1) يشير إلى الآيات الكريمة أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون... « البقرة 77 ، (... ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله..) 140 ، ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلًا ) 174 ، ( يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق...) آل عمران 71 . ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب ..) المائدة 15. (1/46) ________________________________________ إذًا هذا ما كان يحشد نفسه له منذ البداية غير عابئ بالأصول العلمية ولا المبادئ النقدية المرعية، ولا بأولويات الحيدة والتجرد العلمي بهدف الوصول إلى الحقيقة، بل يحاول أن يلوي عنق الحقائق لكي يصل إلى القول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو الذي ألف القرآن. وإذا تذرعنا بالصبر وتوقفنا قليلًا عند هذه النتيجة التي انتهى إليها نقول: إنه لا الآيات التي أشار إليها ولا مجموعات الحديث بل ولا المصادر الإسلامية المبكرة تشتمل من قريب أو بعيد على شيء مما يقول، وإلا كان قد أتى بدليل عليه من الحديث النبوي الشريف أو المصادر الإسلامية المبكرة. ثم يقول : " في الفترة المكية المتأخرة والمدنية المبكرة قيل إن محمدًا قد تم تحديه لكي يخرج للناس كتابًا يمكنهم قراءته بأنفسهم (93:17) وأن أتباعه شكوا بأنه ليس لهم كتاب مقدس كاليهود والنصارى (155:6) . (1/47) ________________________________________ وما يقوله الكاتب هنا ليس إلا سلسلة من الأغلاط ينبغي تصحيحها وفقًا للمنهج النقدي الذي يتبعه الكاتب نفسه، فهو يشير إلى الآيات الكريمة من سورة الإسراء ( وهي مكية وليست بمدنية ) (1) 91 - 93 { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا } .. { أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ } .. الآية . وهذه الآيات الكريمة تبين الاقتراحات التي عرضها كفار قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ومنها، كما أخرجه ابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما اقتراح عبد الله ابن أبي أمية المخزومي : "فوالله لا أؤمن بك أبدًا حتى تتخذ إلى السماء سلمًا ثم ترقى فيه حتى تأتيها وتأتي معك بصحيفة منشورة، ومعك أربعة من الملائكة...إلخ " (2) . _________ (1) يضعها بعض المستشرقين في الفترة المكية الثالثة والأخيرة ، انظر: عبد الرحمن بدوي : دفاع ، ص 106. (2) نقلًا عن مختصر تفسير ابن كثير ، 2 :400. (1/48) ________________________________________ فالكاتب هنا يمهد للزعم بأن القرآن إنما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم استجابة لهذا التحدي من جانب خصومه، مع أن القرآن كان ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم ويتلى قبل هذا التحدي ( إن كان التحدي صحيحًا) ببضع سنوات؛ وإنما اقترح الكفار هذه الاقتراحات لإظهار إنكارهم للدعوة إلى الإيمان بالغيب وبما لا تدركه حواسهم، وهو ما جاءت به السور التي نزلت من القرآن قبل نزول هذه السورة، ولم تكن بين محمد صلى الله عليه وسلم وقومه من خصومة قبل نزول القرآن، فقد لبث عمرًا بين ظهرانيهم لا يتحدونه ولا يتحداهم حتى نزل القرآن، ولم يكن هناك مجال للتحدي ولا سبب له قبل نزوله. إذن لم يصرح الكفار بهذا التحدي إلا بعد نزول القرآن بزمن، ولا يمكن أن يكون هذا التحدي سابقًا على النزول. (1/49) ________________________________________ ويستمر الكاتب في أغاليطه موهمًا قارئه بأنه يسوق من الأسباب المنطقية المستخرجة من تحليل النص القرآني ما يبرهن على أن القرآن إنما هو من عند محمد صلى الله عليه وسلم، فيزعم أن المسلمين شكوا بأنه ليس لديهم كتاب مقدس كالذي عند اليهود والنصارى ، مشيرًا إلى الآية الكريمة من سورة الأنعام (156): { أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ }{ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ } .. الآية . قال الطبري ( الذي يتخذه الكاتب مصدرًا رئيسًا ) : معناه وهذا كتاب أنزلنا لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ، يعني لينقطع عذركم ... فالكتاب قد أنزل لقطع الحجة. (1/50) ________________________________________ وهذا يعني أن المسلمين لم يشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما يزعم الكاتب - افتقارهم إلى كتاب مقدس كاليهود والنصارى، وهو ما لم يرد في مصدر من المصادر ؛ لأن كتاب المسلمين المقدس كان ينزل على رسولهم صلى الله عليه وسلم منذ مدة طويلة ، وكان ملء السمع والبصر، قد دارت حوله منذ أنزل معارك عنيفة وجدل كثير بين المؤمنين والكافرين، وكان أمر القرآن هو شغلهم الشاغل وهمهم الناصب ، فما الذي يحمل المسلمين على أن يطلبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم بما هو لديهم ويعدونه مصدر عزهم وفخارهم؟! ومع أن الآيات التي أشار إليها الكاتب من سورة الأنعام قد نزلت بمكة، وأن الخطاب فيها " لأهل مكة " (1) فإنه يريد أن يبين أن هذه الشكوى المزعومة قد تمت بالمدينة وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد استجاب لأتباعه الذين تلاقت إراداتهم مع إراداته بإنشاء مجتمع إسلامي متميز بالمدينة؛ يقول الكاتب" إن إنشاء مجتمع إسلامي مستقل بالمدينة متميز عن أهل الكتاب كان مرهونًا بالإتيان بكتاب إسلامي مقدس منفصل، يؤدي دوره كفرقان لتثبيت حقيقة الكتب المقدسة السابقة (3:3 ،105:4 ، 48:5إلخ ). _________ (1) قال الكسائي : ... والخطاب لأهل مكة، غرائب الفرقان ، للنيسابوري 2 :1344 ، طبع مصر 1416ه (1995م). (1/51) ________________________________________ ونقول للكاتب : أيهما أسبق في الوجود : نزول القرآن أو إنشاء المجتمع الإسلامي بالمدينة؟ فالكاتب يريد أن يعكس القضية فيبين أن القرآن إنما جاء استجابة لحاجة ذلك المجتمع إلى دستور خاص به يميزه عن أهل الكتاب، أي أن وجود المجتمع الإسلامي سابق على نزول القرآن ، وهذا زعم سخيف لا يحتاج إلى أدنى التفات. على أن الفرقان لم ينزل لمجرد التأكيد على أن كتبًا قد أنزلت من قبل هدى للناس فحسب وإنما لكي يهيمن على تلك الكتب بعد أن نالها من التحريف ما نالها. وهو الأمر الذي تؤكده الآيات الكريمة التي استشهد الكاتب بها وأشار إليها عرضًا في ذيل الفقرة التي نقلناها عنه، ولكنه أغفل ذلك عمدًا. يقول الكاتب : " وهذا من شأنه أن يبرهن على أن محمدًا بدأ في جمع كتاب مقدس مكتوب في السنوات المبكرة من الفترة المدنية لكن مسؤوليات قيادة المجتمع المسلم السريع النمو أجبرته على أن يترك هذه المهمة دون إتمامها. (انظر Bell - Watt ). والكاتب هنا يخلص إلى نتيجتين منتزعتين من المقدمات الفاسدة التي قدمها، وهما: (1) أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعن بتدوين القرآن وكتابته في الفترة المكية. (1/52) ________________________________________ (2) أن كتابة القرآن لم تستكمل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. وليس هناك أساس نقلي أو عقلي يستند إليه الكاتب في انتزاع هاتين النتيجتين غير ترديده كلام غيره من المستشرقين وبخاصة " بوهل " الذي كتب مادة " القرآن" في الطبعة الأولى من دائرة المعارف الإسلامية وزعم فيها أن القرآن لم يسجل كله في الفترة المكية . ورد عليه أحد العلماء العرب المحدثين ، وهو الدكتور إبراهيم عوض ، بقوله : " ترى أيمكن أن نتصور أن ينشق أوائل من آمن بالرسول على قومهم ودينهم وأسلوب حياتهم معرضين أنفسهم للهلاك بسبب القرآن ثم هم مع ذلك لا يتنبهون لأهميته ولا يبالون بتسجيله.. (1) ؟ وقد كان كتاب الوحي في مكة معروفين للكافة. _________ (1) د. إبراهيم عوض: دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية : أضاليل وأباطيل ، ص 14 . (1/53) ________________________________________ ثم إن الكاتب يخلط - ربما عن عمد - بين كتابة الوحي وجمع القرآن ، فعند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كان القرآن كله مكتوبًا كما كان محفوظًا في صدور المؤمنين ، يدل على ذلك التقرير المفصل الذي أورده البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه والذي يقول فيه ... فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال" وعلى أن الجمع كان بمنزلة تحر في الحفظ والصيانة (1) لا كما زعم المستشرقون أن القرآن لم يكن مكتوبًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. _________ (1) انظر: عدنان زرزور، علوم القرآن ، ص 87. (1/54) ________________________________________ الناسخ والمنسوخ: لا شك أن من يريد أن يعرض لقضية الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم لا بد له - إذا صح قصده وكان نشدان الحقيقة ديدنه - أن يعرض لهذه القضية في الفصل الخاص " بتاريخ القرآن" وتطور الأحكام التي اشتمل عليها الكتاب العزيز . ولكن الكاتب أقحم هذه القضية - لغرض في نفسه سوف نتبينه من خلال تحليل مقولاته - على هذا الفصل المتعلق ب " محمد والقرآن" ولم ينتظر حتى يعرضها في مبحث تاريخ القرآن والذي يلي هذا الفصل مباشرة. يقول الكاتب :" والقرآن نفسه يعترف بأن تغييرات وقعت في الوحي { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } (البقرة 106)، { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ } (النحل: 101) . ثم إن هناك آية في سورة الحج (52 -53) تعطي تفسيرًا آخر لتغيرات جرت في الوحي { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ } . (1/55) ________________________________________ ونقول : إن الكاتب أقحم الآيات الواردة بسورة الحج في قضية الناسخ والمنسوخ وهي ليست منها ؛ فقوله تعالى : " فينسخ الله" المراد إزالة تأثير ما يلقي الشيطان، وهو النسخ اللغوي لا النسخ الشرعي المستعمل في الأحكام (1) . ومن هنا فإن هذه الآية لا تتعلق بقضية النسخ في القرآن والكلام هنا يشمل الرسل والأنبياء جميعًا من أوتي منهم كتابًا ومن لم يؤت، ولا تخص محمدًا صلى الله عليه وسلم وحده، ومن ثم لا يخصّ القرآن، وهو ما يعني أن ما يلقي الشيطان إنما هو خارج الوحي وليس فيه. أما وقد أثبتنا أن الآيات التي أوردها الكاتب من سورة الحج لا تشير من قريب أو بعيد إلى القرآن الكريم ولا تتعلق بقضية النسخ فيه ، فعلينا الآن أن ننظر في الآيتين اللتين استشهد بهما الكاتب من سورتي البقرة والنحل. _________ (1) غرائب القرآن للنيسابوري ، 3 :2378 . (1/56) ________________________________________ فالتشريع الإسلامي الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم قد مر بمراحل، وهذا التحول اقتضى أحيانًا إلغاء قاعدة ما واستبدالها أخرى بها مختلفة عنها، فالتعديل الجزئي وفق مقتضيات الأحوال - في فترة الرسالة هو لصالح البشرية، فإذا نسخ الله آية ألقاها في عالم النسيان " (1) وهذا لا يعني بحال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نسي بعض الوحي فلم يضمنه الكتاب، وإنما هو قد أنسي آيات تتضمن أحكامًا وأوتي آيات خيرًا منها، أما نسيان الرسول صلى الله عليه وسلم - باعتباره بشرًا يصيبه النسيان - فقد ضمن الله تعالى أن ينحيه عن الوحي منذ الوهلة الأولى في السور المبكرة بالفترة المكية؛ يقول تعالى في سورة الأعلى { سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى } (2) . كما أن الأمر لو كان متعلقًا بنسيان الرسول صلى الله عليه وسلم - كما يزعم الكاتب - لما كانت هناك حاجة إلى الإتيان بآيات أخرى بدل التي نسيها، ولما كان هناك ناسخ ومنسوخ. _________ (1) سيد قطب : الظلال، 1:102 . (2) يقتضي المنهج النقدي الذي يتبعه الكاتب في دراسته حول القرآن ( وهو منهج النقد الأعلى والأدنى ) التنبه إلى الألفاظ المشابهة للفظ : ننسها مثل: تنسى ، ولكنه أغفل ذلك عمدًا. (1/57) ________________________________________ والله عليم بما يصلح للبشر من المبادئ والشرائع ، فإذا بدل آية استنفدت أغراضها ليأتي بآية أصلح للحالة الجديدة التي صارت إليها الأمة وأصلح للبقاء أمد الدهر فالشأن له (1) ، فإذا كان الله - عز وجل- قد بدل بعض الأجزاء - كما يقول الكاتب - ووضع مكانها أجزاء أفضل أو أحسن فالأمر له، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن القرآن الكريم قد نزل منجمًا وأن من أهم المباحث التي عكف عليها المسلمون - بل وحتى المستشرقون - مبحث آيات الأحكام والتطور الذي لحق ببعضها خلال فترة نزول القرآن. ولعل السبب الذي دفع علماء المسلمين إلى ترتيب سور القرآن الكريم حسب النزول منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم هو محاولتهم معرفة الناسخ والمنسوخ ، الذي أصبح منذ القرون الأولى للإسلام علمًا ينطوى على أهمية بالغة في الشريعة الإسلامية حيث تتوقف على هذه المعرفة قرارات علمية ذات أهمية قصوى في مسار الحياة العملية للمسلمين (2) فالنسخ أمر مقرر ومعترف به في علوم القرآن لكن مناطه بيد الله سبحانه وتعالى ، ولا ينسب إلى نسيان الرسول صلى الله عليه وسلم بحال من الأحوال. _________ (1) سيد قطب ، أيضًا: 4 :194. (2) انظر: عبد الرحمن بدوي، دفاع عن القرآن ، ص 102 . (1/58) ________________________________________ والكاتب بزعمه أن الشيطان يلقي في الوحي إنما يمهد للحديث عن قصة الغرانيق التي يقول إن بعض المستشرقين قبلها كحقيقة تاريخية وبعضهم رفضها لضعف الإسناد أو لأن العلماء قد اختلقوها للدلالة على نظرياتهم في شأن النسخ. ونقول: أما إٍن بعض المستشرقين رفضوا قصة الغرانيق بسبب ما يشوبها من ضعف في الإسناد فهو حق لا مراء فيه، وأما أن علماء المسلمين اختلقوها لاتخاذها دليلًا على نظرياتهم في شأن النسخ فهو ما لم يقله أحد، فقد أجمع العلماء على أنها قصة مختلقة من أساسها. ولكن الذي يهمنا هنا هو الإشارة إلى مدى ما لهذه المزاعم من تأثير في ضعاف العقيدة ممن ينسبون أنفسهم إلى الإسلام، فقد ربط الكاتب بين قصة الغرانيق وفهمه المغلوط كما أسلفنا لمعنى ما ورد في سورة الحج { فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ } وسمى القصة المذكورة " الآيات الشيطانية "Satanic Verses"؛ وقد اتخذ سلمان رشدي - الكاتب البريطاني الذي لازال ينسب نفسه إلى الإسلام - من هذه التسمية عنوانًا لروايته التي أثارت اشمئزاز المسلمين ونفورهم في العالم بأسره. (1/59) ________________________________________ وهكذا يتبين لنا من تحليل هذين الفصلين من مقال دائرة المعارف الإسلامية حول "القرآن" أن الكاتب - ومن يعتمد عليهم من المستشرقين - لم يكن في أي خطوة من خطوات بحثه وفيًّا للمنهج الذي اعتمده في الدراسة، كما لم يكن أمينًا في تحليله للنص صادقًا في طرح أبعاده وبيان مراميه أمام قارئه، وزاد على ذلك أنه ابتعد عن مقتضيات المنطق في عرض القضايا واستخلاص النتائج، بل عبث بالأدلة والشواهد كل العبث لكي يخرج بأحكام قد اعتقدها سلفًا ودخل بها على الموضوع قبل البدء في بحثه. (1/60) ________________________________________ أولًا : تشويه صورة الإسلام والقدح في تفرده وأصالته وتقديمه على أنه صورة مشوهة للتراث اليهودي والنصراني وقد استشهد الكاتب على ذلك بما يلي: (1) هناك كلمات غير عربية الأصل وردت بالقرآن " استعير معظمها من مصادر يهودية ونصرانية ... تقف شاهدًا على ما يدين به محمد لكل من اليهودية والنصرانية (1) . (2) يقول : وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأنبياء المشار إليهم (في القرآن) إنما هم شخصيات الكتاب المقدس : نوح، موسى ، إبراهيم ، المسيح، بينما نجد أنبياء آخرين قد استمدوا من روايات عربية وطنية: هود وصالح (كذا؟) (2) ، ونقول إذا كان هناك تشابه بين القرآن والتوراة والإنجيل فهذا أمر طبيعي لأن المصدر واحد وهو الوحي، أما التناقض فيرجع إلى تحريف اليهود والنصارى للوحي المنزل على موسى وعيسى (3) . (3) يقول: " وأصغر الآيات تظهر على وجه العموم في السور المبكرة، حيث يأتي أسلوب وحي محمد قريبًا للغاية من النثر المسجوع أو "السجع" المستخدم لدى الكهان في زمنه " أي أنه يزعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد تأثر بالكهان والرهبان. _________ (1) انظر ردنا على هذا الزعم فيما سبق ص 21 . (2) راجع ردنا على هذا الزعم فيما سبق ص 14 . (3) انظر: إبراهيم عوض ، دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية ( نقد لمواد الطبعة الأولى من الدائرة المذكورة) ، ص 250. (1/61) ________________________________________ (4) يقول: ويظهر إبراهيم (عليه السلام) كمؤسس للتوحيد العربي ، ومحمد صلى الله عليه وسلم على نحو ما هو خليفته. وهناك محاولات واضحة لإقامة علاقات مع العقائد اليهودية، ونقول إن ما يزعمه الكاتب من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تقرب إلى اليهود في المدينة عن طريق إعطاء دور أكبر لنبيهم إبراهيم يناقض تمامًا المنهج التاريخي الذي يعتمد عليه المستشرقون والذي لا يقبل الشك عندهم كما يناقض كل منطق مقول في العقل ، فوجود إبراهيم إنما كان سابقًا على اليهودية ؛ وقد جاء في القرآن الكريم { يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ } .. { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا } (آل عمران: 65-67). (1/62) ________________________________________ (5) يقول " إن الباحثين الغربيين تبينوا أن كثيرًا من المادة القصصية المتعلقة بأشخاص الإنجيل لم تأت من الإنجيل وإنما من المسيحية المتأخرة بل ومن مصادر يهودية . وهناك أفكار أخرى كفكرة الوعيد ووصف الجنة تتفق مع الخطوط الرئيسة للبعثات التبشيرية لآباء الكنيسة السريانية المعاصرة . وإذا سألنا الكاتب عن السند الذي يستند إليه في هذا القول أجاب" إن هذا الاعتماد لا يحتاج أن يكون مكتوبًا ومدونًا وربما كان بمنزلة تأثير من تعاليم شفوية (!!) ونقول: أين تلك التعاليم؟ فلا يحير جوابًا. ونعقب على هذه المزاعم بقولنا إنه لا يمكن أحدًا أن يزعم وجود علاقة بين نظام التوحيد المطلق الذي جاء به القرآن الكريم وبين اليهودية والنصرانية والوثنية التي كانت سائدة قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. (1/63) ________________________________________ ثانيًا: التعمية على مبدأ عالمية الإسلام . يقول الكاتب " ومن المؤكد غالبًا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد قدم لقومه "القرآن العربي" أي الكتاب الخاص بالعرب في مقابل الكتب المقدسة لليهود والنصرانية ، وقد سبق لنا أن رددنا على هذا الزعم (1) ، غير أنا نضيف أن الكاتب بحرصه على إبراز هذه المقولة يريد التعمية على قارئه فيسلب رسالة الإسلام واحدة من أهم خصائصها وهي أنها رسالة عالمية لكل الناس، ويجعلها خاصة بالعرب وحدهم. _________ (1) انظر ما سبق ، ص 31 وما بعدها. (1/64) ________________________________________ ثالثًا: موقف القرآن من حرية الإرادة الإنسانية (1) : من الأمور الحساسة التي تثير القارئ الغربي المعاصر مسألة الحرية الإنسانية. وقد نشأت هذه المسألة منذ عصر النهضة في أوربا كرد فعل للتصور الكنسي للدين الذي يحقر الإنسان من أجل تمجيد الله، ويحقر الحياة الدنيا من أجل الآخرة ، ولا يرى الإنسان إلا خاطئًا منحرفًا ، فلما تمردت أوربا على هذا التصور أخذوا في الغرب يمجدون الإنسان بدلًا من الله، ومن هنا نشأ ما يسمى بالنزعة الإنسانية. ولما كان الإنسان المعاصر يقدس حرية الإرادة كان لا بد من اختلاق بعض القضايا الناقضة لهذا المبدأ ونسبتها قسرًا وبالفهم الخاطئ المعوج إلى القرآن الكريم ، وإخفاء ما يتضمنه من حرية الاختيار والمسؤولية الفردية والجماعية حتى ينصرف عنه الناس. يقول الكاتب: قدر الإنسان هو في يد الله تمامًا، حتى الإيمان والكفر معتمد على إراداته: { مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } (الأنعام: 71)، فليست هناك حرية للإرادة ، وليس للنبي أن يلام على الكفر، ففي التحليل النهائي الأمر لله في قضائه وقدره. ويستدرك الكاتب على ذلك قائلًا: _________ (1) انظر: محمد قطب: المستشرقون والإسلام ، ص 190 . (1/65) ________________________________________ لكن آيات أخرى أخفقت في التأكيد على هذه الفكرة وهي تبدو وكأنها تترك للإنسان بعض الحرية ليستمع إلى وعظ الرسول ويختار لنفسه الخير أو الشر. هكذا دون تعقيب منه على الفقرة الأخيرة حتى لا يمحو من نفس قارئه ما ورد في تحليله النهائي من نفي الإرادة الإنسانية ونفي العمل. (1/66) ________________________________________ رابعًا: الأخذ بمقولات الفكر المادي في رد ما ورد بالقرآن الكريم ومن ذلك: (1)أن الكاتب يشير إلى ما جاء في سورة يوسف من أحداث ووقائع لم ترد في التوراة على أنها روايات تشتمل على عدد كبير من التفاصيل الأسطورية (1) . (2) محاولة زعزعة الثقة بالوحي وبالرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق تفسير الآية الكريمة من سورة الشورى { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } الآيات. فالكاتب يفسر الآيات الكريمة على هذا النحو : " إن الله كلم محمدًا أو من وراء حجاب" والمعنى الصحيح عكس هذا التفسير تمامًا كما هو واضح من الآية ، ثم يقول { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } والاصطلاح الأول: وحي يعني إيحاء أو إلهامًا من النوع المعروف جيدا للشعراء . ويستخدم القرآن كذلك كلمة " منزل" والاصطلاح الثاني: من وراء حجاب يبدو أنه يطرح نوعًا من العبارة التخيلية دون رؤية مصاحبة. والاصطلاح الثالث يلمّح إلى ملك من الملائكة ، لكن دون إشارة إلى اسم جبريل (2) . _________ (1) انظر ما سبق ص 16. (2) انظر ما سبق ، ص 25 وما بعدها. (1/67) ________________________________________ خامسًا: بث بذور الشك في أهم الأسس التي يمكن للقارئ أن يقيم عليها تصورا فكريًّا محددًا عن الإسلام. ومن ذلك: (1) التشكيك في أصالة الركن الركين للإسلام وهو التوحيد، والافتراء بأنه لم يظهر في آيات القرآن إلا في الفترة المدنية، وذلك لكي ينسب الكاتب إلى اليهود أنهم هم أصحاب الفضل في ظهوره بعد الهجرة إلى المدينة. يقول: " ومن العجيب أنه ليست هناك إشارة إلى وحدانية الله في هذه السور المبكرة ونقول: وأين سورة الإخلاص التي يجعل صاحبكم نولدكه ترتيبها في الفترة الأولى من الوحي المكي؟ (1) وأين سائر السور المكية المشتملة على التوحيد الخالص لله تعالى، ومنها: الليل والجن، والكهف وغيرها، ولم ناصب كفار قريش النبي صلى الله عليه وسلم العداء؟ ألم يكن ذلك بسبب دعوته إلى التوحيد؟! (2) التشكيك في سلامة جمع القرآن في عهد الخلفاء الراشدين ؛ فبعد أن يشير الكاتب إلى أنه تقرر جمع الوحي من كل المصادر المكتوبة المتاحة يحاول زعزعة ثقة قارئه في أحد أهم مصادر الجمع وأكثرها ضبطًا وهي" الحفظ" فيقرنه عامدًا باصطلاح " الذاكرة والتذكر" وما يمكن أن يشوبه من خطأ ونسيان وفق مذاهب الاتصال الحديثة. _________ (1) انظر: ترتيب النزول عند المستشرقين في كتاب دفاع عن القرآن ، لعبد الرحمن بدوي ، ص 104. (1/68) ________________________________________ (3) يحاول التشكيك في أن يكون القرآن الذي بين أيدي الناس الآن هو الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ يستخدم الكاتب مصطلحًا غريبًا ، ويكرره أكثر من مرة وهو The Present Quran أي القرآن الحالي، وحين راجعت مزاعم للمستشرق وجدت ل " بوهل " في مادة القرآن التي كتبها ونشرها في الطبعة الأولى من دائرة المعارف الإسلامية كلامًا سخيفًا لا يجوز في عقل أحد يعبر عن هذا المصطلح الغريب الذي استخدمته الموسوعة البريطانية، إذ يؤكد أن الوحي الذي كان الرسول يقرأه ليس هو القرآن الحالي الذي نقرأه الآن، فقد أعيدت صياغة الوحي بحيث أخذ الشكل الحالي المسجوع (1) . _________ (1) انظر: ملحق الدائرة المذكورة ، طبع لندن 1938 ، مادة « القرآن » وانظر رد الدكتور إبراهيم عوض على هذا الكلام في كتابه: دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية ، ص 7 وما بعدها. (1/69) ________________________________________ (4) يدس في أقواله عن القرآن أن بعض الحروف فيه ذات مغزىً سحري: فبعد أن يشير الكاتب إلى حروف المقطعات التي بلغت حيرة المستشرقين في تفسيرها كل مبلغ (1) ، حتى سلموا بما قاله علماء المسلمين من أن القرآن مركب من جنس هذه الحروف، والتي هي في متناول المخاطبين بها من العرب ولكنهم لا يملكون أن يصوغوا من تلك الحروف مثله. يطرح الكاتب مجموعة احتمالات لتفسير هذه الحروف بقوله: ولم تفسّر معانيها تفسيرًا مرضيًّا، ويظن أنها ربما كانت تدل على كلمة مختصرة، أو تشتمل على مجموعات معينة من السور، ثم يفتري الكاتب فرية كبرى بذكر احتمال آخر بقوله: " أو هي ذات مغزى سحري (magical significance ). وبرغم هذا كله فما زالت في هذه المادة حول " القرآن" في دائرة المعارف البريطانية شبهات ومغالطات ينبغي التوقف عندها والرد عليها، ولكن حسبنا ما قدمنا من بيان يدل على فساد الآراء وبطلان الأحكام. _________ (1) انظر مادة« القرآن » بالطبعة الثانية من دائرة المعارف الإسلامية ، الفصل الخاص ب الحروف الغامضة. (1/70) ________________________________________ خاتمة كشفت هذه الدراسة بكل وضوح عن حقيقة المنهج الذي اعتمده المستشرقون في دراسة القرآن الكريم ؛ فبفضل العرض الموسّع الذي التزمت به دائرة المعارف الإسلامية - بخاصة - في مادة " القرآن" لآراء المستشرقين منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تبين لنا إلى أي حد تأثر هؤلاء المستشرقون بمنهج كان قد سبق تطويره في الغرب لنقد ما يسمى بالكتاب المقدس (التوراة والإنجيل وكتب أخرى ملحقة بهما) ، وحقق هذا المنهج نتائج باهرة حين توصل إلى أن أسفار التوراة الموجودة حاليًّا لا صلة لها بموسى عليه السلام وإنما هي مكتوبة بأقلام أحبار اليهود أنفسهم وفي أزمان مختلفة. وقد أطلق علماء نقد ما يسمى الكتاب المقدس على هذا المنهج اسم: النقد الأعلى والأدنى. ويبدو أن هذا النجاح قد أغرى المستشرقين المشتغلين بالدراسات الإسلامية على تطبيق المنهج نفسه على القرآن الكريم ، لعلهم يحققون به مع القرآن نتائج مماثلة لما حققها نقاد ما يسمى بالكتاب المقدس. (1/71) ________________________________________ ولكن منهج النقد الأعلى والأدنى إن صح تطبيقه في دراسة ما يسمّى الكتاب المقدس وفي سائر النصوص التاريخية - التي هي نصوص بشرية - فلا يصح تطبيقه على نص إلهي ينتمي إلى مجال موضوعي مختلف غير المجال البشري المحدود. ومن ثم كان تطبيق هذا المنهج فاسدًا إذا ألزمهم من حيث المبدأ النظر إلى كتاب الله العزيز على أنه من صنع بشر، ففسدت النتائج التي توصلوا إليها بفساد المقدمة. ولكننا برغم ذلك كله تابعنا الموسوعتين بكل دقة في درسهما للقرآن وفق أصول المنهج الذي التزموا به، فتبين لنا إلى أي حد خرج المستشرقون - في كل خطوة من خطوات البحث - عن قواعد المنهج فعبثوا بالأدلة والشواهد كل العبث لكي يخرجوا بأحكام قد اعتقدوها سلفًا ودخلوا بها على الموضوع قبل البدء في بحثه. أما دائرة المعارف البريطانية - باعتبار كونها موسوعة عامة تخاطب القارئ الغربي خاصة وتحظى أحكامها بقبوله - فقد زادت على ذلك كله بأنها حشدت كل ما يمكن من مزاعم وافتراءات وركزتها في حزمة مترابطة ومتراصة من القضايا التي تهم هذا القارئ لكي تنفّره من القرآن الكريم ومن الدين الإسلامي. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
23 / 02 / 2008, 51 : 04 PM | المشاركة رقم: 8 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،، (1/73) ________________________________________ المصادر والمراجع أولًا : الكتب العربية : 1- إبراهيم عوض (الدكتور): دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية: أضاليل وأباطيل، طبع مصر 1989 . 2- أبو الكلام آزاد (مولانا): ويسألونك عن ذي القرنين، طبع مصر 1972م. 3- أحمد سمايلوفيتش : فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، طبع مصر 1980 . 4- أبو الفدا إسماعيل بن كثير الدمشقي : مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، بيروت 1402ه. 5- ثابت عيد : الإسلام في عيون السويسريين، طبع بافاريا، ألمانيا 1999 . 6- جلال الدين السيوطي : الإتقان في علوم القرآن، طبع مصر 1967 . 7- سيد قطب : في ظلال القرآن، طبع دار الشروق 1397ه. 8- عباس العقاد : إبراهيم أبو الأنبياء، طبع مصر. 9- عبد الرحمن بدوي (الدكتور): دفاع عن القرآن، (مترجم عن الفرنسية)، طبع مصر 1998 . 10- عبد الوهاب المسيري (الدكتور): موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، طبع مصر 1999 . 11- عدنان زرزور (الدكتور): علوم القرآن، طبع بيروت 1404ه. 12- قنديل محمد قنديل (الدكتور): النقد الأعلى للكتاب المقدس في فكر الغرب وينابيعه الإسلامية، طبع مصر 1989 . (1/74) ________________________________________ 13- محمد خليفة حسن (الدكتور): آثار الفكر الاستشراقي في المجتمعات الإسلامية، طبع مصر 1977. 14- محمد خليفة حسن (الدكتور): المجتمعات الإسلامية: عرض نقدي لكتاب The Study Of The Middle East تأليف Conrad Bindet، مجلة دراسات استشراقية وحضارية، العدد الأول 1413ه. 15- محمد قطب : المستشرقون والإسلام، طبع مصر 1420ه. 16- محمود قاسم (الدكتور): المنطق الحديث ومناهج البحث، طبع مصر 1967 . 17- مصطفى ماهر (الدكتور) وكمال رضوان (الدكتور): ألمانيا والعالم العربي، (مترجم عن الألمانية)، طبع بيروت 1974 . 18- النيسابوري: نظام الدين الحسن بن محمد ، غرائب القرآن، طبع مصر 1416ه. ثانيًا : الكتب الإنجليزية : 19- Barzun, J. and Graff. H.; The Modern Researcher, New York, 1989. 20- Cecil B. Williams; A Research Manual, New York, 1983. ثالثًا : دوائر المعارف : 21- Encyclopaedia Britannica, 15th edition, Chicago 1974. See also 13th edition 1926 and 1980's edition. 22- Encyclopaedia of Islam, Second edition, Lieden 1979. 23- لغت نامه دهخدا (دائرة معارف دهخدا الفارسية)، طبع طهران 1373ه.ش (1416ه). 70 44 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018