أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 

الإهداءات



ملتقى السيرة النبويه ملتقى خاص بسيرته ... سنته ... آل بيته ... أصحابه ... نصرته والدفاع عنه .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: قران الجمعة 29-11-2024 بالمسجد الجسطيني بملوي - للقارئ الشيخ احمد خليف - حفظه الله (آخر رد :شريف حمدان)       :: قران الجمعة 15-11-2024 بالمسجد الجسطيني بملوي - للقارئ الشيخ احمد خليف - حفظه الله (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر السبت 30 -11-2024 - للشيخ أحمد عبدالحي عبدالباقي - بمسجد الرضوان بتناغه (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ علي الحذيفي 28 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد النبوي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ عبدالله القرافي 28 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد النبوي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ عبدالله القرافي 28 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد النبوي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ علي الحذيفي 27 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد النبوي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ عبدالله القرافي 27 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد النبوي (آخر رد :شريف حمدان)       :: خطبة الجمعة للشيخ عبدالمحسن القاسم 27 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد النبوي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ ماهر المعيقلي 28 جمادى الأولى 1446هـ بالمسجد الحرام (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع شريف حمدان مشاركات 4 المشاهدات 1166  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 22 / 05 / 2013, 55 : 05 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : ملتقى السيرة النبويه


احبتي في الله

هديه في الأمان والصلح ومعاملة رسل الكفار

فى هديه صلى الله عليه وسلم فى الأمان والصلحِ، ومعاملةِ رسل الكفار، وأخذِ الجزية، ومعاملةِ أهل الكتاب، والمنافقين، وإجارة مَن جاءه من الكفار حتى يسمَعَ كلامَ الله، وردِّه إلى مأمنه، ووفائِهِ بالعهدِ، وبراءتِهِ من الغدر.
ثبت عنه أنه قال: ((ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ والملائِكَةِ، والنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ الله مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً ولا عَدْلاً)).
وقال: ((المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُم، وَهُمْ يَدٌ على مَنْ سِواهُمْ، ويَسْعَى بذِمَّتِهِمْ أَدْناهُم، لا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، ولا ذُو عَهْدٍ فى عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثَاً فَعلى نَفْسِهِ، ومَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً أَوْ آوى مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ)).
وثبت عنه أنه قال: ((مَنْ كَانَ بَيْنَه وبَيْنَ قَومٍ عَهْدٌ فَلا يَحُلَّنَّ عُقْدَةً وَلاَ يَشُدَّهَا حتَّى يَمْضِى أَمَدُهُ، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ)).
وقال: ((مَنْ أَمَّنَ رَجُلاً عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ، فأَنَا بَرِىءٌ مِنَ القَاتِل)).
وفى لفظ: ((أُعْطِى لِوَاءَ غَدْر)).
وقال: ((لِكُلِّ غَادِرٍ لِواءٌ عِندَ إسْتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ يُقال: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بْنِ فُلانٍ)).
ويُذكر عنه أنه قال: ((مَا نَقَضَ قَوْمٌ العَهْدَ إلاَّ أُديلَ عَلَيْهمُ العَدُوُّ)).

فصل

ولما قَدِمَ النبُّى صلى الله عليه وسلم المدينَة، صارَ الكفارُ معه ثلاثة أقسام: قِسم صالَحهم ووادعهم على ألا يُحاربوه، ولا يُظاهِروا عليه، ولا يُوالوا عليه عدوَّه، وهم على كُفرهم آمُنِونَ على دمائهم، وأموالهم. وقسم: حاربوه ونصبوا له العَدَاوة. وقسم: تاركُوه، فلم يُصالِحوه، ولم يُحاربوه، بل انتظروا ما يؤول إليه أمُره، وأمرُ أعدائه، ثم مِن هؤلاء: مَن كان يُحِبُّ ظهورَه، وانتصاره فى الباطن، ومنهم: مَن كان يُحِبُّ ظهورَ عدوه عليه وانتصارَهم، ومنهم: مَن دخل معه فى الظاهر، وهو مع عدوِّه فى الباطن، ليأمن الفريقين، وهؤلاء هم المُنافقون، فعامَلَ كُلَّ طائِفةٍ مِن هذه الطوائف بما أمره به ربُّه تبارك وتعالى.
فصالح يهودَ المدينةِ، وكتب بينهم وبينه كتابَ أمن، وكانوا ثلاثَ طوائفَ حولَ المدينة: بنى قَيْنُقَاع، وبنى النَّضير، وبنى قُريظة، فحاربته بنو قَيْنُقَاع بعد ذلك بعدَ بدرٍ، وشَرَقُوا بوقعة بدرٍ، وأظهروا البغىَ والحَسَدَ فسارت إليهم جُنود اللهِ، يَقْدَمُهم عبدُ الله ورسولُه يومَ السبت للنصف من شوَّال على رأس عشرين شهراً مِن مُهاجَرِه، وكانوا حُلَفاءَ عبدِ الله بنِ أُبىّ بن سَلول رئيسِ المنافقين، وكانوا أشجعَ يهودِ المدينة، وحامِلُ لواء المسلمين يومئذٍ حمزةُ بنُ عبد المطلب، واستخلف على المدينة أبا لُبابة بنَ عبد المنذر، وحاصرهم خمسة عشر ليلةً إلى هلال ذى القَعْدَةِ، وهم أَوَّلُ مَنْ حارب مِن اليهود، وتحصَّنُوا فى حصونهم، فحاصرهم أشدَّ الحِصار، وقذفَ الله فى قلوبهم الرُّعبَ الذى إذا أراد خذلان قوم وهزيمتهم أنزله عليهم، وقذفَه فى قلوبهم، فنزلوا على حُكمِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فى رِقابهم وأموالِهم، ونِسائهم وذُرِّيَّتِهم، فأمر بهم فكُـتِّـفُوا، وكلَّمَ عبدُ الله بنُ أُبْىّ فيهِم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وألحَّ عليه، فوهبَهم له، وأمرهم أن يَخرجوا مِن المدينة، ولا يُجاوِرُوه بها، فخرجوا إلى أَذْرِعَاتٍ من أرض الشام، فقلَّ أن لَبِثُوا فيها حتى هَلَكَ أكثرهُم، وكانوا صَاغة وتُجاراً، وكانوا نحَو الستمائة مقاتل، وكانت دارُهم فى طرفِ المدينة، وقَبَض مِنهم أموالَهم، فأخذ منها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثَ قِسىٍّ ودِرعين، وثلاثةَ أسياف، وثلاثَةَ رماح، وخَمَّسَ غَنَائِمهم، وكان الذى تولَّى جمع الغنائم محمدُ بن مسلمة.

فصل

ثم نقض العهد بنُو النضير، قال البخارى: وكان ذَلِكَ بعد بدرٍ بستَّةِ أشهر، قاله عروة: وسببُ ذلكَ أنه صلى الله عليه وسلم خرج إليهم فى نَفَرٍ من أَصْحَابه، وكلَّمهم أن يُعينُوهُ فى دِية الكِلاَبِيَيْنِ اللَّذَيْنِ قتلَهُمَا عمرُو بنُ أُميَّة الضَّمْرِى، فقالوا: نفعلُ يا أبا القاسم، اجلِس ههنا حتى نَقْضِىَ حاجَتك، وخلا بعضُهم ببعض، وسوَّلَ لهُم الشيطانُ الشقاء الَّذِى كُتِبَ عليهم، فتآمروا بقتله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيُّكُم يأخذ هذه الرَّحا ويصعَدُ، فيُلقيها على رأسه يَشْدَخُه بها ؟ فقال أشقاهم عمرو بْنُ جِحَاشٍ: أنا. فقال لهم سلامُ بْنُ مِشْكم: لا تفعلوا ؛ فواللهِ ليُخَبَّرَنَّ بما هممتُم به، وإنه لنقضُ العهدِ الذى بيننا وبينَه، وجاء الوحىُ على الفور إليه من ربه تبارك وتعالى بما همُّوا به، فنهض مسرعاً، وتوجَّه إلى المدينة، ولَحِقَهُ أصحاُبه، فقالُوا: نهضْتَ ولم نَشْعُرْ بِكَ، فأخبرهم بما همَّتْ يهود به، وبعث إليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أن اخرجُوا مِن المدِينةِ، ولا تساكِنُونى بها، وقد أجَّلتُكم عشراً، فمن وجدتُ بعد ذلك بها، ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فأقاموا أياماً يتجهَّزُونَ، وأرسل إليهم المنافِقُ عبدُ الله بن أُبَىّ: أن لا تَخْرُجُوا مِنْ دياركم، فإن معىَ ألفين يدخلُونَ معكم حِصنكم، فيموتون دُونكم، وتنصُرُكم قُريظةُ وحلفاؤكم مِن غَطَفَان، وطَمِعَ رئيسُهم حُيَىّ بنُ أخطَب فيما قال له، وبعثَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّا لا نَخْرُجُ مِن دِيَارِنَا، فاصْنَعْ ما بَدَا لك، فكبَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، ونهضُوا إليه، وعلىُّ بنُ أبى طالب يحمِل اللِّواء، فلما انتهى إليهم، قامُوا على حُصونهم يرمُون بالنَّبل والحِجارة، واعتزلتهم قُريظة، وخانهم ابنُ أُبىٍّ وحُلفاؤُهم مِن غَطَفَان، ولهذا شبَّه سبحانه وتعالى قِصتهم، وجعل مثلَهم {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قَالَ للإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إنَّى بَرِىءٌ مِّنكَ} [الحشر: 16]، فإن سورة الحشر هى سورة بنى النضير، وفيها مبدأ قِصتهم ونِهَايتها، فحاصرَهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقطَعَ نخلهم، وحرَّق، فأرسلوا إليه: نحن نخرج عن المدينة، فأَنزلَهم على أن يخرجوا عنها بنفوسِهم وذراريهم، وأن لهم ما حَمَلَتِ الإبلُ إلا السلاَح، وقبض النبىُّ صلى الله عليه وسلم الأموالَ والحَلْقَةَ، وهى السلاح، وكانتْ بنو النضير خالِصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لِنوائبه ومصالحِ المُسلمين، ولم يُخمِّسها لأن الله أفاءها عليه، ولم يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ. وخَمَّسَ قُرَيْظَةَ.
قال مالك: خمَّس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قُريظة، ولم يُخَمِّسْ بنى النضير، لأن المسلمين لم يُوجِفُوا بخيلهم ولا رِكابهم على بنى النَّضِير، كما أوجفوا على قُريظة وأجلاهم إلى خيبر، وفيهم حُيىَ بنُ أَخْطَب كبيرُهم، وقبضَ السِّلاح، واستولى على أرضهم وديارِهم وأموالهِم، فوجد من السِّلاح خمسينَ دِرعاً، وخمسينَ بَيْضةً، وثلاثَمِائةٍ وأربعين سيفاً، وقالَ: ((هؤلاء فى قَوْمِهِمْ بِمَنْزِلَةِ بنى المُغِيرَةِ فى قُرَيْشٍ)) وكانت قصتُهم فى ربيع الأول سنة أربعٍ مِن الهجرة.

فصل

وأما قُريظة، فكانت أشدَّ اليهودِ عداوةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغلظَهم كُفراً، ولذلك جرى عليهم ما لم يجرِ على إخوانهم.
وكان سببُ غزوهم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة الخندق والقوم معه صُلْحٌ، جاء حُـيَىّ بن أخطَب إلى بنى قُريظة فى ديارهم، فقال: قد جئتُكم بعزِّ الدَّهر، جئتكم بقُريش على سادتها، وغَطَفَان على قادتها، وأنتم أهلُ الشَّوْكَة والسلاح، فهلمَّ حتى نناجِزَ محمداً ونفرُغ منه، فقالَ لهُ رئيسُهم: بل جئتنى والله بذُلِّ الدهر، جئتنى بسحاب قد أراق ماءه، فهو يرعُدُ ويبرُق، فلم يزل حُـيَىّ يُخادعه ويَعِده ويُمنيه حتى أجابه بشرط أن يدخل معه فى حِصنه، يُصيبه ما أصابهم، ففعل، ونقضُوا عهدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهروا سبَّه، فبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الخبرُ، فأرسلَ يستعلِمُ الأمرَ، فوجدهم قد نقضُوا العهد، فكبَّر وقال: ((أبْشِرُوا يا مَعْشرَ المسلمين)).
فلما انصَرَفَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، لم يكن إلا أن وضع سِلاحه، فجاءه جبريلُ، فقال: أوضعتَ السِّلاح؟ والله إن الملائكةَ لم تضعْ أسلحَتِها، فانهض بمن معكَ إلى بنى قُريظة، فإنى سائرٌ أمامك أُزلزل بهم حصونَهم، وأقذِف فى قلوبهم الرُّعبَ، فسار جبريلُ فى موكبه من الملائكة، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أثره فى موكبه مِن المهاجرِين والأنصار ، وقال لأصحابه يومئذ: ((لا يُصَلَّيَنَّ أَحَدُكُم العَصْرَ إِلا فى بنى قُرَيْظَةَ))، فبادروا إلى امتثال أمرِه، ونهضُوا مِن فورهم، فأدركتهم العصرُ فى الطريق، فقال بعضُهم: لا نُصليها إلا فى بنى قُريظة كما أمرنا، فصلوها بعد عشاء الآخرة، وقال بعضُهم: لم يُرِدْ منَّا ذلك، وإنما أراد سُرعة الخروج، فصلوها فى الطريق، فلم يُعنِّفْ واحدة من الطائفتين.
واختلف الفقهاء أَيُّهمَا كان أصوَب ؟ فقالت طائفةٌ: الذين أخَّروها هم المُصيبُون، ولو كُنَّا معهم، لأخَّرناها كما أخَّرُوها، ولما صلَّيْنَاها إلا فى بنى قُريظة امتثالاً لأمره، وتركاً للتأويل المخالف للظاهر.
وقالت طائفة أخرى: بل الذين صَلَّوْها فى الطريق فى وقتها حازوا قَصَبَ السَّبْقِ، وكانوا أسعدَ بالفضيلتين، فإنهم بادروا إلى امتثال أمره فى الخروج، وبادرُوا إلى مرضاته فى الصلاة فى وقتها، ثم بادرُوا إلى اللِّحاق بالقوم، فحازوا فضيلةَ الجهاد، وفضيلةَ الصلاة فى وقتها، وفهِمُوا ما يُراد منهم، وكانوا أفقهَ من الآخرين، ولا سيما تلك الصلاةَ، فإنها كانت صلاة العصر، وهى الصلاةُ الوسطى بنصِ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح الذى لا مدفعَ له ولا مطعن فيه، ومجىء السُّـنَّة بالمحافظة عليها، والمبادرة إليها، والتبكير بها، وأن مَن فاتته، فقد وُتِرَ أهله وماله، أو قد حَبِطَ عملُه، فالذى جاء فيها أمرٌ لم يجىء مثلُه فى غيرها، وأما المؤخِّرون لها، فغايتهم أنهم معذورون، بـل مأجورون أجراً واحداً لتمسُّكِهم بظاهر النص، وقصدهم امتِثَال الأمر، وأما أن يكونوا هم المصيبين فى نفس الأمر، ومَن بادر إلى الصلاة وإلى الجهاد مخطئاً، فحاشا وكلا، والَّذِينَ صلَّوْا فى الطريق، جمعوا بين الأدلة، وحصَّلُوا الفضيلتين، فلهم أجران، والآخرون مأجورون أيضاً رضى الله عنهم.
فإن قيل: كان تأخيرُ الصلاة للجهاد حينئذ جائزاً مشروعاً، ولهذا كان عَقِبَ تأخير النبى صلى الله عليه وسلم العصر يوم الخندق إلى الليل، فتأخيرُهم صلاة العصر إلى الليل، كتأخيره صلى الله عليه وسلم لها يَوم الخندق إلى الليل سواء، ولا سيما أن ذلك كان قبل شروع صلاة الخوف.
قيل: هذا سؤال قوى، وجوابه من وجهين.
أحدهما: أن يقال: لم يَثبُت أن تأخيرَ الصلاةِ عن وقتها كان جائزاً بعد بيانِ المواقيت، ولا دليلَ على ذلِكَ إلا قصةُ الخندق، فإنها هى التى استدلّ بها مَنْ قال ذلك، ولا حُجَّةَ فيها لأنه ليس فيها بيانُ أن التأخير من النبى صلى الله عليه وسلم كان عن عمد، بل لعله كان نسياناً، وفى القصة ما يُشْعِرُ بذلك، فإن عمر لما قال له: يا رسول الله، ما كِدْتُ أُصَلِّى العصر حتى كادت الشمس تغُربُ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((واللهِ مَا صَلَّيْتُه)) ثم قام، فصلوها. وهذا مشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان ناسياً بما هو فيه مِن الشغل، والاهتمام بأمر العدو المحيطِ به، وعلى هذا يكون قد أخَّرَها بعذر النسيان، كما أخَّرها بعُذر النوم فى سفره، وصلاها بعد استيقاظه، وبعد ذكره لِتَتَأَسَّى أُمَّتُه به.
والجواب الثانى: أن هذا على تقدير ثبوته إنما هو فى حال الخوفِ والمُسايفة عند الدَّهش عن تعقُّلِ أفعالِ الصلاة، والإتيان بها، والصحابةُ فى مسيرهم إلى بنى قُريظة، لم يكونوا كذلك، بل كان حكمُهم حكمَ أسفارهم إلى العدو قبل ذلك وبعدهُ، ومعلومٌ أنهم لم يكونوا يؤخِّرون الصلاة عن وقتها، ولم تكن قُريظة ممن يخاف فوتهم، فإنهم كانوا مقيمين بدارهم، فهذا منتهى أقدام الفريقين فى هذا الموضع.

فصل

وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرايةَ علىَّ بن أبى طالب، واستخلفَ على المدينة ابنَ أمِّ مكتومٍ، ونازل حصُون بنى قُريظة، وحصرهم خمساً وعشرين ليلةً، ولـمَّا اشتد عليهم الحِصَارُ، عرض عليهم رئيسُهم كعبُ بن أسد ثلاثَ خِصال: إما أن يُسْلِمُوا ويدخُلوا مع محمد فى دينه، وإما أن يقتلوا ذراريَهم، ويخرجوا إليه بالسيوف مُصلتة يناجِزُونه حتى يظفروا بِه، أو يُقتلوا عن آخرهم، وإما أن يهجمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابِه ويكبِسُوهم يومَ السبت، لأنهم قد أمِنُوا أن يُقاتِلوهم فيه، فأَبَوْا عليه أن يُجِيبُوهُ إلى واحدة منهن، فبعثوا إليه أن أرسل إلينا أبا لُبابة بنَ عبد المنذر نستشيرُه، فلما رأوه، قاموا فى وجهه يبكون، وقالوا: يا أبا لُبابة ؛ كيف ترى لنا أن ننزِل على حكم محمد ؟ فقال: نعم، وأشارَ بيده إلى حلقه يقول: إنه الذَّبح، ثم عَلِمَ مِن فوره أنه قد خان الله ورسولَه، فمضى على وجهه، ولم يَرْجعْ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المسجد مسجد المدينة، فربط نفسه بسارِيَة المسجد، وحلف ألا يحلَّه إلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده، وأنه لا يدخلُ أرضَ بنى قُريظة أبداً، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، قال: ((دَعُوهُ حَتَّى يَتُوبَ اللهَ عَلَيْهِ)) ثم تاب الله عليه، وحلَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم إنهم نزلُوا على حُكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامَت إليه الأوسُ، فقالوا: يا رَسُولَ الله ؛ قد فعلتَ فى بنى قَيْنُقَاع ما قد عَلِمْتَ وهم حلفاءُ إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا، فأحسِنْ فيهم، فقال: ((ألاَ تَرْضوَْنَ أَنْ يَحْكُم فِيِهمْ رَجُلٌ مِنْكُم)) ؟ قالوا: بلى. قال: ((فَذَاكَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعَاذ)). قالوا: قد رضينا، فأرسلَ إلى سعد بن معاذ، وكان فى المدينة لم يخرُج معهم لجُرح كان به، فأُرْكِبَ حماراً وجاء إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فجعلُوا يقولون له وهم كَنَفتاهُ: يا سَعْدُ ؛ أجمل إلى مواليَك، فأحْسِن فيهم، فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد حكَّمك فِيهم لِتُحْسِنَ فيهم، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئاً، فلما أكثرُوا عليه، قال: لقد آن لِسعد ألا تأخذه فى اللهِ لومةُ لائم، فلما سَمِعُوا ذلِكَ منه، رجعَ بعضُهم إلى المدينة، فنعى إليهم القومَ، فلما انتهى سعد إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، قال للصحابة: ((قُومُوا إلَى سَيِّدكُم)) فلما أنزلُوهُ، قالوا: يا سعدُ ؛ إن هؤلاء القوم قد نزلوا على حُكمك، قال: وحكمى نافِذٌ عليهم ؟. قالوا: نعم. قال: وعلى المسلمين ؟ قالوا: نعم. قال: وعلى مَن ههنا وأعرض بوجهِهِ، وأشار إلى ناحية رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً له وتعظيماً ؟ قال: ((نعم، وعلىَّ)). قال: فإنى أحكم فيهم أن يُقتل الرِّجَالُ، وتُسْبىَ الذُّرِّيَّةُ، وتقسمَ الأموالُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الله مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَات)) وأسلم منهم تلك الليلة نفر قبل النزول، وهرب عمرو بن سُعْدَى، فانطلق فلمْ يُعلم أين ذهب، وكان قد أبى الدخُول معهم فى نقض العهد، فلما حكم فيهم بذلك، أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقتل كُلِّ مَن جرت عليه الموسى منهم، ومَن لم يُنْبتْ أُلحِقَ بالذُرِّية ، فحفر لهم خنادِقَ فى سوق المدينة، وضُرِبَتْ أعناقهم، وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة، ولم يُقتل مِن النساء أحد سوى امرأة واحدة كانت طَرحَتْ على رأس سويد بن الصامت رحى، فقتلته، وجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالاً أرسالاً، فقالوا لرئيسهم كعب بن أسد: يا كعبُ ؛ ما تراه يصنَعُ بنا ؟ فقال: أفى كل موطن لا تعقِلُونَ ؟ أما ترون الدَّاعى لا يَنْزعُ، والذاهِبُ منكم لا يرجعُ، هو واللهِ القتلُ.
قال مالك فى رواية بن القاسم: قال عبد الله بنُ أُبَىِّ لِسعد بن معاذ فى أمرهم: إنهم أحد جناحَىَّ، وهم ثلاثُمائَةِ دارع، وستمائة حاسر، فقال: قد آن لسعد ألا تأخذه فى اللهِ لومة لائم، ولما جىء بحُـيَىّ بن أخطب إلى بين يديه، ووقع بصُره عليه، قال: أما والله ما لُمتُ نفسِى فى معاداتك، ولكن مَنْ يُغَالِب اللهَ يُغلبْ، ثم قال: يا أيُّها الناس ؛ لا بأسَ قدر الله وملحمةٌ كتبت على بنى إسرائيل، ثم حبس، فضربتْ عنقُه. واستوهب ثابت بن قيس الزبيرَ بن باطا وأهلهُ ومالَهُ من رسول الله، فوهبهم له، فقال له ثابت بن قيس: قد وهبك لى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ووهب لى مالك وأهلك، فهم لك. فقال: سألتُكَ بيدى عندك يا ثابتُ إلا ألحقتنى بالأحبَّةِ، فضرب عنقه، وألحقه بالأحبة من اليهود، فهذا كُلُّهُ فى يهود المدينة، وكانت غزوة كل طائفة منهم عَقِبَ كُلِّ غزوة من الغزوات الكبار.
فغزوة بنى قَيْنُقَاع عقب بدر، وغزوة بنى النَّضير عقب غزوة أُحُد، وغزوة بنى قُريظة عقب الخندق.
وأما يهود خيبر، فسيأتى ذكر قصتهم إن شاء الله تعالى.

فصل

وكان هَدْيُه صلى الله عليه وسلم أنه إذا صالح قوماً فَنَقَضَ بعضُهم عهده، وصُلْحه، وأقرَّهم البَاقُونَ، ورضُوا به، غزا الجميعَ، وجعلهم كُلَّهُم ناقضين، كما فعل بِقُريظة، والنَّضير، وبنى قَيْنُقَاع، وكما فعل فى أهل مكة، فهذه سُـنَّته فى أهل العهد، وعلى هذا ينبغى أن يَجرِىَ الحُكْمُ فى أهل الذِّمة كما صرَّح به الفقهاءُ من أصحاب أحمد وغيرهم، وخالفهم أصحابُ الشافعى فخصُّوا نقضَ العهد بمن نقضه خاصةً دون من رَضِىَ به، وأقرَّ عليه، وفرَّقُوا بينهما بأن عقد الذِّمة أقوى وآكدُ، ولهذا كان موضوعاً على التأبيد، بخلافِ عقد الهدنة والصلح.
والأوَّلون يقولون: لا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وعقد الذِّمة لم يُوضع للتأبيد، بل بشرط استمرارهم ودوامهم على التزام ما فيه، فهو كعقدِ الصُّلح الذى وضع للهُدنة بشرط التزامِهم أحكامَ ما وقع عليه العقدُ، قالوا: والنبىُّ صلى الله عليه وسلم لم يُوَقِّتْ عقدَ الصلح والهُدنة بينه وبين اليهود لما قدم المدينة، بل أطلقه ما داموا كافِّين عنه، غيرَ محاربين له، فكانت تِلك ذمَّتهم، غير أن الجِزيةَ لم يكن نزل فرضُها بعدُ، فلما نزل فرضُها، ازداد ذلك إلى الشروط المشترطة فى العقد، ولم يغير حكمه، وصار مقتضاها التأبيد، فإذا نقض بعضهُم العهد، وأقرَّهم الباقُون، ورضُوا بذلك، ولم يُعلِموا به المسلمين، صارُوا فى ذلك كنقض أهل الصلح، وأهل العهد والصلح سواء فى هذا المعنى، ولا فرْق بينهما فيه، وإن افترقا من وجه آخر يُوضِّحُ هذا أن المقرَّ الراضى الساكت إن كان باقياً على عهده وصُلحه، لم يجز قِتالُه ولا قتلُه فى الموضعين، وإن كان بذلك خارجاً عن عهده وصلحه راجعاً إلى حاله الأولى قبل العهد والصلح، لم يفترِقِ الحالُ بين عقد الهُدنة وعقد الذمة فى ذلك، فكيف يكون عائداً إلى حاله فى موضع دون موضع، هذا أمر غيرُ معقول. توضيحُه: أن تجدد أخذِ الجزيةِ منه، لا يُوجب له أن يكونُ مُوفياً بعهده مع رضاه، وممالأته ومواطأته لمن نقض، وعدم الجزية يُوجب له أن يكون ناقضاً غادراً غيرَ موفٍ بعهده، هذا بيِّن الامتناع.
فالأقوال ثلاثة: النقض فى الصورتين، وهو الذى دلَّت عليه سُـنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الكفار، وعدم النقض فى الصورتين، وهو أبعدُ الأقوالِ عن السُّنَّة، والتفريق بين الصورتين، والأُولى أصوبها وبالله التوفيق.
وبهذا القول أفتينا ولىَّ الأمرِ لما أحرقت النصارى أموالَ المسلمين بالشام ودورَهم، ورامُوا إحراقَ جامِعهم الأعظم حتَّى أحرقوا منارته، وكاد لولا دفعُ الله أن يحترِقَ كُلُّهُ، وعلم بذلك مَن علم من النصارى، وواطؤوا عليه وأقروه، ورضوا به، ولم يُعلِمُوا ولىَّ الأمر، فاستفتى فيهم ولىُّ الأَمرِ مَن حضره من الفقهاء، فأَفتيناه بانتقاض عهد مَن فعل ذلك، وأعان عليه بوجه من الوجوه، أو رضى به، وأقر عليه، وأن حدَّه القتلُ حتماً، لا تخيير للإمام فيه، كالأسير، بل صار القتل له حَدّاً، والإسلام لا يسقط القتل إذا كان حَدّاً ممن هو تحت الذِّمة، ملتزماً لأحكام الله بخلاف الحربى إذا أسلم، فإن الإسلام يعصم دمه وماله، ولا يُقْتَلُ بما فعله قبل الإسلام، فهذا له حُكم، والذِّمى الناقض للعهد إذا أسلم له حكم آخر، وهذا الذى ذكرناه هو الذى تقتضيه نصوصُ الإمام أحمد وأُصوله، ونص عليه شيخُ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه، وأفتى به فى غير موضع.

فصل

وكان هَدْيُه وسُنَّته إذا صالح قوماً وعاهدهم، فانضاف إليهم عدوٌ له سواهم، فدخلوا معهم فى عقدهم، وانضاف إليه قوم آخرون، فدخلوا معه فى عقده، صار حُكم مَن حارب مَن دخل معه فى عقده من الكفار حكم مَن حاربه، وبهذا السبب غزا أهل مكة، فإنه لما صالحهم على وضع الحرب بينهم وبينه عشرَ سنين، تواثبتْ بنو بكر بن وائل، فدخلت فى عهد قريش، وعقدها، وتواثبت خُزاعة، فدخلت فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده، ثم عدت بنو بكر على خُزاعة فبيتتهم، وقتلت منهم، وأعانتهم قريشٌ فى الباطن بالسلاح، فعدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ناقضين للعهد بذلك، واستجاز غزو بنى بكر بن وائل لِتعدِّيهم على حُلفائه، وسيأتى ذكر القصة إن شاء الله تعالى.
وبهذا أفتى شيخُ الإسلام ابن تيمية بغزو نصارى المشرق لما أعانُوا عدوَّ المُسلمين على قتالهم، فأمدُّوهم بالمالِ والسلاح، وإن كانوا لم يَغزونا ولم يُحاربونا، ورآهم بذلك ناقضين للعهد، كما نقضت قريشٌ عهد النبى صلى الله عليه وسلم بإعانتهم بنى بكر ابن وائل على حرب حلفائه، فكيف إذا أعان أهلُ الذمة المشركينَ على حرب المسلمين. والله أعلم.

فصل

فى كيف كان صلى الله عليه وسلم يعامل رسل أعدائه إذا وفدوا عليه
وكانت تَقْدَمُ عليه رُسُلُ أعدائه، وهم على عداوته، فلا يَهيجُهم، ولا يقتُلُهُم، ولما قَدِمَ عليه رسولا مُسَيْلِمَةَ الكذَّاب: وهما عبد الله بن النواحة وابنُ أُثال، قال لهما: ((فَمَا تَقُولانِ أَنْتُمَا)) ؟ قالا: نقول كما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَوْلاَ أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقكُمَا)) فجرت سُنَّته أَلاَّ يُقتلَ رسولٌ.
وكان هَديه أيضاً ألا يُحبس الرسولَ عنده إذا اختار دِينه، فلا يمنعه مِن اللحاق بقومه، بل يردُّه إليهم، كما قال أبو رافعٌ: بعثتنى قُريشٌ إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فلما أتيتُهُ، وقع فى قلبى الإسلام، فقلت: يا رَسولَ الله؛ لا أرجع إليهم. فقال: ((إنى لا أَخِيسُ بِالعَهْدِ، ولا أحْبِسُ البُرُدَ، ارْجعْ إليهم، فَإِنْ كَانَ فى قَلْبِكَ الّذِى فيهِ الآن، فارْجع)).
قال أبو داود: وكان هذا فى المدة التى شرط لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يردَّ إليهم مَن جاء منهم، وإن كان مسلماً، وأما اليومَ، فلا يصلُح هذا.. انتهى.
وفى قوله: ((لا أحْبِسُ البُرُد)) إشعار بأن هذا حكم يختص بالرسُل مطلقاً، وأما ردُّه لمن جاء إليه منهم وإن كان مسلماً، فهذا إنما يكون مع الشرط، كما قال أبو داود، وأما الرسلُ، فلهم حكم آخر، ألا تراه لم يتعرض لرسولى مسيلمة وقد قالا له فى وجهه: نشهد أن مسيلمة رسول الله.
وكان من هَديه، أن أعداءه إذا عاهدوا واحداً من أصحابه على عهد لا يضُرُّ بالمسلمين من غير رضاه، أمضاه لهم، كما عاهَدُوا حُذَيْفَةَ وَأَبَاه الحُسَيلَ أن لا يُقَاتِلاهم مَعَه صلى الله عليه وسلم، فأمضى لهم ذلك وقال لهما: ((انْصَرِفا، نَفِى لَهُم بعهدهم، ونَسْتَعينُ اللهَ عَلَيهم)).

فصل

وصالح قريشاً على وضع الحرب بينَه وبينَهم عشرَ سنين، على أن مَن جاءه منهم مسلماً ردَّهُ إليهم، ومَنْ جاءَهُم مِن عنده لا يردُّونه إليه ، وكان اللفظُ عاماً فى الرجال والنساء، فنسخَ الله ذلك فى حقِّ النساء، وأبقاه فى حقِّ الرجال، وأمر الله نبيَّه والمؤمنين أن يمتحنُوا مَن جاءهم مِن النساء، فإن عَلِمُوهَا مؤمِنةً، لم يردُّوها إلى الكُفَّار، وأمرهم بردِّ مهرها إليهم لما فات على زوجها مِن منفعة بُضعها، وأمر المسلمين أن يردُّوا على مَن ارتدَّتِ امرأتُهُ إليهم مهرَها إذا عاقبوا، بأن يجبَ عليهم ردُّ مهرِ المهاجرةِ، فيردونه إلى مَن ارتدَّت امرأتُهُ، ولا يردونها إلى زوجها المشرك، فهذا هو العِقابُ، وليس مِن العذاب فى شىء، وكان فى هذا دليل على أن خروج البُضع مِن ملك الزوج متقوَّم، وأنه متقوَّمٌ بالمسمَّى الذى هو ما أنفق الزوجُ لا بمهرِ المثل، وأن أنكحة الكفار لها حُكم الصحة، لا يُحكم عليها بالبطلان، وأنه لا يجوز ردُّ المسلمة المهاجرة إلى الكفَّارِ ولو شرط ذلك، وأن المسلمة لا يَحِلُّ لها نكاحُ الكافر، وأن المسلم له أن يتزوَّجَ المرأة المهاجرة إذا انقضت عدَّتُها، وآتاها مهرَها، وفى هذا أبينُ دلالة على خروج بُضعها مِن ملك الزوج، وانفساخِ نكاحها منه بالهجرة والإسلام.
وفيه دليلٌ على تحريمِ نكاحِ المشركة على المسلم، كما حرم نكاحُ المسلمة على الكافر.
وهذه أحكامُ استفيدت من هاتين الآيتين، وبعضُها مجمع عليه، وبعضُها مختلف فيه، وليس مع مَن ادعى نسخَها حُجَّةٌ البتة، فإن الشرطَ الذى وقع بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين الكفار فى ردِّ مَن جاءه مسلماً إليهم، إن كان مختصاً بالرجال، لم تدخل النساء فيه، وإن كان عاماً للرجال والنساء، فالله سبحانه وتعالى خصّص منه ردَّ النساء ونهاهم عن ردِّهن، وأمرهم بِرَدِّ مهورِهنّ، وأن يردوا منها على مَن ارتدَّت امرأتُه إليهم من المسلمين المهرَ الذى أعطاها، ثم أخبر أن ذلك حكمُه الذى يحكُمُ به بين عباده، وأنه صادر عن علمه وحِكمته، ولم يأت عنه ما يُنافى هذا الحكم، ويكونُ بعده حتى يكون ناسخاً.

ولما صالحهم على ردِّ الرجالِ، كان يُمكِّنهم أن يأخذوا مَن أتى إليه منهم، ولا يُكْرِهُهُ على العود، ولا يأمره به، وكان إذا قتل منهم، أو أخذ مالاً، وقد فصل عن يده، ولما يلحق بهم، لم يُنْكِرْ عليه ذلك، ولم يضمنه لهم، لأنه ليس تحت قهره، ولا فى قبضته، ولا أمرَه بذلك، ولم يقتضِ عقدُ الصلح الأمانَ على النفوس والأموال إلا عمن هو تحت قهره، وفى قبضته، كما ضَمِنَ لبنى جُذَيْمَةَ ما أتلفه عليهم خالدٌ مِن نفوسهم وأموالهم، وأنكره، وتبرأ منه. ولما كان إصابُته لهم عن نوع شُبهة، إذْ لم يقولُوا: أسلمنا، وإنما قالوا: صبأنَا، فلم يَكُنْ إسلاماً صريحاً، ضَمِنهم بنصف دياتِهم لأجل التأويل والشبهة، وأجراهم فى ذلك مجرى أهل الكتاب الذين قد عصمُوا نفوسَهم وأموالهم بعقدِ الذمة ولم يدخلوا فى الإسلام، ولم يقتض عهدُ الصلح أن ينصُرَهم عَلى مَن حاربهم ممن ليس فى قبضة النبى صلى الله عليه وسلم وتحت قهره، فكان فى هذا دليل على أن المعَاهَدِينَ إذا غزاهُم قوم ليسوا تحت قهر الإمام وفى يده، وإن كانوا من المسلمين أنه لا يجِبُ على الإمام ردُّهم عنهم، ولا منعُهم من ذلك، ولا ضمانُ ما أتلفوه عليهم.
وأخذُ الأحكام المتعلقةِ بالحرب، ومصالح الإسلام، وأهلِه، وأمره، وأمورِ السياسات الشرعية من سيره، ومغازيه أولى من أخذها من آراء الرجال، فهذا لون، وتلك لون. وبالله التوفيق.

فصل

وكذلك صالحَ أهلَ خيبرَ لما ظهر عليهم على أن يُجْلِيَهُمْ منها، ولَهُمْ ما حملَتْ رِكَابُهم، ولرسولِ الله صلى الله عليه وسلم الصَّفراءُ والبيضَاءُ، والحَلْقَةُ، وهى السلاح. واشترط فى عقد الصلح ألا يكتُموا ولا يُغيِّبوا شيئاً، فإن فعلُوا، فلا ذِمة لهم، ولا عهد، فغيَّبُوا مَسْكاً فيه مال وَحُلِىٌ لِحُـيَىّ بنِ أَخْطَب كان احتمله معه إلى خيبر حين أُجليت النضيرُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعم حُـيَىّ ابنِ أَخطب، واسمه سَعْيةُ: ((مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَىٍّ الَّذِى جَاءَ بهِ مِنَ النَّضير)) ؟ فقال: أذهبته النفقات والحروب، فقال:
((العَهْدُ قَرِيبٌ، والمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذلِكَ)). وقد كان حُيَىّ قُتِلَ مع بنى قُريظة لـمَّا دخل معهم، فدفع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمَّه إلى الزُّبير ليستقِرَّه، فَمَسَّهُ بعذاب، فقال: قَدْ رَأَيْتُ حُييَّاً يَطُوفُ فى خَربَةٍ ههنا. فذهبوا فطافُوا، فوجدوا المَسك فى الخَرِبَةَ، فقتلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ابنى أبى الحُقَيْقِ، وأحدهما زوج صفية بنت حُـيَىّ بن أخطب، وسبى نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم بالنَّكْثِ الَّذى نَكَثُوا، وأرادَ أن يُجليهم مِن خيبر، فقالوا: دعنا نكون فى هذه الأرض نُصلِحُهَا ونقومُ عليها، فنحنُ أعلمُ بها منكم، ولم يكن لِرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غِلمان يكفونهم مؤنتها، فدفعها إليهم على أن لِرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ شىءٍ يخرُج منها مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، وَلَهُمُ الشَّطْرُ، وعَلَى أَنْ يُقِرَّهُم فِيهَا مَا شَاء.
ولم يعمَّهم بالقتل كما عمَّ قُريظة لاشتراك أولئك فى نقض العهد، وأما هؤلاء فالذين عَلِمُوا بالمَسك وغيَّبُوه، وشرطوا له إن ظهر، فلا ذِمة لهم ولا عهد، فإنه قتلَهم بشرطهم على أنفسهم، ولم يتعدَّ ذلك إلى سائر أهلِ خيبر، فإنه معلوم قطعاً أن جميعَهم لم يعلمُوا بمَسك حُـيَىّ، وأنه مدفون فى خَرِبَةٍ، فهذا نظيرُ الذِّمىِّ والمعاهَدِ إذا نقض العهدَ، ولم يُمالِثه عليه غيرُه، فإن حكم النقض مختصٌ به.
ثم فى دفعه إليهم الأرضَ على النصف دليل ظاهر على جواز المساقاة والمزارعة، وكون الشجر نخلاً لا أثر له البتة، فحكم الشىء حكم نظيره، فَـبَلَدٌ شجرُهم الأعناب والتين وغيرهما من الثمار فى الحاجة إلى ذلك، حكمه حكم بلد شجرُهُمْ النخل سواء، ولا فرق.
وفى ذلك دليل على أنه لا يُشترط كونُ البذر من ربِّ الأرضِ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صالحهم عن الشطر، ولم يُعْطِهم بذراً البتة، ولا كان يُرسِلُ إليهم بِبِذر، وهذا مقطوع به مِن سِيرته، حتى قال بعضُ أهل العلم: إنه لو قِيل باشتراط كونه مِن العامل، لكان أقوى من القول باشتراط كونِه من ربِّ الأرض، لموافقته لِسُـنَّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فى أهل خيبر.
والصحيح: أنه يجوز أن يكون من العامل، وأن يكونَ مِن ربِّ الأرض، ولا يُشترط أن يختصّ به أحدُهما، والذين شرطُوه من ربِّ الأرض، ليس معهم حُجةٌ أصلاً أكثرَ من قياسهم المزارعة على المُضاربة، قالوا: كما يُشترط فى المضاربة أن يكون رأسُ المالِ مِن المالك، والعملُ من المضارب، فهكذا فى المزارعة، وكذلك فى المساقاة يكون الشَّجرُ مِن أحدهما، والعملُ عليها من الآخر، وهذا القياسُ إلى أن يكون حجةً عليهم أقربُ من أن يكون حجةً لهم، فإن فى المضاربة يعودُ رأسُ المال إلى المالك، ويقتسمان الباقى، ولو شرط ذلك فى المزارعة، فسدت عندهم، فلم يُجْرُوا البِذْرَ مجرى رأس المال، بل أجَروْهُ مجرى سائر البقل، فبطل إلحاق المزارعة بالمضاربة على أصلهم.
وأيضاً فإن البذر جارٍ مجرى الماء، ومجرى المنافع، فإن الزرعَ لا يتكون وينمُو به وحده، بل لا بُد من السقى والعملِ، والبِذرُ يموتُ فى الأرض، ويُنشىء الله الزرعَ مِن أجزاء أُخر تكون معه من الماء والريح، والشمسِ والتراب والعمل، فحكم البذرِ حكمُ هذه الأجزاء.
وأيضاً فإن الأرض نظيرُ رأس المال فى القِراض، وقد دفعها مالكُها إلى المُزارع، وبِذرُها وحرثُهَا وسقيُهَا نظيرُ عمل المضارب، وهذا يقتضى أن يكون المزارع أولى بالبِذر مِن ربِّ الأرض تشبيهاً له بالمضارب، فالذى جاءت به السُّـنَّة هو الصواب الموافق لقياس الشرع وأُصوله.
وفى القصةِ دليل على جواز عقدِ الهُدنة مطلقاً مِن غير توقيت، بل ما شاء الإمامُ، ولم يجىء بعد ذلك ما ينسخ هذا الحكم البتة، فالصوابُ جوازه وصحته، وقد نصَّ عليه الشافعىُّ فى رِواية المزنى، ونص عليه غيرُه من الأئمة، ولكن لا ينهضُ إليهم ويُحاربهم حتى يُعْلِمَهُمْ على سواء ليستووا هُمْ وهُوَ فى العلم بنقض العهد.
وفيها دليل على جواز تعزيرِ المتهم بالعُقُوبة، وأن ذلك مِن السياسات الشرعية، فإنَّ الله سبحانه كان قادراً على أن يَدُلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع الكنز بطريق الوحى، ولكن أراد أن يَسُنَّ لِلأُمَّةِ عقوبةَ المتهمين، ويُوسِّعَ لهم طُرُقَ الأحكام رحمة بهم، وتيسيراً لهم.
وفيها دليل على الأخذ بالقرائن فى الاستدلال على صِحةِ الدَّعوى وفسادها، لقوله صلى الله عليه وسلم لِسِعْيَةَ لما ادَّعى نفادَ المال: ((العَهْدُ قَرِيبٌ، والمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ)).
وكذلك فعل نبى الله سليمان بن داود فى استدلاله بالقرينة على تعيين أم الطفل الذى ذهب به الذئب، وادَّعت كل واحدة من المرأتين أنه ابنُها، واختصمتا فى الآخر، فقضى به داود للكبرى، فخرجتا إلى سُليمان، فقال: بِم قَضَى بَيْنَكُمَا نَبِىُّ الله ؟ فأخبرتاه. فقال: ائتونى بالسِّكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا تفعلْ رحمك الله، هو ابنُهَا، فقضى به للصغرى فاستدل بقرينةِ الرحمة والرأفة التى فى قلبها، وعدم سماحتها بقتله وسماحة الأخرى بذلك، لتصير أُسوتها فى فقد الولد على أنه ابن الصغرى.
فلو اتفقت مثلُ هذه القضية فى شريعتنا، لقال أصحابُ أحمد والشافعى ومالك رحمهم الله: عمل فيها بالقافة، وجعلوا القافة سبباً لترجيح المدعى للنسب رجلاً كان أو امرأةً.
قال أصحابُنا: وكذلك لو ولدت مسلمةُ وكافرةُ وَلَدَيْنِ، وادَّعَتِ الكافرةُ ولد المسلمة، وقد سُئل عنها أحمد، فتوقف فيها. فقيل له: ترى القافة ؟ فقال: ما أحْسَنَهَا، فإن لم تُوجد قافةٌ، وحكم بينهما حاكم بمثل حُكم سليمان، لكان صواباً، وكان أولى من القُرعة، فإنَّ القُرعة إنما يُصار إليها إذا تساوى المدعيانِ من كل وجه، ولم يترجَّحْ أحدُهما على الآخر، فلو ترجَّح بيد أو شاهد واحد، أو قرينة ظاهرة مِن لَوْثٍ، أو نُكولِ خصمه عن اليمين، أو موافقةِ شاهد الحال لصدقه، كدعوى كل واحد من الزوجين ما يصلُح له من قماش البيت والآنية، ودعوى كل واحد من الصانعين آلات صنعته، ودعوى حاسِر الرأس عن العمامة عمامة مَن بيده عمامة، وهو يشتد عدواً، وعلى رأسه أخرى، ونظائر ذلك، قُدِّمَ ذلِكَ كله على القُرْعة.
ومن تراجم أبى عبد الرحمن النسائى على قصة سليمان: ((هذا باب، الحكم يُوهم خِلافَ الحق، ليستعلم به الحقَّ))، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم لم يقص علينا هذه القصة لنتخذها سمراً، بل لنعتبرَ بها فى الأحكام، بل الحكم بالقَسامة وتقديم أيمان مدعى القتل هو من هذا استناداً إلى القرائن الظاهرة، بل ومن هذا رجمُ الملاعنة إذا التعنَ الزوجُ ونكَلَتْ عن الالتعان. فالشافعى ومالك رحمهما الله، يقتلانِها بمجرد التعان الزوج، ونكولها استناداً إلى اللَّوْثِ الظاهر الذى حصل بالتعانه، ونكولها.
ومن هذا ما شرعه الله سبحانه وتعالى لنا مِن قبول شهادة أهلِ الكتاب على المسلمين فى الوصيةِ فى السفر، وأن وليي الميت إذا اطَّلعا على خِيانة من الوصيين، جاز لهما أن يحلفا ويستحقا ما حلفا عليه، وهذا لوثٌ فى الأموال، وهذا نظير اللَّوثِ فى الدماء، وأولى بالجواز منه، وعلى هذا إذا اطلع الرجلُ المسروقُ مالُه على بعضه فى يد خائِنٍ معروفٍ بذلك، ولم يتبين أنه اشتراه من غيره، جاز له أن يَحْلِفَ أن بقية ماله عنده، وأنه صاحبُ السرقة استناداً إلى اللَّوث الظاهر، والقرائن التى تكشف الأمر وتوضحه، وهو نظيرُ حَلفِ أولياءِ المقتولِ فى القَسَامَةِ أَن فلاناً قتله: سواء، بل أمرُ الأموالِ أسهلُ وأخفُّ، ولذلك ثبت بشاهدٍ ويمينٍ، وشاهدٍ وامرأتين، ودعوى ونكولٍ، بخلاف الدماء. فإذا جاز إِثْباتُهَا باللَّوثِ، فإثباتُ الأموال به بالطريق الأولى والأحرى.
والقرآن والسُّـنَّة يدلان على هذا وهذا، وليس مع مَن ادَّعى نسخَ ما دلَّ عليه القرآن من ذلك حُجَّةُ أصلاً، فإن هذا الحكم ُ فى سورة ((المائدة))، وهى مِن آخر ما نَزَلَ مِن القرآن، وقد حكم بموجبِهَا أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَه، كأبى موسى الأشعرى، وأقرَّه الصحابةُ.
ومن هذا أيضاً ما حكاه الله سبحانه فى قصة يوسف مِن استدلال الشاهد بِقرينةِ قَدِّ القميصِ مِنْ دُبُرٍ على صِدقه، وكذبِ المرأة، وأنه كان هارباً مُوَلِّياً، فأدركته المرأةُ مِن ورائه، فجبذته، فقدَّت قميصه مِنْ دُبُرٍ، فعلم بعلُها والحاضرونَ صدقه، وقبلوا هذا الحكم، وجعلوا الذنبَ ذنبها، وأمروها بالتوبة، وحكاه الله سبحانه وتعالى حكاية مقرِّرٍ له غيرِ منكر، والتَّأَسِّى بذلك وأمثاله فى إقرار الله له، وعدم إنكاره، لا فى مجرَّدِ حكايته، فإنه إذا أخبر به مقراً عليه، ومُثنياً على فاعله، ومادحاً له، دل على رضاه به، وأنه موافق لحكمه ومرضاته، فليُتَدَبَّر هذا الموضعُ، فإنه نافع جداً، ولو تتبعنا ما فى القرآن والسُّـنَّة، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك لطال، وعسى أن نُفْرِدَ فيهِ مصنفاً شافياً إن شاء الله تعالى. والمقصود: التنبيه على هَديه، واقتباس الأحكام من سيرته، ومغازِيهِ، ووقائعه صلواتُ الله عليه وسلامه.
ولما أَقَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فى الأرض، كان يبعثُ كلَّ عام مَن يَخْرُصُ عليهم الثمارَ، فينظُرُ: كَمْ يُجنى منها، فَـيُضمنهم نصيبَ المسلمين، ويتصرفون فيها.
وكان يكتفى بخارص واحد. ففى هذا دليل على جواز خَرْصِ الثمار البادى صلاحُها كثمر النخل، وعلى جواز قسمة الثمار خرصاً على رؤوس النخل، ويصيرُ نصيبُ أحد الشريكين معلوماً وإن لم يتميز بعد لمصلحة النماء، وعلى أن القسمة إفراز لا بيع، وعلى جواز الاكتفاء بخارص واحد، وقاسمٍ واحد، وعلى أنَّ لِمن الثمارُ فى يده أن يتصرَّف فيها بعد الخرص، ويَضْمَن نصيبَ شريكه الذى خرص عليه.
فلما كان فى زمن عمر، ذهب عبدُ الله ابنه إلى ماله بخيبر، فَعَدَوْا عليه، فألقوه من فوق بيت، ففكُّوا يده فأجلاهم عمر منها إلى الشام، وقسمها بين مَن كان شهد خيبر من أهل الحُديبية.

فصل

وأما هَديه فى عَقد الذِّمة وأخذِ الجزية، فإنَّهُ لم يأخذ مِن أحد من الكفار جزيةً إلا بعد نزول سورة ((براءة)) فى السنة الثامنةِ مِن الهجرة، فلما نزلت آية الجِزية، أخذها مِن المجوس، وأخذها مِن أهل الكتاب، وأخذها مِن النصارى، وبعث معاذاً رضى الله عنه إلى اليمن، فعقد لمن لم يُسْلِم مِن يهودها الذِّمة، وضرب عليهم الجزيةَ، ولم يأخذها من يهودِ خيبر، فظن بعض الغالِطين المخطئين أن هذا حكم مختصٌ بأهل خيبر، وأنه لا يؤخذ منهم جزيةٌ وإن أُخِذَتْ منِ سائر أهل الكتاب، وهذا مِن عدم فقهه فى السير والمغازى، فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم وصالحهم على أن يُقِرَّهم فى الأرض ما شاء، ولم تكن الجزيةُ نزلت بعد، فسبق عقدُ صلحهم وإقرارُهم فى أرض خيبر نزولَ الجزية، ثم أمره الله سبحانه وتعالى أن يُقاتِلَ أهلَ الكِتاب حتى يُعطوا الجزية، فلم يدخل فى هذا يهودُ خيبر إذ ذاك، لأن العقد كان قديماً بينه وبينهم على إقرارهم، وأن يكونوا عمالاً فى الأرض بالشطر، فلم يُطالبهم بشىء غيرِ ذلك، وطالبَ سواهم من أهل الكتاب ممن لم يكن بينه وبينهم عقدٌ كعقدهم بالجزية، كنصارى نجرانَ، ويهودِ اليمن، وغيرِهم، فلما أجلاهم عمرُ إلى الشام، تغيّر ذلك العقدُ الذى تضمن إقرارَهم فى أرض خيبر، وصار لهم حكمُ غيرهم مِن أهل الكتاب.
ولما كان فى بعض الدول التى خفيت فيها السُّـنَّة وأعلامها، أظهر طائفة منهم كتاباً قد عَتَّقُوهُ وزوَّرُوهُ، وفيه: أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم أسقط عن يَهودِ خيبر الجزية، وفيه: شهادةُ على بن أبى طالب، وسعد بن معاذ، وجماعة مِن الصحابة رضى الله عنهم، فراج ذلك على مَنْ جَهِلَ سُـنَّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ومغازيَه وسِيَرَه، وتوهَّموا، بل ظنوا صِحته، فَجَروْا على حُكم هذا الكتاب المزور، حتى أُلقى إلى شيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله روحه وطُلِبَ منه أن يُعين على تنفيذه، والعملِ عليه، فبصق عليه، واستدلّ على كذبه بعشرة أوجه:
منها: أن فيه شهادةَ سعد بن معاذ، وسعد توفى قبل خيبر قطعاً.
ومنها: أن فى الكتاب، أنه أسقط عنهم الجزية، والجزية لم تكن نزلت بعد، ولا يعرِفها الصحابة حينئذ، فإن نزولها كان عام تبوك بعد خيبر بثلاثة أعوام.
ومنها: أنه أسقط عنهم الكُلَفَ والسُّخَرَ، وهذا محال، فلم يكن فى زمانه كُلَفٌ ولا سُخَرٌ تُؤخذ منهم، ولا مِن غيرهم، وقد أعاذه الله، وأعاذ أصحابَه مِن أخذ الكُلَفِ والسُّخَرِ، وإنما هى من وضع الملوكِ الظَّلمة، واستمر الأمر عليها.
ومنها: أن هذا الكتاب لم يذكره أحد من أهل العلم على اختلاف أصنافهم، فلم يذكره أحدٌ من أهل المغازى والسير، ولا أحدٌ من أهل الحديث والسُّـنَّة، ولا أحد من أهل الفقه والإفتاء، ولا أحدٌ من أهل التفسير، ولا أظهروه فى زمان السَلَف، لعلمهم أنهم إن زوَّروا مثلَ ذلك، عرفوا كذبَه وبُطلانه، فلما استخفُّوا بعضَ الدول فى وقت فتنةٍ وخفاء بعض السُّـنَّة، زوَّروا ذلك، وعتَّقوهُ وأظهروه، وساعدهم على ذلك طمعُ بعضِ الخائنين لله ولرسوله، ولم يستمرَّ لهم ذلك حتى كشف الله أمره، وبيَّن خلفاءُ الرسل بطلانه وكذبَه.

فصل

فى الأصناف التى تؤخذ منهم الجزية
فلما نزلت آيةُ الجزية، أخذها صلى الله عليه وسلم مِن ثلاث طوائف: مِن المجوسِ، واليهود، والنصارى، ولم يأخذها من عُبَّادِ الأصنام. فقيل: لا يجوزُ أخذُها مِن كافر غير هؤلاء، ومَن دان بدينهم، اقتداءً بأخذه وتركه. وقيل: بل تُؤخذ من أهل الكتاب وغيرِهم من الكفار كعبدة الأصنام من العجم دون العرب، والأول: قول الشافعى رحمه الله، وأحمد، فى إحدى روايتيه. والثانى: قولُ أبى حنيفة، وأحمد رحمهما الله فى الرواية الأخرى.
وأصحاب القول الثانى يقولون: إنما لم يأخذها مِنْ مشركى العربِ، لأنها إنما نزَلَ فرضُها بعد أن أسلمت دَارَةُ العرب، ولم يبق فيها مُشِركٌ، فإنها نزلت بعد فتح مكة، ودخولِ العربِ فى دين الله أفواجاً، فلم يبق بأرض العرب مشرك، ولهذا غزا بعد الفتح تبوكَ، وكانُوا نصارى، ولو كان بأرض العرب مشركون، لكانُوا يلونه، وكانوا أولى بالغزو من الأبعدين.
ومن تأمَّل السِّـيَرَ، وأيامَ الإسلام، علم أن الأمرَ كذلك، فلم تؤخذ منهم الجزيةُ لعدم مَن يُؤخذ منه، لا لأنهم ليسوا مِن أهلها، قالوا: وقد أخذها من المجوس، وليسوا بأهلِ كتاب، ولا يَصح أنه كان لهم كتاب، ورفع وهو حديث لا يثـبُت مثلُه، ولا يصح سنده.
ولا فرق بين عُـبَّادِ النَّار، وعُـبَّاد الأصنام، بل أهلُ الأوثانِ أقربُ حالاً من عُبَّادِ النار، وكان فيهم مِن التمسك بدين إبراهيم ما لم يكُن فى عُـبَّاد النار، بل عُـبَّاد النار أعداءُ إبراهيم الخليل، فإذا أُخِذَتْ منهم الجزية، فأخذها من عُـبَّاد الأصنام أولى، وعلى ذلك تدل سُـنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت عنه فى ((صحيح مسلم)) أنه قال: ((إذا لَقيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فادْعهُم إلى إِحْدَى خِلاَلٍ ثَلاَثٍ، فَأيَّتهنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا، فاقْبَلْ مِنْهُم، وكُفَّ عنهم)). ثم أمرَه أن يَدْعُوَهُم إلى الإِسْلاَمِ، أَو الجِزْيَةِ، أو يُقَاتِلَهم.
وقال المغيرة لعاملِ كسرى: ((أمرنا نبيُّنَا أن نُقاتِلَكم حتى تعبُدوا الله، أو تؤدُّوا الجزية)).
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِقريش: ((هَلْ لَكُمْ فى كَلِمةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِهَا العَرَبُ، وتُؤدَّى العَجَمُ إِلَيْكُمُ بِهَا الجِزْيَةَ)) ؟. قالُوا: ما هى ؟ قال: ((لاَ إِلَهََ إِلاَّ الله)).

فصل

((ولما كان فى مرجعه من تبوك، أخذت خَيْلُه أُكْيدِرَ دُوْمَةَ، فصالحه على الجزية، وحقن له دمه)).
((وصالحَ أهلَ نجران مِن النصارى على ألفى حُلَّةٍ. النِّصْفُ فى صفر، والبقيةُ فى رجب، يؤدونها إلى المسلمين، وعاريَّة ثلاثين دِرعاً، وثلاثين فرساً، وثلاثين بعيراً، وثلاثين مِن كُلِّ صِنف من أصناف السلاح، يغزُون بها، والمسلمون ضامنون لها حتى يردُّوها عليهم إن كان باليمن كَيْدٌ أو غَدْرَةٌ، على ألا تُهدم لهم بَـيْعة، ولا يُخرج لهم قَسٌ، ولا يُفتنوا عن دينهم ما لم يُحْدِثُوا حَدَثاً أَو يَأْكُلُوا الرَّبا)).
وفى هذا دليل على انتقاض عهد الذِّمة بإحداث الحَدَث، وأكلِ الرِّبا إذا كان مشروطاً عليهم.
ولما وجه معاذاً إلى اليمن، ((أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ مُحْتَلِمٍ دِينَاراً أَوْ قِيمَتَهُ مِنَ المَعَافِرِىِّ، وهى ثيابٌ تكون باليمن)).
وفى هذا دليل على أن الجزية غيرُ مقدَّرة الجنس، ولا القدرِ، بل يجوز أن تكونَ ثياباً وذهباً وحُللاً، وتزيدُ وتنقُصُ بحسب حاجة المسلمين، واحتمال مَن تؤخذ منه، وحاله فى الميسرة، وما عنده من المال.
ولم يفرِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه فى الجزية بين العربِ والعجم، بل أخذها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من نصارى العرب، وأخذها مِن مجوس هجر، وكانوا عرباً، فإن العرب أمةٌ ليس لها فى الأصل كتاب، وكانت كل طائفة منهم تدين بدين مَن جاورها من الأُمم، فكانت عربُ البحرين مجوساً لمجاورتها فارِسَ، وتنوخَ، وبُهْرَة، وبنو تغلب نصارى لمجاورتهم للروم، وكانت قبائلُ من اليمن يهود لمجاورتهم ليهود اليمن، فأجرى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أحكامَ الجِزية، ولم يعتبر آباءهم، ولا متى دخلُوا فى دينِ أهل الكتاب: هل كان دخولهم قبل النسخ والتبديل أو بعده، ومن أين يعرِفُونَ ذلك، وكيف ينضبط وما الذى دلَّ عليه ؟ وقد ثبت فى السير والمغازى، أن من الأنصار مَن تهوَّد أبناؤهم بعد النسخ بشريعة عيسى، وأراد آباؤهم إكراههم على الإسلام، فأنزل الله تعالى: {لا إكْرَاهَ فِى الدِّينِ} [البقرة: 256]، وفى قوله لمعاذ: ((خُذْ مِنْ كُلِّ حالم ديناراً)) دليل على أنها لا تُؤخذ من صبى ولا امرأة.
فإن قيل: فكيف تصنعون بالحديث الذى رواه عبد الرزاق فى ((مصنفه)) وأبو عبيد فى ((الأموال)) أن النبى صلى الله عليه وسلم أمَرَ معاذَ بن جبل: أن يأخذ مِن اليمن الجزية مِن كل حالم أو حالمة، زاد أبو عبيد: ((عبداً أو أمةً، ديناراً أو قيمته من المعافرِى)) فهذا فيه أخذها من الرجل والمرأة، والحر والرقيق ؟ قيل: هذا لا يصح وصله، وهو منقطع، وهذه الزيادة مختلف فيها، لم يذكرها سائر الرواة، ولعلها من تفسير بعض الرواة.
وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود والترمذى، والنسائى، وابن ماجه، وغيرهم هذا الحديث، فاقتصروا على قوله: أمره ((أن يأخذ من كل حالم ديناراً)) ولم يذكروا هذه الزيادة، وأكثر مَنْ أخذ منهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم الجزية العرب مِنَ النصارى، واليهود، والمجوس، ولم يكشف عن أحد منهم متى دخل فى دينه، وكان يعتبرهم بأديانهم لا بآبائهم.



i]di td hgHlhk ,hgwgp ,luhlgm vsg hg;thv










عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
قديم 22 / 05 / 2013, 06 : 03 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
فأستبقوا الخيرات
اللقب:
عضو ملتقى نشيط
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية فأستبقوا الخيرات


البيانات
التسجيل: 15 / 05 / 2013
العضوية: 53416
العمر: 42
المشاركات: 62 [+]
بمعدل : 0.01 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 147
نقاط التقييم: 12
فأستبقوا الخيرات is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
فأستبقوا الخيرات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شريف حمدان المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
بارك الله تعالى فيك اخي الكريم.......وثقل ميزانك بما تفعله من
مجهود في الدعوة لدين الله تعالى
تقبل مني مرورا متواضعا
وأسأل الله تعالى أن يجازيك علي عملك هذا خير الجزاء..
لك جل تقديري واحترامي









عرض البوم صور فأستبقوا الخيرات   رد مع اقتباس
قديم 22 / 05 / 2013, 05 : 04 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
ابا احمد
اللقب:
مشرف الملتقيات القرآنيه والمرئيات
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية ابا احمد


البيانات
التسجيل: 21 / 02 / 2009
العضوية: 21900
العمر: 61
المشاركات: 9,563 [+]
بمعدل : 1.66 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1150
نقاط التقييم: 39
ابا احمد is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابا احمد غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شريف حمدان المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
بارك الله فيكم اخى ******
وزادكم الله تعالي من فضله وعلمه
وجعل كل عمل صالح نورا لكم يوم القيامه









عرض البوم صور ابا احمد   رد مع اقتباس
قديم 23 / 05 / 2013, 31 : 05 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شريف حمدان المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
شرفت بمروركم
الطيب
وسعدت بكم كثيرا
اخي ******
الغالي
فاستبقوا الخيرات









عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
قديم 23 / 05 / 2013, 32 : 05 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان


البيانات
التسجيل: 26 / 01 / 2008
العضوية: 38
العمر: 66
المشاركات: 191,353 [+]
بمعدل : 31.10 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 19380
نقاط التقييم: 791
شريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to behold
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 38
عدد المشاركات : 191,353
بمعدل : 31.10 يوميا
عدد المواضيع : 94907
عدد الردود : 96446
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شريف حمدان المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
شرفت بمروركم
الطيب
وسعدت بكم كثيرا
اخي ******
الغالي
ابو احمد









عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد ملتقى السيرة النبويه


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018