النداء الحدي والسبعون :( وجوب الأدب في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وتحريم رفع الصوت في حضرته

[زياد محمد حميدان]

النداء الحادي والسبعون:] وجوب الأدب في خطاب النبي r ،وتحريم رفع الصوت في حضرته[.
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ[{الحجرات 2}.
لازلنا في حضرة ****** المصطفىr في الأدب في مخاطبته،ذلك المقام السامي يقتضي مخاطبة بأقصى درجات الأدب،والابتعاد عن أسلوب السوقة والجهلة،فيحرم على المسلم رفع الصوت فوق صوت النبي r في حضرته وبعد وفاته،وحقُّ النبي r في توقيره والأدب في حضرته ،لا ينقضي بوفاته،كما لا ينقطع التأسي به بعد التحاقه بالرفيق الأعلى.
ورفع الصوت المنهي عنه ،ما منبئاً عن قلة الأدب مع مقام النبوة.قال القرطبيإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها وانحطاط سائر الرتب، وإن جلت عن رتبتها)[1].
ويعلل الرازي للنهي عن رفع الصوتذلك لأن رفع الصوت دليل قلة الاحتشام وترك الاحترام،وهذا من مسألة حكمية وهي أن الصوت بالمخارج،ومن خشي قلبه ارتجف وتضعف حركته الدافعة ،فلا يخرج منه الصوت بقوة،ومن لم يخف ثبت قلبه وقوي)[2].
إذا النهي عن رفع مخصوص،وإلا فهناك من كان جهوري الصوت ،وما ثبت من قصة ثابت بن قيس t كما سيأتي،كل ذلك كان دون منافاة الأدب.
وأما سبب النزول ففيه قولان مشهوران:
الأول: عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ :]كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ r حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) الْآيَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ :فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ r بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ[[3].
الثاني: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t :] أَنَّ النَّبِيَّ r افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ ،فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ. فَقَالَ لَهُ :مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ r فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ،وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ r فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ[[4].
قوله تعالى:] وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ[ نهوا عن منادة النبي r كما ينادون بعضهم بل بأدب جمٍّ،وصت خفيض. قال قتادةكانوا يجهرون له بالكلام، ويرفعون أصواتهم، فوعظهم الله، ونهاهم عن ذلك)[5].
وقد درج بعض المولعين بالتقليد لغير المسلمين،على وصف النبي r بأوصاف الحكام من البشر،ظانين أنهم بذلك يرفعون من شأنه r ،كوصفه بالعبقري أو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة،وما أدركوا أن مقام النبوة والرسالة ،تتقاصر دونها كل رتب الدنيا مهما بلغت.
وما كان ثابتا له في حياته r فهو ثابت له بعد وفاته.ونقل القرطبي عن أبي بكر ابن العربي: (حرمة النبي r ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه، وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به. وقد نبه الله سبحانه على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى: ] وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [ [الأعراف: 204]. وكلامه r من الوحي، وله من الحكم مثل ما للقرآن، إلا معاني مستثناة، بيانها في كتب الفقه)[6].
ونقل ابن كثير عن العلماء يكره رفع الصوت عند قبرهr كما كان يكره في حياته r لأنه محترم حيا وفي قبره r دائما .ثم نهي عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم)[7].ونقل عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي r قد ارتفعت أصواتهما، فجاء فقال :أتدريان أين أنتما ؟ثم قال :من أين أنتما ؟قالا: من أهل الطائف .فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا[8].وروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رجلا يدق خشبة في جدار المسجد،فقالت:لقد آذيت رسول الله r .
وقال القاضي عياضواعلم أن حرمة النبي r بعد موته وتوقيره،لازم كما كان حال حياته،وذلك عند ذكره r وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته ومعاملة آله وعترته،وتعظيم أهل بيته وصحابته)[9].ولما كثر على مالك الناس ،قيل له :لو جعلت مستمليا يسمعهم؟فقال:قال الله تعالىيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ (الحجرات: من الآية2)[10].
ويلحق بالنبي r العلماء الربانيون،الذين هم ورثته،لأن إجلالهم إجلال للنور والهدى الذي يحملونه،وهم من شعائر الله U الواجب تعظيمها.
قوله تعالى:] أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ [ لكيلا تبطل أعمالكم ،كما فهمه ثابت بن قيس t .وقيل :نقص كمال المنزلة،لا إسقاط العمل من أصله،كما يسقط بالكفر[11].
قوله تعالى:]وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ[ كما ورد في الحديث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t :]عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ[[12].

1) الجامع لأحكام القرآن 16/306

2) التفسير الكبير 28/93

3) صحيح البخاري،كتاب تفسير القرآن،باب قوله تعالى:]لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي[ 4/1833رقم4564

4) صحيح البخاري،كتاب تفسير القرآن،باب قوله تعالى:]لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي[ 4/1833 رقم 4565
5) جامع البيان 11/378 والدر المنثور 6/86

6) الجامع لأحكام القرآن 16/307

7) تفسير القرآن العظيم 4/265



8) تفسير القرآن العظيم 4/264

9) الشفا بتعريف حقوق المصطفى r 2/40

10) المرجع السابق

11) زاد المسير 7/457
12) صحيح البخاري،كتاب الرقاق،باب حفظ اللسان 5/2377 رقم 6113

---

hgk]hx hgp]d ,hgsfu,k :( ,[,f hgH]f td o'hf hgkfd wgn hggi ugdi ,sgl ,jpvdl vtu hgw,j td pqvji

[حازم الطاروطي]

ماشاء الله
سلمت الايادي يافاندم

[شريف حمدان]

[محمد نصر]