25 / 03 / 2013, 30 : 02 PM | المشاركة رقم: 2 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ملتقى ماسي | البيانات | التسجيل: | 21 / 01 / 2008 | العضوية: | 19 | المشاركات: | 30,241 [+] | بمعدل : | 4.80 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 0 | نقاط التقييم: | 295 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح وواقع الأمر أن الدراونة الملاحدة يتخبطون بين هذين التصورين لحقيقة "العشواء" لديهم تخبطا عظيما، لأنهم يصرون على تغافل ذلك التناقض العميق في أصل النظرية. فهم لا يرون – على سبيل المثال - إشكالا في شرح فكرة النظرية بالقياس على النظم الحاسوبية الموضوعة لإفراز نتائج عشوائية Random Generators بحيث يقوم نظام مبرمج مسبقا بانتقاء النتائج الصحيحة كلما ظهرت ليضعها في مكانها (وهو المثال الذي ضربه دوكينز في غير مناسبة). فكلما ألزمناهم باللازم الواضح الجلي لهذه الصورة ولتلك "الميكانيزمية" العامة التي يتصورونها الموضوعة من الخارج وضعا مسبقا، ألا وهو وجود خالق غيبي قد وضع ذلك النظام كما وضعوا هم ذاك البرنامج الحاسوبي الذي قاسوا عليه، وأن هذا يقتضي أن تكون عقيدتهم في الحقيقة ليست نفي الخالق بالكلية كما يذهبون، وإنما إثباته مع نسبة النقائص إليه بادعاء أنه قد وضع نظاما حاكما لعملية ذات مفردات عشوائية طويلة الأجل لبناء الحياة على الأرض، فلا يدري إلى أين ستمضي بالمخلوقات ولا ما مصيرها، نفوا عن أنفسهم هذا اللازم نفيا شديدا، ولم يأتوا في ذلك النفي إلا بالمزيد من الأمثلة التي تزيدهم به تلبسا وهم لا يعقلون! فهذا دوكينز نفسه يؤلف كتابا في الدفاع عن فلسفة الداروينية فلا يسميه إلا "صانع الساعات الأعمى"، فإذا ما سئل عن ذلك قال إنه مجاز لا غير، كما أن كلمة "مخلوق" ليست إلا مجازا عندنا، وكلمة "خلق" لا نستعملها إلا مجازا .. الخ، مع أنه لما أراد أن يضرب مثالا لتلك "العشوائية المنظمة" للانتخاب الطبيعي التي شرحها في كتابه ذاك، لم يجد إلا أن يضع برنامجا حاسوبيا صغيرا من الصنف المذكور آنفا، سماه Biomorph، ثم أخذ يتكلم وكأن اضطراره هو نفسه لاختراع البرنامج حتى يضرب به مثلا لتلك "الآلية" الداروينية المزعومة، ليس في نفسه دليلا على الضرورة العقلية لوجود صانع قد صنعها هي نفسها من خارجها، فسبحان الله ما أشد جحودهم ومكابرتهم! فمحل التناقض في أصل نظرية داروين يكمن في حرص داروين وأتباعه على حشر العشوائية chaos في أصل ما يقولون إنه نظام محكم non-random حتى يجعلوه بديلا "طبيعيا" للخلق والخالق! فكيف يعقل أن يقوم نظام محكم على ترتيب تراكمي لأحداث يوصف كل واحد منها بأنه فوضوي عشوائي محض؟ الحدث الفوضوي العشوائي لا ينتظم مع غيره من الأحداث العشوائية في نظام مخصوص أو على قاعدة واحدة، إلا إن وجد تخطيط مسبق لذلك النظام وتقعيد خارجي لتلك القاعدة التي تفرز تلك الأحداث الفوضوية وتستهدف بناء مخصوصا من تراكمها (بناء سابق التصميم كحيز معلوماتي مخزون في أصل النظام). فإن سلمنا بوجود ذلك التخطيط المسبق (الذي تتعرف به العلاقة بين القفل والمفتاح، أو بين المخلوق والطبيعة التي تشترط عليه شروطا معينة حتى يتكيف معها ومن ثم ينتخب للبقاء فيها) لزمنا القول بوجود "مخطط خارجي" ضرورة، تأتي منه تلك الخطة وذلك النظام، بما فيه من استعمال للعامل العشوائي المزعوم هذا! ولكن يلزمنا كذلك - ومن ثم – نسبة ذلك المخطط الخارجي إلى النقص والعجز ضرورة، إذ لو كان قادرا على إحكام الخلق كما يريد، فلا وجه إذن لوقوع الأمر منه على هذه الصورة البائسة: نظام معلول متخبط يكون الأصل فيه هلاك كل مخلوق لنقصه وتخلفه عن التكيف مع الطبيعة التي خلق فيها، إلا ما يُتفق أن يظهر فيه "بالحدث العشوائي المحض" تلك الطفرة المفيدة التي تحيله إلى نوع قادر على البقاء والاستمرار! ومع مزيد من التأمل، يتبين لنا أن هذا ليس "نظاما" أصلا، ولا يعقل أن يصبح نظاما، فضلا عن أن يستمر لعشرات الملايين من السنين كما يزعمون، إذ الأصل فيه العطالة والعجز والفوضى المحضة، وبقاء الأمر مرتهنا في تلك الفوضى الشاملة بمجيء حدث "عشوائي" (الطفرة أو نحوها) في كائن من الكائنات من غير أي توجيه خارجي، ليجعله قادرا على البقاء! فبأي عقل ينشأ ما يصح أن يقال له "نوع" أصلا، في ظل تلك الفوضى الشاملة؟ كيف ينشأ من مجموع المخلوقات العاجزة الناقصة ما يصح أن يوصف بأنه نوع، ثم يبقى عاجزا في انتظار تلك الطفرة المحظوظة التي لن تأتي إلا بالعشواء في كل مرة، حتى تضيف إليه ما كان ناقصا؟ وأي نظام يكون في ذلك العبث أصلا وكيف يعقل أن يصير من تلك الفوضى "نظام" أو "آلية" كما يصر الدراونة على وصفه؟ هذا محال! لهذا نقول ونكرر مرارا في جواب موجز يأبى الداروينون أن يعقلوه: إن "النظام" لا يمكن في العقل المجرد أن ينشأ على أساس من الفوضى غير المحكومة بشروط خارجية وضوابط قانونية تكون سببا مباشرا في إنشائه (وليس نشأته)! ولا يمكن للشيء (أو النظام) أن "ينشأ" من تلقاء نفسه من غير سبب فاعل خارج عن ذاته! هذه ليست مسألة "احتمالية إحصائية"، هذه قضية من قضايا البداهة العقلية والضرورة المنطقية التي يأبى الدراونة أن يروها على حقيقتها! نحن نتكلم عن تناقض منطقي متجذر في أصل النظرية نفسها، لو تجرد القوم في تأمله لبان لهم أنه ليس ثمة "آلية" أصلا حتى تبدأ في العمل، فضلا عن أن تستمر في الأرض لملايين السنين! هذا التناقض المحض لا يمكن تداركه بتصوير الأمر بتلك الصورة التي صورها دوكينز في كتبه ومحاضراته، إذ يفترض أن النظام قد "نشأ" بحيث يكون فيه تعريف لما يصلح وما لا يصلح، مع آلية لتوليد القيمة العشوائية (توليدا صناعيا) حتى تبقى القيمة الصالحة وتفنى غير الصالحة، إلى أن يتم الأمر في النهاية على حسب التصميم الأول! فهو في ذلك يتكلم عن "نظام" سابق التصميم (كما صمم هو برنامجه الحاسوبي) فيه تعاريفه وآلياته التي تولد تلك الطفرات العشوائية الجديدة (بما فيها من معلومات قد تصلح وقد لا تصلح)، فإن ألزمناه بلازم ذلك الكلام قال أنتم لا تفهمون "الانتخاب الطبيعي"! والواقع أنه هو الذي لا يفهم الانتخاب الطبيعي، لأنه باجتماعه مع الطفرة العشوائية، يناقض ذلك المثال الذي يضربه له هو وأتباعه مناقضة واضحة، ويستحيل معه أن يوجد "نظام" أصلا من الأساس، بل يستحيل أن تبقى فيه مجموعة من المخلوقات لتتناسل وتتكاثر بما يكفي أن يتكون منها Speciation ما يقال له "نوع"! فالفطرة المزعومة التي تعين على البقاء هذه عند داروين لا تأتي تبعا لآلية تولدها توليدا عشوائيا، كما في المثال الذي يضربونه للمولدات العشوائية الحاسوبية، وإنما تأتي من غير آلية أصلا ومن غير نظام أو سبب نظامي، وهو سر تسميتها "بالطفرة" عندهم، وتسمية الانتخاب "بالطبيعي" (يعني انتخاب لا منتخِب له، أو فعل لا فاعل له)! فلو زعموا أن لها آلية سابقة التصميم هي التي تتسبب في ظهور الطفرات بمعلومات جينية مخالفة لما هو موجود مسبقا، سواء كان في تلك المعلومات فيها إضافة أو كان فيها نقص أو تغيير، فقد نقضوا أصل النظرية نفسه بذلك، وزعموا ما لا قبل لهم بإثباته، ولو أثبتوه للزمهم إثبات ما يفرون منه! ولهذا نقول إن فكرة الانتخاب الطبيعي تقتضي إثبات "الطبيعة" فاعلا مريدا له نظامه الذي به ينتقي وينتخب، وهذا يكشفه مجرد اسمها نفسه! ولكنه في نفس الوقت تصور يتناقض مع العشوائية المحضة التي يعتقدونها في الطفرات نفسها، وهو ما يستحيل معه المصير إلى ما يمكن تسميته "بالآلية"، ولهذا كان الدراونة ولا يزالون يتخبطون (فلسفيا وعقديا) بين الوجهين الذين قدمنا بذكرهما آنفا لمفهوم "العشواء المنظمة"! بهذا التحرير يتبين لك أن الأمر يرجع في تلك النظرية إلى إحدى خلصتين: إما إثبات الخلق (التنظيم والتخطيط) المحكم (وهو ما يعني وجود نظام محكم لا متسع فيه للفوضى والعشواء أصلا، بموجب إثبات الخالق وإثبات كماله الواجب عقلا) وهو ما يترتب عليه بطلان مفهوم "التطفر العشوائي" ومفهوم "البقاء للأصلح" ومفهوم الارتقاء و"التطور" ومن ثم إسقاط نظرية داروين، وإما نفي الخلق بالكلية ومن ثم نفي النظام (أو اللا-عشوائية) بالكلية ونفي مطلق معنى "الانتخاب" نفسه، وهو ما يترتب عليه إسقاط نظرية داروين كذلك، إذ إنها تقول بإثبات نظام عام فيه تعريف للصالح وغير الصالح، تتولد فيه المعلومات العشوائية أولا ثم ينتخب منها ذلك النظام ما يصلح للبقاء ثانيا! فتحصل من ذلك أنها نظرية ساقطة مردودة من أصولها العقلية الكلية على كل وجه، ولله الحمد والمنة. والعقل السوي يقتضي أنه إذا سقط أصل النظرية، سقطت معها جميع فروعها وأركانها وانهار بنيانها بأكمله. ومع هذا ترى من المسلمين من ينظر في تلك السفاهات العقلية التي تقوم عليها النظرية، ليقول هذه نرفضها وهذه نقبلها، لا لشيء إلا لينتهي في النهاية إلى التلفيق بين ما يتخذه الطبيعيون دليلا على صحتها، وبين القول بالخلق الرباني المحكم الذي يمليه عليه فطرته ودينه، مخافة أن يقال إنه يخرق "إجماع" الأكاديميات العلمية الكبرى في العالم ولا يقيم "للعلم" وزنا، فتراه يركب نسف المطية التي ركبها النصارى الغربيون المعاصرون من قبله، يدخل جحر الضب خلفهم، وإلى الله المشتكى! عقيدة التطويريين (أو القائلين بالتطور الموجه) تنطلق تلك الطائفة الجديدة في مسعاها النكِد هذا مستندة إلى تأويل بدعي لقوله تعالى في سورة العنكبوت: ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [العنكبوت : 20]. فهم يعتقدون أن الآية تأمرهم بالتنقيب في الحفريات للبحث في الكيفية التي بها جرت أحداث الخلق الرباني للدواب وسائر المخلوقات الحية على الأرض، حتى يصلوا بذلك إلى نظرية "علمية" بهذا الشأن. هذا التأويل الهزلي تعلق به رأسهم الدكتور "عمرو شريف" على غلاف كتابه الموسوم "كيف بدأ الخلق" وكأنه من مسلمات المسلمين، وكأن أحدا من أهل العلم بالشريعة والقرءان لن يجادله فيه وفي المصدر الذي جاء به منه! ولا شك أن من يجترئ على إحداث تأويل كهذا، وهو يعلم أنه لا قائل به من المسلمين قبله، لابد وأن يكون ممن لا يقوم في نفوسهم أي وزن للإجماع أصلا، ولا قيمة عندهم لفهم الأولين، ما لم يخدم ذلك الفهم غايتهم ويأتي على مزاجهم، وهذا من الأصول الاعتزالية "العقلانية" التي تتسم بها تلك الطائفة إجمالا. والقول في تأويل آية العنكبوت هو كما قال أئمة صنعة التفسير رحمهم الله تعالى، يقول الإمام الطبري رحمه الله: "وَقَوْله (( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْض)) يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْمُنْكَرِينَ لِلْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , الْجَاحِدِينَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب : سِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ اللَّه الْأَشْيَاء وَكَيْفَ أَنْشَأَهَا وَأَحْدَثَهَا ; وَكَمَا أَوْجَدَهَا وَأَحْدَثهَا اِبْتِدَاء , فَلَمْ يَتَعَذَّر عَلَيْهِ إِحْدَاثهَا مُبْدِئًا , فَكَذَلِكَ لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ إِنْشَاؤُهَا مُعِيدًا { ثُمَّ اللَّه يُنْشِئ النَّشْأَة الْآخِرَة }يَقُول : ثُمَّ اللَّه يُبْدِئ تِلْكَ الْبَدْأَة الْآخِرَة بَعْد الْفَنَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ." اهـ. أي: سيروا في الأرض فانظروا يا عقلاء كيف أن الله قد أنشأ الخلق الأول وبدأه تحقيقا، بدليل هذا الخلق الذي ترونه ماثلا أمامكم في الأرض حيثما ذهبتم، وهو معنى واضح يخاطب به العوام والخواص في كل زمان ومكان، ويخاطب به أهل كل ثقافة وحضارة على اختلاف مقدار ما لديهم من العلوم والمعارف، ولا يُشترط فيه علم مخصوص (كعلم الأركيولوجيا والباليونتولوجيا مثلا!!)، اللهم إلا فهم اللسان العربي الذي كان هؤلاء المبتدعة من أجهل الناس به! وهذا المعنى الواضح الصريح يعضده تأويل الآية السابقة لهذه مباشرة، حيث يقول تعالى: ((أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) [العنكبوت : 19]، فهي استفهام خبري غرضه إثبات أنهم رأوا بالفعل (أعني المخاطبين بهذا النص يوم نزوله عليهم، وكل مخاطب به إلى يوم الساعة) كيف "يبدئ الله خلق"، فسهل عليهم أن يقبلوا أنه بعد ذلك "يعيده" لأن مثله على الله يسير. يقول ابن جرير رحمه الله: " يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يَسْتَأْنِف اللَّه خَلْق الْأَشْيَاء طِفْلًا صَغِيرًا , ثُمَّ غُلَامًا يَافِعًا , ثُمَّ رَجُلًا مُجْتَمِعًا , ثُمَّ كَهْلًا . يُقَال مِنْهُ : أَبْدَأَ وَأَعَادَ , وَبَدَأَ وَعَادَ , لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد . وَقَوْله : { ثُمَّ يُعِيدهُ } يَقُول : ثُمَّ هُوَ يُعِيدهُ مِنْ بَعْد فَنَائِهِ وَبِلَاهُ , كَمَا بَدَأَهُ أَوَّل مَرَّة خَلْقًا جَدِيدًا , لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ." اهـ. فهذه أشياء يرون خلقها أمام أعينهم يقع كل يوم، يرون بالفعل كيف أن الله يبدؤه مرارا وتكرارا ولا يصعب عليه سبحانه، فتقوم بذلك حجة الآية عليهم في أن إعادته من بعد موته خلقا آخر في يوم الحشر لا تصعب ولا تتعذر على من سهُل عليه ذلك الخلق الأول الذي يرونه بأعينهم. هذا الفهم أجمع المسلمون عليه من يوم أن نزل القرءان وإلى يوم الناس هذا، إلى أن خرج هؤلاء ببدعتهم تلك! فنبذوا كلام أئمة التفسير وأهل التأويل خلف ظهورهم، واخترعوا تأويلا جديدا على المزاج والهوى، وقالوا إن الله يأمرنا في الآية بأن نمشي في الأرض لننظر كيف بدأ الخلق، مع أنه يحاججهم في الآية السابقة عليها مباشرة بأنهم قد رأوا بالفعل كيف "يُبدئ" الخلق سبحانه، وليس كيف "بدأ" الخلق في أول الزمان كما فهموا، فإن كانوا من عجمتهم قد اشتبه عليهم لفظة "بدأ" هذا الاشتباه، فما بالهم بلفظة "يبدئ" (المضارعة) في الآية قبلها؟ قالوا فلما مشينا ونظرنا، وجدنا نظرية تقول لنا إنه بدأ الخلق من خلية واحدة ثم أخذ يطوِّر عليها ويزيدها تعقيدا بالطفرات، فقبلنا تلك النظرية، وصرنا بذلك أول من عمل بأمر تلك الآية في تاريخ الأمة! فإنا لله وإنا إليه راجعون. مع أن العقل والبداهة تقتضي أن يكون هذا الذي أمر الله الناس بالنظر فيه، شيئا يسعهم أن يروه حتى تقوم به حجة الآيات عليهم ويتحقق المقصود! فكيف يعقل إذن أن يكون حقيقة هذا الأمر من الله أن: انتظروا عباد الله حتى يأتيكم من يمشي في الأرض "ليكتشف" كيف نشأت المخلوقات في أحداث دحي الأرض وبث الدواب فيها، فيتحصل لديكم أن البعث والنشور سيكون ارتقاءً داروينيا كما كانت هذه الأحداث "تطويرا"؟ ما هذا الهراء؟ إنه هراء أهل البدع والأهواء، عافانا الله وإياكم والمسلمين. وتأسيسا على هذا التأويل الفاسد المضحك لآية العنكبوت، اعتقدت تلك الطائفة مشروعية الجمع بين الاعتقاد بالخالق وصحة النص القرءاني إجمالا، وبين التسليم بصحة نظرية داروين (كلها أو بعضها)، وذلك من خلال الاستناد إلى المفهوم الأول للعشواء المنظمة الذي سميناه "بصانع الساعات الأعمى"، مع الاحتراز بادعاء أن ذلك "العمى" والنقص ليس لازما من مجرد قبول النموذج الدارويني التطوري، وإنما تجري عملية التطور هذه تبعا للإرادة الإلهية، فيقال لها إذن "التطور الموجه" تارة، و"التطوير" تارة أخرى، على تفاوت في تصورات من وقفت على كلامهم من أصحاب تلك العقيدة، بين مذهبين كليين يتخبطون تخبطا واضحا في الاختيار من بينهما: - مذهب من يرون أن الله قد خلق الكون والسماوات والأرض ثم أودع في الأرض سائر أسباب تكوُّن الخلية الأولى (التي هي السلف الأول لجميع الكائنات عند داروين) ثم "تركها" لتخضع "للنظام الطبيعي" الذي تصوره داروين (الذي حقيقته: عشوائية التطفر وهلاك الأنواع المتخلفة عن التكيف .. الخ)، من غير أن "يتدخل" في سيرها، مع علمه المسبق بنتائج المسيرة التطورية التي ستجري تحت ذلك "النظام". وهؤلاء في الحقيقة "دراونة" متمحضون في الداروينية كنظرائهم من دراونة أهل الكتاب سواء بسواء، وإنما يزيدون في اعتقادهم في مسألة "النشأة" الأولى على الدراونة الملحدين بأن أضافوا خالقا يجاب به عن السؤال: "إذا كانت الكائنات كلها قد تطورت بحسب نظرية داروين من أصل واحد، فمن أين جاء هذا الأصل الأول؟". فقالوا: جاء من الخالق الذي سبب له أسبابه، ثم تركه ليجري وحده من غير أن "يتدخل" فيه، مع كونه يعلم مستقبله ومآله، لأنه "بكل شيء عليم"! ................ (أ) - مذهب من يرون أن الله تعالى قد خلق تلك العملية كلها بجميع تفاصيلها (وليس أسبابها الأولى وحسب)، فكل ما ينسبه داروين للعشوائية، فهو عندهم فعل رباني تابع لإرادة مسبقة، يتسلسل في جملة من الأفعال المتتابعة حتى تجري عملية "التطور" هذه في إطار موجه يجعلها تبدو على هذا النحو الذي يعتقدون بأن العلم قد أثبته. وإنما كان ظاهره فيما يبدو لعلماء الأحياء أنه عشوائي وليس كذلك. فهم في الحقيقة ينفون عن "الطفرة العشوائية" صفة العشوائية (ومن ثم اسم الفطرة نفسه)، وينفون عن الانتخاب "الطبيعي" طبيعيته (على المفهوم الدارويني) إذ يجعلون ظهور الطفرة متى ظهرت، ووقوع الانتخاب متى وقع، أفعالا إلهية كلها. فيعتقدون بذلك أن الله قد قصد وأراد أن يجري الخلق على الأرض في سيناريو "تطويري" موجه ظاهره العشوائية الداروينية! .............. (ب) وكما سنبين فإن كلا المذهبين ضلالة ولا كبير فرق بينهما، إذ ليس بين الحق والباطل إلا الباطل، وإنما يتفاوت القولان في مقدار قربهما وبعدهما عن الحق (اعتقاد المسلمين) والباطل (اعتقاد الدراونة الملحدين). يجب أن يعلم كل مسلم ابتداء أن مجرد القول بأن الخلق كان "تطورا" أو "تطويرا" هذا سب وتنقص لحكمة الله تعالى وعلمه. ذلك أن خالقا كان لا يخلق إلا خلقا ناقصا متخلفا عن لوازم البقاء في الأرض والاستقرار النوعي، ثم "طور" ذلك الخلق تدريجيا و"حسنه" بما يناسب حتى يصلح للبقاء، كما تقول نظرية داروين، هذا خالق جاهل عابث، يلعب بلعبة التجربة والخطإ Try and Error ولا يدري هل يصلح ذلك الخلق ليبقى أم لا يصلح، فإذا ما هلك و أوشك أن ينقرض، خلق فيه "طفرة" جديدة لعلها تنقذه، فإما تنقذه فيبقى وإما لا تكفيه فيهلك وتهلك هي معه، سبحان الله وتعالى علوا كبيرا! لهذا كان لازم القول بالتطوير في الخلق (على أي وجه كان ذلك التطوير المزعوم) ناقضا لأصل العقيدة، ولولا احتمال خفاء ذلك اللازم على بعض المسلمين واشتباهه عليهم لحكمنا بكفر "التطويريين" هؤلاء البتة، لأن التنقص من رب العزة ومن حكمته وعلمه كفر أكبر مخرج من الملة ولا شك. يتبع.......
|
| |