عرض مشاركة واحدة
قديم 29 / 01 / 2008, 22 : 07 AM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
مسلم
اللقب:
عضو ملتقى نشيط
الرتبة


البيانات
التسجيل: 15 / 12 / 2007
العضوية: 8
المشاركات: 78 [+]
بمعدل : 0.01 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 219
نقاط التقييم: 12
مسلم is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
مسلم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مسلم المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
افتراضي

شروط لا إله إلا الله
خاتمة
[الكاتب: أبو بصير الطرطوسي]

قبل أن نختم هذا البحث الهام فقد آثرنا أن نودع القارئ بكلمات كتبت - عن لا إله إلا الله - بمداد من العرق والدم، علقت صاحبها على أعواد مشانق الطواغيت، للشيخ الشهيد - نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله - سيد قطب رحمه الله، اقتبسناها من كتابه القيم النافع " الظلال " وغيره.. عسى الله أن يهدي بها من ضل سواء السبيل ممن يحسبون أنهم على شيء أو يُحسنون صنعاً، إنه تعالى على ما يشاء قدير.

قال رحمه الله: كل من ينطق بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لا يُقال له إنه شهد إلا أن يؤدي مدلول هذه الشهادة ومقتضاها ومدلولها هو ألا يتخذ إلا الله إلهاً، ومن ثمّ لا يتلقى الشريعة إلا من الله..

ولن يكون الإسلام إذن هو النطق بالشهادتين دون أن يتبع شهادة أن لا إله إلا الله معناها وحقيقتها؛ وهي توحيد الألوهية وتوحيد القوامة، ثم توحيد العبودية وتوحيد الاتجاه.. هذا هو الإسلام كما يريده الله، ولا عبرة بالإسلام كما تريده أهواء البشرية في جيل منكود من أجيال الناس، ولا كما تصوره رغائب أعدائه المتربصين به وعملائهم هنا وهناك {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} .

وأي تعديل في هذا المنهج - ودعك من العدول عنه - هو إنكار لهذا المعلوم من الدين بالضرورة، يُخرج صاحبه من هذا الدين، ولو قال باللسان ألف مرة: أنه من المسلمين!

والإسلام منهج للحياة كلها من اتبعه فهو مؤمن وفي دين الله، ومن اتبع غيره ولو في حكم واحد فقد رفض الإيمان واعتدى على ألوهية الله، وخرج من دين الله مهما أعلن أنه يحترم العقيدة وأنه مسلم، فاتباعه شريعة غير شريعة الله يكذب زعمه ويدفعه بالخروج من دين الله!

{وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} .. إن من أطاع بشراً في شريعة من عند نفسه ولو في جزئية صغيرة فإنما هو مشرك، وإن كان في الأصل مسلماً ثم فعلها فإنما خرج بها من الإسلام إلى الشرك أيضاً، مهما بقي بعد ذلك يقول: أشهد أن لا إله إلا الله بلسانه، بينما هو يتلقى من غير الله ويطيع غير الله!

المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلام الحقيقية اليوم، إنها تتمثل في وجود أقوامٍ من الناس من سلالات المسلمين في أوطانٍ كانت في يومٍ من الأيام داراً للإسلام، يسيطر عليها دين الله، وتحكم بشريعته ثم إذا هذه الأرض وهذه الأقوام تهجر الإسلام حقيقةً وتعلنه اسماً، وإذ هي تتنكر لمقومات الإسلام اعتقاداً وواقعاً، وإن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقاداً، فالإسلام شهادة أن لا إله إلا الله.. وشهادة أن لا إله إلا الله تتمثل في الاعتقاد بأن الله وحده هو خالق هذا الكون المتصرف فيه، وأن الله وحده هو الذي يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية ونشاط الحياة كله، وأن الله وحده هو الذي يتلقى منه العباد الشرائع ويخضعون لحكمه في شأن حياتهم كله.. وأيما فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله بهذا المدلول، فإنه لم يشهد ولم يدخل في الإسلام بعد [38].

كائناً ما كان اسمه ولقبه ونسبه، وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله بهذا المدلول فهي أرض لم تدن بدبين الله ولم تدخل في الإسلام بعد.

وفي الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين وهم من سلالات المسلمين، وفيها أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للإسلام.. ولكن لا الأقوام اليوم تشهد أن لا إله إلا الله بذلك المدلول، ولا الأوطان اليوم تدين لله بمقتضى هذا المدلول!

إننا نجد في القرآن أن الله سبحانه لا يُعلم المسلمين العبادات والشعائر فحسب، ولا يُعلمهم الآداب والأخلاق فحسب - كما يتصور الناس الدين ذلك التصور المسكين - إنما هو يأخذ حياتهم كلها جملة، ويعرض كل ما تتعرض له حياة الناس من ملابسات واقعية، ولا يقبل من الفرد المسلم، ولا من المجتمع المسلم أقل من أن تكون حياته بجملته من صنع هذا المنهج وفق تصرفه وتوجيهه، وعلى وجه التحديد لا يقبل من الفرد المسلم ولا من المجتمع المسلم أن يجعل لحياته مناهج متعددة المصادر: منهجاً للحياة الشخصية وللشعائر والعبادات والأخلاق والآداب مستمداً من كتاب الله، ومنهجاً للمعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدولية مستمداً من كتاب أحدٍ آخر، أو من أي تفكير بشري على الإطلاق.. وإلا فلا إيمان أصلاً ولا إسلام، ولا إيمان ابتداءً ولا إسلام لأن الذين يفعلون ذلك لم يدخلوا بعد الإيمان ولم يعترفوا بعد بأركان الإسلام وفي أولها شهادة أن لا إله إلا الله التي ينشأ منها أن لا حاكم إلا الله ولا مشرع إلا الله.

نجد كثيرين في كل زمان يقولون: إنهم يؤمنون بالله، ولكنهم يشركون معه في غيره في الألوهية حين يتحاكمون إلى شريعة من صنع غيره، وحين يطيعون من لا يتبع رسوله وكتابه، وحين يتلقون التصورات والقيم والموازين والأخلاق والآداب من غيره، فهذه كلها تناقض القول بأنهم يؤمنون بالله.. ولا يستقيم مع شهادة الله سبحانه بأنه لا إله إلا هو.

وأعجب العجب أن ناساً من الناس يزعمون أنهم مسلمون ثم يأخذون في منهج الحياة البشرية عن فلان وفلان من الذين يقول عنهم سبحانه إنهم عمي، ثم يظلون يزعمون بعد ذلك أنهم مسلمون!

وليس لأحد من عباده أن يقول إنني أرفض شريعة الله، أو أنني أبصر بمصلحة الخلق من الله، فإن قالها - بلسانٍ أو فعل - فقد خرج من نطاق الإيمان.

فما يمكن أن يجتمع الإيمان وعدم تحكيم شريعة الله، أو عدم الرضى بحكم هذه الشريعة.. والذين يزعمون لأنفسهم أو لغيرهم أنهم مؤمنون، ثم هم لا يحكمون شريعة الله في حياتهم، أو لا يرضون حكمها إذا طبق عليهم، إنما يدعون دعوى كاذبة، وإنما يصطدمون بهذا النص القاطع {وما أولئك بالمؤمنين}.

لن يكون الإنسان مؤمناً بهذا الدين حتى يجعل مقوماته وموازينه هي الحاكمة في كل أمر وفي كل حال. ولن يكون مؤمناً بهذا الدين وهو يرى أن هناك تصوراً آخر، أو ميزاناً آخر، من وضع البشر واصطلاحهم، يجوز أن يتحاكم هو إليه - مع جاء به هذا الدين - فضلاً عن أن يتحاكم إليه هذا الدين!

ومن باب أولى لن يجد المسلم نفسه لحظة واحدة في موقف المعتذر عن حكم من أحكام دينه أو مقوم من مقومات تصوره.. لن يجد نفسه - بدينه - في موقف الدفاع !

إن دينه هو الأصل، هو الدين الذي لا يقبل الله من الناس غيره، هو الميزان الذي ليس معه ميزان.. وهو حين يعتذر لحكم من أحكام دينه، أو حين يقف - بدينه - موقف الدفاع، إنما يفترض أن هناك ميزاناً آخر - غير الميزان الذي يقيمه دينه - يجوز الاعتراف به بل يقبل أن يحاكم دينه إليه!

والأمر هنا يتعلق مباشرة بالعقيدة.. يتعلق بها وجوداً وعدماً.. وهو من ثم مزلق خطر يستحق الانتباه.. إن دينه هو الذي يقرر؛ لأن ما يقرره دينه هو ما يقرره الله دون سواه.

إن هناك في جميع أنحاء الأرض، في جميع الأزمنة والأعصار قاعدتين اثنتين لنظام الحياة لأن هناك في جميع أنحاء الأرض في جميع الأزمنة والأعصار، قاعدتين اثنتين لتصور الحياة: قاعدة تفرد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان.. ومن ثم يقوم عليها نظام للحياة يتجرد فيه البشر من خصائص الألوهية والربوبية والقوامة والسلطان، ويعترفون بها لله وحده فيتلقون منه التصور الاعتقادي، والقيم الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية والمناهج الأساسية للحياة الواقعية، والشرائع والقوانين التي تحكم هذه الحياة، ولا يتلقونها من أحد سواه.. وبذلك يشهدون أن لا إله إلا الله.

وقاعدة ترفض ألوهية الله سبحانه وربوبيته وقوامته وسلطانه.. إما في الوجود كـله - بإنكاره وجوده - وإما في شئون الأرض وفي حياة الناس، وفي نظام المجتمع وفي شرائعه وقوانينه، فتدعي أن لأحد من البشر: فرداً أو جماعة، هيئة أو طبقة، أن يزاول - من دون الله أو مع الله - خصائص الألوهية والربوبية والقوامة والسلطان في حياة الناس.. وبذلك لا يكون الناس الذين تقوم حياتهم على هذه القاعدة قد شهدوا أن لا إله إلا الله.

هذه قاعدة. وتلك قاعدة.. وهما لا تلتقيان، لأن إحداهما هي " الجاهلية " والأخرى هي " الإسلام "، بغض النظر عن الأشكال المختلفة، والأوضاع المتعددة والأسماء المتنوعة التي يطلقها الناس على جاهليتهم.. يسمونها حكم الفرد أو حكم الشعب.. يسمونها شيوعية أو رأسمالية.. يسمونها ديمقراطية أو ديكتاتورية.. يسمونها أوثقراطية أو ثيوقراطية.. لا عبرة بهذه التسميات ولا بتلك الأشكال؛ لأنها جميعها تلتقي في القاعدة الأساسية قاعدة عبادة البشر للبشر، ورفض ألوهية الله سبحانه وربوبيته وقوامته وسلطانه متفرداً في حياة البشر. انتهى.

وبعد :

هذا ما أردت تسطيره في هذا البحث الهام، راجياً من الله تعالى القبول، وأن ينفع به العباد والبلاد، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم لا نبتغي منها سمعة ولا شهرة، ولا رياءً.

إنه تعالى سميع قريب مجيب.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


[عبد المنعم مصطفى حليمة : أبو بصير | 20/7/1421 هـ]


--------------------------------------------------------------------------------

[38] لعل مراده أن يقول: هو يدخل بها الإسلام، لكنه لم يدخل الإسلام على الحقيقة التي تنفعه والتي يريدها الشارع منه.. وهو يدخل بها الإسلام لكن لا يستمر له وصفه وحكمه إن لم يأت بمدلولها ومقتضاها الآنف الذكر، والله تعالى أعلم.













عرض البوم صور مسلم   رد مع اقتباس