قصة أصحاب الجنة.. دروس وعبر[1] - ملتقى أهل العلم
أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 

الإهداءات
دكتور محمد فخر الدين الرماديالتهنئة بالعيد من الأمور المباحة!        دكتور محمد فخر الدين الرماديعن أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ ڪَــ صيَامِ الدَّهْرِ» [رواه مسلم في "صحيحه"].        دكتور محمد فخر الدين الرماديذكر الشيخ الرملي الكبير في فتاواه: "لم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول جمعة من شهر رجب كذب باطل، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وقد ذكرها بعض أعيان العلماء المتأخرين، وإنما لم يذكرها المتقدمون; لأنها أحدثت بعدهم، وأول ما ظهرت بعد...        دكتور محمد فخر الدين الرمادي« ليلةُ الإسراء لم يأتِ في أرجحيةِ العمل فيها حديث صحيح ولا ضعيف، ولذلك لم يعيّنها النبي ﷺ« . .        دكتور محمد فخر الدين الرماديالأيام ليست متساوية في نظر الإنسان .. فهناك يوم مولد.. يصاحبه فرح وسرور.. وهناك يوم موت ووفاة يرافقه حزن ودموع!        دكتور محمد فخر الدين الرمادي18 ديسمبر : اليوم العالمي للغة العربية .. إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضاً.        دكتور محمد فخر الدين الرماديكيف يمكن تطبيق ما طرحه الرئيس البرازيلي اليساري "لويس إيناسيو لولا دا سيفا " ؛ والذي اسماه بــ: « „ تحالف عالمي ضد الجوع والفقر “ » .        دكتور محمد فخر الدين الرماديقمة العشرين في ريو دي جانيرو -البرازيل.. هل تحقق شيئا ما !        دكتور محمد فخر الدين الرمادي«أن مزيدا من الفقراء سيتضورون جوعا أو يتجمدون من البرد هذا الشتاء.. إلا إذا تم اتخاذ إجراءات فورية لزيادة دخلهم؛ وتحسين أوضاع معيشتهم؛ و وقف آله الحرب الجهنمية».        دكتور محمد فخر الدين الرمادياليوم العالمي للقضاء على الفقر 17 أكتوبر: كيف يتعايش فقراء العالم الإسلامي و العربي مع الأزمة؟        


العودة   ملتقى أهل العلم > الملتقيات الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح

الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: منظومة فاز من قام الليالي بصوت عبد الرحمن الحمين ... (آخر رد :السليماني)       :: من أضرار المعاصي وأخطارها الخاصة والعامة...الشيخ القصير رحمه الله (آخر رد :السليماني)       :: أول مرة أتدبر القرآن كتاب الكتروني رائع (آخر رد :عادل محمد)       :: أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة ...محمد بن إبراهيم الحمد (آخر رد :السليماني)       :: 64 ثمرة من ثمرات التبكير إلى المساجد ...الشيخ عبد العزيز السدحان (آخر رد :السليماني)       :: حصرية جديدة للشيخ / محمد عبدالوهاب الطنطاوى - الزمر وغافر + الانسان - محلة زياد غربية 2-1-2007. (آخر رد :رفعـت)       :: للهواتف والآيباد أخلاق أهل القرآن (آخر رد :السليماني)       :: فوائد ذكر الله وأمثلة من الأدعية المسنونة... للشيخ عبد الله الجار الله (آخر رد :السليماني)       :: مناقب على ابن ابي طالب رضي الله عنه (آخر رد :السليماني)       :: شرح أسماء الله الحسنى ... العلامة السعدي رحمه الله (آخر رد :السليماني)      

إضافة رد
كاتب الموضوع طويلب علم مبتدئ مشاركات 1 المشاهدات 759  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 06 / 01 / 2018, 41 : 08 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
طويلب علم مبتدئ
اللقب:
عضو ملتقى ماسي

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
طويلب علم مبتدئ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
قصة أصحاب الجنة.. دروس وعبر[1]


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].



أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبيه محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



أيها المسلمون، إن في القرآن الكريم لعبراً للمعتبرين، ومواعظ للمتعظين، ونوراً مبينًا لمن يروم أحسن المسالك، والنجاة من طرق المهالك. فمن اعتبر به واتعظ دلَّه إلى كل خير، وحال بينه وبين كل شر، ومن تأمله وعقله وتدبره ووعاه وجعله دليله حيثما توجه لم تَغْشه ظلمات الشبهات والآراء، ومضلات الشهوات والأهواء، بل عاش به تحت ظلال النور الوارف، الذي يسدل عليه ضياء الحق والهدى.



قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الإسراء: 9، 10].



عباد الله، إن القرآن الكريم منهج حياة منير، ودستور نجاة كبير، وليس كتابًا تقدسه القلوب، وتقرؤه العيون فحسب، دون أن تعمل بهداياته وأوامره الجوارح في واقع الحياة.



إننا نحن المسلمين لو تدبرنا القرآن وعملنا بما فيه، وجعلناه قائدنا في كل شؤون حياتنا الدينية والدنيوية لربحنا السعادة في الدنيا والآخرة، بل لصرنا أعزة بعد الذلة، أقوياء بعد الضعف.



أيها الأحباب، إن الناظر في القرآن الكريم يجد فيه الدعوة إلى الحق والهدى، والنهيَ عن الباطل والردى بنصوص صريحة، وقد يجد ذلك يُساق بغير تصريح، لكن يجيء في قالب الاعتبار والاتعاظ الذي يحمل في طياته أوامر تُعمل، ونواهي تجتنب، ومن أمثلة هذا: القصص القرآنية، التي تأتي أحداثها عن الأمم والأفراد، فتذكر ما كان يعمل أولئك الناس وكيف كانت عاقبتهم. ومن تلك القصص التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم لنتعظ بها، ونأخذ منها الدروس والعبر: قصة أصحاب الجنة في سورة القلم.



يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [القلم: 17 - 33].



أيها الإخوة الفضلاء، هذه الآيات الكريمة تحكي قصة قوم عاشوا في غابر الزمن، قريبًا من منطقة ضروان من صنعاء اليمن. كانت لهم مزرعة عظيمة ورثوها عن أبيهم الصالح، الذي سار فيها قبلهم سيرة حسنة بإعطاء حق الفقراء منها؛ طاعة لله تعالى، وعطفًا على أولئك المحتاجين. لكن أولاده من بعده حادوا عن طريق أبيهم، ولم يسيروا سيرته الحسنة فيما يخرج من تلك المزرعة من الزرع والثمر، حيث منعوا حق الفقراء والمساكين منها، فعوقبوا بذهاب تلك المزرعة كلها.



وجوُّ القصة يكشف لنا أن أولئك الأولاد لم يكونوا كفاراً، بل كانوا مسلمين، لكنهم بطروا النعمة، ومنعوا الزكاة، وقسوا على المعوزين ولم يرحموهم فيُرحموا ببقاء جنتهم.



لقد نزلت هذه الآيات الكريمة على نبينا صلى الله عليه وسلم وهو في مكة بين ظهراني قريش التي مازالت تحاربه وتكذبه، وتصد الناس عنه، وهي تعيش في ربوع مكة في أمن ودعة ورغد عيش وسعة؛ حيث أطعمهم الله تعالى من جوع وآمنهم من خوف، والقبائل من حول قريش يتخطفها الخوف والجوع. قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ﴾ [النحل: 112]، وقال: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 57]. فلما كانت قريش ترفل في سربال هذه النعم، وتصد عن الحق هذا الصدود الصلف أنزل الله تعالى على رسوله هذه الآيات؛ ليعظ بها قريشًا ومن معها، ويبين لهم أنهم إن لم يشكروا الله فيؤمنوا برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، فإن الله سيذهب عنهم تلك النعم، وينزل عليهم مكانها النقم، كما فعل بأصحاب مزرعة ضروان.



وهي رسالة عظةٍ لكل منحرف عن الحق أو ظالم للخلق وهو يعيش بين أحضان النعم، ويتيه في جوانب رغد العيش، ولازال عن شكر ربه معرضًا، ولحقوق خلقه منتهكًا، أن يصحو من سكرته، ويفيق من غفلته قبل أن تنزل العقوبة بساحته كما نزلت بأصحاب هذا البستان. ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ [النازعات: 26].



عباد الله، يقول تعالى: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ [القلم: 17] ﴿ وَلا يَسْتَثْنُونَ ﴾ [القلم: 18]. والمعنى: إنا اختبرنا المكذبين من قريش كما اختبرنا أصحاب بستان ضروان، فكما أمد الله أصحاب هذه الجنة بنعمة سعة الرزق فلم يشكروها أمد كذلك قريشًا بنعمة الأمن السابغ، والرزق الواسع، وأتم نعمته عليهم ببعثة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام من أرضهم.



لقد أجمع أصحاب هذه الجنة واتفقوا على حرمان اليتامى والمساكين حقهم من ثمارها، وأكدوا هذه النية بأن أقسموا أيمانًا على ذلك؛ ليلزموا أنفسهم بما عزموا عليه. واتفقوا على قطع ثمر تلك الجنة في أول وقت الفجر قبل مجيء الفقراء إليهم، وعزموا على الأمر من غير إبقاء شيء للمحتاجين، ولم يقولوا: إن شاء الله حينما صاروا لا يتوقعون شيئًا يعوقهم عن هدفهم المنشود.



فيستفاد مما سبق: أن العقلاء يأخذون العبرة من غيرهم فلا يستمرون في السير على طريق يؤول إلى العاقبة السيئة، ويستفاد كذلك: أن نهايات المسرفين على أنفسهم قد تتفق، وإن تباعدت الأزمان والأماكن والأسباب، وأن العزم على المعصية وسلوك طريقها معصية وإن لم تُعمل، وأن النية الفاسدة تقضي على الخير الموجود لدى صاحبها.



لقد نزلت العقوبة بقريش بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن قريشًا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد فأنزل الله تعالى: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الدخان: 10، 11]. قال: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله، استسق الله لمضر فإنها قد هلكت. قال: (لمضر؟ إنك لجريء). فاستسقى فسقوا. فنزلت: ﴿ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾ [الدخان: 15]. فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله عز وجل: ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ﴾ [الدخان: 16] قال: يعني: يوم بدر.[2].



أيها المسلمون، ثم يقول تعالى: ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 19، 20].

هذا هو المشهد الثاني من القصة، وهو مشهد نزول العقوبة عقب ذلك العزم السيء من أصحاب الجنة على منع المساكين حقهم. فما هي العقوبة؟ ومتى كان وقتها؟ وكم كان قدرها؟ وكيف كانت صورتها؟.



إن العقوبة التي حلت بهذه الجنة الظالم أهلها هي إحراق تلك المزرعة؛ فقد أنزل الله تعالى عليها في الليل ناراً أحرقتها كلها من جميع جوانبها، وأصحابها يغطون في نوم عميق ينتظرون بزوغ الفجر لتنفيذ مكرهم وكيدهم. فصارت تلك الجنة بعد اخضرارها وبهجتها سوداء كالليل المظلم.



فمن العبر مما جرى: بيان سعة علم الله تعالى، وإحاطته بكل شيء، فبينا أولئك النفر يعقدون حبال المؤامرة على منع الحق في الأرض إذ بالعقوبة تتهيأ في السماء لتنزل عليهم.



ومن العبر: أن البخل بالحقوق يوصل إلى العقوبات المالية التي تورث الحسرات والندامات والخسارات.

وأن النعمة التي لا تحرس بالشكر والطاعة قد تنقلب إلى نقمة في لمحة بصر أحوج ما يكون صاحبها إلى تلك النعمة.



أيها الإخوة الكرام، ثم يقول الله تعالى: ﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ ﴾ [القلم: 21 - 25].



لقد أصبح الصباح ففرح أصحاب المزرعة ببزوغ نوره لتلبية رغبات النفوس الشريرة، فنادى بعضهم بعضًا صباحًا؛ لكي يذهبوا إلى مزرعتهم مبكرين؛ من أجل قطع ثمراتها قبل مجيء الفقراء، أو من أجل قطع الفقراء أو منعهم حقهم. فذهبوا مسرعين يكلم بعضهم بعضًا سراً؛ حتى لا يسمعهم الفقراء فيتبعوهم إلى المزرعة، فذهبوا وهم يعتقدون بأنهم قادرون على تنفيذ ما دبروه من غير مانع يحبسهم عن ذلك.



فماذا رأوا في جنتهم عندما بلغوها، وما الصورة التي شاهدوها حينما وصلوا إليها، وماذا قالوا حينما رأوا ذلك المشهد المؤلم الذي لم يتوقعوه؟ وهل كانوا على رأي واحد أو أنهم انقسموا في الرأي؟ وما كان حالهم وعاقبة أمرهم بعد فناء نعمتهم؟ سنتابع ذلك في الخطبة الثانية إن شاء الله تعالى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.



أما بعد:

أيها المسلمون، يقول الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ [القلم: 26، 27].



هنا مشهد الفاجعة، ورؤية الكارثة، ومشاهدة آثار العقوبة التي عمت النعمة التي لم يشكرها أصحاب الجنة. ولما كان هذا الأمر غير متصور في بالهم، وغير داخل في خيالهم، وصلوا إلى درجة الحيرة والشك وتكذيب أبصارهم فيما رأوا، فقالوا: لقد تهنا عن طريق جنتنا التي نعرفها، فلعل هذه الجنة غيرها، فنحن تركناها حسنة المنظر، طيبة الثمر!



غير أن سكرة التكذيب ذهبت بصحوة التصديق بُعيد التأمل، فتيقنوا حينها أنها جنتهم لا غيرها. فنكسوا على رؤوسهم واعترفوا بحرمانهم خيرها، وأنهم كانوا بعزمهم الذميم عن الحق ضالين، ومن الثواب محرومين.



أيها الأحبة الأفاضل، إن أصحاب الجنة لم يكونوا على درجة واحدة من العزم على تلك المعصية التي بيتوها، وأصبحوا ساعين إليها، بل كان فيهم ناصح منهم، لكنهم لم يستمعوا نصيحته، فغلبوه حتى صار معهم في غدوهم على مضض. فلهذا لما رأوا نزول العقوبة على مزرعتهم قام أفضلهم وخيارهم يذكرهم بنصحه السابق لهم قائلاً: ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ ﴾ [القلم: 28]. يعني: هلا استغفرتم الله من عزمكم السيء، وذكرتم الله ونزهتموه عما لا يليق به. فلما سمعوا منه هذا التذكير رجع إليهم صوابهم، وآبت إليهم عقولهم، وطار عنهم كبرياؤهم، فسمعوا كلماته ونصيحته الآن، ولكن بعد فوات الأوان.



قال تعالى: ﴿ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴾ [القلم: 29 - 31].



يعني: فنزهوا الله عن أن يكون ظلمهم بهذه العقوبة، بل اعترفوا على أنفسهم بأنهم هم الظالمون، ولام بعضهم بعضًا على سوء صنيعهم، وأقروا على أنفسهم بأنها تجاوزت حدود الله تعالى. فكان هذا الندم منهم والاعتراف بخطيئتهم توبة قدموها إلى الله تعالى، طامعين في مغفرته، وتبديله وفضله.



قال تعالى: ﴿ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ [القلم: 32].

ثم إن الله تعالى ختم هذه القصة - بعد أن أطلع المشركين على حال هذه الجنة التي لم يشكر أصحابها ربهم عليها قبل ذهابها - ببيان أن المصير واحد لكل من جحد نعم الله عليه، فقال: ﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [القلم: 33]. يعني: وهكذا يكون عذاب الدنيا لمن خالف أمر الله، ولكن العذاب الشديد هو عذاب الآخرة لمن لم يتب قبل موته.



أيها الأحباب، وبعد هذه النهاية المأساوية التي لقيتها جنة هؤلاء القوم الذين لم يشكروا الله على نعمته بها فيؤدوا حقه منها، ويذهب عنهم غرور الغنى، والكبر بالنعمة غير المشكورة؛ نقول:

♦ إن النعمة - أيًا كانت - هي ابتلاء من الله لمن أُعطيها: هل يشكرها أو لا يشكرها؟

♦ وأن الإحسان إلى المساكين والمحتاجين مما تحفظ به النعمة المالية من الكوارث والجوائح.

♦ وأن النعمة مهما اتسعت وعظمت ليست في مأمن من الفناء والمحق الذي قد يزيلها في طرفة عين.

♦ وأن الذنوب تورث العقوبات العاجلة، مهما امتد حبل الإمهال للمذنب.

♦ وأن بعض المصائب قد ترد بعض الناس إلى جادة الصواب، وتعيدهم إلى الحق بعد أن شردهم عنها البطر بالنعم.

♦ وأن حال الإنسان الدينية بعد ذهاب النعمة غير المشكورة قد تكون أحسن مما قبلها.



فيا من أسبغ الله عليه نعمة: اشكرها ولا تكفرها، واحفظها من عوامل الزوال ولا تضيعها، واحرسها بطاعة من أنعم عليك بها، واستعملها فيما يرضيه. وأحسن منها على الخلق، ولا تبخل بمنعهم حقهم منها.

وإياك أن تجعل نعمتك سبيلاً إلى الكبر على ربك، والظلم لأبناء جنسك.



فمن لم يعرف حق الله في نعمته، واستخدمها في معصيته، وسعى بها إلى إيذاء خلقه فليكبر عليها أربعًا، وليستعد لقبول العزاء عليها إن بقي بعدها، وليوفر لها دموع الحزن والحسرة، وزفرات الندم زفرة على إثر زفرة؛ فإنها ذاهبة بعقوبة نازلة مهما طال الزمن. ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38].

هذا وصلوا وسلموا على النبي الكريم...


[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في الشهر الثاني عشر سنة: (2016م).

[2] رواه البخاري.

rwm Hwphf hg[km>> ]v,s ,ufvF1D










عرض البوم صور طويلب علم مبتدئ   رد مع اقتباس
قديم 07 / 01 / 2018, 15 : 11 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة









عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
-->
-->

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط
-->

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018


-->