عرض مشاركة واحدة
قديم 07 / 04 / 2022, 49 : 03 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,290 [+]
بمعدل : 0.54 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 208
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
[كِتَابُ الصَّوْمِ ] :.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[ آية ٣٠؛ سورة النمل ٢٧]
{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز }[*]{ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد }
كِتَابُ « „ الصَّوْمِ ” »
{ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون } ".
[ ٤ ] فَضْلُ الصَّوْمِ
فضائل وخصائص شهر القرآن « „ رمضان ” »
.. الصيامُ وفق الشريعة الغراء الإسلامية ؛ وتبعاً للمنهجية الرسولية ؛ والطريقة النبوية المحمدية مدرسةٌ عقائدية وإيمانية.. وتربية عالية نفسية وتمارين إدراكية استيعابية عقلية ؛ وعموماً صحية للبدن والجسد وتصح به الروح والنفس والعقل والذهن معاً.. إذا سارت وفق أوامر الخالق للإنسان وموجد الحياة ومكون الكون ، وكيفما صام النبي الأمي محمد بن عبدالله وفطر وصلىٰ وقام واعتكف وشد مئزره وما فُعل ليلة القدر ، كما وأنه مدرسة تربوية تعليمية لمجتمع { اقْرَأْ } ، مبنية علىٰ عقيدة قوية وإيمان متين.. مبنية علىٰ سنة صحيحة.. تبدءُ مراحلها الأولىٰ بــ { وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } بناءً علىٰ خطاب الخالق الرازق -سبحانه وتعالىٰ-: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } وتخفيفاً لهذا التكليف نبه الذين أمنوا مِن أمة محمد.. أمة الإسلام بقوله -عز وجل-: { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } لكي تتحق الغاية الأسمىٰ المرجوة مِن علاقة العبد المطيع الواعي والفاهم للرب الرحيم السميع { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون }
وتكتمل خطوات الطاعة بــ الصبر بأنواعه، ومخالفة ميول النفس ورغباتها، وكسر شهوة الطعام والشراب وتنظيم مظاهر الغريزة واحترام النظام العام الخاص وتفعيله في السر والعلن ، والتزام الجماعة المؤمنة ، ورعاية الإنسانية بــ الإحسان إلىٰ الفقراء ، ومواساة المساكين والعطف علىٰ المحتاجين ، وتطهير الروح وتصفية النفس من شوائب الدنيا وسفاسف الأمور والانشغال بلذات العبادات مِن صلاة وذكر، وقيام واعتكاف وتلاوة للقرآن الكريم إثناء الشهر الفضيل شهر القرآن العظيم والذكر الحكيم والفرقان المبين كي يستشعر المؤمن حلاوة الطاعة وفق منهاج السماء وشريعة الأنبياء.. ليكمل بقية شهور السنة علىٰ منوال الشهر الفضيل..
.. إننا الآن في شهر ٍ عظيم مبارك ، ألا وهو شهر رمضان ، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن ، شهر العتق من النيران والغفران لذنوب الإنسان الضعيف والأثام والنزوات ، شهر الصدقات والإحسان ، شهر تفتح فيه أبواب الجنات ، وتضاعف فيه الحسنات ، وتقال فيه العثرات ، شهر تجاب فيه الدعوات ، وترفع فيه الدرجات ، وتغفر فيه السيئات ، شهر يجود الله -تبارك وتعالىٰ- فيه علىٰ عباده بكافة أنواع الكرامات وجزيل النفحات ، ويجزل فيه لأوليائه العطيات ، جعله الله موسمًا للخيرات ، وزادًا للتقوىٰ ولتنزيل البركات ، شهرٌ جعل الله -الحكيم الخبير- صيامه أحد أركان الإسلام ، فصامه المصطفىٰ -ﷺ- وأمر الناس بصيامه ، وأخبر عليه -الصلاة والسلام- أن مَن صامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم مِن ذنبه ، ومَن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم مِن ذنبه ، شهرٌ فيه ليلةٌ خير مِن ألف شهر ، مَن حَرمَ خيرها فقد حرم الخير الوفير ، فاستقبلوه بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة علىٰ صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلىٰ الخيرات والمبادرة فيه إلىٰ التوبة النصوح مِن سائر المعاصي والذنوب والسيئات والتناصح والتعاون علىٰ البر والتقوىٰ ، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلىٰ كل خير وفق كتاب رب العالمين وسنة سيد المرسلين وإمام المتقين لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم.

و
من روائع كلام الإمام ابن القيم -رحمه الله- قوله: «لَمّا كَانَ صَلَاحُ الْقَلْبِ وَاسْتِقَامَتُهُ عَلَىٰ طَرِيقِ سَيْرِهِ إلَىٰ اللّهِ -تَعَالَىٰ- مُتَوَقّفًا عَلَىٰ جَمْعِيّتِهِ عَلَىٰ اللّهِ وَلَمَّ شَعَثِهِ بِإِقْبَالِهِ بِالْكُلّيّةِ عَلَىٰ اللّهِ -تَعَالَىٰ-، فَإِنّ شَعَثَ الْقَلْبِ لَا يَلُمّهُ إلّا الْإِقْبَالُ عَلَىٰ اللّهِ -تَعَالَىٰ-، وَكَانَ فُضُولُ الطّعَامِ وَالشّرَابِ.. وَفُضُولُ مُخَالَطَةِ الْأَنَامِ.. وَفُضُولُ الْكَلَامِ.. وَفُضُولُ الْمَنَامِ مِمّا يَزِيدُهُ شَعَثًا، وَيُشَتّتُهُ فِي كُلّ وَادٍ وَيَقْطَعُهُ عَنْ سَيْرِهِ إلَىٰ اللّهِ -تَعَالَىٰ-، أَوْ يُضْعِفُهُ أَوْ يَعُوقُهُ وَيُوقِفُهُ اقْتَضَتْ رَحْمَةُ الْعَزِيزِ الرّحِيمِ بِعِبَادِهِ أَنْ شَرَعَ لَهُمْ مِنْ الصّوْمِ مَا يُذْهِبُ فُضُولَ الطّعَامِ وَالشّرَابِ، وَيَسْتَفْرِغُ مِنْ الْقَلْبِ أَخْلَاطَ الشّهَوَاتِ الْمعوقةِ لَهُ عَنْ سَيْرِهِ إلَىٰ اللّهِ -تَعَالَىٰ-، وَشَرْعِهِ بِقَدْرِ الْمَصْلَحَةِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بَهْ الْعَبْدُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ وَلَا يَضُرّهُ وَلَا يَقْطَعُهُ عَنْ مَصَالِحِهِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ، وَشَرَعَ لَهُمْ الِاعْتِكَافَ الّذِي مَقْصُودُهُ وَرُوحُهُ عُكُوفُ الْقَلْبِ عَلَىٰ اللّهِ -تَعَالَىٰ-، وَجَمْعِيّتُهُ عَلَيْهِ وَالْخَلْوَةُ بِهِ وَالِانْقِطَاعُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْخَلْقِ وَالِاشْتِغَالُ بِهِ وَحْدَهُ -سُبْحَانَهُ-؛ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذِكْرُهُ وَحُبّهُ وَالْإِقْبَالُ بَدَلَهَا، وَيَصِيرُ الْهَمّ كُلّهُ بِهِ، وَالْخَطَرَاتُ كُلّهَا بِذِكْرِهِ، وَالتّفَكّرِ فِي تَحْصِيلِ مَرَاضِيهِ وَمَا يُقَرّبُ مِنْهُ؛ فَيَصِيرُ أُنْسُهُ بِاَللّهِ بَدَلاً عَنْ أُنْسِهِ بِالْخَلْقِ فَيَعُدّهُ بِذَلِكَ لِأُنْسِهِ بِهِ يَوْمَ الْوَحْشَةِ فِي الْقُبُورِ حِينَ لَا أَنِيسَ لَهُ وَلَا مَا يَفْرَحُ بِهِ سِوَاهُ فَهَذَا مَقْصُودُ الِاعْتِكَافِ الْأَعْظَم.
و
قد استفاضت فضائل الشهر المبارك وكثرت، واشتهرت بفضله الأخبار وتواترت فيه الآثار، ففي الصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة، فــ خصَّ الله -عز وجل- شهر رمضان بفضائل وخصائص عن بقية الشهور، ومن ذلك:
.. - وقد أشار الله -سبحانه وتعالى- إلىٰ هذه الفوائد في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون }، فأوضح -سبحانه- أنه كتب علينا الصيام لنتقيه -سبحانه- فدل ذلك علىٰ أن الصيام وسيلة للتقوىٰ، والتقوىٰ هي: طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهىٰ عنه عن إخلاص لله -عز وجل-، ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبه ، فنبني جداراً ضد المعاصي ونفتح أبواباً للطاعات.. فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوىٰ ، وقربىٰ إلىٰ المولىٰ -عز وجل- ، ووسيلة قوية إلىٰ التقوىٰ في بقية شؤون الدين والدنيا. وعلىٰ مدار العام والأيام والسنين.
.. وكما فَرَضَ اللهُ -تعالىٰ- الصيامَ { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } فقد كتبه علىٰ مَن سبقكم من جميعِ الأُمَمِ وإِنْ اختلفَتْ بينهم كيفيتُه ووقتُه { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }.. ولولا أنه عبادة عظيمة لا غنىٰ للخلق عن التعبد بها لله وعمّا يترتب عليها من ثواب ما فرضه الله علىٰ جميع الأمم ،
.. فــ في السَّنَةِ الثانية مِن الهجرة أَوْجَبَ اللهُ -تعالىٰ- صيامَ رمضان وجوبًا آكدًا علىٰ المسلم البالغ، فإِنْ كان صحيحًا مُقيمًا وَجَبَ عليه أداءً، وإِنْ كان مريضًا وَجَبَ عليه قضاءً، وكذا الحائض والنُّفَساء، وإِنْ كان صحيحًا مُسافرًا، خُيِّرَ بين الأداءِ والقضاء، وقَدْ أَمَرَ -تعالىٰ- المُكلَّفَ أَنْ يصوم الشهرَ كُلَّه مِنْ أوَّلِهِ إلىٰ مُنْتهاهُ، وحدَّد له بدايتَه بحدٍّ ظاهرٍ لا يخفىٰ عن أحَدٍ، وهو رؤيةُ الهلال أو إكمالُ عِدَّةِ شعبانَ ثلاثين يومًا؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لَا تَصُومُوا حَتَّىٰ تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّىٰ تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»..
.. كما حدَّد له بدايةَ الصومِ بحدودٍ واضحةٍ جَليَّةٍ، فجَعَلَ -سبحانه- بدايةَ الصومِ بطلوع الفجر الثاني، وحدَّد نهايتَه بغروب الشمس في قوله -تعالىٰ-: ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ﴾، وبهذه الكيفيةِ والتوقيتِ تَقرَّرَ وجوبُه حتميًّا في قوله -تعالىٰ-: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ﴾، وصارَ صومُه ركنًا مِن أركانِ الإسلام، فمَنْ جَحَدَ فرضيته وأَنْكَرَ وجوبَه فهو مُرْتَدٌّ عن دِينِ الإسلام، يُسْتتابُ [ثلاثاً] فإِنْ تابَ وإلَّا قُتِلَ كُفْرًا [الحاكم الشرعي والقاضي الشرعي؛ وهذه الجزئية من الأحكام الشرعية العملية (الحدود.. العقوبات.. التعزير) غائبة في البحث اليوم والتنبيه)]، ومَن أَقَرَّ بوجوبه، وتَعَمَّدَ إفطارَه مِنْ غيرِ عُذْرٍ فقَدِ ارتكب ذَنْبًا عظيمًا وإثمًا مُبينًا يَسْتَحِقُّ التعزيرَ والردع (وهذه الجزئية تحتاج لتفصيل؛ فمَن داعب أو جامع زوجته في نهار رمضان.. أو افطر لسبب آخر عمدا يختلف عن مَن فعل ناسياً)...
- ومِنْ فوائد الصيام:
أنَّه مُوجِبٌ لتَقْوَىٰ الله في القلوب ، وإضعافِ الجوارح عن الشهوات ، قال -تعالىٰ-: ﴿لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾، في مَعْرِضِ إيجابِ الصيام؛ لأنَّه سببٌ للتَّقوىٰ لتضييقِ مَجاري الشهوات وإضعاف الرغبات وإماتتها؛ إذ كُلَّما قَلَّ الأكلُ ضَعُفَتِ الشهوةُ، وكُلَّما ضَعُفَتِ الشهوة قَلَّتِ المَعاصي. كــ تمرين عملي بالقدرة علىٰ كبح رغبات الطعام بلا ضابط والمشروبات بأنواعها دون تحكم والميل الجنسي حين حاكم..
فــ الغاية المرجوة مِن الصيام تحقق التقوىٰ التي أمر الله بها ووصَّىٰ بها جميع الأمم قال -تعالىٰ-: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}.
.. { أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ } تخفيفاً للتكليف وتقليلاً لعددها.. فــ يمتنع فيها المسلم عن جميع المفطرات مِن طلوع الفجر إلىٰ غروب الشمس بنية التعبد لله -تبارك وتعالىٰ-.. { أَيَّامًا } في العام؛ فهو مِن أعظم الطاعات التي يُتقرَّب بها إلىٰ الله -سبحانه وتعالى-، ويثاب المسلم عليه ثواباً لا حدود له، وبه تغفر الذنوب، وبه يقي اللهُ العبدَ مِن النار، وبه يستحق العبد دخول الجنان مِن باب خاص أُعدَّ للصائمين، وبه يفرح العبد عند فطره وعند لقاء ربه. فــ الصيام في رمضان هو ركن رابع مِن أركان بناء الإسلام ومَبانيهِ العِظام التي لا يكتمل إسلام المرء إلا بها .
.. أن الله -عز وجل- جعل صومه الركن الرابع مِن أركان الإسلام، وإيجابُ صيامِه علىٰ هذه الأُمَّةِ وجوبًا عينيًّا؛
الدليل:
أ . ] من القرآن العظيم : { شَهْرُ رَمَضَانَ .. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه }
ب . ] من السنة المحمدية العطرة : ثبت من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ»
.. تنبيه :
وَقَعَ في «صحيح البخاريِّ» تقديمُ الحجِّ علىٰ الصوم، وعليه بَنَىٰ البخاريُّ ترتيبَه، لكِنْ وَقَعَ في «مسلمٍ» مِنْ روايةِ سعد بنِ عُبَيْدةَ عن ابنِ عمر بتقديمِ الصومِ علىٰ الحجِّ، قال: فقال رجلٌ: «والحجُّ وصيامُ رمضان»، فقال ابنُ عمر: «لا، صيامُ رمضانَ والحجُّ، هكذا سمعتُ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-».
.. وهو معلومٌ مِن الدِّينِ بالضرورة وإجماعِ المسلمين علىٰ أنَّه فرضٌ مِنْ فروضِ الله -تعالىٰ-.
.. أن الله -عز وجل- أنزل فيه القرآن؛ فــ إنزال القرآنِ فيه لإخراجِ الناس مِن الظلمات إلىٰ النور بإذنه، وهدايتِهم إلىٰ سبيل الحقِّ وطريقِ الرشاد، وإبعادِهم عن سُبُلِ الغَيِّ والضلال، وتبصيرِهم بأمور دِينِهم ودُنْياهُمْ، بما يَكْفُلُ لهم السعادةَ والفلاحَ في العاجلةِ والآخرة، قال -تعالىٰ-: { شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِ }..
.. وقال أيضا: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ }
.. أن الله -تبارك وتعالىٰ- جعل فيه ليلةَ القدر، التي هي خيرٌ مِن ألف شهر، كما قال -تعالىٰ-: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ }
.. ميزة شهر رمضان.. شهر القرآن والصيام والقيام:
ومِنْ ميزةِ هذا الشهرِ العظيمِ ما يلي:

.. أنَّ لله -تعالت قدرته وسمت حكمته- في شهر رمضان في كل ليلة منه عُتَقَاءَ مِن النار، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:« إن لله -تبارك وتعالىٰ- عتقاء في كل يوم وليلة »- يعني في رمضان- ، و
«إِنَّ للهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ».
.. الدعاء
وقد كان مجيء قوله -تعالىٰ-: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون } بين آيات الصيام دليلاً واضحاً علىٰ أهمية هذه العبادة في هذا الشهر.
*.) والدعاء هو العبادة:
وهو يدل علىٰ افتقار العبد إلىٰ ربه وحاجته إلىٰ خالقه في كل حال، وقد سمَّاه الله -تعالىٰ- عبادة في قوله: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين }.
- ومِنْ فضائله:
أنَّ دُعاءَ الصائمِ مُسْتجابٌ؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «...وَإِنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً»
هذا.. وقد جاء في أثناءِ ذِكْرِ آيات الصيام ووسطها ترغيبُ الصائم بكثرة الدعاء في قوله -تعالىٰ-: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾
وشهرُ رمضان مَيَّزَهُ اللهُ -تعالىٰ- بميزاتٍ كثيرةٍ مِنْ بَيْنِ الشهور، واختصَّ صيامَه عن الطاعات بفضائلَ مُتعدِّدةٍ، وفوائدَ نافعةٍ، وآدابٍ عزيزةٍ.
« „ ١ ” ».. إضافة الصيام لله -تعالىٰ- تشريفاً لقدره وتعريفاً بعظيم أجره:
ومن فضائل الصوم : أن ثوابه لا يتقيد بعدد معيَّن بل يُعطىٰ الصائم أجره بغير حساب؛ عن أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: « „ قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ” »..
.. وتمام الحديث: « „ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ” » ..
.. أن الصوم لله -عز وجل- وهو يجزي به :
أمَّا فضائلُ الصيامِ فمُتعدِّدةٌ منها:- تُضاعَفُ فيه الحسناتُ مُضاعَفةً لا تَنْحصِرُ بعددٍ، بينما الأعمالُ الأخرى تُضاعَفُ الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سبعمائة ضِعفٍ؛ ..فــ مِنْ حديثِ أبي هريرة -رضي الله عنه- قالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ [له] يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ [الصيام] فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، [إنه ترك] يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ [وشرابه] مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» ..
. :" قال ابن رجب معلقاً علىٰ هذه الرواية :" الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلىٰ سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد، بل يضاعفه الله -عز وجل- أضعافاً كثيرةً بغير حصر عدد، فإن الصيام مِن الصبر، وقد قال الله -تعالىٰ-: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
.. ثم قال -رحمه الله-: "واعلم أن: مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب منها شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم [المكي أو النبوي.. أو المسجد الأقصى وإن لم يكن حرماً].. ومنها شرف الزمان، كـ شهر رمضان وعشر ذي الحجة.. فلما كان الصيام في نفسه مضاعفاً أجره بالنسبة إلىٰ سائر الأعمال كان صيام شهر رمضان مضاعفاً علىٰ سائر الصيام لشرف زمانه، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله علىٰ عباده وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني الإسلام عليها." .. فيَتَجلَّىٰ مِنْ هذا الحديثِ أنَّ الله اختصَّ الصِّيامَ لنَفْسِه عن بقيَّةِ الأعمال، وخصَّهُ بمُضاعَفةِ الحسنات ـ كما تَقدَّمَ ـ وأنَّ الإخلاص في الصيامِ أَعْمَقُ فيه مِنْ غيره مِن الأعمال؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «تَرَكَ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي». كما أنَّ الله -سبحانه وتعالىٰ- يَتَوَلَّىٰ جزاءَ الصائم الذي يحصل له الفرحُ في الدنيا والآخرة، وهو فرحٌ محمودٌ؛ لوقوعه علىٰ طاعةِ الله -تعالىٰ-، كما أشارَتْ إليه الآيةُ:﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ﴾ . كما يُسْتفادُ منه أنَّ ما يَنْشَأُ عن طاعةِ الله مِنْ آثارٍ فهي محبوبةٌ عند الله -تعالىٰ- علىٰ نحوِ ما يحصل للصائم مِنْ تَغيُّرِ رائحةِ فَمِهِ بسبب الصيام... وجاء في رواية لحديث أبي هريرة : لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزي به.
قال ابن رجب: "علىٰ [هذه الرواية] فالاستثناء يعود إلىٰ التكفير بالأعمال، ومن أحسن ما قيل في معنىٰ ذلك ما قاله سفيان بن عيينه -رحمه الله-، قال: هذا من أجود الأحاديث وأحكمها: « „ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلِيهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ حَتَّىٰ لاَ يَبْقَىٰ إِلاَّ الصَّوْم ، فَيَتَحَمَّلُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ ” » ؛. فيحتمل أن يقال في الصوم: إنه لا يسقط ثوابه بمقاصة (أي قصاص) ولا غيرها، بل يوفر أجره لصاحبه حتىٰ يدخل الجنة، فيوفىٰ أجره فيها.".. قال أيضا: (وأما قوله: " فإنه لي" أحسن ما ذكر في [معنى ذلك] وجهان:
أحدهما: أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت علىٰ الميل إليها لله -عز وجل-، ولا يوجد ذلك في عبادة أخرىٰ غير الصيام.. وقال :" أن الله اختص لنفسه العليا الصوم من بين سائر الأعمال وذلك لشرفه عنده ومحبته له وظهور الإخلاص له -سبحانه- فيه ".
فيكمل ابن رجب في :
الوجه الثاني: أن الصيام سِرٌّ بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلاَّ الله ، لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله، وترك لتناول الشهوات التي يستخفىٰ بتناولها في العادة." .. فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من الناس متمكِّناً من تناول ما حرَّم الله عليه بالصيام فلا يتناوله لأنه يعلم أن له رباً يطلع عليه في خلوته ، وقد حرَّم عليه ذلك فيتركه لله تقوتاً لربه وخوفاً من عقابه ورغبة في ثوابه ؛ فمن أجل ذلك شَكَرَ الله له هذا الإخلاص واختص صيامه لنفسه من بين سائر أعماله ، ولهذا قال : « „ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ” »..
بيان معنى الحديث :
ذكرَ أهلُ العلم أوجهً كثيرةً في بيان معنىٰ الحديث وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل، فــ
- قيل: أن الصيام لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره. و
- قيل: أن الله -سبحانه وتعالىٰ- ينفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. و
- قيل: أن الصيام أحب العبادات إلىٰ الله والمقدم عنده -سبحانه وتعالىٰ-. و
- قيل: أنّ إضافة الصوم لله -تعالىٰ- هو إضافة تشريف وتعظيم كما يقال: "ناقة الله" و"بيت الله". و
- قيل: أنّ الصيام لم يعبد به غير الله -تعالىٰ-.
..
« „ ٢ ” » الصيام من أفضل الأعمال عند الله -تعالىٰ-:
يُعد الصيام من أفضل الأعمال، فهو من الأعمال الصالحة التي لا عدل لها، فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: „ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ ” ، قَالَ:« „ عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ ” ».
« „ ٣ ” » الصيام جُنَّة من شهوات الدنيا وعذاب الآخرة:
الصيام جُنَّة، أي: وقاية في الدنيا وستر يقي الصائم من اللغو والرفث ، ولذلك قال: « „ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ” » و وقاية في الآخرة، فيقي المسلم في الدنيا من الوقوع في الشهوات والمعاصي، ويقيه في الآخرة من العذاب، فهو حصن حصين في الآخرة من النار. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « „ الصِّيَامُ جُنَّة، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ ” ».. وعنه -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهعليه وسلم قَالَ: « „ الصيامُ جُنَّةٌ وحِصْنٌ حصينٌ مِنَ النارِ ” ».. ويقيه أيضاً من النار ، فــ عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « „ الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ النَّارِ ” ».. وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « „ الصِّيامُ جُنَّةٌ من النَّارِ، كَجُنَّةِ أحدِكمْ من القِتالِ ” » ..
معنى هذا الحديث:
أن الصيام درع يقي الصائم من المعاصي في الدنيا ومن النار في الآخرة كما يقي الدرع المحارب حين القتال فيمنعه من طعنات العدو ويحميه من الموت بإذن الله -تعالىٰ-. وأن من صام يوما واحدا في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين عاما، كما ثبت لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ [مَنْ صَامَ] يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا بَاعَدَ [بَعَّدَ] اللهُ بِذَلِكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . قال القرطبي: „ سبيل الله طاعة الله، فالمراد من صام قاصدا وجه الله. ”.. وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « „ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ” ».. وعنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، أَنّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « „ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ مِئَةِ عَامٍ ” »

« „ ٤ ” » يتحقق بالصيام أجر الصبر:
فيجتمع في الصيام أنواع الصبر الثلاثة، وهي الصبر :
« „ ٤. ١ . ” » علىٰ طاعة الله، و
« „ ٤. ٢ . ” » عن معصية الله، و
« „ ٤. ٣ . ” » علىٰ أقداره -سبحانه وتعالىٰ-. فــ
هو صبرٌ :
« „ ١ . ” » علىٰ طاعة الله؛ لأن الصائم يصبر علىٰ هذه الطاعة ويفعلها. و
« „ ٢ . ” » صبرٌ عن معصية الله -سبحانه وتعالىٰ-؛ لأن الصائم يتجنب المعصية حال صيامه. و
« „ ٣ . ” » صبرٌ علىٰ أقدار الله -تعالىٰ-؛ لأن الصائم يصيبه ألم العطش وقرصة الجوع ونوبة كسل ولحظة ضعف النفس ، وفي الصيام اجتمع الصبر بأنواعه كلها فهو صبر علىٰ طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر علىٰ أقدار الله المؤلمة مِن الجوع والعطش وضعف البدن والنفس، فاجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة فــ كان الصوم مِن أعلىٰ أنواع الصبر؛ وتحقق أن يكون الصائم مِن الصابرين ، وقد قال الله -تعالىٰ-: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }.
« „ ٥ ” » الصيام كفارة للخطايا والذنوب:
أ . ] :" أن صيامَ رمضان سببٌ لتكفير الذنوب التي سبقته من رمضان الذي قبله إذا اجتنبت الكبائر، كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : أَنَّ صيام رمضان إلىٰ رمضان تكفيرٌ لصغائرِ الذنوب والسَّيِّئات وكبائرها.. لقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَىٰ الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَىٰ رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» .
قال: أن الصوم يكفر الخطايا
ب . ] إن الصيام من الأعمال التي يكفر الله بها الخطايا والذنوب، فعن حذيفة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « „ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ” »..
ومعنى هذا الحديث:
الإنسان يبتلى بماله وولده وأهله وبجاره المجاور له، ويفتتن بذلك، فتارةً يلهيه الاشتغال بهم عما ينفعه في آخرته، وتارةً يقصر في الحق الواجب عليه تجاههم، وتارةً قد يقع في ظلمهم ويأتي إليهم ما يكرهه الله من قول أو فعل، فيسأل عنه ويطالب به. فإذا حصل للإنسان شيء من هذه الفتن الخاصة، فيكون الصيام من إحدى الطاعات التي تكفر عنه ذنوبه.
« „ ٦ ” » الجود وقراءة القرآن
أ.] عن ابن عباس قال: « „ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ” ».
ب.] الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة:
فـ مِنْ فضائل الصيام: أنَّه يَشْفَعُ للعبد يوم القيامة، ويَسْتُرُهُ مِن الآثام والشهوات الضارَّة، ويَقيهِ مِنَ النار؛ عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ [إنِّي] مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ والشَّرَابَ [والشهوة]؛ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرْآنُ: [ربِّ] مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ»، قَالَ: «فَيُشَفَّعَانِ».. وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ»..
.. فائدة:
شهر رمضان هو شهر القرآن.. فينبغي أن يكثر العبد المسلم مِن قراءته، وقد كان حال السلف العناية بكتاب الله، فـ
أ.]. كان جبريل يدارس النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان، و
ب.]. كان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يختم القرآن كل يوم مرة، و
ج.]. كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، و
د.]. بعضهم في كل سبع، و
هــ.]. بعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فــ
و.]. كان للشافعي في رمضان ستون ختمه، يقرؤها في غير الصلاة، و
ز.]. كان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان.
وقال ابن عبدالحكم: "كان مالك إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف."
وقال عبدالرزاق: "كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن."
وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
قال ابن رجب: "إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان." .
الجزء الأول من فضائل شهر رمضان.. ويليه بإذنه الجزء الثاني .
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)

المصادر والمراجع يرجى مراجعة الكاتب!
سلسلة بحوث
﴿ سنن الأنبياء ؛ وسبل العلماء ؛ وبساتين البلغاء ؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
[كِتَابُ الصَّوْمِ ]
مُحَمَّدُ فَخْرُالدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى -
‏‏الأربعاء‏، 05‏ رمضان‏، 1443هــ ~ 06‏ أبريل ‏، 2022م









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس